Tuesday, December 29, 2009

عشر سنوات رسمت ملامح جيل

تصوير: أحمد عبد اللطيف
الحياة داخل أحد الكافيهات الحديثة تعبر بدقة عن التطور النهائى للمزاج المصرى حيث تصميم المكان الذى يساعد على تكوين تجمعات منفصلة تحافظ على قدر من الخصوصية لا توفره المقاهى التقليدية، بعضهم استغل هذه الأجواء فى المذاكرة، وآخرون استغلوها فى إدارة حديث عمل جاد، وعلى الجانب الآخر شلة أصدقاء لا يهتمون بكل هذا، أما عامل الكافيه فيدرك أن الجميع لا يحبون التطفل، تكفى زيارة أو اثنتين لعرض قائمة متخمة بأسماء من نوعية.. موكا، اسبرسو، تشيف سالاد،.. إلخ ثم يترك مساحة جيدة للعميل كى يندمج فى عمله أو مع رفاق جلسته محافظا على مسافة كبيرة بينه وبين الزبائن.
وسط هذه الأجواء قد يبدو شريف عبدالعزيز للوهلة الأولى مجرد شاب منشغل بعمله أمام جهاز الكمبيوتر المحمول الشخصى، ما يميزه قليلا أنه أكثر تورطا مع الإنترنت، حتى وجوده هنا كان سببه الرئيسى هو استخدام الانترنت والكمبيوتر، حسب تعبيره فإن الساعات التى يقضيها هنا» بمثابة طقس يومى ممتع يزيد من رغبته فى العمل».
ربما لا يملك الجميع هنا مدونة أو لديه نشاط كبير على شبكة الفيس بوك الاجتماعية، لكن المتورطين فى الإنترنت أمثال شريف سيجدون المكان هنا أفضل لمتابعة أنشطتهم.
قبل عدة سنوات بدأت هذه الكافيهات فى التعامل مع الانترنت بطريقة مختلفة حين أصبح على كل من يرغب فى استخدام الإنترنت أن يتصل برقم وكلمة سر تصل على هاتفه المحمول، وهو ما أثار بعض المدونين فى ذلك الوقت واعتبروه تطفلا على الزوار وأرجعوه لأسباب أمنية. اليوم استسلم الجميع لهذه القواعد، واعتبروها خطوة فى تطور علاقتهم بالإنترنت والأماكن التى يرتادونها.
فى العام 2000 كان هناك حوالى 300 ألف مستخدم للإنترنت أغلبهم من شريحة لديها القدرة على تحمل التكاليف. وفى عام 2002 بدأت خدمة الاتصال بالإنترنت بسعر المكالمة العادية مما زاد عدد المشتركين فى المنتديات الإلكترونية، كان شريف عبدالعزيز ضمن هؤلاء الذين اختاروا الاندماج فى مجتمع الإنترنت مبكرا، ويقول: «علاقاتى الأولى تكونت عبر برنامجى الدردشة MIRC، وICQ، وبعدها أصبحت فكرة المنتدى الإلكترونى أكثر رواجا، لكن الملاحظة الأهم فى تلك المرحلة هى أن بعض هذه المنتديات المشهورة خرجت منها مجموعات مهمة أثرت فى حركة المدونات المصرية وخرج منها ناشطون وكتاب شباب». هذا التطور صاحبته تطورات أخرى على الأرض حيث الأماكن التى تستهدف الشباب، يتذكر شريف ذلك الهوس الذى ضرب رءوس البعض بساقية الصاوى الثقافية حين أنشئت فى 2003 حيث جمعت المهتمين بالأنشطة الثقافية والفنية والناشطين.
تتفق معه ماريان ناجى ــ صحفية ــ المولعة أيضا بنفس الكافيه حيث يجلسان لمدد طويلة مع أصدقائهما، فى ساقية الصاوى كانت اللقاءات الأولى قبل عدة سنوات التى جمعت شريف وماريان بعدد أكبر من المدونين، تكمل ماريان: «خلقت المدونات حالة من الحميمية الافتراضية، لأنه كانت لدينا الفرصة لقراءة من نختاره، وكثيرون منا كان يبحث عن كائن يشبهه.. لذا تكونت بعض مجموعات مختلفة أقرب إلى الشلل لكنها كانت تحت مظلة التدوين، وبعض هؤلاء أصبح مرتبطا بأماكن بعينها مثل مقاهى وسط البلد إما لأنه ناشط سياسى أو كاتب أو غير ذلك من الأسباب.. عن نفسى لم تكن لدى كل تلك الأسباب فارتحت هنا أكثر حيث إن المكان ملائم أكثر لفتاة، وخدمته أرقى».

