Tuesday, December 19, 2006

زمن سعد الصغير

عبدالرحمن مصطفى
سعد الصغير... ما سر هذا المغني..؟ ما الذي يجعل أغانيه رائجة بين كاسيتات عربات الميكروباص والدراجات البخارية..؟ ولماذا أصبحت أغانيه ضيفا تقليديا على حفلات الأفراح وافتتاح المحلات وغيرها..؟! قد تجد أغنياته في أفراح الطبقات الغنية، أو على جهاز كمبيوتر شاب من أبناء الطبقة المتوسطة، أو على لسان أحد أبناء الطبقات الفقيرة وأصحاب الحرف، ورغم ذيوع أغانيه بين أوساط الشباب، إلا انه من الصعب اعتباره ظاهرة شبابية، بقدر ما هو ظاهرة اجتماعية.. ما سر هذه الظاهرة ودلالاتها الاجتماعية، وهل عبرت عن تغييرات اجتماعية في المجتمع المصري.. والقاهري على وجه الخصوص..؟!
زمن ولاد البلد
عندما ظهر المغني الشعبي "أحمد عدوية" على الساحة الغنائية أواخر الستينات لاقى انتقادات حادة حول نوعية أغانيه، ورغم ذلك كان "عدوية" يمثل ثقافة لها جذورها، وهي ثقافة "ابن البلد"، ابن المدينة، ولأجل ذلك لم يكن غريبا أن يقول الكاتب الراحل "نجيب محفوظ" ممتدحا صوته أن "عدوية" صوت يعبر عن الحارة المصرية، "نجيب محفوظ" ابن حي الجمالية العتيق والروائي العالمي الذي عبر عن الحارة المصرية القاهرية بما تحمله من عبق تاريخ ألف عام لم يكن وحده من امتدح هذا الصوت.. الموسيقار الراحل "محمد عبدالوهاب" ابن حي باب الشعرية العتيق هو الآخر اعترف بحسن أداء "عدوية"، حتى في مجال التمثيل علق الفنان "عادل إمام" ابن حي الدرب الأحمر – أحد أحياء القاهرة الفاطمية - ممتدحا فن "عدوية".
كل هؤلاء امتدحوا فنا عبـَّر عن روح القاهرة بميراثها الراسخ، وعبـَّر بوجه عام عن الفن الشعبي للمدينة، وكان هناك إلى جانب ذلك من يؤدي أيضا الفن الشعبي الريفي بصورته التقليدية .
غير أنه من الواضح أن "عدوية" كان آخر من عبـَّر عن ثقافة أولاد البلد.. أبناء المدينة، من خلال فن الغناء، ليترك مساحة يتقدم إليها فن جديد من نوع آخر.. يجمع بين فنون المدينة والريف معا.
زمن العشوائيات

كثير من المناطق العشوائية في القاهرة إما أن تكون ذات جذور ريفية انتقل إليها العمران حديثا فأصبحت جزءا من المدينة، أو أن تكون مناطق زحف إليها سكان الريف، فاتخذت طابعا جديدا، لا هي تحمل الثقافة التقليدية للمدينة ولا تحمل ثقافة التقليدية للريف، وتقدر بعض الإحصاءات نسبة سكان العشوائيات بأنها تمثل ثمانية ملايين نسمة على مستوى الجمهورية.
في العشوائيات والأحياء الفقيرة هناك مغنون شعبيون قد ازدادوا نفوذا.. وعبـَّروا عن تلك الثقافة الجديدة، في أجواء تفخر بأصولها الريفية في سرادقات الأفراح وغيرها، لذا كان لابد أن يظهر لون فني جديد يعبر عن تلك الروح إرضاء لأبناء هذه الثقافة. "سعد الصغير" أحد هؤلاء الذين عبـَّروا عن تلك الروح الجديدة، كان طموحه حسبما أعلن أن يكون في البداية معروفا في القاهرة والإسكندرية، كان يفتخر بان سائقي الميكروباص هم أول من شجع غناءه، وتربى "الصغير" على موسيقى تلك المناطق حيث تختلط إيقاعات وموسيقى الأغاني الريفية التقليدية من أغاني الأفراح والذكر الديني مع الموسيقى الحديثة.. بدأ كعازف إيقاع في تلك الأفراح.. كان أحد هؤلاء الشباب الذين تراهم في الأفراح الشعبية مهمتهم توصيل التحيات عبر الميكروفون بين الحضور بصوته الصاخب، ويسخن أجواء الفرح، ويلقي القفشات، لا مانع من أن يحرج أحد الضيوف ممن يطمحون في إثارة الفوضى.. تلك المهنة الموجودة في الأفراح، أقرب لمهنة الـجوكي "D.J" في صالات الديسكوتيك رغم الفارق بين المهنتين . وتعد هذه الشخصية في الأفراح بؤرة اهتمام وملتفة للأنظار، حيث أن له مهمة أمنية في حفظ التوازن في الفرح، ومهمة ترفيهية حين يسعى لتسخين أجواء الحفلات.
مزيد من الغلظة
" الحمد لله أنا في منطقتي عضو مجلس شعب .. الناس كل يوم بتقصدنى عشان أحل لهم مشاكل أو أشوف حد منهم في أقسام الشرطة." هكذا تحدث سعد الصغير في أحد حواراته الصحفية وكأنه يحمل أعباء عضو مجلس الشعب أو عمدة القرية مبرزا أهميته بين أبناء منطقته. في مناطق تحل فيها المشاكل بعيدا عن السياق الطبيعي، وتقل فيها قبضة الحكومة المركزية، أحيانا ما تحل المشاكل بطرق أخرى، فتصبح صورة الشاب الفظ مفضلة لدى البعض، خصوصا في أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة، "سعد الصغير" الذي ظهر في أحد البرامج الفضائية الشهيرة، أفصح لمقدمة البرنامج "هالة سرحان" عن استخدامه للشتم داخل أجواء عمله كنوع من المرح وإضفاء حيوية على حياته.. ليعبر بذلك عن فئات قد تشعر بها في شوارع القاهرة، حين تخترق أذانك عبارات بذيئة أو تواجهك ممارسات تحوي نوعا من البلطجة تجاهك.. فلا عجب أن يكون "سعد الصغير" النجم المفضل لفئات تمارس هذه السلوكيات.أمر آخر.. عن ممارسة "الفهلوة" وخطف نجاحات الآخرين، كاستمرار في سلوك فرض القوة الآخذ في الانتشار في شوارع المدينة.. كان "سعد الصغير" أحد من عبـَّروا عن هذه النزعة بصورة فنية، عندما نقل جملا لحنية شهيرة أدتها إحدى الفرق الغنائية الشعبية تحت عنوان "المولد" وأضافها إلى أغاني فيلمه "لخمة راس"، وكرر نفس الموقف في فيلمه الأخير"عليا الطرب بالتلاتة" عندما استعان بأغنية "العنب.. العنب" عن أحد المطربين المغمورين، وأضاف إليها جملة غنائية عن مطربة شعبية تدعى "شفيقة"... وفي آخر لقاءات "سعد" التلفزيونية برر هذا التصرف بأن هذه الجمل هي في الأصل بدون مؤلف فهي كجمل فلكلورية تستخدم في الأفراح، ولم يبتعد "سعد" كثيرا عن الحقيقة، ففي أجواء الأفراح تغنى كل الأغاني، وتعزف كل الجمل ويتبادلها الجميع، إلا أن هذا لا يبرر خطف نجاحات آخرين ممن لم يستطيعوا الوصول إلى الإعلام، فيقدم نفسه بتلك الأعمال في الوسط الفني .
والملاحظ أن أغلب تلك الجمل أو الأعمال الموسيقية ذات ملمح غنائي ريفي، وأن ما مارسه سعد هو تكرارا لما يتم داخل أجواء مغنيي الأفراح عندما يتم إعادة غناء أغاني شهيرة على الطريقة الخاصة بأغاني الأفراح الشعبية مثلما سيفعل "سعد" في فيلم العيد القادم "قصة الحي الشعبي" مع إحدى أغنيات الراحلة أم كلثوم .
رجل هذا العصر
في وقت تحتاج فيه شريحة كبيرة من المجتمع المصري – والقاهري على وجه الخصوص – إلى من يمثلها فنيا ويعبر عن ثقافة جديدة هجينة تجمع بين ثقافتي المدينة والريف، كان "سعد الصغير" من يمثل هذه الثقافة فنيا عبر وسائل الإعلام المختلفة، ليعلن بذلك عن اضمحلال ثقافة ابن البلد القاهري التقليدية، وما تحمله معها من ميراث قرون طويلة .
جاء "سعد الصغير" ليقدم فنا اختلطت فيه فنون الريف مع الفن الشعبي التقليدي للمدينة، لم يخجل أن يكون فجا أو أن يرقص بابتذال مثلما يفعل الكثيرون في عشوائيات العاصمة، لم يستنكف أن يغني لـ"العيال البيئة الطحن"، كأنه يلعب على وتر اجتذاب شباب تلك الثقافة الجديدة الذين يحتشدون في الأعياد أمام صالات العرض السينمائية انتظارا لأفلامه، ولا مانع أن يمتعوا أبصارهم براقصة ترقص بصورة فجة هي الأخرى على أنغام "الصغير" مثلما اعتادوا أن يفعلوا في سرادقات الأفراح التقليدية .
يؤدي "سعد" دوره ليمثل متنفسا للشباب الذين وجدوا من يغني على الملأ في أحد أفلامه "للبيئة" أي الشباب متواضع الحال أبناء العشوائيات والأحياء الفقيرة الذين لم يعيشوا كشباب ريفي محافظ، ولا كأبناء مدينة تقليديين، ووجد هؤلاء في "سعد الصغير" شاب مثلهم يتحدث بفجاجة دون حرج، يخطف نجاحات آخرين بفهلوة يمارسها بعضهم في أعماله، ويبررها دون خجل.
ليس من العجيب أن تظل أغاني "سعد" هي المفضلة لدى تلك الفئات، وأن تتردد أغانيه في الورش والميكروباصات، وكاسيتات الدراجات البخارية، وغيرها... فهو قبل أن يكون ظاهرة غنائية هو ظاهرة اجتماعية.
قد يعتبر البعض ظهور تلك الثقافة إعلانا لوفاة ثقافة المدينة التقليدية وفنونها، وعلو شأن ثقافة أخرى هجينة تجمع بين ثقافتي الريف والحضر، لكن..يظل "سعد الصغير" أهم من قدم هذه الظاهرة الاجتماعية فنيا، ليجتذب حوله العديد من الشباب المتعاطفين معه من أبناء نفس الثقافة.

Wednesday, October 18, 2006

الحقبة الناصرساداتية

الفجوة الواسعة بين سياسات الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، كانت سببا في تقديم مصطلحي الناصرية والساداتية على أنهما مصطلحين متضادين، إلا هذا لم يمنع أن هناك فترة مقتطعة من مدتي حكم كل منهما عبرت عن مرحلة انتقالية مابين السياسات الناصرية والسياسات الساداتية، وهي الفترة الواقعة بين هزيمة يونيو 1967 حتى نصر أكتوبر 1973، حيث كانت أشبه بمرحلة انتقالية بين عهد الثورة العربية وعهد السلام مع العدو.

