Friday, December 24, 2004

علماني كافر

يجهد بعض الإخوة أنفسهم في سباب العلمانية ومحاولة إثبات أنها ضد الإسلام تمهيدا لتجهيز تهمة العلمانيةلأي مجتهد حتى لو كان اجتهاده من خلال النص الديني. وذلك منعا لإجهاد العقل في التعامل مع أي طرح فكري غير تقليدي، فيكون ردهم واجتهادهم فقط في وصم هذا الطرح الفكري باللعنات والنعوت المخيفة بغرض نفيه تماما من على الساحة، بدلا من تقييمه والاعتراف بما قدمه من فائدة حتى لو كان أغلبه غير مقبول.
نعم.. علمانية أوروبا التي تنفي كل صلة للدين بالحكم، لن نقبلها جميعا، وفي الأغلب سيكتب لها الفشل على مر الأيام بين شعوبنا المحبة لدينها. لأنها نبتة أوروبية لا يصلح زرعها في بيئتنا، ولكن لماذا لم نتساءل أولا - دون أن نخوِّن بعضنا – لماذا كان اتجاه البعض منا نحو تلك الفكرة الغربية أصلا..؟! ثم لماذا إذا اشتط أحد هؤلاء لا نعيده إلينا كفرد من جماعتنا و نتناقش في جو آمن بدلا من أن نُظهر الدين –دون أن ندري- على أنه عائق بين طموحاتنا وبين وحدة فكرنا..؟ هذا أمر لا نقبله ، ولا يقبله خالق الدين نفسه.
إن من اتجه إلى العلمانية - على النمط الأوروبي - إنما اتجه إليها هروبا من فكرة أن يكون لفئة ما من المجتمع سطوتها ونفوذها باسم الدين كما كان لكنيسة روما في العصور الوسطى، فكان التعامل مع تلك الفكرة بغرض إزاحة تلك الفئة من الصورة.
لذا فلا عجب إذا وجدنا أن تلك الفكرة قد بدأ تناولها والتعامل معها -ولن أقول الإيمان بها- بعد عهد محمد علي الذي حاول إضعاف النفوذ (السياسي) لرجال الأزهر والأشراف، ذلك النفوذ الذي اكتسبوه على أساس ديني أعطاهم شيئا من القداسة وجعل العامة تهرع إليهم كي يأتوا إليهم بحقوقهم الضائعة، مع وجود فئة التجار التي كان من الممكن أن تكون نواة لطبقة برجوازية قوية.
و لكن للأسف فمفكرينا لم يأتوا إلينا حتى اليوم بالفكرة التي تصلح لمجتمعاتنا بدلا من الأخذ بفكرة أوروبية جاهزة نتجت وتطورت في بيئة و ظروف مختلفة، على الجانب الآخر.. نجد النداءات واللعنات تنصب على (العلمانية) كمدخل لجعلها تهمة جاهزة يتهم بها المجتهدين أو المقترحين حتى لو كان اجتهادهم ذلك من خلال النص الديني. وهنا لا بد أن نتساءل أولا.. كم شخص خرج من بيننا يلعن هذا الدين (هذا غير الذين يقومون بسب الدين كنوع من السباب)...؟! و كم شخص أعلن للناس كفره بالدين..؟! وكم عدد أولئك الذين رفضوا أن يُستخدم الشرع في التشريع والقانون ..؟! قلة قليلة ذات صوت عال ، زعق حولها آخرون من "حماة الدين" فجعلوهم ظاهرة،
ولما كان البعض مستفيدا من وجود هؤلاء ممن لقبوا (بالأعداء) و (العملاء) لعدم قدرته على مواجهة أعدائه الحقيقيين ، فجاء ذلك الاتجاه نحو التكاثر عليهم واستضعافهم لتحقيق أي نوع من النصر في زمن كثرت فيه الهزائم. فتكون الحصيلة لدينا فريقين ،صُنِّفَ أحدهما على أنه إسلامي و صنف الأخر على انه علماني . وذلك رغم أنه من ضمن هؤلاء ممن سموا بالعلمانيين أناسا كان غرضهم طرح فكر جديد ، بل إن منهم من استخدم النص الديني في ذلك. ولأن العلمانية ليست من نتاج ثقافتنا ، فكثيرا ما يخفق من يحاول استخدامها حتى مع استعمال النص الديني في ذلك. ولكن الكارثة ليست في الإخفاق بقدر ما هي في إقصاء تلك الاجتهادات و التعامل معها على أنها ملعونة، مما قد يؤدي إلى تعنت هؤلاء المجتهدين بعد ذلك ممن أرادوا الخير لوطنهم. فكما يقال (العند يورث الكفر) . ولكن الأفضل والأفيد والأصدق لهؤلاء الذين يربطون بين كل من تعامل مع فكرة العلمانية وبين كون تلك الفكرة عير مقبولة و ليست نتاج حضارتنا أو أفكارنا ومن الصعب تطبيقها عمليا في مجتمعاتنا.. أقول أن الأصدق لهؤلاء أن يأتوا بأفكار من اجتهد، ويحاولوا دراستها و نقدها، ليس بغرض إنكارها كلية أو إظهارها بمظهر الكتابات الملعونة، ولكن بغرض تقويمها والوصول بها إلى ما يرضاه خالقنا وخالق عقلنا الذي جعله لنا وسيلة للاجتهاد والتصويب. ولكن حالة "البطالة" الفكرية التي نعيشها تجعلنا نستسهل أن نأخذ بقوالب جاهزة، فإما علمانية غربية تنفي الدين من الحياة السياسية. أو ممارسة كهنوتية للسلطة باسم الدين.
في النهاية أتمنى أيضا ألا نمزج بين فكرة سياسية -العلمانية- كان لها رؤيتها للدين، والتي ظهرت في بيئة وظروف تاريخية بعيدة عنا، وبين ما نعانيه اليوم من ابتذال أو عدم التزام أخلاقي أو حتى قيام البعض من بيننا – وهم ندرة- بالتهكم على الأديان، فلو لم يكن هنالك علمانية، لوُجدت كل تلك الأمور، لأنها تصرفات إنسانية تظهر في ظروف معينة علينا دراستها أولا.
و أخيرا أتمنى ألا يعتبر هذا المقال دفاعا عن الكفر ، الذي لقبه البعض منا "علمانية" .. أو أن يُعتبر دفاعا عن العلمانية التي اعتبرها البعض منا "كفرا".. فأكون بذلك علماني كافر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

Thursday, December 9, 2004

تم إيقاف العضوية..!!

بقلم : عبد الرحمن مصطفى ـ مصر

زملاؤه في العمل لا يرغبون في وجوده بينهم بسبب مقترحاته الدائمة في الشركة، ومع كل اقتراح كان يستعدي زميلا جديدا ضده، زادت حالته سوء بعد أن ذكر له الطبيب المعالج لوالدته أنه لا يوجد علاج حقيقي لمرضها.. يعيش معها الآن بعد أن هجرها إخوته إلى بلاد الله الواسعة وتركوه وحيدا معها دون أن يفكروا في أنه شاب يريد الانطلاق والمرح.. أما هو فاعتبر مساعدته لها فخرا له.. وبسبب وجوده أغلب الوقت في العمل أو في المنزل. كانت متعته الوحيدة هي التعامل مع الآخرين عبر الإنترنت، اشترك في عدة منتديات إلكترونية وغرف للدردشة. لكن .. أحد المنتديات على وجه الخصوص كان يجلس فيه بالساعات..! وفي الفترة الأخيرة.. بدأت عصبيته تزداد أثناء التعامل مع أعضاء المنتدى.. في تلك الليلة، دخل إلى المنتدى، قام بإدخال اسمه وكلمة السر، لكن لم يتم التسجيل .. كرر العملية أكثر من مرة ، ولا فائدة. لفت نظره عند مطالعته موضوعاته بالمنتدى عبارة مكتوبة تحت مشاركاته بالخط الأحمر.. ( تم إيقاف العضوية)..!! .. أغلق جهاز الكمبيوتر في برود ، جلس يفكر حتى قاطعه رنين الهاتف .. رد مسرعا كي لا يوقظ والدته النائمة. كانت المكالمة من زميلته في العمل (أماني).. اتصلت به لتخبره كي لا يفاجأ بأنه سيتلقى غدا خبر إنهاء عقد عمله مع الشركة، أغلق السماعة. عاد ليطمئن على والدته، وجد جسدا باردا لا يتحرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - 2 - 3

Tuesday, December 7, 2004

الصراحة في غرفة العناية المركزة..!

كنت مارا يوم الأحد 5 ديسمبر ليلا بجانب كاتدرائية العباسية ، فلفت نظري ذلك الجمع الغفير المرابط حولها من رجال الشرطة والأمن المركزي ، والحقيقة أني كنت قد شعرت بالغيظ لعدم معرفتي ما يدور هناك حتى علمت تفاصيل الخبر - كالعادة- من مصدر إعلامي خارج وسائل إعلامنا الحكومية، والذي تحدث عن مظاهرة قام بها مسيحيون عقب جنازة الراحل / سعيد سنبل مطالبين فيها برفع المظالم عن الأقباط.. تلك المظالم التي كان آخرها - حسب زعم البعض- اختطاف زوجة أحد القساوسة من قبل زميل لها في العمل أجبرها على الدخول في الإسلام، و زعم البعض أن الجهات الأمنية تتستر على هذا الأمر.
هكذا قرأت الخبر في "إيلاف" ، ثم سمعته مرة أخرى من محطة الــ BBC التي تحدثت عن مظاهرة "قبطية" حول الكاتدرائية ، فجاءت كل تلك الأمور لتتلاءم مع ما رأيته بعيني في تلك الليلة من تواجد مكثف لقوات الشرطة. والحقيقة.. أن مثل تلك الادعاءات كوجود حالات إكراه على الدخول في الإسلام ليست بالأمر الجديد ، فقد اتهم منذ عدة أيام أمين الحزب الوطني في مدينة أسيوط ، الذي قيل بأنه يعمل على تحويل الأقباط وخصوصا النساء إلى الإسلام.

وأتذكر أنه منذ فترة ليست بالبعيدة ، قد تم توجيه إصبع الاتهام إلى أحد أصحاب محلات السوبر ماركت الذي قيل عنه أنه يستدرج الفتيات المسيحيات على وجه الخصوص من خلال عروض المحل إلى الدور العلوي بالمحل ، وهناك يقوم بإجبارهن على الدخول في الإسلام ، وقيل في بعض الروايات الأخرى أنه قد تم الاعتداء على البعض..! ورغم بلاهة بعض تلك القصص ، إلا أن البعض يروج لها ويعتبرها إحدى مرجعياته في تحديد علاقته مع المسلمين ، خصوصا من أبناء جيلي المرعوب من الحياة ، وما بها من مشاكل.هذا الجيل لم يشهد أحداث الزاوية الحمراء التي عرفت بأحداث الفتنة الطائفية ، و التي كانت كل علاقتنا بها ، هو تلك العبارات التي ذكرها الممثل "أحمد زكي " عن لسان الرئيس السادات في فيلم (أيام السادات)، والتي صورت الأمر على أنه " خناقة عادية بين إتنين مواطنين زي اللي بتحصل كل يوم .. مية غسيل نقطت على الجيران .. والظاهر إن هي مية مش ولا بد يعني .. تطورت إلى أحداث مؤسفة بتصور للعالم إن في مصر فتنة طائفية...إلخ" ، وصدَّق أبناء جيلي هذه العبارات من أحمد زكي ، لأن أسلوب السادات في تناول المشكلة ، هو نفس الأسلوب الذي نواجه به أزماتنا حاليا، فإذا كان هذا تناول السادات فعلا للموقف فعلا وقتها ، فهو تناول سطحي لازلنا نتعامل به حتى الآن في مسألة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. فمثل تلك الأحداث أو حتى الإشاعات لا بد أن يكون لها دلالاتها لدى أبناء المجتمع ، خصوصا في عصر يفيض بالتعصب بين مختلف الطوائف ،, يظهر فيه فئة "محتكري الأديان" في مختلف الأديان والطوائف.

الأولى بنا - كشعب - قبل الحكومات أن نواجه مسألة عدم الصراحة وعدم القدرة على المواجهة لدى شعبنا ، والتي ينتج عنها دائما أن نلقي باللائمة على أطراف خارجية كنوع من الهروب ، أو أن نهرب إلى التقوقع في داخل جماعات دينية أو شلل (ترفيهية) كل همها المخدرات والحريم..! أما آن الأوان أن نكون أكثر صراحة وشفافية وصدقا مع بعضنا البعض ..؟؟ إننا في داخل الحوارات الرسمية نعترف كمصريين ـ مسلمين ومسيحيين ـ أنه لا توجد أي مشاكل أو مشاعر سلبية بين الطرفين.

