Sunday, June 28, 2009

الدوار .. آخر قلاع الريف فى القاهرة


فى ميت عقبة، على تخوم المهندسين، ظل دوار العمدة ينازع كى يستمر فى التواجد داخل العاصمة، مجرد مقر للاحتفاليات وفض المنازعات.

الاحد 28 يونيو 2009
عبدالرحمن مصطفى
أقصى ما يتمناه الحاج أنور الشاهد الآن هو جلسة صافية ينصت فيها بخشوع إلى تلاوة إذاعة القرآن الكريم قبل آذان المغرب، وتكتمل سعادته مع كوب شاى صغير وجلسة مريحة على أريكة ريفية تتسع له ولضيوفه ولأبنائه من حوله. لم تتحقق أمنية الحاج أنور الذى تجاوز الثمانين عاما إلا فى «دوار عائلة الشاهد» بعيدا عن مقاهى حى ميت عقبة المزدحمة بزبائنها. فاختار جلسته المفضلة فى دوار العائلة حيث ذكرى الماضى الذى لن يتكرر.
فى تلك المساحة الجغرافية من القاهرة لا يتوقع الجالس فى أحد مطاعم ميدان لبنان الراقية بحى المهندسين أن يجد خلفه بعدة أمتار روح أخرى لاتزال تسكن حى ميت عقبة، وتحديدا فى «الدوار» الذى لايزال يجد من يدافع عنه ويحافظ عليه كدليل على أصل ميت عقبة كقرية ريفية اندمجت الآن وسط منطقة المهندسين واخترقها محور 26 يوليو بعرباته الطائشة التى قد لا يجد ركابها الفرصة لاكتشاف بقايا الدوار هناك.
السير بمحاذاة محور 26 يوليو قد يخدع المارة للوهلة الأولى ويصور لهم أنهم أمام منطقة شعبية تقليدية مقحمة بين منطقة المهندسين والعجوزة. شوارعها الضيقة تتحول فى بعض اللحظات إلى ممرات ترفض استقبال السيارات ولا تسمح إلا بعبور المشاة، تلك ليست قواعد العشوائيات بل هى قواعد القرية الريفية القديمة حيث البيوت المتجاورة والشوارع المسماة بأسماء العائلات القاطنة بها. لم يكن الوضع على هذه الشاكلة فى النصف الأول من القرن الماضى حيث كانت الفراغات أكثر اتساعا مع وجود الأراضى الزراعية ذات المساحات الكبيرة. وكالعادة فرض التقاء الأرض الزراعية بالفلاحين على القرية أن تنشئ عائلاتها الكبيرة «دوارا» لإدارة شئونها، خصوصا إن كان منصب العمدة فى داخل هذه العائلة.
على حدود ميت عقبة الخارجية تشير لافتة إلى «درب الشاهد»، وهى إحدى العائلات القديمة فى ميت عقبة منذ أن كانت قرية.. الحاج عبدالحميد عبدالمجيد الشاهد الذى قدمناه فى البداية على أنه أنور الشاهد حسبما ينادونه هنا هو أحد أفراد هذه العائلة، ما زال متمسكا حتى الآن بالتواجد فى «الدوار» الباقى أمام منزله حيث يقضى الكثير من وقته وسط آخر ما تبقى من الزمن الريفى.
شحن بطاريات الذاكرة وبدا متحمسا وهو يروى عن «الدوار» والزمن الماضى: «كان الدوار من أهم الأماكن فى ميت عقبة حيث يجلس العمدة وكبراء العائلة لفض المنازعات وتلقى الزيارات وضبط العلاقات بين أصحاب الأراضى والفلاحين.. أنا هنا أتحدث عن ما قبل الخمسينات حين كانت هناك أراضى زراعية فى هذه الناحية تفرض شكلا خاصا على علاقات الناس وكان للدوار مكانته آنذاك».
فى تلك الفترة التى يحكى عنها الحاج أنور كانت ملامح الدوار مختلفة تماما حين كان أقرب إلى مقر إدارى يترأسه العمدة يضم غرفتين كبيرتين أمامهما مساحة رحبة لاستقبال الزوار، أما الآن فقد تغير الشكل واتخذ طابعا فلكلوريا مع غياب أهداف وجوده الأولى. طرأت كذلك بعض التعديلات الهندسية حولت الغرفتين إلى صالة فسيحة أمامها حديقة ومتكأ للضيوف إلى جانب غرف خلفية تستعمل كبوفيه فى المناسبات.
حمدى عباس حلمى الشاهد ــ أحد أفراد العائلة ــ ما زال يتذكر لحظة تحول الملامح الخارجية للدوار إلى شكله الحالى بعد أن تغير دوره القديم من مقر للعمدة إلى مكان تجمع عائلى ودار للمناسبات، ويقول: «والدى كان عمدة البلد فى أوائل الخمسينيات كان يحل المشكلات ويفض المنازعات فى هذا الدوار بشكله القديم، ومع السبعينيات بدأ الدوار يتوارى عن الأنظار واختفى دوره الاجتماعى إلى حد كبير حتى قررنا فى الثمانينيات إعادة تجديده ليكون مقرا لتجمع العائلة إلى جانب استخدامه فى العزاء وعقد القران لغير القادرين».
هكذا تحول «الدوار» إلى مقر احتفاليات مع غياب العمدة عن ميت عقبة التى انخرطت منذ الستينات فى أجواء المدينة وانصهرت بأكملها داخل العاصمة.

