Thursday, October 17, 2013

ذاكرة الثورة تقاوم التآكل

التاريخ "غير الرسمي" يستكمل مشواره في تدوين الأحداث:
صورة وفيديو و موقع على الانترنت ..
.
كتب – عبد الرحمن مصطفى
"بعد فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر اضطررنا إلى التأكد بأنفسنا من أرقام القتلى ، زرنا المشرحة و أحصينا الجثث ، بعد أن توقفت وزارة الصحة عن إعلان بياناتها، لكن في الحقيقة مهمتنا القادمة هي توثيق الثورة المصرية"، الحديث هنا لتامر موافي، الباحث في  المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عن تجربة موقع "ويكي ثورة". كانت الأسابيع الماضية قد تكرر فيها اسم الموقع، بعد أن تحول إلى مصدر هام لحصر أعداد القتلى والضحايا مؤخرا، و لم يدرك بعض الزوار أن هذا الموقع ما زال في مرحلته الأولية وأن توثيقه للأحداث الأخيرة بعد عزل الرئيس السابق مرسي ، هو مجرد جزء من مشروع  أكبر لتوثيق أحداث الثورة وبيانات المصابين والقتلى بدءً من 25 يناير 2011.
دار الحديث مع تامر موافي في شارع متفرع من شارع طلعت حرب الشهير بوسط المدينة، حيث يقع  المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يرعى هذا المشروع، و بدأ قائلا: "الهدف الأبعد للمشروع هو توثيق أحداث الثورة من كل المصادر الممكنة و الموثوق فيها. نستقبل شهادات من المواطنين عن كافة تلك المرحلة من تاريخنا ، إلى جانب توثيق ما تمت كتابته بالفعل في الفترة الماضية". ما الذي يدفع إلى العودة إلى ثورة 25 يناير مرة أخرى و مابعدها من أحداث ؟ السبب الرئيسي هو محاولة إشراك المواطنين في عملية التوثيق، إذ لاحظ العاملون على المشروع وجود كم من الشهادات المتناثرة على الانترنت بحاجة إلى التوثيق، كما اختار العاملون بالمشروع نموذج (Wiki ويكي ) إشارة إلى ذلك النمط من المواقع الذي يسمح للجمهور العادي أن يضيف معلومات ، تحت أعين مراقبين وهم سيكونون من المركز في هذه الحالة. يعمل في المشروع ثلاثة أفراد أساسيين، يجهزون لتدشين موقع أكثر تطورا يضم المواد و الشهادات التي جمعوها خلال الفترة الماضية.
و عند زيارة النسخة الحالية من الموقع يبرز أحد أسباب ظهور فكرة المشروع في فترة الرئيس السابق محمد مرسي ، إذ سجل الموقع أرقام ضحايا تلك الفترة ، ونسبة كبيرة منهم هم من أبناء الشريحة نفسها التي خرجت ضد السلطة في 25 يناير 2011 .
"سيكون محتوى الموقع مفيد أيضا في أعمال بحثية تحلل هذا الكم من المعلومات"، حسبما يصف تامر موافي من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. أما المتاح حاليا من بيانات فهو توثيق للمرحلة الأخيرة في فترة حكم محمد مرسي، وما أعقبها من أحداث.
منذ تاريخ تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، خرجت مبادرات تهدف إلى توثيق الثورة المصرية، بعضها اختار العمل على شبكات التواصل الاجتماعية، وهناك من اختار توثيق الثورة بالصورة ، وهناك من دمج الأسلوبين. وتفيد عملية التوثيق الدائم في كشف التزييف الذي قد يلجأ إليه البعض لأسباب سياسية، لذا تكون عملية التوثيق بمثابة مادة متاحة، تفيد من يريد التأكد من معلومات بعينها. هذا هو أحد الأسباب التي جعلت مشروعا مثل (صفحة توثيق الثورة المصرية) يستمر حتى الآن على شبكة فيسبوك الاجتماعية، إذ جمع المتطوعون في هذه الصفحة حوالي 15000 صورة تغطي حوالي ثلاث سنوات، بدء من الحركة الاحتجاجية التي ازدادت في العام 2010 ، حتى الآن . بدأت الفكرة فى ديسيمبر 2011 لتوثيق الثورة المصرية بالصور، سواء في مليونيات أو اشتباكات أو وقفات داخل وخارج مصر، أمام السفارات المصرية ،وبدأ "المشروع" على حد وصفهم بسبب ما رأوه تزييفا للصور وللحقائق.
لكن كافة تلك المحاولات ما زالت تجرى بأدوات بسيطة ، دون إمكانيات تحقق جماهيرية لمثل هذه النوعية من المشروعات ، كما أن هذه الأفكار تكشف غياب الدولة في المساهمة بتوثيق ما جرى من أحداث.
تجاوزت بعض الدول التي عاشت فترات قمعية حساسية التعامل مع ماضيها ، و من أشهر تلك التجارب ما حدث في ألمانيا بعد سقوط جدار برلين ، إذ تحولت قصة تعامل الألمان مع تلك الفترة بعد العام 1990 إلى فخر ينقلوه إلى بقية دول العالم ، وحتى اليوم يمكن للمواطنين الاطلاع على ملفات جهاز أمن الدولة لديهم (الشتازي). و أظهر الاستطلاع، الذي أجراه معهد "يوغوف" لقياس الرأي العام في 2011 أن 58 % من الألمان يؤيدون استمرار الإطلاع على وثائق جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا حتى الآن، إذ أتاحت الوثائق للبعض تحريك دعاوى قضائية ضد انتهاكات تعرض لها قبل توحيد ألمانيا. كما أفادت الباحثين في فهم آليات القمع في تلك المرحلة من تاريخ ألمانيا.