من أهم ملامح تلك الفترة:

1- تغير موقف مصر من قوى (الرجعية) العربية

كان تاريخ الخامس من يونيو 1967 نقطة تحول في سياسات جمال عبدالناصر، فبعد أن كان الهدف الرئيسي في علاقاته العربية هو القضاء على النظم الرجعية – وهي القوى العربية المؤيدة للغرب الاستعماري حسب تعبير الثورة المصرية وقتها – تحول هذا الهدف إلى تعبئة الموارد العربية من أجل استعادة الأراضي التي احتلت عام 1967، ويقول الرئيس الراحل أنور السادات في كتابه "البحث عن الذات" كشاهد على الأحداث أن جمال عبدالناصر " قد أخذ درسا حين رأي أن الذي وقف إلى جانبه بعد الهزيمة سنة 1967 كانوا من ظل طوال حياته يصفهم بالرجعية مثل السعودية والكويت والملك السنوسي ملك ليبيا.فهم الذين دعموه بالمال بعد الهزيمة..".
إذن فنحن هنا بصدد تحول في تعامل جمال عبدالناصر مع النظم العربية، فقبل عام 1967 كان التعامل مع النظم العربية تعاملا انتقائيا، ثم تبدل الحال، وبدأ التعاون يجد سبله مع جميع الأطراف العربية دون تمييز، وذلك من أجل دعم المعركة، فلم يكن هناك مجال لتبديد الطاقات العربية في صراعات من أي نوع، وتلك السياسة هي التي سار عليها خليفته السادات حتى تحقق النصر في معركة العبور عام 1973، وهو ما مهد له فيما بعد أن يرسخ سياسات ساداتية مستقلة في النصف الثاني من فترة حكمه.

2- الدخول في مشروعات وحدوية دعما للمعركة

كان من ملامح تلك المرحلة أن دخل الرئيس جمال عبدالناصر في اتفاقات وحدوية مع الثورات والأنظمة العربية الشابة، وذلك رغم ما وقع سابقا من إخفاق في مشروع الوحدة العربية الشهير مع سوريا (1958 – 1961)، إلا أن توقيع مصر لاتفاقات وحدوية جديدة كان لهدف آخر.. فقد أصبح جمال عبدالناصر مضطرا لتوقيع تلك الاتفاقات بغرض الحصول على دعم للمعركة المقبلة، وتهيئة للجبهة العربية بشكل عام. على سبيل المثال وتحديدا على صعيد العلاقات الوحدوية مع الثورة الليبية كان من المتوقع أن يكون في ليبيا أسراب من طائرات الميراج الفرنسية جاهزة للاستخدام بحلول عام 1973، وهي الصفقة التي تمت تحت أعين الحكومة المصرية في ختام عهد جمال عبدالناصر، وبالفعل شاركت بعض هذه الطائرات في حرب اكتوبر على عهد الرئيس السادات 1973، وهو ما يفسر لنا استمرار الرئيس السادات بعد وفاة جمال عبدالناصر عام 1970 في نفس المشروع الوحدوي رغم عدم التوافق مع الجانب الليبي الذي بدأ في التأفف من عدم وجود وحدة شاملة بين البلدين، وهو ما مثل بداية للتدهور في العلاقات، وانتهى بإعلان الرئيس القذافي اعتراضه على حرب أكتوبر أثناء دوران المعارك.
إذن فقد كان لتلك الاتفاقات الوحدوية أهدافا استراتيجة وعسكرية لدعم المعركة، كذلك كان الأمر مع الاتفاقات الوحدوية مع السودان، أو سوريا حيث كان لها أهدافا عسكرية تسبق الأهداف السياسية التي أعلنها عبدالناصر في البداية عن "تجديد دماء الثورة العربية"، أو التي كان يقدمها السادات على أنها دعم للعمل الوحدوي العربي، فهي في حقيقة الأمر كانت خدمة للمعركة.

3- قبول التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية

ملمح جديد في سياسة الرئيس جمال عبدالناصر ظهر عقب هزيمة يونيو 1967، وتحديدا في ختام حرب الاستنزاف. وهو قبوله فكرة التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عند تعامله مع مبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي وما أعقب ذلك من وقف لإطلاق النار على الجبهة الشرقية، وهو الملمح الذي امتد في فترة حكم الرئيس الراحل السادات عندما تعاون مع دول عربية ذات صلات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إضافة إلى اتجاهه إلى عدم الاعتماد الكامل على الاتحاد السوفيتي، وطرد الخبراء السوفيت من مراكزهم الحساسة في البلاد، بعد أن تيقن أنهم لن يقدموا له الدعم المطلوب في المعركة، هذا إلى جانب اعترافه بدور الولايات المتحدة الهام في الشرق الأوسط.
لقد كانت المعركة والحرب الفاصلة هي المحرك الرئيسي لسياسات كل من الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات في تلك المرحلة. ومع انتهاء حرب أكتوبر 1973، ووقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات سيناء العسكرية، والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم توقيع اتفاقيات السلام، تبدأ مرحلة تعبر بحق عن سياسات ساداتية جديدة اختلفت عن السياسات القديمة، وهو ما أسفر عن انقلاب العديد من الحكومات العربية على الرئيس السادات تدريجيا كلما اتضحت سياساته الجديدة، فنتج عن ذلك صدامات مع أصدقاء المرحلة (الناصرساداتية) كليبيا وسوريا والعراق والدول التي تحولت إلى "جبهة الصمود والتصدي"، والتي نجحت في إخراج "مصر الساداتية" من جامعة الدول العربية.

لذا فإن الفترة من عام 1967 – 1973 هي بحق فترة انتقالية بين العهد الناصري قبل هزيمة يونيو 1967، والعهد الساداتي عقب نصر أكتوبر 1973، ففي تلك الحقبة تخلى جمال عبدالناصر عن سياساته ضد الإمارات والممالك والحكومات العربية التي كان يصفها بالرجعية، وتخلى عن فكرة عدم التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي تلك الحقبة أيضا حاول السادات صنع توازن في العلاقات بين الدول العربية التي كانت توصف بالرجعية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ونظم عسكرية وثورية عربية، وذلك كاستمرار في سياسة التعاون مع جميع الأطراف العربية خدمة للمعركة المقبلة ضد إسرائيل، ولم يعلن السادات عن ميله نحو الولايات المتحدة أو ولا عن قبوله فكرة التفاوض الجدي إلا متأخرا، واستمر فيما تركه له جمال عبدالناصر من ميراث، حتى أظهر سياساته (الساداتية) الخالصة في النصف الثاني من مدة حكمه بعد أن تحقق نصر أكتوبر1973.

إن نهاية عهد جمال عبدالناصر، وبداية عهد أنور السادات، مابين الهزيمة والنصر، هي مرحلة وسط بين المرحلة الناصرية والمرحلة الساداتية، والتي يصح أن نسميها (الحقبة الناصرساداتية)ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيلاف، 2، 3، 4

Thursday, October 5, 2006

الاخوان ينخرطون في الحياة الجامعية..من بابها العريض

التيارات الاسلامية المصرية حددت قواعدها

عبدالرحمن مصطفى من القاهرة : بعيدا عن قاعات الدراسة والمحاضرات، وصخب العام الجامعي الجديد، كان اللقاء مع ظاهرة "التيار الإسلامي" داخل الجامعات، حيث اكتست هذا العام حلة جديدة عقب الصعود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، فكانت الأجواء كلها تشير إلى أننا أمام لحظة فاصلة في تاريخ العمل الطلابي "الإسلامي"، فشعارات الجماعة على جدران الجامعة، وتعبير "طلاب الإخوان المسلمين" أصبح البديل الحقيقي عن تعبير "التيار الإسلامي" – التقليدي - الذي ندر استخدامه في اللافتات الدعائية.. حتى أصبح التحول في سياسة التيار الإسلامي في الجامعة، هو أهم ملامح العام الجامعي الجديد .

شهد الأسبوع الأول من الدراسة نشاطا مكثفا للأسر الطلابية لاجتذاب الطلاب الجدد، ففي جامعة القاهرة كانت كليات التجارة والآداب ودار العلوم هي الأكثر ترويجا للأنشطة الطلابية في ساحات الجامعة، على عكس كليات أخرى تركز نشاطها داخل المباني فقط، في تلك الأجواء كان "طلاب الإخوان المسلمين" هم الأكثر بروزا بين العديد من الأسر.
دعاية التيار الإسلامي –طلاب الإخوان المسلمين- تمثلت في العديد من الوسائل، فقامت الطالبات في الأسبوع الأول باستقبال زميلاتهن وتقديم الإرشادات والدعم الطلابي لهن، إلى جانب إقامة معارض للكتيبات الدينية، ولم يجد بعض الشباب حرجا في أن يضع بطاقة على صدره مكتوب عليها "طلاب الإخوان المسلمين" ليمارس دوره في الترويج للتيار الإسلامي بحرية في الوقت الذي كانت فيه اللافتات الدعائية تقوم بدورها في ساحات الجامعة وعلى أبنيتها.
مع الأسبوع الثاني من الدراسة اختفت تلك المظاهر تدريجيا عدا الملصقات الدعائية التي ملأت جنبات الجامعة، وكان أشهرها ملصقات حملة "بنات محمد". وتقول إحدى طالبات التيار الإسلامي عن الحملة أن وراءها أسرة طلابية تدعى "زهرة الغد" تمثل طالبات التيار الإسلامي وشابات الإخوان المسلمين، وتستهدف الفتيات المسلمات لأغراض دعوية، أما الكلية الوحيدة التي لم تكتف بالملصقات الدعائية وتمسكت ببقاء اللافتات خلال الأسبوع الثاني من الدراسة فهي كلية دار العلوم، حيث أقام "طلاب الإخوان المسلمين" معرضا طلابيا في مدخل الكلية، وتعد دار العلوم أحد معاقل التيار الإسلامي حيث يدرس طلبتها العلوم اللغوية والشرعية.