الشاهد كمان وكمان

فى الناحية الأخرى من ميت عقبة بعيدا عن مقر «الدوار» القديم يعود اسم الشاهد مرة أخرى للظهور فى أسماء الشوارع الفرعية.. أحدها شارع عفيفى الشاهد وهو الآن شيخ فى الخامسة والثمانين من عمره مازال يتقاسم مع الحاج أنور ذكرياته عن زمن «الدوار». شكا من سقوط هيبة الكبير على عكس ما كان فى الماضى، قائلا: «كان أصحاب الأراضى الزراعية لا يتعدون الأربعة والثلاثين فردا هم من كان باستطاعتهم انتخاب العمدة القابع فى هذا الدوار، وكان هذا العدد المحدود يعبر وقتها عن حالة المجتمع حين كان هناك تقدير للكبير وصاحب الأرض أما الآن فأصبح الجميع متساويا واختفى الصوت القادر على فض المنازعات».
اختار الحاج عفيفى الشاهد منذ حوالى ستة عقود أن يسكن بعيدا عن الدوار واتجه ناحية أرض كان يزرعها بيديه تنتج البرسيم والذرة والقمح امتدت حتى شارع السودان الحالى. فى هذه الفترة ظهرت أغنية شهيرة فور وقوع حركة الجيش عام 1952، كان عنوانها «ع الدوار ع الدوار. راديو بلدنا فيه أخبار».
هذه الأغنية كانت أولى أغنيات الثورة والمفارقة أنها تغنت باسم الدوار الذى شكلت الثورة فيما بعد دوره ونفوذه داخل القرية عقب إعادة ترتيب العلاقات الاجتماعية فى مصر كلها آنذاك.. لكن دوار ميت عقبة لم يتخل عن مكانته فورا إلا بعد أن تلاشى منصب العمودية واتخاذ القرية الطابع الحضرى فى الستينيات.
يكمل أحمد عفيفى الشاهد النقطة التى توقف عندها والده «اليوم ربما يكون من البديهى أن يرث نائب الشعب أو المسئول مكانة العمدة القديمة إلا أن نواب الشعب حاليا لم يملأوا مكانة العمدة الذى كان متواجدا بين الناس. وذلك على الرغم من أن نفس الدوار الحالى لايزال يستضيف النواب والمرشحين للمناصب النيابية فى المناسبات إلا أنه لم يعد باستطاعتهم تأكيد حضورهم فى حى متخم بالسكان كهذا الحى».
ميت عقبة التى خلعت ثوبها الريفى منذ عقود وانضمت فى العام 1997 إلى حى العجوزة لم يكن الدوار فقط هو الدلالة على جذورها الريفية فعلى أطرافها شارع يحمل اسم «داير الناحية»، وهو اسم مألوف فى تخطيط القرية المصرية التى يمثل «داير الناحية» فيها ما يوازى الطريق الدائرى حول حقول القرية وتتفرع منه طرق فرعية إلى مساكن الفلاحين وأصحاب الأراضى، ومن داير الناحية توصل الطرق دائما إلى «الدوار» الذى يتخذ موقعه الاستراتيجى فى تخطيط القرى.
على بعد أمتار من «دوار الشاهد».. تبدأ أسماء عائلة دعبس فى الظهور على لافتات الشوارع مثل شارع «بين البلدين» الذى تحول إلى شارع «الشهيد أركان حرب نصر دعبس» ثم شارع آخر يحمل عنوانا أكثر مباشرة هو شارع «العمدة دعبس». هناك يقع دوار عائلة دعبس إحدى العائلات التى تولت مقاليد العمودية قديما.

بدون «سلاحليك»

لا تزال الأجواء القديمة تحيط بالدوار، أمامه مساحة رحبة انفرد بها عن بقية الشوارع الضيقة. تلك المساحة أعطته بعض التميز فى الحى وأمام الدوار الذى لم يعد يفتح الآن إلا فى المناسبات يقع مكتب أحمد إلياس دعبس، من كبار أفراد العائلة التى تجمعها علاقات نسب بعائلة الشاهد، ومن نافذة مكتبه يطل على الدوار مستعيدا الذكريات. لايزال يحتفظ بالصور التى كانت معلقة فى الماضى على جدران الدوار القديم لمصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد حين كانت الأسرة تدعم الوفد قبل الثورة.
يختلف دوار دعبس الحالى عن حالته القديمة التى يصفها كبار العائلة حين كان مبنى حجرى تتخلله العروق الخشبية.
فى داخل الدوار يعرض أحمد إلياس دعبس وجها آخر للدوار كمقر إدارة وحكم «لم يكن الدوار مجلس عائلة أو واجهة اجتماعية بل كانت تفد إليه إخطارات التجنيد وإنذارات المحاكم كما كان له دور مهم يكاد يكون قد تلاشى من حياتنا الآن وهو الضبط الاجتماعى» يرى أحمد إلياس أن غياب الدوار يمكن أن يعوضه دور الأفراد وهو ما يحاول صنعه فى مكتبه بين أبناء الحى بصورة مصغرة. هنا يتدخل ابن العم أحمد عبدالمحسن دعبس برأيه: «فى الماضى كانت سلطة الدوار تتجاوز النصح والإرشاد إلى المشاركة فى العقوبة وهو ما لا يستطيع أحد ممارسته الآن ففى نفس هذا الدوار كان هناك جزء ملحق اسمه السلاحليك يحتجز فيه الأشقياء قبل عرضهم على الشرطة بهدف حل المشكلات داخل نطاق القرية أولا على يد العمدة».
ومثلما كان الحال مع دوار عائلة الشاهد أخذ دوار عائلة دعبس دورته التقليدية مع التبدل الذى أصاب ميت عقبة فى تحولها من الطابع الريفى إلى جزء من العاصمة، ومع غياب نظام العمودية استمر الدوار يقاوم حتى أعيد بناؤه من جديد فى الثمانينيات بشكله الحالى الذى حوله إلى مدخل بناية يعلوها طابقان سكنيان. لكن فكرة الدوار نفسها لاتزال عالقة فى أذهان بعض أهالى ميت عقبة.. على سبيل المثال اختار جمال عبدالحكم الشاهد الذى تجمعه قرابة بكل من عائلتى الشاهد ودعبس أن ينشئ فى العام 2005 دوارا خاصا تحت اسم «دوار أولاد عبدالحكم الشاهد»، وهى مفارقة تعارض التصور التقليدى عن تدهور فكرة الدوار فى ميت عقبة. لكن هناك غرضا أعاد فكرة الدوار مرة أخرى ونحن على مشارف القرن الحادى والعشرين. فقد كان هدف جمال الشاهد هو إحياء استخدام المكان فى حشد الأصوات الانتخابية لذا رأى كعضو فى المجلس المحلى وعضو الحزب الوطنى الديمقراطى أن يتخذ مقرا خاصا به فى دواره الجديد يرسخ به وجود الحزب بين الناس، وهو يوضح: «كان المكان متوافرا بالفعل وفكرت أن أحوله إلى دوار ليكون قناة مفتوحة بين الدائرة ونائب الحزب والمجلس المحلى».
وبعيدا عن هذا فقد أوضح حديث عائلة دعبس عن الدوار أن هناك دور اجتماعى ما زال ينشط من حين إلى حين، فإلى جانب توفير المكان لغير القادرين من أجل إقامة العزاء فهناك دور يعتمد على شباب العائلة الذين يجتمعون أسبوعيا أمام الدوار. وينشط هؤلاء ــ حسبما ذكر هشام دعب ــ خلال شهر رمضان من أجل إعداد الحقائب الرمضانية للفقراء، فالدوار يكون مفتوحا بصورة يومية. واستضاف الدوار أيضا حملة تبرع بالدم أحيت بعض النشاط الاجتماعى المحبب الذى أعاد للمكان بعض بهائه.