.
مهمة لم تتم بعد
لم تقتصر محاولات التوثيق المصرية على عالم الانترنت، فهناك مشروعات أخرى ذات طابع أكاديمي حاولت العمل على فكرة توثيق الثورة، ومن أشهر تلك التجارب كانت لجنة لتوثيق الثورة التابعة لدار الوثائق القومية، التي تأسست من عدد من المتطوعين و الأكاديميين بهدف جمع أكبر كم من المعلومات والشهادات عن الثورة. تشكلت هذه اللجنة في مارس 2011 ، عقب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك بأسابيع ، لكن استمرارية هذا المشروع كانت متوقفة على عدة عوامل، منها تسهيل العمل بعيدا عن البيروقراطية، وتخفيف القبضة الأمنية على الوثائق المطلوبة في عملية التوثيق... ومع ازدياد حدة المعوقات ، تم حل اللجنة وانتهى دورها عمليا في العام الماضي.
يرى الباحث تامر موافي أن عمليات التوثيق إذا ما تبنتها مبادرات المجتمع المدني، قد لا تختلف كثيرا عن جهود الدولة في التوثيق، "لكن تظل لدى الدولة وثائق تفيد جدا في توثيق الحدث، وقد تكون غير متاحة للاطلاع مثل تقارير لجنة تقصى الحقائق"، على حد قوله.
ما زال عدد من مؤسسات المجتمع المدني يعمل على فكرة توثيق الثورة المصرية، إذ يعتبر البعض أن توثيق الثورة "مهمة لم تتم بعد"، خاصة بعد أن امتدت الأحداث وتشابكت على مدار أكثر من عامين ونصف .
بعد تجربة التعاون مع المؤسسات الحكومية- مثل دار الكتب والوثائق المصرية- في محاولة توثيق الثورة، عادت مؤسسات المجتمع المدنى لترعى الفكرة مرة أخرى بعيدا عن الدور الحكومي. على سبيل المثال كان أحمد غربية- الخبير التقني وعضو مؤسسة التعبير الرقمي العربي- متطوعا في لجنة لتوثيق الثورة التابعة لدار الوثائق القومية، و واجه البيروقراطية الحكومية و غياب الرغبة لدى الحكومة في عملية التوثيق ، لكنه عاد ليشارك في ورش تدريبية  ما زالت تعمل على فكرة توثيق الثورة من جديد.
كذلك أقامت مؤسسة التعبير الرقمي ورش تدريبية تستهدف "توثيق الثورة"، سواء على موقع ويكيبيديا الشهير "الموسوعي"، أو على شبكات تضم فيديوهات. الجانب الايجابي الذي يراه أحمد غربية أن هناك تقاربا يحدث بين مجموعات لديها الاهتمام بفكرة التوثيق، وبعضهم كان يقوم بالتصوير فعليا، لكن ينتظر المزيد من تطوير مهاراته. و يعلق غربية :"المشكلة أحيانا تكون مع المؤسسات التقليدية في تقدير قيمة ما لديها من وثائق أو فيديوهات. على سبيل المثال هناك برامج تقنية تساعد في الاستفادة من الصور والفيديوهات وتنظيمها وتوثيقها داخل مؤسسات مثل الصحف والمؤسسات الاعلامية، وهنا أنا هدفي أن تتاح المادة غير المستخدمة من تلك الفيديوهات للجماهير لأنها تفيد ".
مع غياب الرغبة الحكومية في التوثيق الجاد لأحداث ثورة 25 يناير و ما تبعها من أحداث متتالية، يتبقى هامش بسيط للتوثيق، يتحرك فيه  أفراد مستقلون وبعض مؤسسات المجتمع المدني، على أمل تقديم رواية بديلة للثورة المصرية .
.
"المَزج" رحلة داخل المزاج الثوري
.
- مقاطع و أصوات تمس الواقع البائس
- أيمن بدر : "العفن" الذي يحيط بنا هو قديم ، يسبق الثورة بفترة.
.
في العام 2011 أصيب أيمن بدر- المهندس المعماري الشاب- أثناء تصويره تفاصيل ما جرى في شارع محمد محمود من اشتباكات ضد قوات الأمن، وسجلت كاميرا الهاتف المحمول صوته حين تلقى الاصابة. ظل محتفظا بهذا الفيديو حتى العام 2013، و عاد إليه مؤخرا كي يستعير الأصوات المسجلة عليه لهدف آخر، إذ قرر صنع عمل فني يمزج فيه أصواتا و موسيقى بشكل يعبر به عن الثورة ، تجربة فنيا قام بإخراجها بنفسه.
"نشرت أول ملف صوتي بهذه الطريقة تحت اسم المزيج العميق (عفن) ، دربت نفسي قبلها على برامج الصوتيات المتاحة على الانترنت لأنفذ تصورا في رأسي ، كنت أطرح أسئلة عن مصير الثورة، وأرى أن (العفن) الذي يحيط بنا هو قديم ، يسبق الثورة بفترة". اتجه أيمن في تلك الفترة، قبل ستة أشهر، إلى موقع ساوند كلاود soundcloud.com الملائم لمثل هذه التجارب ، و رفع عليه تجربته الأولى ، ونجحت التجربة وسمعها الآلاف حسب احصائيات الموقع .