بعيدا عن «ثقافة الشاى»
اليوم لا يجتمع شريف وماريان فى الكافيه المحبب لهما فى جلسة صداقة عادية بل يشغلهما تحضير ورش تدريبية ومشروعات عمل بعد خبرة نالاها فى العمل التنموى كان الإنترنت والتدوين سببا دفعهما إلى اقتحامه.
كلاهما يتذكر كيف تقدمت الكافيهات الحديثة على حساب المطاعم الكبرى للوجبات السريعة الأمريكية مثل ماكدونالدز ومطاعم البيتزا وغيرها التى ازدهرت فى الثمانينيات والتسعينيات، بعض هذه المطاعم مازال حريصا على تشغيل موسيقى الثمانينيات والتسعينيات للزبائن. لكن عدم إتاحة استخدام الإنترنت وتغلب روح المطعم على روح المقهى دفعا بشريحة من الشباب إلى الكافيهات الصاعدة التى حاولت المزج بين روح المطعم والمقهى معا، بل ومنافسة المقاهى المصرية التقليدية. يسجل موقع سيلنترو أحد هذه الكافيهات فى موقعه أن القائمين على المكان كان هدفهم الخروج بمظهر جديد بعيدا عن «ثقافة الشاي» المنتشرة فى مصر وأيضا تقديم وجبات عالمية، وظهر الفرع الأول فى الزمالك مع العام 2000 بحثا عن زبائنه فى حى متعدد الجنسيات، وأخذت هذه الموجة فى الانتشار عبر كافيهات أخرى حتى أن بعض المكتبات استضافت هذه الكافيهات لاجتذاب نوعية جديدة من الزبائن.
يرى الدكتور على أبو ليلة ــ أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس ــ أن هناك عدة قضايا مختلفة أثيرت حول هذا الجيل فى البحوث الاجتماعية أثناء السنوات العشر الماضية مثل المخدرات والتحرش والبلطجة وأزمة الهوية والانتماء، لكن ما استوقفه هو العلاقة التى نشأت بين هذا الجيل مع الإنترنت. ويرى فى تحليلها أنه: «قد أصبح هذا الجيل أكثر انفتاحا على العالم، رغم اتجاهه إلى الإنترنت هروبا من المجتمع الواقعى الذى لم يشبع حاجاته، فكانت الدردشة الالكترونية والعلاقات الافتراضية شكلا من أشكال مواجهة هذا المجتمع».
انفتاح هذا الجيل على العالم جعله أكثر قابلية للتواجد فى أماكن مختلفة تماما عن المقاهى والمطاعم التقليدية، وبعيدة عن المزاج المصرى التقليدى وهو ما يراه الدكتور على أبو ليلة إحدى سمات هذا الجيل: «هذا الجيل أكثر ارتباطا بالثقافة العالمية، وعلى عكس الأجيال السابقة مشكلته أنه غير منتم إلى حد كبير إلى تراثه وسياقه الاجتماعى».
فى الولايات المتحدة الأمريكية انشغل البعض أيضا بوصف هذا الجيل فصك باحثان أمريكيان فى كتاب «Millennials Rising» تعبير جيل الألفية تعبيرا عن الذين ولدوا بين منتصف السبعينيات حتى نهاية التسعينيات لكن نفس هذا الجيل أطلق أيضا تعبير «جيل الشبكة Net Generation» فى إشارة إلى تعقد شكل علاقاته بسبب الاشتراك فى الشبكات الاجتماعية واستخدام شبكة الإنترنت بشكل عام.
علاقات من الافتراضى للواقع
هذه العلاقات التى نشأت عن الدخول فى شبكة علاقات المدونات والتشبيك الذى يصنعه موقع الفيس بوك بين أعضائه كان سببا فى أن تتعرف راندا أبو الدهب ــ الناشطة فى منظمة المرأة الجديدة ــ على شريف وماريان، ورغم أنها تشترك معهما فى نفس الأفكار فإنها حسب وصفها لا تنتمى بأى حال من الأحوال إلى مزاجهما فى اختيار أماكن اللقاء، وتقول : «لا أجد لهذه الكافيهات تاريخا أو قصة وراءها، أنا أذهب إليها مجاملة لأصدقائى»، بينما تبدى تحمسا للمقاهى التقليدية فى وسط البلد، يمكنها أن تعدد الأدباء والفنانين الذى كانوا يفدون على مقاهى من نوعية الحرية أو سوق الحميدية أو الندوة الثقافية وغيرها. بعض المقاهى صعدت بشكل مثير فى السنوات الأخيرة. تقول راندا : «من العام 2003 كانت تجمعنى مع أصدقائى الصحفيين والناشطين الحقوقيين مقاه بعينها فى وسط البلد، أحدها هو مقهى البورصة الذى تحول بعد بروز التدوين والحركات السياسية المعارضة إلى تجمع يجتذبهم». فى تلك المرحلة التى تصفها راندا كان ظهور الانترنت فائق السرعة ADSL مشجعا على الدخول إلى الانترنت والتواجد بشكل مكثف، وحسب دراسة أعدتها وزارة الاتصالات والمعلومات المصرية فى العام 2005 كانت غالبية مستخدمى الإنترنت وقتها الشباب من زوار المجالات الترفيهية كالمحادثة وتحميل الأغانى والأفلام..الخ، وهو ما أبرز فئات أخرى مثل المدونين كان بعضهم ينتج مادة مختلفة على الإنترنت.
فى جوار مقهى البورصة دخلت راندا إلى التدوين بعد جلسة تضم صحفيين وناشطين وأصدقاء من مجالات مهنية أخرى غير أنهم جميعا كانت تجمعهم مظلة التدوين على الإنترنت وتقول: «عن طريق صداقتهم اقتنعت بفكرة التدوين الذى أدين له الآن بالكثير، أفاد حياتى العملية، اليوم أنا مشاركة فى تطوير موقع المؤسسة التى أعمل بها، على عكس الماضى حين كان يقتصر عملى على العمل الورقى والميدانى، لكن الجانب الآخر الذى انكشف لى بعد التورط فى حياة الإنترنت هو أنها لا تخلو من الشللية، وانعكس ذلك بالفعل على بعض المجالات التى انتقلوا إليها.
يتوقع الدكتور على أبو ليلة ــ أستاذ علم الاجتماع ــ أنه قد تنتج نخبة ما فى وقت لاحق من مجتمع الإنترنت وستنتقل إلى الواقع، ويوضح : «الوجود داخل المجتمع الافتراضى والاكتفاء به هو عنصر الخطورة على المجتمع والفرد وذلك حين يكتفى الفرد بالاعتراف الاجتماعى داخل الانترنت، هناك مزايا قد توفرها الإنترنت مثل التدرب على القيادة وتقييم أوضاع المجتمع والاشتباك معه، لكن المهم أن يتحول ذلك إلى عمل مفيد على أرض الواقع. ولا استبعد أن يخرج من بين من مارسوا القيادة وطوروا مهاراتهم عبر الإنترنت أن يمثلوا شريحة متميزة فيما بعد».
شريف عبدالعزيز يتفق بشدة مع هذا الرأى، فهو نفسه قد تغيرت حياته المهنية من الهندسة إلى العمل فى المكتب الإنمائى للأمم المتحدة بسبب عرض تلقاه من إحدى الصديقات التى عرفته عن طريق المدونات.
هذه العلاقات المتشابكة التى أوجدتها الإنترنت دفعت بالبعض أيضا إلى زيارة أماكن لم تكن على بالهم، محمد ربيع الذى يعمل فى مجال الهندسة، حاول أن يكون بعيدا طوال سنوات طويلة عن الاندماج فى حياة الإنترنت، وكان مشغولا بعمله، ومع ازدهار المدونات بدأ معلقا حتى وجد نفسه منجذبا لبعض الأفراد أصحاب المزاج الواحد على الانترنت، وقاده ذلك إلى مقاه من نوعية التكعيبة التى يلتقى بها بعض الأدباء والكتاب الشباب والفنانين : « دخولى إلى الإنترنت نفسه أعطانى فرصة لإنتاج كتابة على المدونة فى شكل نصوص قصيرة قد تبدو غريبة للبعض، لكنها خطوة شجعتنى على الكتابة وتلقى التقييمات، وبعد مرحلة أيقنت أننى لا يجب أن أظل أسيرا للإنترنت فقط».
ربما لا ينجذب ربيع هو الآخر إلى نفس النوعية من الكافيهات التى يرتادها كل من شريف وماريان فهو صاحب مزاج قريب من راندا حيث المقاهى التقليدية بعيدا عن التكلف لكنه بعيدا عن علاقات الإنترنت التى انتقلت إلى الأرض يرى أن: «الأهم من علاقات المقاهى وتجمعات الإنترنت هو ما استفدته على المستوى الشخصى، فى الإنترنت لديك فرصة الاختيار من بين كثيرين تتابعهم بشكل دائم وأحيانا تعرف تفاصيل حياتهم، وربما تجدهم يفهمونك أكثر من آخرين حولك».
العلاقات المشتبكة والملتبسة فى بعض الأحيان على الإنترنت قد توجد شكلا من التشجيع على ارتياد أماكن أو اتخاذ خطوات، الورشة الأدبية التى حضرها ربيع العام الماضى وأنتج منها رواية تحت الطبع يرتادها هذا العام أربع مدونين لم يلتقوا أغلبهم من قبل، وإحداهن هى ماريان ناجى.
يقول ربيع: «الإنترنت أوجدت شكلا جديدا من العلاقات لم تكن موجودة من قبل، أشعر الآن أننى أنتمى إلى مجتمع لم أر أغلب أفراده، وأعرف كثيرين منهم رغم أننا لم نلتق». قد يكون محمد ربيع أكثر من يتفهم هذه النقطة لأن حياة الإنترنت هى سبب تعرفه على زوجته التى كانت تدون هى أيضا. وفى حفل زفافهما كانت نسبة كبيرة من الحضور من أصدقائه ومعارفه على الإنترنت.. وهو ما لم يكن ليحدث قبل عشرة سنوات من الآن.
مقاهي القاهرة
ظاهرة المقاهي التي تستقطب الناشطين في مجالات بعينها مثل الأدب والثقافة والسياسة ليست جديدة على المقاهي المصرية، إلا أن الجديد في العقد الأخير أن الانترنت ـ كوسيط ـ أصبحت أحد أداة تعارف هذه الفئات..  في السابق كانت المواهب الأدبية أو الانتماءات السياسية أحد عناصر تجمع هذه الفئات. يرى الكاتب الصحفي جمال الغيطاني بعين الأديب أن العصر الذهبي للمقاهي كان في فترة العشرينات والثلاثينات حسبما يذكر في مقدمة كتاب مقاهي الشرق، لكن قبلها أيضا كانت المقاهي تضم النخب من الكتاب والسياسيين ومن أحد أشهر هذه الملتقيات قهوة متاتيا التي كان يلتقي فيها في نهاية القرن قبل الماضي سعد زغلول ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومن بعدهم عباس العقاد. كانت تكفي شهرة الكاتب أو السياسي كي يلتف حوله المريدون. الآن  اختفى هذا المقهى تماما من الوجود، أما مقهى ريش الذي ما زال باقيا كأحد رموز هذه المقاهي التي اجتذبت الناشطين السياسيين والكتاب والأدباء، اشتهر بتواجد الراحل نجيب محفوظ الذي عرف عنه التواجد على مدار حياته في مقاه كثيرة مثل مقهى عرابي في الظاهر أما أهم ما اشتهر به مقهى ريش فهو تواجده البارز أثناء ثورة 1919 وكذلك وقت ثورة 1952 حيث شهد اجتماعات جمال عبد الناصر بالضباط الأحرار. لم تخف الهوية السياسية عن بعض المقاهي مثل مقهى الشيوعيين، وكذلك تجمعات أبناء حركة اليسار في مقاهى مثل ايزافيتش الذي كان يملكه رجل ذو أصل صربي من عائلة ايزافيتش.. واختفى المقهى من الموجود وحل محله الآن مطعم للوجبات السريعة رغم تاريخه الذي شهد نشأة طبقة من الفنانين وابناء اليسار، وخروج اعتصام الطلبة عام 1971 من داخله.
الفنانون لم يكونوا بعيدين عن مقاهي وسط البلد حين كان يرتادها نجوم مثل رشدي أباظة وشكري سرحان وغيرهم، وكان مقهى الحرية في باب اللوق أحد هذه الملتقيات. ولا تخفي بعض المقاهي هدفها مثل مقهى الندوة الثقافية الذي أعلن طابعه على لوحته منذ البداية.