الخط الأحمر

تحولت القرية إلى حى شعبى مكتظ بالسكان تجاوز عدد سكانه فى ميت عقبة وجزيرة ميت عقبة حوالى 130 ألف نسمة حسب أرقام الجهاز المركزى للإحصاء فى 2006. لا يمكن إذن للدوار سوى أن يبقى رمزا فى مكان مزدحم توافدت عليه الهجرات طوال العقود الماضية. ففى دوار عائلة الشاهد أكد عفيفى الشاهد أن دور الدوار القديم قد تلاشى تقريبا منذ السبعينيات مع التضخم السكانى الذى طرأ على المنطقة، أما فى دوار عائلة دعبس فقد اختلف أولاد العم فى تاريخ محدد لانسحاب الدوار من مكانته القديمة، أحدهم قال: 1967، وآخر اقترح فترة السبعينيات مع تدفق الهجرة، وثالث رأى أنها الثمانينيات مع ارتفاع معدلات الجريمة وغياب الرقابة. لم يكن هدفنا وقتها البحث عن تاريخ محدد لانهيار الدوار رمز السلطة الموازية للسلطة الحكومية التقليدية، بل كنا نبحث عن التاريخ الذى ابتلعت فيه العاصمة قرية ميت عقبة بأكملها. قال محمد الحفناوى دعبس ــ أكبر الجالسين فى دوار عائلة دعبس ــ: «غياب الدوار ليس مسئولا عن ارتفاع معدلات الجريمة أو ما يحدث أحيانا من بلطجة وعنف، لكن السكن العشوائى والتضخم السكانى هو الذى غير وجه المنطقة». يستدرك هشام دعبس وهو يشير إلى المساحة أمام الدوار: «هذه المنطقة بمثابة منطقة محرمة تمنع فيها أى تجاوزات». كانت تلك الإشارات من عائلة دعبس تتعامل مع الدوار كخط أحمر غير مسموح بالتعدى على حدوده.. وهو الوضع الذى اختلف تماما عن ذكرى الدوار القديم المستقر الهادئ، وهى الحالة التى عبر عنها أنور الشاهد الذى استقبلنى أول مرة فى دوار عائلة الشاهد وتحدث بمرارة رجل ثمانينى رأى تبدل الحال واختفاء الأحباب وجعلته يذكر عبارة نسبها إلى حسان اليمانى أحد أبطال سيرة الزير سالم الشعبية حين قال: «زمن الأرض الخرس وابن الهلف»، أراد الحاج أنور بترديد نفس العبارة أن يصف ما يراه الآن بعد تلاشى الأرض الزراعية تماما وانعدام القدرة على إحيائها إلى جانب غياب هيبة الكبير.

Thursday, June 25, 2009

إعلانات قديمة .. سقطت سهوًا من ذاكرة الشارع



الخميس 25 يونيو 2009كتب ــ عبدالرحمن مصطفى

قد تكفى ابتسامة خفيفة أو إشارة باليد للتعبير عن طرافة المشهد وغرابة استمراره إلى الآن.. إعلانان نادران نجحا فى البقاء أكثر من نصف القرن فى نفس الموضع على نفس البناية، الأول «أسبيول.. يزيل الآلام»، والثانى «بلمونكس.. ضد الكحة». كلاهما بدا وكأنه جزء من واجهة العمارة، لكن الأمر لا يقتصر عليهما فقط فلهذين الإعلانين الغريبين إخوة على قيد الحياة فى شوارع المدينة، تطالع المارة وتتابع تبدل أحوال القاهرة على مدى سنين ابتلعت فيها كما لا بأس به من غبار الشارع وعادم السيارات.

الوقوف عند نقطة التقاء شارعى عدلى ومحمد فريد فى منطقة «وسط البلد» القاهرية يتيح فرصة أكبر لمشاهدة إعلانى الدواء، لكنه لا يجيب عن تساؤل قد يخطر على بال من يراهما «هل تمثل هذه الإعلانات أية قيمة أم أنها سقطت سهوا من ذاكرة الشارع؟».

فى مدخل نفس العمارة ناحية شارع محمد فريد إعلان آخر فى واجهة استوديو تصوير يقول«لدينا صور قديمة ونادرة»، وكأنها إشارة إلى احتمال أن يكون لدى صاحب الاستوديو اهتمام بهذا السؤال.. جاكوب كيروبيان ذو الأصل الأرمنى والعمر المديد استقبلنى فى محرابه بين صور المشاهير وأدوات التصوير القديمة التى ورثها عن والده. ظن فى البداية أنها زيارة زبون أراد شراء الصور القديمة المعلن عنها، وحين أخبرته أننى مجرد متطفل أراد أن يسأل عن إعلان قديم لا داعى لوجوده الآن، كنت كمن فجر لغما فى ذاكرته «إعلان شركة الأدوية؟!!» واستغل الفرصة لاستدعاء قصة المكان وتفاصيله مرة أخرى. وذكر أنه بالقرب من موضع هذه العمارة كانت هناك مبانٍ ونادٍ اجتماعى تابعين لكنيسة، وبيعت لتاجر يهودى اسمه فرانسيس، اشتراها لأنها قريبة من المعبداليهودى، لذا حملت العمارة اسم عمارة فرانسيس، حتى جاء مالك شامى آخر من عائلة شوشة واستمر الوضع كذلك حتى انتقلت تبعيتها لشركة التأمين. هذه الجمل التى حاول بها جاكوب استعراض تاريخ المكان جعلته ينسى قصة الإعلان، وانهمك فى شرح تفاصيل أخرى عما حدث لوسط البلد وعماراتها وما آلت إليه الآن نتيجة تجاوزات بعض أصحاب المتاجر على جمالياتها المعمارية، وحين عدت معه إلى إعلان الدواء مرة أخرى أجاب باختصار: «مجرد إعلانين لشركة دوش لصناعة الأدوية التى كانت تقع قديما فى الطابق الثانى من نفس البناية، ومع تغير أحوال البلد بعد الثورة، تركت الشركة مكانها ولم يفكر أحد من القاطنين فى إزالة تلك اللوحات».
الصعود إلى الطابق الثانى ينتهى بلافتة ذى ملمح حكومى خالص «الشركة المصرية للأبحاث والتطوير التابعة للشركة القابضة للأدوية»، هنا لا أحد يتذكر شركة «دوش» للأدوية ولا إعلانها الطريف على واجهة البناية، عرفها فقط أحد المديرين القدامى بحكم عمله فى مجال صناعة الدواء واستخدامه هذه المنتجات فى الصغر. أما جاكوب كيروبيان فلم يجد سوى عبارة مبتسرة وابتسامة رجل عاصر تطور المنطقة على مدى عقود «ببساطة الشركة رحلت، ولم يجد أحد حرجا فى بقاء الإعلان كما هو على واجهة العمارة».
صورة هذا العقار بواجهته الإعلانية هى واحدة من صور عقارات تم رصدها وتوثيقها فى كتاب القاهرة الخديوية للدكتورة سهير حواس ــ أستاذة العمارة والتصميم العمرانى بهندسة القاهرة ــ التى صنفت المبنى بأنه من الطراز «الكلاسيكى» الذى يعود بناؤه إلى النصف الأول من القرن العشرين. وترى سهير حواس بحكم موقعها فى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى المختص بالحفاظ على الشكل الجمالى لمبانى وشوارع المدن، أن علاقة الإعلان بالمبنى لها أبعاد أخرى أوضحتها بحسم «الأولوية للمبنى وليست للإعلان، هذه الإعلانات التى قد تبدو كجزء من ذاكرة المكان تقتطع جزءا أهم من جماليات المبنى وهى فى الحقيقة عبء عليه، سواء كانت إعلانات قديمة أو حديثة، وهى المشكلة التى نتعامل معها الآن فى مشروع تطوير القاهرة الخديوية بهدف تعويد أعين الناس على رؤية جماليات العمارة التى تسرقها الإعلانات».
المشروب العجيب

