Tuesday, April 10, 2012

الحركة الطلابية 2012 صورة مصغرة لمصر



عبد الرحمن مصطفى
على أحد أعمدة الإنارة فى جامعة القاهرة لافتة تقول: «عايزين لائحة جديدة، يكتبها الطلبة ويستفتوا عليها». وفوقها مباشرة إعلان عن رحلة طلابية إلى عروس البحر المتوسط، الإسكندرية، هذه المفارقة تعكس حالة الجامعة الآن، حيث اعتصم قرب هذه اللافتات طلاب منتمون إلى حركات سياسية ومستقلون أمام بوابة الجامعة الرئيسية، فى حين انشغل بقية طلبة الجامعة بقضاياهم الشخصية.
«لدينا استعداد أن نعتصم هنا حتى نهاية العام.. وبالمناسبة لقد تأسست حركتنا فى اعتصام مشابه العام الماضى»، الحديث هنا لمحمد طارق عضو حركة «تحرير» التى تضم عشرات الطلاب، بعضهم اشتراكيون واسلاميون، لكنه يؤكد على أنها حركة مستقلة تماما. وفى تلك المساحة أمام قبة جامعة القاهرة حيث يتحدث محمد طارق الطالب بكلية الآداب، أقيم اعتصام يضم عشرات الشباب لأهداف طلابية بحتة، على رأسها تغيير اللائحة الجامعية المعروفة بلائحة أمن الدولة. ويستكمل حديثه قائلا: «نمر على الطلبة فى مسيرات توعية، ونقيم معارض للتعريف بأهمية تغيير هذه اللائحة الخانقة، وكل طموحنا أن ينضم إلينا طلاب مستقلون، مثلما توحدنا معا وقت الثورة وبعدها». وحين يمر بهم بقية الطلاب فى هذا الموقع الاستراتيجى تدور أسئلة عن سبب تواجدهم، وعن وجود خيام لحركات مثل 6 إبريل وكفاية وغيرهم، وهو أحد أهم مشاهد الاعتصام الذى بدأ قبل قرابة ثلاثة أسابيع مضت، أحد الطلبة المارين يلخص وجهة نظره فى تعليق عابر دون أن يشارك: «الطلبة اللى بدأوا الاعتصام أغلبهم مسيسين»، يلقى عبارته ويتلاشى فى زحام الجامعة.
وسط حلقة نقاشية مجاورة انشغل الشباب بالحديث عن الإجراءات التى تتخذها الجامعة، انسحب عمر ساهر ــ طالب الفرقة الأولى بكلية الآداب ــ تاركا زملاءه بقصد التوضيح: «نواجه ضغوطا يومية هنا، خصوصا مع بدء الاعتصام، إذ نلتقى طلبة من جامعات أخرى فى حرم جامعة القاهرة، وأحيانا ما نتعرض للتضييق بهذا السبب، أما الأهم فهو رحلة إقناع بقية الطلاب بقضايا طلابية تخصهم، والإعلام للأسف لا يتواصل أو يبدى اهتماما سوى فى الأحداث الكبرى أو الاشتباكات، وهكذا تضيع الفكرة الأساسية فى إتاحة مناخ حر داخل الجامعة».
عمر ساهر نموذج آخر من أبناء المجموعات المستقلة، إذ ينتمى إلى حركة «مقاومة» الطلابية التى أسسها فى البداية (بدأت 2007 بحلوان وانتشرت تدريجيا) شباب ذوى ميول يسارية، متصلون بحركة «شباب من أجل العدالة والحرية»، ولأنه اختبر السياسة حين وجد نفسه عضوا فى حركة «أطفال من أجل التغيير» ومتابعا لنشاط والده الناشط والصحفى ساهر جاد، أعادته أحداث الثورة منذ العام الماضى إلى العمل الحركى مستغلا وجوده داخل الجامعة. يمر عبدالرحمن موافى، طالب الهندسة الذى تعرض للاعتقال فى ميدان التحرير فى فبراير الماضى، وحتى الآن ما زالت صورته متواجدة على بعض جدران الجامعة منذ حملة الإفراج عنه التى تبناها زملاؤه. فى هذه الناحية من الجامعة مشهدا يعبر عن ملامح الحركة الطلابية فى 2012، إذ أصبح لعدد منهم قصة إصابة أو اختطاف أو اعتقال تداولها زملاؤه على الإنترنت وداخل الجامعة، ويعود عمر ساهر للتوضيح: «لاحظ أننا نجتمع هنا بالذات فى جامعة القاهرة ليس فقط لأنها الجامعة الأم أو للحرية النسبية فيها، لكن أيضا لوجود مقر المجلس الأعلى للجامعات».
