Thursday, February 27, 2014

البروفايل.. تلخيص القصة الصحفية في شخصية


 عبدالرحمن مصطفى

قبل أن تكتب "بروفايل"، لابد أن تعتنق مبدأ مهما، وهو أنك تكتب عملا صحفيا لا يقل أهمية عن الخبر، والفيتشر، والقصة الخبرية، والحوار، والتحقيق .. البروفايل وسيلة لتقديم معلومات عن موضوع من خلال شخصية، وحتى يتمكن الصحفي من التوغل في عرض هذه الشخصية، لابد من اتخاذ زاوية للكتابة، هذه الزاوية ستمكن الكاتب من تحقيق أهدافه. من ضمن هذه الأهداف:

-          متابعة تطور مكان: كتقديم شخصية يتقاطع تاريخها مع تاريخ المكان.

-          فهم حدث طاريء: يتحول البروفايل هنا إلى عامل مساعد، شيق وإنساني في خدمة المحتوى الخبري في الصحيفة، عبر تقديم الشخصية مسار الحدث.

-          التعمق في شخصيات مختلفة: يبحث القاريء أحيانا عن شخصيات مختلفة وتجارب جديدة، لا يتيح لها الاعلام مساحات مناسبة.

-          نشر التفاؤل: من أكثر موضوعات البروفايل جاذبية، هي التي تعرض لقصة نجاح يتوحد معها القاريء باحثا عن الأمل والتفاؤل.

-          كشف التفاصيل الغائبة: أحيانا ما تغيب المعلومات عن تفاصيل الأخبار، وتتجمع كافة الخيوط بأيدي شخصية مفتاحية تكشف لنا مسار الأحداث.

وتتقاطع كتابة البروفايل مع كتابة الفيتشر، خاصة في استعارة أنواع المقدمات أثناء الكتابة، ويحتاج الصحفي إلى التحلى بمهارات لغوية عالية، إذ لا يكفي سرد مجموعة من التفاصيل والخلفيات التاريخية عن شخص، بل يتعدى ذلك إلى الدخول إلى عالم واسع مفتاحه مع هذه الشخصية، ومن الواجب أن يتم عرض ذلك بشكل شيق، حتى لا يتحول الأمر إلى ما يشبه التقرير التقليدي.

قبل البدء في الكتابة هناك مجموعة من التجهيزات، كأن يتم تحديد زاوية التناول، إذ أن عنصري الزمان والمكان قد يتحكمان في طريقة التعامل مع الشخصية، فإذا كتب أحدهم عن شخصية الدكتور محمد مرسي المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للإخوان (2000-2005)، فإن كتابته ستختلف تماما عن محمد مرسي الرئيس المعزول. وفي كل الأحوال على الصحفي أن يتساءل قبل أن يقابل مصدره، لماذا الآن؟ ومن أين يستمد المصدر جاذبيته التي تحوله إلى موضوع يهم القاريء؟ وأن يتخلى الصحفي عن إنحيازاته وأفكاره المسبقة.

يتعرض الصحفي أحيانا لأزمات أثناء كتابة البروفايل، حين يستحيل لقاء الشخصية المستهدفة، على سبيل المثال كان من الصعب إجراء حوار بين صحفي مصري ومدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان في العام 2005، لكن هناك من تغلب على ذلك بجمع معلومات وعقد لقاءات مع رجال مطلعين ساعدوه في رسم صورة لدور هذا الرجل داخل الدولة، وقد يروي الصحفي "حكاية سياسية" من خلال بروفايل ذي لغة شيقة، اعتمادا على البحث والحصول على ما هو متاح من معلومات، ودون لقاء المصادر، وهذا ما يتعرض له الصحفيون كثيرا في قسم "الخارجي" أو أخبار العالم. ووسط هذه الطرق في الكتابة لابد من تحليل المعلومات قبل تقديمها، حتى لا يكون المنتج النهائي مجرد سيرة ذاتية في قالب صحفي. وحسب أحد صحفيي "نيويورك تايمز" التي تميزت بتقديم البروفايل فإنه يؤكد على أهمية البروفايل كمدخل لفهم قضية، ضاربا المثل بما كتبه في مرة عن أحد الموردين في مصر، وكيف عرض من خلاله صورة للاقتصاد غير الرسمي في القاهرة، وهي مهمة لا تخلو من مشقة وتعب.

وفي ضوء كل ذلك لابد من اتخاذ بعض التجهيزات قبل الكتابة، من أهمها:

-          جمع أكبر قدر من المعلومات الأرشيفية عن الشخصية والظروف المحيطة بها، كما يفضل التواصل مع مصادر تستطيع تقديم معلومات إضافية، لأن ذلك يفيد بشكل كامل قبل لقاء الشخصية.

-          تحديد زاوية الكتابة والهدف من التعامل مع الشخصية المستهدفة، وتحديد القضية أو الموضوع الذي يمكن تقديمه من خلالها.