الهدف من هذه التجربة ليس تقديم عرض إذاعي، لكن ما يحدث هنا هو مزج لأصوات مثل أم كلثوم وصيحات الثوار في التحرير، متقاطعا مع مقتطفات من أفلام شهيرة، و كل ذلك يتعايش معه المستمع ليس لمتابعة تسلسل موسيقي، بل للاستسلام لحالة يستعيد فيها المستمع أصوات الثورة ، مع جمل و مقاطع تمس الواقع البائس. ويبدأ في التأرجح بين الحنين و التفكير في المستقبل.  وفي تجربة "المزج" الأولى التي تحمل اسم "عفن"، يقرأ عماد حمدي بصوته جزءً من فيلم "ثرثرة فوق النيل"، وفي خلفيته صوت الثوار.
بعد أن انتشرت التجربة الأولى في مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، انطلق أيمن بدر ليبدأ سلسلة "المزيج العميق" ، وانطلق إلى المزيج الثاني بعنوان "دم"... استعان فيه بصوت الفيديو الذي أصيب فيه أثناء اشتباكات شارع محمد محمود، وذلك جنبا إلى جنب مع أصوات أهالي شهداء و هم يتحدثون ، مع جزء من خطاب مبارك الثاني، وصوت بكاء وائل غنيم في برنامج "العاشرة مساءً"، فور إطلاق سراحه من الاعتقال، مع مقتطفات أخرى متنوعة، أما الهدف فاستمر كما هو .. استعادة ذكرى الثورة و التفكير في جدواها و مصيرها، دون توجيه مباشر، فالهدف هو توثيق أفكار ومشاهد وأحاسيس، حسبما يصف أيمن بدر.
و مع نجاح الفكرة في جذب جمهور لها، بدأ شباب آخرون في تقليدها، على سبيل المثال صنع أحدهم "مزجا" يجمع صوت الدكتور مصطفى محمود من برنامج "العلم و الإيمان" وهو يصف الأمم المتخلفة، ثم ينتقل إلى أصوات شخصيات إسلامية كانت قد أثارت جدلا في الفترة الماضية، وفي خلفيته موسيقى تعبر عن الحالة المراد توصيلها. شاب آخر صنع "مزجا" تحت اسم "جيكا" جمع فيه أقوال مسجلة لصديقه الشهيد جيكا وأحاديث لأهله، مع خلفية موسيقية وأصوات اشتباكات وتعليق من الاعلامي يسري فودة. و كتب مؤلف هذه التجربة قائلا: "إليكم مزج لتراكم أصوات جيكا بداخلنا جميعا".
أغلب تلك التجارب تم تحميلها على موقع "ساوند كلاود" قبل تاريخ 30 يونيو، لذا لم تخلو من المرارة، واستخدم أحد أعمال أيمن بدر ضمن فقرات برنامج تلفزيوني شهير. وبدأت الفكرة تنطلق رويدا رويدا خارج الانترنت ، ويعلق أيمن بدر على ذلك قائلا: "جاءني عرض من مخرج مسرحي لاستخدام أحد أعمالي في عرض مسرحي معاصر، كما أن أستأذنتني إذاعات على الانترنت في بث أعمالي عدة مرات ، والآن أجهز لورشة عمل من أجل صنع مزج صوتي خاص مصاحب لعرض مسرحي عن قضية التحرش". كان آخر عمل نشره أيمن على الانترنت بعنوان "قدوس"، و هو يطرح سؤال: هل نحن في مشكلة مع الله أوصلتنا إلى هذا الطريق المسدود؟ وتصادف أن نشره ليلة فض اعتصامي نهضة مصر ورابعة العدوية، فجاءته تعليقات على الانترنت من نوعية "لماذا كل هذا الألم ؟ ألا يكفيك ما حدث من مذابح؟" مثل هذه التعليقات انفعلت بالعمل نفسه الذي ذكرها بالواقع البائس.
يستغرق صنع "مزج" واحد حوالي ثلاثة أسابيع لإعداد ملف صوتي قد يمتد من 5 إلى 25 دقيقة ، لكن تظل مثل تلك التجربة فريدة من نوعها لتوثيق مزاج الثوار بين القلق و الحنين والترقب ، هي مساحة للخيال عن طريق الاستماع، بحسب تعبير أيمن بدر ... تجربة متوائمة مع عالم مركب و متشابك، يلائم مزاج رواد الانترنت، وخاصة أصحاب التوجه الثوري.
.
الأفلام الوثائقية في هدنة إجبارية
.
انطلقت مع ثورة 25 يناير شريحة من الشباب، حملوا كاميراتهم ، وعملوا على توثيق الأحداث المتتالية في فيديوهات و أفلام وثائقية، بعضهم يعمل بشكل مستقل و بتكلفة قليلة ، بينما اعتمد فريق آخر على شركات لإنتاج أفلامه ، و استهدف الفريق الثاني بشكل كبير أن يعرض أعماله في قناة الجزيرة للأفلام الوثائقية، التي تكاد تكون المتنفس الوحيد في عالم الأفلام الوثائقية .. يواجه الفريقان الآن أزمة التوقف عن العمل بشكل مؤقت لأسباب مختلفة. على سبيل المثال أوقف البراء أشرف العمل في شركته الانتاجية خلال الأسابيع الماضية، وذلك في الوقت نفسه الذي تعمدت فيه قناة الجزيرة تكرار عرض فيلم "صناعة الكذب" طيلة الفترة الماضية ، في رسالة ضمنية إلى أن الاعلام المصري ما زال على مساوئه القديمة التي رصدها الفيلم في توثيقه للفترة الأولى من الثورة.