Thursday, December 24, 2009

ناشط بيئي بمواصفات مصرية

العمل في حدود المتاح
اعتراض سفينة ملوثة للبيئة أو الاعتصام احتجاجا على فعاليات مؤتمر عالمي هي بعض ملامح عمل نشطاء البيئة الغربيين، لكن مع ثقافة مصرية مختلفة يختلف النشاط قليلا !
كتب – عبدالرحمن مصطفى
حين دشن محمد السعيد مجموعة على شبكة فيسبوك الاجتماعية لمنظمة جرينبيس العالمية (السلام الأخضر) لم يكن ممثلا لها في مصر أو عضوا ناشطا فيها بقدر ما كان معتنقا "لنمط الحياة الأخضر" الذي تروج له هذه المنظمة التي تضم ما يقارب الثلاثة ملايين داعم حول العالم. بعضهم كان ينشط على الانترنت لحساب قضايا البيئة، محمد الذي اتخذ هذه البادرة الطيبة بإنشاء المجموعة اكتشف مع الوقت الهوة بين عمل نشطاء السلام الأخضر في الخارج والواقع في مصر، يقول : "في مدينتي المنصورة حيث أقيم تقع أحيانا مجازر في حق الأشجار القديمة والنادرة، لم يهتم أحد بالدفاع عنها لأنه ليس لدينا نشطاء من نوعية نشطاء البيئة في الخارج الذين يستطيعون الوقوف في وجه أي تعد بشكل سلمي ومتحضر". لم يخلو حديثه من الاحباط وهو يصف قراره ترك المجموعة التي دشنها على الفيسبوك، واعتزال الموقع إلى الأبد، يضيف : " انا من اشد المتحمسين للقضية و لكن مصر ينقصها أشياء كثيرة، فكيف اقوم بالسلام الاخضر وانا ارى قمامتى امام منزلى دون وجود آليات تحل المشكلة؟".
يرى بعض العاملين في مجال البيئة من الشباب أنها مقارنة ظالمة تلك التي يجريها البعض بينهم وبين نشطاء البيئة في بلدان اخرى من الذين يعترضون السفن الملوثة للبحار والمحيطات أو من يعتصمون احتجاجا على إهدار الطاقة.. المشكلة في رأيهم أن الثقافة مختلفة تماما، هذا ما تراه أيضا سارة السيد العاملة في مركز الوادي للعلوم البيئية، قبل عدة أعوام كانت قد نشطت مع إحدى حملات منظمة السلام الأخضر المناهضة لتجريف الشواطيء المصرية التي زارت مصر فيها إحدى مراكب المنظمة العالمية للترويج لهذا الهدف، أما اليوم فترى سارة العمل في مجال البيئة في مصر يحتاج إلى معالجة أخرى : "نشطاء الخضر والسلام الأخضر أحيانا ما يتعاملون مع القضية بشكل جذري قد يولد صدامات مع المؤسسات العملاقة أو الحكومات، بالطبع هذا قد يصلح في مناخ سياسي مختلف، مشكلتي الحقيقية كناشطة بيئية هي التعامل اليومي مع الناس".
تعمل سارة في تدريب مجموعات من أطفال المدارس على إجراء بحوث بسيطة والتواصل مع الناس حول موضوعات من بيئتهم، ولخبرتها السابقة في مجال التربية والتعليم فهي تعلم أن المدارس لا تؤدي هذا الدور، ولم تنجح في تغيير ثقافتنا عن هذا الموضوع.
"كثير من الحملات والنشاط من أجل البيئة الآن أصبح يعتمد على الانترنت بشكل كبير في القيام بحملات تشجع الناس على الحفاظ على بيئتهم وهو ما يطرح مشكلة أخرى وهو أننا اغلب نشطاء البيئة من شريحة متوسطة أو فوق متوسطة من مستخدمي الانترنت وأصحاب التعليم العالي، لذا فقضيتنا الآن هي إشراك جميع الفئات، وادخال المصطلحات البيئية في أحاديث الناس ". لهذا السبب تتمسك سارة بلقب "ناشطة بيئية" الذي تعتز به على أمل أن يروج لمفهوم البيئة، لكن اختيارها الأساسي للعمل في هذا المجال كانت نتيجة سفرها إلى الخارج وإدراكها ما تحويه مصر من موارد وما تتعرض له من مشاكل بيئية. وهو نفس السبب الذي تشترك فيه مع أحمد نونو أحد من نشطوا في الحفاظ على البيئة بشكل أكثر بساطة على أمل ان لفت الانتباه. فقبل عدة أشهر لفت نظر أحمد صفحة على الفيسبوك أنشأها أحدهم تحت عنوان "Keep Egypt Clean حافظوا على مصر نظيفة"، فلمعت الفكرة في رأسه مع أصدقائه في تحويل الفكرة النظرية إلى عمل على الأرض.. تسلحوا بالمقشات ونجحوا في إقناع ممولين لدعم دعاية الحملة وبدؤوا في النزول إلى الشارع، يقول أحمد : "أزعم أنه كان لدي وعي في مجال البيئة منذ أيام الجامعة، ربما أنا أعمل الآن في مجال الادارة بعيدا عن هذا المجال لكني كنت طوال السنوات الماضية مهتم بفكرة تدوير المخلفات وتشجيع الناس على ذلك من جلال جمعيات مختصة والنشاط الجامعي". حين يقارن أحمد نوعية نشاطه من أجل البيئة مع النشطاء الغربيين يجد أنها مقارنة ظالمة، فغاية أمله هو أن ينجح في تشجيع الناس على الحفاظ على نظافة شارعهم من القمامة أو في أفضل الأحوال أن يوجهوا بعض مخلفاتهم الصلبة إلى من يعيد تصنيعها وتدويرها، ويعتقد أن ما قام به يعتبر محدود في نطاق الشريحة التي ينتمي إليها، فلم يكن يستهدف مناطق عشوائية لأن لديهم مشاكل أعمق من مشكلة القمامة.
يقول : "الهدف الرئيسي من اتجاهي لهذا العمل كان سفري للخارج واحساسي ان البلد جميلة وفي حاجة إلى الاعتناء، لكن عملنا محدود في نطاق ضيق جدا، لأن هذه الثقافة غير موجودة".
يعترف أحمد أن مبادرته مع أصدقائه قد تتحول إلى ومضة ضمن محاولات للفت الانظار إلى ما نقوم به من عدم الاهتمام بالبيئة التي نعيش داخلها.
بعض المحاولات الأخرى تأثرت بأفكار وافدة من الخارج مثل المجموعات التي يديرها نشطاء في مجال البيئة سلكوا طريقا أخر مع شركات داعمة لهم في بعض الآحيان في تطبيق أفكار مثل استخدام الدراجات كبديل عن السيارات ووسائل المواصلات التقليدية، وذلك بهدف الحفاظ على موارد الطاقة وعدم تلويث البيئة بالعادم.
يرى الأستاذ الدكتور عبدالمسيح سمعان أستاذ مناهج التربية البيئية في معهد الدراسات والبحوث البيئية في جامعة عين شمس أن مقارنة أداء نشطاء البيئة في الخارج بنظرائهم في مصر ليست مقارنة جائزة لاختلاف مساحة العمل والحرية المتاحة لكل طرف، ويتحفظ الدكتور عبدالمسيح على استخدام كلمة ناشط بيئي، ويضيف : "كلنا يمكننا أن نكون ناشطين من أجل البيئة لأنها قضيتنا جميعا والتوصيف الأدق هو المواطن الايجابي أو السلوك المسئول". في أحد البحوث الميدانية وجه سؤالا إلى شريحة من المواطنين ذكر 60% منهم عن أن البيئة هي التلوث، هذه النتيجة التي يستدعيها الدكتور عبدالمسيح في حديثه تعبر عن مشكلة أكبر تعيق العاملين والمهتمين بالبيئة : "هناك خطوات لا بد منها كي يتحسن الوضع في مصر أولا المعرفة ثم السلوك الايجابي، بإمكان الدولة المساهمة الفاعلة في نشر المعرفة، واكبر مثال على ذلك التوعية التي حدثت عن انفلوانزا الخنازير وجعلت الناس يشعرون بقلق حقيقي من هذا الفيروس، ودفع به إلى قائمة اولويات الناس، في الخارج كان الوعي هو ما جعل نشطائهم على هذه الدرجة من الحماس لأن القضية من أولويات المجتمع ". ويلخص في النهاية قضية البيئة في معادلة بسيطة : "كلما قلت المخلفات كلما حافظنا على الموارد، قضيتنا ليست في مطاردة المخلفات فقط، بل في الحفاظ على الموارد من منبعها، بتقليل استنزاف الطاقة، وحماية البيئة الطبيعية
".
ــــــــــــــ
حزب الخضر المصري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأسس حزب الخضر المصري عام 1990 وعلى رأس أولوياته زيادة الوعي بالقضايا البيئية في مصر وينتشر حول العالم مجموعة من الأحزاب تحت نفس التسمية يجمعهم الاهتمام بالبيئة رغم اختلاف أجنداتهم، اللواء عبدالمنعم الأعصر رئيس الحزب يسجل إجاباته حول دور الحزب الغائب عن الساحة.

ـ ما هو موقف نشطاء الخضر في مصر من نشطاء الخضر في العالم؟
كل أعضاء الحزب نعتبرهم نشطاء بيئيون، وأهداف الحزب تتعدى ذلك إلى تحقيق أهداف اجتماعية وسياسية، أما النشطاء الذي يحتجون على المؤتمرات الدولية فأغلبهم من أوروبا ومن جماعة السلام الأخضر، وهي أمور لا نشارك فيها وليس مسموح لنا الاتصال بأي جهة خارجية حسب قانون الأحزاب.
ـ أين حملات الخضر في مصر ؟
نحن لسنا جمعية كي نقيم حملات، لسنا مثل حركات كفاية أو 6إبريل أو غيرها، وأعضاء الحزب مثقفين ولا نسمح للقيام بمثل هذه الأمور، لأن هناك قوانين لا بد الالتزام بها والعمل تحت مظلة القانون ومن خلال مؤسسات الدولة.
ـ ما هي أليات العمل لحماية البيئة؟
أنا عضو في مجلس الشورى وفي لجنة الشؤون الصحية والبيئة وحين تأتيني مشاكل من المواطنين أعرضها بحكم منصبي، ولقد تحدثت كثيرا عن قضايا الأرض والمياه وغيرها.