-          التفكير في الصورة المصاحبة للموضوع، سواء باختيار صورة أرشيفية معبرة، أو بالتنسيق مع المصور ومناقشته في زاوية التناول قبل اللقاء، وغالبا ما ترتبط الصورة مع العنوان الرئيسي للبروفايل.

-          التجهيز لإجراء حوار مع الشخصية، مع الوضع في الاعتبار ألا تقتصر الأسئلة على زاوية الموضوع، بل التعرف أكثر على روح هذه الشخصية، وتطورها حتى اللحظة الحالية، والنقاش مع الشخصية حول المعلومات التي جمعها الصحفي.

قد تبدو المقاربة بعيدة على البعض، حين نشبه كتابة البروفايل بالكتابة عن البطل الدرامي في الرواية، لكن الواقع في لحظة الكتابة يكون متقارب إلى حد كبير، إذ تتضح الشخصية الدرامية حين ينجح الكاتب في إبراز صراعاتها، وعرض ظروف تطورها، وارتباطها بالمكان، هذه العوامل لا تكون بعيدة أثناء كتابة البروفايل، لذا فالبروفايل الجيد هو الذي يقدم لنا شخصية درامية بأسلوب صحفي.

Thursday, February 20, 2014

كتابة الفيتشر الصحفي .. مساحة لجذب القارئ إلى عالم الأخبار



عبد الرحمن مصطفى

يهدف الفيتشر الصحفي (القصة الإنسانية) إلى إضفاء مزيد من العمق في التناول الخبري، ومحاولة تلطيف المحتوى الصحفي بالاقتراب من حياة الناس، ويمتاز الفيتشر بأنه أكثر أشكال الكتابة الصحفية صمودا أمام الزمن، ما يضعه أحيانا في صفحات نوعية أو أسبوعية.. وأمام كاتب الفيتشر اختيارين، الأول هو الكتابة عن موضوعات خارج الإيقاع الخبري السريع، كأن يكتب عن اهتمامات الناس وجوانب أخرى من حياتهم، كأن يزور مكان مميز كما نرى في هذا الموضوع “برقاش يعني سوق الجمال”، أو أن يكتب عن مبادرة شبابية تعمل لإصلاح المجتمع دون صخب، أما البديل الثاني فهو أن يتجه صحفي الفيتشر إلى البحث عن الهامش الذي يجعلنا نفهم عمق الحدث وخلفياته وجوانبه، وعلى الصحفي في هذه الحالة أن يبحث عن مصادر جديدة بعيدا عن المصادر التي استهلكت أثناء التغطيات الصحفية.

على سبيل المثال، كان حادث مقتل الجنود المصريين في رفح، أثناء إفطارهم في رمضان عام 2012 كارثيا بدرجة جعلت كافة وسائل الإعلام تتجه لا إراديا ناحية الخبر، ووسط هذا الزحام كان في الإمكان تناول فكرة عن شباب سيناء المتطوعين في المجال الخيري – أثناء شهر رمضان- وكيف يعمل هؤلاء وسط حملة عسكرية على الإرهاب. هذا الموضوع كان يمكن كتابته أيضا حال لم يقع حادث رفح، وستكون زاويته في تلك الحالة عن مشقة العمل الخيري في مجتمع سيناء المهمش، لكن وقوع الحادث جعل زاوية الموضوع عن العمل الخيري وسط أحداث ساخنة. وهنا ننتقل إلى خطوات اختيار فكرة الفيتشر وخطوات تنفيذها.


* الفكرة: على الصحفي أن يبتعد عن الحدث قليلا، ويتعامل معه كقضية تمس شريحة من المواطنين، ثم يطرح زاوية للتناول، كأنها خيط يتتبعه أثناء الكتابة، محاولا إبراز مبررات اختيار الفكرة واهميتها لدى القارئ، فسواء كان موضوع الفيتشر عن عالم الليل والسهر، أو عن تحضيرات الطلاب للإمتحانات، فالقارئ ينتظر تفاصيل لن يصل إليها سوى عن طريق كاتب الموضوع، كما أن زاوية كتابة الموضوع هي الهيكل الذي سيمنحه الصحفي جسدا بكلماته، على أن تكون الزاوية جديدة وغير مستهلكه.


المصادر: احشد لقصتك أقصى ما تستطيع جمعه من المعلومات قبل لقاء المصادر، من بيانات وتفاصيل عن طبيعة المكان، والاستعانة بمعلومات من شخصيات قريبة من فكرة الموضوع، والأهم من ذلك أن يكون ضمن المصادر شخصيات يدرس الصحفي من خلالها تأثير الأحداث وطبيعة المكان.


