Monday, November 28, 2005

مصر في خطر

كانت كلمة "بلطجي" في العامية المصرية تُطلق في الأصل على تلك الفئة التي احترفت استخدام القوة إما لحسابها، أو لحساب غيرها من أجل ابتزاز المواطنين أو التعدي على حقوقهم، وسرعان ما أضحت البلطجة سلوكا وأسلوب حياة يعتنقه البعض.. نراه أحيانا على نطاق ضيق في نماذج بسيطة كصاحب تجارة استحوذ على رصيف المارة لحساب تجارته، أو حتى على نطاق واسع كصاحب نفوذ حقق ثروته بفرض سلطانه على الآخرين لنهب أموال الشعب، وبين هذين النطاقين مساحات واسعة من الممارسات البلطجية العنيفة في الشارع أو المدرسة أو العمل..إلخ. وكان من الطبيعي أن تتأثر العملية السياسية في مصر بتلك الممارسات المجتمعية، فجاءت انتخابات برلمان 2005 خير دليل على ظهور أهل البلطجة وعلو نجمهم بعد أن سُـلِّطت عليهم أضواء وكاميرات الفضائيات وراقبتهم عيون الشعب المصري بقلق بعد أن رأوا تدخلاتهم للتأثير على العملية الانتخابية لصالح أسيادهم، وهو ما اعترف به عدد ليس بالقليل من القضاة المشرفين على سير العملية الانتخابية في مصر... ولعل الخطورة هنا لا تكمن فقط في ضعف نزاهة العملية الانتخابية نتيجة التدخلات بقدر ما تكمن الخطورة في هذا المد الغوغائي وعلو شأنه أمام أعين المجتمع المصري، فبعد أن كان هؤلاء الغوغاء يمارسون تسلطهم على الشعب المصري من خلال أعمالهم البسيطة أو المتوارية التي تعتمد على النصب والاحتيال أضحوا الآن إحدى القوى المشاركة في العملية الانتخابية !

لقد تعرض العديد من المراقبين للعملية الانتخابية إلى الحديث عن موقف الأمن الذي كان سلبيا في العديد من المواقف التي صعد فيها المد الغوغائي العنيف، وهنا تعلّل رجال الأمن كما وضح من تصريحات بعض قياداتهم بعدم رغبتهم أن يكونوا نقطة ضعف إضافية في مسيرة الانتخابات فيلجأوا للاعتقالات أو القمع العنيف لتلك الممارسات الغوغائية التي صاحبت الانتخابات، غير أن حجم الاعتقالات في جماعة كجماعة الإخوان المسلمين مقارنة بحجم الاعتقالات بين من مارسوا البلطجة من أطراف أخرى يوضح أن القلق الرسمي كان من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك برغم ما دِّون في تقارير صادرة عن أن بعض مراقبي الانتخابات مورست ضدهم بلطجة من أنصار بعض المرشحين المستقلين أو حتى من بين بعض أتباع مرشحي الحزب الوطني.. بل إن بعض التقارير الصحفية تحدثت عن دور أمني في عرقلة مسيرة الانتخابات ومنع الناخبين من الوصول إلى لجانهم. وأثناء تلك الأحداث كانت الكثير من الأحزاب السياسية قابعة في مقارها محاصرة بالعديد من القيود السياسية والمجتمعية التي تعوق أنشطتها أو التعاون معها، على عكس ما جرى في انتخابات رئاسة الجمهورية لعام 2005 و ما حدث فيها من علو شأن رؤساء الأحزاب كمرشحين رئاسيين، فاليوم خطفت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا الأضواء، وأضحت أكثر شراسة إعلامية في الدعاية لنفسها، وفي كل تلك الأجواء ظهرت قوة جديدة أضحت أكثر نجومية، تعمل لحساب الجميع، وهي قوة البلطجة.. فَعَـلا شأن رعاع الشارع المصري حتى أنهم لم يخفوا أسلحتهم البيضاء من أمام الكاميرات، بل حاولوا إرهاب الجماهير وكأنهم يعلنوا عن وجود قوة جديدة لها تأثيرها على العملية الانتخابية ومسيرة السياسة في البلاد.عندما يثار الحديث عن الانتخابات البرلمانية في مصر نجد أن أغلب الحوار ينصب على جماعة الإخوان المسلمين ومرشحيها وما حققوه من مفاجآت، مثلما كان الحديث من قبل - وقت انتخابات الرئاسة المصرية 2005- ينصب على المرشح الرئاسي أيمن نور الذي نال المرتبة الثانية بعد الرئيس مبارك في حيازة أصوات الناخبين. ولعل جماعة الإخوان المسملين الآن هي نجم الموسم، غير أن خطرها الذي يحذر منه الكثيرون لن يكون أبدا في قوة خطر هؤلاء الرعاع من (البلطجية) الذين أصبحوا إحدى القوى السياسية المؤثرة على العملية الانتخابية، إن الخطر الحقيقي يكمن عند هؤلاء من عديمي الضمير ممن يبحثون عن منفعة وقتية من وراء هذا الموسم الانتخابي، فاليوم يلعبون لصالح غيرهم، غير أننا لا نعلم إذا ما كانوا سيلعبون لعبتهم غدا لحسابهم الخاص أم لا..!
نرجو من الحكومة المصرية ألا تدع مجالا لأهل العنف والبلطجة كي يَـنفُذوا منه للمشاركة في إدارة إحدى العمليات السياسية المهمة بالدولة بأسلوبهم الغوغائي البغيض، فمراهنة الدولة على قدرتها على التحكم في الرعاع و على أنشطتهم الفوضوية غير مأمونة العواقب، فكثير من الحركات الخارجة بدأت من أمثال هؤلاء ممن ظن حكامهم أن أمرهم بأيديهم، كما أن سقوط عشرات المصريين جرحي إلى جانب قتل بضع أشخاص لهو أمر غير مأمون العواقب ويزيد من الفجوة بين المواطن وبين المشاركة في الأحداث السياسية. إن مصر في حاجة إلى قمع سلوكيات البلطجة تماما من البلاد حتى ترتقي إلى الأفضل، فعليها أن ترسخ فكر جديد يدير حركة مؤسسات المجتمع.. فالحذر الحذر من السماح للغوغاء وأهل العنف بإدارة العمل السياسي في مصر والتحكم فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــ

Tuesday, November 8, 2005

آخر الفتن السكندرية

من بين العديد من الأراضي التي زحف عليها الاسكندر الأكبر، كانت بقعة وحيدة على أرض مصر هي التي اختارها كي تكون مدينته الخالدة، فكانت الإسكندرية.. وهيئ الله لتلك المدينة أن تولد كعاصمة لدولة البطالمة.. ورثة الاسكندر، وأن تأخذ من الامتيازات ما يوفر لها استقلالها الإداري والقضائي الذي انعكس فيما بعد على شخصية المجتمع السكندري نفسه، فأصبح لديه شعورا خاصا بالتميز على بقية المدن المصرية، وزاد من هذا الإحساس ذلك التنوع الثقافي والسكاني الذي شهدته تلك المدينة التجارية التي تحولت في وقت قصير إلى واحدة من أهم مدن العالم القديم. كانت طبيعة المواطن السكندري.. منفتح، متقبل لثقافات الآخرين، يجمع ما بين أخلاقيات البحار والتاجر سويا فكان متعاونا مع الغرباء حريصا على مصالح الآخرين، غير أن بعض الفترات قد تبدل فيها الحال، فوجدنا صراعات بين الأديان أو الثقافات نتيجة تدخلات من الحكام أو كنتيجة لتأثيرات دولية، أو حتى بسبب جماعات المصالح المستفيدة من مثل تلك الأجواء.

كان من أسباب الفتن السكندرية تدخلات الحكام ضد أو مع إحدى فئات المجتمع، وهو ما عبَّر - وقتها - عن ضعف سياسات الدولة وعدم قدرتها على الإدارة السليمة، وهو ما حدث في النصف الثاني من عهد حكم البطالمة عندما وجدنا - على سبيل المثال - محاولات من ملوك البطالمة لإكراه اليهود على اعتناق ديانة البطالمة، في الوقت الذي جاء فيه هذا الأمر بعد هجرات يهودية إلى الإسكندرية، فما كان من إغريق المدينة إلا وأن بدأوا هم أيضا في حملاتهم الدعائية ضد اليهود وضد معتقداتهم، وتراشق الفريقان بالخطب والرسائل... ونجد نفس السياسات (الحكومية) الخاطئة تتكرر من قِبَـل بعض الحكام المسلمين عندما شهدت العصور الإسلامية في مصر تأرجحا في التعامل مع غير المسلمين ما بين التضييق عليهم أو محاباتهم بصورة فجة، فأحيانا ما كنا نجد مسئولا في الدولة من غير المسلمين وقد اشترك في مخالفات في حق المواطنين، فتكون الفرصة الوحيدة للمواطنين كي ينالوا منه ومن أبناء ديانته عندما تتغير سياسة الحكومة ضد غير المسلمين و تبدأ في التضييق عليهم، و قد شهدت الإسكندرية فتنة من هذا النوع وقت حكم المماليك في عهد الناصر محمد بن قلاوون وخلفائه، عندما اضطربت المدينة وأُحرقت دور العبادة وجرت العديد من الصدامات، فكان هذا التضييق على غير المسلمين من قِبَـل الحكومة فرصة وإشارة لفئات الشعب المقهور كي ينال من عزيز قد ذل، وموظف للدولة – من أهل الذمة- يعيش فترة ضعف وانتكاسة لغضب الحكومة عليه..!

وكان من ضمن أسباب الفتن السكندرية تدخلات خارجية وتبدل في السياسات الدولية... فعلى سبيل المثال، عندما أعلن الإمبراطور جوليان المرتد (361-363 مـ) كفره بالمسيحية، وتشجيعه للفلسفة والممارسات الوثنية، كانت بداية الصراع الديني في المدينة، وعندما أعلن الإمبراطور ثيودوسيوس الأول (379- 395 مـ) المسيحية دينا رسميا للإمبراطورية كانت تلك فرصة لرجال المسيحية أن يهدموا معبد السرابيوم معقل الفكر الوثني والفلسفي، في محاولة منهم لإحكام سيطرة المسيحية - وحدها - على المدينة

وما الأسباب الخارجية إلا غطاء لأسباب داخلية.. كظهور إحدى القوى الداخلية التي تستغل الدين في السيطرة على الجماهير وتكوين كيان خاص بها... فعلى سبيل المثال قد تم التنكيل ببعض الفلاسفة ممن لم يدينوا بالمسيحية في مدينة الإسكندرية على يد رجال الدين المسيحي من أجل قهر الوجود الفكري غير المسيحي بالمدينة، ولعل أشهر تلك الحوادث ما جرى للفيلسوفة "هيباشيا" عام 415 مـ التي تم الاعتداء عليها والتمثيل بها تحت أعين بعض رجال الكنيسة تنكيلا بالفلسفة وأهلها، وإرهابا لهم كي يتركوا المدينة، وتقوية للكنيسة ورجالها في المجتمع السكندري والمصري، وتعبيرا عن أن هناك من ينافس الحكومات الداخلية (= الولاة الرومان) في المجتمع.

قد تكون هناك أسباب خارجية تقوي البعض في الداخل وتدفع به كي يجرب الثورة، كتلك الحادثة التي جرت عام 608 هـ عندما فكّر مجموعة من الحمقى قدروا بثلاثة آلاف من التجار الفرنج استغلال المد الصليبي نحو المشرق كي يستولوا على الإسكندرية، وفشلوا فشلا ذريعا.. وهناك العديد من الحوادث التي انصاعت فيها بعض القوى الداخلية لقوى خارجية.. غير أن الفتن الحقيقية هي تلك التي تتكون داخليا بين سكان المدينة الواحدة، دون قوات خارجية تساندها.

مؤخرا... وقعت آخر الفتن السكندرية عندما تجمهر المسلمون حول إحدى كنائس المدينة، وسادت هناك أجواء من التعصب أفضت إلى إصابات وخسائر مادية، وانتشرت روح البغضاء بين أبناء الطائفتين على إثر انتشار تسجيل لإحدى المسرحيات اعتبرها الكثيرون مسيئة للإسلام، والتي تم تصويرها داخل تلك الكنيسة، فعادت أجواء الفتن السكندرية إلى الظهور مرة أخرى. وهنا.. نجد أن أغلب أسباب الفتن السكندرية مازالت تتكرر، فالأجواء الدولية لها تأثيرها في جعل بعض المسلمين في حالة تحفز تجاه كل حديث عن الإسلام، ولكن.. تظل الأسباب الداخلية هي الأقوى دائما في إحداث الفتن.. فعلى ما يبدو أن هناك أيضا من يسعى لفرض نفوذه باسم الدين من داخل الكنيسة ومن بين المسلمين.. فيستغل الناس ويستخدمهم في مثل تلك الأحداث، مثلما كان الأمر قديما، أما عن تدخلات أو سياسات حكومية داخلية نستطيع أن نقدمها كسبب وراء هذا الحدث، فلا نستطيع أن نجد أثرا حكوميا واضحا وراء تلك الفتنة السكندرية الأخيرة، غير أننا نلاحظ أن هناك اعتقاد لدى بعض المسلمين أن الحكومة تعرقل سير أي قضية يكون أحد طرفيها من المسيحيين خصوصا في المسائل ذات الطابع الديني أو السياسي، ويكون ذلك لصالح الجانب المسيحي درءا للمشاكل.. ونحن لا نعلم أصل هذا الاعتقاد... غير أن كل تلك الأمور تجعلنا نرى أن أسباب الفتن السكندرية طوال تلك القرون كانت متقاربة، فعلى المصريين - على الصعيدين الشعبي والحكومي - الانتباه لمثل تلك الأسباب.
نتمنى للمجتمع السكندري أن يعود إلى نشأته الأولى حرا طليقا، قادرا على استيعاب الكل.. بكل ما فيه من اختلافات، فكل ما نخشاه أن تكون الهجرات الداخلية إلى الإسكندرية قد أفقدتها روحها الأصيلة، وطمست شخصيتها، فأصبحت اليوم في حاجة إلى بعث من جديد، لكن.. تبقى تلك المهمة الآن هي مهمة السكندريين وحدهم فقط.
ــــــــــــــــ

