Monday, September 20, 2004

علمانية

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
"علماني كافر" ، "يريدونها علمانية، فيعود الإسلام غريبا " ، "هؤلاء من ضيعوا الدين فسيضيعهم الله" .. إلخ. تلك بعض العبارات التي نسمعها دائما عندما يأتي الحديث عن العلمانية، التي أصبحت مرادفا للكفر لدى شريحة كبيرة من الناس، على الرغم من أن أغلب المسلمين المتجهين لاستغلال تلك الفكرة الأوروبية غرضهم الأساسي هو الإصلاح..!
و كما يعلم البعض منا أن العلمانية لم تكن شرقية المنشأ بأي حال من الأحوال .. إنما نشأت نتاج تفكير أوروبي بحت يسعى لحل أزمة المجتمع الأوروبي الذي خرج رجال الدين المسيحي فيه عن دورهم ، و دأبوا على منازعة الحكام سلطانهم ، فأرادوا السيطرة على الناس من خلال الدين حتى يصلوا إلى الحكم، من خلال سيطرتهم على الأمور الدنيوية إلى جانب الأمور الدينية .
وقد كانت الحركة الصليبية حلقة في هذا النزاع بين رجال الدين والملوك والأمراء على اختطاف السلطة الزمنية، حين أصبح رجال الدين هم من يأمرون الناس للخروج إلى تلك الحملات ، بل أصبحوا يأمرون الملوك أنفسهم بذلك ويُصدرون ضدهم قرارات الحرمان الكنسي في حالة عدم استجابتهم.. فيتم إذلال الملوك وخضوعهم للسلطة الدينية .
من هنا، كان رد الفعل الأوروبي ضد كل هذا .. هو محاربة تلك الفئة ( السلطة الدينية المتمثلة في رجال الكنيسة) وكسر نفوذها الذي أفسد أوروبا وجعلها مرتعا للجهالة ..
فجاء فصل الدين عن الدولة ... الدين المتمثل في أي سلطة دينية وأي نص ديني ، حيث أن استخدام النصوص الدينية في الحكم سيجعلها منفذا لدخول رجال الدين مرة أخرى للحكم ... رجال الدين الذين كانوا من قبل قد احتكروا قراءة الكتاب المقدس وتفسيره (المكتوب باللاتينية) .
وهكذا نجد أن العلمانية مفيدة لأوروبا فبها تحررت وانطلقت تغزو العالم (بعيدا عن قيادة رجال الدين كما في الحروب الصليبية) . أما هنا في بلاد الإسلام : وفي اعتقادي أن اتجاه البعض في بلادنا إلى العلمانية إنما هو رد فعل على قيام البعض من بيننا - ليس بدافع تقليد الأوروبيين طبعا - بمحاولة القيام بدور مشابه للدور الذي كان يقوم به رجال الكنيسة في العصور الوسطى ، أي محاولة استخدام الدين في الوصول للحكم أو حتى مناطحة الحاكم ، والادعاء بأنه بعيد عن الدين .
و كثير ممن يؤمن بالعلمانية ، ينظر إليها من وجهة نظر أخرى غرضها الإصلاح، لا بغرض إنكار الدين .. ولكن لأن الفكرة غربية فتطبيقها صعب ، والواجب هو الإتيان بفكرة جديدة لعلاج استغلال البعض للدين ، وذلك على يد مجموعة من المفكرين الذين هضموا فقهنا وتراثنا ومشاكلنا ليأتوا بفكر جديد .
ولكن حتى يتم ذلك فعلينا الانتظار ، ومتابعة ما يقوم به المتحدثون باسم الإسلام والمسلمين من مهاجمةٍ لما يقدمه أولئك بدلا من تقويمهم وتعديل فكرهم للخروج بنظرية جديدة .
ولكن لماذا نتجادل ونفكر ونتعاون.. ؟! فالبعض يستفيد من كونه يظهر بصورة البطل المسلم ، حامي الإسلام ، خصوصا وأنه يكتسب قوة أكثر وأكثر بمثل تلك الأمور قد تؤهله فيما بعد لمناطحة الحاكم !
إذن عندما يختفي هؤلاء الذين يستغلون الدين للوصول إلى مآربهم سيختفي أولئك الذين يريدون نفي الدين من حياتنا.
وعموما فمن النادر أن نجد شخصا مسلما يخرج إلى الناس زاعما أن هذا الدين يضر بحياتنا ويفسدها ولابد من هجرانه (وقد يحدث) ، إنما في الغالب أن ما يحدث هو استغلال سقطات لبعض الكتاب أو التفسير السيئ لما كتبوه ، وذلك من قِبَل أولئك الذين يزعمون أنهم حماة الدين ، ومن بعض المتسرعين ، وبالطبع يثير ذلك حفيظة الناس ويستغل تدين شعوبنا وحماسة بعض الشباب منا (الشباب الذي لا يقرأ كثيرا) . وتدور المعارك .. بالضبط مثلما كان يفعل رجال الكنيسة في العصور الوسطى عندما أثاروا حمية الناس في دعواتهم الصلييبة ، لتعود مرة أخرى نفس الدائرة على الساحة، تلك الدائرة التي يدور فيها طرفان أحدهما يحتكر الدين ، والآخر يريد نزع الدين وطرحه بعيدا خارج الدائرة حتى لا يحتكره أحد بعد ذلك .
وربنا يهدي الجميع

