Thursday, September 29, 2005

مبارك المستقل

جاء أداء الرئيس المصري محمد حسني مبارك لليمين الدستورية بمثابة إغلاق لملف الانتخابات الرئاسية المصرية لعام 2005, ولم يعد أمامنا الآن سوى التعليق عليها ومحاولة تقييمها, لكننا سنسلك اليوم مسلكا آخر نطرح من خلاله أحد السيناريوهات التي لم يلتفت إليها رئيسنا الفائز محمد حسني مبارك, ويتلخص هذا السيناريو في تساؤل واحد: ماذا لو كان تقدم المرشح الرئاسي محمد حسني مبارك إلى الانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل بعيدا عن حزبه الوطني الديمقراطي ..؟
الحقيقة أن فرضية دخول مبارك كمرشح مستقل إلى الانتخابات الرئاسية الماضية كانت ستجلب الكثير من المنافع لمسيرة الديمقراطية في البلاد وللعملية الانتخابية, بل وله شخصيا كمرشح رئاسي.. فعمليا لم يستطع أحد من المرشحين المستقلين الحصول على تأييد 250 عضوا من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية للمحافظات, لذا.. فإن تقدم مبارك كمرشح مستقل كان سيكون بمثابة اختبار حقيقي لشعبيته بين رجال السياسة والحكم في البلاد الذين كانوا سيجدون أنفسهم مطالبين بالوقوف إلى جانب مبارك المرشح الرئاسي, وليس مبارك الرئيس.
ولعل نزول مبارك كمستقل إلى حلبة المنافسة على منصب رئاسة الدولة كان سيعطي حزبه الوطني الديمقراطي فرصة كي يدير نفسه أمام وضع جديد لا يستند فيه إلى زعامة الرئيس مبارك وشخصه.. خصوصا وأن الحزب قد يواجه بالفعل هذا الموقف في الانتخابات الرئاسية القادمة في حال عدم وجود الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة لأي سبب من الأسباب.
علينا أن نعترف أن من انتخب مبارك في الانتخابات الرئاسية الماضية إنما انتخبه لشخصه, وليس لأيديولوجية أو فكر الحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه مبارك, وقد اعترفت بهذا الأمر قيادات الأحزاب الأخرى وأحد قيادات الحزب الوطني الديمقراطي.
وقد يتساءل البعض هنا عن أهمية عرض هذا السيناريو الآن بعد أن انتهاء الانتخابات الرئاسية وأداء مبارك لليمين الدستورية.
الحقيقة إنها فكرة نطرحها الآن على أمل الاستفادة منها في الانتخابات الرئاسية القادمة, خصوصا وأن البعض يرجح أن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم قد يدفع بالسيد جمال مبارك نجل الرئيس الحالي للترشيح في الانتخابات الرئاسية القادمة كممثل للحزب بدلا من ترشيح أبيه مرة أخرى.
ربما ليس من حقنا التدخل في سياسات الحزب الوطني, لكن ما يهمنا هنا هو صورة بلادنا التي قبض فيها حزب واحد على مقاليد السلطة في مخالفة لتقاليد الديمقراطيات في العالم, لذا. نتمنى أن نرى السيد جمال مبارك كمرشح مستقل في الانتخابات الرئاسية القادمة إذا ما تم ترشيحه لمنصب الرئاسة, كي يثبت لمعارضيه أنه يرشح نفسه إلى منصب الرئاسة بجماهيريته بين الناس وبين السياسيين, ليخلف وراءه الحزب الوطني كي يمارس السياسة كأي حزب من أحزاب الدولة فتتحقق العدالة بين الأحزاب.
ربما في تلك الحالة قد تُجرى بعض التعديلات الدستورية لضبط الأوضاع حيال وجود رئيس مستقل على كرسي الحكم.. ولعلنا قد نجد وقتها رئيسا مصريا مستقلا فوق الحزبية فتتغير بذلك الأجواء السياسية في البلاد, وهذا كله فقط, إذا ما تخلى المرشح الرئاسي للحزب الوطني عن حزبه وتقدم كمرشح مستقل إلى انتخابات الرئاسة المصرية محاولا تجميع الحد المطلوب من أصوات الجماهير المصرية.
صحيح أن كلمة "لو" الافتراضية تفتح الباب لشيطان الخيال.. غير أن افتراضاتها قد تدفعنا لتأمل المستقبل
ـــــــــــــــــ