يقول البراء: "أتذكر في لقاء تلفزيوني جمعني مع إبراهيم الصياد، رئيس قطاع الأخبار باتحاد الإذاعة والتليفزيون، أنه أثنى على الفيلم و طرح فكرة عرضه على التلفزيون الرسمي ". و هو يوضح جانبا من الضغوط التي أصابت أبناء هذه الشريحة من العاملين في انتاج الأفلام الوثائقية والفيديوهات حين يؤكد أن أغلب العاملين في هذا المجال كانوا يستهدفون "الجزيرة" لأنها القناة الوحيدة المتخصصة في المنطقة، لكن الواقع السياسي حاليا الذي يظهر العداء ضد القناة أربك الموقف قليلا. و يستكمل البراء أشرف كلامه قائلا: "قبل أسابيع تعرض أحد أصدقاءنا في شركته لتفتيش أمني بعد توارد معلومات حول تعامله السابق مع قناة الجزيرة، مثل تلك المواقف جعلتنا ننسحب قليلا، ونحن قلقون على مستقبل هذا المجال. هناك آلاف الشباب الذين شاركوا في هذه الصناعة النامية، يتساءلون اليوم عن المستقبل".
يختلف الوضع هنا كثيرا عن شريحة أخرى من الفنانين المستقلين الذين يعملون دون اهتمام كبير بتسويق منتجاتهم بشكل دوري لدى قناة الجزيرة، غير أنهم لم يبتعدوا كثيرا عن نفس الأزمة مع الإعلام التقليدي، فبينما تستغل الجزيرة الأعمال التي بيعت لها حسب وجهة نظرها و في التوقيتات التي تحددها، نجد بعض الفنانين المستقلين والنشطاء يتعرضون لاستغلال فيديوهاتهم من فضائيات ومحطات تلفزيونية لخدمة هدف آخر، هو دعم السلطة الحالية. يكاد يكون ذلك واضحا لدى مجموعة مثل "مُصرين" التي قضى أفرادها الأعوام الماضية في تصوير وتوثيق الحركة الاحتجاجية ضد السلطة ، إذ فوجئوا في الفترة الأخيرة بأن المواد الفيلمية التي كانت تستخدم في الماضي لمعارضة حكم المجلس العسكري قد استخدمها الاسلاميون في دعايتهم ضد القوات المسلحة. وعلى الجانب الآخر استغلت بعض الفضائيات المؤيدة للسلطة الحالية بعض المواد الفيلمية من مجموعة "مُصرين"  التي سجلت معارضة لجماعة الإخوان المسلمين. تعلق سلمى سعيد، من مؤسسي "مُصرين" : "وسط هذه الصورة الضبابية، وجدنا أنفسنا وقد توقفنا لا إراديا عن تصوير المزيد من الفيديوهات، فقد اعتدنا طوال الوقت دعم الثورة والتغيير، أما الآن فالصورة ملتبسة ".
تعمل مجموعة "مصرين" بشكل غير هادف للربح، وتضم نشطاء و صناع سينما مستقلين، وأغلبهم كان قريبا من الأحداث المتتالية منذ 25 يناير حين كانت الأحداث جزء من حياتهم كنشطاء أو مهتمين بالشأن العام. أما في الوقت الحالي فبحسب تعبير سلمى سعيد "طوال الوقت كنا ندعم المسار الثوري بالتوثيق بالصورة، أما الآن فأنت بين طرفين لكل منهما آلة إعلامية قوية تعتمد على الدعاية ، فأين سنكون في هذه المرحلة ؟ و رغم ذلك زرنا و صورنا داخل المشارح ، كمحاولة لتوثيق الضحايا هناك ..".
لم يختلف الأمر مع كثير من الشباب المستقلين بالنسبة لإنتاج فيديوهات أو أفلام من ناحية الامكانيات بقدر ما أصبحت الأزمة في كيفية إيصال قناعاتهم الشخصية في ظل تلك الفترة الضبابية ، أما من يعملون بشكل تجاري، فلم يبتعدوا هم أيضا عن مشاكل المرحلة، يعود البراء أشرف ليقول : "حالة الاستقطاب التي نعيشها لن تؤثر فقط على طريقة توزيع الأفلام الوثائقية ، و لكن أيضا على مدى قابلية الضيوف في هذه الأفلام أو الفيديوهات".
أما الناشطة سلمى سعيد فتتحدث عن ضرورة الاجتماع والنقاش بين المجموعات المستقلة التي اعتمدت على توثيق الأحداث طوال الوقت، حتى تكون هناك رؤية موحدة في التعامل مع الموقف.
قد تجمع الأحداث فنان مستقل يستخدم كاميرته لخدمة فكرة يعتنقها، وفنان آخر يعمل لحساب شركة إنتاج وثائقية ، لكن في النهاية .. اتفق الجميع على هدنة الآن و إلى حين.

