Thursday, March 25, 2010

روافد متعددة لنهر واحد

عبدالرحمن مصطفى
تصوير: محمد حسن

البحث داخل ملفات الحوادث الطائفية دائما ما يبرز عبارات من نوعية: «نزاع حول أراض بسبب بناء كنيسة»، أو «شجار تحول إلى معركة طائفية». بينما تأتى الملاحظات بصورة هامشية عن ثقافة من ارتكبوا هذه الحوادث أو المتعاطفين معهم، إلا أنه قد أطلت مؤخرا مفردات واضحة فى سلسلة الحوادث الأخيرة تحمل سمات تلك الثقافة وتقدم وجها آخر لأسباب وقوع تلك الحوادث منها: «الثأر»، و«جرائم الشرف»، وكأن الذهن الطائفى لم يعد يقدم نفسه عن طريق الدين فقط، بل عن طريق المفردات الشعبية مخفيا مشكلات اجتماعية أعمق.
فى عام 1981 وقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمام مجلسى الشعب والشورى وتناول فى خطابه الأحداث الطائفية التى عرفت فيما بعد بــ «أحداث الزاوية الحمراء» ووضعها فى سياق فهم شعبى، حين ذكر بالنص أن الحادثة: «لا هى طائفية ولاحاجة أبدا.. ناس عايشين فى حتة واحدة.. وفى مرة اتخانقوا واتصالحوا».
وذكر أن التحريض الدينى من المتشددين هو السبب وراء تصاعد هذه الحادثة، وهو ما استغله معتادو الإجرام فى النهب وممارسة العنف. لم يكتف فى خطابه بذلك بل أضاف أن مثل تلك الحوادث تجرى «كل يوم داخل العائلة الواحدة وداخل البيت الواحد وداخل القرية الواحدة».
وكأن هذا الحادث جزء من ثقافة الشجار التى تنشب بين الجيران وما يصاحبها من تحالفات.. قد تبدو هذه الفقرات للوهلة الأولى بسيطة وساذجة، إلا أنها لم تبتعد كثيرا عن الواقع السائد فى تلك الفترة حين بدأ نمو المناطق العشوائية المتحولة من الطابع الريفى إلى الطابع الحضرى، وكانت منطقة الزاوية الحمراء إحدى هذه المناطق.. فى تزامن مع الترويج لمفاهيم استخدمتها القيادة السياسية مثل العيب، وتشبيه الرئيس بعمدة القرية!
فى كتابه «سياسات الأديان» (دار ميريت، 2003) يتجاوز نبيل عبدالفتاح ــ الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ــ هذه الحقبة وما بعدها فى الثمانينيات والتسعينيات لارتباط أكثر حوادثها بالجماعات الإسلامية المتطرفة، حتى وصل إلى أحداث الكشح فى عامى 1999 و2000 بمحافظة سوهاج، حيث ما اعتبره نقطة مفصلية فى الحوادث الطائفية بالعودة إلى العنف الجماهيرى ذى الروح الطائفية. ولم يستبعد المؤلف عنصر الثقافة الشعبية كأحد أسباب ذلك التحول، فذكر أنه «قد شاع نمط من التدين الشعبى ركز على الطقوس والشكليات بعيدا عن الدين، وغابت فيه صورة الطرف الآخر». وهو ما استمر فى عدد من الحوادث التالية للكشح سيطرت عليها الروح العائلية وأديرت بشكل عشائرى.
المفارقة أنه بعد حادث الكشح بعامين شهدت المحافظة نفسها حادث قتل جماعى (ثأر) داخل قبيلة واحدة جميع أفرادها من المسلمين، تلك الجريمة لم تختلف بشاعتها عن الحوادث الطائفية الكبرى، وهو ما يدفع إلى تساؤل حول كون ثقافة الثأر والعشائرية أحد روافد تكرار تلك الحوادث الطائفية!؟.
يعارض هذا الرأى الدكتور عبدالرءوف الضبع ــ أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة سوهاج ــ ويرفض تحديدا أن تكون الطائفية الدينية قد حلت محل القبيلة بما يتبع ذلك من ظهور الثأر أثناء النزاع والخضوع للعرف بدلا من القانون، ويوضح: «المشكلة أبعد من هذا نظرا لغياب مفهوم الوطنية، فقديما كانت هناك نماذج وطنية فى الصعيد مثل مكرم عبيد وويصا واصف وغيرهما، وكان القائد يستمد شرعيته من الشرعية الوطنية، وليس من مداعبة الحس الدينى وسط تراجع الفكر المستنير».
فى جريمة نجع حمادى التى جرت فى بداية هذا العام عشية عيد الميلاد المجيد وأطلق فيها النار على كنيسة المدينة، تبنت عناوين الصحف رأيا مفاده أن الجريمة حادث (ثأر) مبنى على فكرة الانتقام للشرف، حيث راجت قبل الحادث قصة اغتصاب فتاة مسلمة على يد مسيحى، لكن الدكتور عبدالرءوف الضبع يعود مرة أخرى لينفى العلاقة المباشرة بين الشكل الطائفى والخلفية المرتبطة بالثأر للشرف حسبما أشيع، بل هناك أبعاد أخرى يذكرها: «هذه النوعية من الجرائم تنمو مع سوء الحالة الاقتصادية، ويكون السعى لفرض السيطرة على فئة من المجتمع هو تمهيد لنيل مكاسب اقتصادية أيا كانت الطرق، سواء بالابتزاز أو النهب أو غيرهما»، يدعم وجهة نظره أن حوادث أخرى طائفية من نفس الشكل جرت فى مدن مثل الإسكندرية بعيدة عن الفكر العشائرى القبلى وعن الثأر.
كانت مدينة الإسكندرية قد شهدت حوادث صادمة فى الأعوام 2005 فى حى محرم بك على خلفية بث مسرحية اعتبرها البعض مسيئة للإسلام، ووقعت حوادث أخرى فى عام 2006 سجل تفاصيلها أحد المدونين فى مدونته «جار القمر»، وذكر تفاصيل عن المشاركين فى تلك الأحداث الذين لم تحركهم الحماسة الدينية بقدر ما حركتهم النزعة الفوضوية ومحاولات فرض السيطرة والتخريب.