ألا تجدون معي أن هذا أمرا غير مألوف ، خصوصا وسط ما نعيشه اليوم من تعصب وتطرف وكراهية للآخرين..؟؟
إنني أجد وسط أبناء جيلي أن المسافات تتباعد بين أبناء الوطن ، ليس فقط بسبب الدين ، بل بسبب أمور كثيرة ، أما عن الدين .. فالبعض ـ مسلم أو مسيحي ـ أصبح يتخذه كهفا يتقوقع بداخله ، فينسي باقي البشر ، الذين يبدأ في النظر إليهم نظرة فوقية مليئة بالنرجسية والتعالي.

فأحيانا أجد بعض إخوتي المسيحيين يتجهون للانزواء والتعامل المتكلف الحذر مع الآخرين ، وأحيانا أجد بعض المسلمين يتعاملون مع المسيحيين بنفس التكلف غير المبرر.. الأمر الذي يجعل العلاقة بين الطرفين تملأها الحساسية.. هذا بالإضافة إلى داء (ضيق الأفق).. فبالرغم من انتشار التعليم عن ذي قبل ، إلا أن ضيق الأفق في تزايد مستمر ، والشخص ضيق الأفق غالبا ما يلقى المشاكل في طريقه ، ولكن مشاكله تلك يصبح لها تفسيرات أخرى إذا ما كانت من شخص مخالف في الديانة. وللأسف .. أجدنا نحن أبناء هذا الجيل أكثر سطحية ، وأقل معلومات ، مما يجعلنا أسهل انقيادا ، وأكثر تعصبا ، ثم أقل حرية و أقل إحساسا بالفردية ، وكل تلك الأمور تصنع شخصا ضيق الأفق، هذا بالإضافة إلى أن قلة المعرفة تدفع بصاحبها إلى الانضمام إلى مجموعة أيا كان تفكيرها، فيخضع لها مقابل حمايتها له من إحساسه بالوحدة وسط هذا العالم المخيف.

في النهاية.. أحب أن اعبر عن رأيي كواحد من جيل الشباب في مثل تلك الحوادث التي تعبر عن حالة الخرس الجماعي الذي يعيشه مجتمعنا و كذلك عن مستقبل الشباب مع مثل تلك الأحداث . أرى أنه إذا لم يتم تحويل الشباب عن ذلك الطريق الذي أصبح فيه الشاب خاضعا مستأنسا للأقوى ، سواء كان هذا الأقوى المتمثل في تدخلات و سلطة الأسرة أو المتمثل في أصحاب الصوت العالي بالمساجد والكنائس، ستكون النتيجة أن يلقى أبناء مصر جميعا مشاكل جمة ستعوق بالتأكيد مسيرة تنمية المجتمع.
خصوصا.. عندما تكون الصراحة المبنية على المعرفة واتساع الأفق قد أصبحت كالمريض بالغيبوبة الذي لا يغادر غرفة الإنعاش.
ــــــــــــــــــــــــــ

Sunday, December 5, 2004

حكمة الملائكة

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر

حين كان الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات محاصرا اندهش الكثيرون من أن يكون رئيس الدولة محاصرا، وكذلك فعلوا حين تقدم أمين سر حركة فتح مروان البرغوثي – المعتقل لدى إسرائيل- ليرشح نفسه رئيسا لفلسطين ، وكأنه يصنع التطور الطبيعي لحال رئيس فلسطين ، فبعد أن كان الرئيس عرفات محاصرا من قبل إسرائيل، يكون الرئيس التالي له ( البرغوثي) سجينا لدى إسرائيل. و رغم أن البرغوثي قد سحب ترشيحه ، ثم عاد إليه مرة أخرى إلا أن فكرة وجوده ضمن المرشحين للرئاسة قد أثارت الكثيرين من أبناء منظمة فتح نفسها ، وهم الذين اعتبروا أن هذا "عبثا سياسيا" ، وتشويشا على دور الحركة.. ولن أدعي أني قد شققت عن صدور رجال منظمة التحرير الفلسطينية لأعلم ما بداخلهم تجاه مروان البرغوثي ، و لكن الدلائل تشير إلى علو نجم الرجل على الساحة الفلسطينية، خصوصا وأن الكثيرين يعتبرونه رمزا للمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. فلماذا لم يتم قبول مروان البرغوثي ضمن المرشحين للرئاسة..؟ هل هي الغيرة ؟؟ أم عدم قدرة شعوبنا على قبول منافسين لحكامهم ينازعونهم في شعبيتهم..؟! أعتقد أن المشكلة الحقيقية هنا ليست مشكلة فلسطينية فحسب، بل هي مشكلة كل قطر عربي لا يقبل بتوزيع القوى السياسية على عدة هيئات أو مؤسسات أو حتى أفراد ، فشعوبنا تؤمن بالحاكم المقدس .. الفرد الصمد.. الذي لا شريك له..! و ما دامت الشعوب العربية تؤله حكامها، وتنظر على الحاكم على أنه إله لا يخطأ ، ولا يُنافس ، ولا يشرَك به .. فبناءا علي ذلك .. لا يجب أن يكون هنالك آلهة أخرى تنازع هذا الحاكم الإله في الحكم ، اللهم إلا أن تكون آلهة للشر..! وبالتالي.. ففكرة أن يكون هنالك عدة مرشحين للرئاسة لن تجد قبولا في بلادنا العربية ما دامت هنالك قدسية للحاكم ، حيث أن ذلك الأمر سيكون نتيجته إما الفتنة ـ تنازع الآلهةـ أو أن يتجه العامة لانتخاب شخص واحد من المرشحين – كبير الآلهة- ويكون باقي المرشحين مجرد ديكور للواجهة المطلة على الشارع الدولي. فالمشكلة التي أثيرت حول ترشيح البرغوثي نفسه في الإنتخابات الفلسطينية المقبلة سببها أن البعض يخشى من تزايد شعبية مروان البرغوثي خلال الانتخابات ، الأمر الذي سيوجد منافس للحاكم الإله الذي سيعقب عرفات بما كان له قداسة كبيرة لدى شعبه، وفكرة أن يكون هنالك منافس لدى الحاكم هي أمر غير مقبول لدى العرب، فهو إضعاف للحاكم، وبداية لفتنة قادمة بين أنصار الطرفين ، حيث أنه من المفترض لدينا ألا يُنازَع الحاكم في شعبيته (قدسيته) من قِبل أحد أيا كان. و أجدني الآن بعد حديثي عن نظرة شعوبنا إلى حكامهم على أنهم آلهة، أتجه بتفكيري إلى الله.. خالق الحكام والشعوب ، لأتذكر موقف الملائكة – التي هي أفضل منا- مع الله خالق الشعوب و الحكام (الذين تم تقديسهم محليا) في موقف يرويه القرآن عن قصة خلق آدم.. فأجد أن الملائكة تسأل ربها – وليس حاكمها- في توقيت ملائم عن المخلوق الجديد ، وحكمة خَلقه، وعندما أمِرَت الملائكة بالسجود لهذا المخلوق الجديد ، سجدت طاعة لأوامر الله الملك ، بينما ظهر حمق الشيطان في تمرده على تلك الأوامر نتيجة قلقه و غيرته من المنافس الجديد فكان تكبره على القوانين الإلهية .. ومع الفارق..للأسف.. نجد أن شعوبنا أحيانا تقع في نفس خطأ الشيطان ، فتتمرد على القوانين، و تثير الفتن نتيجة رفضها أن يكون هنالك منافسا لحاكمها المقدس.. فإذا كان الشيطان لم يقبل أن يسجد لآدم تكبرا وحرصا على مصلحته الشخصية في أن يكون هو الأفضل.. فشعوبنا لا تريد أفرادا متنافسون في الانتخابات ، ثم متعاونون خارجها ، إنما تريد حاكما مقدسا بغير منافس. الشيطان يتمرد على القوانين لمصلحته بعد ظهور منافس جديد لم يعجبه ، ونحن نتمرد عل القوانين ونثير الفتن عندما يظهر منافس لحاكمنا..!! وماذا عن الملائكة..؟! ماذا حدث لها..؟؟ لم يُنتقص من مكانتها من شيء .. أما آدم الذي سجدوا له ، فقد هبط من الجنة مذنبا .. وأما الشيطان ، كان تكَّبره على قبول منافس له قد جعله في لعنة أبدية إلى يوم الدين .. ليتنا نتعلم من حكمة الملائكة التي كانت أكثر ثقة في نفسها، وأكثر التزاما بالتشريعات .. فبمثل تلك الحكمة قد تصبح انتخاباتنا أكثر مصداقية ، بدلا من أن تكون كالموالد الشعبية ، التي يكثر فيها دراويش صاحب المولد.
ـــــــــــــــــ

Wednesday, November 17, 2004

فِتنة طائفيّة

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
ما يحدث في العراق وفلسطين أصبح مادة رخيصة للذين يتصيدون أخبار نكسات وهزائم المسلمين كي يندبون وينوحون بها.. و قد جاءت وسط زحام الأحداث أخبار جديدة من أوروبا ، وتحديدا من هولندا ، لتخبرنا عن إحراق و تخريب مبان إسلامية ، عقب مقتل مخرج هولندي على يد شاب متطرف مسلم ، والذي قتله بسبب كون هذا المخرج من أصحاب الآراء التي تَعيبُ في الإسلام والمسلمين ، وهي الآراء التي ظهرت واضحة في آخر أفلامه. ولم ينته الأمر عند هذا الحد ، بل حاول بعض المسلمين الرد على تلك العمليات بعمليات انتقامية مضادة ، حتى تطلب الأمر ذهاب رئيس وزراء هولندا إلى أحد مساجد المسلمين ليطلق من هناك بعض التصريحات التي تدين العنف وتدعو للحوار بين مختلف الطوائف. ولكن.. ما موقفنا نحن هنا أبناء المشرق من مثل تلك الأحداث..؟؟ لاشيء.. فالبعض يعتبر هذا شأنا داخليا . ولكن إذا كان الأمر كذلك ، فهل المسلمين (الأوروبيين) يعلمون هذا الأمر ..؟ هل قلنا لهم ذلك صراحة ، و أعلنا لهم أننا لن نتدخل لهم في شأن يخصهم هم وحكوماتهم..؟ لا.. لقد كان رد الفعل الملموس فقط هو الندب و النواح من قبل هواة صيد مثل تلك الأخبار ، الذين بدأوا في الحديث عن نهاية قريبة للمسلمين في أوروبا ، وعن أندلس جديدة ، وعن الحروب ضد الإسلام في الشرق وفي الغرب..! و لكن ، بعيدا عن كل ذلك ، دعونا الآن نفكر سويا.. لماذا أتى هؤلاء الغربيين أصلا إلى أراضينا ..؟ ألم يكن ذلك تعبيرا عن استهتارهم بنا كدول وحكومات ، و تأكيدا على ضعفنا..؟ فإذا كان الأمر كذلك ، فلنوجه رسالة واضحة للمسلمين في أوروبا ، نحثهم فيها على أن ينتموا بكل أمانة إلى الأوطان التي اختاروا أن يعيشوا فيها ، وأن يبدأوا في كفاح سلمي ورسم صورة لأنفسهم هناك مستمدة من الإسلام ، ومن الثقافة الأوروبية. بدلا من أن ينقلوا عادات الشرق بمزاياها، وعيوبها إلى الغرب ، فيخسروا الغرب - وطنهم الجديد- في الوقت الذي لن ينجدهم فيه الشرق ، الذي لا يستطيع أن ينجد نفسه. أعتقد أنه على المسلمين في أوروبا أن يندمجوا في الغرب ، و أن يكونوا جزءا منه ، بحيث يكون هنالك فرق واضح بين من أقام في أوروبا بغرض التعلم أو العمل ، وبين ذلك الذي أصبح جزءا من الثقافة الأوروبية التي يحمل هويتها . وأعتقد أنه ليس هنالك ما يمنع الاندماج في المجتمعات الأوروبية إلا مسألة الانتماء الإسلامي ، الذي يجعل المواطن الغربي يشعر وكأن المسلمين الشرقيين يحاولون (مشرقة) الغرب، فتستدعي ذاكرته القومية ما كان من الوجود العربي الإسلامي القديم في أوروبا في تلك الفترة التي كانت صورة الإسلام فيها تشوه على يد الكنيسة وأعوانها في العصر الوسيط ، لذا فعلى المسلمين الأوروبيين أن يصنعوا صورة جديدة للإسلام في أوروبا، منابعها من الحضارة الغربية ، دون محاولة إقحام العادات والتقاليد الشرقية عليها، على ألا يكون ذلك على حساب خسرانهم لدينهم أيضا . ولنا أمثلة عديدة لمسلمين استطاعوا تحقيق مثل تلك المعادلة ، فها هم إخواننا في أفريقيا وشرق آسيا لهم انتماءاتهم الأفريقية و الآسيوية ، دون أن يكون ذلك سببا في خسرانهم لدينهم ، رغم محاولات البعض لإقحام الهوية العربية على الدين الإسلامي هناك محاولين ربطها به.
في النهاية ، ليت المسلمين في أوروبا يدركوا حقيقة أنهم أصحاب حق في أوروبا ، بدلا من أن يتعامل البعض منهم وكأنه ضيف يقضى بعضا من الوقت ، حتى يعود من حيث جاء ، فيكون ذلك دافعا لبعض المتطرفين من أهل أوروبا – الأصليين- إلى التعجيل بالمطالبة بعودة هؤلاء – المهاجرين- المسلمين إلى أرض آبائهم وأجدادهم في الشرق