* العنوان : يعتاد الصحفي حين ينهي كتابة خبر أو تقرير أن يجعل العنوان هو آخر ما يكتبه قبل النشر، لكن النصيحة الأفضل لصحفي الفيتشر، هي أن يضع عنوان قصته في رأسه قبل البدء في العمل، وذلك لسبب بسيط، هو أن العنوان أحيانا ما يلخص زاوية الفيتشر. وتتبدل العناوين بين عنوان مكثف من نوعية “موسيقى تتحدى الحظر”، أو عنوان أكثر مباشرة مثل: “مقاهي غزة : مأوى للعاطلين ولعشاق كرة القدم”، ويعقب ذلك عنوان فرعي يشرح تفاصيل القصة. ويتراوح عدد كلمات القصة الانسانية بين 500 إلى 2000 كلمة، مع مقدمة جاذبة تربط موضوع الفيتشر بالبشر، وقد جرى الاتفاق على عدة أنواع من المقدمات تحقق هذا الهدف.


أنواع المقدمة

– الحكي: هنا يوجز الصحفي مشهدا من حياة أحد مصادر الموضوع، بهدف إبراز الفكرة وكيف أثرت بشكل مباشر في حياة الناس، وهذا النوع من المقدمات يكاد يكون الأكثر استخداما، إذ يعرض الصحفي “مشهدا” ينقل إلى القارئ إحساسا بالحركة والحياة. 

– الوصف: تبدأ الفقرة الأولى بوصف مكان الموضوع، ونلاحظ هنا أن هذا النوع يخدم الفكرة القائمة بأكملها على “المكان”، ما يجعل هناك مبرر واضح لاستخدام هذه المقدمة، ونلفت النظر إلى أنه على الصحفي ألا يستعرض عضلاته اللغوية ومهاراته الأدبية بشكل بارز، حتى لا يحدث تشتيت لدى القارئ، فيتوه عن الفكرة الأصلية.

-السؤال: بإمكان الصحفي أن يبدأ موضوعه بسؤال مباشر متصل بموضوع الفيتشر، وفي الغالب ستكون بقية الفقرات هي إجابة عن ذلك السؤال، وإما أن يطرح السؤال على لسان أحد المصادر، أو يطرحه الصحفي بنفسه داخل المقدمة.

– المواجهة مع القارئ: تـُستخدم أغلب تلك المقدمات في الفيتشر المكتوب لصفحة ذات طابع خدمي أو ترفيهي على السواء، مثل صفحات الصحة، التكنولوجيا، والأزياء، .. الخ. وتكون المقدمات على طريقة : “لو كنت أحد الذين يصابون بنوبات عطس متكررة في الربيع أو في شهري سبتمبر وأكتوبر، فتلك أعراض الحساسية الموسمية، …الخ”.

– المقارنة والتناقض: في هذا النوع من المقدمات، يلعب الصحفي على جذب القارئ بمفارقة تصنعها المتناقضات المرتبطة بالموضوع، ويتخللها عنصر المفاجأة كذلك، كاستغلال غرابة الحالة التي تعيشها سيدة تحولت من المسيحة إلى الاسلام، وكيف أصبح اسمها الرباعي الجديد مكونا من ثمانية أسماء.

– العرض التاريخي: وهي المقدمة التي تستعرض أصل موضوع الفيتشر بتسلسل تاريخي وبشكل شيق، ولا بد أن تتضمن المقدمة مدة زمنية أو تاريخ محدد، وأحيانا ما تنتهي تلك الفقرة التمهيدية إلى مفارقة أو مفاجئة، وتكتب بقية الفقرات بعدها.

– الاقتباس: وهي أكثر أنواع المقدمات سهولة، وخاصة في مجال التلفزيون، لكن كثرة استخدامها في عالم الصحافة أفقدهها جاذبيتها، لذا يفضل عدم البدء باقتباس، إلا إذا كان صادما وقويا.


بناء الفيتشر
يمكن للصحفي أن يبدع في مقدمة الفيتشر خارج الأنواع السابقة، كأن يبدأ بمثل شهير أو نتائج دراسة أو بتنويعات لغوية مشوقة. ثم ينتقل الصحفي بعد المقدمة إلى فقرة الاقتباس، ثم فقرة بعدها تشرح بشكل غير مباشر أهمية الموضوع ومبرر كتابته، وبعدها اقتباس آخر، ثم فقرة تعرض خلفيات أوسع للقضية، وفي هذه الفقرة تحديدا يحاول الصحفي تقريب فكرته إلى أكبر شريحة من القراء، وينتقل الموضوع بين اقتباس، ثم عرض للمعلومات، حتى تأتي الخاتمة التي تلخص نتائج الموضوع وانعكاساته في المستقبل، ومن المستحب ألا يختم الصحفي الفيتشر باقتباس، إلا في حالة إن كان ذلك الاقتباس مؤثرا.

أما أهم شروط كتابة الفيتشر، فهي الاعتماد على عبارات مكثفة، ووضوح الفكرة، واختيار زاوية واضحة لا تشتت الصحفي في تفاصيل لا تخدم موضوعه، ويجب الاستعانة ببيانات وأراء خبراء، حسب فكرة الموضوع، وفي النهاية على صحفي الفيتشر أن يؤمن بأهمية ما يكتب، حتى يظهر ذلك واضحا في موضوعه.