Wednesday, February 22, 2012

عمرو فكري .. فنان معاصر بمزاج شرقي

عبدالرحمن مصطفى
الطريق إلى منزل الفنان عمرو فكري، أشبه بطريق الزائر داخل معبد مصري قديم، حين يمر من مرحلة لأخرى حتى يصل في نهايته إلى "قدس الأقداس". يقيم عمرو فكري في شقة أعلى سطح إحدى عمارات وسط البلد القاهرية، وهناك وسط رائحة البخور التي أحاطت بغرفته بدأ حديثه عن الفن المعاصر وعن مشروعه الذي قضى فيه أربع سنوات، واختار لمشروعه اسم "قدس الأقداس". يقول: "حين كنت طالبًا في كلية الفنون الجميلة، كان البعض يتعامل وقتها مع فن التجهيز في الفراغ Installatio على أنه موجة أو موضة علينا أن نتبناها كفن معاصر، وكنت أفتقد اللمسات الخاصة التي تبرز هوية الفنان وانتماءه"
ينتمي مشروع قدس الأقداس هو الآخر إلى فن التجهيز في الفراغ، ويتكون من أربع مراحل بدأت في العام 2004 حتى العام 2009 هي "الفراش"، "فناء الوحدة، فناء المكان"، "مواقف النفري"، و"بصير الملائكة"، وكل منها كان بمثابة مشروع مستقل، حتى إذا ما اكتملت الصورة كان العنوان الأكبر هو "قدس الأقداس". يعلق قائلا: "أنتظر إصدار كتالوج فني، يضم مشروع قدس الأقداس بأكمله، بدعم من المؤسسة الثقافية السويسرية (بروهلفتسيا)".
سبق هذا العمل خطوات هامة رسمت اتجاه الفنان مبكرًا؛ إذ تلقى دروسًا ما زالت تدير حياته ومشروعاته الفنية حتى الآن، الدرس الأول هو التعامل الصادق مع النفس، اختبر ذلك في فترة المراهقة أثناء ورشة تجريبية لصناعة الأفلام، يروي عن ذلك: "تعلمت أن أعبر عن نفسي دون حسابات، هذا ما حدث حين اخترت فكرة لفيلم في ورشة تدريبية، ونلت بها تقدير لجنة التحكيم رغم صغر سني، وكانت تضم في ذلك الوقت سينمائيين كبار، واخترت ألا ألعب في المضمون أو الأفكار المعلبة، ولكن أن أعبر عن أفكاري".أما الدرس الثاني فكان في جلسات الفنان الراحل حامد سعيد مؤسس جماعة "الفن والحياة" إحدى أهم الجماعات الفنية المصرية في القرن الماضي، يصف عمرو فكري ذلك : "كنت أحرص على تلك اللقاءات وانا طالب في الجامعة، وحاولت أن أكرر زياراتي للفنان حامد سعيد لمزيد من التعلم، وأثر بشدة على تفكيري". كان حامد سعيد، بمثابة الشيخ الصوفي الذي ينهل عمرو فكري من أفكاره، هناك التفت إلى قضية شغلته فيما بعد حول أن هناك هوية مصرية ممتدة عبر التاريخ، هي مصر الفرعونية، ومصر الموالد، والتصوف، والرقص والتدين، وأن علينا أن نعبر عن ذلك بصور مختلفة. "كان هناك في هذا الجيل جمال حمدان في الجغرافيا، وشادي عبدالسلام في السينما، وحامد سعيد في الفن التشكيلي، وكلهم يبحثون عن مصر وانتماءاتها" حسب عبارته.
على أرض الواقع قد يبدو هذا الحديث بمثابة ترف إذا ما عدنا إلى العام 2001 حين تخرج عمرو من الفنون الجميلة، يشرح قائلا: "كان الكل مشغولا بما يحتاجه السوق، هناك من اتجه من زملاء الدراسة إلى مجال الجرافيك، وهناك من انضم إلى قافلة الدعاية والاعلان، لذا واجهت السؤال الذي يواجهه كل خريج، وخاصة أبناء شعبة التصوير الزيتي، ما معنى كلمة فنان؟ خاصة أنني جربت فنونًا مختلفة أثناء الجامعة مثل التصوير الفوتوغرافي والرقص الحديث والإخراج..". كان معرض "حضرة مولاي" في العام 2002 هو لحظة التجلي التي كشفت له معنى الفنان، حين أراد نقل معرفته عن الصوفية ورجالاتها. لم يمنع نفسه من الضحك حين تذكر كيف كانت صورة افتتاح معرضه "أقيم المعرض في مهرجان القلعة، وكان افتتاح الفعالية على يد سوزان مبارك التي مرت على المعرض وقصت الشريط وكأنها تفتتح معرضي شخصيًا". في حضرة مولاي، استخدم عمرو فكري وقتها خط الثلث والصور مع تكوينات تحاكي رايات الطرق الصوفية في الموالد، وكان المكان مناسبا لهذه الأجواء.
"الفن أسلوب حياة" مثلما يرى عمرو فكري .. أجواء الصوفية والعقائد الشرقية تظهر في جلسته على الأرض في منزله الذي أقام فيه لمدة عام تحت أضواء الشموع حتى إدخال الكهرباء، ولعل اهتمامه المبكر بعالم التصوف رغم أنه ليس محسوبًا على طريقة صوفية بعينها دفعه إلى رحلة تأمل، إذ سافر إلى زيورخ في العام 2003 بدعم من المؤسسة الثقافية السويسرية (بروهلفتسيا). وبين الصدمة والاغتراب وجفاف الحياة الروحية في الغرب، عرف هناك خطواته القادمة، فكان مشروع "الفراش" مستندًا فيه إلى تكوينات شبيهات بالمقرنصات الإسلامية التي هي في الأصل إعادة تشكيل أجزاء من صور التقطها الفنان، واتخذ عنوان "الفراش" من عبارة للحلاج في كتابه الطواسين تقول: "الفراش يطير حول المصباح إلى الصباح و يعود إلى الأشكال فيخبرهم عن الحال بألطف المقال، ثم يمرح بالدلال طمعًا في الوصول إلى الكمال". وكانت تلك هي بداية مشروعه الأكبر "قدس الأقداس"، إذ كانت المرحلة الثانية في "فناء الوحدة، فناء المكان" الذي قدم للزائر تجسيدا يشبه المقامات الصوفية واستخدم فيه قراءاته عن الهندسة المقدسة والطاقة بهدف إدخال الزوار إلى مساحة تطهر ذات تأثير روحي، أما مشروعه الثالث "مواقف النفري" فاستعان بإبداعه في إعادة تشكيل الصور، كما اختار نصوصًا معبرة، واختتم في مشروع "بصير الملائكة" حين انتقل إلى "متون هيرميس" واستعار الشكل الهرمي المقدس عند المصريين القدماء.
يخرج عمرو من مشروعه قدس الأقداس ليعرض على جهاز اللابتوب في منزله بعضا من معارض وأعمال أخرى ارتبطت بأحداث انفعل بها، منها "طقوس الأخير"، الذي اعتمد فيه على صور من الحياة المصرية اليومية باللونين الأبيض والأسود، وأثناء العرض على جهاز الكمبيوتر يقفز اللون الأحمر ليلطخ الصور وكانها طقوسا دموية، وكان ذلك في العام 2006 تحت تأثير مذبحة اللاجئين السودانيين، والانتخابات المزورة.
خارج شقته الصغيرة على سطح العمارة - التي يقطن بها أيضا الفنان عادل السيوي- لا صوت إلا صوت الرياح ومشاهد العمارات القريبة والبعيدة، التي قد تبعده عن صخب المليونيات والمظاهرات في وسط المدينة، لكنه غير بعيد عنها، كل طموحه اليوم أن يعيد مشروعه الذي تعطل في حقبة مبارك، حين سعى لتأسيس واحة للفنانين، يعيشون فيها فترات تأملاتهم وينتجون فيها أعمالهم. يعترف قائلا: "الثورة صنعت لي ارتباكًا شديدًا، ورغم ذلك سأعبر عن تلك المرحلة بمشروع قادم، لقد كنا في الماضي نقاوم، وما كنا نقاومه قديما بدأ في الانهيار، لذا نحن مقدمون على مرحلة جديدة تمامًا، نحتاج فيها إلى التعرف على أنفسنا من جديد، وأن نقدم هوية جامعة للمصريين".