فى هذا العالم الصغير الذى يتجاور فيه الاشتراكى مع الليبرالى مع الإسلامى مع المستقل، يمكن ملاحظة وجود طلبة من جامعات أخرى، مثل طلبة جامعة عين شمس الذين أخفقوا فى تنفيذ اعتصام لهم أمام قصر الزعفران فى جامعتهم، بعد أن تعرضوا للبلطجة ولم توفر لهم جامعتهم الحماية المناسبة. من بين هؤلاء كان أحمد إسماعيل، طالب السنة النهائية فى كلية الطب بجامعة عين شمس، الذى اختار أن يبدأ حديثه بملاحظة التقطها فى الأشهر الماضية: «حين كنا ننظم مسيرات فى فاعليات ذكرى الثورة أو ذكرى التنحى الأخيرة، كان الطلبة يشاركون بكم كبير، لكن حين بدأنا نحشد من أجل تعديل اللائحة الطلابية، فوجئنا بأن الطلاب ذوى الخلفية السياسية هم الأكثر حماسا.. ورغم ذلك فلا أستطيع أن أنفى دور الطلبة المستقلين فى الاعتصام الأخير، لكن الأهم أن هناك صفة جديدة أصبحت تجمعنا، هى الصفة الثورية والرغبة فى التغيير الجذرى». أحمد إسماعيل كان أحد المسئولين عن الملف الطلابى فى حملة دعم البرادعى، وبعد انسحاب البرادعى من سباق الترشح الرئاسى، تحول نشاطه إلى حركة مستقلة مع زملائه تحت اسم «حركة حقنا»، والأهم من هذا أنه هنا فى الاعتصام ضمن كيان أكبر يضم عدد من حركات جامعة عين شمس اختاروا اسم « ثوار». فى هذا الزحام تفتقد العين تواجد أبناء التيار الإسلامى الذين كان لهم حضورا قويا فى فترة ما قبل الثورة، حين كانوا يواجهون طلبة اتحاد الطلبة الموالين للسلطة آنذاك، أما اليوم فالقواعد مختلفة تماما، إذ خالف طلبة الإخوان بقية القوى السياسية فى قبول قرار الوزير إقامة الانتخابات الطلابية لهذا العام، وفقا للائحة القديمة المعيبة، ورفعا للحرج أصدر طلبة الإخوان المسلمين بجامعة القاهرة بيانا أكدوا فيه أنهم لم يسعوا إلى التعجيل بهذا القرار أو الضغط من أجله فى مجلس الشعب وأن من قام بهذا مجموعات أخرى غيرهم خارج الجامعة. «على فكرة إحنا وجودنا هنا بسبب الإخوان»، العبارة هنا لأحمد منصور المتحدث الإعلامى باسم اللجان الثورية فى جامعة القاهرة، وهى أقوى تمثيل للطلبة المستقلين فى الجامعة، إذ يبدأ حديثه واصفا نفسه: «أنا مش مسيس، بس السياسة مش عيب أو تهمة..!!». يقصد بذلك حسبما يشرح أن بعض الشباب قد اكتسبوا خبرة فى العمل الحركى بسبب مشاركاتهم فى المسيرات والمظاهرات المختلفة، بل وابتكار مبادرات سياسية حرة بعيدا عن التنظيمات، كذلك فهناك من ثاروا على الأكاديميين من أعضاء الحزب الوطنى، ويضرب مثالا بنفسه، إذ إن عمله لسنوات سابقة فى جمعية رسالة الخيرية أكسبه خبرة فى التسويق والدعاية وإدارة الحملات، وبهذه الطريقة كان تأسيس اللجان الثورية بجامعة القاهرة فى فبراير الماضى، دون أن يخفى أن هناك بعض الشباب المنتمين