Wednesday, December 16, 2009

مصر.. أرض المستقر والمقام

عبدالرحمن مصطفى
حين زار الكاتب الشاب هلال شومان مصر قبل عام مضى خطرت برأسه فكرة أن ينتقل من موطنه فى بيروت إلى القاهرة، ودفعته الفكرة إلى البحث الجاد عن عمل مناسب داخل مصر فى تخصصه الأصلى كمهندس كهربائى، ويبدو أن لديه من الأسباب ما يرضى رغبته فى الارتباط بمصر والقاهرة حسبما يوضح: «عندما زرت القاهرة للمرة الأولى العام الماضى والتقيت أصدقائى المصريين، قضيت بين القاهرة والإسكندرية فترة قصيرة لم تتجاوز الأسبوعين، كانت كافية كى تخلق داخلى نزعة طفولية جعلتنى أتشبث بهذا المكان، وظلت الفكرة فى رأسى رغم عدم نجاحى فى الانتقال بشكل آمن إلى مصر حتى الآن».
حسب أرقام التقرير السنوى للتنمية البشرية لعام 2009 (الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى) فإن عدد المهاجرين من لبنان يبلغ 20 ألفا سنويا، ليست مصر هى وجهتهم الأولى بقدر ما تجذبهم دول أخرى فى منطقة الخليج العربى وأوروبا وأمريكا. يعلق هلال: «ردود الأفعال التى تلقيتها من أصدقائى عندما أخبرتهم بفكرة انتقالى إلى القاهرة كان: هل يستحق الأمر فى ظل مستوى العيش المنخفض فى القاهرة عن لبنان؟ وهل ستكون مرتاحا ماديا عندما تنتقل إلى هناك؟»، نفس ردود الأفعال تلقاها هلال حين نشر أول عمل أدبى له فى دار نشر مصرية، وقيلت له عبارات من نوعية «لبنانى ينشر فى دار نشر مصرية.. لماذا؟». هذه العبارات قد تبدو للوهلة الأولى صادمة لمن يعيشون ذكرى «الزمن الجميل»، وكيف كانت «مكانة مصر» جاذبة للعرب، خصوصا لجنسيات مختلفة من الشوام فى القرنين الماضيين، حيث وجدوا مناخا تنمو فيه مشروعاتهم الثقافية والفنية والتجارية.
هلال نفسه لم يضع فى الحسبان ما يقال عن مكانة مصر التى كانت جاذبة فى فترة من الفترات، ويقول: «الحديث عن انتقال الشوام إلى القاهرة قديما أكثر ارتباطا بالحنين إلى الماضى». ويوضح أنه لا ينكر تأثير أشياء صبغت جزءا من ذاكرته فى الصغر بالطابع المصرى، بدءا من سلسلة الشياطين 13 التى كانت تباع على أرصفة بيروت أثناء الحرب الأهلية والأعمال السينمائية والتلفزيونية المصرية انتهاء بكتب الأدب المصرى، إلا أن فكرة الانتقال إلى القاهرة كان سببها الرئيسى متعلق بمصر التى رآها فى زياراته الأخيرة.
ويضيف شومان: «عندما قضيت فى القاهرة أسبوعين، فتنت بتفاصيل بسيطة للغاية عندما رأيت الناس يسكنون المبانى التراثية فى وسط البلد وفى مناطق أخرى. طبعا هالنى عدم الاهتمام الذى تعانى منه هذه الأبنية، لكننى فرحت عندما رأيت هذه المبانى حية فى سكانها، ففى بيروت ننظف كل شىء قديم ونفرغه من الحياة، بيروت فى أغلب مناطقها بشعة معماريا، تشبه بعض مناطق القاهرة الشعبية فى معمارها التجارى».
مبانى القاهرة التاريخية التى جذبت أعين هلال شومان وزادت من تعلقه بالقاهرة هى نفسها التى بنيت زمن هجرة الشوام بين منتصف القرنين 19 و20 حين كانت هذه الهجرات حسب رأى مسعود ضاهر فى كتابه «هجرة الشوام: الهجرة اللبنانية إلى مصر» (دار الشروق 2009) تبحث عن الحرية السياسية لفئات مثل الشعراء والسياسيين والمثقفين، والبحث عن الوضع الاقتصادى الأفضل لفئات أخرى، وهى صورة مختلفة عن الواقع اليوم.

هجرة الشوام
«من الخطأ أن نترجم ظاهرة مثل هجرة الشوام إلى مصر فى فترة من الفترات على أنها دليل على مكانة متميزة، فتعبير المكانة يتغير ويختلف من فئة لأخرى»، بهذا الرأى يحاول الدكتور شريف يونس ــ أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان ــ أن يراجع مفهوم «مكانة مصر» الذى استهلك طيلة سنوات مضت وأصبح تفسيرا لشكل العلاقة بين مصر والدول العربية فى بعض الحالات.
ويضيف: «هذه تعبيرات غير دقيقة وغير معبرة عن تفاصيل الواقع، ومن غير المقبول أن نضع أسباب الهجرات سواء فى الماضى أو اليوم تحت عنوان مكانة مصر الجاذبة للعرب، الهجرة فى النهاية مسألة انتقائية، ففى حالة هجرة الشوام إلى مصر على سبيل المثال نجد أن شريحة منهم وفدت إلى مصر هروبا من اضطهاد عثمانى وتضييق على حرية الرأى، فى الوقت الذى كان هناك هامش الحرية وأفضلية اقتصادية فى مصر وفرت لهم الفرص لإنجاز مشروعات ثقافية وفنية وتجارية».
يوضح الدكتور شريف يونس كذلك أن نفس هذه الفئة من المهاجرين الشوام لم تعد تجتذبها مصر فى عهد جمال عبدالناصر، فبعد أن كانت مصر جاذبة لهجرة العقول ولأموال التجار أصبحت فترات الخمسينيات والستينيات بداية انحسار بسبب ظروف جديدة هى قبضة الدولة القوية على شئون الفكر والثقافة والاقتصاد.
والمفارقة أن هذا الانحسار كان فى قمة التوجه المصرى نحو العرب أو حسب التعبير الذى يستخدمه البعض حين كانت مكانة مصر مرتفعة بين العرب، لكن هذا التناقض يفسر أن لفظ مكانة مصر غير دقيق.
هذه الصورة التى يرسمها الدكتور شريف يونس لمصر كبلد استقبال عاشتها بعض الأسر المصرية ذات الأصول الشامية التى مازالت محتفظة بذكرى جد قديم جاء من المشرق لم ينسه أحفاده، مازن فيصل الخيمى أحد هؤلاء الأحفاد.. يستطيع اليوم أن يتفهم انبهار جده الأكبر خليل الخيمى حين اتخذ قرار الانتقال من دمشق إلى القاهرة، يقول مازن: «جاء الجد الكبير إلى القاهرة فى رحلة استشفاء كانت هى السبب فى تصفية تجارته فى الشام والانتقال إلى مصر والعيش بها، حيث وجد الطب المتقدم، كما وجد مكانا له فى سوق النسيج وسط تجار الحمزاوى بمنطقة القاهرة التاريخية».
حين وفد السيد خليل الخيمى فى العام 1904 لم يكن وحده من الشوام الذين اختاروا مصر مستقرا ومقاما، بل كان واحدا من 34 ألف مهاجر شامى اختلفت دوافعهم فى المجىء إلى مصر، البعض جاء هاربا من مشكلات سياسية وطائفية، لكن العامل الرئيسى الذى جذبهم جميعا كان الحالة العامة التى نجحت فى اجتذاب أموال وكفاءات هؤلاء المهاجرين، حتى إن بعض التقديرات أشارت إلى أن الشريحة الأغنى من الشوام فى مصر حازت ثروة تقدر بعشر الثروة القومية فى ذلك الوقت فى العام 1907.
اليوم حين يروى الحفيد مازن تلك القصة العائلية لا يستطيع تفويت الفرصة دون تسجيل مفارقة يعشها يوميا: «من المؤكد أن مصر كانت فى حالة أكثر رقيا لتجتذب الزوار إليها بهذا الشكل، اليوم حين أنظر إلى حى الزمالك حيث أسكن وأقارن بين فيلاته وعمارته القديمة وبين ما يبنى يوميا من مبان قبيحة وعشوائية أتفهم أسباب انبهار الجد الكبير بالقاهرة الخديوية آنذاك».
العائلات التى اختارت مصر مستقرا ومقاما، حيث ازدهرت تجارتها وأصبحت جزءا من الأمة تبدلت أحوالها بعد ثورة عام 52، بسبب التغييرات التى طرأت على النظام السياسى وعلو الحس الاشتراكى داخل الدولة. ولم تكن «مكانة مصر» هى الدافع وراء بقاء أسرة الخيمى بقدر ما كان رسوخ أقدام الأسرة فى مصر هو السبب، فرغم أن الصلة ظلت موصولة بسوريا عن طريق والدة مازن والجدة ــ صاحبتى الأصل السورى ــ فإن الأسرة اختارت أن تكون مصرية منذ قرار جد مازن بالحصول على الجنسية المصرية بعد الثورة.
يقول الحفيد مازن الخيمى: «اليوم أفكر فى الهجرة جديا، ولا أعتبرها تكرارا لمغامرة الجد الكبير أو إرث عائلى.. فالعائلة مستقرة منذ زمن، وليس لنا إلا هذا البلد، لكنى أفكر كغالبية أبناء جيلى نتيجة القلق من المستقبل والبحث عن فرص أفضل».
الأسباب التى دفعت أسرا شامية إلى الانتقال إلى مصر قديما ثم اختيار البقاء فيها رغم تبدل الأحوال لم تكن متعلقة بمكانة بلد بقدر ما كانت متعلقة باتصالهم مع واقعهم، وهو التفكير العملى الذى دفع شرائح أخرى اضطرت إلى المجىء إلى مصر من جاليات ذات طابع خاص لذات الأسباب، فالجالية السودانية التى تقدرها بعض التقديرات من 2 ــ 4 ملايين سودانى فى مصر اختلفت صورتها فى الأعوام الأخيرة بسبب هجرة الوافدين من مناطق النزاعات فى جنوب السودان ودارفور، حيث أتى بعضهم بإقامة مؤقتة على أمل أن تكون مصر معبرا له، ويسجل مكتب شئون مفوضية اللاجئين نحو 42 ألف لاجئ فقط، أكثر من نصفهم سودانيون.
ويمثل الوجود الفلسطينى فى مصر ظاهرة خاصة تسببت فيها أيضا سلسلة الحروب مع إسرائيل، إلا أن حركتهم خارج وداخل مصر وعودة البعض إلى مناطق السلطة الفلسطينية أوجدت رقما يتراوح حول الخمسين ألفا. وكل هذه الهجرات لم تكن لديها ترف الاختيار أو البحث عن مكانة، وكذلك كان الحال مع الجالية العراقية التى ازدادت أعدادها فى العقد الأخير بعد احتلال العراق.