PDF

Wednesday, October 9, 2013

عام جامعى ساخـن..الزمالة أفسدتها السياسة


يعلم أحمد إبراهيم، طالب الفرقة الثانية فى كلية التجارة وعضو حركة 6 إبريل، أنه سيواجه عاما دراسيا مشحونا، بدا ذلك واضحا من حديثه أمام قصر الزعفران، حيث المقر الإدارى لجامعة عين شمس، فعلى بعد أمتار من هذا المكان تكررت المناوشات بين طلاب مؤيدين للرئيس السابق محمد مرسى وآخرين يعلنون تأييدهم للفريق أول عبدالفتاح السيسى. وكانت أعنف تلك المواجهات هى التى جرت فى بداية الأسبوع الثانى من الدراسة، بما أسفرت عنه من خسائر مادية.
«بالطبع سيستغل الأمن هذه الأجواء فى التضييق على النشاط الطلابى، أنا عن نفسى واجهت تضييقا حين حاولت التحرك من كلية لأخرى للتنسيق بين أبناء أسرتنا المركزية، على عكس العام الماضى حين كنا نقيم فعالياتنا بمجرد الإخطار، لقد امتدت تلك الحالة إلى بعض زملائنا فى الاتحادات الطلابية، فهم أيضا يقفون ضدنا ويخشون من أى مسيرة أو فاعلية نقيمها حتى إن كانت لهدف طلابى بحت، خوفا من الاشتباكات».
يتحدث أحمد إبراهيم طالب التجارة ومنسق العمل الجماهيرى فى أسرة «عيون الحرية» بقلق عن أجواء العام الجامعى الجديد، رغم أنه كان محاطا بزملائه أثناء تنظيمهم وقفة احتجاجية فى ذلك اليوم، رفعوا فيها لافتات من نوعية «أول محاضرة هنا فى الجامعة، أنا مش ههتف سيسى ورابعة» و«هاتوا اخواتنا من الزنازين». ومع الوقت ازداد قلقهم بشكل واضح، خشية أن تتسبب وقفتهم فى اشتباكات جديدة، إذ أصبح الصوت الأعلى داخل الجامعة لطلاب آخرين.. فى تلك اللحظة، تبادلوا عبارات مثل «الاخوان هيعملوا مسيرة دلوقت، كفاية كده يا شباب، بلاش نكلم حد تانى من زمايلنا»، وتنتهى الوقفة سريعا، ومن بعيد يظهر صوت هتاف آخر «يسقط حكم العسكر»، قادم من وقفة احتجاجية نظمها «طلاب ضد الانقلاب» الموالين للرئيس السابق محمد مرسى.
ينتمى أحمد إبراهيم وزملاؤه إلى كيان رمزى تحت اسم «طلاب تنسيقية يناير»، يضم فى داخله طلابا من حركات «6 إبريل» التى ينتمى إليها أحمد، إلى جانب حركتى «مصر القوية» و«مقاومة». ويعترف أغلب أبناء هذه الشريحة المحسوبة على الحركات السياسية والثورية أنهم فى مأزق، إذ أن الاحتجاجات قد ازدادت كثافتها من طلبة الإخوان المسلمين وزملائهم الرافضين لـ 30 يونيو، وكثيرا ما يختلط الأمر على بقية الطلاب.. يشرح أحمد قائلا: «على سبيل المثال نحن نرفع شعارات ضد اعتقال الطلاب لأى سبب سياسى، ونطالب الافراج عن المعتقلين، وقد يتشابه ذلك مع بعض مطالب مؤيدى مرسى الذين يدافعون عن معتقليهم، والمأزق أننا لا نريد أن نحسب على أحد، ولا نريد أن نواجه بمن يتشاجر معنا ظنا أننا تابعون للإخوان».
من يمكنه أن يعتدى على مسيرة «لطلاب ضد الانقلاب»؟ ولماذا يخشى بعض طلبة القوى السياسية من اتساع دائرة العنف داخل الجامعة؟ الاجابة كما يرويها عدد من طلاب القوى السياسية ينتمون إلى 6 إبريل وحزب الدستور والاشتراكيين الثوريين، أن هناك مجموعات من الطلبة، وخاصة فى الكليات النظرية مثل تجارة وآداب وحقوق، ورثوا أسرا طلابية كانت تخدم النظام القديم فى عهد مبارك وذات صلة بالأجهزة الأمنية. هؤلاء الطلاب ما زالوا يديرونها بنفس الفكر الذى يخدم سلطة إدارة الجامعة، فهم اعتادوا تأييد مبارك فى الماضى ضد المعارضين، واليوم يطمحون أن يكون الفريق عبدالفتاح السيسى محل مبارك وتعود الأجواء إلى العام 2010 مرة أخرى. يصف الاعلام هؤلاء الطلاب «بمؤيدى السيسى»، لكن هذه الكتلة الطلابية الموالية لإدارة الجامعة، والتى اعتادت إسكات المعارضة داخل الجامعة أحيانا ما تجذب إليها طلبة عاديين فتتسع دائرة القتال.
صور السيسى ومرسى ممنوعة
فى الطريق من قصر الزعفران إلى كلية الحقوق فى جامعة عين شمس، أعلنت بعض الأسر الطلابية عن نفسها عبر مكبرات الصوت، وعبر الغناء والصخب، وأحيانا ما تتحول مكبرات الصوت إلى وسيلة أخرى للاشتباك، كأن تذيع إحدى الأسر الطلابية أغنية «تسلم الأيادي» فى مواجهة مسيرة إخوانية، لذا أصدرت إدارة الجامعة مؤخرا تعليمات بمنع استخدام مكبرات الصوت ومنع دخول صور كل من الفريق أول عبدالفتاح السيسى، والرئيس السابق محمد مرسى إلى الحرم الجامعى.