ارفعوا أيديكم عن جمال عبدالناصر

خمسة وثلاثون عاما مرت على رحيله وما زالت ذكراه باقية في نفوس الجماهير العربية حتى اليوم.. إنه جمال عبد الناصر.. الذي أضحى اليوم رمزا للعروبة مثلما كان قبله جيفارا رمز لليسارية الثورية، و مثلما كان غاندي رمز للنضال السلمي ضد القوى الاستعمار.
ثلاثة أجيال اليوم اختلفت رؤيتها حول الراحل جمال عبد الناصر... أكبر تلك الأجيال سنا هو الذي عاش حقبة ما قبل الثورة المصرية، فشهد آنذاك ذل الاحتلال و ضعف الحكم الوطني في بلادنا المحتلة، فكان جمال عبد الناصر له بمثابة الأخ والزميل وطوق النجاة... ومن هؤلاء من تعارضت مصالحه مع الثورة المصرية لأسباب مالية اقتصادية أو لأسباب فكرية أيديولوجية، ورغم ذلك.. فحتى هؤلاء الذين عارضوا النهج الناصري لمضار أصابتهم في عهده، نجدهم اليوم يذكروا فضائل حكمه، ومحاسن عهده.. ويعقدون المقارنات بين أيامنا تلك وأيامهم الخوالي. أما جيل الوسط المسيطر على إداريات البلاد اليوم، فهو ذاك الجيل الذي ولد ونشأ في أحضان الثورة المصرية، هو الجيل الذي تربى بين شعارات العروبة والاشتراكية والوحدة العربية، ألهبته خطب جمال عبد الناصر حماسا وطموحا.. أقنعته إذاعة صوت العرب أنه أفضل حالا من الشعوب الغربية الاستعمارية المستغلة... ارتبط هذا الجيل بعبد الناصر كزعيم متابع لكل صغيرة وكبيرة في منطقته العربية وفي دوائر أخرى إفريقية وآسيوية، حتى انتهى الحلم بواقع مؤلم وصدمة هائلة، لكن الأمور لم تفض إلى كفر شعبي بهذا الزعيم، بل زادتهم إيمانا بزعيمهم... واليوم أصبح هؤلاء الشباب الذين شهدوا نهاية عبد الناصر هم من يديروا مجتمعاتنا فعليا الآن، ومازال عبد الناصر لدى شرائح عديدة منهم بمثابة الزعيم والأب والأخ الأكبر.. ومازال عهده لدى الكثير منهم هو عهد الكرامة والعزة.
يتبقى في النهاية جيل جديد.. لم يتعرف على جمال عبد الناصر إلا عبر حكايات عائلية مبتورة، أو مادة إعلامية موجهة، وصوت عال.. زعق به من كانوا حول جمال عبد الناصر من الجيل القديم، إلى جانب عشاقه من جيل الوسط الذين تربوا في عهده.. و هؤلاء كلهم الآن يمثلون ضغطا قويا على الجيل الجديد الذي يريد أن يصل إلى الحقيقة بنفسه بعيدا عن تأثيرات من قبله.
نرجو منهم... من الآباء و الأجداد، أن يرفعوا أيديهم عن جمال عبد الناصر، ولا يقدموه لنا كما رأوه، فنحن لا نحتاج أعين غيرنا لنرى بها.. ما نحتاجه هو معلومات صادقة عن هذا الرجل وعن ذاك العهد.. كي نصل إلى نتائج نافعة. لا تجملوا لنا جمال عبد الناصر.. ولا تشوهوا صورته، وثقوا في قدراتنا على الحكم على الأمور واتركوا جمال عبد الناصر لنا، كغيره من زعماء أمتنا..
إلى كل من يكتب عن جمال عبد الناصر، لتكتب الحقيقة كما كانت، لا كما تريدها أنت الآن.. فهذا ما يطلبه منك شباب هذه الأمة اليوم.
ــــــــــــــــــــ