Thursday, October 27, 2005

أوكار التعصب الالكترونية

انحصرت أخطار الانترنت لدى البعض في أبعاد أخلاقية تتعلق بتصفح المواقع الإباحية أو تكوين علاقات غير مشروعة عبر الانترنت.. غير أن خطورة الانترنت قد جاوزت تلك الأمور بمراحل فأصبحت متهمة بأنها أحد أسباب تنمية روح الكراهية والتعصب بين مرتادي الانترنت . قد يُصدم البعض ويصاب بالكآبة عندما يَتجول بين مواقع الانترنت المختلفة فيجد بعض المواقع التي تسمح بالتفاعل بين روادها كالمنتديات الالكترونية وغرف الدردشة وغيرها.. قد توافرت فيها مساحات لا بأس بها لممارسة العنف اللفظي والتعصب والكراهية، مما قد ينتج عنه أحيانا حروبا قبلية (الكترونية) يحاول فيها أحد الأطراف تعطيل أحد المواقع المعادية أو على الأقل إفساد الأجواء بها، وقد يكون سبب تلك المعارك عرقي شعوبي أو حتى بسبب التعصب الرياضي، غير أن أعنف المعارك مازالت تلك المتعلقة بأسباب دينية أو مذهبية، فقد أصبح من اليسير على بعض أهل تلك الساحات الالكترونية من المتعصبين أن يكفـِّر مذهبا بأكمله يضم ملايين المسلمين، أو أن يعلن جهارا عن احتقاره أهل أحدي الديانات الأخرى ناعتا إياها بأبشع الألفاظ.. فالأمر عندما يتعلق بالدين نجد العنف قد تم تبريره تحت أي دعوى مثالية كالدفاع عن دين الله أو الجهاد الالكتروني..الخ، ويزيد نشاط العنف اللفظي داخل تلك الساحات كلما ظهر حدث يؤجج مشاعر الحقد والكراهية. وللأسف.. فاليوم لم يعد الأمر منحصر في داخل تلك الساحات الإلكترونية فقط، بل أخذ رواد تلك الساحات في نقل المادة التي تحض على الكراهية والتعصب من داخل مجتمع الانترنت الافتراضي إلى المجتمع الواقعي، سواء كانت فتاوى غريبة، أو أخبار ملفقة.. فينتقل كل هذا من المجتمع الافتراضي إلى المجتمع الواقعي، و تتحول المعارك الالكترونية إلى معارك حقيقية تسفر عن خسائر بشرية من لحم ودم، وليست خسائر في جهاز كمبيوتر أو موقع الكتروني .
لعلنا قد لا نشعر بهذا الدور الخفي لساحات التعصب الالكترونية وما تقوم به من تأجيج نار الحقد في النفوس.. خصوصا بين الشباب الذي يمثل أكثر زبائن الإنترنت التي حوَّلها البعض - للأسف - من أداة للتواصل مع الآخر إلى أحد عوامل رفض الآخر وكراهيته بما انتشر فيها من مواد تحض على الكراهية والتعصب... فولـَّد ذلك تحفزا لدى أبناء الوطن الواحد ممن اختلفوا عرقيا أو مذهبيا ضد بعضهم البعض، فأصبح كل طرف ينتظر موعد الفتنة القادمة كي يشفي غليله من الآخر.

على ما يبدو أن الحل هنا ليس بحجب تلك الأوكار على طريقة بعض الأجهزة الأمنية في بعض الدول العربية عندما تحجب المواقع الإلكترونية المخالفة لسياساتها، فمثل تلك المشاكل لا تحل بأسلوب الضبطيات الأمنية بقدر ما يكون الحل الأمثل لدى وسائل الإعلام.. التي عليها أن تسلط مزيدا من الأضواء على تلك الساحات التي تعج بالتعصب، لا بغرض رصد ظاهرة غريبة أو طريفة، بل لمواجهة مرتادي تلك الساحات بأخطائهم بعد أن أصبحت بعض تلك الساحات مكانا لنشر بيانات الجماعات التفجيرية وغيرها.. إن الحل الحقيقي يكون بتوعية المجتمع بأخطار ما تقوم به تلك الساحات الالكترونية من تعبئة للنفوس بالكراهية .
ومن هنا.. نقدم دعوة لكل من يتعامل مع الانترنت ألا يسهم في تقوية تلك الساحات الالكترونية الكريهة بمشاركاته.. وألا ينساق وراء حملات الكراهية غير المنظمة التي تنتشر عبر الانترنت، فليس هناك من عذر يبرر ممارسة التعصب أو الكراهية تجاه الآخرين، إلى جانب هذا... فقد يكون هناك من ينشر روح التعصب بين شباب العرب عن عمد لأهدافه الخاصة التي قد يستند في تحقيقها يوما ما إلى تواجد تلك الروح البغيضة في مجتمعاتنا.
في النهاية.. ورغم كل هذا مازلنا على أمل أن تكون الإنترنت إحدى وسائل تنمية مجتمعاتنا وليست إحدى وسائل تخريبها.
ـــــــــــــــــــــــــــ

Thursday, October 13, 2005

نحن وإرادة الله

في حديثه مع قناة العربية اعتبر الدكتور زغلول النجار عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر أن الكوارث الطبيعية "عقابا للعاصين وابتلاء للصالحين وعبرة للناجين"، و أضاف أن الزلازل والبراكين "جند من جند الله" يسخرها على من يشاء، وهذا الرأي على ما يبدو ليس رأيا خاصا بالدكتور زغلول وحده، فقد سادت حالة من الرضا بين بعض الأوساط في عالمنا العربي والإسلامي عند حدوث إعصار "كاترينا" بالولايات المتحدة الأمريكية الذي خلَّف وراءه آلافا من القتلى والمشردين، وخسارة تقدر بمليارات الدولارات... وقتها قال البعض أن هذا عقاب إلهي لأمريكا على أفعالها، وعندما وقع الزلزال الأخير بباكستان الذي راح ضحيته آلافا من المسلمين، اضطرب هذا الفريق فراحوا يبحثون عن الذرائع التي تقدم هذا الزلزال على أنه غضب إلهي.. مثلما جرى من قبل مع كارثة تسونامي. للأسف أننا نجد من هم في علم الدكتور زغلول النجار ممن ينظِّرون لهذا الفريق الذي يبحث عن كوارث الآخرين كي يشمت في مصائبهم، وكأن الله قد انتصر لهم شخصيا، إن هذا الاتجاه يمثل نوعا من التدخل في فهم الإرادة الإلهية، فأن نقوم نحن البشر بتفسير الكوارث المحيطة بنا على أن الله يريد بها كذا وكذا.. فهذا تجاوز للحدود..! قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوب (116) المائدة.
هكذا كان نبي الله عيسى ابن مريم، أعلن أنه لا يعلم ما في نفس الله. ولا يحيط بإرادته أو حتى يستطيع توقعها، سنقول ما قاله عيسى بن مريم عليه السلام ونعلن أننا لا نعلم ما في نفس الله، ولا نحيط بما أراده الله من مثل تلك الكوارث. لنتذكر معا الآيات (65 : 82) من سورة الكهف التي تحدثت عن قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح، فقد عرضت تلك الآيات العديد من التصرفات التي أقدم عليها العبد الصالح والتي كان بعضها بمثابة الكوارث لسيدنا موسى.. كانت النهاية أن اتضح لموسى عليه السلام أن كل تلك التصرفات من العبد الصالح كانت لحكمة عند الله أوضحها العبد الصالح في ختام الآيات.. إذن فعلينا ألا نأوِّل الأحداث من حولنا وكأننا قد أحطنا بإرادة الله وفسرناها.. لنعد إلى بشريتنا ولا تصيبنا نشوة الإيمان فنظن أن الله كأحد الرفاق الذين نستطيع فهم إرادتهم والإحاطة بها. في النهاية... أعتقد أننا لو كنا مشغولون بعمل ما، ما لجأنا إلى الاستصراخ بكارثة طبيعية نظن أن فيها نجدتنا أو خلاصنا.
http://www.scribd.com/doc/20005878/
ـــــــــــــــــــــــــــ

Wednesday, October 12, 2005

في تقليد الشعراء

اليوم أعلن أسراري
أمام عدوي وصديقي
وأكشف كل أوراقي
وأفرغ كل صناديقي
في بحار الألم والحسرة
مع موج الحزن والضيق
يسحبني الموج إلى أسفل
فيطفيء ناري وحريقي
أضعت بهائي الفرعوني
وفقدت لوني وبريقي
في الماضي كنت الإسكندر
ملكا على كل الإغريق
واليوم أبكي على مُلكٍ
قد ضاع بكثرة تلفيقي
يوميا أسرد أحزاني
وأغني دوما يا رفيقي
أغني الماضي لأحفادي
مقابل صوت التصفيق
هذا إفطاري وغدائي
هذا ما يجري له ريقي
ألديك النية لعلاجي
بعلاج شاف وحقيقي..؟

Tuesday, October 11, 2005

لا تكفروا بالعروبة

بين الحين والحين يخرج علينا من يزعم أن هوية مصر الفرعونية هي الهوية الوحيدة الواجب على كل مصري أن يعتنقها بعيدا عن هويته العربية, و هذا الرأي لا يعتنقه إلا شريحة قد لا تمثل نقطة في بحر إذا ما قورنت بعدد سكان مصر الذي تجاوز السبعين مليونا.. وعموما فدعاوى إنكار العروبة قديمة ومتجددة وأصابت الكثير من دولنا العربية أيضا.
في البداية..علينا أن نعترف أن صدمة قوية قد أصابت المجتمع المصري عقب هزيمة يونيو 1967, فتحولت معها مصر من دولة داعمة إلى دولة مدعومة, ليكتشف الكثير من أبناء مصر أن ما كان يُتلى عليهم ليل نهار من حديث عن العروبة ودعم حركات التحرر في العالم, لم يفدهم في شيء وقت سقوط بلادهم مهزومة ذليلة. فكانت الهزيمة وما تبعها من سياسات ساداتية سببا في جعل علاقات مصر العربية في حالة من الترهل بعد أن سقطت مصر في بحر الوحدة والإذلال, وكأنها تورطت في الأمر وحدها, فأوجد ذلك مرارة لدى العرب والمصريين معا, فجاءت العودة إلى العرب بعد ذلك في شكل علاقات لا بد منها.. ولعل الكثير من الدول العربية قد مرت بمثل هذا الموقف وأخذت تعيد حساباتها مع العروبة. كل تلك العوامل كانت دافعا لظهور تيار ساخط في مصر يذهب إلى التفكير في البعد عن العرب وقضاياهم, على أساس أن الأذى لن يأتي إلا من القريب, وأن مصر قد تحملت الكثير, ويكفيها ما قد حدث لها. ولما كانت مصر مرتبطة ثقافيا مع العرب, فكان منطقيا أن تعود الدعوة الفرعونية إلى الظهور مرة أخرى كي تطالب بفك هذا الارتباط الثقافي وإنكار البعد العرقي فيه, امتدادا لمجموعة من الآراء التي حاولت من قبل إظهار التاريخ المصري على أنه فترة إذلال وقهر, سواء كان رومانيا أو عربيا آو مملوكيا أو عثمانيا... وكأننا بانسلاخنا عن ارتباطاتنا الثقافية السابقة, سنسقط ما حدث وجرى في تاريخنا القديم أو الحديث.
وهنا.. لابد أن ندون بعض الأسئلة أولا. هل عروبتنا مساوية لرومانيتنا أو عثمانيتنا؟ هل انتهت صلاحية العروبة وثبت فشلها..؟ هل كان العصر المصري القديم, وعهد حكم الفراعنة هو الحقبة المثالية في تاريخنا ..؟
قد لا يعلم البعض أن علاقات مصر مع الدول المجاورة لها الممثلة للوطن العربي الحالي أقدم من الإسلام والمسيحية.. فعلاقات مصر القديمة مع الشام أو العراق أو السودان أو الجزيرة العربية قد تضمنت اختلاطا عرقيا وثقافيا قديما, فعلى سبيل المثال نجد قبل أكثر من 3000 عام و تحديدا في عهد الأسرة 19, أن نحو 10في المئة - في بعض التقديرات- من سكان مصر كانوا من الأجانب.. خصوصا من الآسيويين الساميين.
ونجد استرابون المؤرخ الإغريقي الذي ولد قبل ميلاد المسيح بعشرات السنين, يصف لنا مدينة قفط في صعيد مصر بأنها مدينة "نصف عربية"... هذا قبل الإسلام و نزوح القبائل العربية إلى مصر, تلك القبائل التي ذكر عنها المقريزي فيما بعد أن من قبائلها اليمنية الكبيرة ما قد انصهر تماما في مصر وأضحى من نسيج شعبها. وكذلك كان الأمر مع بعض القبائل البربرية المغربية التي وفدت على مصر في العصر الفاطمي, و التي ما زالت شوارع حي الدرب الأحمر بالقاهرة تحمل بعض أسمائها, كقبيلة زويلة التي سكنت بجوار البوابة الشهيرة التي مازالت تحمل اسمها حتى الآن, و قبيلة كتامة التي مازالت هناك حارة باسمها حتى الآن قرب باب الوزير بجوار قلعة الجبل بالقاهرة.
تلك هي مصر... وإذا كنا سنستنكر ما قد حدث للمصريين من ظلم في عهود الرومان أو العرب أو الترك و غيرهم, فعلينا أن ندرس الشخصية المصرية التي لم تتفاعل جيدا مع الأحداث و لم تسهم في تحريكها.
ففي عهد ملوك الفراعنة الوطنيين أيضا قد حدثت تجاوزات في حق الشعب المصري مثلما قد يحدث الآن, إذا فعلينا التعرض للشخصية المصرية بدراسة سلوكياتها للنهوض بها, لا لنفيها عن انتماءاتها الثقافية والعرقية التي أصبحت جزءا منها. فبُعدنا عن العروبة تحت دعوى أن مصر كانت (مصرية) وقت حكم الفراعنة قد يأخذنا إلى طريق مسدود, فقد جاءت العروبة بمفهومها الحديث لترسخ ما قد كان موجودا بالفعل.. ولعل البعض من إخواننا العرب قد يفهم مثل تلك الدعاوى المنكرة للعروبة على أنها تعال على العرب, وذلك في الوقت الذي نجد فيه للأسف تواجدا لمثل تلك الدعوات داخل بعض أقطارنا العربية الأخرى.. وكأن كل فريق له فرعونيته الخاصة به..!
ليكن المصريون أكثر فهما لمن حولهم من الشعوب العربية, وليعلموا أن هنالك هيبة ما تجاه مصر.. تلك الهيبة التي قد يشعر بها المواطن المصري نفسه تجاه بلده فيسعد بمصريته فيفهمها البعض على أنها فخر, وهي الهيبة التي قد تدفع بالمواطن العربي إلى الهجوم أو التفاخر بهويته الوطنية فقط لإثبات وجوده وكيانه, وكأنه يريد إثبات أنه ليس مضطرا لمجاملة تلك الدولة المهابة, لذا فعلى دعاة هذا الفكر المتجني على العروبة ألا يزيدوا الأمور سوءا.
في النهاية نتمنى أن يصل للعرب أن مصر لنا ولهم, بل سنزعم أن اهتمام العرب بمصر قد يكون أكثر من اهتمامهم بالمصريين, لذا فلا مبرر لدعوات لاحتكار مصر وإسقاط عروبتها وكأننا في عصر الكفر بالعروبة, فمصر كانت وما زالت وستظل عربية إلى الأبد.
ــــــــــــــــــــــــ