ابحث عن المرأة
من ضمن العناصر المتكررة فى الحوادث الطائفية مؤخرا هو استخدام المرأة كمبرر لتصعيد نزاع طائفى. كانت أشهر الاحتقانات قد بدأت عام 2004 مع انتشار نبأ اختفاء زوجة قس وتحولها إلى الإسلام، ثم توالت الحوادث التى يرتبط بطلاها بعلاقة آثمة أو زواج مع تحول دينى، مثل حادث قتل مسلم وإصابة زوجته المتحولة إلى الإسلام وابنها على يد أخيها بدافع الانتقام وذلك قبل عامين فى حى الأميرية الشعبى بالقاهرة. ولم تختف أخبار القلق الطائفى عند غياب فتاة وإشاعة أخبار عن هروبها أو تحولها إلى ديانة أخرى، وهو ما يتبعه الطمأنة الأمنية والمتابعة الصحفية حتى تنتهى بسلام.
الدكتورة سامية خضر ــ أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس ــ ترى استخدام المرأة بهذا الشكل الطائفى كجزء من سياق وثقافة عامة تروج للتدنى على جميع المستويات، وتقول: «فى مجال الإعلام هناك حالة من التدنى ترسخ المفاهيم المتخلفة فى المجتمع، منها وضع الريفيين والمرأة فى المجتمع، فبعد أن كنا نرى أعمالا تنويرية مثل أفلام دعاء الكروان والزوجة الثانية، أصبحت المرأة مهمشة فى ثقافتنا، خاصة فى الريف رغم المجهودات التى تسعى لرفع مكانتها، وهنا نسأل أين دور الدولة من الظواهر الجديدة على المجتمع؟ لماذا يتم التعامل معها متأخرا مثلما حدث مع ظاهرة النقاب وما صاحب ذلك من قرارات؟» .
تشير دراسة أعدتها الدكتورة نسمة البطريق ــ أستاذة كلية الإعلام بجامعة القاهرة ــ إلى جزئية التأثير الإعلامى السلبى من خلال الفضائيات الدينية الخاصة على الرأى العام، وكذلك دور الخطب الدينية ووصول أئمة غير مؤهلين إلى مجال الدعوة فى تنمية مناخ التعصب.
هذه الإشارات حول إسهام قادة الفكر الدينى فى الحوادث الطائفية ليست جديدة ففى عام 1972 صدر قرار كان الأول من نوعه بعد وقوع أحداث طائفية فى منطقة الخانكة على أطراف القاهرة بتشكيل لجنة تقصى الحقائق التى عرفت باسم رئيسها الدكتور جمال العطيفى، وأشارت اللجنة إلى نمو دور الجمعيات والمؤسسات الدينية فى هذه المنطقة بالشكل الذى زاد من الحدة الدينية هناك. ورغم المفارقة فى أن توصيات هذه اللجنة ما زالت متكررة حول إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة وتفعيل دور الدولة فى هذا الشأن، إلا أن الأبعاد الثقافية فى مثل تلك الحوادث ما زالت بعيدة عن النقاش.
يرى أحمد سميح ــ مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف المهتم بالملف الطائفى فى مصر ــ أن الثقافة الشعبية قد أصبحت إحدى أدوات التبرير لمثل هذه الحوادث، ويوضح: «يستعين الجناة ببعض المفردات التى تحظى بقبول شعبى مثل الدفاع عن الشرف أو حتى الثأر لمجرد تبرير تصرفاتهم، والكارثة أن يكرر البعض مثل هذه التبريرات، وهنا نتساءل عن دور الدولة فيما يتردد دائما عن تجديد الخطاب الدينى وتطوير الدعاة، رغم ما نلمسه من زيادة الشحن الطائفى داخل المساجد».
يكاد يجمع كل من الدكتور عبدالرءوف الضبع ــ أستاذ الاجتماع بجامعة سوهاج ــ والدكتورة سامية خضر بجامعة عين شمس على أن كل شىء فى هذا الملف لابد أن يعود إلى الدولة وأن تعمل على إعادة تشكيل الثقافة بشكل أرقى.
لكن بعيدا عن كل هذا فهناك من اختار حلا وقائيا لمثل تلك المشكلات بإعلاء قيمة التعاون التى تحمى مصالح جميع الأطراف وتدمجهم فى المستقبل. أحد هذه النماذج الحية تألقت الأسبوع الماضى داخل جمعية الصعيد للتنمية والتربية، حيث أقيم المعرض السنوى للوحات ومنسوجات وأعمال خشبية تعلوها أسماء من الديانتين لأصحاب المنتجات اليدوية من مركزى أخميم وحجازة بالصعيد.
يراهن المهندس نادر حسنى ــ مدير قطاع التنمية فى الجمعية ــ على أن مثل هذا العمل التنموى هو الذى يعدل ثقافة الإنسان، لأن الهدف أهم، ويقول: «فى الماضى كان اسم الجمعية هو الصعيد المسيحية، وخضعنا لإجراءات تسجيل الجمعيات حسب لوائح الدولة بإزالة الهوية الدينية، لكن بقى الهدف واحد وهو إقامة مشروعات تنموية لا تفرق بين الأديان».
داخل ورش إنتاج السجاد اليدوى فى أخميم التى بدأت نشاطها قبل عقود، من الصعب تمييز العاملين على أساس الدين، ففى المصنع الصغير غرفة مقسمة إلى قسمين للصلاة، يرتادها المسلم والمسيحي.
يشرح المهندس نادر بحماس أن الإنتاج والعمل هو ما يصنع الوحدة، وهو ما تحاول الجمعية تنشيطه داخل مدارسها أيضا، عن طريق المناهج المتطورة للطلبة، يقول: «فى فترة الثمانينيات بمدينة أبى قرقاص فى المنيا أثناء هجمات الجماعات الإسلامية على ممتلكات المسيحيين حاول بعضهم الهجوم على مدرسة تابعة للجمعية رغم أن نصف طلبتها من المسلمين، المفاجأة أن من تصدى لهم كان أولياء الأمور المسلمين، لأننا حين نتورط فى عمل واحد، وتتشابك مصالحنا ومصائرنا تتبدل ثقافتنا تدريجيا نحو الأفضل».