إحدى اللافتات التي انفردت بها كلية الآداب، كتب عليها "مقر طلاب الإخوان المسلمين"، هناك أخبرنا محمود أن تعبير "طلاب الإخوان المسلمين" هو الممثل الحقيقي الآن للتيار الإسلامي في الجامعة، التقينا بعدها محمد سعيد ممثل طلاب الإخوان المسلمين في كلية الآداب، يقول محمد : " في البداية أريد أن أوضح ان هذا المقر ليس أسرة طلابية، ففي كل كلية يوجد مقر يجتمع فيه طلاب الإخوان المسلمين، ويجرى انتخاب ممثلين عنهم كل عام، وتضع كل مجموعة أنشطتها حسب رؤيتها الخاصة، إلا أننا نجتمع سويا في بعض الأحداث التي تستلزم اتخاذ موقف موحد بخصوص حدث أو مناسبة".. وعن أهم أنشطة طلاب الإخوان المسلمين يتابع محمد : " لعل أهم ما يميز أنشطتنا هو الجانب الخدماتي، فنحن نعد لمشروع إعداد حقائب رمضانية ومساعدات يتم توزيعها على آلاف الفقراء والعمال، إلى جانب الأنشطة التقليدية في خدمة الطلاب، و ترتيب المسيرات والاحتفاليات " .
على جانب آخر أكد أن إدارة الجامعة تقف موقف الحياد من أنشطتهم، ولاتوجد مواجهات حادة بين "طلاب الإخوان المسلمين"، وإدارة الجامعة أو الأمن حتى الآن .
وعلى عكس جامعة القاهرة الأكثر اتساعا لم يشهد الحرم الجامعي لجامعة عين شمس منافسة دعائية قوية بين الأسر المختلفة، حيث لم ينافس الأسر الطلابية الإسلامية في جذب انتباه الطلاب إلا نشاط الجوالة، حيث أقامت أسر الجوالة في الكليات المختلفة مقارا مميزة، حيث أكد الطالب أحمد رضا رائد عشيرة الجوالة في كلية الحقوق أن مقر أسرة الجوالة -المسمى "سفينة الجوالة" - هو أكثر ما يميز أسر الجوالة عن بقية الأسر حيث يصنعه الطلاب مستخدمين الحبال والأعمدة الخشبية فقط..!، ولم ينافس جوالة كلية الحقوق في جذب انتباه المارة إلا إحدى الأسر الطلابية التي وضعت لافتتها في واجهة الكلية تحت توقيع "طلاب الإخوان المسلمين".
أسرة أخرى كانت تقدم نفسها في الأعوام السابقة على أنها تمثل "التيار الإسلامي" أصبحت تذيل لافتاتها اليوم بتوقيع "طلاب الإخوان المسلمين"، وفي مدخل كلية الآداب في جامعة عين شمس كانت تقيم احتفالية بمناسبة شهر رمضان، هناك استقبلنا الطالب إسماعيل خطاب الذي أكد أن تحول شعار "طلاب التيار الإسلامي" إلى "طلاب الإخوان المسلمين" يعبر عن واقع حقيقي لأن "طلاب الإخوان المسلمين" هم ممثلي التيار الإسلامي في الجامعة، ويقول إسماعيل : "تعمل أسرتنا في نطاق العمل الطلابي الإسلامي العام الذي يعتمد على الخدمة الطلابية، والدعوة الإسلامية، وهذا الشق الأخير هو ما جعل كافة الأسر الطلابية الإسلامية غير مسجلة لدى الجامعة، وتعمل على مسئوليتها الخاصة، حيث تمنع لائحة الجامعة أن تقام أسرة طلابية على أساس طائفي أو عرقي.. وما زلنا نحاول تسجيل أسرتنا التي يتجاوز عمرها السبعة عشر عاما".
على صعيد آخر فلطلاب الإخوان المسلمين مواقع تمثلهم على شبكة الانترنت، أشهرها موقع "كل الطلبة" الذي يقدم نفسه على أنه موقع "طلاب جامعة القاهرة" بينما هو في حقيقة الأمر يعبر عن "طلاب الإخوان المسلمين" مثلما تشير الملصقات المنتشرة داخل الجامعة، أما موقع "جامعة أونلاين" فيعلن صراحة أنه يمثل طلاب الإخوان المسلمين في جامعة الإسكندرية، وموقع "شمساوي" ممثلا عن جامعة عين شمس الذي حرص مؤسسيه ألا يشيروا إلى هويته الأصلية.
الجدير بالذكر أنه خلال فترة المد الديني التي شهدتها سبعينيات القرن الماضي، عرف التيار الإسلامي داخل الجامعات بالجماعة الإسلامية، وكان يضم وقتها عدة أنماط، ما بين سلفيين وجهاديين ومتدينين تقليديين، إلى جانب شباب جماعة الإخوان المسلمين، وفي عقد الثمانينيات اتخذ طلاب الإخوان المسلمين تعبير "التيار الإسلامي" لأنفسهم ابتعادا منهم عن تعبير "الجماعة الإسلامية" الذي ارتبط بالعنف لدى الجماهير .. إلا أن مصطلح "التيار الإسلامي" ظل لفترة طويلة مصطلحا فضفاضا، ينجذب إليه الكثير من المتدينين، ومع النقلة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين العام الماضي تم إعلان شعار الجماعة وهويتها داخل الجامعات.
وتمتاز أنشطة التيار الإسلامي الطلابية بالجانب الدعوي، وهو ما دفعهم إلى استخدام شعار "دعوة إسلامية ..خدمة طلابية"، وقد أوجد النشاط المكثف لطلاب الإخوان المسلمين صدامات مع إدارة الجامعة في عدد من الجامعات، فقد شهد العام الماضي أجواء ساخنة عندما احتج طلاب الإخوان المسلمين على قيام إدارة الجامعة بشطب مرشحيهم من قوائم انتخابات اتحاد الطلاب، وهو ما دفعهم إلى القيام بانتخابات موازية أعلنوا فيها قيام "الاتحاد الحر" كبديل عن اتحاد الطلبة الرسمي، وامتدت التجربة لتقام في عدد من الجامعات الأخرى.
وبعيدا عن أنشطة التيار الإسلامي، فقد أقام الحزب الوطني – الحاكم – بدعم من الصندوق الاجتماعي للتنمية في بداية هذا العام الجامعي معرضا لمستلزمات الطلبة يستهدف طلاب جامعتي القاهرة وعين شمس، وحملت إعلانات المعرض شعار "الشباب الوطني.. دايما معاك"، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول منافسة غير معلنة بين جماعة الإخوان المسلمين والحزب الوطني الديمقراطي للفوز بالكعكة الطلابية داخل الجامعات .
وتظل ظاهرة التيار الإسلامي داخل الجامعات المصرية تثير الجدل، فالبعض يدافع عنها ويؤيدها، والبعض يعارض وجودها بشدة، إلا أنها في النهاية تمثل ظاهرة حقيقية داخل الجامعات المصرية، وهي تعبر عن مأزق فرضه تقدم جماعة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية وما تبعه من انعكاسات اجتماعية وتنظيمية في المجتمع المصري.
ــــــــــــــــ

Wednesday, August 9, 2006

من يفتح باب الجهاد..؟!

منذ أيام صرح المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بمصر لوكالة الأنباء الفرنسية انه على استعداد أن يرسل عشرة آلاف شاب “مقاتل”، للقتال بجوار حزب الله اللبناني، وكرر السيد المرشد العام نفس الدعوة في أحد المؤتمرات الحاشدة بنقابة المحامين المصرية، وأكد أن الجهاد ليس عبثا أو لهوا وأنه يحتاج إلى تكنولوجيا متطورة وأن الإخوان مستعدون لذلك..!! فهل في دعوته تلك رسالة خفية بأن الإخوان لديهم التكنولوجيا المتطورة لتسليح شبابهم..؟ وإذا كان الجهاد ليس عبثا أو لهوا كما يرى السيد المرشد العام..فهل لديه بعض الأجوبة على الأسئلة المشروعة حول دعوته العبثية..؟ أول هذه الأسئلة على يد من سيتم تدريب هؤلاء الشباب..؟ ثم أين ستكون مواقع التدريب..؟ وما هو موقف الجيش المصري من هؤلاء الشباب..؟ كما أنه أليس غريبا أن تسمح دولة لديها جيش كامل كمصر بإعداد ميليشيات مسلحة للحرب..؟ ثم ما هو مستقبل شباب تدرب على السلاح خارج النطاق العسكري الحكومي.. في دولة بها بطالة وفساد واحتقان داخلي..؟؟ ، ألا تستحق تلك الأسئلة الإجابة عليها وهي متعلقة بمستقبل مصر ومصيرها ..؟
كان المرشد العام قد طالب الحكومات أن تسمح بهذه الإعدادات العسكرية الشعبية أو على الأقل أن «تغض الطرف» عنها، ومن العجيب أن تأتي مثل تلك العبارة المبهمة في قضية مصيرية، مع ما تحمله من تحييد كامل للحكومات واستغلال لموقفها العاجز الحالي بدلا من تحريكها سياسيا من داخل النظام عن طريق مقترحات عملية، وتظل الخطورة الحقيقية هنا كامنة في طرح فكرة تسليح شرائح مدنية من المجتمع في مجتمعات لا تتصف بالعدالة، مما يجعلنا نتوقع ما قد تسفر عنه مثل تلك المقترحات مستقبلا، وما تحمله من نوايا لإسقاط الشرعية عن الحكومات عمليا، بحيث يحل من يحارب ويحمي محل من اكتفى “بغض الطرف” وجلس هو الجيش النظامي يتابع الموقف. ومن المؤسف أن نجد من يؤيد تلك الاقتراحات أو يزايد عليها بين ممثلي القوى المصرية الأخرى. القوى التي تحاول أن تتجاوز دورها المقتصر على جلسات توبيخ الحكام العرب ومحاولات التحفيز ضدهم إلى خطوات أكثر جاذبية، فعلى ما يبدو أن دعاوى تسليح قطاع من الشباب من أجل الجهاد قد لاقت استجابة لدى البعض، كأحد ممثلي التيار الناصري الأستاذ سامح عاشور نقيب المحامين المصريين الذي طالب بفتح باب الجهاد ضد العدو الصهيوني. لاعبا على نفس النغمة المرتجلة التي بدأها المرشد العام للإخوان، أما بين الأوساط الشبابية فليس من المستغرب أن تجد أحد شباب التيار الإسلامي من طلبة المرحلة الجامعية يطالب في إحدى التظاهرات الأخيرة أن تتحول الجامعات إلى أماكن تدريب للمقاومة، وحدث أيضا أن قام بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين – منذ أيام قلائل – بتوزيع منشورات للحض على الجهاد مثلما حدث في محافظة أسيوط الأمر الذي تسبب بعدها في حالة تحفز لدى الأمن وصدام مع المتظاهرين في أحد المساجد ثم اعتقال الكثيرين منهم هناك. حاول المرشد العام مؤخرا تعديل الموقف بعد الانتقادات تعرض لها من قبل بعض الخبثاء – على حد قوله- الذين حرفوا كلامه، وأكد في حديثه لقناة العربية الفضائية أنه لو تم فتح باب الجهاد فالرقم سيتجاوز العشرة آلاف إلى المائة ألف متطوع، لكنه أكد أن ذلك لن يتم إلا تحت أعين الحكومات، مثلما كانت المقاومة في الأربعينات والخمسينات قبل الثورة المصرية، ورغم محاولات المرشد العام تعديل الموقف إلا أنه لم يتناول أثر دعوته لفتح باب الجهاد. على الصعيد السياسي الدولي أو الإقليمي، أو حتى على الصعيد الداخلي عقب إنشاء طبقة مارست فنون القتال ولها ولاءها لجماعة ذات طابع سياسي كجماعة الإخوان المسلمين.
لقد بدأ حزب الله حربه وحده، وهو يقاتل الآن وحده والأضواء كلها مسلطة عليه، وعلى ما يبدو أن هناك من يريد مشاركته الأضواء تحت دعوى فتح باب الجهاد. إن سعي البعض إلى الجهاد وحده وعلى مسئوليته الخاصة، دليل على أننا لسنا على قلب رجل واحد، وأن قلوبنا شتى… لنتعرف أننا امة تحتاج إلى إعادة بناء .
ــــــــــــــــــــــــــ

Thursday, July 27, 2006

مواقف على هامش الأزمة اللبنانية

يقاتل حزب الله وحده ويتلقى لبنان كله الضربات الإسرائيلية، هكذا هو المشهد الحالي لما يحدث في الأراضي اللبنانية، ولعل المأزق الحقيقي أن الأمور قد سارت منذ البداية على عكس المنطق الطبيعي في خوض الحروب، بأن تتوحد الجهود الشعبية والحكومية وراء جيش موحد يواجه العدوان تحت قيادة واحدة تنسق مع من حولها من حلفاء ودول المجاورة، و هذا ما لم يحدث في العمليات العسكرية الدائرة في لبنان الآن. وامتدادا لتلك الأجواء، ظهرت على هامش الحرب مواقف أخرى خارج لبنان، عبرت هي الأخرى عن مأزق عربي يعيشه أبناء الأمة الواحدة، في نزاعاتهم فيما بينهم.

