Sunday, December 6, 2009

العبور فوق حاجز أنفلونزا الخنازير

فيروس تافه وتجربة صاخبة
عبد الرحمن مصطفى
مع كل خبر عن إصابة جديدة بإنفلونزا الخنازير يسترجع أحمد محمد ــ المدير المالى بإحدى شركات التسويق ــ كيف كانت حاله قبل أسابيع حين كان واحدا من هؤلاء الذين تعلن أسماؤهم فى الصحف ويتعامل معهم الإعلام باعتبارهم أرقاما جديدة ضمن حصيلة مصابى الإنفلونزا.. اليوم باستطاعته أن يرسم ابتسامة نصر كبيرة على وجهه بعد أن مرت زيارة إنفلونزا الخنازير الثقيلة على خير، فعاد إلى مراقبة أحوال أسرته وما يدور من جديد فى عالم كرة القدم الذى يتابعه بشغف، وحين تسأله عن التجربة التى مرت بها الأسرة للتعايش مع الإنفلونزا سيقلل من شأن هذا الفيروس على الرغم مما لاقاه من قلق وتوتر طيلة أسبوعين هما فترة العلاج والنقاهة من المرض. حسبما يروى فالمرور بتجربة الإصابة بإنفلونزا الخنازير ليست هى المشكلة الرئيسية لكن الملابسات التى تصاحب الإصابة من قلق وتساؤلات وتسليط أضواء على هذا الوباء هو ما يصنع حالة الفزع المصاحبة.
«بدأت القصة بدور برد عادى أصيبت به زوجتى ــ شيماء ــ وكإجراء تقليدى فى مثل هذه الحالة حاولت أن تتحاشانا قدر الإمكان كى لا ينتقل دور البرد إلى باقى أفراد الأسرة، وبعد الكشف عليها فى مستشفى مجاور قيل لنا إنه دور برد عادى، لكننا فكرنا فى أن نجرى اختبار مسحة الحلق الخاص بالكشف عن إنفلونزا الخنازير كنوع من الاحتياط، وفى الوقت الذى كشفت النتيجة أنها بالفعل مصابة بالفيروس.. كنت أنا فى بدايات السخونة والحمى».
فى تلك الفترة كان الحذر قد بدأ يسيطر على شرائح كثيرة من المجتمع مع تزايد أعداد المصابين وكانت إرشادات وزارة الصحة تحبذ اللجوء إليها فى حالة الاشتباه فى الإصابة وهو ما قرره أحمد مع زوجته شيماء حين اتجها معا إلى مستشفى الحميات بالعباسية وتركا نجليهما ــ فريدة وعلى ــ فى منزل جدهما بنفس العمارة. وتقول شيماء: «كنت خائفة بشدة بعد انتقال العدوى إلى زوجى أحمد من أن يصاب بها أولادى أو والدى ووالدتى، ومع نقص المعلومات عن خطورة الإنفلونزا كنت أشعر بأن هناك خطرا قادما يهدد العائلة بأكملها»، أما زوجها أحمد فيروى: «فكرت فى جميع من جلست معهم من أفراد العائلة قبل الحمى بيوم، وفى زملائى فى العمل وقبل هؤلاء فكرت فى أولادى وهل انتقل إليهم الفيروس؟»
تلك المخاوف دفعت الأسرة إلى الاتصال فى وقت لاحق بجميع من كانوا على اتصال بهم قبل ظهور الأعراض، وأبلغوا مدرسة الأبناء لإعلامهم بأسباب تغيبهم، وإبلاغ العمل وكذلك الجامعة الأمريكية حيث الكورس الذى كانت تدرس به شيماء. وفى أثناء رحلة انتقال الزوجين إلى مستشفى الحميات كانت العديد من الأسئلة تدور فى رأسيهما على الرغم من حالة الإعياء التى كانا عليها، كان أولها هل أصيب الأبناء؟ وهل أفادت الفيتامينات التى حرصا على إعطائها للأطفال حسب إرشادات التليفزيون فى صنع حاجز بينهم وبين الفيروس؟ كل تلك الأسئلة احتفظا بها فى بيئة جديدة انتقلا إليها فى مستشفى الحميات، واستقرا داخل حجرتين منفصلتين فى مكان أقرب إلى المنفى وهو ما نقل إليهما الشعور بالرهبة فى البداية، وفى أول يوم حين كان أحمد تحت تأثير ارتفاع درجة الحرارة، كانت زوجته شيماء قد بدأت فى التعافى.
«لا أنكر المعاملة الجيدة التى تلقيناها من الأطباء ولا أنكر كفاءتهم العالية، لكن على أرض الواقع فالمستشفى كانت فى حاجة إلى مزيد من التجهيزات التى افتقدناها، وكان علينا أن نقيم خمسة أيام لتلقى العلاج على الرغم من رغبتنا فى تلقى العلاج بالمنزل، وبعد أن استعدت عافيتى تعمدت التأكد من أنه تم إبلاغ جميع من تواصلنا معهم أن يأخذوا حذرهم من أنهم قد يكونوا قد أصيبوا بالأنفلونزا عن طريقنا، وعلى صعوبة الموقف حرصنا على أن يتم الكشف على الأبناء احتياطا».
لم يكن كل هذا ما أزعج النزيل الجديد وزوجته، لكن إلحاح بعض مسئولى وزارة الصحة على أخذ بياناته وبيانات أبنائه وبيانات مدارسهم قبل إعلان نتيجة فحص الأبناء هو ما زاد من ضيقه، كان يخشى هو وزوجته أن يتم استدعاء الأولاد من منزل جدهما فى حالة انتقال الفيروس إليهما أو أن يتسبب استخدام هذه البيانات فى إحراج الأولاد عبر الإعلام أو فى مدرستهما.