Sunday, March 21, 2010

مثلث كنتاكي

خلطة سرية من البشر
كتب – عبد الرحمن مصطفى
بإمكان أحمد شاكر أن يرى عالما مصغرا في تلك المساحة المثلثة جوار ميدان التحرير بين نهاية شارعي طلعت حرب و التحرير، فأثناء جلوسه جوار كابل الكهرباء العملاق يتابع تنوعا غريبا من البشر، الصاعدون درجات سلم مترو الأنفاق يسلمون مهمة النزول لغيرهم، والجلابيب الريفية تتجاور مع الجينز الضيق، بينما يطل آكلو الفول بأعين فضولية على الجالسين داخل مطعم كنتاكي، السائحون والصعاليك متساوون في هذه المساحة الديمقراطية.. الجميع وقوف في انتظار شيء ما.. بالنسبة لأحمد فالأمر بسيط، لخصه في جملة: "متابعة البشر هنا تحرق الوقت".. وهو ما يسعى إليه أثناء انتظار بقية زملائه في كورس اللغة الانجليزية منخفض التكلفة الذي لا يبعد عن هذه المساحة سوى أمتار قليلة .
"هل سمعت عن مقهى إيزافيتش ؟" هذا السؤال وجب تكراره عدة مرات على أسماع أحمد وزملائه حتى يستوعبها أحدهم، ولم يعرف إجابته أحد، اليوم.. يكاد يكون مقهى إيزافيتش أحد مفردات الحنين لدى شريحة من المثقفين المفتونين بهذا المقهى حيث اجتمع الشعراء والأدباء تحت لافتة خواجة أجنبي ذو أصل يوغسلافي وميول يسارية، في نفس المقهى قيل أن الشاعر الراحل "أمل دنقل" قد ألقى أشعاره في العام 1971 على الطلبة المعتصمين في ميدان التحرير احتجاجا على سياسات الرئيس السادات.. "مين أمل دنقل؟" لم يكن لدى أحمد وأصدقائه فكرة عن هذه الذكريات البائدة، فالواقع أشد وضوحا أمامهم في هذا المثلث الأقرب إلى لوحة عجيبة تجمع الشواذ جنسيا والصم والبكم والسائحين وأولاد الشوارع وأولاد الذوات في مكان واحد دون سبب واضح سوى أنه ميدان التحرير أشهر ميادين القاهرة.
البناية التي تمثل أحد أضلاع هذا المثلث يحرسها بواب شاب ذي أصول جنوبية، استهجن اسم "إيزافيتش" ولم يعرف هو الآخر سوى الواقع الحالي، أما على أطراف البناية فهناك فئة مميزة من مواطني مثلث كنتاكي، هم مجموعة من الصم والبكم يديرون أحاديثهم الحماسية بلغة الإشارة في ركن خاص، صاحب الكشك المجاور داخل أحد ممرات العمارة لم يجد إجابة واضحة على سبب تواجدهم الدائم في هذا المكان، توجه إليهم ونقل إليهم مجموعة من الأسئلة بلغة الإشارة بدت ركيكة بالنسبة إليهم : "هل هناك مقهى قريب يجمعهم؟"، "هل هناك مركز أو جمعية هي السبب في تواجدهم في نفس المكان يوميا؟"، أجاب أحدهم وكان ذو قدرة على النطق البسيط، أنه لا يوجد سبب لتجمعهم سوى شهرة المكان واتساعه، واضاف بثقة: "هذا التجمع عفوي وغير مقصود، نتعرف فيه على أصدقاء جدد ونتحدث بصورة شبه يومية.. هذا كل شيء".
على بعد أمتار من دائرة الصم والبكم في نهاية مثلث كنتاكي، يقع مقهى وادي النيل، جار إيزافيتش القديم.. أمام المقهى يطل الحاج حسن عثمان - مدير المقهي - على عالم جديد لم يكن موجودا حين بدأ هذا المقهى عمله قبل أكثر من نصف قرن، يقول : "بإمكاني الآن أن أشير إلى كل شركة سياحة وإلى كل مطعم هنا في هذا المثلث وأخبرك بأصله وماذا كان وكيف أصبح !". هذه شركة للسياحة كانت محلا للأحذية، وأخرى كانت محل بقالة، أما كنتاكي فكان مطعما يملكه إيزافيتش بينما تحول مقهاه القديم حاليا إلى شركة سياحة، وأشار الحاج حسن إلى أبعد من هذا ناحية الجامعة الأمريكية حيث محلات الوجبات السريعة التي كانت محلات أسترا وعلى بابا الشهيرة.. كل شيء تغير منذ نهاية السبعينات بعد عصر الانفتاح، ومع دخول الثمانينات حدث تحول جذري انتعشت فيه شركات السياحة التي احتلت الميدان، وبعدها انتعشت مطاعم الوجبات السريعة، وتغيرت المعالم.
أمام كل شركة سياحة شاب ينادي على عروض شركته، يكاد يخطف المارة على أمل الحصول على مكافأة من الشركة، أما داخل مقهى وادي النيل فيكاد يكون المكان محافظا على تقاليد المقهى القديمة، المشروبات الروحية ممنوعة، و المشروبات الغازية ليس لها مكان.. ترك الحاج حسن المهمة للمقاهي والمطاعم المجاورة، وأمام جاره كنتاكي يجلس أبناء الشوارع في تقليد شبه رسمي يطلون عبر الزجاج على صدور الدجاج المتبلة وصدور الفتيات الجالسات بصحبة أصدقائهن بالداخل، يمسكون بأيدي المارة طلبا للطعام.. هكذا يحصلون على قوت يومهم.
يقول الحاج حسن: "كل شيء تغير حتى الزبائن.. المجتمع كله تغير"، ما زال يذكر زيارة نجيب محفوظ إلى مقهاه، وغيره من المثقفين، لكنه يقر أن أهم زبائنه منذ أن أنشئ المقهى هم السياح المتجولين بين المتحف وفنادقهم في وسط المدينة، يجلسون أمام الشيشة، ويطالعون قائمة المشروبات المكتوبة بالعربية والانجليزية على أمل تسهيل مهمة عمال المقهى، في الخارج ضيوف ثقال على مثلث كنتاكي، البعض يتعرض لهم بالعنف اللفظي والزجر على أمل رحيلهم، هم الشواذ جنسيا، في كتابه "بلد الولاد" الذي يتعرض لعالمهم، يشير المؤلف مصطفى فتحي من طرف بعيد إلى تجمعهم في مثلث كنتاكي، وبعيدا عن كتاب بلد الولاد، فهذه الفئة من سكان المثلث لا تهجر مكانها إلا حسب مزاجها، يتعرضون لمضايقات أثناء وقوفهم، وهو ما لم يخفيه أحمد شاكر وأصدقائه زوار ميدان التحرير، إذ أنهم لا يمانعون أبدا في إلقاء التعليقات الخفيفة على أبناء هذه الفئة، لكن الحاج حسن لم يخف ضيقه من وجودهم كواحد من أصحاب المحال التجارية هناك، واعتبرها إساءة للمكان، ويعلق : "في الماضي كان من يمر بميدان التحرير يعدل ملابسه تماشيا مع أناقة المكان وفخامته، أما اليوم فأصبح يجمع من هب ودب"، يتوقف قليلا ثم يكمل : " كانت هناك فئة تسمى الخرتية من النصابين يصطادون السائحين ويضللوهم، لكن انتهى وجودهم من الميدان بسبب نشاط الشرطة ضدهم، أما الشواذ فما زالوا يمرحون هنا".

Monday, March 15, 2010

صابر عرب: المحجوب لا يمثل نصف في المائة لأغراض الأمن القومي



حارس الوثائق المصرية ينفي حجبها عن الباحثين
صابر عرب: المحجوب لا يمثل نصف في المائة لأغراض الأمن القومي

تحوي دار الوثائق القومية ملايين الوثائق التاريخية التي تفيد الباحثين في مجالات البحث المختلفة وهو ما حدد قواعد للتعامل مع هذه المؤسسة العريقة، إلا أن هذا لم يمنع شكوى بعض الباحثين من أن دار الوثائق تحولت إلى دار احتجاز للوثائق نظرا لصعوبة إجراءات التعامل. الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية يرد على هذه التساؤلات.
حوار : عبدالرحمن مصطفى

ـ هناك مشكلة يتعرض لها بعض الطلبة في مرحلة ما قبل التسجيل رسالة الماجستير وأثناء الدراسة الجامعية، حين يجد الطالب نفسه على غير دراية بمحتويات الدار أو شكل الوثيقة، بل يمنع من دخول قاعة الوثائق تماما؟
الوثائق والمخطوطات المودعة في دار الوثائق مقصورة على من هم فوق المرحلة الجامعية، سواء من الباحثين الأكاديميين أو من العاملين في الصحافة و العاملين في مجال البحث الحر، وهذا لأسباب كثيرة أهمها الحرص على الوثيقة من التداول المتكرر الذي قد يعرضها للتلف. أما بالنسبة للطلبة الذين لم يسجلوا موضوعا للبحث فيتاح لهم الاطلاع على الوثائق التي سيحتاجوها بمجرد تحديد موضوع البحث. وتصدر في 15 يوما وهي مدة بسيطة مقارنة بالفترة التي يقضيها الباحث في فترة إنهاء بحثه.