العلاقة بين الإعلان والمبنى التاريخى ــ حسب حديث الدكتورة سهير حواس ــ اجتازت مرحلة التجميل إلى الخضوع لقانون 144 لعام 2006 المتعلق بالحفاظ على المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، كما تخضع لقانون التنسيق الحضارى رقم 199 لعام 2008 الذى حدد هذه المبانى وكفل لجهاز التنسيق الحضارى المعايير اللازمة للحفاظ على طرزها المعمارية. أما المفارقة أن بعض هذه الإعلانات المسكوت عنها طوال أكثر من نصف القرن قد أصبح من الصعب الآن أن نرى مثلها مرة أخرى، أوضح مثال على هذا هو إعلان مشروبات كحولية بمساحة تمتد لعدة أمتار على واجهة إحدى البنايات، ربما كان فى وقت من الأوقات متألقا بين «بارات» وسط البلد التى ما زالت بقاياها موجودة إلى الآن، إعلان «كونياك ريمى» الذى يكاد يكون متواريا بعد أن أنهكته أشعة الشمس وأخفت بعض ملامحه مازال مستقرا على جدار بناية مرتفعة فى شارع شريف تلاصق مبنى أثريا يرجع تاريخه لبدايات القرن العشرين هو بنك الإسكندرية. بعض العاملين أسفل البناية لم يدركوا منذ البداية أن العمارة مازالت تحمل إعلانا مثيرا كهذا، أما حارس العمارة التى تحتضن إعلان الكونياك فأنكر وجود الإعلان فى البداية ثم اعترف بوجوده وذكر أنه إعلان منسى لا يهتم به أحد.
حسن العجيل الذى يدير متجرا أسفل البناية مازالت لديه بعض المعلومات حول المكان وإن كان لم يبرر بقاء هذا الإعلان سوى بالإجابة التقليدية التى تُحمـِّل السهو والنسيان وزر بقائه. وكتاجر محترف من تجار وسط البلد بدا مشغولا أكثر بما يمسه بصورة مباشرة «الحس الجمالى مفقود بيننا، حتى الشجرة التى حاولت زرعها أمام المحل بنفسى جاء من انتزعها من مكانها دون استحياء»، يشير بيده إلى المبانى المستقرة أمامه ويكمل «واجهات المبانى ملطخة بألوان مختلفة من الدهان ولم يراعِ أحد الحفاظ على جماليات المبنى سوى مطعم للوجبات السريعة أدرك قيمة المبنى الذى يستضيفه».
لكن ماذا عن إعلان الكونياك العجيب الذى مازال شاهدا على شارع شريف؟ الإجابة: لم يتذكره أحد، كل قصته تتلخص فى أن مالك العمارة القديم «الكونت صعب» الذى كان من كبار الملاك فى العهد الملكى كان رجلا متسامحا مع إعلانات الخمور كحال وسط البلد قديما، خاصة أن هذا الإعلان ليس الوحيد المتبقى فى هذه المنطقة، ورغم أن الكونت صعب ذو الأصل السورى الذى نال تكريما أوروبيا زيَّن اسمه بلقب كونت قد وضعت أملاكه تحت الحراسة بعد قرارات التأميم، وأعيد الإفراج عن هذه العمارة وبيعت فيما بعد، إلا أن الإعلان ظل طوال هذه السنوات مستقرا فى مكانه رغم زهد البعض فى مجرد النظر إليه.
الدكتورة سهير حواس ترى أن هناك وجها آخر أفضل لإعلانات المبانى وتقول«بالنسبة للإعلانات ذات الطابع التاريخى المتسقة مع الطراز المعمارى للمبنى يمكن التعامل معها بصورة جمالية، مثل عمارة عدس فى شارع الألفى وبعض الفنادق التاريخية التى زينت المبنى بكتابة اسمها على الجدران من الخارج، هذه الحالة تمثل إعلانا محببا يمثل جزءا من عمارة المبنى، وليست لوحة طارئة عليه من الخارج أو إعلانا يغطى جدار مبنى بالكامل..!».
إذن، فإعلانات قديمة من نوعية شركة دوش أو المشروبات الروحية تمثل الجانب المظلم من ذاكرة وسط البلد، وقد تطليها فى يوم من الأيام فرشاة عمال بناء أو ترفعها يد مرمم. إلا أن المشهد يختلف قليلا على بعد أمتار من هذه الإعلانات، حيث تستقر صيدلية عتيقة يعود تاريخ إنشائها إلى 1899، تأسست على يد جورج هربرت ستيفنسون الصيدلى البريطانى الذى أقام فى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر، وأصبحت صيدليته جزءا من عمارة الشوربجى أو سان ديفيز سابقا.

صابون شفاف بالجليسرين

على واجهة أجزخانة ستيفنسون إعلانات قديمة تعيدنا 60 عاما أو أكثر إلى الوراء، منها إعلان بيرس الصابون الشفاف المحتوى على الجليسرين. وأسفل هذه العبارة صورة طفل صغير يستحم داخل حوض بلاستيكى، وإلى جواره إعلان آخر يظهر فيه رجل ذو ملامح أجنبية يروج لإعلان شفرة حلاقة.. الإعلانات فى مجموعها تبدو طريفة وساذجة إلى حد كبير.
إلا أنها متوائمة مع تاريخية المبنى الذى اكتمل بناؤه فى عام 1911 على يد المعمارى روبرت وليامز، كما أن نفس الإعلانات تعبر عن روح الصيدلية العتيقة. نور السمان ــ المدير الحالى للصيدلية ــ ليس لديه الكثير من المعلومات عن المكان أو الإعلانات بحكم صغر سنه وصغر سن أغلب العاملين هناك.. لخص سبب احتفاظه بهذه الإعلانات فى الواجهة فى جملة واحدة «أنا معجب بطراز الصيدلية العتيق وأردت الاحتفاظ بها هكذا دون تغيير حفاظا على طابعها الخاص».
أجزاخانة ستيفنسون أو الصيدلية البريطانية كانت قد انضمت إلى محال عمارة سان ديفيدز فى أوائل القرن الماضى حين كانت العمارة أقرب إلى المول الحديث ومع الوقت تلاشت قوة ملاكها البريطانيين وانتقلت ملكيتها إلى عائلة الشوربجى ذات الأصول السورية وحملت اسم عمارة الشوربجى. واختفت ذكرى ستيفنسون المالك الأقدم للصيدلية ولم يتبق من سيرته سوى اسمه الذى يزين واجهة الصيدلية، ثم انضمت البناية بأكملها بعد عام 1961 إلى شركة التأمين نتيجة سقوط القطاع الخاص فى مصر الاشتراكية آنذاك. وحتى اليوم لا يبقى من آثار هذه الحقبة سوى ما تعرضه صيدلية ستيفنسون فى واجهاتها من إعلانات غريبة الشكل.
إن تأمل إعلانات تبدو رديئة الشكل للوهلة الأولى قد يحفز الخيال على تخيل الأجواء العامة التى ظهرت فيها هذه الإعلانات، لكن طول التأمل والبحث عن قصصها لا يقدم سببا وجيها لاستمرار بقائها سوى أنه السهو عنها والانشغال بتفاصيل الحياة اليومية، خاصة مع ازدياد صخب منطقة وسط البلد بمشروعات تطوير القاهرة الخديوية وما أشيع مؤخرا عن رأس مال جديد يطمح لحيازة مبانى المنطقة، أما عن الإعلانات التى بقت سهوا على جدران بنايات وسط البلد طوال العقود الماضية. ففى واقع الأمر أنها لم تجد من يتذكرها أو ينفعل لوجودها، عدا جاكوب كيروبيان الذى تجاوب مع فكرة البحث فى إعلانات الشوارع القديمة.. وأخرج من درج مكتبه صورة التقطها من شباك الاستوديو الخاص به لإعلانات قديمة من الخمسينيات ملصقة على محول كهرباء، تلاشت سريعا من الوجود لتبقى مخزنة فى صورة بدرج مكتبه فى انتظار من يشتريها.
PDF



اعتذر عن الخطأ في اسم المصور الأرمني 
الصحيح هو نوبار كيروبيان، نجل هاكوب كيروبيان.