لحركات سياسية كانوا ضمن المبادرين.. فى أثناء حديثه يبدو القلق والإرهاق بسبب السهر للدراسة والتخطيط للخطوات المقبلة بعد الاعتصام، والتواصل مع مجلس الشعب للضغط من أجل تطبيق لائحة جديدة يستفتى عليها الطلبة. هنا فى جامعة القاهرة حيث عالم الحركة الطلابية، أصبحت هذه البقعة مزارا من طلبة الجامعات الأخرى، وطلاب التعليم المفتوح، وتعكس عالما صغيرا من واقع مصر الحالى، حيث الجدل حول اللائحة الطلابية الشبيهة بالدستور، ويعلق أحمد منصور ساخرا: «حتى موقف طلبة الإخوان هنا فى جامعة القاهرة من بقية زملائهم فى الجامعات الأخرى، يذكرنى بموقف النائب محمد البلتاجى حين يظهر بعد كل جدل، معلقا على تصرفات جماعة الإخوان المسلمين بهدف تصحيح الصورة». يتوقف قليلا ليكمل حديثه بجدية: «حتى إن لم ينجح الاعتصام فى تحقيق مطالبنا، تكفى هذه الروح التى جمعتنا، وتفيدنا فى أى عمل قادم، على الأقل نحن نحاول أن نكون نموذجا لآخرين حتى إن وقعنا فى بعض الأخطاء».



يجلس محمد عاصى عضو حركة الاشتراكيين الثوريين مع رفاقه فى مدخل قبة جامعة القاهرة، يرتدى الشال الفلسطينى، ويحرص على الدقة فى حديثه عن أزمة هذا العام فى الجامعة، قائلا: «كل ما نفعله الآن هو الضغط بالاعتصام وتوصيل توقيعات الطلاب إلى الجهات الحكومية من أجل تغيير اللائحة الطلابية بشكل كامل حتى يتاح مناخ حر فى الجامعة..» بعض زملائه الاشتراكيين الموجودين حوله أعضاء فى حركات طلابية مستقلة، أما طموحه الشخصى هو: «ألا يقتصر اهتمام زملائه بالقضايا الطلابية حكرا على المنتمين إلى حركات سياسية خارج الجامعة». قبل حديثه بدقائق كان فى حوار مع زميل بنفس الدفعة بكلية الطب، ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، ودار جدل بينهما حول ضرورة مقاطعة الانتخابات القادمة التى ستتم حسب لائحة معيبة، بينما خالفه زميله الإخوانى متبنيا ضرورة دخول الانتخابات والضغط من داخل الاتحاد لتغيير اللائحة. يجلس إلى جواره زميله حسام عضو الاشتراكيين الثوريين، لكنه يرفض الحديث حسب القواعد المعمول بها داخليا فى الحركة، محيلا الحديث إلى محمد عاصى مرة أخرى: «فى العام الماضى كنا نتعرض أحيانا للتشنيع من الطلبة العابرين، وذلك بعد الثورة مباشرة، واتهامات بأننا مدعومون من حركاتنا خارج الجامعة، لكن الوضع الآن اختلف بعد ظهور مجموعات مستقلة تماما، كما أن بزوغ دور الطلبة المسيسين مثل الاشتراكيين الثوريين أو أبناء حركة مثل 6 إبريل فى الحركة الطلابية طمأن الكثيرين، أضف إلى هذا أننا أقمنا من قبل معرضا للتعريف بالاشتراكية الثورية فى مؤتمر داخل الجامعة، وهذا ما لم يكن ليحدث من قبل.. لدينا الآن حالة من التعايش مع الطالب المسيس».
