Wednesday, July 28, 2004

خبر في صفحة الحوادث

كان الجو حارا, والعرق يتصبب من جبينه بالرغم من وجود أجهزة التكييف داخل محطات مترو الأنفاق. بدأت حرارة الجو في إثارة عصبية البعض, أما هو.. فقد وقف في هدوء ينتظر مجيء المترو. في أثناء ذلك, لفت نظره لفتاة ممتلئة القوام, ترتدي الجينز الأزرق الضيق, مع تلك البلوزة الصفراء التي أبرزت كافة مفاتنها, معها شاب مفتول العضلات بدا له كواحد من أولئك الذين يعتمدون على الأحماض الأمينية و المقويات التي تجعل عضلاتهم متورمة هكذا. استفزه منظر جلوس الفتاة ذات الملابس المثيرة مع الشاب في انسجام, حتى أنهما لم يهتما لأمر مجيء المترو, بينما انحشر صاحبنا بين الناس أثناء تدافعهم لدخول عربة المترو.
وفي أثناء انتظار سماع تلك الصفارة التي تسبق غلق أبواب المترو.. تلتقي عيناه بعيني الفتاة , يغمز لها بعينه وهو يبتسم ابتسامة باهتة.. تحاول أن تتجاهله.. ويزحف التوتر على ملامحها. كانت أبواب المترو قد بدأت في الانغلاق, في الوقت الذي لاحظ فيه الشاب مفتول العضلات ما يقوم به صاحبنا مع رفيقته، وفي ثوان قليلة.. كان أمام عربة المترو التي بها صاحبنا.. يسبه ويلعنه.
ولما كانت أبواب جميع عربات المترو قد أغلقت, فقد دفع ذلك صاحبنا إلى الاستئساد في وجه رفيق الفتاة, وكلاهما وراء زجاج باب عربة المترو.. فقام بعمل إشارات غير لائقة بيديه و أصابعه للشاب مفتول العضلات.
- ده لو مسكك حيبهدلك
عبارة وجهها له الرجل المسن الواقف بجواره, والذي كان متابعا للموقف منذ البداية.. زادت تلك العبارة من توتر صاحبنا, الذي تصنع عدم الاكتراث. ولم يطمئنه إلا إحساسه بأن المترو قد بدأ في التحرك. حينئذ فقط حدث أمر من النادر أن يحدث.. توقف المترو الذي لم يسير إلا مسافة لن تتخطى المترين بأي حال من الأحوال.. و الأدهى من ذلك, أنه و بعد فترة قصيرة.. تُفتَح أبواب المترو, والتي كانت إحداها مغلقة على قدم أحد الركاب, مما دفع زوجة هذا الراكب التي انهارت لهذا المنظر إلى استخدام الزر الأحمر الخاص بحالات الطوارىء.
هذا ما ذكره الخبر الذي نشر في صفحة الحوادث لإحدى الصحف, تحت عنوان (علقة ساخنة لشاب يعاكس فتاة بصحبة خطيبها), كانت العلقة الساخنة من نصيب صاحبنا, و الذي ضُرب على يد بطل الجمهورية في المصارعة نتيجة قيام المجني عليه بمعاكسة خطيبته الحسناء. بعد أن فُتحت أبواب المترو..!
ــــــــــــــــــــــــ

Tuesday, July 27, 2004

عفوا.. فلنكتف بهذا القدر

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
كنت وقتها طفلا صغيرا يصطحبه والده إلى المسجد الجامع لصلاة الجمعة, ولم نكن ندري أنه كان يصلي معنا في نفس المسجد, وقبل إقامة الصلاة مباشرة, تقدمت الصفوف لرؤيته, وبالفعل, نظر إلي وتبسم, فلم أصدق أنه هو, ففرت إلى جانب والدي و أدينا الصلاة, ثم رأيت تجمهر الناس من حوله بعد الصلاة فتأكدت أنه هو, وذكرت لكل أقراني وقتها أن ياسر عرفات كان يصلي معنا في نفس المسجد, وأنه تبسم لي. كانت تلك الحادثة في نهاية الثمانينيات, وكان ياسر عرفات قد عُرف وقتها كزعيم وممثل للشعب الفلسطيني, و رغم ذلك فقد كان عليه الكثير كي يتحول إلى شخصية دولية مقبولة عالميا, وقد تم ذلك بعد قبول التفاوض مع الإسرائيليين.