ــ فتوى ابن جبرين

خرج الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين في السعودية بفتوى تحرم التعاون مع حزب الله (الرافضي) أو دعمه ولو حتى بالدعاء، ويطالب الشيخ أهل السنة بالتبرؤ من كل من يفكر في الانضمام للواء تلك الجماعة أو التعاون معها، وكان رد الفعل أن خرجت بعض الأصوات تهجو الشيخ (الوهابي)، وتتهمه بالخيانة. غير أنه قد فات من انتقدوه.. أن فتواه تلك لم تكن نشازا عن سياق فتاواه السابقة، عندما أفتى بحرمة مناداة الشيعة بالأخ أو الأخت، وبعدم جواز أكل ذبائحهم، أو عندما اعتبر أن كثيرا من أهل الصوفية هم أهل شرك وضلال، إلى جانب فتواه الشهيرة بتحريم التعامل مع غير المسلمين أو توظيفهم، وفتوى مقاطعة صحيفة الوطن السعودية بحجة نشرها صور نساء كاشفات يطلبن حضور مباريات الكرة (!)، إذا فتلك الفتوى الأخيرة منطقية ولا تحمل معها أي مفاجأة. غير أن موعدها وسط كل تلك الأخبار السيئة هو ما دفع البعض إلى الإحساس بخيبة الأمل والصدمة. لكن ما الذي يمكن أن يحرك شيخا "كابن جبرين" ومن على نهجه في هذا الاتجاه..؟ عوامل كثيرة أهمها فكرة التوحد مع تجربة قديمة عاشها أحد شيوخ القرن الثامن عشر وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما كان أتباعه يجولون لتنقية عقول أهل الجزيرة العربية مما علق بها من مظاهر إيمانية فاسدة، حيث يروي الشيخ ابن جبرين عن تجربة شخصية مر بها عندما أمره الملك سعود –رحمه الله- بالخروج في رحلة دامت لأربعة أشهر إلى أهل البدو والصحاري قرب الحدود الشمالية للمملكة، واعتبرها رحلة ناجحة حيث قام فيها هو ومرافقوه بهداية الكثيرين إلى صحيح الدين بعد أن كانت كل معلوماتهم عن الإسلام ضحلة وضئيلة. إذا فلعل ما يدفع شخص كالشيخ ابن جبرين في هذا الاتجاه هو الوسوسة من أن تتبدل عقائد العرب بعقائد فاسدة، وربما يكون ما دفعه إلى ذلك أيضا هو اعتباره أن طريق لإصلاح الوحيد هو طريق التوحد وتقليد نهج "الموحدين" أتباع الشيخ محمد ابن عبد الوهاب. قد يكون ما حركه أيضا هو ما يحرك غيره من الشيوخ، عندما تأتيهم أسئلة المريدين تبحث عن إجابات بعينها تثير حماستهم، وتعلي من شأنهم، فإذا ما قدَّم لهم أحد الشيوخ الإجابات المنتظرة كان شيخهم وتاج رؤوسهم، وإن اعترض صار عدوهم. وهنا كان واجب الشيخ المتصدر للفتوى ألا يقع في هذا الفخ، وأن يقرأ طموحات مريديه من صيغة أسئلتهم، بدلا من أن يعطيهم مبررا لكراهية واحتقار الآخرين. من واجبه أن يكون أكثر جرأة في مواجهة طموحات الجماهير، التي تبحث عن تحويل المذهب إلى قبيلة بديلة، تغني لها أناشيد الفخر والحماسة، وتهجو وتلعن بقية المذاهب.
كانت أهم أصداء هذه الفتوى أن قامت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بنشرها على صفحاتها، لتعطي مزيدا من التحريض ضد صاحب الفتوى وأهل مدرسته الفقهية.. لتؤكد لنا تلك القصة أن كل ما كان يتم بيننا من فرقة ونزاع وحض على كراهية في أوقات السلم، قد امتد ليمارس أيضا وقت الحرب.

ـــ شيخ الأزهر.. السيناريو المكرر

شيخ آخر كان في مأزق.. فمشكلته الأبدية أن أقواله ومواقفه لا ترضي الجماهير أبدا ولا تثير حماستهم، مصيبته الكبرى أن بعض التيارات ترغب في منصبه الغالي كي تتحكم في البلاد. هو شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي. فمنذ مدة والاتهامات توجه له وتتهمه بأنه رجل الحكومة، وأنه لا إرادة له.. فالجميع كان ينتظر أن يكون أعلى صوتا وأكثر حدة وقت الأزمات ليتخذوه شيخا ورمزا، ويتزامن هذا مع دعوة متجددة لأن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب، وبالطبع فهناك تيارات تطمح في هذه الفرصة ليتكرر ما حدث في النقابات المصرية التي سيطرت عليها الصراعات السياسية، فبعض التيارات الدينية – والسياسية - تطمح أن تجد لها ممثلا في منصب شيخ الأزهر، كبديل عن بقاء المنصب ممثلا لإرادة الحكومة المصرية. وطوال الفترة الماضية كان البعض يتصيد المواقف والأخطاء لشيخ الأزهر، ضمن مخطط الحرب على الحكومة، وكثيرا ما تم تأويل تصريحاته إلى معان أخرى، مثلما حدث وقت أزمة الرسوم الدنمركية المسيئة، عندما اتهمه البعض بأنه قد ذكر لأحد الوفود الغربية أنه لا يصح الإساءة إلى محمد - صل الله عليه وسلم – لأنه الآن رجل ميت (!) فثارت عليه الأقلام، واضطر الرجل إلى أن يقود مظاهرة احتجاج ضد الرسوم المسيئة لتحسين صورته، ورغم أن تصريحه الأصلي لم يحمل تلك المعاني الساذجة، إلا أن البعض قام بتأويل تصريحاته وصدقها كثيرون، فوقع الرجل ضحية كونه موظف حكومي كبير. اليوم.. وامتدادا لهذا المأزق الداخلي، تم اتهام شيخ الجامع الأزهر من قبل أحد المواقع الصحفية المعروفة بميلها إلى جماعة الإخوان المسلمين، ضمن سيناريو الحرب على شيخ الأزهر الدائر منذ مدة.. بأنه قد وصف السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني بأنه رجل مريض بجنون العظمة ومتقمص لشخصية صلاح الدين الأيوبي، وذكر محرر الخبر أن مصدر المعلومة من داخل الأزهر الشريف، وإمعانا في إضفاء روح الدقة على الخبر، قام المحرر بتأويل إحدى فقرات خطاب لشيخ الأزهر الداعمة للرئيس مبارك وفسرها على أنها هجاء لحزب الله.
حتى الآن لم يؤكد أي مصدر آخر هذا الخبر، ولم يقم شيخ الأزهر بنفيه... غير أنه من غير المستبعد أن يكون هذا الخبر قد تم تفصيله استغلالا للحدث واستمرارا في مسلسل تخوين شيخ الأزهر واتهامه بالاتهامات الحادة في وطنيته، ليتأكد بهذا أننا نستمر وقت أزماتنا الكبرى على نفس ما تعودنا عليه وقت الهدوء والسلم من مشاحنات وبغضاء وحسابات سياسية أو مذهبية.

ـــ النهايات المنطقية

لعل تلك الحادثتين وغيرهما من الحوادث الهامشية التي صاحبت الاعتداءات الأخيرة على لبنان، قد أكدت أن ما تعودنا عليه طوال السنوات الماضية لم ولن يتغير وقت الحرب أو الأزمة، بل ستظل صراعاتنا كما هي تحركها الأطراف المختلفة وفقا لمصالحها الخاصة.. إذا فان كنا لا نريد هزائم قادمة، فلنحاول تدريب أنفسنا على منع روح البغضاء والكراهية وقت السلم قبل أن تمزقنا الفرقة وقت الحروب والأزمات.
ــــــــــــــــــ

Tuesday, June 27, 2006

جوجل والعرب على شبكة الانترنت

عبد الرحمن مصطفى من القاهرة:
خدمة "Google Trends" إحدى خدمات موقع "جوجل" على شبكة الانترنت، يقوم فيها المستخدم بإدخال إحدى الكلمات بغرض عرض إحصاءات عن أكثر المدن والبلدان واللغات التي بحثت عن هذه الكلمة على محرك بحث "جوجل" خلال الفترة من يناير /كانون ثاني2004 إلى إبريل/ نيسان 2006، وتفيد هذه الخدمة الأغراض الاقتصادية والتسويقية، وفهم اتجاهات شريحة مهمة من زوار الإنترنت... حيث يقدر مستخدمي "جوجل" بالملايين حول العالم.
"إيلاف" قامت بالتعرف على بعض اتجاهات مستخدمي محرك بحث "جوجل" من العرب من خلال نتائج إحصاءات "Google Trends".

مفارقات عربية

كانت من مفارقات نتائج البحث أن تقدمت مدينتي المنامة والقاهرة على العاصمة الإيرانية طهران في البحث عن كلمة "نجاد" الاسم الثاني للرئيس الإيراني "أحمدي نجاد"، كما تقدم مستخدمو "جوجل" من داخل إسرائيل وتحديدا من مدن "عسقلان، واللد، والقدس، وتل أبيب" على كافة الدول العربية في البحث عن كلمة "عروبة". ورغم المحاولات العديدة للتعريف بالدين الإسلامي والحضارة العربية لدى الغرب إلا أن أغلب نتائج البحث عن كلمات تخص الشأن العربي والإسلامي مثل "The Islam، Islam، Allah" أو "Arab، Arabs Arabic، Arabian، middle east" جاءت لبلدان عربية وإسلامية بعيدا عن الدول الغربية الأكثر استخداما للإنترنت والأكثر إجادة للغة الإنجليزية..اللغة الأولى على شبكة الإنترنت. ومن ضمن المفارقات أن تصدرت مملكة البحرين قوائم الباحثين عن كلمات ذات مدلول ديني ككلمات " الله، ربي، رب، اللهم، دعاء، الشيعة"، متقدمة بذلك على جارتها المملكة العربية السعودية التي يجاوز عدد مستخدمي الانترنت فيها ثلاثة أضعاف عدد سكان مملكة البحرين بأكملها.