الحميات.. المنزل والمقر
لكن التصاعد الدرامى بلغ ذروته حين كشف اختبار مسحة الحلق للأبناء عن إصابة على بإنفلونزا الخنازير هو وأخته فريدة. يقول والدهما ــ أحمد: «لم أكن أريد لهما أن يأتيا للمستشفى لكن جدهما جاء بهما وأصبحت الأسرة كلها فى مستشفى الحميات وبعد أن كنت مكتفيا بجهاز تسجيل بسيط أستمع إليه مع زوجتى إلى جانب ما جئت به معى من ملاءات ومناديل ومطهرات، أحضر جد الأولاد معه جهاز الكمبيوتر اللابتوب الخاص بفريدة ولعبة على كى لا يشعرا بالوحشة هناك».
لم يكن على بال الأسرة أنهما بصدد مواجهة ضغوط من أطراف أخرى، وذلك عبر المنابر الإعلامية فى الفضائيات حين صرح أحد مسئولى الصحة بأن الأم التى أصيبت فى البداية لم تكن على وعى كاف فنقلت الفيروس إلى أسرتها، وهو أثار غضب الأسرة الموجود فى الحميات ودخل على الخط بعض أفراد العائلة للاتصال بالإعلام، وفى اليوم التالى كان على أحمد أن يتحدث إلى الإعلام من مقره فى مستشفى الحميات لأحد البرامج الحوارية. ويقول عن ذلك: «وجدت نفسى فى موقع دفاع عن النفس وتضايقت حين وجدت أن إدارة المدرسة أصبحت مضطرة هى الأخرى لتوضيح موقفها، وفوجئت بأن أسماء أولادى أصبحت معلنة فى الفضائيات وهو ما لم أرغب فيه وقتها، كان يكفينا ما نحن فيه». فيما بعد حاولت وزارة الصحة اتخاذ قرارات تقلل من التكثيف الإعلامى المثار حول مصابى إنفلونزا الخنازير بعدم الإعلان اليومى عنهم، لكن الإعلام عاد إلى أحمد عن طريق آخر حين اكتشف الوالد بالمصادفة بعد شفاء الأسرة تماما أن أسماء نجليه على وفريدة مذكورين فى أحد الموقع الإخبارية ضمن بعض الطلبة المصابين بعد هذا الموقف بعد أسابيع، وكأنها تذكرة بأيام المرض.
أما فى مستشفى الحميات فى أثناء المرض فلم يخفف من هذه الأجواء سوى الدعم والتعاطف الذى تلقته الأسرة من الأصدقاء والمعارف والأهل، تقول شيماء: «تلقينا كمًّا من الاتصالات لم نتلق مثله من قبل فى أثناء تلك الفترة، ومكالمات داعمة من الجميع، وحتى الإعلام أفادنا وسمح لنا بأن نتواصل معه فى تلك المرحلة وكفل لنا حق الرد». ويتذكر هنا زوجها أحمد إحدى المكالمات التى وردت إليه: «ناظرة مدرستى فى المرحلة الثانوية اتصلت بى بنفسها حين وصلها خبر إصابتى على الرغم من أنى تركت المدرسة قبل عشرين سنة، هذا إلى جانب مكالمات من أصدقاء من خارج وداخل مصر كانت تصل فى اليوم الواحد إلى عشرات المكالمات لم يكن باستطاعتى الإجابة عنها جميعا». وعند لحظة توديع مستشفى الحميات كان الطفل على ذو السنوات السبع قد استرد عافيته قليلا وعادت الأسرة إلى المنزل وكان عليهم جميعا مراجعة المستشفى كل نهار لأخذ العقاقير اللازمة مرتدين الكمامات أثناء حركتهم، وعلى الرغم من زوال الإنفلونزا من الجميع فإنه كان عليهم أيضا البقاء فى المنزل لمدة أسبوع كإجراء وقائى. تتذكر فريدة ذات السنوات التسع حالة الأسرة فى ذلك الوقت: «بقيت بتابع المدرسة من الإنترنت فى البيت، وصاحبتى كانت بتتصل بى كل يوم تطمئن على». ما تتحدث عنه فريدة هو أن فصلها فى المدرسة قد أغلق لمدة أسبوعين وأصبح تعليم الطلاب عبر الإنترنت.