ــــ رجل سلام في زي عسكري

يخوض عرفات بعد ذلك طريق السلام الذي رفض خوضه من قبل مع الرئيس السادات, فتبدأ مباحثات مدريد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ثم يلي ذلك توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993, فيكون انسحاب إسرائيل من غزة و أريحا في العام التالي, وتزدهر الأمور أكثر لعرفات بأن ينال جائزة نوبل للسلام في نفس العام, ليتحول إلى بطل للسلام برغم ماضيه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية, التي كان البعض يعتبرها منظمة إرهابية. وبعد اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995, و برغم مقتل رايبن شريكه في جائزة نوبل للسلام، يصبح عرفات في يناير 1996 أول رئيس للسلطة الفلسطينية بعد انتخابه بنسبة تفوق 88 % من الأصوات.

ــــ زعيم و رئيس حتى النهاية

و هنا يصبح عرفات أكثر الشخصيات الفلسطينية شهرة دولية و قبولا إعلاميا, إضافة إلى ذلك فهو لم يتخذ الصفة الإسلامية الجهادية لنفسه, مما أعطاه تميزا, هذا إلى جانب تاريخه النضالي الطويل. ولكن, وعلى الرغم من عدم استقرار الأمور مع إسرائيل و تعثر المفاوضات معها, إلا أن نوعا من الاستقرار قد حدث بين الفلسطينيين, وأقصد هنا ذلك الاتفاق غير المعلن على أن عرفات هو الزعيم الأبدي للفلسطينيين, وأنه قد تحول إلى تلك الحالة التي عليها أقرانه من الرؤساء في مصر وسوريا و ليبيا, أي أن يبقى في منصبه حتى يتوفاه الله. ولكن على ما يبدو أن ذلك الأمر قد دعا الرجل إلى أن يركن إلى الراحة, فيدب الفساد في الإدارة الفلسطينية, حتى يصل إلى الأجهزة الأمنية, بل إن حوادث الفساد لم تقتصر على الجانب المالي فحسب, بل امتدت إلى الجانب الأخلاقي, فنجد على سبيل المثال في الفترة الواقعة قبل انتفاضة الأقصى, أنه يتم معاقبة ثلاثة من كبار ضباط جهاز الشرطة الفلسطينية, بعد اتهامهم بإدارة شبكة للدعارة و ممارستهم للابتزاز.