العرب والجنس

ومن غرائب الإحصاءات أن جاءت دولة اليمن في المركز الأول عربيا ضمن قوائم الباحثين عن كلمات " الجنس، جنس، سكس"، وذلك رغم تضاؤل أعداد مستخدمي الإنترنت باليمن مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى، حيث لا يجاوز عدد مستخدمي الانترنت في اليمن 4.5% من عدد المستخدمين في مصر أو 9% من عدد المستخدمين في السعودية. ومن ضمن النتائج المثيرة أن جاء مستخدمو محرك بحث "جوجل" من مصر – الأولى عربيا في عدد مستخدمي الإنترنت – في المركز الثاني بعد باكستان ضمن قائمة أكثر البلدان في العالم بحثا عن كلمة "sex" (= جنس) على محرك بحث "جوجل"، وتضم قائمة العشر الأوائل دولا إسلامية أخرى، إلى جانب دولة عربية هي المملكة العربية السعودية التي احتلت المركز الثامن.. متقدمين بذلك على العديد من الدول التي تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة أصلية، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في الوقت الذي لا يمثل فيه المتحدثون بالعربية إلا 2% من مستخدمي الإنترنت حول العالم.

نتائج سياسية

بعض النتائج عبرت عن تأثر مستخدمي "جوجل" بالأحداث السياسية المحيطة بهم.. فعلى سبيل المثال كانت دولة الكويت المشغولة بخلافات فريقي الليبراليين والإسلاميين هي الدولة الأولى في قائمة الباحثين عن كلمة "الليبرالية" عبر "جوجل"، بينما كانت مصر وتحديدا مدينة القاهرة هي أكثر البقاع العربية بحثا عن كلمات "الانتخابات، المظاهرات، مظاهرة"، في دلالة واضحة على مدى تأثر مستخدمي الانترنت في مصر بالحالة السياسية التي تشهدها البلاد منذ الانتخابات الأخيرة، أما سوريا وجارتها لبنان وما تشهده كل منهما من أجواء سياسية مقلقة، فقد كانتا على رأس الدول العربية الباحثة عن كلمة "السياسة"، وعلى صعيد القضية الفلسطينية..فقد كانت الأردن التي تعود نسبة كبيرة من شعبها إلى أصول فلسطينية - تجاوز نصف عدد السكان في بعض التقديرات – هي أكثر الدول العربية بحثا عن كلمات تخص الشأن الفلسطيني، ككلمات "القدس، الفلسطينيين، الفلسطيني، فلسطين، فلسطينية، القضية الفلسطينية، اتفاقية، بيت المقدس، الانتفاضة"، وكانت الأردن أيضا هي أكثر الدول العربية بحثا عن " صلاح الدين الايوبي " عبر محرك بحث "جوجل"..!

روابط:
www.google.com/trends
ـــــــــــــــ

Friday, March 24, 2006

إنصافا لعمرو خالد

إذا ما وقع صدام بين طرفين.. فأيهما أفضل، الانغلاق على الذات والبحث عن الانتقام من الطرف الآخر، أم مصارحته والتحاور معه حول المشكلات القائمة بين الطرفين..؟؟ إن خيار البعد عن الحوار قد يفضي إلى قطيعة قد تدوم لسنين طويلة يترسخ خلالها الشعور بالكراهية حين تستمر أسباب الغضب كما هي دون علاج أو مناقشة.. ويتجه البعض في مثل تلك المواقف إلى البحث عن الانتقام من الطرف الآخر بأي وسيلة كانت، ويعتبر هذا الانتقام نصرا أوشيئا من التفوق، علما بأن القوة دائما ما كانت تتجلى في قوة المنطق و استخدام الحجة عند الإقناع.. فهكذا كانت عظمة الأنبياء والقادة والزعماء حين تكمن قوتهم في قدرتهم على إدارة المواقف الصعبة ومواجهة الآخرين، لابصب اللعنات ومحاولات الثأر.
قد يرى بعض المسلمين أن الإساءة الدنماركية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم – التي قام بها أفراد قليلون- هي متعمدة ومقصودة ومَرْضِـي عنها من الشعوب الغربية.. ولعل أصحاب وجهة النظر تلك يُسقطون من حساباتهم عامل اختلاف الثقافات وتضارب الرؤى بين الجانبين الإسلامي والغربي بشأن تقدير الأديان والأنبياء، وقد بدت السعادة واضحة على بعض الأوساط الإسلامية بسبب حالة الغضب التي عمَّت أرجاء البلدان الإسلامية كالتظاهرات وحملات المقاطعة، حتى وصف البعض حالة الغضب تلك بتعبير "الصحوة"، مما جعل مبادرة الداعية عمرو خالد ومن معه من علماء المسلمين في اختراق أرض الآخر وعرض ما بداخل نفوس المسلمين من غضب وصدمة أمام الطرف الآخر سببا في اتهامه بالانتهازية، ومخالفة المجموع، وفي السخط عليه، حتى وصف البعض مبادرته بالفشل..!
ودعونا ننظر الآن ماذا فعل عمرو خالد... لقد أخذ بأيدي مجموعة من الشباب إلى الغرب كي يُعَـبروا عما بداخلهم من غضب ويواجهوا (الآخر) بحقيقة مشاعرهم تجاهه في رمزية تعبر عن دعوة شباب الأمة إلى الاتجاه إلى فكر جديد يمارس الفعل، ولا يكتفي برد الفعل... وذلك في الوقت الذي نجد فيه بعض الشخصيات في المجتمع الإسلامي تصر على "استثمار حالة الغضب الإسلامي" وتأجيجها، طارحين تعبيرات "الصحوة" و"الوحدة الإسلامية" في وصف حالة الجماهير الغاضبة، حتى وإن صاحب هذا الغضب بعض التهور... وكأن مثل تلك الممارسات قد حلت الأزمة أو أعطت ضمانات لعدم تكرار الإساءة مرة أخرى، إن مثل تلك الوضعية الأخيرة التي تعتمد على تحفيز غضب الجماهير من المؤكد أنها ستصنع شبابا ليس لديه القدرة على التحاور أو التعبير عن آلامه ومشاكله للآخرين.. وستصنع شبابا أكبر أمانيه أن ينتظر إشارة الاحتشاد بأمر آخرين رافعا صوته لمن يزيده حماسا، فيترك مهمة الحوار إلى الاحتفاليات الثقافية الحكومية الشكلية. وإنصافا للداعية الشاب عمرو خالد ومن سانده في مثل تلك المبادرة الأخيرة، فقد طرح الرجل فكرة إمكانية النقاش على طاولة واحدة بين أطراف – غير رسمية- بغرض التعرف على خلفيات كل طرف، والتحسب لأثر الاختلافات بين الطرفين على المستقبل، مع ترك الأمور الإجرائية للحكومات والجهات الرسمية، وهذا الاتجاه جاء كبديل عما يمارسه البعض من تلاعب بحالة الجماهير المزاجية، وتحفيز غضبهم وتصوير مظاهر غضبهم على أنها مظاهر نصر وقوة.

إن فكرة الحوار هي فكرة جديرة بالاحترام و تستحق التطبيق على الصعيد الداخلي في داخل المجتمعات الإسلامية، حيث بؤر الفتن والتجمعات المنغلقة التي لاتقبل التنوع في داخل الأمة الواحدة، سواء بين أبناء الدين الواحد (الإسلام) أو بين المسلمين وغير المسلمين. ولعلنا نتساءل الآن.. ماذا لو كان رسام الكاريكاتيرات المسيئة للنبي الكريم من العرب غير المسلمين.. كيف كانت ستدار الأمور..؟!وماذا لو وقعت حالات إثارة للفتنة بين السنة والشيعة.. هل سيكون "استثمار حالة الغضب والحفاظ على ثباته" مفيد للطرفين..؟! وهل سنظل على نهج حشد الجماهير الغاضبة في مواكب استعراضية، والسعي لتركيع الآخر، بدلا من مصارحته بخطئه، وتقديم مطالبنا أمامه..؟؟

إن فكرة السيطرة على الجماهير وتوجيه غضبها في أمور شكلية دون مواجهة أسباب الغضب هي إحدى مشاكل مجتمعاتنا التي تنقل غضبها دوما إلى أمور أخرى دون مواجهة أصل المشكلة، مما يزيد من مشكلات مجتمعاتنا، ويسهم في تأخرها.
ـــــــــــــــــــــــــــ

Saturday, March 4, 2006

هل نقل الإساءة إساءة؟

سؤال أثارته الأزمة الدنماركية

وسط حالة الغليان التي أصابت الشارع العربي بسبب الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية المسيئة للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- قامت بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية بإعادة نشر تلك الكاريكاتيرات المسيئة ضمن مادة صحفية أو إخبارية، فأدى هذا في بعض تلك الحالات إلى حبس وإقالة عدد من الصحفيين والإعلاميين المسئولين عن النشر، وتم إيقاف عدد من المطبوعات في حالات أخرى... ومازال هذا الموقف قابل للتكرار في الفترة المقبلة.

ـــ إقالات وحبس

لعل جهاد المؤمني رئيس تحرير صحيفة "شيحان" الأردنية من أوائل ضحايا تلك المجزرة عندما تم إيقافه عن العمل من قبل الشركة مالكة الصحيفة بعد نشر الكاريكاتيرات المسيئة، وقد تم اعتقاله بتهمة "إهانة الشعور الديني" رغم قوله بأن النشر كان بغرض تعريف الجماهير بتلك الصور، ولم يكن المؤمني الصحفي الأردني الوحيد الذي تم التنكيل به لهذا السبب، بل كان معه زميله الصحفي هاشم الخالدي رئيس تحرير "المحور" الذي تم حبسه مع المؤمني بتهمة جديدة وهي "إطالة اللسان على أرباب الشرائع من الأنبياء" بعد أن تم توبيخه من قبل نقابة الصحفيين الأردنية.
وفي اليمن تم حبس ثلاثة رؤساء تحرير يمنيين قاموا بإعادة نشر الكاريكاتيرات الدنماركية المسيئة بصحفهم "يمن أوبزرفر"، و"الرأي العام"، و"الحرية"، وقامت وزارة الإعلام اليمنية بإلغاء تراخيص تلك الصحف رغم تأكيد الصحفيين الثلاثة على أن النشر قد جاء كضرورة صحفية، و جاء في بيان صادر عن جريدة "يمن أوبزرفر" أن النشر قد جاء بطريقة لا توضح معالم الصور بأن وضعت علامة (إكس) كبيرة عليها تعبيرا عن موقف الجريدة من تلك الصور.
وتكررت مشاهد الحبس لرؤساء تحرير في الجزائر.. فأقيل رئيسي تحرير جريدتي "إقرأ" و"الرسالة" الصحفيان كاحل بوسعد و بركان بودربالة اللذان أكدا على أن النشر كان بغرض التوضيح للقراء.. في الوقت الذي لم تسلم فيه بعض القيادات الإعلامية في التلفاز الجزائري من الإقالة، فقد أقيل مدير "قناة الجزائر" الحكومية الناطقة بالفرنسية والموجهة إلى أوروبا و معه بعض العاملين بعد عرض الصور المسيئة ضمن نشرة الأخبار.
ومازال هذا المسلسل دائرا بين الأقطار العربية حتى وصل إلى السعودية فأصاب جريدة "شمس" السعودية التي تم إيقافها لأجل غير مسمى بسبب إعادة نشر نفس الكاريكاتيرات رغم استنادها في ذلك لفتاوى دينية ترفع عنها هذا الحرج.