وكانت العودة إلى المنزل بمثابة إعادة اكتشاف لبعض الاختراعات مثل التليفزيون والدش فعرفوا نعمة المنزل بعيدا عن أجواء المرض والعزل، وبقى أمامهم أسبوع من البقاء فى المنزل.. يقول أحمد: «كنا نستيقظ فى التاسعة نتابع دروس فريدة، وينقسم اليوم بين تناول العقاقير والوجبات الغذائية المختلفة تماما عن أكل المستشفيات ثم النوم الذى كان كلمة السر للجميع.. ولا مانع من تلقى مكالمات الأصدقاء التى كانت تخفف من أجواء العزلة خاصة بما كانت تحمله من مزاح حول إنفلونزا الخنازير».
بعد أن انتهت المحنة عاد الجميع إلى حياته، على وفريدة إلى المدرسة، والوالد إلى عمله، والأم إلى أعبائها التقليدية.
تقول: «كنت قلقة على عودة الأولاد إلى المدرسة بعد هذه الضجة التى حدثت لكن المدرسة وقفت بجانبنا بشكل محترم». فريدة طالبة الصف الرابع الابتدائى تشكر أستاذتها بريهان التى واستها وقت الشدة، ولا تنكر وقوع بعض المضايقات من «أصحاب الدم الثقيل» الذين حاولوا الاستهزاء بتجربتها مع إنفلونزا الخنازير، أما أخوها على فكان له رأى مختلف حول تلك القصة بأكملها.. أحضر حقيبته الثقيلة وجرها أمامنا وأشار إلى وجه إحدى الشخصيات الكارتونية الموجود على حقيبته على شكل خنزير وقال: «هو ده اللى نقل لنا العدوى».
تقول والدته شيماء: «المشكلة الكبيرة حول موضوع إنفلونزا الخنازير هى قلة الوعى لدى الناس وأن بعضهم لا يعرف تفاصيل ما بعد الإصابة لذا أصبح الجميع يسألنا فى هذا الأمر وكأننا فقط من أصبنا فى مصر»، يعلق زوجها أحمد ممازحا: «أعلنت لجميع الأصدقاء أننى من الآن مستشار إنفلونزا خنازير والاستشارة بخمسمائة جنيه».
شيماء التى كانت قد فقدت الرغبة فى استكمال الكورس الذى تشك فى أنها أصيبت عن طريقه بالإنفلونزا عادت إليه بعد أن فتح أبوابه بعد إغلاقه، وشجعها على ذلك مكالمات متكررة من معلميها هناك، واجتازت الاختبار بنجاح قبل أسبوع واحد فقط، أما زوجها أحمد فيكاد يكون قد نسى التجربة بعد أن عاد إلى أصدقائه وأجواء العمل، أما فريدة وعلى فحين حاول والدهما المزاح معهما «عايزين تروحوا المستشفى تانى؟» لم يبديا أى خوف وكأنهما نالا مناعة من الخوف من المستشفيات. هذه التجربة خرج منها أحمد وأسرته بخلاصة هى أن إنفلونزا الخنازير مرض أهون مما يتصور البعض، وقال: «مرضت من قبل بالأنفلونزا وتعرضت لحمَّى أعنف بكثير من تلك التى مررت بها أثناء أنفلونزا الخنازير.. ومن خلال تجربتى أراها مجرد دور برد».
المفارقة أنه كان فى أثناء حديثه مصابا ببعض الزكام، لم يخف ذلك فى حديثه وقال مبتسما:«ليست إنفلونزا خنازير».

PDF

No comments:

Post a Comment