ـــــ عرفات و الفساد

لعل التنظيم الإداري للأجهزة الأمنية الفلسطينية يساعد أكثر على الفساد, نظرا لضعف السيطرة المركزية عليه, حيث أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتسم بالكثرة, وقد كان ذلك متعمدا منذ البداية حتى لا يتحول أفراد الأمن الفلسطينيين يوما ما إلى قوة عسكرية لها القدرة على مواجهة إسرائيل, ومن ثمَّ دخلت المحسوبية مع الفساد كردِ فعلٍ لضعف السلطة المركزية, وكنتيجة أيضا لسياسة عرفات الخاطئة في التعامل مع الفاسدين, فنجده منذ عدة أعوام (عام 2001) يفرج عن أحد المتهمين في قضايا الاختلاس, والذي اختلس أموالا من الصندوق القومي الفلسطيني الذي كان يرأسه, وقد جاء قرار الإفراج دون إبداء أسباب واضحة. ولعل مثل تلك الأمور قد دفعت البعض إلى تصديق الشكوك حول فساد عرفات نفسه, وبالنسبة للمتابع فقد يتخطى الأمر مرحلة الشكوك.
فوكالات الأنباء العالمية تتناقل أخبار السيدة سهى عرفات, والتي ذكرت بعض التقارير عنها أنها تتلقى أموالا من زوجها تقدر بالملايين وتحوَّل إلى حسابها في باريس, فمنذ عدة أشهر أثيرت قضية السيدة سهى حين أكد مكتب المدعي العام في باريس أنه يريد فحص تحويلات من مؤسسة سويسرية إلى حسابين منفصلين لسهى في باريس خلال الفترة الواقعة بين يوليو 2002 إلى يوليو 2003.
وتصف السيدة سهى تلك التقارير التي تتحدث عن تحويل 9 ملايين يورو لحسابات باسمها بأنها كاذبة و مجنونة, و أن شارون يسعى لتشويه صورة زوجها عن طريقها, و ليغطي أيضا على فضائحه هو و أسرته, ورغم ما تذكره السيدة سهى عرفات, إلا أن تقريرا أصدره صندوق النقد الدولي يتحدث عن 900 مليون دولار قد نقلت من حسابات السلطة الفلسطينية إلى الخارج, في الفترة الواقعة بين عامي 1997إلى 2003. حتى قريع رئيس الوزراء الفلسطيني (المستقيل), كان اسم عائلته ضمن قضية أثيرت منذ عدة أشهر داخل أروقة المجلس التشريعي, عن قيام البعض بتهريب أسمنت مصري إلى الإسرائيليين, و استخدامه في بناء المستوطنات و الجدار العازل, ولم تتضح صحة هذا الأمر من عدمه!
واتخذت مسألة الفساد داخل السلطة الفلسطينية بعدا دوليا, فها هو الرئيس الأمريكي بوش يطالب في تصريح له منذ أكثر من عامين بتغيير القيادة الفلسطينية, ويصف المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع فاسد ولا يتمتع بالشفافية. ويؤكد وزير خارجيته كولن باول رأي بوش, بأن قال وقتها " نريد قيادة فلسطينية جديدة نستطيع التعامل معها", وكان رد فعل السلطة حينذاك أن أمريكا تريد عميلا لها في الأراضي الفلسطينية. ورغم كل تلك الأمور يظل عرفات في منصبه, ويجدد انتخابه رئيسا. ولكن في نفس الوقت يتزامن مع كل تلك الأمور, قيام المنظمات الفلسطينية- ذات الطابع الجهادي - بعملياتها من تفجير و ما إلى ذلك, مما يجعلها تصطدم أحيانا مع السلطة التي لا تريد للأمور أن تخرج أكثر عن سيطرتها, حيث أن تلك الفصائل قد حازت على التعاطف والتأييد الشعبي, و خصوصا بعد ما قامت به إسرائيل من اغتيال لقادتها. ويبدو أنه سيقدر لتلك الفصائل المسلحة تشكيل مرحلة جديدة في حياة عرفات (المحاصر).

ــــ الإحلال

لما كان البقاء للأقوى, ولما كانت الفصائل الفلسطينية المسلحة كحماس و كتائب شهداء الأقصى و غيرها, هي التي تمارس الفعل الوحيد الذي يقوم به الفلسطينيين, في الوقت الذي ظهر فيه عرفات عاجزا حتى عن مواجهة الفساد الذي دب في الأجهزة الأمنية و الإدارية التي تقع تحت سلطانه, كان من الواجب على الأقوى أن يحل محل الأضعف, وقد بدأت مظاهر ذلك الأمر تظهر بالفعل, وبدأ التجرؤ على السلطة, وإن لم يكن الأمر موجها لشخص عرفات, حيث أنه الآن قد أصبح لدى شعبه أحد هؤلاء الرؤساء الذين لا يتركون مناصبهم إلا بموتهم. فها هي حركة (حماس) تسعى - في شهر إبريل الماضي- إلى أن تقوم هي على إدارة قطاع غزة في حالة انسحاب الجيش الإسرائيلي منه, وقد قوبل طلبها بالرفض من جانب السلطة الفلسطينية التي تعللت بأن لها مؤسساتها و أجهزتها الأمنية التي تستطيع أن تؤدي واجبها بكفاءة. ثم نجد بعض الجماعات الفلسطينية المسلحة تنتقد عرض مصر المساعدة في تسيير أمن غزة, من حيث إعادة الهيكلة والتدريب, ونجد كتائب شهداء الأقصى المنبثقة عن حركة فتح – التي يرأسها عرفات –­­ تقوم بالتعامل الفردي مع بعض المعروفين بالفساد, سواء بالخطف أو بغيره, بالإضافة إلى الإعدام مع المتعاونين مع الاحتلال, هذا فضلا عن انتقادها العلني للسلطة الفلسطينية على ما تغلغل فيها من فساد ومحسوبية. إذا فلدينا الآن عددا من الفصائل الفلسطينية وقد ضج بأخبار الفساد الموجود داخل أجهزة السلطة الفلسطينية, و خصوصا الأمنية منها.

ـــــ الصِدام الأخير.. ليس الأخير !!