Monday, November 15, 2004

الحس السينمائي : بين الفقيد والعقيد

رحم الله الفقيد/ ياسر عرفات..
سنفتقد بموت هذا الرجل رئيسا عربيا يمتاز بحس سينمائي عال.. ولن يعوض هذا الفراغ إلا الأخ العقيد/ معمر القذافي، فكلاهما كان يتحدث في المقابلات الصحفية، أو حتى في المؤتمرات الدولية وكأنه يصور فيلما سينمائيا. وهانحن الآن نشاهد كلمة النهاية على آخر مشاهد فيلم النجم ياسر عرفات.
لقد كان للفقيد ياسر عرفات العديد من "الإفيهات" التي أضحت ملازمة له.
يا جبل ما يهزك ريح"، "معا و سويا حتى تقام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف"، إلى آخر كل تلك الجمل والعبارات التي لم يمل الرئيس الراحل من تكرارها، مع عدم جدواها، ورغم موت الرئيس الفلسطيني فلا أعتقد أن أحدا من الساسة العرب سيتعظ و يدرك عدم جدوى مثل تلك العبارات الفخمة.
ولعل أخانا العقيد/ معمر القذافي هو أحد هؤلاء المنتمين إلى تلك المدرسة التي تهوى العبارات الرنانة، فهو صاحب تعبير دولة "إسراطين" المعبر عن فكرته في دولة تضم الإسرائيليين و الفلسطينيين، وهو أيضا صاحب فكر "الجماهيرية".. و أعتقد أنه لو كان القذافي قد عرض فكره في هدوء و في أطروحات تقليدية، لكانت رؤيتنا إلى فكره قد اختلفت.
أنا هنا لا أقف لأوزع الاتهامات على القادة العرب وكأن مصر قد سلمت من كل داء، فنحن نعلم جميعا أن قادتنا العظام كان منهم من اتسم بذلك الحس السينمائي، الذي تطور في بعض الأحيان إلى مرحلة من الافتتان بالذات، حتى أن بعض الإخوة العرب يتهمون مصر بأنها من صدَّر (التفيهق)إلى الشعوب العربية، وأن العبارات الرنانة نحن - المصريين - أول من صنعها.
ولكن – في رأيي – أن الأمر ليس بتلك الصورة، خصوصا بعد هزيمة 1967، التي حدَّت قليلا من هذه الروح، و مع ذلك فنحن لا نستطيع نسيان تلك الحالة التي كان عليها عبدالناصر وهو يخطب في الجماهير، كان كأنه يصور فيلما سينمائيا، حتى جاء عام 1967 ليفشل الفيلم فشلا ذريعا.. ثم يأتي السادات من بعده وهو من لم يكترث به الناس، حتى أنهم كانوا يرونه ظلا لعبدالناصر، حتى حقق شيء من الإنجازات، فبدأ أداؤه التمثيلي يزداد تدريجيا حتى أصبح غير مقبولا بعد ذلك، فانتهي فيلمه بمقتل البطل.
والآن.. يبدو لي أن الحس السينمائي التمثيلي لا يرتبط وجوده بفترات السلام والأمان والطمأنينة، أو بفترات الحروب و القلق والخوف. يا ليت هؤلاء الذين انفصلوا عن الواقع وبدأوا في الشعور بأنهم أبطال في فيلم، أن يدركوا أن النهاية قادمة لا محالة، وأن الباقي للناس وللآخرة هو العمل وليس الكاريزما المتصنعة، ولن يفيد أبدا الحس السينمائي بعد أن يكون المرء فقيدا، حتى و لو كان عقيدا.
ــــــــــــــــــــــ

Sunday, November 7, 2004

بين التواصي و الوصاية شعرة

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
ألم يحدث لك في مرة من المرات أن ألَحَّ عليك صديق في الذهاب معه إلى المسجد..؟! أو أن سألك في مرة من المرات " هل صليت قبل أن تأتي؟ " أو قال لك " هل قلت أذكار كذا و كذا اليوم..؟! " ربما .. و حينئذ تكون إجابتك إما بنعم أو بلا .. فيكون رد فعل صديقك إما الإعلاء من شأنك، أو العتاب عليك.. وهنا أنا أتحدث بخصوص حدود العلاقة بين أفراد المسلمين ، فهل من حق المسلم ، أن يقوم بالإلحاح في سؤال أخيه المسلم عما أداه من عبادات .. حتى و لو كان ذلك بغرض النصح و التذكرة..؟!
أعتقد أن الإجابة المنطقية هي.. لا، ليس من حقه ذلك. ولكنك عندما تَصدِم صديقك بهذه الحقيقة ، ستجده وقد اتخذ منك موقفا عدائيا ، وقد تنتهي العلاقة نتيجة تفسيراته الخاصة. يقول تعالى: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)صدق الله العظيم وكما يتضح من الآية، أن على المسلمين أن يتواصوا في ما بينهم بالحق ، وبالصبر على الشدائد.. و لكن المشكلة أن البعض لا يستطيع تطبيق مفهوم التواصي هذا بصورة مقبولة. أمر آخر نجده في قول الرسول " ‏انصر أخاك ظالما أو مظلوما " يتعلق بشكل التواصي المطلوب بين المسلمين ، وذلك حين يقف المسلم مع أخيه المسلم حين يُظلم على يد الغير ، وكذلك حين يجده قد اتجه إلى ظلم غيره أو ظلم نفسه ، فهنا يظهر دور المسلم لأخيه المسلم فيرده عن ظلمه. ولكننا إذا عدنا إلى هؤلاء الذين يحاولون اختراق خصوصيتك ، والتحري عن علاقتك بربك ، فنجد أن تصرفهم هذا لا ينتج عنه كثيرا من الفائدة، بل أحيانا يسبب جرحا للبعض ممن قصروا في شيء، فيتولد عن هذا رد فعل عكسي كنوع من الدفاع عن النفس.. و إذا تجاوزنا ذلك إلى تساؤل آخر حول ما تنتهي إليه مثل تلك الأسئلة التي ذكرتها في أول المقال..؟! فإنها في بعض الأحيان تنتهي إلى عدة طرق مؤسفة :
الطريق الأول.. أن ُيسأل الشخص .. فيجيب بصراحة.. فيتصيد الطرف الآخر هذه الصراحة .. ويظهره بمظهر المقصر في دينه ..فيكون العند والتكبر و الحدة هم رد الفعل على مثل تلك الأسئلة.
الطريق الثاني .. يكون رد الفعل على مثل تلك الأسئلة هو الرضوخ وطلب النجدة من صاحب السؤال كنوع من التخلص من هذا الموقف ، فيكون التخلص من صاحب السؤال عن طريق الإطراء عليه و إعطاؤه دورا مزعوما في حياة من ُسئل . وغالبا ما يتسم الحوار هنا بعدم الصدق. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد ، بل يترتب على ذلك أن يقوم من سَأل بمتابعة الصديق ـ الذي يراه مقصراـ فيبدأ بفرض وصايته عليه ، و أحيانا يكون ذلك من خلال مجموعة (تقية).
الطريق الثالث.. أما في حالة إذا ما كانت إجابتك على أسئلة السائل بالإيجاب ، فهنا تجد الثناء والمدح على أعمالك التي بيد الله، وهو أمر منهي عنه من الرسول ‏الكريم الذي قال "إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل إني أحسبه كما يريد، أن يقول ولا ‏ ‏أزكيه على الله" .
وهكذا، فالإلحاح على مراجعة الآخرين وعلاقاتهم بالإله ، أمر لا فائدة منه ، بل هو أمر مضر. وإذا كنا نبحث عن وسيلة لتقييم إنسان ، فلا أعتقد أن تلك هي الوسيلة المناسبة. إنما المطلوب هو التذكرة والتنبيه ، إما عن خطأ يمارس أو عن خير فائت ، حتى لا نحول أمر الله بالتواصي إلى محاولة للوصاية

Monday, October 25, 2004

هذا مقال اسلامي

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
مثلما أن هنالك بنك إسلامي، و مدرسة إسلامية، ومحل إسلامي.. الخ فلماذا لا يكون هذا المقال أيضا إسلامي..!! فربما يكون السر في ذلك الوصف الذي سيجذب الزبائن والزوار ، ويجعلهم يشعروا بالأمان والطمأنينة لي قبل قراءة مقالي..أما لو أردنا قول الجد.. فأعتقد أن القرآن والسنة لو أصبحا حقا في عقولنا و صدورنا ، لكانت تصرفاتنا تلقائيا تأتي ونحن راضين عنها، ولن نكون حينئذ في حاجة إلى أن نصف أنفسنا بالمسلمين أو الإسلاميين بين كل كلمتين ننطق بهما .. وفي السياسة.. يكون لهذا الوصف (الإسلامي) بريقا آخر ، وذلك عندما يحاول البعض تحويل الإسلام إلى مذهب سياسي.. وحينئذ ، يكون تحويل الدين إلى مذهب سياسي دافعا إلى التعامل مع القرآن والسنة بانتقائية..! بمعنى أيسر فنكون وكأننا نقوم بتفصيل ثوب صغير( مذهب سياسي) من هذا القماش العريض اللانهائي (القرآن والسنة).. فبدلا من أن يكونا القرآن وسنة الرسول في داخلنا ، عليهما الآن أن يكونا غطاءا خارجيا لما نقوم به من أعمال.. فيكون الحزب إسلامي.. والبنك إسلامي .. ومحل الملابس إسلامي وكأن كل صاحب نشاط ينتقي من الدين قطعة القماش التي ستفصَّل كي تكون رداء لنشاطه.. مع أن الطبيعي أن يكون في داخلنا القرآن وسنة الرسول معا ، فتكون أفعالنا مبنية على هذا الأساس ، فيكون نظام دولتنا - تلقائيا- مبني على هذا الأساس أيضا.. و لكن ما نراه هو ذلك التكرار على المسميات الإسلامية ، والتأكيد على الهوية الإسلامية.. فما معنى أن نجد جماعة إسلامية ، ومدرسة إسلامية ، وبنك إسلامي ، محل إسلامي ،..الخ ، في دول الغالبية العظمى من سكانها مسلمين..؟!! قد يرد البعض هنا بأننا فعلا مسلمين ، ولكن الدولة لا تسير على تعاليم الإسلام ..! ولو افترضنا جدلا هذا الأمر.. فمَن السبب في ذلك..؟ الحكام.. ومن أين أتوا الحكام ..؟! جاءوا من الشعب.. وهنا أعيد فكرتي مرة أخرى ، لو كانت نصوص القرآن - التي يجب أن نؤمن أن إدراكها سيختلف من جيل إلى جيل - إلى جانب أفعال الرسول، مختزنة في قلوبنا وعقولنا، لكانت أفعالنا مبنية على هذا الأساس ولكان دستورنا يقوم على القرآن والسنة دون أن يكون دستورا (إسلاميا) ، ولكان تعليمنا ، و اقتصادنا ، و سياستنا يعمل بما في القرآن والسنة دون أن يكون تحت مسمى إسلامي.. لا أدري..! إنني عندما أجدنا نكرر لفظ إسلامي .. وإسلامية.. أجدني أشعر أننا وكأننا دخلنا في الإسلام حديثا ، ونتحدث بهذه الصورة لأننا "محدثين نعمة" .. أو أننا كالمرأة اللعوب التي تذكر كلمة (الشرف) بعد كل كلمة . فهي تعمل بشرف .. وأغلى شيء في حياتها هو الشرف .. وتتحدث عن النساء الآخرين عديمي الشرف ..الخ أعتقد أن تعامل البعض منا مع الإسلام على أنه غطاء.. أو وصف .. أو رداء.. هو الذي يدفعنا للبحث عن لصق الإسلام بأفعالنا ، كنوع من تأنيب الضمير ، حيث أننا نعلم أننا نضيق واسعا عندما نبحث - بتكلف وتصنع - في كل نشاط عن شكل إسلامي، بينما الطبيعي أن نكون أكثر طبيعية ،عندما نكون على وعي بديننا ، فيأتي تعاملنا مع مختلف الأنشطة طبيعيا ... لا أن ننتقي من الدين الجزئيات الخاصة بنشاط ما و نضيفها أو نقحمها على النشاط كما تعلق الصورة على الحائط كي يكون للنشاط علاقة بالدين.. بل المفترض أن يكون الدين في تفكيرنا ، وقبل فعلنا عند أي تعامل ، وقبل وضع أي فكرة.. فنكون نحن الدين نفسه يسير عل الأرض. أليس الرسول الكريم محمد كان قرآنا يمشي على الأرض كما وصفته أم المؤمنين عائشة..؟! ولقد كان يعيش الصحابة على طريقتهم الأولى ، فدخلوا الإسلام .. ولأنهم كانوا أكثر ثقة في أنفسهم منا ، فلم يكن عندهم هذا النقص الموجود لدينا الآن ، فتعاملوا مع مختلف الشعوب ، ووُضعوا في مختلف المواقف الصعبة والجديدة .. فتعاملوا معها بتلقائية من يعيش المنهج بداخله.. أما نحن فعلينا الآن أن نبحث في سر هذا التكلف الذي نعيش به ، فأصبحنا وكأننا ننافق الإسلام بأن نضع اسمه على أنشطة حياتنا ، وكأنه شخص نريد أن نرضيه لقداسته.. بينما في اعتقادي أننا يجب أن نكون نحن أنفسنا الإسلام..! أليس رسولنا كان تجسيد القرآن..؟! وفي النهاية أريد أن أذكر أن فكرة أن يحتكر البعض الصفة الإسلامية دون الباقين ، هي بداية كل خطر ، وفيها استعداء لباقي أفراد المجتمع ، وقد تولد تيارا مضادا

