Monday, February 2, 2009

المعرض.. كتاب وأشياء أخرى

عبدالرحمن مصطفى
كل نهار يخطو محمد إبراهيم القادم من مدينة المنصورة نفس خطواته اليومية من بوابة أرض المعارض الرئيسية إلى سراي ألمانيا حيث يعمل في جناح إحدى دور النشر اللبنانية هناك، يمر يوميا بأحمد القادم من سوهاج الذي يجلس أمام نفس السراي منتظرا تكليفات الزبائن والناشرين لنقل كتبهم إلى خارج المعرض أو العكس. عمل كل منهما يختلف تماما عن عمل الآخر، ورغم اختلاف ثقافة كل منهما، وطريقة الحصول على الأجر، إلا أنهما سويا يندرجان ضمن شريحة من الشباب اختارت مشقة أسبوعين من العمل في معرض القاهرة الدولي للكتاب دون تعاقدات، بحثا عن فرصة لا تتكرر سوى مرة واحدة في العام.

محمد إبراهيم الذي يدرس الهندسة في جامعة القاهرة تحدث في البداية بحماس عن علاقته بالكتاب وولعه بالقراءات الدينية على وجه الخصوص، ووافق على الحديث إلى الشروق بشرط عدم التصوير، معللا ذلك بأنه يعمل في هذه الفترة دون علم عائلته، يقول "أدرس في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وقررت هذا العام أن أستغل فترة الإجازة الدراسية في جني بعض الأموال التي تعينني على نفقة الدورات التعليمية التي أشارك بها جانب دراستي".
في خارج سراي العرض كان أحمد الذي لم يستغنى عن زيه الصعيدي ينتظر هو الآخر أداء مهامه "كشيال" في فترة المعرض، في البداية تحولت ملامحه البائسة إلى الابتسام و أبدى تعجبه من فكرة التحدث مع الصحافة، ثم سرعان ما اندمج في الحديث عن تفاصيل عمله المرهق وكيف داوم على هذا العمل الموسمي منذ أكثر من خمس سنوات، يقول " قد تكون هذه هي السنة الخامسة لي في العمل في نقل الكتب ومشتريات الزوار، إلا أن هذا العام جاء بقرار جديد من إدارة المعرض، بمنع استخدام عربات نقل الكتب، وهو ما جعل مهمتنا أكثر مشقة عن ذي قبل"، إلى جوار أحمد جلس رجل خمسيني في جلباب صعيدي اقتحم الحوار بمداخلات تعريفية عن مهام عمل الحمالين وقدم القصص الدالة على أمانة زملائه هنا في المعرض، كان اسمه الحاج محمد، وهو ذو صلة قرابة بزميله الشاب أحمد، يقول الحاج محمد "أعمل سنويا في المعرض منذ خمسة عشر سنة، ومهنتي الأصلية بواب، ومنذ خمس سنوات تقريبا بدأت في إحضار أحمد القادم من نفس بلدتي لمساعدته في العمل في فترة المعرض".
ويحصل الحمّال على أجره في معرض الكتاب مقابل النقلة الواحدة التي تقدر بحوالي خمسة جنيهات، وحسب حديث كل منهما فهما لم يواجها صعوبات حتى الآن في العمل دون تعاقد، ودون اتصال بإدارة المعرض، كذلك لم يواجها عوائق في الحركة داخل المعرض. في حين أنه في الجانب الآخر داخل صالة العرض يحصل محمد إبراهيم طالب الهندسة على ثلاثين جنيها مقابل كل يوم عمل طوال فترة المعرض، شرط أن يلتزم بمواعيد العمل وألا يتغيب على الإطلاق. حيث تستعين بعض دور النشر العربية في أجنحتها بعمالة مصرية، بينما يكتفي آخرون بمندوبي البيع العاملين لديهم، يقول محمد مرعي وهو مندوب البيع الذي اختار محمد للعمل معه في فترة المعرض "حضرت معارض كتب في دول عربية أخرى كالسعودية والبحرين، وكنا نكتفي بوجودي فقط في كل مرة، لكن خصوصية معرض القاهرة وكثافة الجمهور، فرضت وجود مساعد معي"
أما عن صورة التعاقد بين محمد طالب الهندسة ودار النشر اللبنانية، فحسب وصف مرعي هي تعاقد مباشر لا صلة لإدارة المعرض به، ويقول "كانت مهمتي البحث عن شاب يساندني في العمل، ووصلت إلى محمد عن طريق زميل مصري يعمل في جناح عرض مجاور، وتم الاتفاق".