لعل مسألة عدم توحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية تثير حفيظة الكثير من الفلسطينيين, فكما ذكرنا من قبل أن تفرق الأجهزة الأمنية الفلسطينية و كثرتها, و عدم إحكام قبضة السلطة الفلسطينية عليها, قد جعلها أوكارا للفساد والمحسوبية و الشللية, وقد جاء تعدد تلك الأجهزة نظرا لنشأتها الأولى هكذا, حتى لا تتحول في يوم من الأيام إلى جيش في وجه إسرائيل. أما اليوم, فقد أصبح هذا الوضع يمثل خطرا على إسرائيل نفسها, فالأفضل لإسرائيل أن تحكم السلطة الفلسطينية قبضتها على الأمن الفلسطيني بدلا أن يقوم غيرها بذلك, ولن يتم ذلك إلا بأن يتم توحيد أجهزة الأمن الفلسطيني وتقليص عددها, وخصوصا بعد قيام عناصر فلسطينية مسلحة الأسبوع الماضي, باختطاف مجموعة من الفرنسيين للفت الأنظار, إلى جانب اختطاف عدد من المسئولين الفلسطينيين, وحرق المنشآت الحكومية وذلك بغرض الضغط كي يتم الإصلاح. لذا كان قرار عرفات بأن يتم توحيد تلك الأجهزة الأمنية ليصبح عددها ثلاثة فقط, بعد أن أصبحت مسألة الانفلات الأمني تمثل مشكلة حقيقية, وخصوصا أن هنالك ضغوطا خارجية على عرفات كي يقوم بنقل مزيدا من الصلاحيات الأمنية إلى رئيس وزرائه. ولكن جاء إخفاق عرفات دليلا على حالة الانهيار التي يعيشها, وذلك في الوقت الذي تعلو فيه أسهم الفصائل المسلحة. فكان الصدام. حيث أن ياسرعرفات قد اختار قريبه اللواء موسى عرفات لمنصب مدير الأمن الفلسطيني, وكأنه يؤكد للجميع أن المحسوبية قد أضحت قانونا في داخل السلطة الفلسطينية, والأكثر من ذلك أن موسى هذا تعتبره الفصائل الفلسطينية المسلحة عدوا للمقاومة, فكانت المواجهات المسلحة بين اللواء موسى و العناصر الفلسطينية المسلحة, والتي كان منها قيام كتائب شهداء الأقصى بالسيطرة على مقر الاستخبارات في خان يونس ثم إحراقه. وقبلها بقليل نجد عددا من الاستقالات يقدم وعلى رأسها استقالة رئيس الوزراء, التي لا ندري هل قدمها لكسب الصلاحيات الأمنية التي حثت عليها العديد من الأطراف خارج فلسطين, أم أن تلك الاستقالة تهربا من المسئولية ؟! ورغم الهدوء النسبي للأوضاع حاليا, إلا أن السبب الأساسي لتلك الفتنة لم يزل حتى الآن, ألا وهو وجود الفساد و المحسوبية في داخل السلطة الفلسطينية.

ــــ رسالة إلى عرفات

سيدي الرئيس عرفات.. إنك لست مثل حسني مبارك أو القذافي أو الأسد, فهؤلاء جميعا في دول مستقرة نسبيا, أما أنت فمن السهل الانقلاب عليك لولا الخوف من الفتنة, فقد تركت الفساد يرعى من حولك, مع ازدياد قوة الفصائل الفلسطينية من حولك أيضا, وأظن أنه قد آن الأوان كي تنسحب في هدوء, وأن تستقيل من منصبك هذا, بدلا من أن تقضي بقية عمرك منفيا بواسطة الإسرائيليين, أو أن تقتل على يد أحد المتهورين من أبناء شعبك, وفي كلا الحالتين, سيكون الضياع مصير الفلسطينيين إلى أن يشاء الله.
سيدي الرئيس.. فلنكتف بهذا القدر, ولتترك الأمر لمن هو أصح منك و أجدر منك بالحكم.

Wednesday, July 14, 2004

مولانا أمير المؤمنين

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
في تلك الأثناء, كان الجميع مهتما بآخر أخبار صحة الرئيس مبارك, و كان الحديث يدور حول التغيير الوزاري المرتقب, و ما حدث قبل ذلك من (نقل) صفوت الشريف إلى منصب رئيس مجلس الشورى, وإلى جانب ذلك كله كان هنالك اهتمام بمتابعة ما ستسفر عنه تصفيات كأس الأمم الأوروبية. لذلك, كان الناس في غفلة من أمرهم, فلم يدروا بأمر خروج ذلك الرجل من بين ظهرانيهم, لقد كان ذلك الرجل هو أمير المؤمنين, الذي لم يظهر لا في دمشق ولا في بغداد ولا في القاهرة, ولكنه ظهر في الجنوب.. في اليمن.