Thursday, September 29, 2005

مبارك المستقل

جاء أداء الرئيس المصري محمد حسني مبارك لليمين الدستورية بمثابة إغلاق لملف الانتخابات الرئاسية المصرية لعام 2005, ولم يعد أمامنا الآن سوى التعليق عليها ومحاولة تقييمها, لكننا سنسلك اليوم مسلكا آخر نطرح من خلاله أحد السيناريوهات التي لم يلتفت إليها رئيسنا الفائز محمد حسني مبارك, ويتلخص هذا السيناريو في تساؤل واحد: ماذا لو كان تقدم المرشح الرئاسي محمد حسني مبارك إلى الانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل بعيدا عن حزبه الوطني الديمقراطي ..؟
الحقيقة أن فرضية دخول مبارك كمرشح مستقل إلى الانتخابات الرئاسية الماضية كانت ستجلب الكثير من المنافع لمسيرة الديمقراطية في البلاد وللعملية الانتخابية, بل وله شخصيا كمرشح رئاسي.. فعمليا لم يستطع أحد من المرشحين المستقلين الحصول على تأييد 250 عضوا من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية للمحافظات, لذا.. فإن تقدم مبارك كمرشح مستقل كان سيكون بمثابة اختبار حقيقي لشعبيته بين رجال السياسة والحكم في البلاد الذين كانوا سيجدون أنفسهم مطالبين بالوقوف إلى جانب مبارك المرشح الرئاسي, وليس مبارك الرئيس.
ولعل نزول مبارك كمستقل إلى حلبة المنافسة على منصب رئاسة الدولة كان سيعطي حزبه الوطني الديمقراطي فرصة كي يدير نفسه أمام وضع جديد لا يستند فيه إلى زعامة الرئيس مبارك وشخصه.. خصوصا وأن الحزب قد يواجه بالفعل هذا الموقف في الانتخابات الرئاسية القادمة في حال عدم وجود الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة لأي سبب من الأسباب.
علينا أن نعترف أن من انتخب مبارك في الانتخابات الرئاسية الماضية إنما انتخبه لشخصه, وليس لأيديولوجية أو فكر الحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه مبارك, وقد اعترفت بهذا الأمر قيادات الأحزاب الأخرى وأحد قيادات الحزب الوطني الديمقراطي.
وقد يتساءل البعض هنا عن أهمية عرض هذا السيناريو الآن بعد أن انتهاء الانتخابات الرئاسية وأداء مبارك لليمين الدستورية.
الحقيقة إنها فكرة نطرحها الآن على أمل الاستفادة منها في الانتخابات الرئاسية القادمة, خصوصا وأن البعض يرجح أن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم قد يدفع بالسيد جمال مبارك نجل الرئيس الحالي للترشيح في الانتخابات الرئاسية القادمة كممثل للحزب بدلا من ترشيح أبيه مرة أخرى.
ربما ليس من حقنا التدخل في سياسات الحزب الوطني, لكن ما يهمنا هنا هو صورة بلادنا التي قبض فيها حزب واحد على مقاليد السلطة في مخالفة لتقاليد الديمقراطيات في العالم, لذا. نتمنى أن نرى السيد جمال مبارك كمرشح مستقل في الانتخابات الرئاسية القادمة إذا ما تم ترشيحه لمنصب الرئاسة, كي يثبت لمعارضيه أنه يرشح نفسه إلى منصب الرئاسة بجماهيريته بين الناس وبين السياسيين, ليخلف وراءه الحزب الوطني كي يمارس السياسة كأي حزب من أحزاب الدولة فتتحقق العدالة بين الأحزاب.
ربما في تلك الحالة قد تُجرى بعض التعديلات الدستورية لضبط الأوضاع حيال وجود رئيس مستقل على كرسي الحكم.. ولعلنا قد نجد وقتها رئيسا مصريا مستقلا فوق الحزبية فتتغير بذلك الأجواء السياسية في البلاد, وهذا كله فقط, إذا ما تخلى المرشح الرئاسي للحزب الوطني عن حزبه وتقدم كمرشح مستقل إلى انتخابات الرئاسة المصرية محاولا تجميع الحد المطلوب من أصوات الجماهير المصرية.
صحيح أن كلمة "لو" الافتراضية تفتح الباب لشيطان الخيال.. غير أن افتراضاتها قد تدفعنا لتأمل المستقبل
ـــــــــــــــــ

ارفعوا أيديكم عن جمال عبدالناصر

خمسة وثلاثون عاما مرت على رحيله وما زالت ذكراه باقية في نفوس الجماهير العربية حتى اليوم.. إنه جمال عبد الناصر.. الذي أضحى اليوم رمزا للعروبة مثلما كان قبله جيفارا رمز لليسارية الثورية، و مثلما كان غاندي رمز للنضال السلمي ضد القوى الاستعمار.
ثلاثة أجيال اليوم اختلفت رؤيتها حول الراحل جمال عبد الناصر... أكبر تلك الأجيال سنا هو الذي عاش حقبة ما قبل الثورة المصرية، فشهد آنذاك ذل الاحتلال و ضعف الحكم الوطني في بلادنا المحتلة، فكان جمال عبد الناصر له بمثابة الأخ والزميل وطوق النجاة... ومن هؤلاء من تعارضت مصالحه مع الثورة المصرية لأسباب مالية اقتصادية أو لأسباب فكرية أيديولوجية، ورغم ذلك.. فحتى هؤلاء الذين عارضوا النهج الناصري لمضار أصابتهم في عهده، نجدهم اليوم يذكروا فضائل حكمه، ومحاسن عهده.. ويعقدون المقارنات بين أيامنا تلك وأيامهم الخوالي. أما جيل الوسط المسيطر على إداريات البلاد اليوم، فهو ذاك الجيل الذي ولد ونشأ في أحضان الثورة المصرية، هو الجيل الذي تربى بين شعارات العروبة والاشتراكية والوحدة العربية، ألهبته خطب جمال عبد الناصر حماسا وطموحا.. أقنعته إذاعة صوت العرب أنه أفضل حالا من الشعوب الغربية الاستعمارية المستغلة... ارتبط هذا الجيل بعبد الناصر كزعيم متابع لكل صغيرة وكبيرة في منطقته العربية وفي دوائر أخرى إفريقية وآسيوية، حتى انتهى الحلم بواقع مؤلم وصدمة هائلة، لكن الأمور لم تفض إلى كفر شعبي بهذا الزعيم، بل زادتهم إيمانا بزعيمهم... واليوم أصبح هؤلاء الشباب الذين شهدوا نهاية عبد الناصر هم من يديروا مجتمعاتنا فعليا الآن، ومازال عبد الناصر لدى شرائح عديدة منهم بمثابة الزعيم والأب والأخ الأكبر.. ومازال عهده لدى الكثير منهم هو عهد الكرامة والعزة.
يتبقى في النهاية جيل جديد.. لم يتعرف على جمال عبد الناصر إلا عبر حكايات عائلية مبتورة، أو مادة إعلامية موجهة، وصوت عال.. زعق به من كانوا حول جمال عبد الناصر من الجيل القديم، إلى جانب عشاقه من جيل الوسط الذين تربوا في عهده.. و هؤلاء كلهم الآن يمثلون ضغطا قويا على الجيل الجديد الذي يريد أن يصل إلى الحقيقة بنفسه بعيدا عن تأثيرات من قبله.
نرجو منهم... من الآباء و الأجداد، أن يرفعوا أيديهم عن جمال عبد الناصر، ولا يقدموه لنا كما رأوه، فنحن لا نحتاج أعين غيرنا لنرى بها.. ما نحتاجه هو معلومات صادقة عن هذا الرجل وعن ذاك العهد.. كي نصل إلى نتائج نافعة. لا تجملوا لنا جمال عبد الناصر.. ولا تشوهوا صورته، وثقوا في قدراتنا على الحكم على الأمور واتركوا جمال عبد الناصر لنا، كغيره من زعماء أمتنا..
إلى كل من يكتب عن جمال عبد الناصر، لتكتب الحقيقة كما كانت، لا كما تريدها أنت الآن.. فهذا ما يطلبه منك شباب هذه الأمة اليوم.
ــــــــــــــــــــ

Monday, September 26, 2005

هل يعيد التاريخ نفسه؟

عبدالرحمن مصطفى
عندما أعلن أبو مصعب الزرقاوي حربه على شيعة العراق اتجه البعض إلى التساؤل: هل يعيد التاريخ نفسه؟! هل الصدام حتمي بين فكر محمد بن عبد الوهاب و أبناء المذهب الشيعي..؟! خصوصا عندما نعلم أن فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعد أحد مرجعيات الزرقاوي وأتباعه.
قديما.. قام آل سعود منذ أكثر من قرنين من الزمان بتبني فكر ومنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب والعمل على تطبيقه، وأدى ذلك في وقت من الأوقات إلى تصادمات مع بعض أبناء المذاهب الأخرى.. مثلما جرى مع شيعة العراق في حادثة كربلاء الشهيرة عام 1801مـ ، عندما اقتحم معتنقو فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب المدينة وحطموا مسجد الحسين بن علي رضي الله عنه واصطدموا مع السكان هناك، فكانت تلك الحادثة أحد أسباب مقتل الأمير عبد العزيز بن سعود على يد أحد الشيعة بمدينته الدرعية عام 1803مـ.
أما اليوم.. فدولة آل سعود تعلن رفضها لأي عنف يستهدف المدنيين . سواء كان للمدنيين من الشيعة أو من السنة، وذلك رغم أنها لم تتخل بَعد عن أفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب. لكن يبدو أن آخرين غيرها ممن آمنوا أيضا بفكر الشيخ مازالوا يؤمنون بحتمية الصدام مع الشيعة، مثلما فعل أبو مصعب الزرقاوي و أتباعه - ذوي الخلفية الوهابية – الذين أعلنوا الحرب على الشيعة أبناء العراق المحتل.
قد نذهب هنا استنادا لموقف آل سعود الحالي الرافض للعنف المذهبي إلى أن التاريخ لا يصنف لنا شكل العلاقة بين معتنقي فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الشيعة المخالفين لأصول منهجه على أنها علاقة عدائية. فالنموذج السعودي الحالي مختلف تماما عما كان عليه الأمر منذ قرنين من الزمان، إذا فالعيب ليس في المنهج، ولا توجد حتمية تفرض علينا صداما بين الفريقين.أما إذا خرجنا من مسألة البحث في العلاقة بين أتباع الفكر الوهابي والشيعة إلى فضاء أوسع نقارن فيه بين الوضع الإقليمي وقت وقوع حادثة كربلاء عام 1803مـ التي مثلت أول صدام حقيقي بين أتباع محمد بن عبد الوهاب وشيعة العراق، وبين الوضع الإقليمي الحالي الذي أعلن فيه الزرقاوي- أحد ممثلي الفكر الوهابي ـ حربه على الشيعة. فسنجد أن الوضع الأول كانت تسيطر فيه الدولة العثمانية اسميا على العديد من دول منطقتنا العربية،غير أنها كانت أيضا مدركة لضعفها وعدم قدرتها على قمع حركة آل سعود الوهابية بعد نجاح تلك الأخيرة في اختراق حدود العراق و إحكام سيطرتها على الحرمين الشريفين، فألحت الدولة العثمانية على واليها محمد علي في مصر كي ينطلق لدحض تلك الحركة، ونجح الوالي محمد علي في مهمته، خدمة ً لسلطانه القابع في الآستانة، وتم القضاء – مؤقتا- على الحركة الوهابية السعودية.
أما اليوم.. فدولة آل سعود خارج حساباتنا. فهي رافضة لما يقوم به من ينسبون أنفسهم لفكر محمد بن عبد الوهاب، وليس لدينا من يمارس الفكر الوهابي بالعنف داخل العراق سوى الزرقاوي ورجاله، كما أنه ليس لدينا اليوم في منطقتنا العربية تلك الدولة التي تستطيع أن تتدخل لمنع ما يحدث على أرض العراق من قتل وتفجير. ليس لدينا إلا الولايات المتحدة الأمريكية كدولة مسيطرة على مقاليد الأمور داخل العراق، رغم أنها ليس لديها قاعدة شعبية بين الجماهير العراقية أو العربية، مما يجعلنا نستبعد أن نجد من يهرع إلى نجدتها مثلما فعل محمد علي مع الدولة العثمانية، فليس لأمريكا ولاة (رسميون) بيننا. إذن.. فلنا أن نتوقع من أمريكا أن تحاول إيجاد طبقة تكون حاجزا بينها وبين الجماعات المسلحة ذات الخلفية الوهابية، ليس خدمة للشيعة بقدر ما هو حفاظا على صورتها كمسيطرة على الأمور في العراق، مثلما كان الأمر مع الدولة العثمانية التي هدفت من قهر الحركة الوهابية السعودية أن تثبت وجودها وإمرتها على أقاليم المنطقة.
إن استخدام أمريكا لطبقة مصطنعة كي تجابه التهديد الزرقاوي ليس بالأمر الجديد في عالم الاستعمار، فقد اعتمدت بريطانيا في إدارة مستعمراتها قديما على طبقة تدين لها بالولاء، حتى لو كانت تلك الطبقة غير محبوبة لدى الجماهير، رغم أن بعض أبناء تلك الطبقة قد أصبحوا فيما بعد من أهم زعماء التحرر في بلادهم كما حدث في إفريقيا، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى هذا الأسلوب، ولعل مساعديها سيكونون من أبناء العراق، وهو ما قد يخيفنا على مستقبل العراق من أن توجد طبقة متعاونة مع القوات الأمريكية لأجل غرض ظاهره نبيل يتمثل في دحض القوى المتطرفة في البلاد، فتتحول تلك الطبقة فيما بعد إلى طبقة وريثة للبعثيين و منتفعي الحكم القديم المتسلط الذي ولت أيامهم، ربما يكون أمل العراق في استقلالية أجهزته الأمنية والعسكرية تماما عن الوجود الأجنبي في بلاده و اتحاد العراقيين حول حكومتهم من اجل تقويتها، فتقوي بذلك استقلالية الحكومة، على أمل يوم يتحرر فيه العراق من الوجود الأجنبي في بلاده. فالأمل هنا في حكومة لها مزيد من السيطرة على إداريات البلاد. وقد يقترب حديثنا هنا من المثالية، لكن قوة الحكومة بشعبها، ستبعد عنا فكرة تسلطها عليهم في يوم من الأيام كما حدث في الحكم السابق. كما أن تحالف الشعب العراقي مع حكومته سيمنع فكرة أن يتحول أي من فئات المجتمع إلى مجرد (وال) لدى قوات الاحتلال.
إن عناصر التاريخ إنسان وزمان ومكان.. ومن المستحيل أن تتكرر العناصر الثلاثة، وفي حالتنا. فلا أتباع فكر محمد بن عبد الوهاب هم أنفسهم، ولا الشعب العراقي هو شعب الأمس، ولم يعد هناك دولة عثمانية و لا والي يدعي محمد علي. إلا أنه قد تتشابه بعض عناصر التاريخ مع مثيلتها في واقعنا المعاصر. لكن أفضل ما في صورة اليوم أن هنالك شعب قد أصبح نجما في الأحداث، وعليه أن يستغل تلك الفرصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ، 2

Saturday, September 24, 2005

الاختلاف في الرأي

عبدالرحمن مصطفى

ما زلنابين الحين والحين نستخدم بعض العبارات لتزويق أحاديثنا، وتجميل أفعالنا أمام الآخرين.. على رأس تلك العبارات، عبارة تقول أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ورغم هذا المعني النبيل وراء تلك الجملة المبهرة، إلا أنه ما زال الاختلاف يُـفسد الود في مجالسنا وحواراتنا، سواء كانت عن السياسة أو الدين أو الرياضة..الخ، وما زال الفرد منا يخشى الاختلاف في الرأي مع رئيسه تخوفا من أن ينعكس ذلك على مسيرة حياته الوظيفية أو انسياب المكافئات إلى جيبه أول كل شهر.
وهنا.. نحن لا ندعي أن مسألة عدم قبول الاختلاف في الرأي هي قضية عربية تخصنا وحدنا دون بقية دول العالم، وإلا.. كنا نظلم أنفسنا بهذا القول. لكنها بعض العيوب الاجتماعية التي زادت من حدة هذا الأمر حتى أصبح كل مجلس لا يكاد يخلو من عبارات التناطح وإثبات الوجود.