فى العام الجامعى الماضى تم حل أسرة «نيو فيجن» فى كلية حقوق عين شمس، إحدى أقدم الأسر التى تعبر عن النظام الجامعى القديم، حين كانت هناك تدخلات أمنية شديدة فى الجامعة أثناء حكم مبارك. وجاء قرار الحل بعد معركة شرسة بين طلبة القوى السياسية ومشاغبين من هذه الأسرة، واختفت بعض هذه الوجوه من المشهد، لكن مع بدء العام الدراسى الحالى ووقوع اشتباكات فى الأسبوع الثانى من الدراسة داخل جامعة عين شمس، عاد الحديث عن طلبة «نيو فيجن» التى انقسمت بعد حلها إلى أسرتين إحداهما تحت اسم أسرة «فيسبوك».
«نعم، كانت هناك عناصر مشاغبة فى أسرة «نيو فيجن» القديمة ذات السمعة السيئة، لكن بعد حل الأسرة فى إبريل الماضى أسسنا أسرة جديدة بعض أعضائها من «نيو فيجن» القديمة وآخرون اتجهوا إلى أسرة أخرى باسم «تحدي». الحديث هنا لأسامة مصطفى، طالب الفرقة الرابعة ونائب الأخ الأكبر داخل الأسرة، عاش الحياة الجامعية داخل جامعة عين شمس منذ العام 2009، وحين يتم سؤاله عن فترة قبل ثورة 25 يناير، يجيب بوضوح: «هذه أيام لن تعود، كان الأمن متدخلا فى كل حركة داخل الجامعة، وكان المقربون من الحزب الوطنى هم الأفضل فى الوصول إلى كراسى الاتحاد، والحصول على خدمات للطلبة». يتحدث أسامة وحوله طلبة ما زالوا فى السنة الأولى فى الجامعة، لم يروا تلك المرحلة، لذا هو يرفض بشدة أن يتهم هو أو أسرته الجديدة أنهم امتداد للفلول والنظام القديم فى الجامعة، لكن لماذا دار الصدام العنيف بين طلاب وصفوا بأنهم «مؤيدو السيسي»، ضد طلبة موالين للرئيس السابق محمد مرسى؟ يجيب أسامة «الصراع القديم بين الأسرة المنحلة والإخوان ليس هو السبب. هناك طلبة مشاغبون فى الجامعة سواء كانوا معنا فى أسرة (نيو فيجن) القديمة أو لا».
على أرض الواقع فإن لجوء الطلبة المعادين للإخوان المسلمين بالزجاجات الفارغة وملصقات «السيسي»، يكشف عن استعداد سابق، كما أن تكرار هذه الحوادث يكشف عن نية لممارسة شريحة من الطلاب ذلك الدور القديم فى قمع المعارضة السياسية داخل الجامعة.
ويكشف تقرير «مؤشر الديمقراطية»، الصادر عن المركز التنموى الدولى، أن الأسبوع الأول من الدراسة فى الجامعات شهد 146 احتجاجا، وتصدرت جامعتا القاهرة وعين شمس عدد الاحتجاجات، وأشار التقرير إلى أن 60% من أسباب الاحتجاج كانت سياسية.

عنف كرة الثلج
توضح الأرقام ازدياد نسبة الاحتجاجات داخل جامعتى القاهرة وعين شمس حيث تتشابه الملامح قليلا، فى تكرار المناوشات بين «طلاب ضد الانقلاب» والطلبة المؤيدين للفريق السيسى، مثلما حدث فى كلية التجارة بجامعة القاهرة، عندئذ تطور الأمر إلى تحد بين اتحاد الطلبة بكلية التجارة الذى يسعى لإقالة عميد الكلية، وفى الطرف الآخر يدافع طلاب الاخوان المسلمون عن العميد بضراوة. يقول أحمد عبدالعال، رئيس اتحاد الطلبة فى كلية التجارة بجامعة القاهرة: «يشيع الطلاب الإخوان أن من يخرجون بصور السيسى هم من الطلبة الفلول وعملاء أمن الدولة أو إدارة الجامعة، وهذا غير حقيقى، هؤلاء طلبة مدرجات، وليسوا دخلاء على الجامعة.. وهذا حقهم فى التعبير عن رأيهم، المشكلة التى نواجهها هى تحول الأمر إلى العنف، لذا يعمل الاتحاد على الابتعاد عن فعاليات الإخوان قدر الإمكان». وحتى الآن ينحصر الصراع ــ حسبما تشير الحوادث المتكررة ــ بين طلبة الإخوان المسلمين أو حركة «طلاب ضد الانقلاب» المؤيدة للرئيس السابق، وفى الطرف الآخر من المواجهة «مؤيدو السيسي»، وهؤلاء هم خليط من طلاب مستقلين وطلاب ينتمون إلى «أسر طلابية قديمة تعيش بعقلية النظام الجامعى أيام مبارك، يمجدون الحاكم تقربا من مكتب رعاية الشباب التى اعتادت على هذه الشريحة من الطلبة»، على حد وصف سيد عبدالرحمن ــ عضو حزب الدستور والعضو السابق فى أسرة «الميدان» بكلية التجارة فى جامعة القاهرة.