Monday, September 26, 2005

هل يعيد التاريخ نفسه؟

عبدالرحمن مصطفى
عندما أعلن أبو مصعب الزرقاوي حربه على شيعة العراق اتجه البعض إلى التساؤل: هل يعيد التاريخ نفسه؟! هل الصدام حتمي بين فكر محمد بن عبد الوهاب و أبناء المذهب الشيعي..؟! خصوصا عندما نعلم أن فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعد أحد مرجعيات الزرقاوي وأتباعه.
قديما.. قام آل سعود منذ أكثر من قرنين من الزمان بتبني فكر ومنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب والعمل على تطبيقه، وأدى ذلك في وقت من الأوقات إلى تصادمات مع بعض أبناء المذاهب الأخرى.. مثلما جرى مع شيعة العراق في حادثة كربلاء الشهيرة عام 1801مـ ، عندما اقتحم معتنقو فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب المدينة وحطموا مسجد الحسين بن علي رضي الله عنه واصطدموا مع السكان هناك، فكانت تلك الحادثة أحد أسباب مقتل الأمير عبد العزيز بن سعود على يد أحد الشيعة بمدينته الدرعية عام 1803مـ.
أما اليوم.. فدولة آل سعود تعلن رفضها لأي عنف يستهدف المدنيين . سواء كان للمدنيين من الشيعة أو من السنة، وذلك رغم أنها لم تتخل بَعد عن أفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب. لكن يبدو أن آخرين غيرها ممن آمنوا أيضا بفكر الشيخ مازالوا يؤمنون بحتمية الصدام مع الشيعة، مثلما فعل أبو مصعب الزرقاوي و أتباعه - ذوي الخلفية الوهابية – الذين أعلنوا الحرب على الشيعة أبناء العراق المحتل.
قد نذهب هنا استنادا لموقف آل سعود الحالي الرافض للعنف المذهبي إلى أن التاريخ لا يصنف لنا شكل العلاقة بين معتنقي فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الشيعة المخالفين لأصول منهجه على أنها علاقة عدائية. فالنموذج السعودي الحالي مختلف تماما عما كان عليه الأمر منذ قرنين من الزمان، إذا فالعيب ليس في المنهج، ولا توجد حتمية تفرض علينا صداما بين الفريقين.أما إذا خرجنا من مسألة البحث في العلاقة بين أتباع الفكر الوهابي والشيعة إلى فضاء أوسع نقارن فيه بين الوضع الإقليمي وقت وقوع حادثة كربلاء عام 1803مـ التي مثلت أول صدام حقيقي بين أتباع محمد بن عبد الوهاب وشيعة العراق، وبين الوضع الإقليمي الحالي الذي أعلن فيه الزرقاوي- أحد ممثلي الفكر الوهابي ـ حربه على الشيعة. فسنجد أن الوضع الأول كانت تسيطر فيه الدولة العثمانية اسميا على العديد من دول منطقتنا العربية،غير أنها كانت أيضا مدركة لضعفها وعدم قدرتها على قمع حركة آل سعود الوهابية بعد نجاح تلك الأخيرة في اختراق حدود العراق و إحكام سيطرتها على الحرمين الشريفين، فألحت الدولة العثمانية على واليها محمد علي في مصر كي ينطلق لدحض تلك الحركة، ونجح الوالي محمد علي في مهمته، خدمة ً لسلطانه القابع في الآستانة، وتم القضاء – مؤقتا- على الحركة الوهابية السعودية.
أما اليوم.. فدولة آل سعود خارج حساباتنا. فهي رافضة لما يقوم به من ينسبون أنفسهم لفكر محمد بن عبد الوهاب، وليس لدينا من يمارس الفكر الوهابي بالعنف داخل العراق سوى الزرقاوي ورجاله، كما أنه ليس لدينا اليوم في منطقتنا العربية تلك الدولة التي تستطيع أن تتدخل لمنع ما يحدث على أرض العراق من قتل وتفجير. ليس لدينا إلا الولايات المتحدة الأمريكية كدولة مسيطرة على مقاليد الأمور داخل العراق، رغم أنها ليس لديها قاعدة شعبية بين الجماهير العراقية أو العربية، مما يجعلنا نستبعد أن نجد من يهرع إلى نجدتها مثلما فعل محمد علي مع الدولة العثمانية، فليس لأمريكا ولاة (رسميون) بيننا. إذن.. فلنا أن نتوقع من أمريكا أن تحاول إيجاد طبقة تكون حاجزا بينها وبين الجماعات المسلحة ذات الخلفية الوهابية، ليس خدمة للشيعة بقدر ما هو حفاظا على صورتها كمسيطرة على الأمور في العراق، مثلما كان الأمر مع الدولة العثمانية التي هدفت من قهر الحركة الوهابية السعودية أن تثبت وجودها وإمرتها على أقاليم المنطقة.
إن استخدام أمريكا لطبقة مصطنعة كي تجابه التهديد الزرقاوي ليس بالأمر الجديد في عالم الاستعمار، فقد اعتمدت بريطانيا في إدارة مستعمراتها قديما على طبقة تدين لها بالولاء، حتى لو كانت تلك الطبقة غير محبوبة لدى الجماهير، رغم أن بعض أبناء تلك الطبقة قد أصبحوا فيما بعد من أهم زعماء التحرر في بلادهم كما حدث في إفريقيا، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى هذا الأسلوب، ولعل مساعديها سيكونون من أبناء العراق، وهو ما قد يخيفنا على مستقبل العراق من أن توجد طبقة متعاونة مع القوات الأمريكية لأجل غرض ظاهره نبيل يتمثل في دحض القوى المتطرفة في البلاد، فتتحول تلك الطبقة فيما بعد إلى طبقة وريثة للبعثيين و منتفعي الحكم القديم المتسلط الذي ولت أيامهم، ربما يكون أمل العراق في استقلالية أجهزته الأمنية والعسكرية تماما عن الوجود الأجنبي في بلاده و اتحاد العراقيين حول حكومتهم من اجل تقويتها، فتقوي بذلك استقلالية الحكومة، على أمل يوم يتحرر فيه العراق من الوجود الأجنبي في بلاده. فالأمل هنا في حكومة لها مزيد من السيطرة على إداريات البلاد. وقد يقترب حديثنا هنا من المثالية، لكن قوة الحكومة بشعبها، ستبعد عنا فكرة تسلطها عليهم في يوم من الأيام كما حدث في الحكم السابق. كما أن تحالف الشعب العراقي مع حكومته سيمنع فكرة أن يتحول أي من فئات المجتمع إلى مجرد (وال) لدى قوات الاحتلال.
إن عناصر التاريخ إنسان وزمان ومكان.. ومن المستحيل أن تتكرر العناصر الثلاثة، وفي حالتنا. فلا أتباع فكر محمد بن عبد الوهاب هم أنفسهم، ولا الشعب العراقي هو شعب الأمس، ولم يعد هناك دولة عثمانية و لا والي يدعي محمد علي. إلا أنه قد تتشابه بعض عناصر التاريخ مع مثيلتها في واقعنا المعاصر. لكن أفضل ما في صورة اليوم أن هنالك شعب قد أصبح نجما في الأحداث، وعليه أن يستغل تلك الفرصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ، 2

