Monday, January 9, 2006

سودانيون.. إسلاميون.. أقباط

لم يبد الكثيرون في مصر اهتماما عندما تزايدت أعداد اللاجئين السودانيين تدريجيا منذ أشهر قرب مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في القاهرة, فقد كان الكل مشغولا بمتابعة الانتخابات البرلمانية وما حملته معها من مفاجآت, ورغم أن تجمهر اللاجئين وقتها على تلك الشاكلة كان مخالفا لقوانين الطوارئ التي تسير عليها البلاد والتي استند إليها الأمن في الكثير من إجراءاته ضد بعض التظاهرات, إلا أنه من الواضح أن الأمن لم يرد أن يثير مزيدا من الجدل حول ممارساته, خصوصا بعد النقد الذي قد تعرض له حول ممارساته أثناء الانتخابات البرلمانية المصرية .
موقف الأمن من الانتخابات البرلمانية الأخيرة أوجد له بعض العداءات مع أبناء المجتمع المدني وهيئاته وقوى المعارضة ممن انفعلوا مرة أخرى بعد عملية إجلاء اللاجئين السودانيين بتلك الطريقة السيئة, فمازالت الدعاوى تتصاعد من أجل معاقبة المسؤولين عن مقتل خمسة وعشرين لاجئا سودانيا وما أعقب ذلك من انتقادات دولية, غير أننا بعد كل هذا يتبقى لدينا تجربة سودانية مريرة أعطت بعض الدلالات على حالة المجتمع المصري وما هو مؤهل له في الفترة القادمة.
فقد برز في تجربة اللاجئين السودانيين ثلاثة ملامح واضحة, أولها وجود تاريخ مشترك وتجارب متشابهة بين هؤلاء اللاجئين مما قوى اتحادهم طوال فترة الاعتصام التي زادت عن ثلاثة الاشهر, أما ثاني تلك الملامح فهو وجود معاناة تجمع بينهم بسبب ما لاقوه في مصر من مشقة أثناء فترة إقامتهم أو حتى قبل مجيئهم إليها, أما الملمح الأخير فهو إحساسهم بالاغتراب نتيجة نظرتهم إلى مصر منذ البداية على أنها مجرد محطة يعبرون منها إلى دار الهجرة والمستقر في العالم الغربي, أما عن الخطر الذي قد يواجه المجتمع المصري في الفترة القادمة فهو عن ذلك التشابه بين ملامح تجربة أولئك اللاجئين مع ملامح تجارب أخرى لبعض العناصر الداخلية في المجتمع المصري, ونقصد هنا التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين, إلى جانب بعض العناصر المسيحية القبطية المتطرفة.
فإذا كنا قد تحدثنا عن ملمح التاريخ المشترك بين اللاجئين السودانيين في مصر.. فإن جماعة كجماعة الإخوان المسلمين نجد بين أعضائها تلك القناعة نفسها بوجود تاريخ مشترك بينهم, وهو الأمر الذي ترسَّخ عبر سنوات طوال فدفع بعض أفرادها أن يحفظوا سير مناضليهم وأفكار رموزهم عن ظهر قلب, أما على الجانب المسيحي فنجد بعض الكتابات التي تتحدث عن نضالات (الشعب القبطي) وكأنها تؤرخ خارج سياق التاريخ الإسلامي والحديث لمصر, فبعضها يصف الأقباط وكأنهم جماعة منفصلة بذاتها لها تاريخها المشترك والمتفرد, أما عن الملمح الثاني وهو عنصر المعاناة الذي لمسناه في التجربة السودانية, فنجده متوافرا في خطاب التيار الإسلامي وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين التي قد تعرضت للكثير من المشكلات أو الاضطهادات من قبل أجهزة الأمن طوال حقبة طويلة من الزمان.. و أيضا لدى بعض النشطاء الأقباط من يحاول أيضا إضفاء ملمح المعاناة على الجماعة القبطية بأسرها فيتحدث عن اضطهاد للمسيحيين وإجبار على الدخول في الإسلام.. !
أما الملمح الأخير فهو ملمح الاغتراب, فمثلما تناولنا أسبابه في التجربة السودانية السابقة فإننا نجده ملموسا أيضا في بعض أدبيات التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين وخصوصا عند استخدام البعض للنصوص الدينية التي تتحدث عن غربة الإسلام وأزمة المتدينين القابضين على دينهم كما يقبض على الجمر, إلى جانب ما تحمله تلك الأدبيات من إدانة للمجتمع والدولة, أما داخل الجماعة القبطية فهنالك بعض العوامل التي قد تدفع للشعور بالاغتراب سواء كان ذلك بسبب فوضى الدعاية الإسلامية, بسبب بعض التصرفات السياسية والمجتمعية الخاطئة, أو حتى بسبب انتشار فكرة الهجرة إلى خارج مصر وصعود دور الكنيسة في الوسط المسيحي .
تلك ثلاثة ملامح وجدناها مشتركة بين تجربة اللاجئين السودانيين وتجربتي التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين و تجربة بعض العناصر القبطية المتطرفة في مصر, وربما تكون التجربة السودانية هي الأعمق والأعنف.. وهو ما يدفعنا هنا إلى التساؤل عما سيكون عليه حال أصحاب التجربتين الإسلامية والمسيحية إذا ما اشتدت عليهم الظروف.. هل سيلجأ بعضهم أيضا إلى اتخاذ نفس تصرف اللاجئين السودانيين ..؟ وهل ستكون النهاية واحدة..؟
أظن أنه على الحكومة المصرية الجديدة ألا ترث سياسات من قبلها, وأن تعيد حساباتها من جديد فتتخذ المبادأة في حل المشكلات المجتمعية بدلا من أن تحولها إلى ملفات أمنية... فليس لكل مشكلات المجتمع حلول لدى السلطات الأمنية
ــــــــــــــــــ