القصة أن حسين بدر الدين الحوثي أحد أتباع المذهب الزيدي ـ أقرب المذاهب الشيعية للمذهب السني ـ قد اجتمع حوله العديد من الأنصار, و بدأت أنشطته ترهب الحكومة اليمنية هناك, ذلك أن الحوثي هذا هو نجل احد كبار مراجع الطائفة الشيعية الزيدية, وفي نفس الوقت عضو برلماني سابق. وذكرت المصادر الحكومية اليمنية أن هذا الرجل يتزعم مجموعة شيعية متطرفة تطلق على نفسها "الشباب المؤمن" قامت بمهاجمة المساجد, وإثارة الجماهير ضد أمريكا والهتاف ضدها, وأضافت وزارة الداخلية اليمنية أن الحوثي ادعي الإمامة, ونصب نفسه أميرا للمؤمنين, وانزل علم البلاد ورفع بدلا منه علم دولة أخري ـ في إشارة إلى علم حزب الله الشيعي ـ وسانده بعض يهود اليمن في حركته, ومن ثم كان التعامل العسكري وإدخال الجيش في مواجهة ضد " الحوثيين" على حد تعبير الرئيس اليمني.
ولما أصبحت المعركة أشبه بحرب يخوضها الجيش على أرضه, ومع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين من أهل القرى المجاورة لتلك المعارك, تم تكوين لجنة للوساطة من علماء الزيدية للتفاوض مع الحوثي وفتيانه. وبدأت المفاوضات, واتضح للجنة الوساطة أن الكثير من الشائعات قد ألصقت زورا بالحوثي الذي أنكر فيما بعد خروجه على النظام, وانكر تلقيه أي دعم من الخارج, في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة اليمنية أنها ضبطت لدي أنصار الحوثي كتبا شيعية مطبوعة في بيروت.
وأخيرا فشلت المفاوضات مع الحوثي, و تم عرض مكافأة 54 ألف دولار للقبض عليه بعد نحو ثلاثة أسابيع من القتال, ولازال القتلى يتساقطون بالعشرات في أماكن القتال حتى الآن.

- إذا تأملنا تلك القصة المحيرة, لوجدنا أن ظهور الحوثي بتلك القوة, لا يمكن أن يكون قد أتى فجأة, بل هو امتداد للعبة حكومية يمنية تم استغلال الرجل فيها بإرادته, حيث أن من يتابع تصريحات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, يجدها في أغلب الأوقات حادة, أو كما وصفها الرئيس مبارك منذ عدة سنوات أنها "عنترية", وذلك عندما دعا الرئيس اليمني لحرب إسرائيل. فنجد الرئيس اليمني يذكر في خطابه الأخير: "كنت ادعم الحوثي اعتقاداً مني بأنه يدرس العلم ويكرس الاعتدال والوسطية ويناهض الغلو وإذا به عكس ذلك تماماً" ومن الصعب الاعتقاد بأن الرئيس اليمني بهذه السذاجة, ولكن الحقيقة أن ترك الحوثي و أمثاله من قِبل الحكومة اليمنية, إنما يمثل نوعا من الضغط على أمريكا, وكأن أمثال الحوثي و جماعته هم من يمثل الرأي العام اليمني, ولكن على ما يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر.
- وعموما فالمجتمع اليمني يعاني العديد من المشاكل, منها توافر السلاح لدى العديد من القبائل اليمنية, مع ضعف الإمكانيات والدعم الحكومي, مما الجأ بعض القبائل اليمنية في فترات سابقة إلى خطف الأجانب لانتزاع حقوقها الطبيعية لدى الحكومة, فكان نتاج كل تلك الأمور ظهور رجل مثل حسين بدر الدين الحوثي وأعوانه.
- أما في مصرنا العزيزة, فلا يخفى على أحد قدرة العائلات الريفية (وخصوصا في الصعيد) على تسليح أبنائها, ولعل أحداث النخيلة الأخيرة, خير دليل على ذلك. إذن فالسلاح من السهل توافره. كذلك, إن تشجيع الحكومة المصرية (بصورة غير مباشرة) للمصريين على التظاهر في بعض الأوقات التي ترغبها هي ـ على أن يكون ذلك مقصورا على القضايا الخارجية فقط ـ سواء في الجامعات أو في الجامع الأزهر, لربما ينقلب على الحكومة في يوم من الأيام. لأن المتظاهرين إذا خرجوا اليوم مطالبين بالكف عن الباطل الموجود في خارج بلادهم, لكان الأجدر بهم أن يخرجوا غدا مطالبين بالكف عن الباطل الذي يسري بينهم. وعلينا هنا أن نتذكر أيضا خروج الناس من حين إلى آخر لقطع الطريق الزراعي, بعد أن يلقى أحد الريفيين حتفه تحت عجلات السيارات, فيما تسميه الصحافة الحكومية "بأعمال الشغب", وكيف أن غضب هؤلاء المكلومين في أبنائهم ـ بالإضافة إلى حنقهم على الحكومة نظرا لظروفهم المعيشية مع عدم الاهتمام الحكومي ـ يجعلهم يعتدون على سيارات الشرطة, بل وعلى السيارات الخاصة أيضا.

