لم تختلف حياته وحياة رجال المقاومة كثيرا عن حياة مدينتهم السويس، ورغم اشتباكهم مع الهموم الحالية فإن بعضهم سقط سهوا من ذاكرة الشباب، فأصبح مجرد اسم على لافتة شارع لا يعرف أحد من يكون، بل ويجهل سبب التسمية.
كتب - عبدالرحمن مصطفى
تصوير : أحمد عبداللطيف
كتب - عبدالرحمن مصطفى
تصوير : أحمد عبداللطيف
الكابتن غزالى.. ذاكرة مدينة
قد لا يفهم الزائر الجديد طبيعة المكان أثناء الزيارة الأولى، متجر صغير مكدس بالكتب والرسومات، وعنوان كبير على الواجهة «الكابتن غزالى»، الجميع هنا فى هذه الناحية من مدينة السويس يعرف هذا الاسم جيدا.. فى الداخل يجلس الكابتن مطمئن البال، يتلقى التحيات المستمرة من المارة ولا يخلو الأمر من قفشة أو تعليق لرسم ابتسامات وضحكات من حوله، لم يبد انشغالا بتكريمه الأخير من محافظة السويس وقرارها إطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بالمحافظة وإعادة طبع ديوانه الشعرى من هيئة قصور الثقافة، كان مشغولا بمن حوله.
«فى هذا المكان جلس مراسلون عسكريون بعضهم يقود اليوم صحفا كبيرة، ونام على هذه الأريكة الشاعر أمل دنقل أثناء تضامنه معنا فى السويس فى زمن الحرب.. هذا مرسمى القديم، آتى إليه بعد صلاة الظهر وأبقى مع الأصدقاء قليلا ثم أكمل يومى».
يشير الكابتن غزالى ــ أحد أعلام المدينة ورمز من رموز المقاومة الشعبية ــ إلى أرفف الكتب من حوله، موضحا أنه يعير بعضها لمن يحتاج دون حساب، كنوع من الخدمة العامة.. قد تخفى بساطته أحداث 82 سنة عاشها مشتبكا مع هموم السويس، بدءا من مشاكسة قوات الاحتلال البريطانى مع الفدائيين منذ عام 1946، ثم مع المقاومة الشعبية بعد حرب 67 مستخدما الشعر تارة والمواجهة المباشرة مع العدو تارة أخرى.. محافظا على روحه المتمردة حتى اليوم.
بعد ثورة 52 أصبح الكابتن غزالى ضمن تنظيمات الثورة كأمين للشباب، وهى المرحلة التى يصفها: «كنا نقول مصر أم الدنيا ولم نر سوى مصر.. بعد الثورة علمنا بأننا نستطيع أن نواجه الدنيا كلها». بعد هزيمة يونيو 67 كان ضمن قيادات المقاومة الشعبية، وتصدى لطرح فكرة «ولاد الأرض» التى تكونت من المشاركين فى العمل الحربى الميدانى، لنقل أجواء المقاومة وآمال النصر إلى بقية انحاء البلاد، ولم تختلف حياته وحياة رجال المقاومة كثيرا عن حياة مدينتهم السويس التى يولد فيها الأبطال وسط الحروب والمقاومة، مستمدين المدد من ذكرى البطل الأقدم سيدى الغريب صاحب المقام الأشهر فى المدينة الذى هلك غريبا فى حروب الفاطميين ضد القرامطة بعيدا عن بلده الأصلى.
«نشأت جوار الغريب حيث كانت السويس بمثابة عتبة من عتبات الرسول يفد إليها القادمون إلى الحجاز للحج، هناك سمعت فنونا متنوعة من مصريين وعرب وعجم.. وكثيرا ما شغلت نفسى بأصل موسيقانا فى السويس، وبالسر الذى يمكن أحد الأميين من حفظ قصائد فصحى. ولم أجد إجابة سوى أننا أبناء هذا المزيج الفريد».