ـ أليس من حق الطالب العادي التعرف على دار الوثائق ومحتوياتها؟
نحن نفترض أن الباحث الملائم للتعامل مع الوثائق الأصلية هو طالب الدراسات العاليا، كذلك فليس مطلوبا من الطلبة في المرحلة الجامعية الرجوع إلى الوثائق الأصلية.. فأقصى ما يطلب منهم هو الاطلاع على الدوريات والوثائق المنشورة في كتب. الهدف هو تنظيم التعامل مع الوثائق، لأننا إذا ما فتحنا قاعة الاطلاع على الوثائق التاريخية مثلما نفتح قاعة الاطلاع على الكتب، قد لا نضمن ما سيحدث للوثيقة القديمة.

ـ بعض الأساتذة الأكاديميين كانت لهم مشاكل أعلنوها صراحة في الصحف والمحافل العلمية من التضييق عليهم في الحصول على الوثائق.. ومنهم الدكتور مجدي جرجس أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة؟
ضربت مثالا بمجدي جرجس، والحقيقة أن كل بحوثة اعتمد فيها وثائق محفوظة بدار الوثائق القومية، كذلك من المهم أن أشير هنا إلى أنه في كل أرشيف من أرشيفات دول العالم، هناك بعض الوثائق غير المتاحة، وذلك لدواعي الحفاظ على الأمن القومي للدولة، وهذا لا تحدده لنا أي جهة أمنية، ولكن بإدراكنا الانساني والثقافي والوطني من أن هناك بعض الوثائق قد يساء استخدامها ضد المصالح الوطنية القومية.

ـ ما المعايير التي تحدد لنا خطورة الوثيقة أو أنه قد يساء استخدامها؟
لا توجد قواعد مانعة للوثائق بشكل مباشر، لكن هناك قواعد تستند إلى الخبرة و الحس الثقافي لدينا، فنحن من يحدد في دار الوثائق أن الملف الفلاني قد يشكل خطورة في عرضه الآن، و أنه يجب حجبه لخمسين سنة أو أكثر، ولعلمك ان هناك ملفات يتم حجبها لمدة مئة سنة في بعض الدول، و مسؤولي المؤسسة هم من يحددون الملفات التي قد تهدد الأمن القومي، وكلنا أكاديميون وباحثون واعون. كما أن الوثائق كلها متاحة، والمحجوب منها لا يتعدى نسبة نصف في المئة ويمكن الاستعاضة عنه بمصادر بديلة.

ـ لماذا يتم حجب هذه الوثائق؟ هل لتخوفات طائفية مثلا..؟
تاريخنا ليس فيه ما نخجل منه، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين المسلمين والمسيحيين، فالوثائق تشير إلى أن كلا الطرفين كان متساويا أمام القانون في فترة تاريخنا الحديث، وكذلك تشير إلى علاقات اجتماعية جيدة.

ـ إذن.. فما هو المحجوب؟
ليس هناك تحديد معين، على سبيل المثال الوثائق المتصلة بقضايا الحدود نتحفظ على إظهارها، ولا بد من خبراء يحددوا ذلك، وكما ذكرت انها لا تتعدى النصف في المئة، وأغلبها موضوعات سياسية ومرتبطة بالأمن القومي أكثر من أن تكون موضوعات بحث تاريخي.

ـ هناك اتهام موجه إلى موظفي الدار بالتعسف في التعامل مع بعض المترددين قاعة الوثائق واعاقة وصولهم إلى الوثيقة؟
قد يكون لدينا بعض المشاكل المتعلقة بالوظيفة وأداء بعض العاملين على خدمة الاطلاع على الوثائق، لكننا الآن في مرحلة تطوير العاملين وانا بنفسي أقول بتسهيل المهمة على المترددين والتواصل معهم لحل أي مشكلة قد تحدث، فالإساءة لأي باحث أعتبرها إساءة لشخصي.

ـ في داخل سيمنارات التاريخ العلمية تحديدا شكا بعض الأساتذة الأكاديميين من أن باحثي دار الوثائق القومية لهم الأفضلية في الوصول إلى الوثائق والاطلاع عليها عن بقية الباحثين؟
كل باحث لديه تصريح يحق له الاطلاع، وليس من حق الباحث الاطلاع على الوثائق البعيدة عن موضوع بحثه، لأنه ليس بباحث من يريد الاطلاع على الوثائق دون خطة بحثية محددة.

ـ لكن أحيانا يكون الباحث بصدد التحضير لمؤتمر أو مهمة بحثية محدودة المدة، وعلى فترات متكررة، أيجب عليه إصدار تصاريح في كل مرة؟
أود أن أقول في هذا الصدد أن هناك من الأساتذة من تنقطع صلتهم بالتعامل مع الوثائق والدار بأكملها بمجرد وصولهم إلى درجة الدكتوراه، وحتى في بحوث ترقيتهم لا يستخدمون الوثائق الأصلية ويعتمدون على الدوريات، ورغم هذا يذكر بعضهم دعاية سيئة عن الدار رغم ابتعاده عنها.. في مرة سمعت تعليقا في أحد المناسبات العلمية ينتقد الدار رغم أني أعلم جيدا أنه لم يزر دار الوثائق منذ أكثر من عشر سنوات، بعض هذه المشاكل تكون مفتعلة.

ـ مشروع رقمنة الوثائق واتاحة نماذج منها على الانترنت، هل الهدف منه إتاحة الوثائق للباحثين عبر وسيط آخر؟
الحقيقة أنه لا توجد دولة في العالم تتيح أرشيفها بشكل كامل على الانترنت، وليس الهدف من هذا المشروع هو إتاحة الوثائق ولكن، التعريف بمحتوى الدار وما داخل ملفاتها من وثائق، مع نماذج معروضة لمجرد التعريف، وفي شهر إبريل سيكون المشروع قد انتهى بالفعل.

ـ هناك مشكلة تتعرض لها دار الوثائق نفسها تؤثر بشكل مباشر على إتاحة المعرفة للباحثين، وهي عن عدم إمداد الدار بالوثائق من الجهات المختلفة.. ما سبب ذلك؟
دار الوثائق هي وريثة دار الوثائق العمومية، والأوقاف، والعدل ووزارة الحربية التي تحولت فيما بعد إلى وزارة الدفاع، ومن هذه الجهات وغيرها تكون الأرشيف الأول، وحين تأسست دار الوثائق القومية عام 54 خضعت لقانون الوثائق لسنة 54 وهو غير ملزم لأي جهة بتقديم وثائقها إلى دار الوثائق، وقد أنهينا مشروع قانون جديد نأمل أن يتم تمريره بخصوص الوثائق بحيث يتم إلزام الجهات بإرسال وثائقها إلى الدار بدلا من ان تكون خاضعة لمزاجية الموظفين، خاصة مع النظرة السلبية لفكرة الأرشيف الموجودة في ثقافتنا.