Saturday, September 24, 2005

الاختلاف في الرأي

عبدالرحمن مصطفى

ما زلنابين الحين والحين نستخدم بعض العبارات لتزويق أحاديثنا، وتجميل أفعالنا أمام الآخرين.. على رأس تلك العبارات، عبارة تقول أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ورغم هذا المعني النبيل وراء تلك الجملة المبهرة، إلا أنه ما زال الاختلاف يُـفسد الود في مجالسنا وحواراتنا، سواء كانت عن السياسة أو الدين أو الرياضة..الخ، وما زال الفرد منا يخشى الاختلاف في الرأي مع رئيسه تخوفا من أن ينعكس ذلك على مسيرة حياته الوظيفية أو انسياب المكافئات إلى جيبه أول كل شهر.
وهنا.. نحن لا ندعي أن مسألة عدم قبول الاختلاف في الرأي هي قضية عربية تخصنا وحدنا دون بقية دول العالم، وإلا.. كنا نظلم أنفسنا بهذا القول. لكنها بعض العيوب الاجتماعية التي زادت من حدة هذا الأمر حتى أصبح كل مجلس لا يكاد يخلو من عبارات التناطح وإثبات الوجود.

ربما يكون أحد أسباب فساد الود نتيجة اختلاف الآراء أن يكون هذا الود في الأصل سراب ليس له وجود حقيقي، وأنه كان مجرد نفاق أو مجاملة ظننا نحن أنها ودا.. فلما ظهر الاختلاف في الرأي على السطح، كانت الحقيقة المرة، فكان الاختلاف في الرأي اختبارا حقيقيا لهذا الود المزعوم، وربما يكون التكالب على المصالح والاستئساد في المناصب سببا آخرا في محاولة فرض الآراء بالقوة ، حتى لو كان ذلك بخسران الود والسلام مع الآخرين، تخوفا من أن تكون سيادة رأي الآخر سببا في فقدان منصب أو مال.