Wednesday, June 10, 2009

لقاءات ثقافية في رحاب الكتب والمعرفة

الاربعاء 10 يونيو 2009
عبدالرحمن مصطفى

فى الوقت الذى انهمك فيه أمير زكى عضو ملتقى دروب الفكرى فى عرض كتاب «موسى والتوحيد» لعالم النفس الشهير سيجموند فرويد، كان عدد من زملائه يدونون ملاحظاتهم حول مائدة عامرة بالأوراق والأقلام والدفاتر، استعدادا لفتح باب المناقشة.
وبمجرد أن أنهى عرضه.. سادت لحظات صمت على أمل إيجاد العبارات المناسبة للتعليق على كتاب كهذا من الوزن الثقيل. لا تتكرر لحظات الحيرة كثيرا فى لقاءاتهم، فقد اختاروا منذ البداية أن يكون محور لقاءاتهم مناقشة الكتب ذات الطابع الفكرى التى قد لا تجد لها كثيرا من الأنصار ولا تندرج غالبا تحت خانة الأكثر مبيعا.
قد يوحى اسم الملتقى للوهلة الأولى بالجدية والرصانة وافتقاد روح البهجة، إلا أن هذا العنوان الرصين ليس إلا واجهة لتجمع شبابى أغلب أعضاؤه طلاب فى سن الجامعة، بعضهم عرف هذه اللقاءات عن طريق مجموعة الملتقى على شبكة فيس بوك الاجتماعية التى استقبلت الزوار بعبارة مباشرة «لن نأخذكم بعيدا فى متاهات فلسفية عميقة».
عقب عرض كتاب «موسى والتوحيد»، اخترق محمد سيد مؤسس الملتقى حالة الصمت بعبارة ساخرة نجح بها فى انتزاع ابتسامات أصدقائه الذين شعر بعضهم بثقل المادة المطروحة فى كتاب فرويد، فبدأوا فى توجيه أسئلة أقلقت روح عالم النفس الشهير.. محمد سيد ــ طالب السنة النهائية بقسم الفلسفة ــ يصف بدايات المجموعة قائلا: «خرجت الفكرة أثناء حضورنا مؤتمرا متخصصا فى الفلسفة، لم يكن فى رأسنا تجربة سابقة أو هدف محدد سوى الخروج من أسر المقررات الجامعية، ورفع السمعة السيئة عن الدراسات الفلسفية، وكان هدفنا التعامل المباشر مع النصوص الأصلية ونقدها بأنفسنا».
إلى جوار محمد سيد، يجلس زميله فى الدراسة أمير زكى الذى كان فرغ لتوه من عرض كتاب هذا الأسبوع، تدخل أمير فى الحديث موضحا «منذ أن بدأنا لقاءاتنا الأولى فى بيت محمد قبل أن تستضيفنا الجمعية الفلسفية، كنا قد قررنا أن نتناول كتبا ذات طابع خاص، اشترطنا أن تكون كتبا أسهمت فى صنع الحضارة الإنسانية، سواء كانت فى مجال الفلسفة أو الأدب، أو الفكر السياسى..».
تجربة «ملتقى دروب الفكرى» الذى يستقبل زوار موقع فيس بوك وينشر كتابات أعضائه على مدونة خاصة على الإنترنت، ليست إلا امتدادا لفكرة «مجموعات القراءة» أو «نادى الكتاب Book Club»، التى تقوم على اجتماع محبى القراءة حول كتاب أو أكثر من أجل مناقشته ونقد محتواه. وفى الوقت الذى ضمت فيه شبكة الإنترنت عددا لا بأس به من المنتديات الإلكترونية التى قامت فى الأساس لهذا الغرض، إلا أن قليلا منها الذى نقل نشاطه إلى أرض الواقع خارج الإنترنت.
بعض مجموعات القراءة تلتقى فى المنازل مثلما بدأ أعضاء ملتقى دروب، وهناك من يلتقون فى المطاعم الهادئة أو النوادى أوحتى المكتبات، كذلك تختلف دورية اللقاءات حسب خطة كل مجموعة.

وسيلة لتنمية الذات

يرى أعضاء مجموعة «دروب» للقراءة أن هدف لقاءاتهم أكبر من مجرد الالتفاف حول كتاب وقراءته، بل هى وسيلة لتنمية الذات.. من نفس هذا المنطلق تأسست قبل تأسيس ملتقى دروب بخمسة أعوام، مجموعة أخرى على نفس النمط، حين بدأت الفكرة تداعب خيال حازم الشورى ــ طالب الطب آنذاك مع صديقته شيرين على طالبة الهندسة ــ يصف حازم البدايات الرومانسية للفكرة بأن الطموحات كانت أكبر من إنشاء مجموعة قراءة، ويقول: «كنا نفكر مع أصدقائنا فى إصدار مجلة شبابية تقدم الثقافة فى قالب ترفيهى، وقسمنا أنشطة المجموعة إلى مناقشات للكتب، وعروض يقدمها كل مشارك عن مجال تخصصه، ثم عروض أفلام وجلسات نقاش حولها». فى تلك المرحلة كانت المجموعة ــ حسب وصف حازم ــ تضم «شلة» من الأصدقاء فى سن العشرين، يأملون فى تقديم خدمة لمجتمعهم بتنمية أنفسهم ومن ينضم إليهم، وهو ما دفعهم إلى تقديم دورات تدريبية فى اللغة الفرنسية والكمبيوتر فيما بينهم لتحقيق هذا الهدف الطموح.
لم يختلفوا كثيرا عن شباب ملتقى دروب الفكرى فى طموحاتهم، حيث يعتبر شباب «ملتقى دروب» أن وراء لقاءاتهم أبعادا أعمق من القراءة فى كتاب لمجرد ساعتين، هذا ما عبر عنه محمد سعد ــ أحد الأعضاء المؤسسين للملتقى ــ فى عبارات واضحة على صفحتهم على الفيس بوك التى تضم 130عضوا: «ترتكز أفكارنا حول تحقيق نهضة لهذا البلد ولكنها نهضة تقوم على نظرية معرفية سليمة.. ووعى سليم لا يتحقق إلا بمعرفة وبثقافة نفتقد إليها فى حاضرنا الراهن لذا قررنا إنشاء تلك الجماعة».