رغم ذلك لا يخفى فى حديثه مزاجه الصعيدى الذى ورثه عن «أبنود» المدينة التى ولد بها عام 1928 بمحافظة قنا، وهو المزاج نفسه الذى انتقل إلى مدينة السويس عبر المهاجرين الجنوبيين الذين يمثلون نسبة غير هينة من السكان.. لتجربة السويسية مر بها أيضا الكابتن غزالى بصورة شخصية، فبعد حرب 67 كان يجتمع حوله الفدائيون، يغنون ويقترحون أفكارا يعبر عنها بالشعر، أما الألحان فهى مزيج من ثقافات هؤلاء الذين جمعتهم السويس.
يقول: «اخترنا اسم ولاد الأرض لهذه الفرقة الوليدة لترسيخ الحميمة التى جمعتنا». كانت تلك هى لحظات تأسيس أغانى المقاومة التى تحولت اليوم إلى جزء من تراث المدينة، أو حسب تعبيره «تحول ولاد الأرض إلى قصة لا تختلف عن قصة بهية ويس وسيرة أدهم الشرقاوى». اليوم تصدح فرقة بالاسم نفسه فى السويس يرعاها بعض ولاد الأرض القدامى من رفاق الكابتن غزالى.
«عين على الشباب»
فى مقره الحالى يلتقى الزائرون، أمامه شاب عشرينى يدعى عبد الرحمن، يعرض على الكابتن قصصا قصيرة يكتبها ويوجهه الكابتن دون مجاملة، يأتيه عامل المقهى المجاور مستأذنا فى استعارة كتاب يقرأه.. بعدها يدخل الكابتن فى جدال مع عبد الحميد يونس ــ أحد قدامى أعضاء حزب الوفد.. هذه الحياة المزدحمة تجعله يتقبل أى تكريم رسمى بهدوء وثقة، حتى إن كان التكريم بإطلاق اسمه على شارع رئيسى، يقول: «تهمنى العلاقة مع الناس والاحساس الحقيقى بالامتنان، أحيانا ما ألبى دعوة تكريم على بعد مئات الكيلومترات، فقط لأنها صادقة».
منذ الخمسينيات وهو يعمل فى مجال التثقيف السياسى للشباب، ولم يفقد هذا الحس حتى الآن «أثناء الحرب اتجهت إلى التعبير عن واقعنا كمقاومين وسوايسة بالغناء، وذلك لمحاولة إذابة العلاقة بينى وبين من حولى فى المعسكرات، وتلقى أفكارهم ومناقشتها وتحويلها إلى جملة موسيقية نتغنى بها».
بعيدا عن مهاراته المتعددة فى الشعر والرسم والخط العربى والموسيقى كان لقب كابتن هو ما يصاحبه حتى اليوم، حسب وصفه «كان للرياضيين تميزا فى المجتمع السويسى». وحتى الآن يفخر بهذا اللقب منذ أن حقق بطولة المملكة المصرية فى المصارعة قبل الثورة. يشير: «حين انظر اليوم إلى الشباب أحزن.. فرغم أنهم أكثر تعليما وأفضل صلة بالعالم عبر الانترنت إلى ما غير ذلك، بدأت ممارسة الرياضة فى الشارع وعيناى على الأندية الأجنبية التى احتكرت الرياضة فى مدينتنا، لم يكن لدى ملابس تدريب مثل التى تملأ مخازن الأندية الآن، وحين انتقلت إلى مجال التدريب فى الأندية المصرية التى أنشئت فيما بعد كان هؤلاء الأبطال الرياضيون هم نخبة المقاومة.. اليوم نفتقد الشخصية القيادية التى تحفز الشباب». أحد هؤلاء الشباب الذين يصفهم الكابتن غزالى سجل سؤالا: «من أفضل قيادى فى السويس؟» وذلك من خلال مجموعة على الفيس بوك بعنوان «السويس فقط Only Suez»، وأجاب غالبية الشباب بأن هذه الشخصية غائبة تماما اليوم!