أما الوضع، كما يصفه رئيس اتحاد كلية التجارة بجامعة القاهرة، فهو شبيه بكرة الثلج التى تتدحرج فيتسع قطرها، قد تبدأ مسيرة بثلاثة أفراد، ثم تنتهى إلى اشتباكات واسعة، وهو ما يؤكد أن طلبة هذا العام مقبلون على عام دراسى ساخن.
.
معتقلون فى انتظار المساندة
.
أنس سلام وفاطمة رجب يخدمان القضية نفسها، وهى مناصرة الطلبة المعتقلين بهدف تسهيل خروجهم ومتابعة دراستهم الجامعية، وبينما كان أنس سلام ــ نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة قناة السويس ــ أحد أولئك الشباب الذين قضوا أسابيع فى اعتصام رابعة العدوية، فإن فاطمة رجب ــ أمين اللجنة السياسية والثقافية باتحاد طلاب جامعة القاهرة ــ قد اختارت دعم قضية المعتقلين رغم اختلافها فكريا معهم، إذ ينتمى أغلبهم إلى أنصار الرئيس السابق محمد مرسى.
يعمل أنس بشكل فردى تماما، وقد خصص مساحات دائمة من وقته لتوثيق أسماء المعتقلين والمتوفين منذ فض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر، وهو مستمر فى مهمته حتى الآن، رغم ازدياد أعداد المعتقلين والقتلى بعد كل اشتباك.
«الحقيقة أنا أعتمد على علاقاتى مع القواعد والأسر الطلابية، وهناك من يتعاون معى من طلبة الاتحادات فى مختلف جامعات مصر، ولا أعتمد بشكل مباشر على دعم المراكز الحقوقية». يستطيع أنس أن يوثق تلك الأرقام منفردا بمساعدة أصدقائه، مستغلا قدرته على الوصول السريع إلى الطرف الأكثر تضررا من أبناء جماعة الإخوان والمتضامنين معهم، رغم تأكيده على حياده وأنه ليس جزءا من حركة «طلاب ضد الانقلاب».
تشير آخر التقديرات أن عدد الطلاب المعتقلين يتجاوز المائة طالب، ويزداد الرقم مع تجدد أحداث العنف، وتكمن صعوبة حقيقية فى رصد من تم الافراج عنهم، بسبب تعنت الأجهزة الأمنية أحيانا، على حد قوله.
يرى أنس سلام أن من حق حركة مثل «طلاب ضد الانقلاب» المعادية لكافة إجراءات ما بعد 30 يونيو أن تعبر عن رأيها، ما أن من حقهم الدفاع عن زملائهم دون تضييق. وعلى الجانب الآخر ترى فاطمة رجب، بحكم تواجدها فى جامعة القاهرة الأنشط فى العمل على ملف المعتقلين، أن كثافة الاحتجاجات التى تتبناها حركة مثل «طلاب ضد الانقلاب» تمثل عبئا ثقيلا على أزمة الطلاب، إذ تكتفى تلك المسيرات بالصخب دون الاحتكاك المباشر مع المسئولين والتفاوض معهم. وتعلق على ذلك قائلة: «تحدثت مع بعضهم فى الجامعة، وحاولت توضيح وجهة نظرى فى أن هذا العمل الاحتجاجى الذى يتسبب أحيانا فى اشتباكات مع بقية الطلاب لن يخدم القضية، ويمثل تشويشا عليها، فى حين أننا داخل اتحاد طلاب مصر واتحاد جامعة القاهرة نمارس ضغطا على الادارة الجامعية، والمسئولين خارجها مثل وزير الداخلية أو النائب العام».
تلك المحاولات التى تشرحها فاطمة، لا يصاحبها مبادرات واضحة المعالم بين الطلاب أنفسهم من أجل خدمة هذه القضية، أو على حد قولها: «الأزمة أن هذه القضية مسيسة تماما، فالطلاب الإخوان ومؤيدوهم قد اعتنقوا فكرة التظاهر، أما القيادات الطلابية من الطرف الآخر فأحيانا ما نسمع منهم عبارات مثل: ليأخذ القانون مجراه، دون أن يدافع عن زملائه، ويظهر هذا واضحا حين يجتمع الطرفان فى أى مبادرة، فنجد اتهامات متبادلة وأجواء مشحونة دون فائدة».
فى خلفية كل هذه المحاولات التى تبدو فردية أحيانا، وفى حالات أخرى ترعاها إدارة الجامعة، يبدو واضحا تأثير الانشقاق الذى أصاب المكتب التنفيذى لاتحاد طلاب مصر، حين صدر قرار بفصل خمسة أعضاء مؤيدين للرئيس السابق محمد مرسى، ظهروا فى وقت سابق على منصة رابعة العدوية، وتحدثوا باسم الاتحاد ودعم الرئيس المعزول.
على سبيل المثال تلقى أنس سلام إخطارا بتحويله للتحقيق، وإسقاط عضويته فى اتحاد طلاب مصر، لكنه يرفض هذا القرار، فهل تؤثر هذه الأجواء بشكل مباشر على خدمة قضية المعتقلين؟ إجابة أنس: «هناك تقصير فى مثل هذا النوع من التنسيق، لكن السبب الرئيسى أن الطلبة يرون أن الرافضين لـ 30 يونيو هم فقط من الإخوان، وأنا أرى أن هناك شريحة أكبر ترى هذا التاريخ بداية لانقلاب عسكرى».