سبب آخر يدفع بالبعض إلى رفض الاختلاف في الرأي.. ألا وهو تعود شعوبنا على وجود زعامة واحدة، ونظام واحد، ورأي واحد.. فيكون الاختلاف في الرأي لدى البعض بمثابة فتنة لا بد من وأدها، فيفسد بذلك كل ود ويطاح بكل سلام.
رغم كل هذا.. ما زلنا مطالبين بالعمل على تنفيذ هذا الهدف النبيل الذي تحمله تلك العبارة الساذجة في مظهرها.. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، علينا أن نعوِّد أبناءنا على قبول الاختلاف مع أفكار الآخرين، ولعلنا مطالبون بأن نحدد مرجعياتنا ونضعها نصب أعيننا، كي يكون اختلافنا مبني على أساس مرجعية واحدة، حتى لا تجنح أفكارنا نتيجة عندِ أو حب للظهور.

ومن يعلم.. فربما يأت يوم لا يُـفسد فيه الاختلاف للود قضية.
ـــــــــــــــــــ

Tuesday, September 13, 2005

قراءة في كتاب القرآن وكفي مصدرا لتشريع الاسلامي

عبدالرحمن مصطفى ـ مصر

أتيحت لي فرصة الاطلاع على كتاب ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع الإسلامي) للدكتور أحمد صبحي منصور، والذي يدعو فيه إلى هجر الأحاديث النبوية، بعدما اعتبرها ليست بالأقوال التي يؤخذ بها، فدعا إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم مرجعا وحيدا للتشريع، والابتعاد عن متابعة أقوال وأفعال نبي الاسلام محمد عليه الصلاة والسلام. مراجعة هذا الكتاب كانت محاولة مني لفهم منطق د. منصور وهو يحاول إثبات رأيه، وقد قدم د. منصور في كتابه أفكارا جديدة زينها بكم كبير من الآيات، غير أن المتابع لاستخدام الدكتور منصور لتلك الأيات قد يجد بعض الثغرات فيما ذهب إليه.

يبدأ الكتاب بمدخل يسرد فيه الكاتب بأسلوب ملحمي قصة نشره هذا الكتاب.. ثم ينتقل إلى الفصل الأول الذي أعطاه عنوان (القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للإسلام)، وحاول الكاتب من خلال عدد من النصوص القرآنية تأكيد فكرة أن القرآن كتاب جامع مانع لا يحتاج إلى أي كتاب معه، والحقيقة أن هذا أمر متفق عليه، بل نستطيع اختصار الطريق على الكاتب ونعلن أن القرآن قد أنزله الله على رسوله، دون أن ينزِّل معه صحيح البخاري أو مسلم أو أي من كتب التفسير...!
وفي أول فصوله تمجيد القرآن تمهيدا لعرض فكرته الأصلية عن كتب الحديث التي يراها بلا فائدة، فيعرض علينا كما كبيرا من النصوص القرآنية التي ترهب من يفكر في الاستعانة بأي كتاب آخر بجانب القرآن... فكانت تلك البداية إشارة من الكاتب بأسلوب غير مباشر إلى أن الاستعانة بكتب الحديث هي ضلال وبعد عن كتاب الله.. على أساس أن القرآن قد نزل } تبياناً لكل شىء{ (89) النحل ، ولا حاجة لأي حديث بعده } فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون{ (6) الجاثية .

وهنا نتوقف لنتساءل.. هل كانت تزكية الله لقرآنه الكريم مبررا في أن نبتعد عن كتب الحديث التي جَمَعت لنا أقوال وأفعال الرسول..؟؟ وإذا كان الأمر كذلك.. فكيف لم يتعرض القرآن لهذا الأمر من خلال نص صريح ومباشر..؟! لماذا لم يصرح القرآن بأن نبتعد عن تتبع أقوال وأفعال محمد عليه الصلاة والسلام...؟؟ أكان الله ليتركنا في ضلال..؟! الكاتب لم يأت بنص قرآني صريح مباشر يدعونا للابتعاد عن تتبع أقوال وأفعال محمد عليه الصلاة والسلام.

ولعل ما ذهب إليه الكاتب في رأيه هذا ما يعارض القرآن نفسه.. خصوصا مع نص قرآني كقوله تعالى: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " (44) النحل، فالنص كما هو واضح دعوة من الله إلى رسوله كي يبين للناس ما نزل إليهم من قرآن، وبالتالي يصبح الناس في حاجة إلى أقوال وأفعال الرسول.. غير أننا نجد د.منصور يأول النص – مخالفا لأراء المفسرين- بقوله أن كلمة }الناس{ في الآية السابقة مقصود بها أهل الكتاب فقط، وذلك اعتمادا على تفسيره للآية السابقة عليها: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " (43) النحل، وهذا التفسير أو التأويل من الكاتب فيه تكلف شديد.. فكما هو معلوم أن محمد عليه الصلاة والسلام قد أرسل للناس كافة، مصداقا لقوله تعالى " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " (28) سبأ، كما أن الْقُرْآن قد أنزله الله تعالى للناس كافة }إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ{ (27) التكوير.