هواجس مصرية
الكاتب العراقى الدكتور عبدالكريم العلوجى كان أحد الشهود على هذا التطور بعد 40 عاما من البقاء فى مصر كلاجئ سياسى حين اضطر إلى الفرار من العراق بعد أن وجد نفسه يوصف بأنه واحد من أعداء الثورة العراقية سنة 1968 لميوله المخالفة. وبعد رحلة هروب إلى الأردن وسوريا كان الاستقبال الأخير فى القاهرة.
ومن خلال خبرة طويلة فى مصر استطاع الخروج باستنتاج أن صورة العراقى المنتقل إلى مصر قد تغيرت بشكل كبير، فحين جاء إلى مصر عام 69 كان ضمن حيثيات الاختيار فكرة «مكانة مصر»، وذلك لأسباب وجيهة يذكرها: «جئت مصر فى 31 ديسمبر عام 69، لم أرتح فى سوريا ولا الأردن، واخترت البقاء فى القاهرة إلى اليوم لأنى كنت قد رأيتها فى عصرها الذهبى وقت تألق الروح العربية والتأثر بالزعيم جمال عبدالناصر، وكانت هى الأنسب لسياسى يؤمن بالقومية العربية ولكل اللاجئين الذين جمعتهم نفس الظروف المشابهة».
حين وفد إلى القاهرة لم يكن هناك جالية كبيرة من العراقيين، مجرد مجموعات من الطلاب والتجار واللاجئين السياسيين الذى أصبح واحدا منهم. ويضيف الدكتور العلوجى: «على مدى أربعين عاما فى مصر تلقيت حفاوة ومعاملة كريمة من جميع زملائى الصحفيين والكتاب، رغم اختلاف الأحوال الاقتصادية عن الماضى وتأثيره على المواطن العادى».
لم يكن فقط الاختلاف قد أصاب المصريين، بل أصاب شكل الجالية العراقية حسبما يشرح: «بعد الاحتلال الأمريكى وتدهور الوضع الأمنى فى العراق تغير شكل اللاجئ العراقى وأصبح العراقيون فى مصر أكثر اختلافا وتنوعا وضموا فئات مختلفة، وانعكس ذلك على بعض المظاهر التى أدت إلى اتهام العراقيين فى مناطق تجمعاتهم بالسادس من أكتوبر والهرم بأنهم تسببوا فى رفع أسعار العقارات والسلع بسبب مزايدة التجار، فى حين لم يفكر الكثيرون فى أن بعض الأسر العراقية كانت تسعى للتملك فى مصر كى تحصل على إقامة حسب القوانين، كذلك كان الاختلاف الثقافى والمذهبى سببا فى بعض ما أثير السنوات الماضية حول اللاجئين العراقيين من لغط».
أعداد العراقيين فى مصر ظلت لفترة غير محددة وقدرها البعض فى العام 2007 بـ150 ألف عراقى، لكن دراسة أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ومركز دراسات الهجرة واللاجئين التابع للجامعة الأمريكية فى القاهرة. عام 2008 قدرت أعدادهم بـ20 ألف عراقى فى مصر، وهو رقم غير مؤكد، وفقا للدراسة.
لعلهم لم يكونوا جميعا على نفس اهتمام الدكتور العلوجى بفكرة العروبة ودور مصر ومكانتها، إلا أن هذا لم يمنعه من الحيرة فى الأسابيع الأخيرة بعد أن تابع ظاهرة لم يرها خلال أربعين سنة قضاها فى مصر وهى التحفيز الإعلامى الذى صاحب مباريات مصر والجزائر وانتهى وقتها بمظاهر القطيعة بين البلدين، يقول: «الموقف كان صادما بالنسبة لى!» أما المفارقة فكانت أن تعبيرات مثل «مكانة مصر» و«الكرامة» التى كان يسمعها الدكتور العلوجى قبل أربعين عاما بقلب عربى مرتاح، أصبحت اليوم أداة إزعاج لأى عربى. ويعلق على هذا « لفنان والإعلامى والمثقف المصرى فى حاجة إلى العرب، عليهم ألا ينسوا هذا ولا يروجوا ما يسىء لصورتهم».
الدكتور عبدالكريم العلوجى، اللاجئ السياسى العراقى الذى لم يعد باستطاعته العودة للعراق لأسباب فيها خطر على حياته، متزوج من سيدة مصرية وعاش سنوات طويلة فى مصر إلا أن هذا لم يقلل من حيرته الأخيرة حول استخدام الإعلام للتحفيز الوطنى ضد دولة عربية.
يسجل الدكتور شريف يونس ملاحظة فى أن تعبيرات من نوعية «الكرامة»، و«المكانة» بالفعل تزامنت مع تأسيس الدولة بعد ثورة 52، لكنها تحولت اليوم إلى هاجس كبير حتى أصبحنا نبحث عن اعتراف الآخرين بنا وماذا قالوا عنا حفاظا على مكانتنا، وتفجر الموقف الأخير المصاحب لمباريتى مصر والجزائر ليبرز كيف انتقل هذا إلى المواطن العادى وأصبح قضية شخصية.
من الفئات التى لمست هذا بشكل مباشر الطلبة العرب فى مصر، عبدالله العرشى معيد بكلية الآداب بجامعة صنعاء اليمنية وواحد من 4 آلاف طالب يمنى فى مصر، يدرس الماجستير بجامعة القاهرة، ولمس هذا الاختلاف فى هذه الفترة حين كان يسأله البعض فى الشارع إن كان جزائريا أم لا وهى أسئلة تدفع إلى التفكير وماذا إن كنت جزائريا؟
المفارقة أن عبدالله العرشى كان أحد أسباب مجيئه إلى مصر فكرة «مكانة مصر العلمية»، حسب تعبيره، رغم أن الواقع يقول إن الجامعات المصرية خارج الترتيب العالمى لأفضل ‏500‏ جامعة على مستوى العالم، وحسبما يذكر هو أن أسعارها مرتفعة مقارنة بجامعات أخرى، إلا أنه أورد أسبابا أكثر عملية فى حديثه عن اختيار مصر: «على رأس الأسباب التعود على المصريين ولهجتهم وثقافتهم، وهو أمر يتعدى مرحلة متابعة المسلسلات المصرية، فأنا عن نفسى درس لى أساتذة مصريون منذ الابتدائى حتى صرت معيدا أكاديميا فى الجامعة، لذا فإن روح الألفة موجودة من ناحيتنا تجاه المصريين الذى رأيناهم مهندسين ومعلمين وأطباء وحتى عمالا فى مطاعمى.
مكانة مصر لدى طالب يمنى هى ترجمة لصورة من التقارب الثقافى بين البلدين، هذا ما ذكره عبدالله العرشى بشكل قاطع ويضيف: «المصريون من أقرب الشعوب إلى اليمنيين فى البساطة وعدم التكلف على المستوى الشعبى، هنا أستطيع العيش مع أسرتى بهدوء حتى شراء النقاب لزوجتى متاح ولم يعد أمرا مستهجنا ثقافيا».
يدرس عبدالله العرشى التاريخ الحديث، والمفارقة أن عائلته كانت ضمن القبائل المتحالفة ضد التدخل المصرى فى اليمن فى الستينيات وفقدت بعض رجالها فى الحرب التى عرفت بحرب اليمن. يشير بيده مع ابتسامة تدل على أن هذه الحوادث أصبحت فى طى النسيان ويقول: «كانت حربا أهلية لها ضحايا ولم تكن هناك خصومة أبدا مع المصريين، بمجرد أن انتهت الحرب دفن كل منا شهيده».
لم يخل اختياره لمصر من بعض المنغصات التى يعتبرها أمورا روتينية، فلهجته العربية أحيانا ما تكون عبئا عليه إذا ما ركب التاكسى أو إذا قرر التفاوض مع أحد الباعة عند شراء سلعة، حيث يبالغ البعض فى المزايدة على سعر السلع والخدمات للعرب.
لكنه فى الأسابيع الماضية التى شهدت حالة من الزهو فى الحديث الإعلامى عن مكانة مصر وبث الشحنات الوطنية الحماسية فى الإعلام التى صاحبت مباريات مصر والجزائر والأسابيع التالية لها، ظهر أمامه ملمح جديد لم يره طيلة ثلاث سنوات قضاها فى مصر: «كان الجميع مرحبا فى البداية بهذه الروح حتى أولادى صبغوا وجوههم بالعلم المصرى وحملوا الأعلام التى تشبه العلم اليمنى واحتفلوا مع الناس، لكن ما أعقب هذا من علو روح الغضب أصابتنا بالتعاسة خاصة حين أصبحت لهجتك المختلفة مثار تساؤل فى تلك الفترة».
قد يتحدث سائق التاكسى الذى يستقله عبدالله العرشى أو غيره من العرب المقيمين فى مصر بلهجة تحمل بعض الغلو فى الوطنية ويتحول تعبير مثل «مكانة مصر» إلى عبء على إمكانية التواصل بين الطرفين، لكن أسبابا أخرى أكثر عملية تختلف من كل شخص وجنسية عربية هى التى تبقى مصر دار مقام واستقرار.