ـ على أي أساس يتم إختيار الوثائق التي يتم توريدها للدار؟
هذه الوثائق قد لا تمثل أكثر من 8% من القوائم التي ترسلها الوزارات والمؤسسات للتخلص منها، ويحدد خبراؤنا ما يمكن أن تحتفظ به هذه الجهات لأغراضها الإدارية و تحديد ما تحتاجه الدار، وهناك لجنة موجودة بالفعل تتعامل مع وزارات العدل والخارجية وباقي الوزارات التي تمدنا بالوثائق.. لكن هناك مشاكل أغفلها الكثيرون.

ـ مثل ماذا؟
دار المحفوظات بالقلعة هي الوارث الحقيقي للدفترخانة، وتحوي وثائق تستخدم في أغراض معرفة الأطيان، وأسماء العائلات، لكن بعض هذه الوثائق وقد تقدر بنسبة 10% من المهم أن تنتقل إلى الدار كي تفيد الباحثين في الجوانب السياسية والتاريخية المختلفة.



ـ ألا ترى أن غياب وثائق مثل وثائق الحروب قد أضعف قدرة الباحثين في إعادة كتابة التاريخ في مصر وهو التيار الذي بدأ في عديد من الدول؟
التاريخ لا يكتب مرة واحدة، بل يكتب عدة مرات وفقا لكفاءة الباحث والمصادر المتاحة. من المؤكد أنه من الصعب أن تكتب عن حرب مثل حرب 56 في ظل غياب الوثائق المصرية مما يجعل الكتابات أقرب للانطباعية، وكذلك يتم الاعتماد على الوثائق الأجنبية، وأنا أدعو إلى الإفراج عن هذه الوثائق وأنها خدمة قومية وليست خدمة للبحث فقط .

Thursday, March 11, 2010

كرباج في اليد


تصوير ــ مجدى إبراهيم
فى بدايات القرن الماضى كتب اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى فى كتابه (مصر الحديثة) هذه العبارة: «ومن ثمار الوجود البريطانى أن تم إيقاف استخدام الكرباج والتعذيب فى مصر»، تلك الحجة كانت ضمن حجج أخرى حاول بها تجميل صورة الاحتلال البريطانى لمصر، وكان اختياره ذكيا لأنه اختار ممارسة كانت ذات حضور فى حياة المصريين، إذ تمارس العقوبة البدنية بما يصاحبها من تشهير.
اليوم وبعد أكثر من مائة عام على ادعاءات السيد كرومر، لم تختف أخبار الضرب والعقاب البدنى من الصحف اليومية وشاشات الفضائيات، وعلى أرض الواقع يصعب الوقوف ضد مجموعة اختارت العقوبة البدنية السريعة ضد لص مشتبه به أو شاب تحرش بفتاة، أو حتى فى اختيار مدرس لهذا العقاب ضد تلميذ.. ورغم أن هذه المواقف قد تنته فى الغالب دون خسائر كبيرة ولا يلتفت إليها أحد، لكنها أحيانا ما تسفر عن تحويل حياة الآخرين إلى مأساة.
فى أحد فصول مدرسة الطبرى الابتدائية بالقاهرة حيث قد لا تختلف كثيرا العلاقة بين الطالب والأستاذ عن بقية المدارس، أثيرت قضية الطالب ــ سيف الدين أحمد ــ الذى لم يكن مستعدا لتلقى ضربات أستاذ الرياضيات حسبما صرحت والدته نظرا لسوء حالته الصحية، لم تحتمل الأم الأستاذة بالمدرسة نفسها أن يضرب ابنها وحررت محضرا ضد المدرس، لكن الأمر اتخذ طريقا آخر.. القضية جذبت اهتمام وزير التعليم شخصيا الذى ظهر بصورة مباشرة على الفضائيات ليعلن بنفسه أن شكوى الأستاذة سمية عبدالرحمن ــ ولية أمر الطالب سيف ــ هى شكوى كيدية وتفاصيلها غير حقيقية.
تقول سمية والدة الطالب سيف: «مشكلتى أننى مدرسة فى المدرسة نفسها، لذا لم يقبل الأساتذة أن أحرر محضرا لزميل، حتى إن كان ابنى مريضا ولا يحتمل الضرب، ولذلك حرروا ضدى محضرا اتهمتنى فيه إدارة المدرسة بالتزوير، وأننى لست مدرسة لديهم وتم إيقاف راتبى، وحتى الآن لا أعرف ما هو مصيرى أو مصير ابنى بعد هذه الأزمة». تخشى سمية أن يتعرض ابنها للاضطهاد فى المدرسة بعد عودته، خاصة أن هناك حالة من النفور واجهتها حين حررت محضرا فى الشرطة، إذ ظن البعض أنه من المفترض أن تكون أكثر تفهما لزملائها وألا تتعامل كولية أمر تقليدية فى مسألة الضرب.
الكرباج الذى لوح به كرومر فى ذكر فضائل الاحتلال فيما يبدو لم يختف تماما، فخلال الأسبوع نفسه حرر ولى أمر آخر محضرا بقسم الشرطة لمدرس لغة عربية بمدرسة النوبارية الثانوية الصناعية، قام بإذلال نجله وسط المدرسة بأن وضع المدرس قدمه على رأسه بعد جلده بحجة تأخره عن حضور الطابور.. وبعيدا عما يصل إلى الصحف تخفى المدارس داخلها تفاصيل أخرى لا تصل إلى أقسام الشرطة مثل مشاركة عمال المدرسة وحراسها أحيانا فى معاقبة الطلبة المشاغبين.
منى عبدالواحد (تم تغيير الاسم بناء على طلبها) مدرسة اللغة الانجليزية بإحدى مدارس شبين الكوم فى محافظة المنوفية، هى أيضا أم أرملة قد لا تختلف ظروفها كثيرا عن سمية والدة الطالب سيف، لكنها تتفهم فكرة استخدام العقوبة البدنية، وتقول: «نحن فى مدينة متصلة بالريف، أعمار الطلبة فى بعض الفصول المتأخرة دراسيا أحيانا ما تكون كبيرة، وهؤلاء الطلبة يتعرضون للضرب فى الشارع والمنزل والعمل.. بعضهم يكمل فى المدرسة الإعدادية ليصبح فى وضع أفضل أثناء الخدمة العسكرية، كيف نتعامل مع طلبة بهذا الشكل؟» تعتبر منى أن العصا هى سلاحها فى مواجهة طلبة لا يهتمون بالانجليزية التى تدرسها، حتى إن لم تستخدم هذا السلاح على أجسادهم، فهو إشارة لما يمكن أن يحدث لهم.. تتساءل: «علينا أن نطرح سؤالا لماذا يأتى الأهالى بالمدرسين الخصوصيين الذين يتعمدون ضرب أبنائهم؟ هذه ملحوظة حقيقية ألاحظها، بل وحين يزهد المدرس الخصوصى فى طالب كسول، يستخدم الأهل العنف ضد ابنهم كى يلتزم».
لم تبتعد منى عن الواقع الذى قفز إلى ساحة الانترنت على موقع يوتيوب لتحميل لقطات الفيديو، حيث لقطة بعنوان: «Private English Tutoring in Egypt» أو درس إنجليزى خصوصى فى مصر سجله أحد الطلبة من حصة درس خصوصى، يظهر فيه طالب يتعرض لعدد من الصفعات وسط ابتسامات من حوله ودون أن يبدى أى امتعاض، من رفع اللقطة على الموقع لم يجد إلا كلمة «مسخرة» كى يكتبها فى خانة التوصيف.
أما منى ففى خارج قاعات الدرس لا تخفى أنها قد تلجأ أحيانا إلى استخدام الضرب مع ابنها وهو ما يدفعه إلى التهديد بأنه سيشتكيها فى قسم الشرطة، تعلق: «اللجوء للضرب ليس الحل، لكن فى ظل الضغوط التى تحيط بالإنسان يصبح هو الحل، وحين يستخدم ابنى تهديده بأنه سيشتكينى ويبحث عن ولى أمر آخر أخبره أنه لن يقف معه أحد، لأن ما أفعله هو من حق ولى الأمر والجميع يقبله». فى هذا السياق تشير دراسة للدكتور عدلى السمرى ــ أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ــ أن 96% من الآباء الذين يضربون أبناءهم تعرضوا للضرب وهم صغار، وهو ما يعطى قبولا لهذه الممارسة.