إذن فالرسول ما كان لينزِّل الله عليه قرآنا فيبينه لقسم من الناس كأهل الكتاب دون الآخرين كما ذكر الكاتب، وإذا كنا سننساق مع قول الكاتب، فسنجد أنه سيكون على الرسول أيضا أن يبين للمسلمين (ما نزل إليهم) ، فكون القرآن قد نزل لكل الناس، وكون محمد رسول لكل الناس، فهذا يجعل مهمة الرسول هي أن يبين للناس كافة ما نزل إليهم، وهذا ما أوضحه الطبري في تفسيره لقوله تعالى { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } بقوله: لتعرفهم – يا محمد- ما أنزل إليهم من ذلك، و ذكر القرطبي في تفسيره أن: الرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده، مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة، وغير ذلك مما لم يفصله. إذا فنحن في حاجة لمتابعة أقوال وأفعال محمد عليه الصلاة السلام التي (تبين) لنا ديننا، كي تكتمل الصورة مثلما أوضح لنا القرآن.

وهكذا نرى الأمور قد بدأت تتواءم مع طبيعة المنطق، بل إننا نجد ما يؤيد هذا في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا " (59) النساء، وحسبما جاء في تفسير الجلالين أن الآية دعوة إلى رد الأمور الخلافية إلى "الله" أي كتابه القرآن، "والرسول" أي في مدة حياته.. و بعده باتباع سنته، وذلك خير من التنازع والأخذ بالرأي. لكننا نجد الكاتب يحاول أن يدور على المعنى مرة أخرى، ويأتي بفكرة جديدة تسعى إلى التفريق بين محمد الرسول، ومحمد النبي... فالكاتب يذهب إلى أن الله يدعونا إلى طاعة محمد (الرسول)، على أساس أن الله–في رأي الكاتب- لم يأمر المسلمين في أي موضع من القرآن بأن " يطيعوا النبي"..!

وحجة الكاتب في ذلك كم كبير من الآيات حاول أن يوضح من خلاله أن لفظ النبي دائما ما يأت مع حياة محمد الاجتماعية والإنسانية، أو عند ارتكابه لخطأ ما، فيأت القرآن ليقومه بعد ذلك، واستشهد في ذلك – على سبيل المثال- بما وقع للرسول من خداع على يد بعض المنافقين، عندما ناداه القرآن مخاطبا: " إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" (105) النساء.. هذا كان مع محمد النبي، بينما محمد الرسول – عند الكاتب - هو ناقل للقرآن الذي تعهد الله بحمايته من أي سوء أو خطأ.. ويدعونا الكاتب إلى إتباع ما قام به محمد سواء كان النبي أوالرسول من خلال ما ذكر عنه داخل القرآن فقط، بل جعل الكاتب أحاديث الرسول هي ما قاله الرسول ضمن نصوص القرآن، فالسنة القولية للرسول عند أحمد صبحي منصور هي في القرآن وحديث القرآن، وما تكرر فيه من كلمة "قل" الموجهة لمحمد عليه الصلاة والسلام.
وعليه.. فيصبح تتـبُّع أفعال النبي وأقواله خارج النص القرآني أمر غير مطلوب، بل هو أمر منهي عنه على أساس أن المرجعية الوحيدة للمسلم هي القرآن.. إذن فالكاتب يذهب إلى أن أقوال وأفعال محمد رسول الله هي –فقط- ما جاء في القرآن، وهي المطلوب منا أن نتبعها من خلال الآيات..

ولعل ما ذكرناه سابقا عن قوله تعالى: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " (44) النحل، يرد على ما ذكره الكاتب هنا.. فلكي يبين الرسول ما نزل إلى الناس فعليه أن يواجههم ويتحاور معهم، ويقترح عليهم حتى }يتفكرون{، فيأتي من يعقبه من أجيال تالية فيجمع هذه (النبويات) كي لاتكون حكرا على من سبقهم فقط.