Friday, February 17, 2012

ماذا بعد رحيل المجلس العسكرى عن الحكم؟




شرعية الثورة فى مواجهة شرعية السلطة


فى يوليو الماضى كتب مصطفى النجار ــ أحد مؤسسى حزب العدل ــ على موقع تويتر للتدوين القصير: «أعتقد أن شرعية ثورة يوليو قد انتهت تماما ولا شرعية إلا لثورة يناير ..الشرعية المدنية لثورة مدنية»، وبعد أن أصبح النجار نائبا برلمانيا أعلن أمام النواب مؤخرا أن «شرعية المجلس العسكرى قد انتهت بعد كل هذه الدماء، ولابد من تسليم السلطة لحكومة إنقاذ وطنى يشكلها البرلمان، لأن البرلمان هو الجهة الوحيدة التى تملك الشرعية فى مصر». وبين هذين التصريحين كانت هناك شهور ازداد فيها الجدل حول من بيده شرعية ثورة 25 يناير، إذ نال المجلس الأعلى للقوات المسلحة تلك السلطة الشرعية بعد إعلان انحيازه للجماهير، ومع انتخاب «برلمان الثورة» دار الحديث عن البرلمان كشرعية وحيدة لهذه المرحلة، لكن ما أعقب ذلك من أحداث متتالية أعادت إلى الأذهان تعبير «شرعية الميدان وشرعية الجماهير» وذلك عبر المظاهرات والمسيرات والمليونيات.
يرى الدكتور سمير نعيم ــ أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ــ أن كل الشواهد تشير أن كلا من المجلس العسكرى ومجلس الشعب الحاليين هما امتداد للنظام السابق الذى لم يتغير بعد. ويقول: «الصراع الحقيقى بين أقلية تستمد شرعيتها من الاستحواذ على السلطة التشريعية والتنفيذية والثروة، وبين بقية الشعب الذى لا يملك الآن سوى إرادته وإصراره على إعادة توزيع الثروة والسلطة». تلك العلاقة بين مفهوم الشرعية وعلاقته بالسلطة شغلت العديد من المفكرين وهى إحدى قضايا علم الاجتماع، ويعد عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر أحد أهم من تناولوا مفهوم الشرعية ورأى أن هناك ثلاث تصورات لشرعية السلطة، الأولى هى السلطة التقليدية القائمة على تقديس التقاليد، والثانية هى السلطة الملهمة لقائد يحمل تأثيرا على الجماهير وأخيرا هى السلطة العقلانية التى تعتمد على القانون والمؤسسات. ويرى بعض الباحثين العرب أن السلطة العقلانية المعتمدة على فعالية المؤسسات والقوانين لم تكن ذات فاعلية فى العالم العربى لغياب الديمقراطية الحقيقية.
وقبل سنوات على ثورة 25 يناير كانت فكرة شرعية السلطة محل نقاش من المفكرين والسياسيين، وأحد أهم من تصدوا لهذه الفكرة كان الكاتب المخضرم محمد حسنين هيكل الذى دعا فى عام 2005 إلى تبنى شرعية جديدة بعد أن فقدت شرعية ثورة 23 يوليو استمراريتها، وانتهت شرعية حرب أكتوبر والسلام وذكر وقتها أن مصر بحاجة إلى عقد اجتماعى جديد. يرى الدكتور عاصم الدسوقى ــ أستاذ التاريخ الحديث فى جامعة حلوان ــ أن أزمة الشرعية لم تكن أبدا فى «حكم العسكر»، بقدر ما تكمن المشكلة فى أن حكامنا المتتاليين كانت لديهم مساحات تصنع منهم حكاما مستبدين، ويوضح ذلك بقوله: «كان الملك قبل ثورة يوليو 52 مدنيا، لكن كانت بيده سلطات واسعة وفرها له الدستور تسمح له بإعاقة الحياة الديمقراطية، وكذلك كان جمال عبد الناصر والسادات ومبارك جميعهم من خلفية عسكرية لكن كانت لديهم جميعا سلطات واسعة، والمفارقة أن كلا منهم استخدمها فى اتجاه مختلف». لكن فى نهاية الشهر الماضى ظهرت سلطة البرلمان وبدأ اشتباك جديد بين الرغبات الثورية فى التغيير ومواقف النواب التى اعتبرها البعض موالية للمجلس العسكرى والحكومة غير المنتخبة، ويعلق الدكتور عاصم الدسوقى قائلا: «المشكلة فى سيطرة الكتلة الإسلامية على البرلمان، وهناك شواهد تاريخية منذ فترة حسن البنا على إصراره على العمل تحت لواء الدولة والنظام، وهو ما يفسر طوال العام الماضى خروج جماعة الإخوان المسلمين بالذات من المشاركة فى كثير من الفعاليات المطالبة بالتغيير واستمرار الثورة على مدار العام الماضي». يتوقف قليلا ثم يضيف: «لو أرسينا نظاما جديدا أرجح حل هذا البرلمان». هذه التفاصيل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية لم تجب عن سؤال المرحلة: كيف ستنتقل شرعية ثورة 25 يناير من أصحابها فى الميادين والمسيرات إلى السلطات الحاكمة؟ فى دراسة تحت عنوان «الإطار التاريخى والسياسى لثورة 25 يناير بمصر» للدكتور طارق البشرى، يرى فيها أن ثورة 25 يناير هى امتداد لتجارب سابقة ظهرت فى حركات شباب ثورات 1919، 1952، وحركات أخرى لم ترتبط بثورات مثل حركات الشباب وانتفاضاتهم فى أعوام 1935، 1946، 1972. وذكر فى دراسته التى نشرت مبكرا بعد تنحى مبارك أنه: لا بد لهذا الحراك الشبابى الثائر أن يتبلور فى تشكيلات تنظيمية، تنشأ من هذا الزخم السياسى الحادث وتجمعهم حول الأهداف السياسية والاجتماعية التى قامت الثورة من أجلها. هذه هى الوصفة الوحيدة لنقل روح ميدان التحرير الأولى إلى سلطة شرعية لا تعتمد فقط على العمل الحركى والتظاهر. أما الدكتور سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع فيستدعى نموذج النضال السلمى لغاندى فى الهند، ونيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا قائلا: «الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها، وسيستمر إبداع المصريين فى أفكار جديدة .. لقد انتهى زمن القائد أو الزعيم المُـلهم، تماما مثلما انتهت شرعية الحكم بقوة السلاح».



النشطاء: مستمرون رغم التشويه


●إسراء عبدالفتاح نائب رئيس مجلس إدارة المعهد المصرى الديمقراطى



«ما من شك أن حملات التشويه على منظمات المجتمع المدنى قد أدت إلى التأثير على عملنا، وردود أفعال الناس وتجاوبهم مع نشاط مؤسسات التدريب الحقوقى، لكننا نقاوم هذا. المشكلة الحقيقية أننى وزملائى واجهنا اتهامات بالعمالة والتمويل الخارجى، وحين تم حفظ التحقيقات ضدنا مؤخرا لم يلتفت لنا أحد، لذا سأسعى إلى مقاضاة من اتهمنى دون دليل. رغم كل هذا فعلينا جميعا الاستمرار، حتى تقام دولة القانون، ويحاسب الجميع بمساواة دون تشهير حتى إن كان من النظام السابق، فيكفيه ما سيلاقيه بالقانون، أما الخطوة الأهم فهى تطهير المؤسسات التابعة للسلطة مثل الإعلام والداخلية حتى لا تستمر حملات التشويه التى يلقاها النشطاء، التى لا ينتج عنها سوى الإساءة لشباب يرغبون فى تغيير البلاد إلى الأفضل».