أثناء حديثه يمر به زملاء ويدخلون فى حوارات جانبية أو يلقون القفشات، وما زال لدى الجميع قلق من رد فعل السلطة تجاههم فى الفترة المقبلة. يضيف محمد عاصى معلقا: «تلقينا عروضا واقتراحات بأن ندخل انتخابات جامعة القاهرة حين تبدأ، وأن نقتنص عدة مقاعد، ثم ننسحب كى نحدث فراغا ونحرج الإدارة». ما يميز محمد عاصى عن بعض الطلاب الآخرين هو انشغاله فى حركة الاشتراكيين الثوريين خارج الجامعة أيضا ضمن فاعليات سياسية، حتى إن كانت بعيدة عن العمل الطلابى التقليدى. يشير بيده إلى شباب يلعبون الكرة أمام قبة الجامعة، وبعضهم من ممثلى حركتى 6 إبريل (جبهة أحمد ماهر)، و(الجبهة الديمقراطية). فى إحدى خيام الاعتصام، يجلس سيد محمد بعيدا عن زملائه، ويدخل مباشرة إلى فكرته: «نحن مكشوفون هنا للجميع، لا مجال لتنفيذ أجندات لحركاتنا أو ما إلى ذلك، فأنا من طلاب 6 إبريل فى جامعة القاهرة، وكل ما أفعله هو أن أنسق مع الحركة فى الخارج للاستفادة من خبرتهم، لكننا نحن أهل القرار».
قبل الثورة لم يكن سيد محمد مشغولا بالسياسة أو القضايا الطلابية، إذ كان طالبا فى جامعة حلوان قبل انتقاله منذ ثلاث سنوات إلى جامعة القاهرة، اليوم يجلس مع مسئول الملف الطلابى فى الحركة كتفا بكتف، رغم أنهما كانا زملاء فى جامعة حلوان ولم يفكرا فى دخول العمل العام إلا بعد الثورة. أحد أهم أدوار الطلبة المنتمين إلى حركات وتنظيمات خارج الجامعة أنهم أحيانا ما يقومون بمهام تنسيقية بين أعضاء تنظيماتهم فى جامعات أخرى، إلى جانب انشغالهم بالتنسيق مع المجموعات المستقلة داخل جامعتهم، يقول: «الوضع هنا فى جامعة القاهرة أفضل بكثير عن جامعة حلوان على سبيل المثال، حين اتجه إلى هناك لوضع الملصقات أفاجأ أحيانا بمن يزيلون ملصقا وضعته دون خشية». كلا من محمد عاصى من حركة الاشتراكيين الثوريين، وسيد محمد من 6 إبريل (الجبهة الديموقراطية)، يطمحان أن ينمو عملهما فى المجال السياسى بعد انتهاء دراستهما، أما اليوم، فكل انشغالهما بردود الأفعال على مطالب الحركة الطلابية فى هذا العام 2012.



تعرف اللائحة الطلابية التى تسير عليها الجامعات المصرية بأنها لائحة سنة 79، وأجريت عليها تعديلات آخرها فى العام 2007، وكتبت تلك اللائحة فى أعقاب زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى إسرائيل، وتحمل بعض بنودها نصوصا تعمل على التضييق على الطلبة، ومن ذلك إلغاء اللجنة السياسية التى تقيم الندوات والأنشطة المختصة بتوعية الطلاب سياسيا، وتفرض الحصول على موافقة العميد قبل القيام بأى نشاط طلابى، وأن يكون لعميد الكلية سلطة ريادة اتحاد الطلبة، وكذلك تعيين أعضائه فى حالة عدم اكتمال النصاب القانونى وغياب مشاركة الطلاب فى الانتخابات وهو ما كان يتكرر أثناء السنوات السابقة. فى فبراير الماضى من العام 2012 أرسل وزير التعليم العالى تعميما إلى جميع الجامعات المصرية بلائحة جديدة، وتفادت هذه اللائحة مساوئ لائحة سنة 79 إذ عادت فيها اللجنة السياسية والثقافية، كما نزعت سلطة عميد الكلية فى تعيين اتحاد الطلاب فى حالة عدم الحصول على النصاب القانونى أثناء الانتخابات، وهو ما كان يحدث فى السنوات السابقة أثناء استغلال عدم اهتمام الطلاب بالانتخابات، وينتج عن ذلك اتحادات موالية للسلطة حسب تقارير حقوقية.