ـــ نظرة سياسية

إن النظرة إلى إعادة نشر الصور المسيئة للأنبياء على أنها تكرار للإساءة هي نظرة سياسية بحتة، والدليل على ذلك أن مصر التي تعرض فيها رئيس تحرير جريدة الأخبار اليومية محمد بركات للتوبيخ من قبل مسئولين في الدولة ونواب برلمانيين بسبب إعادته نشر تلك الكاريكاتيرات المسيئة، لم نر فيها تلك الإجراءات عندما نشرت نفس تلك الرسوم الكاريكاتيرية في جريدة الفجر الأسبوعية في فترة مبكرة من الأزمة وقبل توهج مشاعر المسلمين. بل إن جريدة الأهرام المصرية قد نشرت منذ مدة هي ومعها صحف عربية أخرى صورا ورسوما مسيئة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والسيدة مريم العذراء والتي قام بها مستوطنون إسرائيليون ولم يحدث اعتراض وقتها على نشر تلك الصور، ولم يحدث أن تدخل الأمن لجمع أعداد الجريدة مثلما حدث مع يومية الأخبار السابق ذكرها والتي رجحت بعض المصادر أن رئيس تحريرها قد يتعرض للعقاب عما قريب.. خصوصا وأن قطاع الصحافة في مصر خاضع بطريقة ما لسلطان الحكومة المصرية والتي تتحكم في اختيار قياداته.

ـــ كبش فداء

كان عدد من الصحف الغربية قد أعاد نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم تضامنا مع الجريدة الدنماركية بدعوى مساندة حرية الرأي الأمر الذي زاد من استفزاز مشاعر المسلمين، وكانت التظاهرات تزداد سخونة في العالم العربي والإسلامي في الوقت الذي لم تستطع فيه الحكومات العربية اتخاذ أي إجراء ضد تلك الصحف الغربية، مما جعل إعادة نشر تلك الصور في المطبوعات العربية يمثل مثيرا شرطيا للعجز العربي، لذا كان الإجراء الوحيد الذي من الممكن أن يتخذ يقتصر فقط على الصعيد الداخلي.. ورغم أن كل من تعرضوا للحبس أو الإقالة من الصحفيين أو الإعلاميين العرب كانوا قد أكدوا أن النشر جاء ضمن مادة صحفية لا أكثر، بل إن بعض تلك الصحف عملت ضمن حملة التنديد بالرسوم الكاريكاتيرية و(نصرة الرسول).. إلا أن هذا لم يشفع لها، بل وجدنا على سبيل المثال أن الديوان الملكي الأردني يصف إعادة النشر بأنها " إفساد في الأرض لا يمكن قبوله"، ووزارة الإعلام اليمنية تسارع في إلغاء تصاريح ثلاث صحف، والأمن المصري يتدخل لسحب أعداد من جريدة احتوت على تلك الرسوم المسيئة.. مما يوضح أن كل تلك الإجراءات كانت خشية انتشار الصور بين الناس وزيادة انفعالهم وأن ينعكس ذلك على الأوضاع الأمنية الداخلية في توقيت اتضحت فيه عدم قدرة الحكومات على مواجهة الاستفزازات الإعلامية الخارجية.
لكن مثل تلك الإجراءات ضد الصحفيين العرب قد أثارت المدافعين عن حرية الصحافة فقد طالبت منظمة هيومان رايتس ووتش حكومات كل من الأردن واليمن والجزائر أن تسقط فوراً التهم الجنائية الموجّهة إلى المحررين والصحفيين اللذين أعادوا نشر الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد في صحفهم.. إلا أن مثل تلك الدعاوى والمطالبات قد خفت صوتها وسط صخب التظاهرات وموجات الغضب الشعبية.

ـــ رأي الدين

ومما يجعل من تلك القضية قضية مثيرة للجدل أن بعض رجال الدين الـثـقاة قد ذهبوا إلى أن إعادة نشر تلك الصور بغرض التوضيح فقط لا يُحمِّـل من يعيد نشرها أي ذنب، بل والأكثر من هذا أن بعض القنوات الفضائية ذات الطابع الدعوي مثل قناة المجد الفضائية قد عرضت تلك الصور المسيئة للجماهير ضمن أحد برامجها، هذا إلى جانب إعادة نشرها في عدد من القنوات التلفزيونية ضمن برامج تلفزيونية شهيرة تناولت قضية الرسوم الدنماركية ومرت الأمور بسلام. وحتى الآن لم تظهر فتاوى بارزة لمناهضة إعادة نشر تلك الكاريكاتيرات سوى فتوى نــُسبت للشيخ عبدالرحمن السحيم الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية و الأوقاف السعودية وعضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض قال فيها بعدم جواز تكرار نشر تلك الصور حتى لو كان الأمر بغرض التعريف، واستدل الشيخ على ذلك بأن ضرب مثلا بأنه لا يجوز تحذير الناس من الزنا بعرض صور إباحية (!).. وعموما فالرؤية الدينية للقضية لم تكن سببا وراء ما جرى من حبس أو إقالات لعدد من الصحفيين والإعلاميين العرب.
فعلى جانب آخر أكثر أهمية نجد أن السيرة النبوية قد ضمت نصوصها بعض أقوال مناهضي الدعوة المحمدية وفيها إساءة للرسول محمد - صل الله عليه وسلم - وحوتها لنا الكتب إلى يومنا هذا، بل وعرض القرآن الكريم وجهات نظر مناهضي النبي بما تحوي من افتراءات وإساءات له، كقوله تعالى : وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) الصافات، أو كقوله أيضا : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) الفرقان.. وكل تلك الآيات تنقل إساءات تعرّض لها الرسول، فكانت الآيات ناقلة لأقوال مناهضي الرسول بغرض التوضيح وليس الإساءة.
إن ما حدث طوال الفترة الماضية – وما قد يحدث لاحقا – من تضييق على الصحافة وإسقاط لمشاكل داخلية على بعض الصحفيين والإعلاميين ممن تم حبسهم أو إقالتهم لم يستند إلى مرجعية دينية أو حتى أخلاقية بقدر ما كان ممارسات سياسية نتمنى ألا تتكرر وأن يتم رفع الظلم عمن ظلموا ضمن تلك "المجزرة الدنماركية" للصحافة العربية
ــــــــــــــــــــــــــــ

Tuesday, February 28, 2006

أعراض خبيثة

ارتعشت عضلات وجهي… أعلـَنت امتعاضها من بسمة مزيفة لم استطع الاحتفاظ بها لثوان معدودات.. تعاطَـفَت الشفاه مع أبيها الوجه، تشجع اللسان ونطق بكلام مضطرب، لم يعد القلب يحتمل أن يـُظهر عكس ما يبطن، قام وانتفض، ضرب الضلوع بكل قوته محاولا الفرار من جسد مدنس بالخطايا، لاحظتُ رعشة يدي المسكينة وهي تصف الكذب.. لم تواصل… سَـقَـطـَت .
زاغت العينان تلاحظ وترقب ردود الأفعال في حذر، لم تستطع استقراء الأحداث، بدأت الهواجس تدور بحرية في فضاء الجسد.. نجح تحالف القدمين في عرقلة مسيرتي، انكببت على وجهي لأكتشف مؤامرة دبرها جسدي.. لقد نجحت المؤامرة، وأخفقتُ في الوصول إليه لتهنئته بعد الاجتماع، لم يعد باستطاعتي السيطرة على جسدي .

قال بعجرفة الأطباء : جسدك صحيح وأعضاؤك سليمة… أنت لا تعاني من شيء، أشار إلى رأسي وقال : مشكلتك تكمن هنا..!

صدق الطبيب.. كيف لم أنتبه إلى هذا العقل الفاعل الرئيسي في المؤامرة…؟! لقد كان دوما وراء تعثر خططي مع المدير . اليوم.. اتبع علاجا جديدا مع أحد المعالجين بالقرآن.. نصحني الشيخ المعالج أن أقرأ سورة المنافقين كل يوم، فربما يتبدل حالي إلى الأفضل.
ــــــــــــــــــــــــ

Tuesday, February 14, 2006

رحلة في عقل رسام كاريكاتير أوروبي

جلس رسام الكاريكاتير الأوروبي يعد رسما حول الإسلام، كان أول ما تذكره هو وجه أسامة بن لادن، وملثمون يستعدون لنحر أحد الرهائن الغربيين، وآخرون يرفعون أسلحتهم في وجه الكاميرات داخل الأراضي الفلسطينية.. حاول أن يتذكر أشهر الحكام العرب ومواقفهم الشهيرة، تذكر صدام حسين ومحاكمته، تذكر تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الأكثر عداءا للغرب.. كانت هنالك وجوه لشخصيات عربية أخرى، لكنه لم يتذكر إلا هؤلاء.. فهم الأشهر، أو هكذا أرادت لهم وسائل الإعلام . بحث الأوروبي حوله عن مسلمين أوروبيين جمعوا في قلوبهم بين حب الإسلام والانتماء إلى الحضارة الغربية بكل آدابها وفنونها، لم يجد كثيرا، فقد كانت الأغلبية من أصول غير أوروبية، يرتدي بعضهم أزياء غريبة عن أزياء وطنه، لا يندمجون بجدية في المجتمعات الأوروبية، ولاءهم الأساسي لأوطانهم الأصلية، بعضهم لا يجيد لغة البلاد التي يعيش فيها... لذا لم يكن هناك نماذج إسلامية شهيرة يتحدث عنها. حاول الرسام أن يفعل كبعض مدعي الثقافة ويؤصل ما علمه عن المسلمين، فبحث داخل كتابات الأوروبيين عن الإسلام وحاول أن يربط بين ما يراه اليوم وما جرى قديما.. قرأ في إحدى الموسوعات أن من أنشأ الديانة الإسلامية كان رجلا يدعي محمدا، نجح في توحيد القبائل العربية التي تزعمت العالم من بعده وفرضت لغتها في بقاع عديدة من العالم.. يعبدون إلها اسمه "الله" ..(!) كذلك قرأ عن تعدد للزوجات وتسلط الرجال على النساء... الخ، أعجبته تلك المادة فمنها يستطيع أن يصنع رسوما مثيرة للجدل .
رسم كاريكاتيراته وتهكم فيها على محمد مؤسس الديانة الذي لم يكن ليعترف بنبوته مثلما لا يعترف بوجود المسيح، كان محمد - عليه الصلاة والسلام - في نظره هو السبب وراء ما يفعله المسلمون اليوم.