Wednesday, December 9, 2009

متاجر تتحدى الفضول

عبد الرحمن مصطفى
تصوير:عبد الرحمن مصطفى
قبل عشرة أعوام قرر الحاج فؤاد حسن أن يفتح باب رزق جديدا بالقرب من سكنه بمنطقة الخليفة فى حى القلعة القاهرى، لكنه اعتمد خطة غريبة لتأسيس مشروعه تتلخص فى أن يترك جميع الأسماء التى يمكن أن يسمى بها متجره الجديد وأن يختار اسما من الصعب أن يتكرر فى أى مكان آخر.. «شركة الفاشل التجارية»، وحتى اليوم ليس لديه أى حرج فى أن يقابل المارة بابتسامة خفيفة شارحا لهم سبب هذه التسمية، يقول: «الفكرة بسيطة لكنها عميقة..
هدفى هو صنع اسم تجارى مميز يكسر التقليدية التى تتمسك بها المحال والشركات الأخرى، هدفى أن يظل الاسم محفورا فى ذاكرة كل من يمر من أمام المكان».
على أرض الواقع فشركة «الفاشل» هى متجر صغير على بعد أمتار من جامع السلطان حسن يديره الحاج فؤاد الذى يعمل فى مجال بيع عدد السمكرة والميكانيكا والنجارة، وقد يراهن الزائر فى الزيارة الأولى على أن لكل متجر نصيبا من اسمه، إلا أن الواقع مختلف إلى حد كبير حيث إن للمحل زبائنه الذين اعتادوا شراء احتياجاتهم دون أن يشغلهم الاسم كثيرا نظرا لصلتهم المباشرة بصاحب المتجر الذى يلبى طلباتهم ويبدى تعاونا معهم حسب ما أظهروه فى حديثهم، ويعلق الحاج فؤاد: «بالعكس.. الاسم لم يقف أبدا كعائق فى تجارتى بل صنع رواجا كنت أسعى لتحقيقه».
من المؤكد أن الحاج فؤاد لم يشغل باله بتقصى أسماء الشركات العملاقة التى نهجت نفس النهج فى اختيار أسماء غريبة ومختلفة لا تعبر عن نشاطها الرئيسى، مثل اسم أمازون وهو أحد أنهار أمريكا الجنوبية الذى اتخذه أشهر مواقع بيع الكتب على الإنترنت، أو شركة آبل التى تعنى بالعربية التفاحة وتعمل فى مجال الكمبيوتر، هذه الأسماء يستخدمها بعض خبراء التسويق للتدليل على أن الاسم الجديد والغريب يسهم فى شهرة العلامة التجارية..
الدكتور فاتن رشاد أستاذ الاتصال التسويقى فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة تؤكد على أن الاسم الغريب قد يكون أحد أسباب شهرة الشركات أو المحال لكن هناك ضوابط حول هذا الاختيار، موضحة: «هناك معايير علمية اتفق عليها علماء التسويق فى اختيار أسماء العلامات التجارية على رأسها أن يكون الاسم سهل النطق ومتسقا مع ثقافة المجتمع».
فى حالة محل الفاشل كانت نظرات الاستغراب تحيط به طوال تلك السنوات، فبعض الجيران أبدى دهشته منذ اللحظات الأولى حسبما يوضح الحاج فؤاد: «أحد جيرانى ظل يمر من هنا لأكثر من عام كامل، ويتطلع إلى لافتة المحل ثم يحدق فى ملامحى دون أن يتحدث بعبارة واحدة، حتى جاءت لحظة المواجهة حين سألنى: لماذا هذا الاسم رغم أن العمل يسير بشكل جيد؟ شرحت له أن هذا الاسم الغريب هو أحد أسباب استمرار العمل بشكل جيد».
لم يكن الجميع على نفس القدر من الصبر الذى أبداه جار الحاج فؤاد، آخرون اعتبروا أن تغيير اسم المحل قضية شخصية بالنسبة إليهم، فجاءته الزيارات التى تزعمها بعض المتدينين ليذكروه بنصيحة نبوية تقول «بشروا ولا تنفروا»، لكنه لم يتراجع عن التسمية. البعض الآخر حاول استغلال التسمية فى التندر أو التهكم. لكن عشر سنوات من التعايش مع الاسم أنتجت طرقا فى التعامل مع هؤلاء، يقول الحاج فؤاد: «أحول الحديث دائما ناحية الهزار..
حتى منذ اللحظات الأولى أثناء تسجيل أوراق الشركة تعاملت مع الموظفين بمرح حين سألونى عن سبب التسمية وأخبرتهم أن الفشل مكتوب على الجميع حتى فى الفراش».
ليس لدى الحاج فؤاد أى مشكلات فى أن يرفع سماعة الهاتف ويرد على أحدهم قائلا «أنا الفاشل»، وحين حاولت إثارة غضبه بسؤال مباشر على أمل أن يتخلى عن هدوئه حول إذا ما كان يلقب فى الحى «بالحاج فؤاد الفاشل». كانت إجابته: «وما المشكلة..؟! الأهم أنه فى النهاية هو اسم المحل وليس اسمى». ومع تكرار أسئلتى حول سبب اختيار الاسم وأصل الفكرة أجاب: «حالة الجدل والفضول التى تحملها كل هذه الأسئلة هى الهدف من اختيار الاسم، فأنا أطمح أن أكون جزءا من معالم هذا المكان التى يصعب نسيانها».
وقدم الحاج فؤاد بعض المواقف التى تقوى حجته: «فى مرة كنت أنتظر بعض الزبائن من الصعيد، ويبدو أنهم تندروا فى الطريق على اسم المحل، وهو ما لفت نظر سائق التاكسى الذى أوصلهم مباشرة إلى المحل بدلا من العنوان العام الذى ذكروه له حين أخبروه أنهم يريدون الذهاب إلى القلعة، والسبب الذى جعل السائق يتذكر اسم المحل هو أنه مر به عدة مرات دون أن ينساه رغم أنى لم أكن أعرفه من قبل».
هل يقلد الحاج فؤاد تجارب سابقة لمحال اختارت أسماء غريبة؟ هو يتذكر جيدا العديد من هذه الأسماء مثل مطعم «الجحش» فى السيدة زينب، ومحل «العفش» ناحية باب الخلق، ومطاعم «البغل» فى محافظة الدقهلية..
لكن المفارقة هى أنه لا يقرأ ولا يكتب رغم نجاحه فى تعليم بناته الأربع وتخريجهن من الجامعة، فلن يعلم سوى ما يصله من أسماء محال لأنه لن يستطيع قراءة لافتاتها، ورغم اختياره لقب الفاشل إلا أنه يحظى باحترام كثير من زبائنه وجيرانه الذين يتعاملون معه كأحد معالم المنطقة الآن، ويناديه أغلبهم بـ«عم فؤاد» لتحيته بعيدا عن لقب الفاشل، فلا هم يعتبرونه فاشلا ولا هو يعتبر نفسه فاشلا، بل يعتقد أنه نجح مع هذا الاسم.
ورغم أن البعض لا يزال لا يستسيغ تسمية الفاشل فإن اسم «الشيخ أمين الحرامى» الذى يرفع لافتة أحد المحال ناحية باب الشعرية قد أثار استغراب الحاج فؤاد شخصيا الذى يندهش بصعوبة بالغة وعلق بجملة مبتورة «لا.. ده اسم صعب شوية». وفيما يبدو أن اسم «الشيخ أمين الحرامى» قد نجح فى المزايدة على اسم شركة الفاشل.

اسم ليس على مسمى
كان الوصول إلى شارع الفوطية فى المنطقة بين باب البحر وباب الشعرية ليس بالسهولة المتوقعة، تكاد تقتصر المواصلات على عربات النقل الصغيرة والموتوسيكلات إلى جانب عربات اليد التى تنقل بضائع المحال التجارية، وفى شارع باب البحر قرب منطقة رمسيس لم يعرف أحد أى محل اسمه «الشيخ أمين الحرامى»، أحد أصحاب المحال اعتبر السؤال نوعا من المزاح وتابع عمله بعد تسجيل عبارة تهكم «اتفضل اشرب شاى».
أمين عبدالعزيز الجديل هو الاسم الحقيقى لصاحب محل «الشيخ أمين الحرامى» المتخصص فى تصليح الساعات، لا يخلو حديثه من القفشات والضحك، فى البداية يشير إلى الناحية الأخرى من الشارع الضيق ويقول: «بدأت تصليح الساعات هنا بفاترينة زجاجية منذ فترة طويلة وبدأ الأصدقاء فى المزاح معى باستخدام تعبير أمين الحرامى مقتبسين الاسم من مسرحية ريا وسكينة التى ذكر فيها هذا الاسم على لسان كل من الفنانتين شادية وسهير البابلى».
التقط أمين هذه التسمية وأضاف كلمة شيخ حين كان ملتحيا فى السابق، ولم يكتف بانتشار الاسم بل رفع لافتة قماشية عن «أوكازيون تصليح الساعات».. إمضاء: الشيخ أمين الحرامى!
أثناء حديثه يأتيه زبون لإصلاح نظارته فينجز أمين المهمة فى دقائق، وحين سألته ماذا تعمل تحديدا؟ أجاب: «كل اللى ربنا بيقدرنى عليه». فى متجره الصغير قطع غيار ساعات على الأرفف وقدرة عدس كبيرة مع علب بلاستيكية يشرح سبب وجودها: «الآن أبيع العدس من هذه القدرة إلى جانب عملى، وكله يخضع لمزاجى، فإذا شعرت بالملل سأزيلها من هنا، أما نشاطى الرئيسى فهو إصلاح الساعات، وفى السابق كنت أصنع البراويز الخشبية أيضا».
أمين خريج التعليم الصناعى فى تخصص الميكانيكا والتحق بكلية الهندسة بجامعة المنصورة قبل سنوات طويلة، ثم تركها لظروف أسرية، وأسس متجره الحالى قبل عشر سنوات وتحول إلى الشيخ أمين الحرامى لتقابله معارضة شديدة من بعض أفراد عائلته وأعمامه: «عارضنى كبار رجال العائلة ورفضوا أن أتخلى عن اسم عائلتى الأصلى، لكن فى النهاية هذا الاسم هو الذى صنع سمعتى وجذب الزبائن وربطهم بالمكان بعد كرم الله وفضله، ولن أتنازل عنه.. لأن أحدا لن يعوضنى فى حالة قلة زبائنى».
من ناحيتها ترفض الدكتورة فاتن رشاد، بوصفها أكاديمية فى مجال الاتصال التسويقى، استخدام الأسماء الصادمة أو الفجة فى عناوين المحال وتقول: «هذه الأسماء مرفوضة تماما، وما لا يعرفه البعض أن اختيار اسم من هذه الأسماء سيؤثر بالضرورة على صورة المنتج أو الخدمة التى يقدمونها.. ويحصرهم فى دائرة صغيرة من الزبائن».