Thursday, October 21, 2004

نحن والدين .. من يخضع للآخر ؟!

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
هل حدث في يوم من الأيام أن نظرت إلى الدين على أنه كائن حي..؟! وبدأت في تحديد العلاقة بينك وبينه ، ومن منكما يخضع للآخر .. ربما لم يحدث هذا من قبل.. تعال نتحدث حول هذا الأمر .. حول علاقتنا بالدين..!

هل نحن خاضعون للدين ؟ أم أن الدين هو الخاضع لنا..؟ سيجرنا هذا التساؤل جرا إلى أمر آخر، وهو .. ما هو الدين أصلا..؟ وهنا، لنتفق على تعريف بديهي بدلا من أن نتجه إلى المراجع التي تختلف توجهات مؤلفيها، ولنعتبر أن الدين هو تعليمات الإله - للمؤمنين بوجود إله – التي وجهها للبشر بغرض أن يعملوا على تطبيقها في دنياهم وذلك من خلال نص أنزله إليهم . فالخالق هو الأعلم بما خلق ، وهو الأدرى بتنظيم العلاقة بين الدنيا والبشر.. ولكن.. أليس البشر مختلفون ..؟! والدنيا تتغير بتغير الزمن..؟! إذن فمن المفترض أن يكون هنالك مناهج مختلفة من الخالق لهؤلاء البشر المختلفين تتغير بتغير الزمن. وهذا ما كان ، حتى جاء الإسلام ، فأصبح لكل بشر آت ، وكل زمان قادم ، لذا اعتنى الخالق بأن يكون هذا الدين الأخير لائقا لكافة البشر ولكل العصور القادمة. مع العلم.. أن الخالق قد أخبر البشر في نفس المنهج الذي أرسله إليهم أنه مع مسيرة الأيام سيبدأ الناس في الابتعاد عن هذا المنهج الأخير (الإسلام) ، حتى يعود غريبا كما بدأ ، وهذا أمر منطقي لتطور الأحداث عبر الزمان. ومع مرور الزمن نستطيع ملاحظة علاقة الناس بالدين ، وذلك عن طريق ملاحظة فريقين من الناس .. الفريق الأول .. يرى في الدين نوع من التعليمات التي عفا عليها الزمن ، ومرت عليها العديد من القرون ومن الواجب الابتعاد عنها، لأنه من الحمق أن نتبع ما هو قديم.. حيث أن ترك تلك التعليمات أمر يسير ، وله متعة خاصة، خصوصا عندما يتحول تارك الدين إلى بطل أو زعيم. أما الفريق الثاني.. فيؤمن بهذه التعليمات التي أنزلت منذ قرون عديدة.. ولأنها أنزلت منذ قرون عديدة فقد نظر إليها أصحاب الفريق الأول على أنها قديمة ، بينما رأى أصحاب هذا الفريق الثاني أن الصورة المثلى للحياة كانت وقت نزول الدين (عصر السلف)، وكأنهم نسوا أن هذا الدين مفترض فيه أن يكون صالح لكل بشر آت ولكل عصر قادم ، وكأنهم بذلك اتفقوا – دون أن يعلموا- مع أصحاب الإتجاه الأول في أن تعليمات الإله (الدين) قديمة ، فأخذوا يقلدون السلف بدلا من أن يتعلموا منهم. إذن فأمامنا الآن فريقان.. الأول ، رفض الدين لأنه قديم ، والثاني، تمسك بالدين على أنه قديم . وكلا الفريقان اتجه هذا الاتجاه في تحديد علاقته بالدين ، هروبا من التعامل مع النص الديني، فاحتقر الأول النص ، واتجه الثاني لتقليد من كان يعيش بالقرب من عصر نزول النص.. وهنا نعود لنتذكر مرة أخرى أنه من المفترض أن يكون آخر الأديان (الإسلام) صالح لكل بشر آت ، ولكل عصر قادم ، ولكن الفريقين السابقين قد نظرا للدين على أنه مرتبط بحقبة ما على رغم من تعارض الفريقين. إذن فعلينا ألا نهرب من النص الديني سواء بالكفر به ، أو بتقليد السلف في تكلف، فيصبح الدين في الحالتين وكأنه دين السلف فقط، أو أنه تراث. فالإسلام ـ نظريا ـ هو دين السلف ومن بعدهم حتى نهاية التاريخ ، خصوصا وأن النصوص ثابتة في أي وقت ، فتتحدد علاقتنا بالدين من خلال قراءتنا للنص الديني. ومن أئمة الإسلام من فسر تلك النصوص فشكلت تفسيراته و رؤيته في بعض الأحيان مذهبا باسمه ، هذا بالإضافة إلى ما قدموه للمسلمين من علم حُفظ باسمهم حتى اليوم . ولكن عندما يختزل الدين في مذهب واحد ، أو تفسيرات شيخ واحد أيا كان عصره ، فهذا في اعتقادي ظلم للنصوص الدينية ، مع العلم أن هؤلاء الأئمة لم يقولوا برأيهم في الدين ، إنما اجتهدوا من خلال اللغة وما تركه من قبلهم.
إذن فيظل أملنا في بقاء علاقتنا بهذا الدين متزنة ومتماسكة ، ببقاء الاجتهاد الذي سيحكمه النص والظروف الزمنية المحيطة ، وذلك حين يأتي الجيل من الناس فينظر فيما قدمه من قبله من تفسيرات و اجتهادات ، فينتقي منها ما يلائم ظروفه.. أو أن يقدم جديدا فتصبح إضافة في قائمة طويلة من التفسيرات و الإجتهادات. وهذا هو عمل من يريد أن يجدد أمر دين هذه الأمة.. " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها أمر دينها " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. والآن.. ريما نستطيع الإجابة على السؤال الذي طرحناه في البداية.. هل نحن خاضعون للدين ؟ .. أم أن الدين هو الخاضع لنا ..؟ في رأيي أن الإجابة هي أن الدين هو الذي يخضع لنا ، وذلك رغم أن النص لا يخضع لنا لا بتغيير أو بتعديل.

Saturday, October 16, 2004

يارايحين الغورية

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن
كثيرا ما يحدث أن نمر بمناطق الأزهر والحسين ، أو الموسكي والعتبة ، سواء بغرض
الصلاة في أحد المساجد الكبيرة الموجودة هناك ، أو بغرض شراء بعض المستلزمات. وفي رمضان يتجه البعض لتناول طعام الإفطار أو السحور بجانب مسجد سيدنا الحسين ، وهكذا تنحصر علاقتنا بهذه المناطق فقط في تلك الأسباب، وغالبا لا نلتفت إلى ما في تلك المناطق من آثار عظيمة لازالت باقية لتشهد على عظمة مدينة القاهرة.
و ربما تكون قد سمعت عزيزي القاريء عن القاهرة الفاطمية، وما تحويه من مساجد ، ومنازل ، ووكالات أثرية ، هذا بالإضافة إلى الأحياء، والحواري ، و الشوارع التي مازال بعضها يحمل نفس تسميته منذ مئات السنين.. ولكن .. ما هي القاهرة الفاطمية ..؟!
عندما قرر الفاطميون اتخاذ عاصمة لهم في مصر ، اختاروا منطقة تقع شمال الفسطاط ، قليلة المباني ، وأقاموا حولها سورا له ثمانية أبواب ، لم يتبق منها اليوم إلاَّ ثلاثة فقط.
باب زويلة (بوابة المتولي) وتقع في منطقة الدرب الأحمر ، وبابي الفتوح والنصر ناحية منطقة باب الشعرية والجمالية. و العجيب أن هذه الأبواب الثلاثة المتبقية ، ستجد منها باب زويلة في أقصى جنوب القاهرة الفاطمية ، بينما بابي الفتوح والنصر قابعين في أقصى شمال القاهرة الفاطمية ، وكأن هذه الأبواب الثلاثة تحدد لك نطاق القاهرة الفاطمية من الشمال والجنوب.. هل رأيت هذه البوابات أو الأبواب من قبل ..؟ لو كانت إجابتك لا.. فاعلم أن الأمر سهل.. فكم مرة نسير في شارع بورسعيد ونمر بمنطقة باب الخلق ، فهناك و بمجرد أن تدخل إلى الشارع الذي تقع عليه مديرية أمن القاهرة ستجد بوابة المتولي شامخة من بعيد ، وحتما ستلفت نظرك ، وستجد أمامها مسجدا رائع البناء ، هو جامع الصالح طلائع .. لا تتردد في الدخول إلى هذا المسجد ، ستجد بالقرب منه شارع الخيامية المميز. هل تعرف ذلك الشارع الذي يقع بين المسجد والبوابة ..؟! إنه شارع الدرب الأحمر.. بمجرد أن تترك قدميك تسير في هذا الشارع ، ستجد كمَّا ليس بالقليل من المساجد والمدارس الأثرية، حتى تصل في النهاية لتجد القلعة في مواجهتك..!
والآن .. لنعد إلى بابي الجنوب (باب الفتوح ، وباب النصر).
لعلك سرت في يوم من الأيام قادما من العتبة متجها إلى العباسية عن طريق شارع الجيش.. فقط، بعد أن تمر على جامع الشعراني في ميدان باب الشعرية ، ادخل يمينا في الشارع الكبير القادم (البنهاوي) ، سيلفت نظرك بقايا سور القاهرة القديم ، وما يتم فيه من أعمال ترميم ، و ستجد أول باب (باب الفتوح) ثم يليه باب النصر.. أما إذا دخلت من باب الفتوح ستجد على يسارك جامع الحاكم بأمرالله ، المعروف لدى العامة بجامع "الأنور"..
جرب يا أخي الكريم أن تصلي الجمعة مرة في هذا المسجد ، و ستندهش حقا وتتساءل كيف لم أكتشف هذا المسجد من قبل.؟!
ثم انطلق عبر هذا الشارع الذي يقع عليه المسجد ، في تلك المنطقة البعيدة عن مواصلات هيئة النقل العام ، ستجد بيت السحيمي على يسارك ، ثم سيلفت نظرك أسماء الشوارع التي هي نفس أسماء ثلاثية نجيب محفوظ ، فأنت الآن في شارع بين القصرين (المعز لدين الله حاليا) ، وبجانبك السكرية ثم قصر الشوق الذي سيأخذك إلى جامع الحسين في النهاية. وبعد أن تولِ ظهرك للحسين عابرا الطريق إلى الجامع الأزهر ستجد خلف الجامع منطقة الغورية ، وهناك حاول أن تسترق النظر و أن تتطلع إلى وكالة الغوري ، و تأمل ما بها من عظمة البناء . و إذا كنت قد شاهدت وكالة "بازرعة" التي تركتها الآن في الجمالية بعد عبورك للغورية.فقل أيهما أروع بناءا..؟
لا تتعجل في الإجابة ، فالرحلة لم تنته بعد..
فبإمكانك الدخول إلى شارع العقادين (المعز لدين الله حاليا) ، وهو امتداد للشارع الموجود في الجمالية ، وستجد هناك البعض ممن أخذتهم أرجلهم هروبا من شارع الموسكي المزدحم.
أتعلم يا أخي الكريم،ماذا ستجد في نهاية هذا الشارع..؟!
ستجد بوابة المتولي .. تلك البوابة المتبقية في أقصى جنوب القاهرة الفاطمية. أرأيت كم هو سهل التجول بين آثار الماضي الباقية.. ؟!!
فقط إذا أردت أن تشعر بعظمة مدينة القاهرة ، تجول بين أبوابها الثلاث المتبقية، حينئذ ستجد كمَّا عظيما من الآثار الإسلامية المتبقية . و أساس دعوتي اليوم ، هو ألاَّ نجعل منطقة القاهرة الفاطمية مجرد " نزولة " إلى العتبة أو الموسكي أو الغورية لشراء بعض المستلزمات ، ولا حتى مجرد وجبة إفطار أو سحور بجانب مسجد سيدنا الحسين. أعلم أن دعوتي لك قد تكون غريبة بعض الشيء..! ولكن بمجرد أن تجد في تلك المناطق سياحا غربيين بأيديهم خرائطهم و هم يقومون بالتجول والتأمل ، ستشعر أننا فقدنا الكثير حينما جعلنا القاهرة الفاطمية ، مجرد "نزولة" تسوق أو "أكلة" في الحسين.
يا رايحين الغورية ، والدرب الأحمر ، والسيدة زينب ، والخليفة ، و الجمالية ، وباب الشعرية .. تمتعوا بتاريخ القاهرة ، فربما نشعر بعظمة تلك المدينة، و عندئذ تتغير طريقة تعاملنا معها إلى الأفضل .