إذن فعلى الحكومة الجديدة أن تقلق من كل تلك المؤشرات, وعليها ألا تنظر إلى تظاهرات المصريين على أنها أمر تستطيع إيقافه في أي وقت عن طريق قوات الأمن المركزي, حتى لا تجد الحكومة نفسها في يوم من الأيام في مواجهة مع أحدهم, وقد خرج عليها, وأصبح هو نفسه بديلا عن الحكومة لدى الناس, وحينئذ لن ينفع قانون الطوارىء في شيء.

Sunday, July 11, 2004

الخوف من القراءة

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
قد يتعجب البعض من أن مجتمعنا المصري الذي أنجب العديد من الأدباء و المثقفين، قد أصبح اليوم بعيدا عن القراءة, بالرغم من وجود مشروعات ثقافية تدعم القراءة. وقد يذكر البعض أن الإسلام قد جاء في أول آيات قرآنه بالدعوة صراحة إلى القراءة, ومن قبل ذلك كان المسيح ( المعلم ) داعية للمعرفة, ولكن لنتساءل الآن, لماذا هذا الشعب غير مكترث بالقراءة ؟ ربما تكون الإجابة البديهية على هذا التساؤل هي أن هذا الشعب قد قاربت الأمية أن تلتهم أكثر من ثلث سكانه. ولكن, ماذا عن الأغلبية التي تجيد القراءة ؟
ما الذي يجعل الإنسان يهاب الكتاب و ينفر منه ؟ أعتقد أن علينا أن نواجه أنفسنا بأسباب ابتعادنا عن القراءة.
لربما يكون السبب هو ضيق أوقاتنا, وانشغالنا بأمور حياتنا, أو أن يكون السبب هو رؤية البعض أنه لا فائدة حقيقية للقراءة, وأن ما يجنيه الفرد منها, إنما هو مجموعة من المعلومات يستطيع الانتفاع بها فقط في مجال الاستعراض على الآخرين, وقد يذهب البعض إلى تلك الفكرة نظرا لما قد يقع أمامه من نماذج لمثقفين استعراضيين, من أولئك الذين يتعمدون استخدام الألفاظ الغريبة و التخصصية بغرض الإبهار, مما قد ينفر الناس من صورة المثقف, و بالتالي ينعكس ذلك الأمر على مسألة الإقبال على القراءة.
وقد يتجنب البعض القراءة بدعوى عدم وجود المتعة , خصوصا عندما يواجه بآخرين من محبي القراءة الذين يروجون لها زاعمين أن بها متعة خاصة, ولكن الأمر لمن لا يمارس القراءة ليس به أي متعة, بل مشقة و تعب, اللهم إلا في ما يجده في بعض المجلات من أخبار تافهة مسلية, ذات العناوين الجاذبة الكاذبة, وهنا يجد المرء نفسه يعود إلى الفكرة السابقة, القائلة بأنه لا فائدة من القراءة.
خصوصا, و أنه قد يجد الفرد في بعض الأحيان أن من يقدم له المعرفة سواء في الصحف أو المجلات أو حتى من خلال بعض الكتب, أفراد غير مقنعين له, و قد يمتد ذلك الأمر إلى الإعلام المرئي أيضا, فيجد المرء نفسه وقد دبت النرجسية إلي نفسه, و ظن في نفسه أنه يستطيع أن يأتي برأي أفضل من ذلك المحلل السياسي, أو ذاك الصحفي, أو هذا الداعية, لذلك نجد في بلادنا أن المواطن يقدم التحليلات السياسية, وحتى التحليلات الكروية, بل قد يصل الأمر إلى الفتاوى الدينية, فلماذا إذن القراءة و باستطاعة الفرد أن يبني آراؤه عن جهل؟!! خصوصا, مع اختلاط الحابل بالنابل, وتدخل الآراء الشخصية في الدين و الفن والسياسة والرياضة, من أناس يفترض فيهم التخصصية.