لائحة 2012 ظهرت بعد الحراك الذى شهدته الجامعة من مسيرات فى ذكرى الثورة الأولى وذكرى التنحى فى بداية هذا العام، وضمت بعض البنود التى اعترضت عليها شريحة من الطلاب، إذ إنها تقصر العمل الطلابى داخل الاتحادات فقط، وتجاهلت حقوق طلبة الانتساب والتعليم المفتوح فى الاتحاد. وأقيمت دعوى قضائية لإبطال العمل بها فى انتخابات هذا العام حتى يتم استكمال شكلها النهائى. وبعد تأجيل وزير التعليم اعتماد اللائحة والانتخابات، جاءت خطوة مفاجئة من فصيل طلابى (الإخوان المسلمين) قبيل الجدل الدائر حول اللجنة التأسيسية للدستور وهل ستكون هناك فرصة لمشاركة اتحادات الطلاب فيها أم لا. وهو ما دفع طلبة الإخوان إلى تبنى مسيرة للتعجيل بانتخابات اتحاد الطلبة فى هذا العام الدراسى، وتبنت لجنة التعليم بمجلس الشعب ونواب برلمانيون من جماعة الإخوان هذه الخطوة واتخذ الوزير قراره فى إجراء الانتخابات حسب لائحة 79 سيئة السمعة، وهو ما رفضته أغلبية الحركة الطلابية وأعلنوا مقاطعتها، وتم توقيع بروتوكول بين طلاب ينتمون إلى الإخوان المسلمين وإدارة الجامعة، يعطى مزايا تسهل الترشح لانتخابات اتحاد الطلبة، لكن هذه الميزة فقط فى جامعة القاهرة، وهو لم تقبله بقية أطراف الاعتصام، متمسكين بلائحة جديدة، وقرروا معارضة الانتخابات على أمل إبطالها فيما بعد، وهناك انتقادات أن الاتحاد القادم لن يعمل فعليا سوى أسبوع فى نهاية هذا العام الدراسى، وهو ما يجعل إجراء الانتخابات أمرا غير مجدٍ، فى حين ترى إدارة الجامعة أن هذا الموقف لم يختلف كثيرا عن توقيت انتخابات العام الماضى.
PDF

Sunday, April 8, 2012

اعتصام الألتراس.. يا عزيزى كلنا شهداء وكلهم أوغاد

جيرة باردة بين الأهلاوية والأمن المركزى.. ومواطن: الشباب هنا محترم ومنظم.. وأى مشكلة بتتحل فورًا

عبد الرحمن مصطفى
رغم الغناء والصخب فى اعتصام ألتراس أهلاوى، فإن ذلك لا يبدو مرضيا لمحمد طلعت المنهمك فى تقديم الطعام والعصائر لزبائنه، يعلق قائلا: «تقريبا فقدت زبائنى التقليديين من الموظفين، إذ ليسوا مضطرين إلى عبور بوابات الاعتصام والتعرض للتفتيش، أصبحت أعمل لأوقات إضافية وأركز على زبائن الاعتصام».
هذا المزيج بين البهجة التى تصدر من أغانى الاعتصام والقلق من الخطوة المقبلة هما سمة الحياة هنا فى شارع الفلكى جوار مجلس الشعب. الرقص على أغانى الألتراس يجاور وقار أهالى شهداء استاد بورسعيد وهم يتحدثون مع زوار الاعتصام، ولم تمنع هذه الأجواء بعض الشباب من أن يظهروا ضيقهم من قلة الكثافة العددية عن السابق، بسبب امتحانات الطلبة. وتتضارب الأقاويل منذ أيام حول إنهاء الاعتصام، بعد تحقيق جزء من مطالبهم الخاصة بنقل محاكمة المتهمين فى أحداث بورسعيد إلى القاهرة (وتظل هناك مطالب أخرى عامة، منها القصاص للشهداء وتطهير الداخلية من القيادات الفاسدة وعودة الجيش إلى ثكناته).
أمام عدد من اللافتات والخيام الصغيرة يعمل محمد طلعت ــ مدير مطعم ومحل عصائر (أبوحمدى) ــ مع ستة عمال آخرين متذكرين أحداثا سابقة مروا بها، يقول طلعت: «لم تتغير طريقة عملى ولا نوعية زبائنى حين وقعت أحداث محمد محمود أو مجلس الوزراء، الأمر الآن مختلف، أنا أعمل فى قلب اعتصام مغلق، لكن الحقيقة أن الشباب هنا محترم ومنظم، وإذا ما وقعت استفزازات من أحدهم، يظهر من يحلها فورا». حين تدب مشكلة داخل الاعتصام يظهر بسرعة أحد قادة ألتراس أهلاوى للتعامل سريعا.