ورغم إعجابنا بفكرة الكاتب حول التفريق بين شخصية النبي وشخصية الرسول، إلا أننا لا نتفق معه فيما ذهب إليه من أن شخصية النبي محمد لا يجب البحث وراءها واتباعها إلا من خلال ما ورد عنها في القرآن، على أساس أنها خارج سياق الوحي... لأن الكاتب برأيه هذا حول الرسول إلى مجرد موظف لدى الإله، يترك وظيفته في ميعاد محدد فيتحول إلى نبي لا علاقة له بالسماء والوحي..!
والرد على هذا الأمر موجود في القرآن أيضا.. ويؤكد ما ذهبنا إليه من قبل في أن من واجبات محمد (الرسول والنبي) أن يبيِّن { لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }.. فلا فرق في هذا الأمر بين محمد الرسول و محمد النبي ، فكلاهما هو محمد عليه الصلاة والسلام..

يقول تعالى: " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا " (163) النساء، وهنا يوضح الله تعالى أن الأنبياء كان يوحى إليهم.. و منهم أنبياء فقط، وليسوا برسل، أو أصحاب رسالات وكتب سماوية.

وقد وُصف محمد عليه الصلاة والسلام بالنبي والرسول في مواضع عديدة من القرآن، كقوله تعالى: " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ" تَهْتَدُونَ " (158) الأعراف.. إذا فمحمد هو رسول ونبي، وكما رأينا منذ قليل في الآية (163) من سورة النساء أن الأنبياء أيضا في كانوا حالة وحي حتى لو كانوا بدون رسالة، فعلى هذا...لا يمكن لنا أن نهجر أفعال النبي محمد وأقواله التي لم تذكر في النص القرآني، بل إن علينا أن نتتبعها لأن فيها وحيا لكنه غير مكتوب داخل رسالة أو نص كتابي.

وعموما.. فعلى ما يبدو أن ما يدعو إليه د. أحمد صبحي منصور لا يصلح من الناحية العقائدية، أما من ناحية المنطق، فكيف نقبل بآراء الفقهاء والمفسرين والمجتهدين، ونهمل ما كان يقال على لسان رسول الله بين أصحابه وفي مجالسه..؟؟ ثم إن محمدا هو نبي القرآن، وليس كنبي الله عيسى أو موسى أو أي من الأنبياء الذين نكتفي بالقراءة عنهم في القرآن.. إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يفسر القرآن ويوضح للناس ما جاء فيه، وأقدم للقاريء هذا الحديث الذي قد يوضح لنا أهمية الحديث النبوي للقرآن: في صحيح البخاري : ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏علقمة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏رضي الله عنه ‏ قال: لما نزلت " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله " إنه ليس بذلك... ألا تسمع لقول لقمان: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم "

يوضح الحديث السابق أهمية الحديث في تفسير القرآن، وكيف أن الرسول قد أوضح أمرا كان غائبا عن الصحابة من داخل النص القرآني، ليضع بذلك أسوة لمن يجتهد في النص الديني، وما هذا الحديث إلا مثالا فقط... فكثير من الأحاديث الأخرى توضح أسباب نزول الآيات وملابسات نزولها، ولا أدري كيف هو الأمر مع الدكتور صبحي منصور..؟؟ هل لديه البديل عن تلك الأحاديث النبوية كي يوضح لنا ملابسات نزول الآيات..؟! أظن أنه من الصعب علينا أن نهمل تاريخ نزول القرآن و الخلفية التاريخية لنزول آياته.

ربما جاء هذا الكتاب تعبيرا عن روح جديدة ساخطة وسط مجتمع الشيوخ والفقهاء المصاب بالركود، غير أن صاحب الكتاب على ما يبدو قد تطرف بعض الشيء واستخدم التأويل كثيرا في تفسيراته، وقد عبر هذا التطرف عن عجز حقيقي في وضع أسس منهجية للتعامل مع كتب من نوعية كتاب البخاري وغيره، فكانت النتيجة أن أنكر البخاري وكتب السنة تماما، بدلا من العمل على إصلاح الخطأ الذي نواجهه.. ومهما حوت تلك الكتب من أحاديث لم نعد نقبلها الآن-وهي التي ركز عليها الكاتب في فصله الأخير- إلا أن هذا ليس مبررا لهجر الحديث النبوي كله والبعد عن أفعال الرسول.. ولعل الكاتب لم يوضح لنا إلى ما نستند في معرفة كيفية الصلاة أو الزكاة أو الحج و غيرها من العبادات..!

* في النهاية.. يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران.