Thursday, October 7, 2004

حان الآن .. موعد الأذان

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن
عندما أعلن وزير الأوقاف المصري عن خطته في ربط جميع مساجد القاهرة بشبكة صوتية واحدة يذاع من خلالها الأذان في وقت واحد وبصوت مؤذن واحد مركزيا، هبَّ الكثيرون معارضين للفكرة.. ولم يتم ذلك بعد تفكير أو نقد .. إنما تم على أساس التشكيك في نوايا المسئولين، وأن القرار جاء بتعليمات من أمريكا ضمن مخططها لهدم الأمة ، وان هذا الوزير كانت له سابقة خطيرة عندما أعلن عن نيته في تجديد الخطاب الديني، وأن هذه مؤامرة هدفها أساسا إسكات أذان الفجر..! وربما لم يلاحظ أغلب هؤلاء أن مدة الأذان المذاع حاليا في التلفزيون المحلى قد تم اختصارها عن طريق المونتاج ، وذلك بإزالة أجزاء من مدد السكوت الموجودة في بين كل جملة والتالية.
ــــ تنازع السلطة

من أهم أسباب المعارضة إحساس العاملين في المساجد من مؤذنين وأئمة وشيوخ أن الوزارة تسعى لإحكام قبضتها على المساجد، وهو أمر غير مرغوب فيه.. فلو نظرنا إلى مساجدنا سنجد أن لكثير من المساجد مجلس إدارة ، أعضاؤه هم مجموعة من (الحُجّاج)، في الغالب يقومون على الإمامة ، وأحيانا إلقاء الدروس في غياب الأمام. أما المساجد الصغيرة فتدار غالبا من قِبل الأهالي، وربما تجد شخصا يعمل في المسجد فقط لأن الأهالي تعطف عليه ، دون أي علاقة بالوزارة. هذا بالإضافة إلى فوضى التعامل مع الميكروفونات ، التي أصبحت في بعض الأحيان أشبه بأداة إنذار، وليس نداء للصلاة. إذن.. عندما يأتي السيد الوزير، ويحاول تنحية هؤلاء ، و وَضْع نفسه في صورة من ينظم الفوضى، كان ولا بد أن يقف هؤلاء الفوضويون في وجهه . هؤلاء الذين ينادون بالشيخ أو الحاج ، والذين هم في نظر الوزارة فوضويين ، لن يقبلوا بكسر هيبتهم أو تدخل (الحكومة) في شئونهم، فهم في نظر أنفسهم أفيد للدين من الحكومة.
ــــ حول الفكرة

إذا نظرنا إلى الفكرة نفسها، فسنجد أنفسنا نتساءل بعض الأسئلة:-
أولا : إذا كنا نتحدث عن توحيد إذاعة الأذان بصوت جميل، وذلك بغرض أن نبتعد عن أصحاب الأصوات المنفرة وحجتنا في ذلك أن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ، قد اختار بلال بن رباح مؤذنا لجمال صوته.. فلماذا لم نقتد به منذ البداية واخترنا الأصوات الجميلة كي تؤذن للصلاة ؟
ثانيا : من أكبر المشاكل التي تواجه السكان هي مشكلة علو صوت المكبرات بصورة فجة .. فحتى لو تم إذاعة الأذان مركزيا ستظل المكبرات على نفس درجة صوتها لم تتغير . وهنا نتساءل .. أليس معنى هذا أن إذاعة الأذان مركزيا لن تقدم شيئا مفيدا للناس؟
ثالثا : ماذا عما تقوم به بعض المساجد من إذاعة قرآن ما قبل صلاة الجمعة على ميكروفوناتها الخارجية بصوت عالى؟ وماذا عن إذاعة صلاة التراويح في رمضان على الميكروفونات عالية الصوت؟ كيف سيتم التحكم في ذلك ؟
ــــ نتيجة

والآن .. ألن يعاني السيد الوزير من مشكلة كبيرة في السيطرة على القائمين على إدارة المساجد ؟ وأن مثل تلك الفكرة إنما جاءت من حنقه على دكتاتورية هؤلاء الأخيرين؟ حيث أنه كان الأولى بالسيد الوزير، أن يوجه هؤلاء المهندسين الذين ستكون مهمتهم القادمة توحيد ميكروفونات القاهرة على صوت واحد ، إلى أن يقوموا بمهمة رقابية ـ من صميم عملهم ـ وهي متابعة أصوات ميكروفونات مساجد القاهرة ، حرصا على راحة الناس. كما أنه كان من واجب الوزارة أن تتابع أولئك الذين يعملون في المساجد ، أو من يعملون على إدارتها، ليس فقط من ناحية أصواتهم ، ولكن من ناحية أخلاقياتهم. فلا يكفي لقب "حاج" كي أقوم على إدارة بيت من بيوت الله ، وبالطبع أنا أقصد بالإدارة هنا ، تلك المشاريع التي تقوم بها العديد من المساجد، بالإضافة إلى النشاط الثقافي بالمسجد.
إذن.. كانت عدم قدرة الوزارة على مواجهة هؤلاء ـ خاصة في مساجد الأهالي خارج مساجد الأوقاف ـ سببا في مثل هذا القرار، الذي لا يستبعد أن يكون غير جِدِي، إنما جاء الحديث عنه بغرض إثبات قدرة الوزارة على التفكير في مثل تلك القرارات . كذلك ، كانت عدم قدرة الوزارة على المواجهة سببا في اتجاه البعض إلى عدم مواجهة الوزارة (الحكومة) بما في صدره ، عن طريق إطلاق الشائعات والتجني على شخص الوزير واتهامه بالباطل.

Monday, September 20, 2004

علمانية

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
"علماني كافر" ، "يريدونها علمانية، فيعود الإسلام غريبا " ، "هؤلاء من ضيعوا الدين فسيضيعهم الله" .. إلخ. تلك بعض العبارات التي نسمعها دائما عندما يأتي الحديث عن العلمانية، التي أصبحت مرادفا للكفر لدى شريحة كبيرة من الناس، على الرغم من أن أغلب المسلمين المتجهين لاستغلال تلك الفكرة الأوروبية غرضهم الأساسي هو الإصلاح..!
و كما يعلم البعض منا أن العلمانية لم تكن شرقية المنشأ بأي حال من الأحوال .. إنما نشأت نتاج تفكير أوروبي بحت يسعى لحل أزمة المجتمع الأوروبي الذي خرج رجال الدين المسيحي فيه عن دورهم ، و دأبوا على منازعة الحكام سلطانهم ، فأرادوا السيطرة على الناس من خلال الدين حتى يصلوا إلى الحكم، من خلال سيطرتهم على الأمور الدنيوية إلى جانب الأمور الدينية .
وقد كانت الحركة الصليبية حلقة في هذا النزاع بين رجال الدين والملوك والأمراء على اختطاف السلطة الزمنية، حين أصبح رجال الدين هم من يأمرون الناس للخروج إلى تلك الحملات ، بل أصبحوا يأمرون الملوك أنفسهم بذلك ويُصدرون ضدهم قرارات الحرمان الكنسي في حالة عدم استجابتهم.. فيتم إذلال الملوك وخضوعهم للسلطة الدينية .
من هنا، كان رد الفعل الأوروبي ضد كل هذا .. هو محاربة تلك الفئة ( السلطة الدينية المتمثلة في رجال الكنيسة) وكسر نفوذها الذي أفسد أوروبا وجعلها مرتعا للجهالة ..
فجاء فصل الدين عن الدولة ... الدين المتمثل في أي سلطة دينية وأي نص ديني ، حيث أن استخدام النصوص الدينية في الحكم سيجعلها منفذا لدخول رجال الدين مرة أخرى للحكم ... رجال الدين الذين كانوا من قبل قد احتكروا قراءة الكتاب المقدس وتفسيره (المكتوب باللاتينية) .
وهكذا نجد أن العلمانية مفيدة لأوروبا فبها تحررت وانطلقت تغزو العالم (بعيدا عن قيادة رجال الدين كما في الحروب الصليبية) . أما هنا في بلاد الإسلام : وفي اعتقادي أن اتجاه البعض في بلادنا إلى العلمانية إنما هو رد فعل على قيام البعض من بيننا - ليس بدافع تقليد الأوروبيين طبعا - بمحاولة القيام بدور مشابه للدور الذي كان يقوم به رجال الكنيسة في العصور الوسطى ، أي محاولة استخدام الدين في الوصول للحكم أو حتى مناطحة الحاكم ، والادعاء بأنه بعيد عن الدين .
و كثير ممن يؤمن بالعلمانية ، ينظر إليها من وجهة نظر أخرى غرضها الإصلاح، لا بغرض إنكار الدين .. ولكن لأن الفكرة غربية فتطبيقها صعب ، والواجب هو الإتيان بفكرة جديدة لعلاج استغلال البعض للدين ، وذلك على يد مجموعة من المفكرين الذين هضموا فقهنا وتراثنا ومشاكلنا ليأتوا بفكر جديد .
ولكن حتى يتم ذلك فعلينا الانتظار ، ومتابعة ما يقوم به المتحدثون باسم الإسلام والمسلمين من مهاجمةٍ لما يقدمه أولئك بدلا من تقويمهم وتعديل فكرهم للخروج بنظرية جديدة .
ولكن لماذا نتجادل ونفكر ونتعاون.. ؟! فالبعض يستفيد من كونه يظهر بصورة البطل المسلم ، حامي الإسلام ، خصوصا وأنه يكتسب قوة أكثر وأكثر بمثل تلك الأمور قد تؤهله فيما بعد لمناطحة الحاكم !
إذن عندما يختفي هؤلاء الذين يستغلون الدين للوصول إلى مآربهم سيختفي أولئك الذين يريدون نفي الدين من حياتنا.
وعموما فمن النادر أن نجد شخصا مسلما يخرج إلى الناس زاعما أن هذا الدين يضر بحياتنا ويفسدها ولابد من هجرانه (وقد يحدث) ، إنما في الغالب أن ما يحدث هو استغلال سقطات لبعض الكتاب أو التفسير السيئ لما كتبوه ، وذلك من قِبَل أولئك الذين يزعمون أنهم حماة الدين ، ومن بعض المتسرعين ، وبالطبع يثير ذلك حفيظة الناس ويستغل تدين شعوبنا وحماسة بعض الشباب منا (الشباب الذي لا يقرأ كثيرا) . وتدور المعارك .. بالضبط مثلما كان يفعل رجال الكنيسة في العصور الوسطى عندما أثاروا حمية الناس في دعواتهم الصلييبة ، لتعود مرة أخرى نفس الدائرة على الساحة، تلك الدائرة التي يدور فيها طرفان أحدهما يحتكر الدين ، والآخر يريد نزع الدين وطرحه بعيدا خارج الدائرة حتى لا يحتكره أحد بعد ذلك .
وربنا يهدي الجميع