يشير أحد الشباب المعتصمين بيده قائلا: «هناك قواعد للاعتصام ملصقة على الجدار!!»، ويضيف تفاصيل أخرى غير مكتوبة منها على سبيل المثال عدم استخدام الشماريخ داخل الاعتصام، وهو ما كاد يفسد إحدى حفلات الفنان رامى عصام بعد إشعال عدة شماريخ نارية أثناء الحفل. أما شروط الاعتصام الملصقة على الجدار، فتضم بنودا أخرى هى: «الحرص على النظافة العامة، عدم تداول الألفاظ الخارجة، وعدم إزعاج الجيران»، أما البند الذى أثار ضيق بعض الناشطات من رواد الاعتصام فكان: «عدم تواجد الفتيات بعد الساعة العاشرة مساء، وعدم تدخينهن نهائيا». هذه الصيغة استفزت بعضهن ليتهمن شباب الاعتصام بالعنصرية ضد المرأة مثلما كتبت الناشطة مها الأسود على مدونتها، وهو ما دفع ناشطات أخريات لدخول الاعتصام فى مجموعة قبل أيام والتحاور حول دور الفتاة فى اعتصامات سابقة.
وفى ناحية أخرى من الاعتصام، ناحية البوابات، نشأ تناقض جديد فى علاقات الجيرة بين شباب ألتراس هناك وعساكر الأمن المركزى، ففى الوقت الذى ينشد فيه الشباب ضد وزارة الداخلية ورجالها، نجد حالة من السلام تجمع الطرفين. أما خارج الاعتصام فأبدى أحد أفراد الأمن ضيقه من الصخب الزائد للألتراس، يحمل جهاز اللاسلكى بيد، ويشير بيده الأخرى إلى عبارة مكتوبة على الحائط أمامه: «خافى منا يا حكومة». ويذكر أنه حذر الشباب من الكتابة على الجدران خارج الاعتصام، ويقول: «رغم عدم وجود اشتباكات حقيقية من جانب الشباب هنا، إلا أن هذه العبارات تمثل استفزازا للمارة». يتوقف عن حديثه ثم يكمل مبتسما: «الحقيقة أن المجندين لا يفقهون أغلب المكتوب». حاول رجل الأمن ذو الزى المدنى أن يبدو محايدا، حين ذكر أن حريقا قد نشب فى مبنى مجاور، وأنه كان باستطاعته اتهام شباب الألتراس بالباطل بأنهم السبب وراء الحريق، لكن ضميره لن يسمح له بهذا التصرف، مستدلا بذلك على أن الأمن لا يعادى الألتراس.. وينهى حديثه وفى خلفيته كلمة A.C.A.B وهى اختصار لجملة بالإنجليزية تعنى «كل رجال الأمن أوغاد»، وهى إحدى شعارات الألتراس الشهيرة.
ورغم الحماس داخل الاعتصام إلا بعض الشباب لا يخفون حالة الإحباط من ضعف الاستجابة لقضيتهم.
على مقربة، أقيمت خيام لقوى أخرى مثل 6 أبريل، وثوار المعادى، حيث جلس المهندس حسن مبديا قلقه من أن يشتعل الموقف لأى سبب، وأن يتم توريط الألتراس من جديد، أما زميله الأصغر سنا جمال ــ عضو ألتراس أهلاوى ــ فأرجع قلة الكثافة العددية لانشغال الطلبة وضيق الزوار من صعوبة الوصول إلى المكان بسبب ما سماها «المتاهة»، ويقصد بها الحواجز الأسمنتية بين الشوارع فى هذه المنطقة، كذلك فقد دعا الجمعة الماضية مجموعة من المعتصمين إلى عدم التواصل مع الإعلام أو الكاميرات. وقرب منتصف الليل، يبدأ الاعتصام فى الهدوء، إذ يتجه الطلبة للمذاكرة، وآخرون يطوفون للتنظيف، وهو التوقيت نفسه الذى يكون فيه محمد طلعت ــ مدير أهم مطعم فى الاعتصام ــ قد أغلق أبوابه، منتظرا يوما جديدا، قد يستمر فيه الاعتصام أو لا يستمر.
PDF