Tuesday, September 6, 2005

رسالة إلى الشامتين

دائما ما يهلل فريق من ابناء أمتنا ويعلن سروره وفرحه عند سماعه انباء الكوارث المتعلقة بمن يبغضهم خارج بلاده, وقد ظهر هذا جليا في عدد من المواقف, كان اخرها عند حدوث اعصار "كاترينا" بالولايات المتحدة الاميركية, والذي خلَّف وراءه آلافا من القتلى والمشردين, وخسارة تقدر ببلايين الدولارات, فوجدنا روح الشماتة والتشفي تظهر من بين بعض ابناء أمتنا.. ليكرروا ما قاموا به من قبل عقب وقوع حادث جسر الائمة في العراق, الذي حدث اثناء احتفال شيعي هناك, فأسفر عن مقتل نحو الف عراقي.
وكانت تلك العقلية الشامتة هي التي فسرت من قبل ظاهرة تسونامي على انها عقاب الهي لاهالي جنوب شرق اسيا, وهي التي بررت الاحداث التفجيرية التي ضربت مصر في الفترة الاخيرة, وغالبا ما سيستمر هذا المنطق الشامت يمارس هوايته عقب كل كارثة تصيب قريبا او غريبا, خصوصا وان اصحاب هذا المنطق يستخدمون مرجعية قرآنية في توجههم هذا, كاستخدامهم قوله تعالى : ويومئذ يفرح المؤمنون بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الروم) ... فيتم تأويل المعنى, وكأن الاية دعوة للتشفي والفرح بمصائب الاخرين, على الرغم من ان القياس هنا لا يجوز بين الحالة التي
نزلت فيها الاية, واستخدام البعض لها كمبرر للتشفي والشماتة.
ان رسالتنا الى كل شامت ان يتذكر دعوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يأمر كل مسلم ان يحب للناس ما يحب لنفسه, وان يكره للناس ما يكره لنفسه, والا يظهر الشماتة لاخيه وقت ابتلائه كي لا يبتلى بابتلائه, حتى الاعداء, كان من اخلاقيات الاسلام ان يترفع المسلم عن الشماتة بهم.
لقد كنا نتمنى من الشامتين ان يقوموا بعمل افضل من شماتتهم.. عمل يحسِّن من صورتهم لدى الاخر, سواء كان هذا الاخر عربيا ام غربيا, كأن يقدموا عزاءهم للشعب الاميركي في هذا التوقيت بالذات, فيقدموا بذلك - على المستوى الشعبي- تصرفا يحسِّن من صورة العربي المسلم التي شوهها البعض لدى الجماهير الغربية, فيكون في هذا التصرف عرضا لصورة العربي النبيل على حقيقتها... وكنا نأمل من قبل ان يعبر هذا الفريق ايضا عن تعازيه لاهل العراق, عقب حادثة جسر الائمة بالكاظمية, كمحاولة لطمأنة شيعة العراق ان في خارج العراق مسلمين مثلهم يتألمون لألمهم.
ولعل الموقف الحكومي العربي من تلك الاحداث كان على المستوى المطلوب, وهو ما ظهر واضحا في قرار بعض الدول العربية مساعدة الولايات المتحدة الاميركية في ازمتها الاخيرة بالدعم المادي, كقرار دولة الكويت التبرع بما قيمته 500 مليون دولار من المنتجات النفطية وغيرها من المساعدات الانسانية للولايات المتحدة بغرض تخفيف اثار الاعصار كاترينا.
لكننا نأمل ايضا ان يكون هنالك تحرك شعبي في مثل تلك الاوقات على نفس مستوى التحرك الحكومي, ولو بصورة بسيطة كارسال برقية عزاء او اظهار روح التعاطف مع صاحب البلاء, او على الاقل الا يكون هنالك تحرك مضاد لهذا النشاط الحكومي النبيل, فروح الشماتة ستزيد الفجوة بين الشعوب, وستضعفنا وتجعلنا دائما في موقف من يتلقى الصدمات.
نأمل لمن يشمت في مصائب الاخرين - ايا كان هؤلاء الاخرين - ان يتحلى بخلق محمد نبي الاسلام, وان يراجع سير فرسان أمتنا العربية والاسلامية, فالفارس العربي كان لا يشمت في اعدائه.. كان لا يسيء لمن اساء اليه, اننا نقدم دعوة كي نحب للناس ما نحب لانفسنا, ونكون فاعلين في تحديد شكل علاقاتنا مع الاخرين, لا ان نكون عاجزين عن الفعل, مكتفين بتغذية نفوسنا بنار الحقد... نتمنى ان تصل الرسالة, وتكون محل تدبر.
http://www.scribd.com/doc/20007058/

ـــــــــــ
إيلاف