ليس عرفا!
الاستعانة بالضرب كوسيلة للضبط الاجتماعى ليست فقط داخل المدرسة بل تحيط بأسوار المدرسة إلى الخارج. أحمد ــ الطالب بالمرحلة الثانوية ــ لا يخفى لغة الفخر وهو يتحدث عن مدرس التربية الرياضية بمدرسته. رغم أنه لم يسلم من ضربه فى سياق المزاح، لكنه يحكى أن معلمه أحيانا ما لجأ إلى الضرب والتهديد خارج المدرسة فى مواجهة بعض المتسربين أو أبناء الحى المجاور.
ويروى: «أبناء الحى يعتدون على الطلبة بعد انتهاء الدراسة ويسرقون أموالهم فى الشوارع الخلفية التى لا تصل إليها عربات الشرطة الموجودة فى الجوار، فيتصدى لهم المدرس بمعاونتنا ونلقنهم درسا». هذه السلطة التى يمارسها مدرس التربية الرياضية تجرى على مسئوليته الشخصية، فبعض الجهات الموكل إليها مهمة الضبط والتصدى لهذا النوع من المواجهات لا تكتفى أحيانا بمواجهات تقليدية، بل تعيد أمجاد كرباج كرومر المفقود، ففى الأسبوع الماضى نقلت الصحف أن ضرب «حرامى جزم» على أيدى أربع أفراد أمن فى موقف الترجمان بالقاهرة قد أدى إلى وفاته.
الدكتور سمير نعيم ــ أستاذ علم الاجتماع القانونى والجنائى بجامعة عين شمس ــ يرى أن تسليط الأضواء على مثل هذه الحوادث إعلاميا هو ما يجعلنا نفترض أن هناك اتجاها لقبول الضرب كوسيلة من وسائل الضبط الاجتماعى أو العقوبة، فى حين أن الناس ترفض هذه الممارسة، وهو يوضح: «سواء الضرب فى المدارس أو المخالفات داخل أقسام الشرطة كل هذا هو إساءة استخدام للسلطة، وليس هناك قبول اجتماعى لها بقدر ما هو خوف يجعل الناس تصمت من تبعات رد الفعل، ورغم هذا فهناك من يتخذ إجراءاته القانونية ضد هذه المخالفات مما يمثل علامة ودليلا على عدم قبول الناس لهذا المسلك، فهو ليس عرفا مقبولا».


فى مقال مرجعى عن استخدام السلطات المصرية للعقوبة البدنية يشير الدكتور خالد فهمى ــ أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة نيويورك ــ إلى تطورات تشريعية حدثت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر لاستبدال عقوبة الضرب بالحبس، وكانت تحديدا ضد استخدام الكرباج فى العقوبة، لكن هذه الممارسة لم تنه عقوبة الضرب تماما.
ورغم مزاعم حقبة الاحتلال البريطانى فى أنها قضت على استخدام الكرباج فإن الاحتلال نفسه استعان بها فى حادثة دنشواى، وظلت موجودة فى مرحلة تالية.. لكن قبل هذه الفترة كان هناك ميراث ثقيل من أشكال متنوعة من العقوبات البدنية أثناء عصور المماليك والعثمانيين وصلت إلى حد بقر البطن والسلخ والتمثيل بالجثث، إضافة إلى عقوبات مسيئة مثل الطواف بالشخص على حمار واستخدام الجرس للتشهير به فيما عرف بالتجريس.. وتسجل جدران المقابر المصرية القديمة كيف كان يلجأ موظفو الضرائب إلى ضرب الفلاح اللئيم الذى يخفى محصوله عن الدولة.
الدكتور سمير نعيم ــ أستاذ الاجتماع ــ لا يعتقد أن لهذا الميراث البائس دورا فى تبرير الضرب أو جعله سلوكا مقبولا فى المجتمع، ويؤكد أن فلسفة العقاب اختلفت فى العالم من العقوبات البدنية إلى الحبس، بل حتى داخل الأسرة فإن وسيلة الضبط ارتقت مع ارتفاع مستوى التعليم والوعى من الضرب كوسيلة لتأديب الأبناء وأحيانا الزوجة إلى الضبط المعنوى والتأثير النفسى على الطرف الآخر. ويضيف: «ما نراه أحيانا فى الشارع من قيام الناس بمعاقبة لص وضربه هو ضبط اجتماعى غير مشروع نتيجة إحباط الناس من اللجوء للطرق القانونية التقليدية التى قد لا تحقق آمالهم، وهنا علينا أن نفرق بين هذا الأمر وبين مخالفات يقوم بها معلمون أو رجال أمن فليس كل هذا فى سياق واحد، فلنكن متفائلين بأن المجتمعات تتقدم بعيدا عن استخدام الضرب، فلا نجعل أحدا يسحبنا إلى الوراء، ونتذرع بأن استخدام الضرب جزء من ثقافتنا».
وبين هذه المفارقة التى تستبعد أن يكون الضرب مقبولا فى ثقافة المصريين واستمرار وجوده على أرض الواقع كوسيلة للضبط الاجتماعى يعود كرباج كرومر إلى الصورة حائرا بين أيدى مخالفى القانون، حتى لو استبدلوه بصفعة رجل أمن مخالف أو عصا أستاذ متهور أو تمادى رجل شارع أراد أخذ حقه بعيدا عن القانون.