Wednesday, September 15, 2004

ستة شباب مصريون

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
محمد سعيد أبو دهب ، محمود جمال عزت علي، مصطفي يوسف المحمدي، سالم يسري محمد، عماد سعيد التهامي ، و مصطفي علي أبو ضيف ، هم ستة طلاب جامعيين مصريين ، يواجهون حاليا عدة تهم من قبل السلطات الإسرائيلية تتمثل في " التخطيط لخطف واغتيال عسكريين إسرائيليين ، والاستيلاء على أسلحتهم وعلى دبابة وقتل طاقمها وسرقة مصرف ميتزبي رامون ثم العودة إلى مصر مع المال من اجل تمويل عمليات أخرى ضد إسرائيل " .
و تطالعنا الأخبار عن هؤلاء الفتية، أنهم طوال الفترة من 2001 ـ 2004 وهم يخططون للقيام بعمليات ضد الجيش الإسرائيلي ، تتمثل في عمليات قتل، و كذلك عمليات أسر لعسكريين إسرائيليين من أجل المساومة عليهم لإطلاق سراح الأسري في السجون الإسرائيلية ، وأن هؤلاء الطلبة المصريين قد حاولوا قبل ذلك تخطي الحدود الإسرائيلية عدة مرات، ولكنهم فشلوا.
و قد قبض عليهم الشهر الماضي بعد أن تخطوا بالفعل الحدود الإسرائيلية وتوغلوا لثلاثة كيلومترات في داخل إسرائيل، وعندما ضبطوا.. وُجدَ معهم 14 سكينا وأجهزة راديو ومنظار ومصابيح كهربائية. العجيب في أمر هؤلاء الفتية أنهم لا ينتمون إلى أيٍ من الجماعات التي تتبنى مثل تلك العمليات، خبر غامض .. و ربما تأتي الأيام القادمة بمزيد من التفاصيل عنه.
يتشابه هذا الخبر مع حادثة جرت في عام 2001 عندما توجه خمسة مراهقين (مابين 12 – 17 عام) إلى حدود مصر مع إسرائيل من وراء ذويهم من أهل بني سويف ، للاشتراك في الانتفاضة مع إخوانهم الفلسطينيين، وقام رجال الأمن المصري بضبطهم وإعادتهم لأهلهم بعد ذلك.. ولعل أول ما يتبادر للذهن هو موقف الحكومة من مصير هؤلاء الفتية، فهو موقف معقد لأن هؤلاء الطلبة قد تحملوا أن يقوموا بعمليتهم هذه على مسئوليتهم، فإذا حدثت ضجة إعلامية حولهم ، اهتبلت إسرائيل الفرصة لتروج للعالم أن المصريين يبعثون بأبنائهم لينهبوا خيراتها ويقتلوا أبناءها.
وقد تَفتح ملف عمليات الهروب التي يقوم بها البعض إلى داخل إسرائيل تحت وطأة الظروف الاقتصادية.. فعلى سبيل المثال منذ يومين فقط .. سلمت إسرائيل السلطات المصرية مجموعة من السودانيين ـ من أهل دارفور المقيمين في مصرـ بعد ضبطهم أثناء محاولتهم الفرار إلى داخل إسرائيل بحثا عن عمل.. إذا فموقف الحكومة صعب. وخصوصا ، وأنها تبدو وكأنها لا تستطيع السيطرة على مواطنيها ، أو بمعنى آخر لا تستطيع الحفاظ على السلام مع إسرائيل ، أي أنه لو تكررت مثل تلك العمليات مرة أخرى ـ ولو بتدبير من إسرائيل نفسها ـ فسيعطي ذلك إسرائيل الفرصة للمطالبة بملاحقة (الإرهابيين) ، أيا كانوا.. حتى لو كانوا في داخل سيناء.
أما على الصعيد الداخلي.. فلمثل هذا الحادث مؤشرات خطيرة، فاليوم يجتمع مجموعة من الشباب، ويخططوا لأمر ما طوال ثلاث سنوات، على أن يتم تنفيذ هذا الأمر خارج مصر. إذا . فلنتوقع أن يفكر البعض بعد ذلك – كمرحلة تالية - في أن يخطط لأمر ما يتم تنفيذه في داخل مصر، خصوصا وأن مثل تلك العمليات يكون تنفيذها في الداخل أسهل. وعلى الرغم من الحزن الشديد على هؤلاء الفتية ، إلا أنه يؤخذ عليهم إتباعهم ذلك الأسلوب، خاصة أننا لا نريد صنع عرب أفغان جدد سواء في فلسطين أو في العراق.

Saturday, August 28, 2004

الصحافة والسبوبة

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن
سين، و باء، و واو، و باء، وتاء مربوطة .. كلمة لن تجدها في المعاجم و لا في القواميس، مع كونها أساس لإدارة بعض الأعمال الخاصة في مصر، وفيها يتطفل الفرد على مجالات أخرى بعيدة عن عمله الأصلي بغرض الكسب السريع . وقد أصبحت الصحافة بالنسبة للباحثين عن الكسب السريع، مجرد "سبّوبة" يتم تحقيق المصالح و جني الأموال من ورائها، حتى لو تم ذلك عن طريق استغلال حاجة العديد من الشباب إلى العمل.
ولكي تدرك حجم المشكلة.. ضع نفسك محل شاب يبحث عن عمل، ستجده يتابع إعلانات الوظائف الخالية، خصوصا عندما يكون هذا الشاب طالب، أو في انتظار التجنيد، أو ليس لديه (واسطة) تعينه في مكان محترم، فيلفت نظره إعلان كالآتي: " مطلوب لجريدة كبرى : محررين و مندوبي إعلانات و علاقات عامة"، يتصل الشاب تليفونيا.. فتخبره السكرتيرة أنهم يطلبون شخصا ليعمل بوظيفة محرر صحفي ، فيذهب إلى العنوان فيفاجأ بأن العنوان عبارة عن شقة عادية لا تدل معالمها على وجود أي عمل صحفي ، وأحيانا أخرى يجد نفسه وقد دخل إلى شركة دعاية وإعلان، أو إلى شركة سياحة.. إلخ ، ويفاجأ أكثر عندما يجد البعض من المتقدمين للوظيفة قد سافروا من بلادهم خصيصا لحضور المقابلة.

و بعد أن يقدم الشاب مؤهلاته وجزءا من أعماله المكتوبة سابقا، وما أن يقبل في الوظيفة، يجد نفسه مطالبا بالعمل كمندوب تسويق لمنتجات الشركة صاحبة الجريدة. فعلى سبيل المثال قد يجد نفسه يجري مقابلة مع محامي أو دكتور ثم يعرض عليه بعد المقابلة الصحفية أن يصنع له كروتا شخصية، و طبعا يكون ذلك في المطبعة التي يملكها صاحب الجريدة (المزعومة)، أو أن يعرض عليه التعامل مع الشركة السياحية التي تمتلك الجريدة.
كل هذا إما بدون مقابل، على أساس أن ذلك نوع من التدريب الصحفي، وأن الجريدة لم يصدر عددها الأول بعد، أو أن يكون المقابل هو تلك (العمولة) التي يحصل عليها الشاب بعد أن ينجح في اصطياد الزبون.
وبعد فترة، تغلق الجريدة التي لم يصدر منها أي عدد بالأسواق، وذلك بعد فترة من الكلام الكبير مع المحررين الشبان عن العدد الزيرو، وقرب موعد صدور العدد الأول، وعن واجباتهم نحو جريدتهم، والتي من الواجب عليهم أن يتكاتفوا مع بعضهم البعض حتى يصدر عددها الأول، وما إلى ذلك من الحوارات. تغلق الجريدة التي لم تفتح أصلا ، ويجد الشاب نفسه وقد عمل كمندوب للتسويق بدلا من محرر صحفي، ويعود مرة أخرى ليكتب مقالاته ثم يضعها في درج مكتبه، ويبحث عن وظيفة أخرى غير وظيفة المحرر الصحفي.
هكذا هي" سبوبة" الصحافة، والسؤال الآن إلى متى ستستمر هذه الفوضى؟! .. الله أعلم.

Wednesday, July 28, 2004

خبر في صفحة الحوادث

كان الجو حارا, والعرق يتصبب من جبينه بالرغم من وجود أجهزة التكييف داخل محطات مترو الأنفاق. بدأت حرارة الجو في إثارة عصبية البعض, أما هو.. فقد وقف في هدوء ينتظر مجيء المترو. في أثناء ذلك, لفت نظره لفتاة ممتلئة القوام, ترتدي الجينز الأزرق الضيق, مع تلك البلوزة الصفراء التي أبرزت كافة مفاتنها, معها شاب مفتول العضلات بدا له كواحد من أولئك الذين يعتمدون على الأحماض الأمينية و المقويات التي تجعل عضلاتهم متورمة هكذا. استفزه منظر جلوس الفتاة ذات الملابس المثيرة مع الشاب في انسجام, حتى أنهما لم يهتما لأمر مجيء المترو, بينما انحشر صاحبنا بين الناس أثناء تدافعهم لدخول عربة المترو.
وفي أثناء انتظار سماع تلك الصفارة التي تسبق غلق أبواب المترو.. تلتقي عيناه بعيني الفتاة , يغمز لها بعينه وهو يبتسم ابتسامة باهتة.. تحاول أن تتجاهله.. ويزحف التوتر على ملامحها. كانت أبواب المترو قد بدأت في الانغلاق, في الوقت الذي لاحظ فيه الشاب مفتول العضلات ما يقوم به صاحبنا مع رفيقته، وفي ثوان قليلة.. كان أمام عربة المترو التي بها صاحبنا.. يسبه ويلعنه.
ولما كانت أبواب جميع عربات المترو قد أغلقت, فقد دفع ذلك صاحبنا إلى الاستئساد في وجه رفيق الفتاة, وكلاهما وراء زجاج باب عربة المترو.. فقام بعمل إشارات غير لائقة بيديه و أصابعه للشاب مفتول العضلات.
- ده لو مسكك حيبهدلك
عبارة وجهها له الرجل المسن الواقف بجواره, والذي كان متابعا للموقف منذ البداية.. زادت تلك العبارة من توتر صاحبنا, الذي تصنع عدم الاكتراث. ولم يطمئنه إلا إحساسه بأن المترو قد بدأ في التحرك. حينئذ فقط حدث أمر من النادر أن يحدث.. توقف المترو الذي لم يسير إلا مسافة لن تتخطى المترين بأي حال من الأحوال.. و الأدهى من ذلك, أنه و بعد فترة قصيرة.. تُفتَح أبواب المترو, والتي كانت إحداها مغلقة على قدم أحد الركاب, مما دفع زوجة هذا الراكب التي انهارت لهذا المنظر إلى استخدام الزر الأحمر الخاص بحالات الطوارىء.
هذا ما ذكره الخبر الذي نشر في صفحة الحوادث لإحدى الصحف, تحت عنوان (علقة ساخنة لشاب يعاكس فتاة بصحبة خطيبها), كانت العلقة الساخنة من نصيب صاحبنا, و الذي ضُرب على يد بطل الجمهورية في المصارعة نتيجة قيام المجني عليه بمعاكسة خطيبته الحسناء. بعد أن فُتحت أبواب المترو..!
ــــــــــــــــــــــــ

Tuesday, July 27, 2004

عفوا.. فلنكتف بهذا القدر

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
كنت وقتها طفلا صغيرا يصطحبه والده إلى المسجد الجامع لصلاة الجمعة, ولم نكن ندري أنه كان يصلي معنا في نفس المسجد, وقبل إقامة الصلاة مباشرة, تقدمت الصفوف لرؤيته, وبالفعل, نظر إلي وتبسم, فلم أصدق أنه هو, ففرت إلى جانب والدي و أدينا الصلاة, ثم رأيت تجمهر الناس من حوله بعد الصلاة فتأكدت أنه هو, وذكرت لكل أقراني وقتها أن ياسر عرفات كان يصلي معنا في نفس المسجد, وأنه تبسم لي. كانت تلك الحادثة في نهاية الثمانينيات, وكان ياسر عرفات قد عُرف وقتها كزعيم وممثل للشعب الفلسطيني, و رغم ذلك فقد كان عليه الكثير كي يتحول إلى شخصية دولية مقبولة عالميا, وقد تم ذلك بعد قبول التفاوض مع الإسرائيليين.