ولا ينحصر العمل المؤقت في فترة المعرض، بين العمل داخل أجنحه دور النشر أو العمل في نقل الكتب، كما في الحالات السابقة، ففي دور العرض المفتوحة المتراصة بطول الطريق الرئيس في معرض الكتاب حيث تغدو القاطرات الملونة وعربات النقل المجاني، اتخذت بعض شركات البرمجيات مواضعها مستغلة الفرصة لعرض بضائعها من خلال شباب متأنق، بيد كل واحد منهم إعلان ورقي عن منتجات الكترونية وبرمجيات، وبسؤال عدد منهم، تبين أنهم ينقسمون إلى فئتين.. الفئة الأولى تعمل في هذه الشركات وتم تكليفهم بالعمل في فترة المعرض، أما الفئة الثانية فتعمل فقط في أسبوعين المعرض، مقابل أجر محدد.
رانيا مصطفى خريجة كلية العلوم من الفئة الثانية التي تعمل فترة المعرض فقط، قرأت إعلانا يطلب مندوبين للعمل في فترة المعرض، ولأن لديها خبرة سابقة في العمل في مجال التسويق، لذا لم تحتاج سوى ليوم واحد فقط للإلمام بتفاصيل الجهاز الذي تسوقه في فترة المعرض.
وذكرت أن هناك حالة منافسة شديدة بين الشركات من أجل الحصول على الزبائن وتسجيل عقود بيع، لكن لم تكن تلك فقط هي أسباب القلق لدى رانيا، فقد قالت "أعمل في فترة المعرض بصورة مؤقتة مقابل 450 جنيها، دون تعاقدات، وهناك حالة من الغموض تجاه قيمة عمليات البيع، وهو ما يجعلني لا أعرف قيمة مكافأتي في حالة إتمام صفقات جديدة، و الحصول على نسبتي من البيع"

إن القلق من عدم الحصول على مكافآت أو نيل الأجر الكافي في فترة المعرض أمر لا يؤرق فقط شباب كمحمد طالب الهندسة أو أحمد القادم من الصعيد، أو رانيا خريجة كلية العلوم، وغيرهم من العاملين بصورة مؤقتة دون تعاقدات ورقية في فترة المعرض.. بل امتد ذلك إلى شباب يعملون بالفعل لدى دور توزيع من قبل فترة المعرض، من الذين جاءوا إلى أرض المعارض للمشاركة مع مديريهم على أمل الحصول على مكافأة خاصة، سيد شحات الطالب في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، يقف في جناح إحدى دور النشر الحكومية الليبية ليستقبل زوار الجناح مجيبا على استفساراتهم، يقول " تلجأ بعض دور النشر العربية إلى توكيل مهمة تمثيلها في المعرض إلى الموزع المصري الذي يوزع مطبوعاتها في القاهرة، وأنا أعمل بالأساس في دار النشر المصرية التي توزع للناشر الليبي".
ورغم تحفظ سيد الواضح في الحديث عن تجربة عمله وتفاصيلها، إلا أنه أفصح عن قلقه وتشككه بشأن حصوله على المكافأة الخاصة بفترة عمله في فترة المعرض، خاصة أنها التجربة الأولى التي يخوضها في هذا المجال.

إن جولة على قصص العمالة المؤقتة في معرض الكتاب تبرز عالما آخر يسيطر عليه القلق والمشقة، وذلك رغم أن أغلب العاملين في دور النشر أو نقل الكتب أو تسويق البرمجيات يلتزمون بابتسامة ترافق يوم عملهم في المعرض، إلا أنها ابتسامة مؤقتة سرعان ما تختفي بعد انتهاء ساعات العمل.