Monday, March 1, 2010

الدكتور أحمد زايد : الحرية البحثية خاضعة للصدفة والأهواء الشخصية




عميد أداب القاهرة السابق ينفى تدخل الدولة في الجامعة
الدكتور أحمد زايد : الحرية البحثية خاضعة للصدفة والأهواء الشخصية


من خلال خبرته الأكاديمية داخل كلية الأداب بجامعة القاهرة وتوليه منصب العمادة في فترة سابقة يبدو الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع قريبا من معوقات الحرية البحثية في الجامعة، أرجع تلك المعوقات إلى الرقابة الذاتية التي يمارسها الأكاديميون على أنفسهم إلى جانب تمسك المجتمع داخل وخارج الجامعة بتقاليد تعيق التطور، نافيا أن يكون الانتماء للحزب الوطني الحاكم أفضلية، أو أن تكون هناك تدخلات مباشرة من الدولة في الأداء الأكاديمي. وطرح حلولا أخرى للهروب من القيود الفكرية على الطلاب والأكاديميين.
حوار: عبدالرحمن مصطفى

• هناك سقف يضعه بعض الأكاديميين أمام أفكار الرسائل الجامعية في مرحلة ما قبل التسجيل، ما أسباب هذا النوع من الرقابة؟
- المفترض في الجامعة أن تعمل ضمن خطة بحثية، بحيث يتم التعامل مع الموضوعات في إطار هذه الخطة، وأن يتاح لكل أستاذ قبول الموضوعات المتفقة مع اتجاهاته البحثية وتراكم معرفته إلى جانب مع تفرضه حاجات المجتمع، وهذا ما يجب أن يعلمه الباحث قبل اختيار مشكلة بحثه ومناقشتها مع اساتذته، لكن المشكلة أن بعض الأساتذة ليس لديهم هذه الأجندة البحثية، مما يعطي للصورة أبعاد أخرى.

• ألا توجد بعض المحاذير التي يراعيها الأستاذ عند التعامل مع أفكار الباحثين الشباب؟
- ليس هناك مثل هذه المحاذير إلا في بعض الحالات الصارخة في موضوعات متعلقة بالجنس والدين على سبيل المثال.

• هل ما زالت التابوهات الشهيرة (الدين، الجنس، السياسة) هي ما يحكم الحركة البحثية في مصر..؟
- نعم .. ما زالت هذه التابوهات الشهيرة مؤثرة على الحركة البحثية، لكن على الجانب الآخر يجب أن نذكر أن الباحثين أنفسهم لا يقدمون على التعامل مع الموضوعات الحساسة بشكل جاد، على سبيل المثال: سجل أحد الباحثين معي موضوعا عن "العنف الجنسي"، لكنه للأسف لم يكمل بحثه، ومثل هذا المثال يطرح فكرة أن الجامعة لا تمارس قيودا في هذه المناطق الحساسة من الموضوعات البحثية.

• لكن احيانا ما يكون هناك قيودا على تناول الموضوعات السياسية، وهو ما يدفع المؤسسة الأكاديمية إلى إعادة صياغة البحوث؟!
- لنتحدث بمثال واضح عن هذه الحالة، حين قمت بإعداد رسالتي للماجستير، تناولت موضوعات حرجة ومثيرة في هذا الوقت عن الحركة الطلابية في فرنسا عام 68 وتناولت فكر اليسار الجديد، وتأثير ذلك على الحركات الاجتماعية في الغرب، ولم أتعرض للتضييق عليّ في أي مرحلة من مراحل البحث، لكن.. لأذكر لك ما يحدث أحيانا لدينا في الجامعة، وهو أن يراجع أحد الأكاديميين عنوان البحث، وقد يصل الأمر إلى تصنيف الباحث بسبب اتجاهاته أو اختياراته، وهذا في النهاية يعود إلى الاستاذ وليست سياسة من الجامعة.

• ماذا عن بعض الموضوعات الحرجة التي أهملت دراستها مثل الجماعات الاسلامية، والمشاكل الطائفية، ويتم تغييرها بعد النقاش مع الأكاديميين قبل إعداد الرسائل الجامعية؟
- بعض الأساتذة في مثل هذه الموضوعات يقلقون من ردود أفعال المجتمع تجاههم، ويمارسون بدورهم رقابة ذاتية على أنفسهم تمنعهم من مناقشة بعض الموضوعات، هذه الموضوعات يجب أن تدرس في إطار نظري رصين، ولنقل بصراحة ان بعض الباحثين لا يهدفون من دراسة هذه الموضوعات تقديم بحث جاد بقدر ما يهدفون إلى إدخال السياسة إلى البحث في موضوعات صحافية لا بحثية. دعني أقول وأؤكد أنه لا توجد رقابة في الجامعة، بل نحن من يخلق هذه الرقابة على أنفسنا.


• لكن هناك ردود أفعال من الادارة الأكاديمية تمارس إرهابا فكريا على الباحثين أحيانا؟
- سأحدثك عن موقف حدث مؤخرا في جامعة حلوان حين أرسل عميد إحدى الكليات بحثا إلى الأزهر لمراجعته، وكان بحثا لأحد الاساتذة يتناول النصوص الاسلامية، ولما رفضه الأزهر أثير جدلا حول هذه الحادثة، في واقع الأمر أن مثل هذا عميد الكلية لم يمثل الجامعة، بل استهجنت الادارة هذا التصرف، لأن مثل هذه البحوث عليها أن تناقش داخل الجامعة في إطار بحثي محترم.

• وماذا عن التصاريح الأمنية التي يحتاجها الباحثون في بحوثهم الميدانية.. ألا تحدد مثل هذه الاجراءات شكل البحوث الاجتماعية في مصر.؟
- حسب القانون فإن دخول أي جهة أجنبية في اعداد البحوث الميدانية يستلزم موافقة من الدولة، وهذه الجهة بالمناسبة هي وزارة الخارجية، ولا أعلم إن كانت تراجع جهات أمنية أخرى أم لا، وهذا النظام موجود في أنحاء العالم، بالذات في العينات البحثية الكبيرة، وبشكل عام فإن الجهة الأساسية التي علينا استصدار موافقة منها هي الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء وذلك في كل البحوث ذات العينات الكبيرة، وانا مع اتخاذ هذه الاجراءات خاصة في حالة وجود جهة أجنبية مشاركة في البحوث لأننا لا نعرف إن كانت هذه المعلومات ستخدم أغراض استخباراتية أم لا.

• هل هذه الاجراءات ترسم ملامح البحوث الاجتماعية؟
- في رسائل الماجستير والدكتوراة الجامعية لا نأخذ تصريحات أو إذن، لأننا نتعامل مع عينات بسيطة من داخل الجامعة، وباستخدام مناهج كيفية.. أن طلاب الرسائل الجامعية ليس باستطاعتهم العمل على عينات كبيرة لافتقادهم للتكاليف اللازمة، أما موافقات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء فلا تتعدى مدتها 15 يوما، كما أن هناك قانون يتم مناقشته الآن عن تداول حرية المعلومات وأتمنى أن يحقق طفرة في هذا المجال، لكن بشكل عام فالقانون لا يصنع الأجندة البحثية.