غربة القراءة

ليس خافيا أن تدنى معدلات القراءة فى مصر والعالم العربى يصاحبه إحساس بالغربة لدى محبى القراءة، ما دفع بعضهم إلى إنشاء مثل هذه المجموعات التى تعطى بعض الأمل فى وجود من ما زالوا حريصين على القراءة واقتناء الكتب. وحسب دراسة نشرتها شركة سينوفات المتعددة الجنسيات لأبحاث السوق، فإن المواطن المصرى يقرأ بمعدل 9 دقائق يوميا فى حين يتضاعف هذا الرقم لدى القارئ الغربى، وفى الوقت الذى يقرأ فيه المواطن العربى 4 صفحات سنويا، يقرأ المواطن فى أوروبا الغربية أكثر من 30 كتابا سنويا.
ولم يخف محمد سعد أن شباب «ملتقى دروب» أدركوا هذا الجانب المرير مبكرا، يقول محمد: «لا تخفى على أحد تلك النظرة السلبية للفلسفة والثقافة، فأحيانا ما نواجه بعبارات حادة على طريقة إنتو هتتجننوا، لمجرد اهتمامنا بدراستنا ومواظبتنا على قراءة أعمال مهمة قامت عليها النهضة الحديثة».
يعلق زميله أمير زكى على هذه النقطة موضحا أن رؤيتهم الواحدة التى لا تتكرر كثيرا لدى الآخرين هى ما جمعهم وأن هذا الإحساس هو الذى دعّم روح الصداقة بين أفراد المجموعة فى مواجهة مجتمع لا يهتم بهذه النوعية من التجمعات. ثم يوضح أمير: «ليس فقط اختلافنا عن الآخرين، بل أيضا اختلافنا فيما بيننا، حتى اختيار اسم دروب قام على اعترافنا منذ البداية باختلافاتنا نحن شخصيا، فكل فرد من أعضاء الملتقى يمثل دربا خاصا، رغم اجتماعنا حول هدف واحد».

روح الجماعة

«روح العمل الجماعى هى أساس عمل مجموعات القراءة» هكذا ترى شيرين المشد ــ الموظفة بإحدى الهيئات الدولية ــ حين تتذكر تجربتها مع مجموعة «Cairo Book Club» التى بدأتها مع صديقتها «آتى» فى العام 2005. أى قبل عدة سنوات من إنشاء ملتقى دروب.. فى تلك المرحلة كانت شيرين وصديقتها فى حاجة إلى متابعة القراءة والاطلاع بعد انتهاء مرحلة الدراسات العليا، فبحثتا سويا بين المهتمين بالفكرة، وتقول عن البداية الأولى: «حين كنا نبحث عن تأسيس مجموعة قراءة فى تلك الفترة وجدنا متحمسين حولنا، حتى اسم المجموعة الإلكترونية وإنشائها كان إهداء من أحد الأصدقاء، ومن بين عدد الحضور الذى كان يدور حول عشرة أفراد فى كل لقاء، كان هناك خمسة هم الأكثر نشاطا، هم من أسهموا فى استمرار المجموعة».
أعباء إدارة المجموعة وحجز أماكن اللقاءات وترتيب المواعيد، أمور لا يجب أن تعلق فى رقبة فرد واحد، فارتباط تنظيم اللقاءات بظروف شخص أو اثنين فقط هو مخاطرة كبيرة، وتباعد فترات اللقاء هو الإنذار المبكر الذى قد يعطل عملها فيما بعد.
يتفق أمير زكى مع هذا الرأى، ورغم أنه هو من يضع خطة ملتقى دروب الفكرى كل ستة أشهر فإن إدارة جلسات الملتقى هى مهمة يتداولها الأعضاء كل فى دوره.
مر حازم الشورى مع أصدقائه بتجربة توقف أنشطة المجموعة نتيجة عدة أسباب، فى البداية كان التوقف إجباريا فى فترات الدراسة، وبعد أن تخرج أغلب أفراد المجموعة التى أنشئت قبل ملتقى دروب بعدة سنوات، أصبحت هناك أعباء أخرى تقلل من إمكانية التفرغ، يقول حازم: «فى البداية كنا نلتقى فى مراكز تعليمية، فى أجواء غير ملائمة لمناقشة الكتب، ومع تراكم الأعباء الشخصية وعدم القدرة على المتابعة بدأ نشاطنا يقل حتى توقف تماما، ولولا همة الأعضاء وعدم الاعتماد على مديرى المجموعة فقط، لما عادت المجموعة مرة أخرى، بل إن هناك من الأعضاء من بدأ مؤخرا فى التواصل مع الكتاب ودعوتهم لحضور جلسات نقاش كتبهم، وما من شك أن ظهور المكتبات الجديدة مثل ديوان وكتب خان والشروق، أتاحت أماكن للقائنا، حتى إن مكتبة الشروق فى الكوربة القريبة من سكننا اهتمت بحضورنا وإحياء نشاطنا من جديد».
يشير حازم أيضا إلى أهمية استخدام موقع فيس بوك وأدواته فى تنظيم اللقاءات، وكأن الموقع قد أصبح مساهما بصورة خفية فى إدارة المجموعة، بما تقدمه المجموعة الإلكترونية من إمكانية إرسال رسائل تذكيرية للأعضاء، واستخدام خاصية Event التى تحدد عدد الراغبين فى الحضور والممتنعين ومن لم يحددوا موقفهم.
وهو ما وصفه قول محمد سيد مؤسس ملتقى دروب بأن «الفيس بوك أصبح وسيلة ترويجية مجانية بين المهتمين بالخط الذى اخترناه، وهو ما أوجد تنوعا فى تخصصات الحاضرين أحيانا».