ربما يكون أحد أسباب فساد الود نتيجة اختلاف الآراء أن يكون هذا الود في الأصل سراب ليس له وجود حقيقي، وأنه كان مجرد نفاق أو مجاملة ظننا نحن أنها ودا.. فلما ظهر الاختلاف في الرأي على السطح، كانت الحقيقة المرة، فكان الاختلاف في الرأي اختبارا حقيقيا لهذا الود المزعوم، وربما يكون التكالب على المصالح والاستئساد في المناصب سببا آخرا في محاولة فرض الآراء بالقوة ، حتى لو كان ذلك بخسران الود والسلام مع الآخرين، تخوفا من أن تكون سيادة رأي الآخر سببا في فقدان منصب أو مال.

سبب آخر يدفع بالبعض إلى رفض الاختلاف في الرأي.. ألا وهو تعود شعوبنا على وجود زعامة واحدة، ونظام واحد، ورأي واحد.. فيكون الاختلاف في الرأي لدى البعض بمثابة فتنة لا بد من وأدها، فيفسد بذلك كل ود ويطاح بكل سلام.
رغم كل هذا.. ما زلنا مطالبين بالعمل على تنفيذ هذا الهدف النبيل الذي تحمله تلك العبارة الساذجة في مظهرها.. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، علينا أن نعوِّد أبناءنا على قبول الاختلاف مع أفكار الآخرين، ولعلنا مطالبون بأن نحدد مرجعياتنا ونضعها نصب أعيننا، كي يكون اختلافنا مبني على أساس مرجعية واحدة، حتى لا تجنح أفكارنا نتيجة عندِ أو حب للظهور.

ومن يعلم.. فربما يأت يوم لا يُـفسد فيه الاختلاف للود قضية.
ـــــــــــــــــــ

Tuesday, September 13, 2005

قراءة في كتاب القرآن وكفي مصدرا لتشريع الاسلامي

عبدالرحمن مصطفى ـ مصر

أتيحت لي فرصة الاطلاع على كتاب ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع الإسلامي) للدكتور أحمد صبحي منصور، والذي يدعو فيه إلى هجر الأحاديث النبوية، بعدما اعتبرها ليست بالأقوال التي يؤخذ بها، فدعا إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم مرجعا وحيدا للتشريع، والابتعاد عن متابعة أقوال وأفعال نبي الاسلام محمد عليه الصلاة والسلام. مراجعة هذا الكتاب كانت محاولة مني لفهم منطق د. منصور وهو يحاول إثبات رأيه، وقد قدم د. منصور في كتابه أفكارا جديدة زينها بكم كبير من الآيات، غير أن المتابع لاستخدام الدكتور منصور لتلك الأيات قد يجد بعض الثغرات فيما ذهب إليه.

يبدأ الكتاب بمدخل يسرد فيه الكاتب بأسلوب ملحمي قصة نشره هذا الكتاب.. ثم ينتقل إلى الفصل الأول الذي أعطاه عنوان (القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للإسلام)، وحاول الكاتب من خلال عدد من النصوص القرآنية تأكيد فكرة أن القرآن كتاب جامع مانع لا يحتاج إلى أي كتاب معه، والحقيقة أن هذا أمر متفق عليه، بل نستطيع اختصار الطريق على الكاتب ونعلن أن القرآن قد أنزله الله على رسوله، دون أن ينزِّل معه صحيح البخاري أو مسلم أو أي من كتب التفسير...!
وفي أول فصوله تمجيد القرآن تمهيدا لعرض فكرته الأصلية عن كتب الحديث التي يراها بلا فائدة، فيعرض علينا كما كبيرا من النصوص القرآنية التي ترهب من يفكر في الاستعانة بأي كتاب آخر بجانب القرآن... فكانت تلك البداية إشارة من الكاتب بأسلوب غير مباشر إلى أن الاستعانة بكتب الحديث هي ضلال وبعد عن كتاب الله.. على أساس أن القرآن قد نزل } تبياناً لكل شىء{ (89) النحل ، ولا حاجة لأي حديث بعده } فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون{ (6) الجاثية .

وهنا نتوقف لنتساءل.. هل كانت تزكية الله لقرآنه الكريم مبررا في أن نبتعد عن كتب الحديث التي جَمَعت لنا أقوال وأفعال الرسول..؟؟ وإذا كان الأمر كذلك.. فكيف لم يتعرض القرآن لهذا الأمر من خلال نص صريح ومباشر..؟! لماذا لم يصرح القرآن بأن نبتعد عن تتبع أقوال وأفعال محمد عليه الصلاة والسلام...؟؟ أكان الله ليتركنا في ضلال..؟! الكاتب لم يأت بنص قرآني صريح مباشر يدعونا للابتعاد عن تتبع أقوال وأفعال محمد عليه الصلاة والسلام.

ولعل ما ذهب إليه الكاتب في رأيه هذا ما يعارض القرآن نفسه.. خصوصا مع نص قرآني كقوله تعالى: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " (44) النحل، فالنص كما هو واضح دعوة من الله إلى رسوله كي يبين للناس ما نزل إليهم من قرآن، وبالتالي يصبح الناس في حاجة إلى أقوال وأفعال الرسول.. غير أننا نجد د.منصور يأول النص – مخالفا لأراء المفسرين- بقوله أن كلمة }الناس{ في الآية السابقة مقصود بها أهل الكتاب فقط، وذلك اعتمادا على تفسيره للآية السابقة عليها: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " (43) النحل، وهذا التفسير أو التأويل من الكاتب فيه تكلف شديد.. فكما هو معلوم أن محمد عليه الصلاة والسلام قد أرسل للناس كافة، مصداقا لقوله تعالى " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (28) سبأ، كما أن الْقُرْآن قد أنزله الله تعالى للناس كافة }إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ{ (27) التكوير.

إذن فالرسول ما كان لينزِّل الله عليه قرآنا فيبينه لقسم من الناس كأهل الكتاب دون الآخرين كما ذكر الكاتب، وإذا كنا سننساق مع قول الكاتب، فسنجد أنه سيكون على الرسول أيضا أن يبين للمسلمين (ما نزل إليهم) ، فكون القرآن قد نزل لكل الناس، وكون محمد رسول لكل الناس، فهذا يجعل مهمة الرسول هي أن يبين للناس كافة ما نزل إليهم، وهذا ما أوضحه الطبري في تفسيره لقوله تعالى { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } بقوله: لتعرفهم – يا محمد- ما أنزل إليهم من ذلك، و ذكر القرطبي في تفسيره أن: الرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده، مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة، وغير ذلك مما لم يفصله. إذا فنحن في حاجة لمتابعة أقوال وأفعال محمد عليه الصلاة السلام التي (تبين) لنا ديننا، كي تكتمل الصورة مثلما أوضح لنا القرآن.

وهكذا نرى الأمور قد بدأت تتواءم مع طبيعة المنطق، بل إننا نجد ما يؤيد هذا في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا " (59) النساء، وحسبما جاء في تفسير الجلالين أن الآية دعوة إلى رد الأمور الخلافية إلى "الله" أي كتابه القرآن، "والرسول" أي في مدة حياته.. و بعده باتباع سنته، وذلك خير من التنازع والأخذ بالرأي. لكننا نجد الكاتب يحاول أن يدور على المعنى مرة أخرى، ويأتي بفكرة جديدة تسعى إلى التفريق بين محمد الرسول، ومحمد النبي... فالكاتب يذهب إلى أن الله يدعونا إلى طاعة محمد (الرسول)، على أساس أن الله–في رأي الكاتب- لم يأمر المسلمين في أي موضع من القرآن بأن " يطيعوا النبي"..!

وحجة الكاتب في ذلك كم كبير من الآيات حاول أن يوضح من خلاله أن لفظ النبي دائما ما يأت مع حياة محمد الاجتماعية والإنسانية، أو عند ارتكابه لخطأ ما، فيأت القرآن ليقومه بعد ذلك، واستشهد في ذلك – على سبيل المثال- بما وقع للرسول من خداع على يد بعض المنافقين، عندما ناداه القرآن مخاطبا: " إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" (105) النساء.. هذا كان مع محمد النبي، بينما محمد الرسول – عند الكاتب - هو ناقل للقرآن الذي تعهد الله بحمايته من أي سوء أو خطأ.. ويدعونا الكاتب إلى إتباع ما قام به محمد سواء كان النبي أوالرسول من خلال ما ذكر عنه داخل القرآن فقط، بل جعل الكاتب أحاديث الرسول هي ما قاله الرسول ضمن نصوص القرآن، فالسنة القولية للرسول عند أحمد صبحي منصور هي في القرآن وحديث القرآن، وما تكرر فيه من كلمة "قل" الموجهة لمحمد عليه الصلاة والسلام.
وعليه.. فيصبح تتـبُّع أفعال النبي وأقواله خارج النص القرآني أمر غير مطلوب، بل هو أمر منهي عنه على أساس أن المرجعية الوحيدة للمسلم هي القرآن.. إذن فالكاتب يذهب إلى أن أقوال وأفعال محمد رسول الله هي –فقط- ما جاء في القرآن، وهي المطلوب منا أن نتبعها من خلال الآيات..

ولعل ما ذكرناه سابقا عن قوله تعالى: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " (44) النحل، يرد على ما ذكره الكاتب هنا.. فلكي يبين الرسول ما نزل إلى الناس فعليه أن يواجههم ويتحاور معهم، ويقترح عليهم حتى }يتفكرون{، فيأتي من يعقبه من أجيال تالية فيجمع هذه (النبويات) كي لاتكون حكرا على من سبقهم فقط.

ورغم إعجابنا بفكرة الكاتب حول التفريق بين شخصية النبي وشخصية الرسول، إلا أننا لا نتفق معه فيما ذهب إليه من أن شخصية النبي محمد لا يجب البحث وراءها واتباعها إلا من خلال ما ورد عنها في القرآن، على أساس أنها خارج سياق الوحي... لأن الكاتب برأيه هذا حول الرسول إلى مجرد موظف لدى الإله، يترك وظيفته في ميعاد محدد فيتحول إلى نبي لا علاقة له بالسماء والوحي..!
والرد على هذا الأمر موجود في القرآن أيضا.. ويؤكد ما ذهبنا إليه من قبل في أن من واجبات محمد (الرسول والنبي) أن يبيِّن { لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }.. فلا فرق في هذا الأمر بين محمد الرسول و محمد النبي ، فكلاهما هو محمد عليه الصلاة والسلام..

يقول تعالى: " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا " (163) النساء، وهنا يوضح الله تعالى أن الأنبياء كان يوحى إليهم.. و منهم أنبياء فقط، وليسوا برسل، أو أصحاب رسالات وكتب سماوية.

وقد وُصف محمد عليه الصلاة والسلام بالنبي والرسول في مواضع عديدة من القرآن، كقوله تعالى: " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ" تَهْتَدُونَ " (158) الأعراف.. إذا فمحمد هو رسول ونبي، وكما رأينا منذ قليل في الآية (163) من سورة النساء أن الأنبياء أيضا في كانوا حالة وحي حتى لو كانوا بدون رسالة، فعلى هذا...لا يمكن لنا أن نهجر أفعال النبي محمد وأقواله التي لم تذكر في النص القرآني، بل إن علينا أن نتتبعها لأن فيها وحيا لكنه غير مكتوب داخل رسالة أو نص كتابي.

وعموما.. فعلى ما يبدو أن ما يدعو إليه د. أحمد صبحي منصور لا يصلح من الناحية العقائدية، أما من ناحية المنطق، فكيف نقبل بآراء الفقهاء والمفسرين والمجتهدين، ونهمل ما كان يقال على لسان رسول الله بين أصحابه وفي مجالسه..؟؟ ثم إن محمدا هو نبي القرآن، وليس كنبي الله عيسى أو موسى أو أي من الأنبياء الذين نكتفي بالقراءة عنهم في القرآن.. إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يفسر القرآن ويوضح للناس ما جاء فيه، وأقدم للقاريء هذا الحديث الذي قد يوضح لنا أهمية الحديث النبوي للقرآن: في صحيح البخاري : ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏علقمة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏رضي الله عنه ‏ قال: لما نزلت " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله " إنه ليس بذلك... ألا تسمع لقول لقمان: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم "

يوضح الحديث السابق أهمية الحديث في تفسير القرآن، وكيف أن الرسول قد أوضح أمرا كان غائبا عن الصحابة من داخل النص القرآني، ليضع بذلك أسوة لمن يجتهد في النص الديني، وما هذا الحديث إلا مثالا فقط... فكثير من الأحاديث الأخرى توضح أسباب نزول الآيات وملابسات نزولها، ولا أدري كيف هو الأمر مع الدكتور صبحي منصور..؟؟ هل لديه البديل عن تلك الأحاديث النبوية كي يوضح لنا ملابسات نزول الآيات..؟! أظن أنه من الصعب علينا أن نهمل تاريخ نزول القرآن و الخلفية التاريخية لنزول آياته.

ربما جاء هذا الكتاب تعبيرا عن روح جديدة ساخطة وسط مجتمع الشيوخ والفقهاء المصاب بالركود، غير أن صاحب الكتاب على ما يبدو قد تطرف بعض الشيء واستخدم التأويل كثيرا في تفسيراته، وقد عبر هذا التطرف عن عجز حقيقي في وضع أسس منهجية للتعامل مع كتب من نوعية كتاب البخاري وغيره، فكانت النتيجة أن أنكر البخاري وكتب السنة تماما، بدلا من العمل على إصلاح الخطأ الذي نواجهه.. ومهما حوت تلك الكتب من أحاديث لم نعد نقبلها الآن-وهي التي ركز عليها الكاتب في فصله الأخير- إلا أن هذا ليس مبررا لهجر الحديث النبوي كله والبعد عن أفعال الرسول.. ولعل الكاتب لم يوضح لنا إلى ما نستند في معرفة كيفية الصلاة أو الزكاة أو الحج و غيرها من العبادات..!

* في النهاية.. يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران.