خطر السلعة الصينية
موقع محل الشيخ أمين الحرامى يوفر له فرصة أن يكون ملتقى مع أهالى المنطقة من أصدقائه وجيرانه الذين يبدون محبة تجاهه، لكنه فى أغلب الوقت يكون مشغولا عنهم بالانكفاء على مكتبه الصغير على الشارع لتصليح الساعات، ولديه القدرة على الحديث عن الساعات بحماس دون ملل أو تعب، يرى أن الساعات التقليدية لم تقل أعدادها لحساب ظهور الموبايل أو الساعات الرقمية، فالخطر الذى يهدد عمله هو الساعات الصينية الرخيصة التى يشتريها الناس ويلقونها فى سلة المهملات حين تعطل، على عكس الساعات الغالية التى يحرص أصحابها على إصلاحها.
ومثلما تعامل الحاج فؤاد حسن ــ صاحب شركة «الفاشل» ــ مع الساخرين من لقبه، كذلك فعل أمين حين احتوى كل الساخرين وصنع شهرته على حساب أحاديثهم، خاصة أن لديه من الحس الساخر ما يمكنه من التمادى مع جميع من يتحدث إليه.
قبل أن أتركه أشار إلى محل مجاور اسمه «صرصار الجزار» ليبرهن أن هناك أسماء أخرى ملفتة، لكن صرصار فى هذه الحالة كان اسم العائلة على عكس لقب الشهرة الذى اتخذه أمين، ومازال يتذكر بعض المحال التى ظهرت قديما وكانت ذات أسماء غريبة منها العبيط بائع الفول، ومحل آخر للفسيخ ناحية حى الضاهر تأسس قبل عشرات السنوات واتخذ اسما يعبر عن شتيمة لترويج تجارته.
لكن بعض المحال الأخرى ارتبط اسمها بموقف لم يكن لديهم يد فيه وهو ما جعلهم يرفضونها الآن، فإذا تركنا الشيخ أمين الحرامى ناحية باب الشعرية واتجهنا إلى باب الفتوح. فى هذه المنطقة يشتهر «مطعم زيزو» الذى يظهر واضحا ناحية شارع الحسينية، ولعله موقف محرج أن يوجّه سؤالا إلى صاحب مطعم حول أن البعض يطلق على محله اسم «زيزو نتانة».
أحمد عبدالعزيز الذى يدير المحل مع أخيه الآن تلقى الملحوظة بصدر رحب واثقا فى تاريخ المحل، وأشار إلى صحيفة الجازيت التى كتبت عنه فى إحدى المرات وإلى لافتة المحل المدون عليها تأسس فى العام 1962 وقال: «نحن محل لدينا سمعة طيبة ونستقبل زبائن من فئات متميزة من الفنانين ولاعبى كرة القدم والمستشارين وغيرهم.. والمحل يعمل هنا منذ أيام جدى على نطاق ضيق ثم اتسع الآن، القصة أن الفنان عادل إمام ذكر تعبير زيزو نتانة فى أحد أعماله وبدأ البعض فى لصق هذه التسمية بالمحل لدينا»، يتوقف أحمد الذى بدا منهمكا فى إعداد ساندويتشات اللحم المشوى والسجق وأشار بسكينه إلى اللافتة وأضاف: «المحل اسمه زيزو فقط.. ونرفض تماما تلك التسمية التى يشيعها البعض حين يقولون زيزو نتانة».
من عقود ومحل زيزو فى مكانه، الآن لديه طاقم عمل يرتدى زيا موحدا وطاولات مستقرة أمام المحل الذى لا يزال صغيرا كما هو، عدا ذلك فأصبح يحمل الآن إضافات معمارية إسلامية كى تتماشى مع الروح السياحية للمكان.
أحد الجالسين على طاولة فوقها طبق ملىء بساندويتشات اللحم قذفت فى وجهه بسؤال عن تسمية زيزو نتانة.. هل يعرفها؟ لم يبد اكتراثا وقال: «دى مجرد تريقة.. زى ما بيقول بعض الناس فى الهزار مع الجزارين عايزين لحمة هوهو، وكأنه يبيع لحم كلاب وهذا غير حقيقى.. الموضوع هزار».
اختيار الاسم التجارى هو أحد الأنشطة التى تعمل عليها بعض الشركات المتخصصة فى تسمية العلامات التجارية Brand naming التى تنتشر فى الدول الصناعية ويمتد عملها إلى وضع السياسات والرؤية الخاصة بالشركات الحديثة، إحدى هذه الشركات العالمية ذكرت على موقعها خطواتها فى اختيار الاسم التجارى للشركات الحديثة وأسماء المنتجات الجديدة للشركات القديمة، ووضعت بعض المعايير التى تستخدمها لاختيار الاسم واختباره.
وهى إيجاد رابطة عاطفية مع الاسم، وأن يكون سهل التذكر وأن يلائم المشروع سواء كان يقدم خدمات أو سلع، وأخيرا أن يحمل شيئا من الرمزية. والمفارقة أن توصيات العديد من هذه النوعية من الشركات المتاحة على الإنترنت شددت على عدم اختيار أسماء سلبية، لكن الحاج فؤاد والشيخ أمين صاحبى عناوين «الفاشل» و«الحرامى» لا يبديان اهتماما لمثل هذه التوصيات فكلاهما لم يجد سوى تعبير «خليها على الله» متمسكين باختيارهم فى تسمية محليهما حسبما يريان.
PDF

Sunday, December 6, 2009

العبور فوق حاجز أنفلونزا الخنازير

فيروس تافه وتجربة صاخبة
عبد الرحمن مصطفى
مع كل خبر عن إصابة جديدة بإنفلونزا الخنازير يسترجع أحمد محمد ــ المدير المالى بإحدى شركات التسويق ــ كيف كانت حاله قبل أسابيع حين كان واحدا من هؤلاء الذين تعلن أسماؤهم فى الصحف ويتعامل معهم الإعلام باعتبارهم أرقاما جديدة ضمن حصيلة مصابى الإنفلونزا.. اليوم باستطاعته أن يرسم ابتسامة نصر كبيرة على وجهه بعد أن مرت زيارة إنفلونزا الخنازير الثقيلة على خير، فعاد إلى مراقبة أحوال أسرته وما يدور من جديد فى عالم كرة القدم الذى يتابعه بشغف، وحين تسأله عن التجربة التى مرت بها الأسرة للتعايش مع الإنفلونزا سيقلل من شأن هذا الفيروس على الرغم مما لاقاه من قلق وتوتر طيلة أسبوعين هما فترة العلاج والنقاهة من المرض. حسبما يروى فالمرور بتجربة الإصابة بإنفلونزا الخنازير ليست هى المشكلة الرئيسية لكن الملابسات التى تصاحب الإصابة من قلق وتساؤلات وتسليط أضواء على هذا الوباء هو ما يصنع حالة الفزع المصاحبة.
«بدأت القصة بدور برد عادى أصيبت به زوجتى ــ شيماء ــ وكإجراء تقليدى فى مثل هذه الحالة حاولت أن تتحاشانا قدر الإمكان كى لا ينتقل دور البرد إلى باقى أفراد الأسرة، وبعد الكشف عليها فى مستشفى مجاور قيل لنا إنه دور برد عادى، لكننا فكرنا فى أن نجرى اختبار مسحة الحلق الخاص بالكشف عن إنفلونزا الخنازير كنوع من الاحتياط، وفى الوقت الذى كشفت النتيجة أنها بالفعل مصابة بالفيروس.. كنت أنا فى بدايات السخونة والحمى».
فى تلك الفترة كان الحذر قد بدأ يسيطر على شرائح كثيرة من المجتمع مع تزايد أعداد المصابين وكانت إرشادات وزارة الصحة تحبذ اللجوء إليها فى حالة الاشتباه فى الإصابة وهو ما قرره أحمد مع زوجته شيماء حين اتجها معا إلى مستشفى الحميات بالعباسية وتركا نجليهما ــ فريدة وعلى ــ فى منزل جدهما بنفس العمارة. وتقول شيماء: «كنت خائفة بشدة بعد انتقال العدوى إلى زوجى أحمد من أن يصاب بها أولادى أو والدى ووالدتى، ومع نقص المعلومات عن خطورة الإنفلونزا كنت أشعر بأن هناك خطرا قادما يهدد العائلة بأكملها»، أما زوجها أحمد فيروى: «فكرت فى جميع من جلست معهم من أفراد العائلة قبل الحمى بيوم، وفى زملائى فى العمل وقبل هؤلاء فكرت فى أولادى وهل انتقل إليهم الفيروس؟»
تلك المخاوف دفعت الأسرة إلى الاتصال فى وقت لاحق بجميع من كانوا على اتصال بهم قبل ظهور الأعراض، وأبلغوا مدرسة الأبناء لإعلامهم بأسباب تغيبهم، وإبلاغ العمل وكذلك الجامعة الأمريكية حيث الكورس الذى كانت تدرس به شيماء. وفى أثناء رحلة انتقال الزوجين إلى مستشفى الحميات كانت العديد من الأسئلة تدور فى رأسيهما على الرغم من حالة الإعياء التى كانا عليها، كان أولها هل أصيب الأبناء؟ وهل أفادت الفيتامينات التى حرصا على إعطائها للأطفال حسب إرشادات التليفزيون فى صنع حاجز بينهم وبين الفيروس؟ كل تلك الأسئلة احتفظا بها فى بيئة جديدة انتقلا إليها فى مستشفى الحميات، واستقرا داخل حجرتين منفصلتين فى مكان أقرب إلى المنفى وهو ما نقل إليهما الشعور بالرهبة فى البداية، وفى أول يوم حين كان أحمد تحت تأثير ارتفاع درجة الحرارة، كانت زوجته شيماء قد بدأت فى التعافى.
«لا أنكر المعاملة الجيدة التى تلقيناها من الأطباء ولا أنكر كفاءتهم العالية، لكن على أرض الواقع فالمستشفى كانت فى حاجة إلى مزيد من التجهيزات التى افتقدناها، وكان علينا أن نقيم خمسة أيام لتلقى العلاج على الرغم من رغبتنا فى تلقى العلاج بالمنزل، وبعد أن استعدت عافيتى تعمدت التأكد من أنه تم إبلاغ جميع من تواصلنا معهم أن يأخذوا حذرهم من أنهم قد يكونوا قد أصيبوا بالأنفلونزا عن طريقنا، وعلى صعوبة الموقف حرصنا على أن يتم الكشف على الأبناء احتياطا».
لم يكن كل هذا ما أزعج النزيل الجديد وزوجته، لكن إلحاح بعض مسئولى وزارة الصحة على أخذ بياناته وبيانات أبنائه وبيانات مدارسهم قبل إعلان نتيجة فحص الأبناء هو ما زاد من ضيقه، كان يخشى هو وزوجته أن يتم استدعاء الأولاد من منزل جدهما فى حالة انتقال الفيروس إليهما أو أن يتسبب استخدام هذه البيانات فى إحراج الأولاد عبر الإعلام أو فى مدرستهما.