تفاصيل إدارية

يكاد يجمع كل من مروا بتجربة إدارة مجموعات القراءة على أهمية تحديد عناصر مهمة مثل التنظيم ومكان اللقاء والرؤية قبل إنشاء المجموعة.. فمن جانبهم، تغلب أفراد «ملتقى دروب» على المشكلة التى واجهها حازم الشورى فى مجموعته، وشيرين المشد فى مجموعتها، وهى إيجاد مكان ثابت للقاء، حيث نجح أعضاء ملتقى دروب مبكرا فى إقناع الجمعية الفلسفية المصرية فى إتاحة مقرها فى عمارات هيئة التدريس بالجيزة للقاءاتهم الأسبوعية. هنا ترصدهم أعين الفلاسفة والمفكرين من خلال لوحاتهم المعلقة على جدران الجمعية أثناء لقاءاتهم الدورية، وبإمكانهم الرجوع إلى أرفف المكتبة المجاورة لمراجعة ما يحتاجونه من معلومات.
يقول أمير زكى: «حضر معنا الدكتور حسن حنفى ــ أستاذ الفلسفة والسكرتير العام للجمعية ــ فى بداياتنا وشجعنا على الاستمرار، وكنا قبل إعلان ظهورنا قد اتفقنا فيما بيننا على الابتعاد عن أى تلميحات سياسية، حتى إننا ابتعدنا عن استخدام وصف جماعة لما حوله من التباس وفضلنا عليه وصف الملتقى، فما يجمعنا هو الكتاب والثقافة».
أما حازم الذى كان قد أقر مع أصدقائه منذ سنوات تسمية «Book Club Cairo» لمجموعتهم تمييزا عن تجربة «Cairo Book Club» التى عاشتها شيرين المشد مع أصدقائها، فذكر أن اختيار هذه التسمية كان هدفه منذ البداية التأكيد على أن محور اللقاءات هو الكتاب والأنشطة الثقافية الموازية له، ويقول: «فى مرة تبنينا اقتراحا من زميل لنا مهتم بالعمارة الإسلامية بالقيام بجولات فى القاهرة الفاطمية، قبلنا الفكرة لأنها لم تبتعد عن فكرة تنمية ثقافتنا واستمرار أنشطتنا الموازية للقراءة».
ويرى حازم أنه من المهم فى البداية تحديد رؤية المجموعة ووضع اتفاق بين المؤسسين ينظم جلسات القراءة ويؤكد: «كانت أهم النقاط التى اتفقنا عليها هى الحرية والتسامح مع الآخر، خاصة أن المناقشات قد تتطرق إلى ما هو أبعد من محتوى الكتاب، وقد تثير الكتب الجدل بين أعضاء المجموعة، لذا تصبح مثل تلك البنود على درجة عالية من الأهمية».
أما شيرين المشد فواجهت فى مجموعتها هذا الاختلاف الذى كان عليها قبوله والخضوع لإرادة المجموعة كما تبين: «كنا نقوم فى المجموعة الإلكترونية بترشيح الكتب والتصويت عليها إلكترونيا لاختيار الكتاب موضوع المناقشة، وهو ما يضطرك أحيانا إلى قراءة كتب قد لا تستسيغها».
ورغم هذا الجانب السلبى وتوقف اللقاءات المنتظمة للمجموعة، فإن شيرين مازالت محتفظة بالكثير من المكاسب على رأسها الصداقات والعلاقات التى تكونت أثناء فترات تنظيم اللقاءات وحجز الأماكن، بل حتى اضطرارها إلى قراءة أعمال لم تخترها فى جلسات النقاش ترى فيه الآن جانبا إيجابيا أكسبها بعض المهارات تقول عنها: «أكسبنى العمل فى تنظيم لقاءات المجموعة مهارات فى التواصل مع الآخرين وقبول اختياراتهم وقدرات تنظيمية، إلى جانب التعرف على نوعيات أخرى من الكتب خاصة فى المجال الأدبى».
حازم الشورى يعرض جانبا آخر عما اكتسبه من تجربة المشاركة فى مجموعة للقراءة قائلا: «بدأت الفكرة بهدف تنموى ومجموعة صغيرة من الأصدقاء، وخلال هذه الفترة اكتسبت قدرة أكبر على قبول الرأى الآخر والاختلاف لم تكن لتتاح بهذا الشكل سوى فى مجموعة كهذه تعرض مختلف الآراء».
أما شباب ملتقى دروب الفكرى، فكانت مكاسبهم الرئيسية فى الاطلاع والنقاش حول مجالات يحبونها قد لا تلقى كثيرا من الرواج لدى الآخرين، إلى جانب ما أعلنوه على مجموعتهم فى الفيس بوك من واجب تجاه المجتمع فى اختيار قراءات تدور فى فلك النهضة، وما يسعون إلى نشره عبر مدونتهم الإلكترونية من أوراق تعرض ما خلصوا إليه من أفكار ومقالات وبحوث خاصة بهم، يعتبرونها المنتج الأول الذى أخرجه الملتقى بعد شهور من الحوار والبحث.
**
كيف تؤسس ناديا للقراءة؟
على الإنترنت تتوافر مجموعات إلكترونية ومدونات متخصصة فى القراءة وعروض الكتب إلى جانب العديد من المنتديات الفرعية التى تقدم مساحات لطرح الكتب وتحميلها إلكترونيا، وتعانى بعض هذه المواقع أحيانا تعطل نشاطها نتيجة قلة الحماس، وغياب التنظيم الجيد منذ البداية.
وبعيدا عن الإنترنت، فهناك مجموعات قراءة أخرى تدار داخل بعض المكتبات، وأندية القراءة فى الجامعات، إلى جانب المجموعات التى تدار بشكل عفوى، دون وضع قواعد لاستمرارها، وهو ما يصعب عملها فى بعض الأحيان، رغم استعانة بعضها بالكثير من أدوات الإنترنت التى توفرها مواقع مثل جوجل، وفيس بوك، وياهو، للتواصل بين أعضاء المجموعة، بدءا من إرسال الرسائل التذكيرية، حتى إعداد أجندة لنشاط المجموعة.
وتنتشر فكرة مجموعة القراءة أو نادى الكتاب Book club، فى كثير من المواقع الأجنبية التى كانت أكثر اهتماما بتقديم طرق تأسيس نادى كتاب ناجح، من أهمها موقع http://www.book-clubs-resource.com/
الذى حدد خطوات إنشاء مجموعة قراءة فى الخطوات التالية:
فى البداية يجب مراجعة التجارب السابقة من أندية الكتب ومجموعات القراءة الموجودة بالفعل، سواء على الإنترنت، أو التى تديرها بعض المكتبات.
تحديد هوية المجموعة التى سيتم إنشاؤها وتحديد الهدف منها بصورة أولية.
تحديد أماكن الاجتماعات، والعدد المتوقع، ودورية اللقاء ويفضل أن يكون اللقاء شهريا.
دعوة الأعضاء، وغالبا ما تتكون المجموعات فى البداية من زملاء الدراسة أو العمل، غير أن الدعوات يجب أن تتجاوز محيط الزمالة، وأن يتم الإعلان عنها بصورة دائمة حتى يشترك العدد المحدد مسبقا لأعضاء المجموعة.
الاتفاق على خطوط عريضة مكتوبة أقرب إلى الميثاق الأخلاقى، حول كيفية إدارة المجموعة وعلاقات الأعضاء وجلسات المناقشة، وتنظيم الأمور المالية الخاصة بمصاريف أماكن المقابلات.
فى حالة اتساع عمل نادى الكتاب، وكثرة عدد الأعضاء، بالإمكان تخصيص مبلغ لأحد الأعضاء مقابل التفرغ لإدارة المجموعة، ويجمع من مساهمات الأعضاء.

Wednesday, June 3, 2009

الكيتش.. فى وصف المبتذل والردئ

للتعبير عن كل ما لا يطيقونه، لجأ شباب وسط البلد ما بين العشرين والثلاثين عاما إلى كلمة «كيتش» الألمانية، وصف جديد انتقل من عالم الفن التشكيلى والأدب إلى العامية الدارجة.
الاربعاء 3 يونيو 2009