Tuesday, September 6, 2005

رسالة إلى الشامتين

دائما ما يهلل فريق من ابناء أمتنا ويعلن سروره وفرحه عند سماعه انباء الكوارث المتعلقة بمن يبغضهم خارج بلاده, وقد ظهر هذا جليا في عدد من المواقف, كان اخرها عند حدوث اعصار "كاترينا" بالولايات المتحدة الاميركية, والذي خلَّف وراءه آلافا من القتلى والمشردين, وخسارة تقدر ببلايين الدولارات, فوجدنا روح الشماتة والتشفي تظهر من بين بعض ابناء أمتنا.. ليكرروا ما قاموا به من قبل عقب وقوع حادث جسر الائمة في العراق, الذي حدث اثناء احتفال شيعي هناك, فأسفر عن مقتل نحو الف عراقي.
وكانت تلك العقلية الشامتة هي التي فسرت من قبل ظاهرة تسونامي على انها عقاب الهي لاهالي جنوب شرق اسيا, وهي التي بررت الاحداث التفجيرية التي ضربت مصر في الفترة الاخيرة, وغالبا ما سيستمر هذا المنطق الشامت يمارس هوايته عقب كل كارثة تصيب قريبا او غريبا, خصوصا وان اصحاب هذا المنطق يستخدمون مرجعية قرآنية في توجههم هذا, كاستخدامهم قوله تعالى : ويومئذ يفرح المؤمنون بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الروم) ... فيتم تأويل المعنى, وكأن الاية دعوة للتشفي والفرح بمصائب الاخرين, على الرغم من ان القياس هنا لا يجوز بين الحالة التي
نزلت فيها الاية, واستخدام البعض لها كمبرر للتشفي والشماتة.
ان رسالتنا الى كل شامت ان يتذكر دعوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يأمر كل مسلم ان يحب للناس ما يحب لنفسه, وان يكره للناس ما يكره لنفسه, والا يظهر الشماتة لاخيه وقت ابتلائه كي لا يبتلى بابتلائه, حتى الاعداء, كان من اخلاقيات الاسلام ان يترفع المسلم عن الشماتة بهم.
لقد كنا نتمنى من الشامتين ان يقوموا بعمل افضل من شماتتهم.. عمل يحسِّن من صورتهم لدى الاخر, سواء كان هذا الاخر عربيا ام غربيا, كأن يقدموا عزاءهم للشعب الاميركي في هذا التوقيت بالذات, فيقدموا بذلك - على المستوى الشعبي- تصرفا يحسِّن من صورة العربي المسلم التي شوهها البعض لدى الجماهير الغربية, فيكون في هذا التصرف عرضا لصورة العربي النبيل على حقيقتها... وكنا نأمل من قبل ان يعبر هذا الفريق ايضا عن تعازيه لاهل العراق, عقب حادثة جسر الائمة بالكاظمية, كمحاولة لطمأنة شيعة العراق ان في خارج العراق مسلمين مثلهم يتألمون لألمهم.
ولعل الموقف الحكومي العربي من تلك الاحداث كان على المستوى المطلوب, وهو ما ظهر واضحا في قرار بعض الدول العربية مساعدة الولايات المتحدة الاميركية في ازمتها الاخيرة بالدعم المادي, كقرار دولة الكويت التبرع بما قيمته 500 مليون دولار من المنتجات النفطية وغيرها من المساعدات الانسانية للولايات المتحدة بغرض تخفيف اثار الاعصار كاترينا.
لكننا نأمل ايضا ان يكون هنالك تحرك شعبي في مثل تلك الاوقات على نفس مستوى التحرك الحكومي, ولو بصورة بسيطة كارسال برقية عزاء او اظهار روح التعاطف مع صاحب البلاء, او على الاقل الا يكون هنالك تحرك مضاد لهذا النشاط الحكومي النبيل, فروح الشماتة ستزيد الفجوة بين الشعوب, وستضعفنا وتجعلنا دائما في موقف من يتلقى الصدمات.
نأمل لمن يشمت في مصائب الاخرين - ايا كان هؤلاء الاخرين - ان يتحلى بخلق محمد نبي الاسلام, وان يراجع سير فرسان أمتنا العربية والاسلامية, فالفارس العربي كان لا يشمت في اعدائه.. كان لا يسيء لمن اساء اليه, اننا نقدم دعوة كي نحب للناس ما نحب لانفسنا, ونكون فاعلين في تحديد شكل علاقاتنا مع الاخرين, لا ان نكون عاجزين عن الفعل, مكتفين بتغذية نفوسنا بنار الحقد... نتمنى ان تصل الرسالة, وتكون محل تدبر.
http://www.scribd.com/doc/20007058/

ـــــــــــ
إيلاف

Thursday, August 18, 2005

هل الصحافة مهنة من ليس له مهنة..؟

عبدالرحمن مصطفى

كثيرا ما كنت أسمع عن الصحافة أنها مهنة من ليس له مهنة، لم أفهم المعنى، حتى اقتربت من هذا الوسط لأقابل الأفاقين والمخادعين والمنافقين، فقلت في نفسي .. إن كل المهن تجمع الطيب والخبيث معا، فتشت بين أصحاب المهن الأخرى، فوجدت الطبيب المخادع، والمهندس منعدم الضمير، والمحامي النذل، والعامل الفاشل، والشرطي غليظ القلب ...إلخ.
كثير ما كنت أتحدث مع الأصدقاء عن الصحافة، فأجد نظرات الإشفاق تحيط بي من كل جانب، وكلمات الهجاء تصوب نحو تلك المهنة المسكينة.. تساءلت، لما كان كل هذا النقد والتبكيت والتجريح لتلك المهنة..؟؟ لم أجد إجابة، بل وجدت حاجزا بيني وبين تلك المهنة البائسة يعلو ارتفاعه يوما بعد يوم.
إن من عيوب العمل المؤسسي في مصر انه يفسد سريعا.. فلو قمت مثلا بزيارة أي مؤسسة في مصر- خاصة الحكومية- ستجد نصف شبابها قد تم تعيينهم لأنهم من أبناء العاملين بها، أو على الأقل فهم أقرباء لأحد العاملين بها. ناهيك عمن جاء إلى وظيفته بعد أن قام أباه باستجداء الآخرين كي يتم تعيينه، ذلك مشهد من مشاهد عملنا المؤسسي.. فلماذا لا تكون مؤسساتنا الصحفية على نفس الشاكلة...؟! ولماذا لا ينتقل أسوأ ما في فكرنا الاجتماعي إلى تلك المؤسسات، فنجدها و قد تحولت إلى إقطاعيات كالتي ازدهرت يوما ما في ريفنا المصري الأصيل..؟!
كثيرون هم من هجروا قراهم، ومحافظاتهم.... لكنهم لم يحاولوا أبدا أن يلتفتوا إلى ما قد تركوه وراءهم من سلبيات في ريفنا المصري المسكين، ربما كثر حديثهم عن إيجابيات الريف، وكأنه الجنة –بالله عليكم كيف يترك أهل الجنة جنتهم..؟!- وبهذا المنطق.. تم نقل أسوأ ما في الريف كي يختلط مع أسوأ ما في المدينة، فتم نقل فكر العصبيات، والعائلية و العزوة إلى داخل المؤسسات الصحفية، ونقلت ممارسات الباشا الإقطاعي إلى ممارسات رئيس المؤسسة، وهكذا لم ينصلح الفكر الريفي ولم تستفد المدينة بشيء، وهكذا أيضا ساءت سمعة مؤسساتنا الصحفية.
يعاب على الصحافة أن كثير من العاملين بها لم يدرسوا الصحافة. الحقيقة أن أقل طلبة أقسام الإعلام ذكاءا نجده -على الأقل - ينجح بتقدير مقبول، المشكلة ليست في المنهج المدروس، بقدر ما هي في التدريب و التطبيق والممارسة، و للأسف أننا لا نشعر كثيرا بما يحمله طالب الإعلام من علم، فدائما ما ينسحق دارس الإعلام أمام مجتمع لا يعترف بالعلم بقدر ما يعترف بالفهلوة والنصاحة. أكاد أقسم أنه لو تمت إدارة مؤسساتنا الصحفية بأسلوب علمي، لوجدنا أغلب صحفيينا قد اتجهوا لدراسة الصحافة والقراءة حولها، مواكبة لهذا المنطق الجديد .

لقد كان المفكرون في أوروبا منشأ الصحافة متعالين على الكتابة في الصحف، فتركوها صحفا إخبارية حتى قامت الثورة الفرنسية، فكانت الصحافة منبرا للمفكرين يبشروا من خلالها بأفكارهم الجديدة ويسهموا في بناء مجتمعاتهم، وهو ما قد حدث لدينا قديما في مصر عندما قادت صحفنا الحركة الوطنية، فتحولت إلى منابر للوطنيين والمفكرين المصلحين. أما اليوم ففكر الندب والنواح، وإصلاح التهليل للحكومة، وتغيير مزاج القاريء بالتنكيد عليه أو بتخديره رياضيا أو تنشيطه جنسيا هو السائد، وربما تكون الأزمة في عدم وجود مفكرين أو إصلاحيين. لكن أغلب الظن أنها أزمة كل صاحب رأي مفيد كتم رأيه خجلا وتعففا مما يحدث من حوله. أظن الصحافة في حاجة لهؤلاء الذين صمتوا وتواروا، بعد أن خطف منهم الأضواء من ليس لهم مهنة إلا التفيهق والثرثرة. ويزيد الصحافة سوءا أنها أضحت مجالا للأعمال غير الشريفة، وواجهة لنشاطات المفسدين والمحتالين. سواء كانوا صحفيين أو غيرهم.
عند تلك النقطة.... ننتهي.. رحمة بالقاريء الذي أعتقد لم يكمل القراءة حتى هذا السطر....
لكن.. لنتساءل معا في النهاية، هل من أمل..؟! هل من أمل في ألا ننقل أسوأ ما فينا إلى مؤسساتنا..؟! هل من أمل في أن تدار مؤسساتنا الصحفية بأسلوب علمي يدفع العاملين فيها إلى الاستزادة والقراءة والتحصيل..؟! هل من أمل في صحافة تبحث عن الحناجر المخنوقة كي تتيح لها الفرصة كي تغرد بأفكارها المفيدة ..؟!
ربما.. عندما يأذن الله لهذا المجتمع أن يؤدي عمله بإتقان، عندما يصبح العمل علما، لا دجلا.. وقتها لن تكون أي مهنة (مهنة من ليس له مهنة )
* ختام

إن فساد الصحافة من فساد غيرها

Sunday, August 14, 2005

الاحتجاج العاري

اختارت هالة فيصل (47 سنة) أسلوبا جديدا على العرب كي تعبر به عن احتجاجها على الحرب في العراق و استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، فقامت يوم 9 أغسطس الماضي بالتجرد تماما من ملابسها في حديقة ميدان واشنطن بمدينة نيويورك الأمريكية، لتعرض عبارات الاحتجاج المكتوبة على جسدها بالعربية والإنجليزية أمام زوار الحديقة لمدة عشر دقائق تقريبا، ليكون ختام العرض على يد شرطة نيويورك التي طلبت منها ارتداء ملابسها، وتم القبض عليها ليفرج عنها فيما بعد. ربما قد يتهم البعض هالة بأنها مجنونة أو مريضة نفسية أقدمت على تصرف لا تعيه، لكن الواقع غير ذلك.. فهالة فيصل سورية المولد تحمل الجنسية الأمريكية، اتخذت الولايات المتحدة موطنا لها منذ 1998، درست الفن والموسيقى في معاهد وجامعات دمشق وروسيا وألمانيا والولايات المتحدة، ومارست الغناء والتمثيل، و تجيد ست لغات، وطافت بلوحاتها الفنية العديد من المدن عبر معارضها الفنية. و حاضرت عن تاريخ الفن في دمشق ونيويورك.. وتعرض سيرتها الذاتية شخصية مركبة، لها خلفية سياسية، فعمها كان معتقلا سياسيا في سجون سوريا، ووالدها كان وزيرا قبل فترة حكم حافظ الأسد، و تركت ابنها الوحيد خوفا عليه مما قد يطوله من أذى بسبب تاريخ عائلتها السياسي، لكن.. أيدفع كل هذا بسيدة عربية مسلمة جاوزت الأربعين أن تتجرد من ملابسها وسط أحد الميادين الأمريكية من أجل لفت الأنظار إلى قضايا إنسانية..؟! ربما يكون أمر التعري هذا لا يمثل لها أزمة كبيرة في حياتها، فنحن نراها تتبنى عقلية تحررية في بعض لوحاتها الفنية التي تحوي رسومات لأجزاء من الجسد الأنثوي ليس من اللائق كشفها. لكن دافعها الأساسي فيما قامت به كان واضحا واعترفت به، فقد كانت تسعى للفت الأنظار و صنع صدمة لدى الناس حول ما يحدث في العراق وفلسطين، وربما قد تفيدها تلك الصدمة في تحقيق نوع من شهرة قد تساعدها على تحقيق أحلامها المستقبلية. فقد كان مخططا لها أن تقيم معرضا فنيا للوحاتها، وفيلما عن حياتها الشخصية، بالإضافة إلى طموحها في كبح جماح الظلم في العالم كما ذكرت بنفسها.
ربما تكون كل تلك الأسباب حقيقية.. لكن السبب الأهم الذي ربما لم تدركه هالة فيصل نفسها أنها قد تكون قد توحدت - دون أن تشعر- مع تجربة الرجال العرب الذين تعروا قسرا في سجن أبو غريب، ربما شعرت بأنه لن يحدث أسوأ مما حدث للعرب، فخلعت ملابسها احتجاجا على هذا العالم، قبل أن تضطر إلى خلعها في أحد المعتقلات. ربما لن يترك ما قامت به هالة فيصل تأثيرا قويا على المواطن العربي الذي اعتاد منذ مدة على مشاهدة الأجساد العارية، لكننا نأمل ألا تتكرر ظاهرة التعري العربية مرة أخرى، سواء لرجل أو لامرأة.
ــــــــــــــــ

Sunday, July 17, 2005

الكلمة

معـدش ينفع نوشوش
أو نتكـلم سوا بالهـمس
لو عندك أي نصيحة
تبقى صريـحة عشان تتحس
ماتترددش.. قـُلها..
خليك فـاكر نور الشمس
طول عـُمره يـمُر وحُر
ولا بيخاف أبداً من الحبس

لو عندك كـلمة حق
قـُلها وكُـلَََّك ثقة بالنفس
ده كلامك يقدر يمنع
دم، و هَـم، وغَـم، ويـأس
على شرط يكون متوضَّب
بعد دراسة وفكر وبحث
والكلمة تبقى مراية
تبقى هداية، وسط الهلس

معلش.. هيَّ الدنيا..
بتمشي معانا ساعات بالعكس
إوعاك تستعمل شدة
أو إحراج وغلاسة وكبس
ده الدنيا ساعتـها بتبقى
كره و حقد وغل ونحس
بالكلمة الحلوة تِـهَـدِّي
تفوت وتعدي.. بل بالعكس
ح يفضل لَـك تأثـيرك..
بعد ما يبقى اتفهم الدرس

Saturday, July 16, 2005

البيت بيتهم

عبدالرحمن مصطفى ـ مصر

اعتدنا في بلادنا الجميلة أن تكون البدايات دائما مبشرة بالخير.. حتى تتبدل الأمور، وتظهر العيوب، وتسوء الأحوال، فلا نجد تعليقا أو توجيها بعد هذا التحول.
منذ عدة أشهر.. بدأ برنامج "البيت بيتك" في بث حلقاته على شاشة القناة الثانية بالتلفزيون المصري، و قد أجمع الكثيرون في بداية عرضه على تميزه وجَودته .. وبدا ذلك واضحا من بعض مكالمات المشاهدين الواردة إلى البرنامج، فأضحت بذلك المهمة شاقة على كل من يـُقـدِِم على نقد البرنامج، أو التلميح إلى ما به من أمور قد لا يرضاها المشاهد. الحقيقة.. أن البرنامج قد حقق انفرادات، وتناول موضوعات ميزته عن غيره من البرامج، لكننا قد بدأنا نلاحظ بعض الأمور مؤخرا وجِب علينا التصريح بها، حتى نلقى بالكرة في داخل "البيت" ، وننتظر رد الفعل.