Wednesday, September 15, 2004

ستة شباب مصريون

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
محمد سعيد أبو دهب ، محمود جمال عزت علي، مصطفي يوسف المحمدي، سالم يسري محمد، عماد سعيد التهامي ، و مصطفي علي أبو ضيف ، هم ستة طلاب جامعيين مصريين ، يواجهون حاليا عدة تهم من قبل السلطات الإسرائيلية تتمثل في " التخطيط لخطف واغتيال عسكريين إسرائيليين ، والاستيلاء على أسلحتهم وعلى دبابة وقتل طاقمها وسرقة مصرف ميتزبي رامون ثم العودة إلى مصر مع المال من اجل تمويل عمليات أخرى ضد إسرائيل " .
و تطالعنا الأخبار عن هؤلاء الفتية، أنهم طوال الفترة من 2001 ـ 2004 وهم يخططون للقيام بعمليات ضد الجيش الإسرائيلي ، تتمثل في عمليات قتل، و كذلك عمليات أسر لعسكريين إسرائيليين من أجل المساومة عليهم لإطلاق سراح الأسري في السجون الإسرائيلية ، وأن هؤلاء الطلبة المصريين قد حاولوا قبل ذلك تخطي الحدود الإسرائيلية عدة مرات، ولكنهم فشلوا.
و قد قبض عليهم الشهر الماضي بعد أن تخطوا بالفعل الحدود الإسرائيلية وتوغلوا لثلاثة كيلومترات في داخل إسرائيل، وعندما ضبطوا.. وُجدَ معهم 14 سكينا وأجهزة راديو ومنظار ومصابيح كهربائية. العجيب في أمر هؤلاء الفتية أنهم لا ينتمون إلى أيٍ من الجماعات التي تتبنى مثل تلك العمليات، خبر غامض .. و ربما تأتي الأيام القادمة بمزيد من التفاصيل عنه.
يتشابه هذا الخبر مع حادثة جرت في عام 2001 عندما توجه خمسة مراهقين (مابين 12 – 17 عام) إلى حدود مصر مع إسرائيل من وراء ذويهم من أهل بني سويف ، للاشتراك في الانتفاضة مع إخوانهم الفلسطينيين، وقام رجال الأمن المصري بضبطهم وإعادتهم لأهلهم بعد ذلك.. ولعل أول ما يتبادر للذهن هو موقف الحكومة من مصير هؤلاء الفتية، فهو موقف معقد لأن هؤلاء الطلبة قد تحملوا أن يقوموا بعمليتهم هذه على مسئوليتهم، فإذا حدثت ضجة إعلامية حولهم ، اهتبلت إسرائيل الفرصة لتروج للعالم أن المصريين يبعثون بأبنائهم لينهبوا خيراتها ويقتلوا أبناءها.
وقد تَفتح ملف عمليات الهروب التي يقوم بها البعض إلى داخل إسرائيل تحت وطأة الظروف الاقتصادية.. فعلى سبيل المثال منذ يومين فقط .. سلمت إسرائيل السلطات المصرية مجموعة من السودانيين ـ من أهل دارفور المقيمين في مصرـ بعد ضبطهم أثناء محاولتهم الفرار إلى داخل إسرائيل بحثا عن عمل.. إذا فموقف الحكومة صعب. وخصوصا ، وأنها تبدو وكأنها لا تستطيع السيطرة على مواطنيها ، أو بمعنى آخر لا تستطيع الحفاظ على السلام مع إسرائيل ، أي أنه لو تكررت مثل تلك العمليات مرة أخرى ـ ولو بتدبير من إسرائيل نفسها ـ فسيعطي ذلك إسرائيل الفرصة للمطالبة بملاحقة (الإرهابيين) ، أيا كانوا.. حتى لو كانوا في داخل سيناء.
أما على الصعيد الداخلي.. فلمثل هذا الحادث مؤشرات خطيرة، فاليوم يجتمع مجموعة من الشباب، ويخططوا لأمر ما طوال ثلاث سنوات، على أن يتم تنفيذ هذا الأمر خارج مصر. إذا . فلنتوقع أن يفكر البعض بعد ذلك – كمرحلة تالية - في أن يخطط لأمر ما يتم تنفيذه في داخل مصر، خصوصا وأن مثل تلك العمليات يكون تنفيذها في الداخل أسهل. وعلى الرغم من الحزن الشديد على هؤلاء الفتية ، إلا أنه يؤخذ عليهم إتباعهم ذلك الأسلوب، خاصة أننا لا نريد صنع عرب أفغان جدد سواء في فلسطين أو في العراق.