المسجد تحت السيطرة

من اليسير على زائر معرض القاهرة الدولي للكتاب أن يلحظ تلك الملامح الجديدة التي طرأت على بعض ساحات وأنشطة المعرض هذا العام، فإلى جانب التواجد الأمني المكثف الذي عمل على فصل أجزاء أرض المعارض بحواجز أمنية أشبه بلجان التفتيش، فإن ملمحا آخر قد برز أمام زوار مسجد أرض المعارض، إذ أصبح عليهم الآن إعادة التفكير جيدا في شكل علاقتهم بهذا المسجد.
في عام 1982 تبرعت السيدة ملك أحمد زكي قلاوون ببناء مسجد في ارض المعارض تخليدا لذكرى ابنها الشهيد مهندس أحمد مدحت عامر، من الصعب علينا الآن أن نتوقع ما كان يأمل فيه مشيدو مسجد ذو طبيعة فريدة كهذا المسجد حيث لا يكتمل نشاطه إلا بصورة موسمية ما جعله حالة خاصة في أداء المساجد، فإلى جانب تنوع وجوه المصلين بين مصريين وعرب وآسيويين وأفارقة.. فالمسجد يعمل طوال فترة عمل معرض الكتاب بكامل طاقته، والصلوات تتوالى تباعا في جماعات، والجمهور يشارك في إدارة المسجد بعفوية غير مخطط لها، حيث يتطوع أحدهم لرفع الأذان في الميكروفونات، وآخر يتقدم الصفوف إماما، إلا أن الظاهرة الأهم داخل المسجد، هي سيطرة الملمح السلفي بالزى المميز من جلابيب وبناطيل قصيرة، و تناثر الحقائب الممتلئة بالكتب الدينية والشرعية في مشهد يعبر عن هوية شريحة غير هينة من رواد المعرض، وهو ما ينعكس على أداء الشعائر في الإطالة بالصلاة، خاصة وأن الأمر متروك بيد الجمهور.
بعض الزوار اعتاد في كل عام أن يتخذ المسجد استراحة من جولاته في معرض الكتاب، خاصة القادمين من المحافظات في خارج القاهرة، وحتى الآن ما زال هناك من يحافظ على تلك العادة التي تحول المسجد إلى مكان للراحة، ومخزن لحقائب الشراء البلاستيكية.
عن تلك الحالة التي يشارك فيها الجمهور في إقامة الشعائر واستخدام المسجد كاستراحة، يعلق أحمد صلاح وكيل وزارة الثقافة لشئون المعارض بنفيه صلة إدارة المعرض بالمسجد، مؤكدا أنه ليس في نطاق مسؤولية الإدارة، بل يقع تحت مسؤولية وزارة الأوقاف.

ورغم هذا التوجه من إدارة المعرض إلا أن الدورة الحالية من معرض الكتاب حملت معها بعض الإجراءات التي تتعامل مباشرة مع سلوكيات مرتادي المسجد، على رأسها قرار تأجيل ميعاد دخول المعرض في يوم الجمعة إلى الثانية عصرا، وهو ما يضمن عدم تكرار ما حدث في السنوات السابقة، حين كانت صلاة الجمعة ملتقى النشطاء وفرصة لحشد جمهور المعرض من أجل التظاهر، من ناحيته لم يربط السيد أحمد صلاح بين احتمالية وقوع مظاهرات في المعرض وهذا القرار، وذكر أن القرار جاء نتيجة تفكير عملي في مشكلة ضخامة عدد زوار معرض القاهرة للكتاب، وهو قرار تنظيمي، حيث من الصعب التعامل مع ألاف المصلين في يوم الجمعة الذي يستقبل المعرض فيه حوالي ربع مليون زائر !. وأضاف أن كثيرا من المعارض العربية، تلجأ لذات الإجراء الذي يتجنب العجز عن توفير خدمات لآلاف المصلين في وقت واحد.
من ناحية أخرى يجاور المسجد حضور أمني مكثف، يستدعي مرة أخرى تلك العلاقة المتشابكة بين إدارة المعرض والمسجد، وعن ذلك يقول السيد أحمد صلاح "هذا التواجد الأمني ذو صلة بالأحداث التي عشناها مؤخرا، وقد رأينا مثل هذا الحضور في ملتقيات جماهيرية أخرى كمباريات كرة القدم، والهدف هو الحفاظ على أمن الزائر"
إن متابعة تعليقات زوار المسجد المتنمرة حول المجموعات الأمنية التي تراصت جوار المسجد، في زيها المدني منذ اليوم الأول لأنشطة المعرض، تشير إلى وعي جمهور المسجد بهذا التغيير الذي طرأ على التعامل مع ظاهرة مسجد معرض الكتاب الذي يؤمه أصحاب الملامح السلفية، وكانت تباع في ساحاته أشرطة دعاة من نفس الخط العقائدي.
جدير بالإشارة وجود العديد من الساحات التي افترش زوارها الورق الكارتون للصلاة عليها بدلا من الذهاب إلى مسجد المعرض المكدس بزواره.