في البداية.. لعل مسألة انفرادات "البيت بيتك" قد حققت هدفها لدى القائمين على البرنامج في اجتذاب المشاهدين.. وملاحظتنا على تلك الانفرادات، أن بعضها قد قام على تناول أعمال سينمائية لم تنزل بعد في دور العرض. فيتم مناقشتها، والترويج لها، باستضافة مجموعة العمل الخاصة بتلك الأعمال السينمائية.. وكأننا أمام إعلان مدفوع الأجر للقناة الثانية من قِـبل أصحاب العمل السينمائي..!، وهنا.. لابد لنا من وقفة، فعلى البرنامج أن يوضح للمشاهدين خلفية هذا الترويج، حتى يبريء الجهاز الإعلامي نفسه أمام المشاهدين من أي ظن سيء قد يفكر فيه المشاهد، فقد يذهب المشاهد إلى أن تلك الإستضافات، إنما هي نوع من المجاملات بين فريق عمل "البيت بيتك" والسينمائيين، وأن هؤلاء السينمائيين يروجون لأعمالهم مجانا عبر شاشة القناة الثانية. وبالتالي يتم تحميل تكلفة تلك المجاملات على حساب أحد أجهزة الدولة، وهو جهاز الإعلام.

لذا نعتقد أنه على القائمين على البرنامج، وعلى الجهاز الإعلامي بالدولة، توضيح تلك الجزئية للمشاهدين... خصوصا في وقت قد يكون فيه افتراض سوء النية من قِـبل الجماهير هو التصرف الأسرع، بعد عدة حوادث في الفترة الماضية ضـُبط فيها عدد من الشخصيات الفاسدة في داخل مبني ماسبيرو، ممن استغلوا مناصبهم، وأخذوا الرشاوى لتلميع بعض الشخصيات، و تقديمهم في برامج تلفزيونية.. أضف إلى هذا أن المشاهد أساسا لديه حالة من النفور تجاه تصرفات العاملين داخل الجهاز الإعلامي، الذين أغلقوا هذا الجهاز الإعلامي على مجموعة من العائلات، في ترسيخ لمحسوبية لا بد وأن ينتج عنها جو لا يتمتع بالشفافية... فكل تلك الأمور تجعل المشاهد يستخدم الظن السيئ أولا، حتى يقوم الطرف الآخر بتبرئة نفسه، ويتطهر مما طاله من سمعة سيئة.. هنالك بعض الأمور التي تحدث على شاشتنا المصرية، تشير إلى وجود مجاملات تتم عبر شاشات جهازنا الإعلامي بالفعل.
فعلى سبيل المثال.. ما معنى أن يتم عرض أفلام نجم بعينه- ونقصد هنا الممثل عادل إمام- في أسبوع تكريم له على شاشة القناة الأولى، قبل نزول فيلمه الجديد بالأسواق مباشرة..؟؟ واعتراضنا هنا-أساسا- على توقيت تكريمه.. وتخصيص أسبوعا لعرض أفلامه، قبل نزول فيلمه الجديد مباشرة بدور العرض، وليس في أي وقت آخر. المطلوب.. أن يعلن الجهاز الإعلامي عبر أي وسيلة من وسائله الإعلامية إذا ما كان الترويج للأفلام والمشروعات الفنية الحديثة، أمر مدفوع الأجر، أم لا.. حتى لا يثير الشك والريبة في نفوس الجماهير .

أما إذا ما عدنا إلى برنامج "البيت بيتك"، عارضين لبض المآخذ على أسلوبه.. فنجد أن من ضمن ما يؤخذ عليه، استضافته بعض الشخصيات ممن يمثلون "وجوه المجتمع" من الشخصيات المرموقة.. في تصرف يدفع بالمشاهد إلى التساؤل.. لماذا تمت استضافة هؤلاء بالذات..؟!!
فنجد على سبيل المثال، أنه عندما تمت مناقشة بعض القضايا التي تخص المرأة، وجدنا الضيفات.. مديرة بنك، سكرتيرة تنفيذية، مرشدة سياحية، سيدة أعمال... على هذا المنوال.. وهنا، لنا أن نتساءل مرة أخرى لماذا تمت استضافة هؤلاء..؟!المأزق الذي يعاني منه البرنامج، أنه يتناول أفكارا تعبر عن تلك الفئة السابق ذكرها، كتناوله قضية الإجازة الزوجية، وما شابهها من تلك الأمور التي تعبر عن شريحة معينة لا تمثل الواقع المصري بأكمله، والأسوأ.. أن يكون النقاش هنا عن قضايا مستعارة من مجتمعات غربية .

أما الأصعب على المشاهد.. أن يجد أحد مذيعي البرنامج وهو يؤكد دائما على أن هؤلاء الضيوف لا يمثلوا كافة طبقات المجتمع المصري... وهنا نتساءل للمرة الأخيرة، موجهين سؤالنا لفريق عمل "البيت بيتك"، لماذا لا يتم اختيار ضيوف أو "ضيفات" البرنامج بأسلوب يجعلهم –قدر الإمكان – معبرين عن كافة طبقات المجتمع المصري..؟!!. وحلاً لتلك "المعضلة".. أقدم اقتراحا يتم من خلاله اختيار الضيوف، ممن تتم استضافتهم على أنهم عينة من الجمهور، بأسلوب "عشوائي".. (أمين)، كأن يكون الظهور في البرنامج عبر مسابقات الــ (0900) التي يتم السحب من خلالها على مجموعة من الفائزين، وتتم استضافة الفائزين في السحب في كل مرة يحتاج فيها النقاش إلى مجموعة من الضيوف أو "الضيفات".

فالمشاهد يأسف عندما يجد برنامجا ناجحا، يبذل مجهوداته وإمكانياته لخدمة نخبة أو صفوة في المجتمع.. في الوقت الذي لا نجد فيه تميزا لتلك الشخصيات (النخبة) إلا كثرة أموالهم أو علاقاتهم، أو علو مناصبهم، أو قربهم من الجهاز الإعلامي، مثلما نجد مع الصحفيين ، والإعلاميين.. وغيرهم... إننا نرجو من البرنامج أن يتخل عن هذا الفكر المستفز، الذي سيجعل المشاهدين (خارج الصفوة)، ينصرفون عن فقرات لا تعبر عنهم . و استمرارا من البرنامج في هذا الفكر النخبوي.. يتم حصر الظهور المتخصص- للأطباء أو غيرهم - على أسماء معينة ليست لها عبقرية في مجالها بقدر ما لها وجود على الساحة الإعلامية، والثقافية... كأن نجد فقرة ثابتة للدكتور/ يحى الرخاوي .. صاحب أحد الصالونات الثقافية، وذلك بصفته أحد الرموز الثقافية بالدرجة الأولي في مساحة ثابتة له، دون غيره من المثقفين بالدولة .

ولربما قد انتقلت عدوى النخبوية إلى بعض مقدمي البرنامج، فنلاحظ تعالي بعضهم على الضيوف -ممن هم خارج (النخبة)- والاستخفاف بهم.. حتى أن ذلك وضح جليا عدة مرات أثناء تسليم الجوائز للفائزين في المسابقة التي يجريها البرنامج، والتي يسلمها أحد مقدمي البرنامج.. ومما قد يصيب المشاهد بالضيق أكثر، مسألة امتداد روح التعالي تلك إلى علاقات المذيعين ببعضهم البعض، ومحاولتهم -أحيانا- النيل من بعضهم البعض أمام المشاهدين، الأمر الذي قد يصل إلى حد تهكم أحد الزملاء على زميله. في الوقت الذي كان فيه البرنامج قد قام أساسا على فكر العمل الجماعي .

الخلاصة .. إن برنامج "البيت بيتك" يعبر عما تعانيه بعض أجهزة الدولة من انغلاق على مجموعات بعينها.. تحوِّل الجهاز الحكومي إلى جيتو (= حارة يهود) تعيش فيه بعض العائلات في عزلة عن العالم الخارجي و بقية المجتمع.. الذي يحاول دون فائدة اختراق تلك الأجهزة عنوة بفرض قضاياه عليها .. تلك القضايا التي قد لا يكترث بها الجهاز الإعلامي. فربما يهتم الجهاز الإعلامي بشجار استخدمت فيه الأسلحة البيضاء داخل نادي الزمالك.. لكنه لا يهتم أو يورد خبرا واحدا على شاشة التلفاز، عن شجار أخطر تم في حي السيدة زينب، بمنطقة "قلعة الكبش"، وراحت فيه الكثير من الأرواح.. أو عن مذبحة أخرى تمت بين عائلتين في محافظة خارج القاهرة..!

يجب على الجهاز الإعلامي أن يمثل كافة طبقات الشعب وطموحاته، بكل ما فيها من طيبات أو خبائث.. إننا نتمنى أن تصل الرسالة، حتى لا نجد برنامجا مثل برنامج "البيت بيتك"، يدفع بالمشاهد المصري إلى التفكير في أن البيت ليس بيته، وأن البيت "بيتهم" هم، أيا كانوا "هم" !

Monday, May 2, 2005

مشروع وطني

عبدالرحمن مصطفى ـ مصر

لعل أسمى ما يطمح إليه المشتغل في حقل السياسة أن يصل إلى أعلى منصب في الدولة (منصب الرئاسة، و يشمل هذا الطموح كل جماعة في المجتمع تصبو إلى أن يصل أحد أبناءها إلى الحكم. لكن تظل جرأة التقدم لهذا الأمر من نصيب المنتسبين إلى التيارات السياسية الموجودة على الساحة. وطوال الفترة الماضية لم يكن الأمر أبعد من محاولات البعض انتقاد النظام الحاكم بالتصريحات والحملات الدعائية، أو قيام البعض الآخر بالدخول إلى الساحة السياسية من أبواب خلفية، كالتواجد في النقابات المهنية على سبيل المثال. ربما يكون الاقتراح الأخير المقدم من الرئيس حسني مبارك قد فتح مجالا خصبا أمام أحلام التيارات السياسية الموجودة حاليا على الساحة في أن تقوم بتجربة جديدة، فترشح أحد رجالها إلى منصب الرئاسة. في الوقت الذي يتزامن هذا القرار مع دعاوى تبشر بعصر جديد يحمل مقومات التحديث داخله، فينتشل البلاد من أزماتها.

ولكن هل هذا هو الحل لأزمات البلاد..؟ هل وصول شخص إلى منصب الرئاسة من خارج وجوه النظام الحالي سيعبر عن نشوء عصر جديد، أو دولة حديثة..؟! لا أعتقد..!
لتسمحوا لي في المزايدة (المشروعة) على كل من القرار الرئاسي الأخير و أحلام التيارات السياسية في الوصول للحكم، و لأقدم طرحا جديدا أكثر صعوبة من التقدم إلى منصب الرئاسة، ومحاولات الحصول على أكبر نصيب من الكعكة السياسية. كأن تتركز جهود الأمة في انتاج مشروع سياسي يسد الفراغ الكبير في الفكر السياسي لأمتنا. فلماذا لا أدعو إلى اجتماع أبناء الوطن على تقديم اقتراحاتهم من خلال مشروع قومي يسعى إلى رسم صورة تداول السلطة في البلاد.. والوسيلة التي يتم بها الوصول إلى منصب الرئاسة..؟!
لا بد أننا لسنا جميعا راضون عن الممارسة السياسية في وطننا.. فلما لا يحدث ائتلاف بين الأحزاب والتيارات السياسية الوطنية، من أجل السعى إلى تقديم مشروع إلى الدولة يتم من خلاله الإتفاق على العديد من الأمور السياسية في الدولة.. كتداول السلطة، و تنظيم العمل في قطاع المحليات،إلخ..؟ أعتقد أنه إذا كنا نبحث عن عصر جديد يحمل مقومات التحديث داخله فليس من واجبنا انتظار أصحاب الفكر كي يتقدموا أو أن ( يُدفعوا) إلى المناصب العليا بقدر ما ننتظر منهم أن يقدموا أفكارا تنظر وتنظم هذا العصر الجديد الذي نسعى إليه، على أن يكون طرح الأفكار والرؤى ليس حكرا على الجماعات والتيارات والأحزاب، بل أن يكون متاحا للأفراد الذين يريدون تقديم أفكارهم من أجل خدمة الوطن، إلى جانب إتاحة المجال للأفكار القديمة التي حوتها كتب العديد من الكتاب الذين قدموا اقتراحاتهم من أجل النهوض بالأمة .
أجد أن اجتماع أبناء الوطن حول أمر (فكري) كهذا أجدى بكثير من محاولات القفز على منصب الرئاسة دون خطة حقيقية لممارسة الحكم، و اللجوء إلى شعارات من نوع (الحكم بكتاب الله) أو (حماية القومية العربية) دون وجود تصور حقيقي لممارسة السلطة وتوزيعها بين فئات الشعب.

Tuesday, March 29, 2005

الدين والسياسة

عبدالرحمن مصطفى
بين الحين والآخر، يثار الجدل حول مسألة الدين والسياسة، وعلاقة كل منهما بالآخر.. فتختلف الآراء، ويحدث الانقسام، ونرى رأيا يمزج الدين بالسياسة وكأنهما قابلان للتوحد، متعللا بأن كل أمر في الحياة مرده إلى الله، ومن ثم إلى الدين.. وبالتالي فلا حرج في مزج الدين بالسياسة. ورأي آخر على النقيض منه، يذكر أنه لادين في السياسة، ولا سياسة في الدين. إذا فواجب علينا التعرض لتلك الآراء بالنقد، حتى نعلم أيها أقرب إلى الصواب، أو على الأقل حتى نعلم إذا ما كنا في حاجة إلى رأي جديد أم لا.

- في الرأي الذي يذهب إلى المزج بين الدين والسياسة، على أساس أن "كل ما يخص حياتنا موجود في القرآن والسنة".. وقد تكون تلك العبارة الأخيرة صحيحة، ولكن.. كيف يتم التطبيق العملي لها عند مواجهة معضلة سياسية..؟ بالطبع ليس الحل في سرد الآيات و الأحاديث على لسان السياسي، بغرض حل المعضلة السياسية التي تواجهه.. فقد تستخدم الآيات والأحاديث في غير مواضعها، بغرض تحقيق غرض ما في نفوس الحكام وأهل المصلحة.