●محمود عفيفى المتحدث الإعلامى باسم حركة 6 أبريل



«رغم ما يتعرض له اسم 6 أبريل من تشويه من طرف الإعلام التابع للسلطة الحاكمة فإن الرهان فى المستقبل على أن الحقيقة ستتضح أمام الناس مع الوقت، حين تتكرر الاتهامات نفسها، ولا تظهر أدلة فى كل مرة، نحن الآن لن نهتم بالدفاع عن أنفسنا أو رد الشبهات، ربما يكون ذلك فى مرحلة أكثر استقرارا من الآن عبر حملات التوعية، أما بالنسبة للمستقبل، فلابد أن نوضح أننا لا نرفض التعاون مع أى من أجهزة الدولة، فالهدف هو المصلحة العليا، ولدينا من المبادرات الحالية مثل مبادرة حافظوا على جيش مصر ما يثبت النوايا الحسنة».



بداية تعارف جديدة على الجيش


من بين الهتافات التى كانت تعلو وسط المسيرات الاحتجاجية مؤخرا: «الجيش المصرى بتاعنا .. والمجلس مش تبعنا»، لكن تلك النوايا الطيبة الظاهرة فى الهتاف لم تواجه بعد سيادة المؤسسة العسكرية وغموضها الدائم وقلة المعلومات عنها.. فهل يستمر هذا الوضع كما كان، أم سيتم التعامل مع المؤسسة العسكرية كمؤسسة حكومية بعد رحيل المجلس العسكرى عن السلطة؟ تعلق الدكتورة زينب أبوالمجد ــ الأستاذ المساعد لتاريخ الشرق الأوسط فى الجامعة الأمريكية ــ قائلة: «هذه هى مهمتنا أن نكمل الثورة بحيث يتم تحقيق الشفافية والعدالة فى جميع مؤسسات الدولة». كانت زينب أبو المجد قد نشرت مقالاهما تحت عنوان: الجيش والاقتصاد فى مصر. وتم تداوله على الإنترنت منذ أسابيع، لكنها لم تقدم دراسة اقتصادية شاملة كما كانت تطمح، بل استندت إلى معلومات من قصاصات الصحف والربط بين معلومات متفرقة وذلك لغياب المعلومات الكافية عن «جهاز مشروعات الخدمة الوطنية» التابع للقوات المسلحة، وهو ما يمثل النشاط غير العسكرى للمؤسسة العسكرية. لم يكن هذا المقال خارج سياق الأحداث، إذ أثير جدل قبل عدة أشهر حول إمكانية الرقابة على ميزانية الجيش المصرى، وانتهى هذا الجدل مؤخرا إلى محاولات برلمانية للقيام بهذا الدور الرقابى. ووسط كل هذا الصخب كانت تصعد آراء عن ضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن النقد أو الرقابة المباشرة من المدنيين منعا لانهيار الدولة، وهو ما يراه الخبير الاقتصادى عبدالخالق فاروق مجرد حجج واهية، ويعلق قائلا: «كان نظام مبارك نظاما فاسدا، ومن واجب المصريين أن يكونوا حريصين على جيش بلادهم وأن ينقلوه إلى نظام جديد أفضل». هذا الرأى لا يجد رواجا لدى من يرون أنه لا ينبغى إتاحة أى معلومات تفصيلية عن المؤسسة العسكرية، والمفارقة التى تلاحظها الدكتورة زينب أبو المجد أن ما يعتبره هؤلاء أمرا غاية فى السرية، هو فى الحقيقة معلومات عادية فى دول أخرى منها إسرائيل. وتعلق على ذلك بقولها: «أنا مثلا أعرف ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية كام.. هل ده أثر عليهم فى إسرائيل أو أضرهم فى حاجة..؟». تتوقف هنا وتحيل النقاش إلى عناوين كتب مهمة ناقشت بالأرقام البيزنس الخاص بالجيش التركى على سبيل المثال، وكتاب آخر موثق عن الجيش الباكستانى ونشاطه الاقتصادى، لكن هذه المعلومات لا تتوافر أغلبها فى مصر، رغم أن المعلومات الأهم والخاصة بتسليح بلدان الشرق الأوسط منشورة ومتداولة فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أهم مصدر للسلاح إلى المنطقة.
هذا الغموض حول المؤسسة العسكرية وغياب الكثير من المعلومات التى تتيحها دول أخرى فى العالم، قد يزيد من هيبة المؤسسة بسبب قلة المعلومات، وهى الهيبة التى تصاحب رجال المؤسسة العسكرية حين يديرون قطاعات أخرى مدنية، ويعلق على ذلك الخبير الاقتصادى عبد الخالق فاروق قائلا: «كانت المادة 15 من الدستور تنص على «أن للمحاربين القدماء والمصابين فى الحرب، أو بسببها، ولزوجات الشهداء وأبنائهم، الأولوية فى فرص العمل وفقا للقانون». وهذا المنطق كان ملائما لدستور عام 71 الذى تمت كتابته فى زمن الحرب، ويضيف عبد الخالق فاروق: «هيبة الجيش ستستمد من الشفافية فى التعامل وأن تكون المؤسسة العسكرية جزءا من الأجهزة الحكومية المختلفة». لكن كيف ستستمر العلاقة بين المجلس العسكرى وباقى القوى السياسية والثورية إذا ما رحل تاركا خلفه ثورة لم تكتمل؟ هل يؤثر ذلك على استمرارية قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أماكنهم بعد تركهم للسلطة ؟ لم يذكر التاريخ المعاصر من حوادث تم التعامل فيها مع قيادات الجيش انصياعا لرغبات الجماهير سوى فى ثورة يوليو 52 حين عزل تنظيم الضباط الأحرار قيادات الجيش آنذاك لإنجاح الثورة، ومرة أخرى فى إعادة محاكمة قادة سلاح الطيران فى العام 68 بعد مظاهرات طلابية وعمالية احتجاجا على أحكام المحكمة الأولى فى أعقاب النكسة.
من الصعب توقع مسار التغيير القادم ووضع قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كما ترى الدكتورة زينب أبو المجد، وحسب تعبيرها فإن هذه الثورة هى ثورة المفاجآت التى لا تنتهى، وتضيف: «ما نريد تحقيقه هو الشفافية، فأنا أشعر بالغيرة حين أجد فى إسرائيل أن الإعلام والحكومة تساءل وزير الدفاع بشفافية.. فنحن قد حققنا إنجازات فى هذه الثورة وعلينا استكمالها حتى النهاية».