عبدالرحمن مصطفى
حين يقف أحدهم وفى يده وردة بلاستيكية حمراء رديئة الصنع، مرتديا قميصا ذا ذوق سيئ، مع كمية كثيفة من الكريمات اللامعة فوق شعره، ثم يزيد على هذا باستخدام عبارات مستعارة من الأشعار والأفلام القديمة مفتعلا حالة حب يستعرض بها أمام الآخرين، فإن الوصف المناسب لدى الشباب لهذه الحالة بجميع تفاصيلها هو كلمة..
«كيتش». قد تبدو الكلمة غريبة على أسماع الكثيرين حين تذكر للمرة الأولى، إلا أن ذلك لا يمنع أنها اتخذت طريقها بالفعل إلى شريحة وجدت فيها أداة انتقام من الواقع المزيف وتعبيرا مختصرا لحالات المبالغة والابتذال والتزييف بجميع أنواعها.
فالعبارات الرنانة والادعاءات الكبرى والأداء المتكلف، كلها وجوه لكلمة «كيتش»، التى استمدت جذورها الأولى من وصف الفن الردئ بما يحويه من رخص وابتذال وإنتاج سيئ.
«استخدام التيمات الفنية التقليدية، التى نراها فى الأفلام العربية المتكررة واستخدام بعض الشعراء لصفات معينة يصفون بها مصر كبهية أو السيدة السمراء، لرسم صورة ذهنية لا هى واقعية ولا حقيقية هو أصدق تعبير عن الكيتش» هكذا وصف الصحفى والمدون الشاب أحمد ناجى بعض الأمثلة الفنية والأدبية المكررة فى حياتنا، التى لا نجد أحيانا المعنى المعبر عنها.
ورغم أن الموضع المثالى لاستخدام هذه الكلمة هو الكتابات الأدبية والفنية، فإنها انتقلت إلى من هم خارج هذا المجال من فئة القراء المطلعين، بعد أن أعجبوا بالمعنى المختفى وراء هذه الكلمة، الذى يمكنهم من وصف أداء الأشخاص وتصرفاتهم ومبالغاتهم، يكمل أحمد ناجى: «بالإمكان اعتبار هذه الكلمة مجرد موضة، استمرار بقائها لدى بعض الفئات سببه أنها تحولت إلى كلمة بديلة عن ألفاظ أخرى حادة من الصعب استخدامها للتعبير عن الضجر والملل».
يعود أصل كلمة «كيتش» Kitsch إلى اللغة الألمانية، حيث ظهرت فى منتصف القرن التاسع عشر كتعبير عن موجة فنية أنتجت وقتها فنونا رديئة اعتمدت على التقليد والمبالغة.
وانتقلت الكلمة من بلد إلى بلد، ثم اشتهرت مع قراءات خاصة للكلمة من قبل بعض الكتاب، خاصة ذلك التقديم الذى أضافه الأديب التشيكى ميلان كونديرا لملايين القراء حين ركز على وجه آخر لهذه الكلمة، فالكيتش لديه ليس فقط الفن الرخيص كما يظن البعض، بل هو سلوك وموقف وصفة لفئة من البشر ترى نفسها فى الكذب المجمل.
سرعان ما انتقل هذا المعنى إلى مساحة أوسع للتداول على شبكة الإنترنت منذ عدة سنوات، خارج نطاق نخب القراء إلى رواد الشبكات الاجتماعية والمدونات، لتتحول الكلمة إلى طريقة لوصف الكثير من الأفعال والأشياء المحيطة وتقييمها.
وفى تجمع صغير يكاد يكون العربى الوحيد، الذى يتناول «الكيتش» فى حياتنا من بين مئات الآلاف من مجموعات شبكة فيس بوك الاجتماعية، التقى عشرات المشتركين للتعبير عن ضجرهم من مظاهر «الكيتش».
تقول نهال عمران ــ مديرة المجموعة: «الكلمة فى الأساس تعبر عن رؤية فنية لكن استخدامها الآن أصبح يعبر عن كل جميل تم ابتذاله واستهلاكه وتكراره بصورة مملة أفقدته معناه الأصلى، فصورة الثائر جيفارا، التى كانت رمز البطولة أصبحت مجرد ملصق رخيص يتمسح به كل مدعى الثورية، حتى الحب لم يسلم من المظاهر المتكلفة المثيرة للسخرية، تماما مثل المنتجات الرخيصة المقلدة، التى أساءت للمنتجات الأصلية، هذا كله هو الكيتش الذى لا نستسيغه».
ولعل فكرة الكتابة عن «الكيتش» فى حد ذاتها تعتبر نوعا من الكيتش، حين يبدأ الصحفى فى التعرف على آراء الناس حول الكلمة وأصلها وفصلها، من أجل كتابة موضوع يدعى فيه أنه أدرك الحقيقة، وتوصل إلى النتيجة النهائية تحت عنوان مثير، فهذه الحالة نفسها تعتبر نوعا من الكيتش حسب وصف إحدى الشابات، التى رأت فى الحديث عن الكلمة فى موضوع صحفى نوعا من التكلف والمبالغة، فهى ترفض فكرة أن تعامل كنجمة يستطلع رأيها فى الصحافة.
وقد يثير استخدام الكلمة ووصف أحدهم بها مشكلات غير محسوبة، وهو ما دفع صاحبة إحدى المدونات إلى استخدام عبارة واضحة فى صدر مدونتها تقول فيها «هذه المدونة ضارة جدا بصحة كارهى الكيتش»، وذلك كى تمهد لنفسها أن تكتب ما تريد حتى إن اعتبره البعض مبالغ فيه أو... كيتش
يتساءل أحمد ناجى: «ما المشكلة فى أن يوصف أحدهم بأن تعبيراته كيتش؟ من حق أى أحد أن يعبر عن نفسه بأى طريقة حتى إن كانت متكلفة، ومن حق الآخرين أن يقيموه حسب رؤيتهم، فالجدل والاختلاف حول ذلك مطلوب، ولعل الإنترنت تعطى مساحة للتعبير والجرأة لا توجد فى الواقع بهذا الشكل، فقد يحزن أنصار شاعر حين توصف كلماته فى إحدى المدونات بأنها كيتش، ويقيموا الدنيا.. وذلك لأنهم على أرض الواقع لا يواجهون بهذه الآراء أو المعارك كثيرا». لا يخلو الأمر من تنويعات جديدة قدمها بعض الكتاب فى وصف نماذج من أوساط بعينها، ففى كتابها «المبتسرون» تعرضت الكاتبة الراحلة أروى صالح لتعبير «الكيتش النضالى» حين تناولت فكرة انسحاق الفرد داخل حلم «الخلاص الجماعى» بعد أن يقع فى فخ يتصور فيه أنه فى رحلة نضال، بينما الواقع انه أسير مجموعة من الصور والاستعارات والخطابة تتحول حسب رؤيتها إلى كيتش.. فى إشارة منها إلى حالة الزيف، التى تمارسها السلطة على الأفراد عن طريق الوهم النضالى أو الكيتش النضالى حسب تعبيرها.
ولا تخفى نهال أن الكلمة فى كثير من الأحيان ما تكون استعلائية، وأقرب إلى أداة تقييم، لكنها تراها الآن أكثر الكلمات تعبيرا عن التمرد على أشكال الحياة، التى فقدت روحها الأصلية. ثم تضيف: «ليتنا نجد كلمة عربية جامعة تعبر عن هذه الحالة التى تصف نمط الحياة المتكلف والفن الردئ، وذلك رغم أنه أحيانا ما يكون اللجوء إلى تلك الحالة وإلى كلاشيهاتها المكررة محاولة لرفع حالتنا المعنوية وبحث عن الأمان».
وسواء تمثل «الكيتش» فى خطاب سياسى يزيف وعى الناس أو فى منتج ردئ الصنع أو فى فن مبتذل يداعب العواطف البشرية أو حتى كان تكلفا فى القول والفعل.. فمن الواضح أن هذه الكلمة هى الوصف المناسب لهذه الحالة الذى ارتضاه شباب بين العشرين والثلاثين من أعمارهم، وكأنها علامة تحذيرية من التفاعل مع المحتوى الردئ .