فكثير من الأمثلة التاريخية تدلنا على ذلك.. فكم من صراع سياسي قام من أجل انتزاع صفة أمير المؤمنين، و لقب الخليفة.. بل قد تم التمسح بنبوءات حوتها كتب الحديث، كفكرة المهدية (1)، مثلما حدث في ثورة المهدي بالسودان(2)، ومثل جيش المهدي حاليا بالعراق.
نجد هنا أن المزج بين الدين والسياسة –أيا كانت مبرراته- يقدم الفعل السياسي للناس على أنه فعل ديني، مما قد يسيء إلى صورة الدين في حالة إذا ما كان الفعل السياسي يحوي ظلما أو بهتانا.

إذن فالمزج بين الدين والسياسة، أمر فيه خطورة، لكونه مزج للحق بما قد يكون باطلا.. للعدل بما قد يكون ظلما.. للثابت بالمتغير. كما أن السياسة في الأصل، تحوي نظما، وقوانين، وشرائع، وأوامر إنسانية، لإدارة شئون إنسانية.. بينما الدين أوامر وشرائع إلهية، لتنظيم شئون إنسانية. فكيف يتوحد الاثنان، والأصل مختلف..؟!
لنترك ما للبشر للبشر، وما لله لله..وتدفعنا تلك الفكرة الأخيرة دفعا إلى الرأي الثاني القائل بأنه " لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة ".. فنتساءل، هل تصلح تلك العبارة لنا..؟؟ هل ستجعلنا تلك العبارة نعيش حالة من الرضا عن أنفسنا وعن علاقتنا مع ربنا..؟؟

عندما ذكر الرئيس الراحل أنور السادات تلك العبارة السابقة في إحدى خطبه(3)، انتهى الأمر بقتله في أقل من شهر، وأصبحت تلك العبارة دليل إدانة ضده حتى الآن. ويربط البعض بين تلك العبارة ذائعة الصيت، وبين فكرة العلمانية(4) ..فنجد أن عبارة " لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة " قد أصبحت مرادفا لدى البعض بالمبدأ العلماني "فصل الدين عن الدولة".
لكن الحقيقة.. أن فكرة "فصل الدين عن الدولة" ، أكثر تطرفا، فتطبيقها يعد نفيا للدين بأكمله عن كل شأن سياسي، وذاك أمر غير مقبول، قد يكون هنالك من لا يؤمن بوجود الخالق أصلا، لكن أعتقد أن شعوبنا المؤمنة بالدين لن تقبل مثل هذا الأمر.لنعد مرة أخرى إلى عبارة " لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة "، ولنبعدها عن تفسيرات من ربَطها بالعلمانية، وفصل الدين عن الدولة. قد ذكرنا منذ قليل أن هناك اختلاف شديد بين السياسة الإنسانية الصنع، والموجهة للبشر، وبين الدين الإلهي الصنع، الموجه للبشر.. من هذا المنطلق، قد نقبل أنه لادين في السياسة، تبعا لنشأة كل منهما، فالدين من الله، بينما السياسة من البشر وطارئة عليه، فلا يقوم الدين بدور السياسة أبدا.
ولكن.. هل معنى هذا أنه لا توجد سياسة في الدين..؟؟

تبعا للنشأة.. فالإجابة أيضا نعم..!
فنحن لا نستطيع إضافة ما صنعه البشر-السياسة- إلى ما صنعه الخالق -الدين- و إلا كان الأمر تحريفا للدين..والإنسان يشرع تبعا لظروفه.. بينما شرع الله لكل زمان، ومكان، ولكل البشر. لكن.. قد نجعل لما صنعه وشرّعه البشر، مرجعية متمثلة في الدين (صنعة الخالق).. ووقتها لن نجد سياسة في الدين، بقدر ما سنجد توجيها من الدين للسياسة التي نصنعها ونحن أحرار.
- إذا.. فكيف ننظم تلك العلاقة بين الدين والسياسة التي حولها البعض إلى فتنة بين الناس ..؟

* أن نعترف بإلهية الدين، فلا نقحمه في السياسة البشرية، وكأنه أداة في يدنا بديلة عن السياسة.. فلا يجب أن يحل الدين محل السياسة أبدا.

* علينا أن نعترف ببشرية السياسة، وأنها من صنعنا، وقابلة للتغيير، وأن الفكر الإنساني مهما تطور، فهو قاصر.. لذا فيجب أن يكون الدين مرجعا لكل تشريع أو نظام سياسي، و لكل فكرة أو نظرية سياسية (بشرية).

* علينا أن نجتهد في فهم ديننا حتى نستطيع التعامل معه، والاستفادة منه.

* عدم التقصير في الابتكار السياسي.. لأن ذلك قد يجعل الدين ضحية لكسلنا، فيأخذ الدين (الإلهي) محل السياسة (البشرية)، ومن ثمَّ يحمل الدين أوزارنا، وترتبط سُمعته بسمعتنا.

في النهاية.. نتمنى أن نرى الدين يقوم بواجبه تجاه السياسة من تقويم وتهذيب لها، فيكون للسياسة – صنعتنا- مرجعا ضابطا ومحددا لها، يتمثل في دين سماوي من عند الله أريد به خيرا للبشر . فلنجتهد في صنع سياساتنا ونظمنا السياسية-أيا كانت- على أساس مرجعية ديننا، وعلى أساس اختلاف سياسة كل دولة عن الأخرى، باختلاف الزمان والمكان والإنسان (5) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيلاف

(1) وردت فكرة المهدية في بعض كتب الصحاح الستة للحديث النبوي، عن المهدي المنتظر من نسل فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام، الذي سيملأ الأرض عدلا وخيرا .. والفكرة هي أحد أركان الفكر الشيعي، متمثلة في الإمام.. أما عند الصوفية، فتتضح أكثر في "القطب" أو "غوث الزمان"، والفكرة موجودة بشكل مشابه في الكتاب المقدس، عند الحديث عن "المسيح المنتظر".

(2) هو محمد أحمد بن عبد الله.. يرجع نسب أسرته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولد بدنقلة 1844مـ ،نصب زعيما لإحدى الطرق الصوفية عقب وفاة شيخها، وبدأ في دعوته الإصلاحية، وأتخذ لقب محمد أحمد المهدي منذ عام 1881مـ،وبدأ ثورته على الأوضاع السائدة، حتى اصطدم بعدها مع الاستعمار الإنجليزي، وتوفي بعد إسقاطه لمدينة الخرطوم في عام 1885مـ.. وظهر في أيامه آخر بالسودان ادعى أنه المهدي المنتظر.

(3) ذكر الرئيس الراحل/أنور السادات تلك العبارة في سياق حديثه عن الإخوان المسلمين في بيان إلى الأمة في 14/9/1981

(وساعة ما نقول لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.. يقولوا أبداً.. الدين سياسة والإسلام دين ودولة- آه دين ودولة صح، لكن أن تفرض وصاية على مصر باسم الدين على طريقة الخميني كما يكتبوا الآن.. لا..).

(4) العلمانية: هو مصطلح غامض ذو أصول كنسية بمعني (اللااكليركي) أو (غير اللاهوتي)، ويعبر المصطلح عن موقف أوروبي جاء نتيجة صراع ونضال أوروبي ضد المؤسسات الدينية هناك، التي احتكرت لنفسها مقومات الحضارة الفكرية والعلمية، ويربط البعض بين العلمانية والاستعمار الأوروبي، وأن أوروبا تصدر العلمانية للشعوب الإسلامية كي تفتنها عن دينها.

(5) عناصر التاريخ : الإنسان والزمان والمكان

Monday, February 28, 2005

في انتظار ثورة

عبدالرحمن مصطفى ـ مصر

تعيش مجتمعاتنا العربية الآن حالة من الركود، نتيجة إحساسها بالحيرة والعجز تجاه العديد من القضايا على الصعيدين الداخلي و الخارجي.. و يبدو أن للوجود الأمريكي القوي بمنطقتنا دور هام في إيجاد مثل تلك الحالة، بعد أن نجحت أمريكا في تحييد المجتمعات العربية عندما أصبحت لدى العرب بمثابة العدو و الصديق في آن واحد. خطر خارجي، وركود داخلي.

و دون أن نعول هنا على الأسباب الخارجية التي أدت إلى نشأة مثل تلك الحالة التي تعيشها مجتمعاتنا، فما يهمنا في مسألة الوجود الأمريكي القوي في منطقتنا، أن أداء أمريكا لدور العدو والصديق في آن واحد قد انعكست آثاره على الساحة الداخلية لمجتمعاتنا العربية الراكدة.. فجاء نتيجة ذلك محاولات لتحريك هذا الركود، بأن لجأ البعض إلى أن تحديد علاقته مع أمريكا بوصفها العدو الأكبر للأمة، لاعبا على وتر المشاعر الدينية والقومية، في الوقت الذي وجدنا فيه قلة أخرى قد حددت علاقتها مع أمريكا بوصفها الصديق. وتلك الثنائية ليست جديدة على منطقتنا، فدائما ما نجدها أمامنا عندما يظهر التدخل الأجنبي (القوي) مصاحبا للضعف الداخلي .أما غالبية الجماهير فنجدها في حيرة من أمرها مترددة في اتخاذ المواقف، في وقت وجدنا فيه من يتخذ المواقف، يتخذها بأسلوب متطرف لا يعالج ضعف المجتمعات الداخلي.

ــــ ما قبل الثورة

في تلك الفترات التي ينتظر فيها الناس مسيحا مخلِّصا أو مهديا منتظرا يقوم بإصلاح مجتمعاتهم بقواه الخارقة وأفكاره المعدة سلفا، بعد أن ضعفت قدرتهم على الابتكار والاجتهاد، نجد أن الأوضاع السائدة تكون في حاجة إلى عمل ثوري يحرك الراكد، ويجدد للأمة شبابها.. ولما كانت الثورات لا تأتي إلا عقب ظهور الأفكار والنظريات والمباديء، فلنا أن نتوقع لأي عمل ثوري في تلك المرحلة أن يكون عملا ارتجاليا غير منظم. ولكن.. هل من أمل ..؟! نعم، فظهور قوى أجنبية قوية بيننا، قد قسمنا إلى مفتونين بها و حاقدين على نجاحاتها، وفرض ذلك علينا حالة الضعف والاستكانة الحالية نتيجة حيرتنا في التعامل مع تلك القوى، و قد أوجب ذلك تلك الحاجة إلى إحداث عمل ثوري، يثور على الأوضاع السائدة، ويبدأ في التنظير لعصر جديد. وهنا.. نحن نتحدث عن عمل يكون بداية لمجموعة من الاجتهادات والأفكار التي تعالج حالة الضعف والركود الحالية، بتسلسل منطقي، لا بمنطق الانقلابات العسكرية.
إننا في حاجة إلى أفكار ونظريات تعمل عمل المقويات لجسد الأمة الهزيل .

ــــ بداية ثورة؟

دعونا الآن نتأمل قرار السيد الرئيس محمد حسني مبارك السماح لأكثر من مرشح بدخول الانتخابات الرئاسية، إن هذا القرار لابد أن يكون له أثره على الشعب المصري الذي سيصدم في الانتخابات القادمة، عندما يجد حاكمه "المقدس" وقد أصبح له منافسون في الانتخابات الرئاسية، قد تكون الفكرة مبهرة لأول وهلة، وباعثة على التفاؤل، إلا أنها أيضا قد تكون بداية انهيار لدولة –مصر- من أهم دول الشرق، ففشل الشعب المصري – بفئاته السياسية وغير السياسية- في التعامل مع تلك الفكرة الطارئة على تاريخه الطويل، سيعد نهاية لمرحلة الركود والسكون، وبداية لمرحلة جديدة من الأحداث والحركة، ولكنها-دون مبالغة- ستكون حركة قد تفكك الدولة تماما. ففشل الشعب في التعامل مع تلك الفكرة الجديدة قد يكون مدخلا لفتنة وأطماع فردية، وقد يكون بداية لتدخل خارجي نتيجة إخفاق المجتمع في التعامل مع أدوات الممارسة الديمقراطية السليمة.
ولما كان الشعب خارجا لتوه من فترة ركود وجمود، فلنا أن نتوقع الهزيمة عند أي مواجهة خارجية.

قد تكون الصورة كئيبة عند الإخفاق في التعامل مع هذا القرار الجديد، ولكن الصورة قد تكون أفضل بكثير عندما يصبح هذا الاقتراح الرئاسي، بداية لحركة ثورية على الأوضاع الحالية بما فيها من ركود وضعف وعجز، فهذا الطرح الذي قدمه "مبارك" بما له من تأثير الصدمة والإبهار، نحلم أن يكون بداية لأطروحات وأفكار جديدة تخرج بالشعب من ركوده وجموده، واعتماده على الارتجال في اتخاذ القرارات، إلى مرحلة جديدة تنشط فيها الأفكار الجديدة والاجتهادات البناءة.

ــــ سيدي الرئيس

نتمنى يا سيادة الرئيس أن تلقي بالحمل على الجماهير، فتضعها في اختبار حقيقي أمام أنفسها، بعد أن تُغير حالة الركود التي يعيشها المجتمع بقرارت واقتراحات تستثير الجماهير وتحفزهم للوقوف إلى جانبك، وإلى جانب من يأتي من بعدك، حتى يجيء اليوم الذي يصبح فيه الشعب هو من يقترح ويقدم الأفكار الجديدة، بنية صافية من أجل الوطن. وقتها فقط، سيكون الشعب هو من قاد الثورة في هذه المرة، بعد أن مهَّدت الحكومة له الطريق. فيثور على سلبياته وما يعيشه من ضعف وجمود.
نتمنى أن يكون القرار الأخير الخاص بترشيح أكثر من فرد لرئاسة الجمهورية بداية لثورة حقيقة، أشعلت فتيلها. ونتمنى أن يكون بداية تغيير حقيقي، بدلا من أن يكون بداية لعصر من الفتن والتدخل الأجنبي نتيجة استمرار الشعب في ركوده وجموده.