أنصار العسكرى مع الرئيس القادم إلا من أيّد التحرير


يستخدم كلا من الدكتورة منال المصرى ــ المشرف العام على الحركة اللجنة الشعبية لحماية مصر ــ ومحمود عطية المتحدث الإعلامى باسم ائتلاف مصر فوق الجميع، تعبيرى الاستقرار ومساندة الشرعية فى شرح موقفيهما من تأييد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بعيدا عن عدم اتفاقهما فى عدد من النقاط الأخرى. محمود عطية هو فى الوقت نفسه مؤسس مبادرة المشير رئيسا لمصر. ورغم إعلان المجلس العسكرى أنه ليس له صلة بهذه الحملة أو بقية الائتلافات المؤيدة له فإن محمود عطية ما زال مستمرا فى دعمه للعسكرى حتى ولو عبر بيانات صحفية. لكن ماذا بعد رحيل المجلس العسكرى عن السلطة؟ يجيب عطية قائلا: «سنؤيد أى مرشح رئاسى ذىد خلفية عسكرية، وسنظل ننادى على البرلمان كى يقف ضد متظاهرى التحرير وسياستهم المعتمدة على الصوت العالى والصخب».
أما فى حالة وصول رئيس مدنى لا يحمل خلفية عسكرية إلى الحكم، فسينصاع السيد محمود عطية وزملاؤه فى الائتلاف لاختيار الشعب، لكنهم لن يتركوا «بتوع التحرير» كى يمارسوا أنشطتهم التى مارسوها طوال فترة المجلس العسكرى من مليونيات ومظاهرات، وسيظلون يناضلون ضدهم. لكن الأمر مختلف عند الدكتورة منال المصري- المشرف العام على الحركة اللجنة الشعبية لحماية مصر- فليس لدى أعضاء الحركة التى تكونت عبر الانترنت ثم نشطت على الأرض أى اهتمام بأن يحمل الرئيس القادم خلفية عسكرية، وتعلق قائلة: «أيدنا العسكرى لأنه الشرعية، ولسنا مثل أبناء مبارك الذين تركوا الواقع وعاشوا على ذكرى رئيس تنازل عن شرعيته، أنا اليوم مع البرلمان ذو الأغلبية الإسلامية رغم اختلافى معهم فكريا». لكن ماذا إن وصل إلى الحكم شخصية من شريحة البرادعى أو عمرو موسى أو عبدالمنعم أبوالفتوح أوحازم صلاح أبوإسماعيل؟ تقول الدكتورة منال: «حتى إن كان رئيسا من الميدان، سنحترم تلك الشرعية، لكن ما سيحدث أننا قد نفكر فى أن نتحول إلى حزب سياسى معارض لهذا الرئيس، وهذا نفكر فيه من الآن خصوصا أننا لا نعرف مستقبل الائتلافات والحركات ومدى استمراريتها». أما محمود عطية فيتبنى هو وزملاؤه اتجاها واحدا يجعلهم يرون فى المظاهرات أنها أقرب إلى أعمال صبيانية، ويقول: «قابلت بعض شباب الثورة، وبعضهم للأسف لا يوقر الكبير، ويكفى موقفهم من السيد المشير طنطاوى الذى قاد وزارة الدفاع لأكثر من 21 سنة، هذا الرجل ذو خبرة فى الإدارة، وعليهم أن يعلموا أن المؤسسة العسكرية هى مدرسة فى الإدارة». سواء مع بقاء المجلس العسكرى فى السلطة أو مع رحيله فيظل أداء الائتلافات المؤيدة له بمثابة رد فعل على الأداء الثورى وجميع مظاهره، فكلما ازدادت مقاومة القوى الثورية للسلطة وازدادت الرغبة فى تغيير النظام السياسى بقيت المجموعات المؤيدة للسلطة، مع قناعتهم بأن ميدان التحرير قد انتهت شرعيته.
PDF

Thursday, February 2, 2012

الألتراس السياسى.. مجموعات تستحضر روح المشجع الرياضى


البرادعاوية ينشدون: حلمنا بالتغيير يعم بلدنا .. ومعاك اتحققت كل أحلامنا
والإسلاميون يهتفون: إحنا الإخوان بنجيب أجوان .. وبره الملعب بنجاهد كمان

