Monday, September 29, 2014

صحفيون بلا مصادر.. أزمة لها مزايا


 
كتب- عبدالرحمن مصطفى

يتابع أغلب الصحفيين جهات ومؤسسات بعينها، يستمدون منها أخبارهم بشكل دائم، وهو ما يجبرهم على أن يتوزعوا بين “مصادر أخبار” محددة للحصول على مادة أخبارهم. وهنا تظهر تعبيرات من نوعية “فلان ماسك وزارة الكهرباء” أو “فلان ماسك التعليم العالي”، لتعبر عن حالة يرتبط فيها الصحفي بمصدره، محاولا ألا يفوت خبرا أو معلومة تخص ذلك المصدر وإلا سيحاسب على تقصيره.

هذا المقال ليس عن هؤلاء الصحفيين المتابعين لمصادر بعينها، ولا عن الذين اختاروا أن يتخصصوا في الصحافة الفنية أو الثقافية أو الرياضية أو العلمية دون غيرها. بل عن الذين فرضت عليهم مهمتهم التبدل بين المصادر لتحقيق هدف واحد، هو كتابة تحقيق، أو فيتشر.

ورغم ما يتلقاه العاملون في مجالي التحقيقات وكتابة الفيتشر أحيانا من اتهامات بأنهم يفتقدون التخصص، حين يتبدل الصحفي من موضوع عن أزمة الطاقة في مرة، إلى موضوع عن الأحياء العشوائية، وهكذا. إلا أنه تظل هناك بعض المزايا الأخرى، من أهمها:

– يتعرف الصحفي على تجارب جديدة، مع كل فكرة موضوع يعمل عليها، وهو ما يجبر الصحفي أيضا على توسيع دائرة معارفه في كافة المجالات، كي يكون مستعدا للمهمة القادمة، أيا كانت.

– يصنع تجديد المصادر مع كل موضوع “أجندة”، و “أرشيفا”، يدعم الصحفي في أي مساحة عمل يلتحق بها في المستقبل.

– تكرس صحافة التحقيقات حالة من عدم الولاء للمصادر، إذ لا يقع الصحفي في حرج التعامل مع المصادر نفسها بشكل متكرر لأغراض إخبارية، وهو ما يجعله متفرغا لإنجاز موضوعه، دون حسابات الحرج مع المصدر.

– توفر التحقيقات مساحة للصحفيين الذين يملكون مهارات بحثية عالية في إشباع مهاراتهم من خلال كل موضوع جديد يعملون عليه، وهو ما يشبه عمل الباحثين في مجال الأفلام الوثائقية.

كل هذه المزايا، لا تقلل من شأن صحفي الأخبار المرتبط بمصدر محدد، فصحفيو الأخبار هم من يمدون الصحف بمانشيتاتها اليومية وانفراداتها المتميزة، كما أن تلك المزايا التي ذكرناها، لا تعلي من شأن صحفي التحقيقات والفتيشر على زملائه.

أما إذا انتقلنا إلى صلب الموضوع الرئيسي للمقال، فنحن نتحدث عن الأزمة الكبرى التي تواجه الصحفيين غير المرتبطين بمصادر محددة، وهي عن كيفية الحصول على مصادر جديدة مع كل موضوع يعملون عليه. وحتى نصل إلى بعض الحلول، كان علينا الاسترشاد بآراء بعض العاملين في أقسام التحقيقات والفيتشر والإعداد التلفزيوني، كي نصل إلى مجموعة من النقاط، كلها متعلقة بسؤال:

كيف يمارس الصحفي مهنته وهو غير متخصص في مصدر إخباري محدد؟

– في البدء لا بد للصحفي أن يملك علاقة جيدة مع الإنترنت، تمكنه من سرعة الوصول إلى كل ما يخص فكرة موضوعه في أقصر وقت ممكن، حين يبحث عن المعلومات المتاحة عن فكرة موضوعه، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال ماكينات البحث الشهيرة، أو في موضوعات صحفية سابقة.

– قد يكون الطريق الأهم والأفضل في الوصول إلى مصدر جديد، هو الاستعانة بزملاء المهنة وطلب معاونتهم في الوصول إلى وسيلة اتصال بالمصدر المطلوب، وهنا يتجه صحفي التحقيقات أو كاتب الفيتشر إلى زميله الذي يتابع مصدرا بعينه، وفي أجواء طبيعية، لا يمتنع صحفي عن معاونة زميله.

– بعد تحديد أهم المصادر المطلوبة في الموضوع، تبقى طريقة الوصول إليها.. وليس هناك حرج إن لم تكن هناك وسيلة مباشرة للوصول إلى المصدر، أن يعود الصحفي إلى الطرق التقليدية. مثل البحث في دليل التليفونات الأرضية، أو الاتصال بمكان عمل المصدر للوصول إليه، أو التواصل معه من خلال حسابه على فيسبوك أو تويتر.

– ومع اتساع مجال العمل في الإعداد التلفزيوني والمواقع الإخبارية التي تستهلك كما كبيرا من المصادر، فقد ازدادت الحاجة إلى تبادل أرقام الهواتف الهامة بين الصحفيين، وهو ما فطن إليه مؤسسو مجموعة “قهوة الصحفيين” على فيسبوك، حيث يتيحون ملفات تضم وسائل الاتصال بمئات المصادر، إلى جانب ما يتبادله الصحفيون فيما بينهم على صفحات المجموعة. علما بأنها مجموعة تضم الصحفيين فقط.

– في بعض الموضوعات يحتاج الصحفي إلى النزول الميداني لبناء علاقة ثقة مع المصادر، لكن ذلك الأسلوب قد لا يكون مفهوما مع مصدر مسؤول، أو موظف حكومي تقليدي.. لذا على الصحفي أن يقدم حججا قوية تبرر اتباعه هذه الطريقة، مع مصادر اعتادت أن تتواصل مع الإعلام عبر الهاتف والبريد الالكتروني والفاكسات، وهذه الطريقة لا يلجأ إليها الصحفي إلا حين لا يجد دعما من زملائه الصحفيين.

– على الصحفي الذي يجدد مصادره مع كل موضوع يكتبه، أن يطرح فكرة موضوعه بين من يأمنهم على فكرته في دائرته القريبة من زملاء المهنة والأصدقاء الموثوقين، فيعرض عليهم الفكرة التي يعمل عليها، على أمل أن يجد من يمده بمصادر أو معلومة مفيدة.

– ما دام الصحفي قد اختار أن يتعامل مع مصادر متجددة طول الوقت، فمن المهم أن يستفاد من كل جلسة خاصة أو عامة يحضرها، لأنها قد تكون مصدر إلهام لفكرة موضوع، أو فرصة للتعرف على مصدر قد يحتاجه في المستقبل.

وفي الختام .. يظل العمل الصحفي قائما على تحدي الوصول إلى المعلومة من مصدرها السليم، لذا على الصحفي أن يظل مدينا بالعرفان لكن من عاونه في الوصول إلى المصدر المناسب، لأن المصادر هي أساس الكتابة الصحفية.