الحميات.. المنزل والمقر
لكن التصاعد الدرامى بلغ ذروته حين كشف اختبار مسحة الحلق للأبناء عن إصابة على بإنفلونزا الخنازير هو وأخته فريدة. يقول والدهما ــ أحمد: «لم أكن أريد لهما أن يأتيا للمستشفى لكن جدهما جاء بهما وأصبحت الأسرة كلها فى مستشفى الحميات وبعد أن كنت مكتفيا بجهاز تسجيل بسيط أستمع إليه مع زوجتى إلى جانب ما جئت به معى من ملاءات ومناديل ومطهرات، أحضر جد الأولاد معه جهاز الكمبيوتر اللابتوب الخاص بفريدة ولعبة على كى لا يشعرا بالوحشة هناك».
لم يكن على بال الأسرة أنهما بصدد مواجهة ضغوط من أطراف أخرى، وذلك عبر المنابر الإعلامية فى الفضائيات حين صرح أحد مسئولى الصحة بأن الأم التى أصيبت فى البداية لم تكن على وعى كاف فنقلت الفيروس إلى أسرتها، وهو أثار غضب الأسرة الموجود فى الحميات ودخل على الخط بعض أفراد العائلة للاتصال بالإعلام، وفى اليوم التالى كان على أحمد أن يتحدث إلى الإعلام من مقره فى مستشفى الحميات لأحد البرامج الحوارية. ويقول عن ذلك: «وجدت نفسى فى موقع دفاع عن النفس وتضايقت حين وجدت أن إدارة المدرسة أصبحت مضطرة هى الأخرى لتوضيح موقفها، وفوجئت بأن أسماء أولادى أصبحت معلنة فى الفضائيات وهو ما لم أرغب فيه وقتها، كان يكفينا ما نحن فيه». فيما بعد حاولت وزارة الصحة اتخاذ قرارات تقلل من التكثيف الإعلامى المثار حول مصابى إنفلونزا الخنازير بعدم الإعلان اليومى عنهم، لكن الإعلام عاد إلى أحمد عن طريق آخر حين اكتشف الوالد بالمصادفة بعد شفاء الأسرة تماما أن أسماء نجليه على وفريدة مذكورين فى أحد الموقع الإخبارية ضمن بعض الطلبة المصابين بعد هذا الموقف بعد أسابيع، وكأنها تذكرة بأيام المرض.
أما فى مستشفى الحميات فى أثناء المرض فلم يخفف من هذه الأجواء سوى الدعم والتعاطف الذى تلقته الأسرة من الأصدقاء والمعارف والأهل، تقول شيماء: «تلقينا كمًّا من الاتصالات لم نتلق مثله من قبل فى أثناء تلك الفترة، ومكالمات داعمة من الجميع، وحتى الإعلام أفادنا وسمح لنا بأن نتواصل معه فى تلك المرحلة وكفل لنا حق الرد». ويتذكر هنا زوجها أحمد إحدى المكالمات التى وردت إليه: «ناظرة مدرستى فى المرحلة الثانوية اتصلت بى بنفسها حين وصلها خبر إصابتى على الرغم من أنى تركت المدرسة قبل عشرين سنة، هذا إلى جانب مكالمات من أصدقاء من خارج وداخل مصر كانت تصل فى اليوم الواحد إلى عشرات المكالمات لم يكن باستطاعتى الإجابة عنها جميعا». وعند لحظة توديع مستشفى الحميات كان الطفل على ذو السنوات السبع قد استرد عافيته قليلا وعادت الأسرة إلى المنزل وكان عليهم جميعا مراجعة المستشفى كل نهار لأخذ العقاقير اللازمة مرتدين الكمامات أثناء حركتهم، وعلى الرغم من زوال الإنفلونزا من الجميع فإنه كان عليهم أيضا البقاء فى المنزل لمدة أسبوع كإجراء وقائى. تتذكر فريدة ذات السنوات التسع حالة الأسرة فى ذلك الوقت: «بقيت بتابع المدرسة من الإنترنت فى البيت، وصاحبتى كانت بتتصل بى كل يوم تطمئن على». ما تتحدث عنه فريدة هو أن فصلها فى المدرسة قد أغلق لمدة أسبوعين وأصبح تعليم الطلاب عبر الإنترنت.
وكانت العودة إلى المنزل بمثابة إعادة اكتشاف لبعض الاختراعات مثل التليفزيون والدش فعرفوا نعمة المنزل بعيدا عن أجواء المرض والعزل، وبقى أمامهم أسبوع من البقاء فى المنزل.. يقول أحمد: «كنا نستيقظ فى التاسعة نتابع دروس فريدة، وينقسم اليوم بين تناول العقاقير والوجبات الغذائية المختلفة تماما عن أكل المستشفيات ثم النوم الذى كان كلمة السر للجميع.. ولا مانع من تلقى مكالمات الأصدقاء التى كانت تخفف من أجواء العزلة خاصة بما كانت تحمله من مزاح حول إنفلونزا الخنازير».
بعد أن انتهت المحنة عاد الجميع إلى حياته، على وفريدة إلى المدرسة، والوالد إلى عمله، والأم إلى أعبائها التقليدية.
تقول: «كنت قلقة على عودة الأولاد إلى المدرسة بعد هذه الضجة التى حدثت لكن المدرسة وقفت بجانبنا بشكل محترم». فريدة طالبة الصف الرابع الابتدائى تشكر أستاذتها بريهان التى واستها وقت الشدة، ولا تنكر وقوع بعض المضايقات من «أصحاب الدم الثقيل» الذين حاولوا الاستهزاء بتجربتها مع إنفلونزا الخنازير، أما أخوها على فكان له رأى مختلف حول تلك القصة بأكملها.. أحضر حقيبته الثقيلة وجرها أمامنا وأشار إلى وجه إحدى الشخصيات الكارتونية الموجود على حقيبته على شكل خنزير وقال: «هو ده اللى نقل لنا العدوى».
تقول والدته شيماء: «المشكلة الكبيرة حول موضوع إنفلونزا الخنازير هى قلة الوعى لدى الناس وأن بعضهم لا يعرف تفاصيل ما بعد الإصابة لذا أصبح الجميع يسألنا فى هذا الأمر وكأننا فقط من أصبنا فى مصر»، يعلق زوجها أحمد ممازحا: «أعلنت لجميع الأصدقاء أننى من الآن مستشار إنفلونزا خنازير والاستشارة بخمسمائة جنيه».
شيماء التى كانت قد فقدت الرغبة فى استكمال الكورس الذى تشك فى أنها أصيبت عن طريقه بالإنفلونزا عادت إليه بعد أن فتح أبوابه بعد إغلاقه، وشجعها على ذلك مكالمات متكررة من معلميها هناك، واجتازت الاختبار بنجاح قبل أسبوع واحد فقط، أما زوجها أحمد فيكاد يكون قد نسى التجربة بعد أن عاد إلى أصدقائه وأجواء العمل، أما فريدة وعلى فحين حاول والدهما المزاح معهما «عايزين تروحوا المستشفى تانى؟» لم يبديا أى خوف وكأنهما نالا مناعة من الخوف من المستشفيات. هذه التجربة خرج منها أحمد وأسرته بخلاصة هى أن إنفلونزا الخنازير مرض أهون مما يتصور البعض، وقال: «مرضت من قبل بالأنفلونزا وتعرضت لحمَّى أعنف بكثير من تلك التى مررت بها أثناء أنفلونزا الخنازير.. ومن خلال تجربتى أراها مجرد دور برد».
المفارقة أنه كان فى أثناء حديثه مصابا ببعض الزكام، لم يخف ذلك فى حديثه وقال مبتسما:«ليست إنفلونزا خنازير».

PDF