رأيي الشخصي, أن أهم أسباب ابتعاد البعض عن القراءة, هو الخوف !! الخوف من التغير مع عدم القدرة على التغيير.
بمعنى.. أن الفرد الذي سيجني المعرفة من الكتاب, لابد و أن تطرأ على شخصيته تغييرات جذرية, وربما يؤثر ذلك في علاقاته بأصدقائه, وخصوصا في وسط المراهقين و الشباب, فيبدأ الفرد القارىء بالاتجاه إلى الانزواء عن أولئك الصاخبين المرحين البعيدين عن المعرفة, إلا عن تلك المعرفة التي لا تفيد مستقبليا و تفيد مظهريا, كالحديث عن أحدث أنواع المحمول, أو السيارات, أو الأزياء, أو الأغاني, الخ.. ومن هنا يفكر المرء في أن يظل مثل أقرانه, غير مخالف لهم.
- و الآن, لنكن أكثر صراحة, أليست المعرفة تجلب شيء من الهم و الكآبة, وخصوصا في مجتمعنا هذا ؟! وقد يعترض البعض على هذا الرأي, ولكنه الواقع. فهب أنك ابتعدت عن أي مصدر للمعرفة و المعلومة لمدة أسبوع, ألن تكون أهدأ بالا, وأفضل حالا من أن تعلم وتناقش من حولك, ثم تصل إلى نتائج, ثم..ثم تجد نفسك عاجزا عن تنفيذ أي شيء مما فكرت فيه؟
ابتعاد البعض عن القراءة, هو ابتعاد عن أحد أهم مصادر المعرفة, فالمعرفة ستدفع للتفكير, وستقدم المعرفة أيضا الطرق و الوسائل لممارسة الحياة بصورة أفضل. ولكن تأت المشكلة عند التنفيذ, فيجد الفرد نفسه مقهورا أمام المجتمع, أي أمام أغلبية اختارت أن تعيش الحياة بصورة أخري, بعيدا عن تحصيل المعرفة, سواء في الجانب الثقافي, أو حتى في الجانب التخصصي, في داخل مجتمع عدو للتغيير, وعدو للمغيرين, وحتى إن وجد أولئك المغيرين, نجدهم وقد تعصب بعضهم إما لمذهب أو نظرية, أو ما إلى ذلك.
إذن فالخوف من القراءة, هو خوف من أن يلقى المرء مصير أولئك الذين تدفعهم القراءة لمواجهة الواقع, والاصطدام به, فيكون المصير إما اغتراب, أو الانضمام إلى التجمعات الثقافية المنغلقة على ذاتها, أو العزلة التامة. و هكذا فإذا كنا ندعو إلى عادة القراءة, تلك العادة المحمودة, فعلينا أن نرسخ أيضا لاحترام و قبول التغيير المبني على أساس علمي, ذلك الأساس الذي توجده دائما القراءة.
وأن يكون احترام فكرة التغيير حقيقي, بالصورة التي تدفعنا لقبول التغيير حتى في داخل علاقاتنا ببعضنا البعض, قبل أن نتطلع فقط إلى تغيير الأنظمة.
حينئذ فقط, سنجد أنفسنا وقد سلمنا دفة القيادة إلى المستنيرين المتعلمين المثقفين, بدلا من أصحاب العقول الفارغة, وحينئذ يصبح للقراءة فائدة, وللكتب أثرا في المجتمع, ويصبح قادتنا هم أكثرنا علما ومعرفة, وحينئذ أيضا يصبح ما في داخل الكتب محل تنفيذ.