لم يعلم الرسام أنه ظلم نبي الإسلام عندما لم يتحر الدقة في رحلة بحثه واستسلم لمرويات تصلح كحكايات أسطورية عن الإسلام، وبعد نشر رسومه الساخرة... عبّر المسلمون عن غضبهم وتعاون معهم مسلمون أوروبيون، تفاجأ الرسام بحرق سفارات بلاده وبلاد أخرى نشرت رسومه الكاريكاتيرية، أذاع التلفاز أن أحد الفقهاء المسلمين قد أحل دمه.. الحرب الاقتصادية تبدأ، ورئيس وزراء بلاده لا يريد الاعتذار.. يعتذر الرسام ولا فائدة(!) يبحث في مكتبته الخاصة عن حروب قديمة بين المسلمين وبلاده، وجد حديثا قديما عن الصليبيات، اعتبر الحاضر امتدادا للماضي، ولم تتغير نظرته للإسلام، وزاد الحذر في بلاده من مسلمي الداخل وأصبحت هنالك مرارة تجاه كل مسلم. قد يكون هذا هو ما دار فعلا في عقول بعض الأوروبيين، رسامو كاريكاتير كانوا أو عمال في مصانع، أو حتى فلاحون في مزرعة، ولم يستطع المسلمون تغيير تلك الأفكار، بل تركوها تترسخ أكثر في الأذهان بعد أن غاب الحوار العاقل تماما عن الأحداث.. ويحاول بعض المسلمين الآن المحافظة على حالة الغضب الدائرة على أمل أن يعمل الآخرون لهم ولمعتقداتهم ألف حساب في المستقبل، وإلا فالبديل هو الغضب..!

كان الرسول عليه الصلاة والسلام في رده على حماقات الآخرين يسعى دوما إلى توصيل فكرة وهدم أخرى، وكانت قضيته في رسالته وليست في مسائل ثأرية.. البعض منا قد تعامل مع قضية الرسوم المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام بأسلوب خاو من الفكر، لا يحمل رسالة بقدر ما يحمل عداء وإغلاقا للأبواب.. البعض قد بحث عن أقصى العقوبات ولم يفكر في الهدف منها، واتضح هذا الأمر بعد اعتذار أهل الإساءة عن إساءتهم، فلم يتغير شيء.. لأن هدفنا كان الانتقام بالدرجة الأولى ولم يكن سعيا وراء جدل محمود للتأثير في الآخر فكريا وحضاريا. القضية أساسا كانت قضية ثقافية، وتحولت إلى قضية سياسية اقتصادية، مما ضيّع وسط صخب الهتافات حقائق كان من الواجب توصيلها إلى أهل الإساءة... والآن نتمنى أن تعود إلينا قضيتنا الرئيسية كي نوضح من خلالها الحقائق ونعرض ملامحنا الثقافية والحضارية للآخرين بوسائل مبتكرة كي لا يسيئوا إلينا مرة أخرى ، فالجهل بالشيء هو مقدمة لرفضه، ربما تلك هي لحظة التواصل مع الآخر وطرق أبوابه لتعريفه بأمور لم يعلمها عن دين قد ظلم كثيرا على يديه، بالإمكان إعداد مادة إعلامية تقدم ومضات عن الإسلام وعن الشرق بأسلوب (غربي) محترف، بالإمكان أن يجاهد المسلمون الأوروبيون للاندماج داخل مجتمعاتهم الغربية كي يتم قبولهم في تلك المجتمعات، بالإمكان أن يفيق أهل المشرق من غفوتهم وإنطوائيتهم و يصلحوا من أنفسهم كي يجدوا ما يقدمونه للآخرين.
ليكن هدفنا هو ذلك الرسام، الذي لم يجد ما يقدمه عنا، لنحاول صنع شيء يحترمه الآخرين فينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Sunday, February 12, 2006

بين الحزب السياسي والتنظيم الإسلامي

من ضمن تعريفات الحزب السياسي تعريف يراه مجرد تنظيم يقدم مرشحين للانتخابات، أو هو جماعة تتقدم إلى الانتخابات التشريعية، وقد اعترض الكثيرون من علماء السياسة على هذا التعريف الذي يجعل من الدخول إلى الانتخابات معيارا لنيل الصفة الحزبية، فحسب هذا التعريف فإن الهيئات الدينية أو المؤسسة العسكرية مؤهلة لاتخاذ الصفة الحزبية إذا ما دخلت الانتخابات.. وهو أمر غير مقبول في النظم الديمقراطية . لعلنا الآن نعيش عهد الانتصار لهذا التعريف، بعدما أثبتت لنا نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا في وطننا العربي في مصر والعراق والأراضي الفلسطينية أن بدائل أخرى غير الأحزاب السياسية قد تقدمت إلى الانتخابات واكتسحت الأحزاب التقليدية المطابقة للمواصفات الأكاديمية .

في مصر - مع استثناء النتائج الانتخابية للحزب الحاكم - نجد أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قد حققت تواجدا في المجلس التشريعي المصري يفوق خمسة أضعاف حجم التواجد الحزبي لبقية الأحزاب المصرية كافة، علما بأن جماعة الإخوان المسلمين جماعة دينية وليست حزبا سياسيا تقليديا.. أما في العراق فقد كانت بعض القوائم الانتخابية تحمل ملمحا طائفيا ومذهبيا فجـا نال الحظوة على حساب الفكر الحزبي التقليدي، ومؤخرا كان التقدم في الأراضي الفلسطينية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" على حساب "فتح" مصنع القيادات الفلسطينية . وبعيدا عن الأسباب الداخلية التي دفعت إلى ظهور مثل تلك النتائج، وما قد يقال عن أن بعض تلك النتائج - كما في مصر والأراضي الفلسطينية - قد جاءت نكاية في السلطة الحاكمة، فما نلاحظه هنا هو ذلك الخطاب السياسي ذو الطابع الديني الدعوي الذي حقق مكاسب سياسية كبيرة، وتلك الظاهرة تستحق البحث في جذورها كمحاولة لطرح البديل. ولعل مفهوم الحزب السياسي حديث نسبيا على الفكر السياسي، فقد أرجعه البعض إلى منتصف القرن التاسع عشر، غير أنه كان قد استمد جذوره من ميراث حضاري أوروبي إنساني قديم... أما الظاهرة الحزبية في وطننا العربي فأزمتها أنها لم تستمد جذورها من ميراث عربي أو إسلامي، بل انتقلت الفكرة من الغرب إلى عالمنا العربي ضمن حزمة من القوانين والتشريعات نعمل بها حتى اليوم، ذلك في الوقت الذي نجد فيه الجماعة أو الحركة أو التنظيم الإسلامي لديه من ميراثنا الحضاري ما يستطيع أن يخاطب به الجماهير التي أصبح بعضها يطرب لسماع العبارات التراثية والألفاظ الدينية داخل الخطاب السياسي. وكما نرى فإن انتقال التجربة الحزبية إلى ديارنا كان أشبه بانتقال ثمرة نبتت في أرض أوروبية إلى بطون آكليها في المشرق دون تعب أو اجتهاد منهم.. مما جعل التنظيمات الإسلامية هنا أوفر حظا بصفتها وريثة لفكرة الفرقة أو الجماعة التي ظهرت في الحضارة الإسلامية والتي كانت تحمل في طياتها أبعادا اجتماعية وثقافية لم تخف عن أي مؤرخ... وهنا يظهر سؤال هام حول مستقبل الحزبية في بلادنا.. هل هي إلى زوال..؟؟ بعض دولنا العربية بالفعل لا تعترف بالحزبية، والبعض الآخر يناهضها.. فهل نحن في حاجة إلى بديل ..؟؟ العديد من الثورات قامت في وطننا العربي وأقصت الحزبية من الوجود، وبعض النظم العربية قد أعادت الحزبية مرة أخرى لأسباب سياسية.. وهنا نلاحظ أن الإقصاء الأول كان لعدم وجود قناعة بدور الأحزاب السياسية، بل إن بعض الثورات وعلى رأسها الثورة المصرية كان من ضمن أسباب قيامها هو فشل النظام الحزبي، والآن يتشابه الموقف.. ولكن البديل ليس ثورة بقدر ما هو ظهور كيانات ذات ملامح تراثية تتمثل في التنظيمات الإسلامية التي أوجدت لها صلة بالماضي، وتزعم قدرتها على إعادة النهضة الإسلامية إلى الحياة مرة أخرى .

إذن ما الحل ..؟؟
لعل المشترك في الظاهرة السياسية الإسلامية التي برزت خلال سلسلة الانتخابات العربية الأخيرة هو وجود خطاب مشترك يجمع بينها جميعا، وإن اختلفت طريقة تناولها للقضايا الداخلية، إذا فلعل الحل يكمن لدى المنظمات والمؤسسات التي تجمع الكيانات العربية الرسمية، كجامعة الدول العربية على سبيل المثال، فهي مؤهلة أن ترعى فكرة مشروع عربي يهدف إلى وضع تصور لنظام سياسي عربي يراعي التجربة الحضارية المشتركة بين الشعوب العربية، ويراعي الفروقات الثقافية والجغرافية بين الدول والأقاليم العربية المختلفة، ليكون هناك نظام عام يراعي خصوصية كل قطر . لقد عملت الحضارة الغربية واجتهدت لقرون طويلة منذ عهد الإغريق وحتى الآن لوضع نظم سياسية للحكم، فنتجت أفكار عديدة، منها النظام الديمقراطي والذي كان رغم عمومية أفكاره وإنسانيتها قد أتاح الفرصة لكل قطر غربي أن يضع لمساته على هذا النظام، فجاءت الديمقراطية الفرنسية مختلفة عن البريطانية وعن الأمريكية.. لذا فنحن في انتظار من يتبنى الدعوة لهذا المشروع الفكري الذي يؤسس لمرحلة حضارية جديدة تطمح في استقرار سياسي لبلادنا .
فربما يكون قد آن الأوان أن يكون لنا تجربتنا الخاصة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