ــــ رجل سلام في زي عسكري

يخوض عرفات بعد ذلك طريق السلام الذي رفض خوضه من قبل مع الرئيس السادات, فتبدأ مباحثات مدريد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ثم يلي ذلك توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993, فيكون انسحاب إسرائيل من غزة و أريحا في العام التالي, وتزدهر الأمور أكثر لعرفات بأن ينال جائزة نوبل للسلام في نفس العام, ليتحول إلى بطل للسلام برغم ماضيه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية, التي كان البعض يعتبرها منظمة إرهابية. وبعد اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995, و برغم مقتل رايبن شريكه في جائزة نوبل للسلام، يصبح عرفات في يناير 1996 أول رئيس للسلطة الفلسطينية بعد انتخابه بنسبة تفوق 88 % من الأصوات.

ــــ زعيم و رئيس حتى النهاية

و هنا يصبح عرفات أكثر الشخصيات الفلسطينية شهرة دولية و قبولا إعلاميا, إضافة إلى ذلك فهو لم يتخذ الصفة الإسلامية الجهادية لنفسه, مما أعطاه تميزا, هذا إلى جانب تاريخه النضالي الطويل. ولكن, وعلى الرغم من عدم استقرار الأمور مع إسرائيل و تعثر المفاوضات معها, إلا أن نوعا من الاستقرار قد حدث بين الفلسطينيين, وأقصد هنا ذلك الاتفاق غير المعلن على أن عرفات هو الزعيم الأبدي للفلسطينيين, وأنه قد تحول إلى تلك الحالة التي عليها أقرانه من الرؤساء في مصر وسوريا و ليبيا, أي أن يبقى في منصبه حتى يتوفاه الله. ولكن على ما يبدو أن ذلك الأمر قد دعا الرجل إلى أن يركن إلى الراحة, فيدب الفساد في الإدارة الفلسطينية, حتى يصل إلى الأجهزة الأمنية, بل إن حوادث الفساد لم تقتصر على الجانب المالي فحسب, بل امتدت إلى الجانب الأخلاقي, فنجد على سبيل المثال في الفترة الواقعة قبل انتفاضة الأقصى, أنه يتم معاقبة ثلاثة من كبار ضباط جهاز الشرطة الفلسطينية, بعد اتهامهم بإدارة شبكة للدعارة و ممارستهم للابتزاز.

ـــــ عرفات و الفساد

لعل التنظيم الإداري للأجهزة الأمنية الفلسطينية يساعد أكثر على الفساد, نظرا لضعف السيطرة المركزية عليه, حيث أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتسم بالكثرة, وقد كان ذلك متعمدا منذ البداية حتى لا يتحول أفراد الأمن الفلسطينيين يوما ما إلى قوة عسكرية لها القدرة على مواجهة إسرائيل, ومن ثمَّ دخلت المحسوبية مع الفساد كردِ فعلٍ لضعف السلطة المركزية, وكنتيجة أيضا لسياسة عرفات الخاطئة في التعامل مع الفاسدين, فنجده منذ عدة أعوام (عام 2001) يفرج عن أحد المتهمين في قضايا الاختلاس, والذي اختلس أموالا من الصندوق القومي الفلسطيني الذي كان يرأسه, وقد جاء قرار الإفراج دون إبداء أسباب واضحة. ولعل مثل تلك الأمور قد دفعت البعض إلى تصديق الشكوك حول فساد عرفات نفسه, وبالنسبة للمتابع فقد يتخطى الأمر مرحلة الشكوك.
فوكالات الأنباء العالمية تتناقل أخبار السيدة سهى عرفات, والتي ذكرت بعض التقارير عنها أنها تتلقى أموالا من زوجها تقدر بالملايين وتحوَّل إلى حسابها في باريس, فمنذ عدة أشهر أثيرت قضية السيدة سهى حين أكد مكتب المدعي العام في باريس أنه يريد فحص تحويلات من مؤسسة سويسرية إلى حسابين منفصلين لسهى في باريس خلال الفترة الواقعة بين يوليو 2002 إلى يوليو 2003.
وتصف السيدة سهى تلك التقارير التي تتحدث عن تحويل 9 ملايين يورو لحسابات باسمها بأنها كاذبة و مجنونة, و أن شارون يسعى لتشويه صورة زوجها عن طريقها, و ليغطي أيضا على فضائحه هو و أسرته, ورغم ما تذكره السيدة سهى عرفات, إلا أن تقريرا أصدره صندوق النقد الدولي يتحدث عن 900 مليون دولار قد نقلت من حسابات السلطة الفلسطينية إلى الخارج, في الفترة الواقعة بين عامي 1997إلى 2003. حتى قريع رئيس الوزراء الفلسطيني (المستقيل), كان اسم عائلته ضمن قضية أثيرت منذ عدة أشهر داخل أروقة المجلس التشريعي, عن قيام البعض بتهريب أسمنت مصري إلى الإسرائيليين, و استخدامه في بناء المستوطنات و الجدار العازل, ولم تتضح صحة هذا الأمر من عدمه!
واتخذت مسألة الفساد داخل السلطة الفلسطينية بعدا دوليا, فها هو الرئيس الأمريكي بوش يطالب في تصريح له منذ أكثر من عامين بتغيير القيادة الفلسطينية, ويصف المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع فاسد ولا يتمتع بالشفافية. ويؤكد وزير خارجيته كولن باول رأي بوش, بأن قال وقتها " نريد قيادة فلسطينية جديدة نستطيع التعامل معها", وكان رد فعل السلطة حينذاك أن أمريكا تريد عميلا لها في الأراضي الفلسطينية. ورغم كل تلك الأمور يظل عرفات في منصبه, ويجدد انتخابه رئيسا. ولكن في نفس الوقت يتزامن مع كل تلك الأمور, قيام المنظمات الفلسطينية- ذات الطابع الجهادي - بعملياتها من تفجير و ما إلى ذلك, مما يجعلها تصطدم أحيانا مع السلطة التي لا تريد للأمور أن تخرج أكثر عن سيطرتها, حيث أن تلك الفصائل قد حازت على التعاطف والتأييد الشعبي, و خصوصا بعد ما قامت به إسرائيل من اغتيال لقادتها. ويبدو أنه سيقدر لتلك الفصائل المسلحة تشكيل مرحلة جديدة في حياة عرفات (المحاصر).

ــــ الإحلال

لما كان البقاء للأقوى, ولما كانت الفصائل الفلسطينية المسلحة كحماس و كتائب شهداء الأقصى و غيرها, هي التي تمارس الفعل الوحيد الذي يقوم به الفلسطينيين, في الوقت الذي ظهر فيه عرفات عاجزا حتى عن مواجهة الفساد الذي دب في الأجهزة الأمنية و الإدارية التي تقع تحت سلطانه, كان من الواجب على الأقوى أن يحل محل الأضعف, وقد بدأت مظاهر ذلك الأمر تظهر بالفعل, وبدأ التجرؤ على السلطة, وإن لم يكن الأمر موجها لشخص عرفات, حيث أنه الآن قد أصبح لدى شعبه أحد هؤلاء الرؤساء الذين لا يتركون مناصبهم إلا بموتهم. فها هي حركة (حماس) تسعى - في شهر إبريل الماضي- إلى أن تقوم هي على إدارة قطاع غزة في حالة انسحاب الجيش الإسرائيلي منه, وقد قوبل طلبها بالرفض من جانب السلطة الفلسطينية التي تعللت بأن لها مؤسساتها و أجهزتها الأمنية التي تستطيع أن تؤدي واجبها بكفاءة. ثم نجد بعض الجماعات الفلسطينية المسلحة تنتقد عرض مصر المساعدة في تسيير أمن غزة, من حيث إعادة الهيكلة والتدريب, ونجد كتائب شهداء الأقصى المنبثقة عن حركة فتح – التي يرأسها عرفات –­­ تقوم بالتعامل الفردي مع بعض المعروفين بالفساد, سواء بالخطف أو بغيره, بالإضافة إلى الإعدام مع المتعاونين مع الاحتلال, هذا فضلا عن انتقادها العلني للسلطة الفلسطينية على ما تغلغل فيها من فساد ومحسوبية. إذا فلدينا الآن عددا من الفصائل الفلسطينية وقد ضج بأخبار الفساد الموجود داخل أجهزة السلطة الفلسطينية, و خصوصا الأمنية منها.

ـــــ الصِدام الأخير.. ليس الأخير !!

لعل مسألة عدم توحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية تثير حفيظة الكثير من الفلسطينيين, فكما ذكرنا من قبل أن تفرق الأجهزة الأمنية الفلسطينية و كثرتها, و عدم إحكام قبضة السلطة الفلسطينية عليها, قد جعلها أوكارا للفساد والمحسوبية و الشللية, وقد جاء تعدد تلك الأجهزة نظرا لنشأتها الأولى هكذا, حتى لا تتحول في يوم من الأيام إلى جيش في وجه إسرائيل. أما اليوم, فقد أصبح هذا الوضع يمثل خطرا على إسرائيل نفسها, فالأفضل لإسرائيل أن تحكم السلطة الفلسطينية قبضتها على الأمن الفلسطيني بدلا أن يقوم غيرها بذلك, ولن يتم ذلك إلا بأن يتم توحيد أجهزة الأمن الفلسطيني وتقليص عددها, وخصوصا بعد قيام عناصر فلسطينية مسلحة الأسبوع الماضي, باختطاف مجموعة من الفرنسيين للفت الأنظار, إلى جانب اختطاف عدد من المسئولين الفلسطينيين, وحرق المنشآت الحكومية وذلك بغرض الضغط كي يتم الإصلاح. لذا كان قرار عرفات بأن يتم توحيد تلك الأجهزة الأمنية ليصبح عددها ثلاثة فقط, بعد أن أصبحت مسألة الانفلات الأمني تمثل مشكلة حقيقية, وخصوصا أن هنالك ضغوطا خارجية على عرفات كي يقوم بنقل مزيدا من الصلاحيات الأمنية إلى رئيس وزرائه. ولكن جاء إخفاق عرفات دليلا على حالة الانهيار التي يعيشها, وذلك في الوقت الذي تعلو فيه أسهم الفصائل المسلحة. فكان الصدام. حيث أن ياسرعرفات قد اختار قريبه اللواء موسى عرفات لمنصب مدير الأمن الفلسطيني, وكأنه يؤكد للجميع أن المحسوبية قد أضحت قانونا في داخل السلطة الفلسطينية, والأكثر من ذلك أن موسى هذا تعتبره الفصائل الفلسطينية المسلحة عدوا للمقاومة, فكانت المواجهات المسلحة بين اللواء موسى و العناصر الفلسطينية المسلحة, والتي كان منها قيام كتائب شهداء الأقصى بالسيطرة على مقر الاستخبارات في خان يونس ثم إحراقه. وقبلها بقليل نجد عددا من الاستقالات يقدم وعلى رأسها استقالة رئيس الوزراء, التي لا ندري هل قدمها لكسب الصلاحيات الأمنية التي حثت عليها العديد من الأطراف خارج فلسطين, أم أن تلك الاستقالة تهربا من المسئولية ؟! ورغم الهدوء النسبي للأوضاع حاليا, إلا أن السبب الأساسي لتلك الفتنة لم يزل حتى الآن, ألا وهو وجود الفساد و المحسوبية في داخل السلطة الفلسطينية.

ــــ رسالة إلى عرفات

سيدي الرئيس عرفات.. إنك لست مثل حسني مبارك أو القذافي أو الأسد, فهؤلاء جميعا في دول مستقرة نسبيا, أما أنت فمن السهل الانقلاب عليك لولا الخوف من الفتنة, فقد تركت الفساد يرعى من حولك, مع ازدياد قوة الفصائل الفلسطينية من حولك أيضا, وأظن أنه قد آن الأوان كي تنسحب في هدوء, وأن تستقيل من منصبك هذا, بدلا من أن تقضي بقية عمرك منفيا بواسطة الإسرائيليين, أو أن تقتل على يد أحد المتهورين من أبناء شعبك, وفي كلا الحالتين, سيكون الضياع مصير الفلسطينيين إلى أن يشاء الله.
سيدي الرئيس.. فلنكتف بهذا القدر, ولتترك الأمر لمن هو أصح منك و أجدر منك بالحكم.

Wednesday, July 14, 2004

مولانا أمير المؤمنين

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
في تلك الأثناء, كان الجميع مهتما بآخر أخبار صحة الرئيس مبارك, و كان الحديث يدور حول التغيير الوزاري المرتقب, و ما حدث قبل ذلك من (نقل) صفوت الشريف إلى منصب رئيس مجلس الشورى, وإلى جانب ذلك كله كان هنالك اهتمام بمتابعة ما ستسفر عنه تصفيات كأس الأمم الأوروبية. لذلك, كان الناس في غفلة من أمرهم, فلم يدروا بأمر خروج ذلك الرجل من بين ظهرانيهم, لقد كان ذلك الرجل هو أمير المؤمنين, الذي لم يظهر لا في دمشق ولا في بغداد ولا في القاهرة, ولكنه ظهر في الجنوب.. في اليمن.