ـــ في النهاية

أرى أن الشعوب غالبا ما تتمنى أن يقوم الحاكم بالثورة قبل أن تبدأها هي.. فلنحاول جاهدين استغلال ما يحدث حولنا من تغيرات لصالح بلادنا، ولصالح أنفسنا
ــــــــــــــــــــــ

Thursday, February 3, 2005

الدروس الخصوصية و التنظيمات الإرهابية

تعتبر ظاهرة الدروس الخصوصية إحدى نتائج فشل الجهاز التعليمي بالدولة في أداء واجبه نحو المواطنين.. الأمر الذي أدى إلى وجود طلاب مستواهم العلمي ضعيف، إذا ما قورنوا بالأجيال السابقة عليهم. وكلنا نرى اليوم كيف أصبحت الدروس الخصوصية أحد أهم أسس العملية التعليمية في مجتمعنا المصري، بل لن أبالغ إذا ما قلت أنها أصبحت أهم لدى الطالب من ذهابه إلى المدرسة والانتظام بها.. و نلاحظ أيضا أن ظاهرة الدروس الخصوصية لا ترتبط بطبقة معينة، أو شريحة ما من المجتمع، حيث أنها قد جاءت كنتيجة لقصور في أداء الجهاز التعليمي بالدولة، والذي يخضع له جميع أبناء الشعب.. خصوصا في المدارس الحكومية.
و الأسوأ في تلك الظاهرة.. أننا نجدها وقد امتدت إلى داخل الجامعة، التي انتقلت إليها بعض أمراض التعليم ما قبل الجامعي، فنجد الطلبة في كثير من الكليات يجتمعون حول أستاذهم (المعيد) في حلقات دراسية خارج الجامعة قبيل فترة الامتحانات، مما جعل تلك الحاجة لدى الطلبة سببا في أمر جديد.. ألا وهو نشأة المراكز التي تقوم على تلخيص المناهج في شكل مذكرات للطلاب.. تلك المذكرات التي أصبحت في بعض الكليات -ككلية التجارة مثلا- بديلا عن الكتاب الجامعي.. ! اليوم.. لن نبحث في الأثر العلمي الذي تتركه الدروس الخصوصية و توابعها على الشباب المصري، بقدر ما نبحث في أثرها على نظرة الشاب نحو المجتمع والدولة بأجهزتها الرسمية.. وسيتـضح لنا بعد البحث سويا حجم الآثار الخطيرة لتلك الظاهرة على الشاب المصري و على علاقته بالمجتمع والدولة، سواء من الناحية الاجتماعية، أو من الناحية السياسية. والآن.. نستعرض معا بعض تلك الآثار السيئة للدروس الخصوصية على حياة شبابنا المصري في شكل نقاط:

1 - فقد الثقة في المجتمع وفي أجهزة الدولة:

يجد الشاب نفسه بعد تخطيه لمراحل التعليم المختلفة، وقد تعرض لتآمر مشترك من ناحية أستاذه ومدرسته التي أهملت في تعليمه، والتي تـُمثِّـل الدولة هنا ممثلة في الجهاز التعليمي.. ومن ناحية أخرى نجد الأهل والأسرة (نواة المجتمع) مشتركون في تلك المؤامرة، فالأسرة لم تقف في وجه الدولة التي أخفق أحد أجهزتها وهو الجهاز التعليمي في أداء دوره تجاه ابنهم، ولم تدافع الأسرة عن حق ابنها لدى الدولة، بل نجد الأسرة قد اتجهت للهروب من المواجهة باستقطاب (عميل) من الجهاز الحكومي كي يقوم بالتدريس لابنهم، كبديل عن مواجهة الإخفاق و صاحب الإخفاق ـالحكومة.
ولنا هنا أن نخرج بأن أول الآثار السيئة على الشاب المصري بعد تعرضه لمثل تلك التجربة، هو فقده الثقة في مجتمعه و في دولته بأجهزتها الحكومية.. وذلك بعد صدمته الأولى في التعامل مع الجهاز التعليمي الممثِّـل الأول للدولة لديه، والمتمثل في المدرسة الفاشلة في أداء دورها، إلى جانب المدرِّس المتآمر على الجهاز التعليمي المنتمي إليه.. كذلك كانت صدمته الأولى في مجتمعه الصغير (الأسرة )، لعدم قدرته على مواجهة الدولة، والاتجاه بدلا من ذلك إلى التآمر السلبي، ومخالفة قوانينها سرا. وهنا.. لنا أن نوجه بعض الأسئلة لأولئك الذين يتشدقون بالحديث عن الواجب الوطني كفرض أبدي على شباب الأمة.. أولئك الشباب الذين مروا بتجربة أفقدتهم الثقة في الدولة والمجتمع..
س: أليس من المنطقي أن يفكر هؤلاء الشباب في الخروج على تلك الدولة التي لم تستطع أن تقوم بواجبها تجاههم..؟؟ س: أليس من المنطقي أن يحاول أولئك الشباب أيضا الخروج أو على الأقل عدم الانتماء لذاك المجتمع غير القادر على مواجهة حكومته..؟! س: بعد رؤية الطالب لنموذج المعلم (المدرس الخصوصي) وهو يتآمر على الجهاز التعليمي المنتمي إليه –رسميا- مخالفا بذلك للقانون، أليس من المتوقع منه أن يفكر كثيرا في جدية مسألة الانتماء..؟؟ وهنا نوجه سؤالا أخيرا.. أليس الخروج على الدولة وفقد الثقة في المجتمع وعدم الانتماء إليه، هما بداية لقبول أي فكرة مناهضة للمجتمع و الدولة بأجهزتها..؟؟
بمعنى آخر أليس ذلك طريقا لما تسميه الدُّول اليوم بالإرهاب..؟؟
دعونا نكمل سويا ما بدأناه من عرض لبعض الآثار السيئة للدروس الخصوصية التي تصيب الشباب المصري.. والتي منها :

2- تحويل الشاب إلى أداة :

يجد الشاب المتخرج نفسه يبدأ حياته العملية، بعد أن تعرض لتلك المؤامرة غير القانونية التي حولته إلى أداة في أيدي مدرس خصوصي يريد استغلاله بغرض تحقيق عائد مادي، و أسرة تعامل ابنها على أنه أداة للفخر بما يُنفَق عليه ثمنا للدروس الخصوصية، وبما سيحققه إن أحرز مجموعا عاليا.أضف إلى ذلك.. أن هذا الشاب قد تعوّد أن الحل بيد غيره، وأنه مجرد دمية في يد من يفكر له، وذلك بدلا من أن يتجه هو بنفسه إلى حل أزمته مع مدرسته الممثلة لأحد أجهزة الدولة (الجهاز التعليمي)، من خلال الوسيلة أو التنظيم الذي يعبر فيه عن نفسه وعن مشاكله.. في الوقت الذي لم تبحث له أسرته ومجتمعه الصغير عن إيجاد مثل تلك الوسيلة الشرعية من خلال الطرق السليمة..فاستسلم الطالب للدروس الخصوصية التي صُوِّرت له على أنها الخلاص من أزمته مع الدولة وأجهزتها التعليمية. وهنا.. لنا أن نتوقع من مثل ذاك الشاب بعد انتهاء تعليمه، أن ينطوي تحت جناح من يصور له أن لديه حلا لمشكلاته مع الدولة أيا كانت الوسيلة، حتى لو كانت غير قانونية، و عن طريق (مجموعات) مخالفة لقوانين الدولة.

3- تعويد الشاب على المواجهة غير المباشرة مع الدولة:

من ضمن الآثار السلبية للدروس الخصوصية، أنها ترسخ فكرة عدم المواجهة المباشرة مع الدولة من خلال الطرق الشرعية، والاتجاه إلى طرق غير قانونية عند مواجهة المجتمع لأي أزمة مع الدولة وأجهزتها الحكومية. فالتصريحات الرسمية للدولة تذكر– حفظا لماء وجهها- أن الدروس الخصوصية أمر غير قانوني، ومع ذلك يتكاتف المدرس الخصوصي صاحب المرتب الحكومي الضئيل، مع الأسرة الباحثة عن مجموع كبير لابنها، في تحالف غير شرعي أو قانوني،كبديل عن مواجهة تلك المشكلة التي أوجدت مثل هذا الموقف. وهنا لنا أن نتصور فكر هذا الشاب الذي نشأ في مثل تلك البيئة، وهذا التفكير.. ولنا أن نتصور أيضا كيف سيكون رد فعله عندما يواجه بأي مشكلة مع الدولة بعد ذلك.
أليس من المتوقع أن يتجه إلى الأسلوب القديم..؟! أليس من المتوقع أن يخالف قوانين الدولة - ولا يخلو الأمر من روح الانتقام- ويبدأ في إيجاد تنظيماته الخاصة التي تحقق مصلحته من وجهة نظره.؟!وقد تكون تلك التنظيمات تحمل اتجاها معاديا للدولة، مما نسميها اليوم- أو كما تسميها الدول- تنظيمات إرهابية..!

4- تنمية الحس التنظيمي المعادي للدولة :

لعل اخطر الآثار التي تنعكس على شبابنا ولا ننتبه لها، هو تعويد الشباب على القيام بتكوين مجموعات مخالفة لقوانين الدولة، وغير شرعية.. تلك (المجموعات) التي نشأت في حالة ضعف للدولة (المتمثلة في جهازها التعليمي)ـ و هنا نجد الشاب وقد تعود على مثل هذا الأسلوب، في أن يخرج على حكومته مكتفيا بما أنشأه هو من مجموعات وتنظيمات بديلة عن أنظمة الحكومة التي أخفقت في أداء مهامها. فمجموعات الدروس الخصوصية لها قائد، وهدف، ومواعيد منتظمة تلتقي فيها.. إلخ، مثلها في ذلك مثل أي من المجموعات الأخرى المنظمة.. بل إن مجموعات الدروس الخصوصية اجتمعت على أنها مخالفة لقوانين الدولة إن لم تكن معادية لها. ولنا أن نتصور ما قد يمثله هذا الحس التنظيمي الخارج على قوانين الدولة من خطر على الدولة والمجتمع سويا.

خاتمة
استعرضنا سويا كيف كان للدروس الخصوصية آثارها التي تجعل الشاب بعد انتهائه من تعليمه قد أصبح فاقدا للثقة في مجتمعه ودولته بأجهزتها الحكومية، وأصبح أداة في أيدي غيره، فيكون وسيلة لجلب المال للبعض (المدرس الخصوصي)، و وسيلة للفخر لدى البعض الآخر (الأسرة والأهل). بالإضافة إلى أننا رأينا سويا كيف كانت الدروس الخصوصية سببا في نشأة مجموعات مخالفة لقوانين للدولةز. لا نستبعد أن تتحول إلى تنظيمات إرهابية معادية للمجتمع والدولة بعد خبرة الشاب السابقة في تكوين مثل تلك المجموعات. وهنا أرجو لظاهرة الدروس الخصوصية أن تلقى مزيدا من الاهتمام من حكومتنا المصرية، نظرا لأبعادها الاجتماعية والسياسية (الخطيرة) على المجتمع المصري، حتى لا نفاجأ في يوم ما بتنظيمات غير قانونية قد كونها شبابنا، ونحن في غفلة من زماننا، فنتعجب وقتها ونتساءل. " كيف أتى هؤلاء الشباب بمثل هذه القدرة التنظيمية..؟!"
وقتها سيكون شباب مصر قد اجتمعوا في مثل تلك التنظيمات نتيجة إخفاق الدولة في أداء واجبها تجاههم، كما أخفقت أول مرة عند تعليمهم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
إيلاف : 1،2

Monday, January 24, 2005

القاضي منذر وقبة القصر

عبد الرحمن مصطفى ـ مصر

يعتبر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقّب بعبد الرحمن الناصر ، هو أول من اتخذ لقب خليفة من أمراء الأندلس إلى جانب ذلك فقد كان أحد أقوى الشخصيات في العالم آنذاك ..وتحديدا في أوروبا، حيث كان أحد أهم الشخصيات الأوروبية في تلك الحقبة. وكان في عصره قاضيا يدعى منذر بن سعيد البلـّـوطي ، له قصة مع الخليفة سجلها كتاب (تأريخ قضاة الأندلس ) الذي سماه مؤلفه الشيخ أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي (كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا).
[ كان الخليفة الناصر أحد أعظم حكام الأندلس .. وكان من أهم أعماله العمرانية بناؤه مدينة (الزهراء) كعاصمة ملوكية جديدة ، و التي بنى له فيها قصرا كان تحفة فنية ، حتى أنه قد جعل سقف إحدى القباب به مغطى بقراميد مغشاة الذهب والفضة ، حتى إذا ما انعكست عليها أشعة الشمس أحدثت وهجا شديدا ، وأنفق في ذلك مالا كثيرا، حتى أصبحت محل حديث زواره..ودائما ما كان يدور ذلك الحديث في بلاطه
يسأل الناصر : " هل رأيتم أو سمعتم ملكا كان قبلي فعل مثل فعلي هذا أو قدر عليه..؟ "

فتأتي الإجابة : " لا يا أمير المؤمنين.. ! وإنك لواحد في شأنك كله ، وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه ، ولا انتهي إلينا خبره..! "

حتى دخل عليه يوما القاضي منذر بن سعيد البلوطي .. فسأله الخليفة عن رأيه في تلك القبة المغطاة بالذهب والفضة .. فترقرقت في عيني القاضي الدموع، حتى سقطت على لحيته، وقال للخليفة :

" والله يا أمير المؤمنين، ما ظننت الشيطان – لعنه الله- يبلغ منك هذا المبلغ ، ولا أن تمَكـِّـنـَهُ من قـِبَلـَـك هذا التمكين ، مع ما آتاك الله من فضله ونعمته ، وفضلك به على العالمين ، حتى ينزلك منازل الكافرين..! "

فانفعل الناصر قائلا له : " انظر ما تقول ..! وكيف أنزلتني منزلتهم.. ؟ "

فقال له القاضي : " نعم..! أوليس الله يقول :

" وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) الزخرف "

فوجم الخليفة ، وأطرق مليا ، ودموعه تتساقط خشوعا لله سبحانه ، ثم أقبل على منذر و قال له :

" جزاك الله يا قاضي .. فالذي قلت هو الحق .. "

وقام عن مجلسه ، وأمر بنقض سقف القبة ، وأعاد قرميدها ترابا على صفة غيرها ..]

انتهت القصة .. و لا أدري لماذا أتذكر دائما تلك القصة عندما يثار الحديث عن استعمال النص الديني.. ! عموما .. لنترك هذا الأمر جانبا ولنعد لقصتنا نتدبّر منها ، ونتعظ .

* فالقاضي فكّر في تصرف الخليفة الناصر ، و لابد أن ذلك قد جعل الآية الكريمة حاضرة أمامه ، فلم يأخذها ليتاجر بها أو يتخذها وسيلة لإضعاف الحاكم ، وتكفيره ، تمهيدا لعزله.

** و رغم قوة الناصر وقدرته في تلك الحقبة التي مكنته كشاب صغير في بداية حكمه أن يدحض كافة الحركات الثائرة والانفصالية التي كانت تعربد في أراضي الأندلس قبل توليه الحكم .. أقول و رغم ذلك لم يعتقل هذا القاضي رغم عنف ما قاله.

*** كذلك.. كان آباء وأجداد عبد الرحمن الناصر من حكام بني أمية قد تعرض عرشهم للاهتزاز مرات عديدة بسبب الثوار و الانفصاليين و الطامحين للحكم في أنحاء الأندلس ، وكان من ضمن هؤلاء أحيانا فقهاء ومتسترين بالدين وقضاة .. ولكن الناصر امتثل لمقولة القاضي منذر لأنها أمرُ الله ، ولأن النصيحة التي جاء بها القاضي إنما جاءت في إطار حديث قد يدور بين اثنين من المسلمين ، فهو نوع من التواصي بالحق من مسلم (قاضي) إلى مسلم (حاكم) .. في الوقت الذي كان فيه حكام أوروبا يطيعون (السلطة الدينية الكهنوتية) وهم صاغرون ، حتى لو أثر ذلك على هيبتهم لدى شعوبهم و أمرائهم.. في النهاية .. أتمنى ألا يظهر من بيننا كهانا من مثيري الفتن ، ومحرضين على إزاحة الحكام بغرض السيطرة على مناصبهم ، تحت دعاوى دينية ، ونصوص دينية مقتطعة
ـــــــــــــــــــــــــــ