الصورة ليست تعيسة كما تبدو، إذ تبنت إدارة جامعة القاهرة فى وقت سابق هذه القضية، وكذلك فعلت جامعة الأزهر، إذ أعلن الدكتور أسامة العبد ــ رئيس جامعة الأزهر ــ عن تشكيل لجنة للدفاع عن طلابها المعتقلين فى أحداث سياسية، رغم أن الدراسة لم تبدأ بعد فى جامعة الأزهر.
وتختم فاطمة رجب حديثها: «بإمكانك أن تنجح فى تحسين وضع زملائك داخل السجون بعد زيارة إلى وزير الداخلية، أو أن تنجح فى متابعة حالاتهم وتوفير فرصة لطالب ينتظر الامتحان، لماذا نخسر مثل هذه الفرصة؟». حتى الآن ليس هناك جهد موحد لنفس القضية، بل ما زال كل يعمل بطريقته.
.
 خريطة المستقبل للانتخابات الطلابية
.
تكشف نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية بالجامعات فى العام الماضى عن ثلاث كتل رئيسية هى التى تتصدر المشهد، وتنقسم بين «مستقلين»، و«إخوان مسلمين وأنصارهم»، و«تيارات سياسية وقوى ثورية». وحتى هذه اللحظة لم تطرأ تغييرات على هذه الاتحادات، عدا ما تعرض له بعض طلبة الإخوان المسلمين من فصل وتحقيقات إدارية. وفى الوقت الذى يجرى فيه العمل على تعديل اللائحة الطلابية تمهيدا لإقامة انتخابات طلابية قريبا، فإن موقف طلبة الإخوان المسلمين يبدو فى وضع أسوأ من العام الماضى. على سبيل المثال صدر العام الماضى تقرير من «مؤسسة حرية الفكر والتعبير» تحت عنوان «تراجع الإخوان وصعود قوى طلابية جديدة حول الانتخابات الطلابية 2013»، أشار التقرير إلى تراجع كبير وغير متوقع لطلاب الإخوان المسلمين فى نتائج الانتخابات النهائية، وتقدم الطلاب المستقلون وطلاب القوى السياسية عليهم، أما الآن فإن عددا من القيادات الطلابية الإخوانية قد تعرض للاعتقال وآخرون اندمجوا فى حركة «طلاب ضد الانقلاب»، ما قد يجعل كتلة الإخوان وأنصارهم خارج المنافسة تماما.
«لو أجريت الانتخابات الجامعية الآن سيواجه طلبة الإخوان المسلمين وأنصارهم أزمة حقيقية، ومن الواضح أن المنافسة القادمة ستكون بين المستقلين وتيار القوى السياسية». التحليل هنا لمحمد ناجى محمد ناجى، الباحـــــــــث ببرنامـــــــــج الحــــــــرية الأكاديمية بمؤسسة الحرية الفكر والتعبير». ويصف ناجى مصطلح «الطلاب المستقلين» بأنه غير دقيق، فهذه الشريحة ليست مستقلة تماما، إذ أنها أحيانا ما تدخل فى تحالفات سواء مع التيار الإسلامى أو مع الحركات السياسية. كذلك فإن هناك شريحة تنتمى إلى أسر طلابية ذات سمعة سيئة معروفة بصلاتها الأمنية خلال فترة حكم مبارك، وهى نفسها الشريحة التى تصف نفسها بأنها مستقلة، لكن لها حسابات مع إدارة الجامعة وشديدة الصدام مع الطلبة المسيسين. ويستكمل محمد ناجى قائلا: «نتوقع استبعادا سيحدث لطلبة الإخوان المسلمين تحت دعوى الخروج على السلوك القويم، أو بسبب تعرض قياداتهم الطلابية للتحقيق أو الاعتقال، وربما يكون ذلك أيضا حسب اللائحة الطلابية».
ووفقا للخطة المعلنة فإن اللائحة الطلابية سيتم الانتهاء منها فى شهر أكتوبر الحالى، على أن تجرى الانتخابات الطلابية فى شهر نوفمبر المقبل، غير أن عددا من القيادات الطلابية قد توقع أن يتم تأجيل الانتخابات حتى تهدأ الجامعات من الاشتباكات.
وسط هذا المشهد فإن الطلبة المحسوبين على الحركات السياسية والثورية، سيواجهون معركة صعبة فى الانتخابات المقبلة أيا كان موعدها، إذ يعيش بعضهم حالة من العجز عن المشاركة الكاملة فى الجامعة بسبب التوترات المتتالية، وحتى إذا ما تبنوا قضايا مثل مساندة الطلبة المعتقلين، ورفض التدخلات الأمنية فى الحياة الجامعية فإنهم قد يواجهون باتهامات بأنهم موالون لطلبة الإخوان المسلمين، ويتم تصنيفهم فى معسكر واحد مع طلبة الإخوان.
يختم الباحث محمد ناجى قائلا: «المهرب الوحيد أمام القوى السياسية فى الجامعات أن يركزوا على القضايا الطلابية البحتة، مثل دعم طلبة المدن الجامعية فى مشاكلهم المتكررة، أو مواجهة ازدياد مصروفات بعض الكليات وغيرها من المطالب، وهذا ما يعمل عليه بعضهم الآن».