عبد الرحمن مصطفى
بين ألتراس برادعاوى وألتراس عمرو موسى وألتراس الإخوان وألتراس إسلاميين اختلافات فى الهدف والشكل، لكن يجمعها جميعا أنها استحضرت روح الألتراس فى أنشطتها المختلفة. فبعد عام من الثورة لم تعد صورة الألتراس هى مجرد مجموعات رياضية للتشجيع الكروى، بل تطورت كى تبرز دورها المؤثر فى مجرى الأحداث، هذا الوضع الجديد دفع البعض إلى التشبه بالألتراس وتكوين مجموعات ذات أهداف سياسية تحت اسم الألتراس، ويعلق محمد ناظم ــ مؤسس ألتراس برادعاوى قائلا: «مثلما هنالك مجموعات ألتراس تؤيد فرقا كروية، فليس هناك حرج فى تكوين رابطة ألتراس حول زعيم سياسى أو مرشح رئاسى أو غير ذلك».
فكرة ربط اسم الألتراس بمجموعات تتبنى تيارا سياسيا مرفوضة من البعض، إذ يرى هؤلاء أن «كل ما تفعله هذه المجموعات ليس له أصل، وما يحدث داخلها ليس له صلة حقيقية بالألتراس الرياضى أو الكروى، إذ إن الألتراس الرياضى هو الأصل ولا يوجد غيره»، فالألتراس فى الأصل هو مجموعات تشجيع رياضية محسوبة على أندية مثل الأهلى والزمالك والإسماعيلى وغيرها، وتعود نشأتها فى مصر إلى العام 2007، مؤكدة أنها مجموعات رياضية فقط، وتعطى لأعضائها حرية الاختيار السياسى خارج المجموعة. فكلمة «ألتراس» هى كلمة لاتينية مشتقة من ULTRA والتى تأتى بمعنى الفائق أو فوق الطبيعى فى إشارة لانتماء مجموعات الألتراس وحبها لأنديتها الفائق للعادة. لكن كيف بدأت المجموعات السياسية فى التشبه بنمط الألتراس؟ يعود محمد ناظم ــ مؤسس ألتراس برادعاوى ــ ليصف النشأة الأولى للفكرة فى مجموعة على شبكة فيس بوك الاجتماعية عقب تنحى مبارك بأسابيع قليلة. مع الوقت نمت المجموعة، وتم التنسيق مع حملة دعم البرادعى لتتكون مجموعات أخرى فى المحافظات، كما أن هناك شريحة أساسية من أعضاء «برادعاوى» ينتمون فى الأصل إلى رابطات ألتراس رياضية وجمعهم الإيمان بالدكتور محمد البرادعى وطريقة تفكيره، وهو ما يحاولون نقله إلى الجماهير بطرق مختلفة يشرحها محمد ناظم قائلا: «بعضنا يتواجد حول الدكتور البرادعى فى جولاته الميدانية، وهدفنا أن نكون واجهة لفكره أمام الجماهير، ورد الاتهامات الموجهة إليه، حتى ولو بتأليف الأناشيد وغنائها، أو صناعة فيديوهات تكشف الحقيقة على الانترنت».
فى أحد الفيديوهات على موقع يوتيوب لألتراس برادعاوى، نشيد يقول: «البرادعى قالها قوية، مصر عايزة ديمقراطية، وحلمنا بالتغيير يعم بلدنا، ومعاك اتحققت كل أحلامنا».. هذا النشيد كان إهداء من ألتراس البرادعى فى بورسعيد، وحسب محمد ناظم فهناك حالة من اللامركزية فى بث الأفكار داخل المجموعات المختلفة بالتنسيق مع الحملة، أى أن لهذه المجموعات ملامح قد تشبه الألتراس الكروى فى الهتافات أو فى رسم الجرافيتى على الجدران، لكن هناك أيضا أنشطة لا تختلف كثيرا عن الأنشطة التقليدية مثل :التبرع بالدم، أو التواجد فى الفعاليات والمظاهرات. ويقول محمد ناظم: «هذه الأنشطة تكون فى فترة توقف الفعاليات والمظاهرات التى غالبا ما نكون متواجدين فيها أيضا».
يقدم أعضاء ألتراس برادعاوى أنفسهم على أنهم «أول ألتراس سياسى فى مصر». لكن الوصف نفسه استخدمته مجموعة أطلقت على نفسها «ألتراس الإخوان المسلمين»، أما أعضاء ألتراس عمرو موسى فيؤكدون أنهم الأقدم تواجدا فى مدرجات الجماهير الكروية منذ مباراة الأهلى والزمالك الشهيرة فى يونيو الماضى، لكن تاريخ تأسيس تلك المجموعات على شبكة فيس بوك الاجتماعية يجعل الأسبقية لألتراس برادعاوى ثم ألتراس الإخوان.