القصة أن حسين بدر الدين الحوثي أحد أتباع المذهب الزيدي ـ أقرب المذاهب الشيعية للمذهب السني ـ قد اجتمع حوله العديد من الأنصار, و بدأت أنشطته ترهب الحكومة اليمنية هناك, ذلك أن الحوثي هذا هو نجل احد كبار مراجع الطائفة الشيعية الزيدية, وفي نفس الوقت عضو برلماني سابق. وذكرت المصادر الحكومية اليمنية أن هذا الرجل يتزعم مجموعة شيعية متطرفة تطلق على نفسها "الشباب المؤمن" قامت بمهاجمة المساجد, وإثارة الجماهير ضد أمريكا والهتاف ضدها, وأضافت وزارة الداخلية اليمنية أن الحوثي ادعي الإمامة, ونصب نفسه أميرا للمؤمنين, وانزل علم البلاد ورفع بدلا منه علم دولة أخري ـ في إشارة إلى علم حزب الله الشيعي ـ وسانده بعض يهود اليمن في حركته, ومن ثم كان التعامل العسكري وإدخال الجيش في مواجهة ضد " الحوثيين" على حد تعبير الرئيس اليمني.
ولما أصبحت المعركة أشبه بحرب يخوضها الجيش على أرضه, ومع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين من أهل القرى المجاورة لتلك المعارك, تم تكوين لجنة للوساطة من علماء الزيدية للتفاوض مع الحوثي وفتيانه. وبدأت المفاوضات, واتضح للجنة الوساطة أن الكثير من الشائعات قد ألصقت زورا بالحوثي الذي أنكر فيما بعد خروجه على النظام, وانكر تلقيه أي دعم من الخارج, في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة اليمنية أنها ضبطت لدي أنصار الحوثي كتبا شيعية مطبوعة في بيروت.
وأخيرا فشلت المفاوضات مع الحوثي, و تم عرض مكافأة 54 ألف دولار للقبض عليه بعد نحو ثلاثة أسابيع من القتال, ولازال القتلى يتساقطون بالعشرات في أماكن القتال حتى الآن.

- إذا تأملنا تلك القصة المحيرة, لوجدنا أن ظهور الحوثي بتلك القوة, لا يمكن أن يكون قد أتى فجأة, بل هو امتداد للعبة حكومية يمنية تم استغلال الرجل فيها بإرادته, حيث أن من يتابع تصريحات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, يجدها في أغلب الأوقات حادة, أو كما وصفها الرئيس مبارك منذ عدة سنوات أنها "عنترية", وذلك عندما دعا الرئيس اليمني لحرب إسرائيل. فنجد الرئيس اليمني يذكر في خطابه الأخير: "كنت ادعم الحوثي اعتقاداً مني بأنه يدرس العلم ويكرس الاعتدال والوسطية ويناهض الغلو وإذا به عكس ذلك تماماً" ومن الصعب الاعتقاد بأن الرئيس اليمني بهذه السذاجة, ولكن الحقيقة أن ترك الحوثي و أمثاله من قِبل الحكومة اليمنية, إنما يمثل نوعا من الضغط على أمريكا, وكأن أمثال الحوثي و جماعته هم من يمثل الرأي العام اليمني, ولكن على ما يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر.
- وعموما فالمجتمع اليمني يعاني العديد من المشاكل, منها توافر السلاح لدى العديد من القبائل اليمنية, مع ضعف الإمكانيات والدعم الحكومي, مما الجأ بعض القبائل اليمنية في فترات سابقة إلى خطف الأجانب لانتزاع حقوقها الطبيعية لدى الحكومة, فكان نتاج كل تلك الأمور ظهور رجل مثل حسين بدر الدين الحوثي وأعوانه.
- أما في مصرنا العزيزة, فلا يخفى على أحد قدرة العائلات الريفية (وخصوصا في الصعيد) على تسليح أبنائها, ولعل أحداث النخيلة الأخيرة, خير دليل على ذلك. إذن فالسلاح من السهل توافره. كذلك, إن تشجيع الحكومة المصرية (بصورة غير مباشرة) للمصريين على التظاهر في بعض الأوقات التي ترغبها هي ـ على أن يكون ذلك مقصورا على القضايا الخارجية فقط ـ سواء في الجامعات أو في الجامع الأزهر, لربما ينقلب على الحكومة في يوم من الأيام. لأن المتظاهرين إذا خرجوا اليوم مطالبين بالكف عن الباطل الموجود في خارج بلادهم, لكان الأجدر بهم أن يخرجوا غدا مطالبين بالكف عن الباطل الذي يسري بينهم. وعلينا هنا أن نتذكر أيضا خروج الناس من حين إلى آخر لقطع الطريق الزراعي, بعد أن يلقى أحد الريفيين حتفه تحت عجلات السيارات, فيما تسميه الصحافة الحكومية "بأعمال الشغب", وكيف أن غضب هؤلاء المكلومين في أبنائهم ـ بالإضافة إلى حنقهم على الحكومة نظرا لظروفهم المعيشية مع عدم الاهتمام الحكومي ـ يجعلهم يعتدون على سيارات الشرطة, بل وعلى السيارات الخاصة أيضا.

إذن فعلى الحكومة الجديدة أن تقلق من كل تلك المؤشرات, وعليها ألا تنظر إلى تظاهرات المصريين على أنها أمر تستطيع إيقافه في أي وقت عن طريق قوات الأمن المركزي, حتى لا تجد الحكومة نفسها في يوم من الأيام في مواجهة مع أحدهم, وقد خرج عليها, وأصبح هو نفسه بديلا عن الحكومة لدى الناس, وحينئذ لن ينفع قانون الطوارىء في شيء.

Sunday, July 11, 2004

الخوف من القراءة

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
قد يتعجب البعض من أن مجتمعنا المصري الذي أنجب العديد من الأدباء و المثقفين، قد أصبح اليوم بعيدا عن القراءة, بالرغم من وجود مشروعات ثقافية تدعم القراءة. وقد يذكر البعض أن الإسلام قد جاء في أول آيات قرآنه بالدعوة صراحة إلى القراءة, ومن قبل ذلك كان المسيح ( المعلم ) داعية للمعرفة, ولكن لنتساءل الآن, لماذا هذا الشعب غير مكترث بالقراءة ؟ ربما تكون الإجابة البديهية على هذا التساؤل هي أن هذا الشعب قد قاربت الأمية أن تلتهم أكثر من ثلث سكانه. ولكن, ماذا عن الأغلبية التي تجيد القراءة ؟
ما الذي يجعل الإنسان يهاب الكتاب و ينفر منه ؟ أعتقد أن علينا أن نواجه أنفسنا بأسباب ابتعادنا عن القراءة.
لربما يكون السبب هو ضيق أوقاتنا, وانشغالنا بأمور حياتنا, أو أن يكون السبب هو رؤية البعض أنه لا فائدة حقيقية للقراءة, وأن ما يجنيه الفرد منها, إنما هو مجموعة من المعلومات يستطيع الانتفاع بها فقط في مجال الاستعراض على الآخرين, وقد يذهب البعض إلى تلك الفكرة نظرا لما قد يقع أمامه من نماذج لمثقفين استعراضيين, من أولئك الذين يتعمدون استخدام الألفاظ الغريبة و التخصصية بغرض الإبهار, مما قد ينفر الناس من صورة المثقف, و بالتالي ينعكس ذلك الأمر على مسألة الإقبال على القراءة.
وقد يتجنب البعض القراءة بدعوى عدم وجود المتعة , خصوصا عندما يواجه بآخرين من محبي القراءة الذين يروجون لها زاعمين أن بها متعة خاصة, ولكن الأمر لمن لا يمارس القراءة ليس به أي متعة, بل مشقة و تعب, اللهم إلا في ما يجده في بعض المجلات من أخبار تافهة مسلية, ذات العناوين الجاذبة الكاذبة, وهنا يجد المرء نفسه يعود إلى الفكرة السابقة, القائلة بأنه لا فائدة من القراءة.
خصوصا, و أنه قد يجد الفرد في بعض الأحيان أن من يقدم له المعرفة سواء في الصحف أو المجلات أو حتى من خلال بعض الكتب, أفراد غير مقنعين له, و قد يمتد ذلك الأمر إلى الإعلام المرئي أيضا, فيجد المرء نفسه وقد دبت النرجسية إلي نفسه, و ظن في نفسه أنه يستطيع أن يأتي برأي أفضل من ذلك المحلل السياسي, أو ذاك الصحفي, أو هذا الداعية, لذلك نجد في بلادنا أن المواطن يقدم التحليلات السياسية, وحتى التحليلات الكروية, بل قد يصل الأمر إلى الفتاوى الدينية, فلماذا إذن القراءة و باستطاعة الفرد أن يبني آراؤه عن جهل؟!! خصوصا, مع اختلاط الحابل بالنابل, وتدخل الآراء الشخصية في الدين و الفن والسياسة والرياضة, من أناس يفترض فيهم التخصصية.
رأيي الشخصي, أن أهم أسباب ابتعاد البعض عن القراءة, هو الخوف !! الخوف من التغير مع عدم القدرة على التغيير.
بمعنى.. أن الفرد الذي سيجني المعرفة من الكتاب, لابد و أن تطرأ على شخصيته تغييرات جذرية, وربما يؤثر ذلك في علاقاته بأصدقائه, وخصوصا في وسط المراهقين و الشباب, فيبدأ الفرد القارىء بالاتجاه إلى الانزواء عن أولئك الصاخبين المرحين البعيدين عن المعرفة, إلا عن تلك المعرفة التي لا تفيد مستقبليا و تفيد مظهريا, كالحديث عن أحدث أنواع المحمول, أو السيارات, أو الأزياء, أو الأغاني, الخ.. ومن هنا يفكر المرء في أن يظل مثل أقرانه, غير مخالف لهم.
- و الآن, لنكن أكثر صراحة, أليست المعرفة تجلب شيء من الهم و الكآبة, وخصوصا في مجتمعنا هذا ؟! وقد يعترض البعض على هذا الرأي, ولكنه الواقع. فهب أنك ابتعدت عن أي مصدر للمعرفة و المعلومة لمدة أسبوع, ألن تكون أهدأ بالا, وأفضل حالا من أن تعلم وتناقش من حولك, ثم تصل إلى نتائج, ثم..ثم تجد نفسك عاجزا عن تنفيذ أي شيء مما فكرت فيه؟
ابتعاد البعض عن القراءة, هو ابتعاد عن أحد أهم مصادر المعرفة, فالمعرفة ستدفع للتفكير, وستقدم المعرفة أيضا الطرق و الوسائل لممارسة الحياة بصورة أفضل. ولكن تأت المشكلة عند التنفيذ, فيجد الفرد نفسه مقهورا أمام المجتمع, أي أمام أغلبية اختارت أن تعيش الحياة بصورة أخري, بعيدا عن تحصيل المعرفة, سواء في الجانب الثقافي, أو حتى في الجانب التخصصي, في داخل مجتمع عدو للتغيير, وعدو للمغيرين, وحتى إن وجد أولئك المغيرين, نجدهم وقد تعصب بعضهم إما لمذهب أو نظرية, أو ما إلى ذلك.
إذن فالخوف من القراءة, هو خوف من أن يلقى المرء مصير أولئك الذين تدفعهم القراءة لمواجهة الواقع, والاصطدام به, فيكون المصير إما اغتراب, أو الانضمام إلى التجمعات الثقافية المنغلقة على ذاتها, أو العزلة التامة. و هكذا فإذا كنا ندعو إلى عادة القراءة, تلك العادة المحمودة, فعلينا أن نرسخ أيضا لاحترام و قبول التغيير المبني على أساس علمي, ذلك الأساس الذي توجده دائما القراءة.
وأن يكون احترام فكرة التغيير حقيقي, بالصورة التي تدفعنا لقبول التغيير حتى في داخل علاقاتنا ببعضنا البعض, قبل أن نتطلع فقط إلى تغيير الأنظمة.
حينئذ فقط, سنجد أنفسنا وقد سلمنا دفة القيادة إلى المستنيرين المتعلمين المثقفين, بدلا من أصحاب العقول الفارغة, وحينئذ يصبح للقراءة فائدة, وللكتب أثرا في المجتمع, ويصبح قادتنا هم أكثرنا علما ومعرفة, وحينئذ أيضا يصبح ما في داخل الكتب محل تنفيذ.