• إذا عدنا إلى بعض الموضوعات ذات الطابع السياسي مثل العنف داخل السجون وأقسام الشرطة، والعنف الطائفي.. نجدها غير مطروحة للبحث..!!؟
كل أساليب السلوك يجب ان تكون مطروحة للبحث، وهناك دراسات تمت في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية عن السجون، وتناولت جانب العنف داخل السجون، في هذا المجال لا أذكر بحثا تم منعه سوى بحث شهير لدراسة "السلوك الجنسي"، وهو بحث عالمي، حين حاول أحد الباحثين تطبيقه قبل ثلاثين عاما تقريبا، وأثيرت ضجة ضده، والمفارقة أن المركز القومي وافق عليه إلا أن الصحافة هي التي وقفت ضد إجرائه.

• إذن ما الاطار العام لصورة الحرية الفكرية للباحثين في الجامعة..؟
- في هذا الاطار نحن لا نتحدث عن شكل منتظم لقضية حرية الفكرية في الجامعات بقدر ما أنها تخضع للصدفة، بالامكان أن يقدم باحث جريء على موضوع ولا تقف ضده أي عوائق، وقد يكون حظه عاثرا في توقيت مختلف، فيواجه بمعارضة أكاديمية ضد فكرته، لأسباب شخصية حتى إن كانت نوايا الباحث طيبة بالفعل.

• ألهذا الحد تمثل الأهواء الشخصية قيودا على فكر الباحث الأكاديمي؟
- بالتأكيد.. وهذا حدث معي شخصيا، في مرة كتبت عن أن الخطاب الديني يصنع "كهنوت" يقف حاجزا بين العبد وربه بما يخالف قواعد الاسلام الاصيلة، وجاءت الصحافة لتستخدم عناوين ساخنة ضد ما قلته، كذلك يحدث الأمر داخل الجامعة.

• هذا الحديث يقودنا إلى فكرة أخرى عن عدم قبول المنهجيات الحديثة في البحوث الاجتماعية والحفاظ على الموروث البحثي القديم ضد التجديد!!؟
- هذه نقطة مهمة.. أحيانا ما يحارب الباحث بسبب استخدامه مصطلحات حديثة فيواجه بمعارضة من غير المتابعين للمناهج الحديثة، على سبيل المثال اقترحت على أحد الطلاب العرب موضوع عن "الخطاب الخلدوني" في دراسة أعمال عبدالرحمن بن خلدون، وكان مصطلح "الخطاب" قبل 20 عاما حديثا نسبيا، واعترض رئيس القسم على الخطة البحثية وتم تعديلها تماما، بل أنني في رسالة الدكتوراه الخاصة بي كتبت في عنوانها "التحالف والصراع بين جماعات الصفوة في الريف المصري"، واقترح أكاديميو قسم الاجتماع استخدام تعبير "تفاعل" بدلا من "صراع" للابتعاد عن شبهة الانتماء الماركسي.
بل أحيانا ما يكون استخدام مصطلحات جديدة هو مادة للتهكم والتندر من التقليديين وهو ما يمثل قيدا على الباحث، فتكون الرقابة مزدوجة من المجتمع الأكاديمي ومن المجتمع خارج الجامعة.

• ألا تتفق مع أن هذا التوجه قد انعكس على حالة الجامعة، وتوفير مصادر معرفة حديثة داخل مكتبات كلية الأداب أو مكتبة الجامعة والاكتفاء بالمصادر القديمة؟
- هناك بدائل الآن، ممثلة في استخدام قواعد البيانات التي اشتركت بها الجامعة التي توفر بحوثا حديثة للباحثين، لكن المفارقة أن هناك حالة من الكسل لدى الباحثين و لا يستفيدون من مصدر كهذا متاح بين أيديهم.

• جانب آخر أرغب في تناوله بصفتك عميد كلية الأداب السابق.. ألا تجد انه من الغريب أنه ما زالت تجرى تحريات أمنية على المعيدين قبل تعيينهم في الجامعة؟
- لم يرفض أحد حتى الآن من المعيدين بسبب هذا الاجراء، ونحن نفخر بأن اختيار المعيدين مازال يتم وفقا لمعايير أكاديمية حسب درجاتهم وليس هناك أي تأثير في التعيينات بسبب مستواهم الاجتماعي أو الطبقى على عكس جهات أخرى، حتى الحالات التي كان يتم تعطيلها بسبب هذا الاجراء تدخلت فيها شخصيا، والأمر يعود في النهاية لشخصية عميد الكلية.

• ألا تمثل مثل هذه الاجراءات محاولات مبكرة لتدجين الأكاديميين؟
- ربما.. هي مجرد محاولات ، وقد تنجح مع البعض.

• انت عضو في الحزب الوطني الحاكم، هل تمثل عضوية الحزب أي أفضلية للأكاديمي؟
- الحزب لا يتدخل في الجامعة بأي شكل، والطريف أن بعض المتقدمين لمسابقات تعيين المعيدين بالجامعة يصدرون انتماءهم في اوراق الالتحاق، وهو ما يقابل بتهكم من اللجنة التي تستقبل طلباتهم. فكل شيء يخضع لقوانين الجامعة.

• بعيدا عن الجامعة.. كان لك تجربة في عمل حلقة قراءة مع مجموعة من الطلاب والباحثين لها قواعدها الخاصة، هل هذا هروب من قاعات الدرس التي تفرض قيودها على الأكاديمي والطالب سويا؟
- تجربة "منتدى القراءة" هي أحسن مشروع قمت به في حياتي، فاسلوب التعلم في مصر يقوم على التلقين، وفي قاعة الدرس يمارس الأكاديمي سلطته على الطلاب من خلال امتلاكه للمعرفة، وقد يصل استغلال هذه السلطة إلى استغلال الطلبة في أغراض خاصة، هذا المنتدى شعاره "العارفون يمتنعون"، ففي جلسات القراءة تتحقق المساواة بين الطالب والأستاذ والجميع يتساوى امام النصوص الكلاسيكية، وهو ما لم يتحمله بالمناسبة بعض الأكاديميين حين فقدوا سلطاتهم على الحضور، مثلما يمارسوها في الجامعة.

• هل تجد حال طالب اليوم أفضل في حريته البحثية عن حالك حين كنت طالبا في الجامعة؟
- المجتمع لم يختلف كثيرا في قيوده التي يفرضها على الباحثين وكذلك الجامعات لم تختلف، لكن ميزة هذا الجيل أنه يتوافر لديه مصادر معرفة متعددة، عبر الانترنت، والمكتبات الحالية، على عكس ما كنا قديما نشترى الكتب من بواسطة القادمين من الخارج، مشكلة طالب اليوم أن كلية الأداب حين أنشئت كان الهدف منها تخريج طالب موسوعي، ملم بكافة فروع المعرفة الانسانية الأخرى، في التاريخ والجغرافيا والفلسفة، وربما هذا أحد أهداف "منتدى القراءة"، فما نحتاجه اليوم هو جامعة جديدة، وانسان أكاديمي جديد، خارج قيود التقاليد البالية، والقيود الأخرى مثل الشللية وغير ذلك من معوقات الفكر داخل الجامعة.