تسمية مضللة

وفى فيديو آخر على الانترنت بعنوان «ألتراس عمرو موسى» يعود إلى شهر سبتمبر الماضى، نجد شبابا يقدمون هتافات على طريقة هتافات مشجعى الكرة باسم المرشح الرئاسى المحتمل. هؤلاء هم جزء من الحملة الانتخابية، وحسبما يصف محمد موسى المنسق الإعلامى للحملة، فهناك قطاع داخل الحملة باسم «الألتراس» ويقوده بعض الرياضيين السابقين فى المحافظات من الداعمين لعمرو موسى. وداخل هذه المجموعات شباب ينتمون إلى الألتراس الكروى التقليدى الذى عرفته المدرجات المصرية.
بعض المنتمين إلى الألتراس الرياضى والذين لا يحملون خلفيات سياسية يرون هذه المجموعات بشكل مختلف، إذ يقول عضو فى مجموعة من مجموعات الألتراس المصرية ــ رفض ذكر اسمه ــ إن الألتراس السياسى فى مصر مجرد «رابطات سياسية بها أعضاء ألتراس ينقلون بعض ملامحهم وحماسهم إليها، لكن التسمية مضللة ولا يمكن مقارنتها بالألتراس الكروى الذى عرفته مصر قبل الثورة بسنوات، وما أصبح يسمى بالألتراس السياسى هو ذو طابع دعائى فى النهاية له صلة بالانتخابات والتواجد السياسى». لكن هل يمكن أن تنمو ظاهرة الألتراس السياسى وتؤدى إلى اشتباكات فى يوم من الأيام سواء إذا ما تواجد أعضاؤها داخل المدرجات أو فى الشوارع والفعاليات المختلفة؟ يقول محمد موسى المنسق الإعلامى لحملة عمرو موسى: «لا أتوقع أن يحدث أى صدام بين مجموعات الالتراس السياسية فى يوم من الأيام بسبب حماسهم الزائد، فعلى الأقل أنا أضمن من معنا من الشباب».
لكن بعيدا حتى عن السياسة فإن نمط حياة الألتراس الرياضى قد نال تحفظات من قبل بعض الشباب الملتزم الذى أبدى اعتراضه على احتواء الهتافات على عبارات سب وشتم، ولذلك كانت فكرة ظهور ألتراس الإخوان بمثابة صدمة لكثيرين، ونالت كما لا بأس به من التعليقات. فمنذ مايو الماضى فوجئ جمهور الانترنت بفكرة قد تداولها الإعلام عن تكوين ناد رياضى لجماعة الإخوان المسلمين ثم ظهرت مجموعات وصفت نفسها بألتراس الإخوان المسلمين، ومنذ البداية كان المجال فسيحا للنوادر والنكات من زوار المنتديات والشبكات الاجتماعية، كأن يكتب أحدهم معلقا: «ألتراس الإخوان هيولعوا بخور فى المدرجات بدل الشماريخ !!». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انتشرت عدة صفحات على الفيس بوك لألتراس الإخوان، وتوافد المشككون من المنتمين إلى الجماعة على هذه الصفحات متهمين إياها بأن هدفها النيل من الإخوان المسلمين ونقل هذه الجمل الساخرة على صفحاتهم.


الإخوان المسلمون.. جماعة رياضية

حسام البدرى أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين هو مدير الصفحة الأهم التى تضم أكثر من 16 ألف عضو تحت اسم ألتراس إخوان UBH، ويقول عنها: «الموضوع بدأ كفكرة، تزامنا مع فكرة تأسيس ناد للإخوان المسلمين، لذا بدأنا هذه المبادرة مبكرا وفى بالنا أن تكون نواة الرابطة الكروية، على أن تكون لها هتافاتها المقبولة، وأن تمارس التشجيع دون تعصب أو عنف، وتكون نموذجا فى التشجيع بديلا عما يحدث فى الملاعب الآن». ثم يذكر حسام البدرى فى حديثه بأن جماعة الإخوان المسلمين فى إحدى صفاتها هى جماعة رياضية وهناك «ورد رياضى» يقال قبل التدريبات، لكن لماذا كان اختيار اسم ألتراس ما دام الأمر مجرد مبادرة تأسيس رابطة للتشجيع؟ يعود حسام ليقول: «أنا أتحدث عن رابطة مشجعين من الإخوان فى المستقبل، وستجد الكثير من المبادرات التى تأثرت بروح الألتراس وأرادت التشبه بها، لكن على طريقتنا».
أحد أشهر الفيديوهات المنسوبة لألتراس الإخوان يعود إلى أغسطس الماضى، ويضم هتافات لمجموعة من الشباب ينشدون: «إحنا الإخوان.. بنجيب أجوان.. وبرة الملعب بنجاهد كمان». كل تلك المحاولات لم تسفر عن نموذج واضح بعد، بل شباب يحاكون ملامح الألتراس، وينطبق ذلك أيضا على نموذج مجموعة ألتراس الحرية والعدالة الإخوانى الذى شوهد فى الإسكندرية وبنى سويف أثناء انتخابات مجلس الشعب الماضية. «كلها كانت مبادرات لم تسفر عن كيان واحد يتبع الجماعة أو الحزب، بل مجرد أفكار تأثرت بروح الألتراس، وبعضها ظهر واختفى»، بحسب وجهة نظر حسام البدرى، نائب مدير شبكة نبض الإخوان.
وفى المسافة التى بدأت من ألتراس البرادعى وصولا بألتراس الإخوان يضاف إلى يمين هذه المجموعات ألتراس الإسلاميين، وهو ليس مجموعة رياضية بقدر ما هو فكرة حسبما يروى شريف عاطف (أبوحمزة) الذى يقول: «بدأ الأمر بمبادرة تجمع شباب إسلاميين من تيارات مختلفة ينتمون إلى الإخوان والسلفية والتبليغ والدعوة والأزهر، وكوّنوا فريقا إعلاميا كان أحد منتجاته فيديو ألتراس الإسلاميين الذى لفت الانتباه بشدة». ورغم أن أبو حمزة كان مشجعا مخلصا فى مدرجات النادى الأهلى إلا أنه لم ينضم لا هو ولا أصدقاؤه من قبل إلى مجموعة ألتراس حقيقية، فالكليب السالف ذكره هو ضمن أعمال فريق من الشباب الإسلامى تحت اسم «ودن واحدة» وشعارهم: «ودن واحدة مش كفاية.. نسمع بعض.. نسمع صح» الذى تحول إلى برنامج على قناة الحكمة الفضائية الآن. وبالتالى هم ليسوا مجموعة ألتراس كروية، ولا هم ألتراس سياسى، بقدر ما يحاولون استعارة روح الألتراس. ويوضح شريف أبو حمزة قائلا: «فى ميدان التحرير وأثناء أحداث الثورة على مدار عام مضى التقينا المسيحيين والليبراليين وكذلك اختلطنا بشباب الألتراس، وهدف الفيديو التأكيد أنه ليس من المستبعد على شاب إسلامى أن يحاكى شكل الألتراس». ورغم أنها كانت تجربة أشبه ببالون اختبار فقد نال الفريق تعليقات محافظة تلوم عليهم محاكاتهم الألتراس، وأنه لا يصح على شاب ملتزم أن يهتف على طريقة مشجعى الكرة، والغريب أن الفيديو كانت به هتافات للإسلاميين والأقصى وغير ذلك. لكنك «لن ترضى كل الناس»، على حد قول شريف.