Wednesday, February 1, 2006

الطفل المعجزة

جرت العادة أن يعقب صلاة الجمعة درس يلقيه شيخ الجامع.. غير أن ما أُعلن في ذلك اليوم كان فريداً من نوعه، فقد كان من سيلقي الدرس هذه المرة طفل صغير لم يتجاوز الستة أعوام (!) وبالفعل.. وقف الطفل بجلبابه الأبيض والغترة الحمراء على كرسي كبير بالمسجد وأخذ يخطب في الناس وينذر ويتوعد على عادة كبار الشيوخ.. فاجتمع الناس من حوله يتبسَّمون وينادون على غيرهم من أجل رؤية هذا العرض الطريف، وأخذت كاميرات الهواتف المحمولة تسجل خطبة هذا الطفل الصغير..!
جرى هذا الأمر منذ عدة أسابيع في جامع عمرو بن العاص أول مسجد جامع في مصر وأفريقيا، وأكثر المساجد الكبرى في مصر بعدا عن السلبيات التي قد نراها في بعض المساجد الشهيرة الأخرى... واليوم نجد الخطبة نفسها لهذا الطفل الصغير لا ينقص منها حرف أو يزيد تباع بالأسواق على هيئة أشرطة كاسيت كمحاضرة لأصغر داعية في العالم كان قد ألقاها في مسجد العزيز بالله بالقاهرة.
ولعل فكرة أن يقوم أحد الأطفال بإلقاء خطب الوعظ على رؤوس المسلمين ليست بالأمر الجديد، ففي عام 1999 علا نجم أحد أطفال تنزانيا المعروف بالشيخ شريف عندما قدمته الصحف وقتها على أنه داعية متجول لم يتجاوز الرابعة من عمره، ووصلت شهرته أن التقى ببعض رؤساء أفريقيا كالعقيد معمر القذافي، والرئيس التشادي، ورئيس بنين وغيرهم.. وأذيع وقتها عن هذا الطفل أنه قد بدأ التحدث باللغة العربية وتلاوة القرآن وهو ما زال طفلاً رضيعاً في الشهر الرابع من عمره (!) وأنه قد ولد لأسرة مسيحية دخلت الإسلام على يديه. واتضح في النهاية من خلال حوار صحفي أن هذا الطفل (الشيخ شريف).. ما هو إلا مدّعي كان عمّه يحفظه الخطب كي يتلوها على مسامع الناس، وأنه لا يحفظ حتى آية الكرسي، وقد انفض الناس من حوله في بلاده بعد أن اكتشفوا حقيقته وحقيقة عمره الذي لم يكن ليقل بأي حال عن ثمان سنوات.
وفي إيران... وبين الأوساط الشيعية بزغ نجم الطفل محمد حسين الطباطبائي منذ أواسط التسعينات، وأطلق عليه البعض وقتها "المعجزة القرآنية" لكونه حفظ القرآن في سن صغيرة، رغم أن هذا أمر عادي في أغلب أقطارنا الإسلامية... وكالعادة تعددت أسفاره ليقـدَّم إلى العالم على أنه أعجوبة تستحق التقدير، خصوصا.. بعد أن حصل هذا الطفل - على حد قول بعض المصادر- على الماجستير من جامعة تبريز ثم الدكتوراه من جامعة لندنية، وإن كنا لا ندري على أي أساس كان ذلك التكريم، أما عما كان يقدمه هذا الطفل من "عروض"... فهي أشبه بالعروض التلفزيونية التي تتكون من فقرات يجيب فيها عن أسئلة الحضور بنصوص القرآن ويحدد لهم أرقام الآيات المقصودة، وكأنه أشبه بجهاز كمبيوتر يستدعي المعلومات... وكان يسانده في تلك اللقاءات مدير العرض ووالده الذي أصبح الآن مديرا لجامعة القرآن الكريم في الجمهورية الإسلامية.
ورغم ما أشيع حول ذلك الفتى - الذي قد يجاوز عمره الآن الخامسة عشرة - من إشاعات عن أنه قد تعرض لضغوطات من النظام الحاكم في إيران بعد زعم البعض أنه قد رأي في المنام أن الإمام المهدي يدعوه أن يبتعد عن الحكومة الإيرانية.. إلا أنه يظل الأمر كله مجرد تسليط أضواء على طفل له بعض المهارات التي لا ترقى إلى أن تكون معجزة.
أطفالنا ثروة حقيقية تستحق التكريم، لكن..أن تنتظر الأمة الوعظ من أطفالها فهذا أمر يثير الشفقة ويدعونا إلى إعادة ترتيب أوراقنا مرة أخرى... فكل تلك الحالات التي قد يطرب لها الشيوخ والشباب من المسلمين لم تقدم لنا إلا أطفالا حُـفـّاظا، والله وحده أعلم إذا ما كانوا يدركون ما تحمله تلك النصوص الطاهرة من معان أم لا.. إن مشهد "الداعية الطفل" الذي يعظ بما قد لا يعيه لهو رمز لحالتنا العقلية التي جعلتنا نرى في طفل لديه القدرة على الحفظ أنه داعية يجب أن تــُطرح له الشرائط بالأسواق كما حدث مؤخرا مع الطفل المصري محمد سعيد.
قد يكون حفظ النصوص الدينية أمراً واجباً ومحبباً إلى النفس، لكن هذا للاستئناس بها وتدبر معانيها.. غير أن البعض – على ما يبدو – قد رأى في الحفظ والتلقين المبتغى والمراد تماشيا مع فلسفة مؤسساتنا التعليمية، وذلك بدلا من التفكير في وضع نهج حديث نطور فيه من أنفسنا ومناهج تدريسنا فندرب أطفالنا على الفهم والاستنتاج والبحث.
قد يكون حـُفـّـاظ الكتب كثيرون، أما العلماء.. فهم قلة.
http://www.scribd.com/doc/19938057
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Monday, January 9, 2006

سودانيون.. إسلاميون.. أقباط

لم يبد الكثيرون في مصر اهتماما عندما تزايدت أعداد اللاجئين السودانيين تدريجيا منذ أشهر قرب مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في القاهرة, فقد كان الكل مشغولا بمتابعة الانتخابات البرلمانية وما حملته معها من مفاجآت, ورغم أن تجمهر اللاجئين وقتها على تلك الشاكلة كان مخالفا لقوانين الطوارئ التي تسير عليها البلاد والتي استند إليها الأمن في الكثير من إجراءاته ضد بعض التظاهرات, إلا أنه من الواضح أن الأمن لم يرد أن يثير مزيدا من الجدل حول ممارساته, خصوصا بعد النقد الذي قد تعرض له حول ممارساته أثناء الانتخابات البرلمانية المصرية .
موقف الأمن من الانتخابات البرلمانية الأخيرة أوجد له بعض العداءات مع أبناء المجتمع المدني وهيئاته وقوى المعارضة ممن انفعلوا مرة أخرى بعد عملية إجلاء اللاجئين السودانيين بتلك الطريقة السيئة, فمازالت الدعاوى تتصاعد من أجل معاقبة المسؤولين عن مقتل خمسة وعشرين لاجئا سودانيا وما أعقب ذلك من انتقادات دولية, غير أننا بعد كل هذا يتبقى لدينا تجربة سودانية مريرة أعطت بعض الدلالات على حالة المجتمع المصري وما هو مؤهل له في الفترة القادمة.
فقد برز في تجربة اللاجئين السودانيين ثلاثة ملامح واضحة, أولها وجود تاريخ مشترك وتجارب متشابهة بين هؤلاء اللاجئين مما قوى اتحادهم طوال فترة الاعتصام التي زادت عن ثلاثة الاشهر, أما ثاني تلك الملامح فهو وجود معاناة تجمع بينهم بسبب ما لاقوه في مصر من مشقة أثناء فترة إقامتهم أو حتى قبل مجيئهم إليها, أما الملمح الأخير فهو إحساسهم بالاغتراب نتيجة نظرتهم إلى مصر منذ البداية على أنها مجرد محطة يعبرون منها إلى دار الهجرة والمستقر في العالم الغربي, أما عن الخطر الذي قد يواجه المجتمع المصري في الفترة القادمة فهو عن ذلك التشابه بين ملامح تجربة أولئك اللاجئين مع ملامح تجارب أخرى لبعض العناصر الداخلية في المجتمع المصري, ونقصد هنا التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين, إلى جانب بعض العناصر المسيحية القبطية المتطرفة.
فإذا كنا قد تحدثنا عن ملمح التاريخ المشترك بين اللاجئين السودانيين في مصر.. فإن جماعة كجماعة الإخوان المسلمين نجد بين أعضائها تلك القناعة نفسها بوجود تاريخ مشترك بينهم, وهو الأمر الذي ترسَّخ عبر سنوات طوال فدفع بعض أفرادها أن يحفظوا سير مناضليهم وأفكار رموزهم عن ظهر قلب, أما على الجانب المسيحي فنجد بعض الكتابات التي تتحدث عن نضالات (الشعب القبطي) وكأنها تؤرخ خارج سياق التاريخ الإسلامي والحديث لمصر, فبعضها يصف الأقباط وكأنهم جماعة منفصلة بذاتها لها تاريخها المشترك والمتفرد, أما عن الملمح الثاني وهو عنصر المعاناة الذي لمسناه في التجربة السودانية, فنجده متوافرا في خطاب التيار الإسلامي وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين التي قد تعرضت للكثير من المشكلات أو الاضطهادات من قبل أجهزة الأمن طوال حقبة طويلة من الزمان.. و أيضا لدى بعض النشطاء الأقباط من يحاول أيضا إضفاء ملمح المعاناة على الجماعة القبطية بأسرها فيتحدث عن اضطهاد للمسيحيين وإجبار على الدخول في الإسلام.. !
أما الملمح الأخير فهو ملمح الاغتراب, فمثلما تناولنا أسبابه في التجربة السودانية السابقة فإننا نجده ملموسا أيضا في بعض أدبيات التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين وخصوصا عند استخدام البعض للنصوص الدينية التي تتحدث عن غربة الإسلام وأزمة المتدينين القابضين على دينهم كما يقبض على الجمر, إلى جانب ما تحمله تلك الأدبيات من إدانة للمجتمع والدولة, أما داخل الجماعة القبطية فهنالك بعض العوامل التي قد تدفع للشعور بالاغتراب سواء كان ذلك بسبب فوضى الدعاية الإسلامية, بسبب بعض التصرفات السياسية والمجتمعية الخاطئة, أو حتى بسبب انتشار فكرة الهجرة إلى خارج مصر وصعود دور الكنيسة في الوسط المسيحي .
تلك ثلاثة ملامح وجدناها مشتركة بين تجربة اللاجئين السودانيين وتجربتي التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين و تجربة بعض العناصر القبطية المتطرفة في مصر, وربما تكون التجربة السودانية هي الأعمق والأعنف.. وهو ما يدفعنا هنا إلى التساؤل عما سيكون عليه حال أصحاب التجربتين الإسلامية والمسيحية إذا ما اشتدت عليهم الظروف.. هل سيلجأ بعضهم أيضا إلى اتخاذ نفس تصرف اللاجئين السودانيين ..؟ وهل ستكون النهاية واحدة..؟
أظن أنه على الحكومة المصرية الجديدة ألا ترث سياسات من قبلها, وأن تعيد حساباتها من جديد فتتخذ المبادأة في حل المشكلات المجتمعية بدلا من أن تحولها إلى ملفات أمنية... فليس لكل مشكلات المجتمع حلول لدى السلطات الأمنية
ــــــــــــــــــ