حزب «بلادى»

كل هذه (الألتراسات) المختلفة لا تعبر عن المعنى الحقيقى للكلمة، حسبما يرى رامى صلاح عضو ألتراس أهلاوى الكروى الذى يعلق: «ما حدث فى هذه المجموعات مهما كان حجمها هو تقليد لنمط الألتراس فى التنظيم والهتافات والحماس الشديد، لكن الأصل هو روابط التشجيع الكروى التى نعرفها فى مصر منذ سنوات.. مع الأخذ فى الاعتبار أن داخل كل مجموعة ألتراس كروى هناك من يحملون انتماءات سياسية، لكن الرياضة تذيب كل هذا فى لحظة التشجيع». رامى صلاح هو أيضا عضو لجنة التواصل فى حزب «بلادى»، أحد الأحزاب الحديثة بعد الثورة. كان الحزب قد تصدر وسائل الإعلام قبل أسابيع بعناوين متشابهة عن أن : شباب الألتراس يؤسسون حزبا سياسيا لهم. ولا يخفى رامى صلاح أن هذه الصورة أحدثت جدلا بين أعضاء الحزب الذى ينتمون إلى الألتراس وبين قادة الألتراس الرياضى، إذ خشى بعض أعضاء الرياضى من أن تبدو مبادرة الحزب وكأنها محاولة للتشويش على عمل تلك المجموعات الرياضية الأصيلة، لذا قرر أعضاء الحزب مؤخرا ألا يتم تصعيد الأعضاء المنتمين للألتراس إلى رئاسة لجان الحزب حتى يتفرغوا إلى دورهم فى مجموعاتهم الرياضية الأصلية. الأمر الذى ارتضاه رامى صلاح، الذى وضع قدما فى السياسة وقدما أخرى فى التشجيع الكروى، مؤكدا أن روح الألتراس تركت أثرا كبيرا لدى قطاع كبير من الشباب، مما أدى إلى محاولات لاستنساخها. وينفى رامى أن يكون الحزب امتدادا لمجموعات الألتراس بأى حال، موضحا أن الحزب يعتمد فى غالبيته على شريحة الشباب مثل العديد من أحزاب ما بعد الثورة، لكن تواجد بعض الكوادر الأساسية ذات خلفية التشجيع الكروى يعطى حماسا أكبر ومجالا للحركة. ويضيف رامى صلاح: «أكبر ميزة فى روح الألتراس هى الحماس، وهو ما نريده أن ينتقل إلى روح الحزب، وطوال الفترة الماضية ــ بعد الثورة ــ كنا نحاول أن ننمى أنفسنا فى مجال العمل السياسى، وأن نقيم مبادرات خدمية أيضا، بدلا من تركها للإسلاميين فقط، فبفضل تواجدنا فى الشارع من الآن فصاعدا سيتذكرنا الناس ويتأكدون من مصداقيتنا».


ثلاثة تصنيفات عالمية


فى كتاب «الألتراس» ( دار دون، 2011) يذكر محمد جمال بشير، أحد مؤسسى رابطة «الوايت نايتس» المحسوبة على نادى الزمالك، أنه من المعروف دوليا أن هناك ثلاثة تصنيفات للألتراس والسياسة فى العالم، مجموعات اليسار أو ما يطلق عليهم «أنتيفا» وهى مجموعات تأسست على خلفيات سياسية يسارية لأفرادها، ومجموعات اليمين التى هى فى العادة مجموعات عنصرية شديدة التطرف، ومجموعات أخرى غير مسيسة نتيجة عدم توافق أفرادها على اتجاه سياسى محدد، وهو ذلك النوع الذى تنتمى إليه أغلب مجموعات الألتراس المصرية. هنا يتوقف محمد جمال بشير نافيا الصفة السياسية عن مجموعات الألتراس الكروية فى مصر.
لكن بعيدا عن ذلك فإن تلك المجموعات الكروية فى أوروبا على وجه التحديد يتبنى بعضها مواقف فاشية ونازية متطرفة فى ناحية اليمين السياسى، وعلى الجانب الآخر هناك مجموعات من الألتراس أكثر عددا اختارت التيار اليسارى، وهم الأغلبية، لكن يظل الألتراس ظاهرة كروية تأتى السياسة على هامش أنشطتها، وفى مصر تحديدا تصر مجموعات مشجعى الألتراس الكروية على عدم تبنى مواقف سياسية تاركين مساحة للأعضاء فى خارج المجموعات الأصلية.
PDF