فى تحركاته لا ينسى الكابتن غزالى دوره القديم وقلقه على مدينته، أحيانا يميل على بعض شباب الحى ويسألهم «لماذا تقفون هكذا على النواصى دون فائدة؟» وتأتيه الإجابة كالتالى: «شوف لنا شغل يا كابتن». يشعر بالغيرة تجاه أبناء بلده ويتذكر حين كان البحار يجد عملا بشهادة الابتدائية القديمة ويسافر بها إلى أنحاء العالم على ظهر سفينة.. لم يكن يعكر تلك الأيام سوى الاحتلال وسيطرة الأجانب على كل شىء. تقدر نسبة البطالة فى محافظة السويس بـ8.11% حسب تقرير التنمية البشرية الذى أعدته وزارة التنمية المحلية بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى عام 2008، كما يقع 10% من سكان المحافظة تحت خط الفقر. يضيف الكابتن غزالى: «فى الماضى لم يجلس على المقاهى وقت النهار سوى الغرباء، لكن الحال تغير، فى ظل هذه الحالة ليس فى سلطتى أن أنصح شابا سوى فى أمور مثل ترك السيجارة من يده، بحكم سنى». لفترة دامت سنوات بعد حرب 73 حوصر الكابتن غزالى فى مدينته، لم يتعامل مع الصحافة، ولم يشارك بفاعلية فى العمل العام نتيجة مواقفه المتعارضة مع سياسة عصر السادات خاصة بعد قرار فض تشكيلات المقاومة فى مارس 1973، وحين رفض تم إبعاده عن المدينة إلى بنها. بعدها اتخذ عمله طريقا آخر عبر لقاءات حرة مع محبيه، ومشاركات فى إعداد برنامج عن فنون القناة. ويذكر معلقا على فترة ما بعد الحرب: «المقاوم والفدائى لا يلقى بنفسه تحت عجلات الدبابة، بل يناور حتى يظل محافظا على نفسه». أشعاره لم تقتصر على الدعم المعنوى للجبهة الداخلية أو تقوية عزم المصريين، بل تعرضت لبعض الظواهر فى مصر، فرد على فيلم «خلى بالك من زوزو» الذى رأى فيه «ولاد الأرض» إلهاء عن المعركة، وكتب: «خلى بالك من زوزو.. واحكى حكاية مرمر، واللى يجيب سيرة الخلاص.. على بوزه يتجرجر»، وانتقد فى إحدى قصائده ظهور «شارع شواربى» وانتشار البضائع المهربة رغم سياسات التقشف قبل الحرب. ورغم مرور عقود طويلة على تلك الفترة لكنه ما زال يقاوم ما لا يوافق قناعاته. لم يكن الكابتن يعرف بماذا يجيب رفاقه حين يسألونه عن مستقبلهم بعد الحرب، تذكر ما قاله فى رثاء صديقه ــ مصطفى أبو هاشم ــ الذى ناضل ضد الانجليز وكان بطلا فى رياضة كمال الأجسام واختير عضوا فى منظمة سيناء العربية التى نفذت العديد من العمليات الفدائية خلف خطوط العدو فى سيناء، يقول الكابتن غزالى مجيبا بالشعر: «وكان لما يحكى لى أحلامه.. أو اللى شافه فى منامه، أضحك أنا.. وأقول إن شاء الله بعد النصر، يا هل ترى حتكونى فاكرانا يا مصر؟».
أثناء حديثه يتوقف ثم يجرى اتصالا بعبد المنعم قناوى ــ بطل قديم فى رياضتى الدراجات والرماية وأحد فدائيى منظمة سيناء العربية. يعمل الأخير منذ سنوات كسائق ميكروباص.. الواقع تغير تماما بعد أن عاد الجميع إلى قواعده، ولم يعد للأهالى ذلك الدور الذى مارسوه من قبل فى إدارة شئون المدينة والدفاع عن أرضهم تحت رعاية الدولة، واندمج المقاومون فى حياة تقليدية لا يميزها سوى طبيعتهم الخاصة التى لم يتنازلوا عنها. يقول كابتن غزالى: «الحديث عن الماضى ليس حنينا، بل أظن أن أبناء السويس القدامى تجمعهم رابطة واحدة وأظن أنهم أكثر حساسية لشأن مدينتهم عن غيرهم». لا تكفى زيارة واحدة لمعرفة ما شهده الكابتن غزالى من أحداث، ولا يكفى تكريم لتخليد ذاكرته، قد تلفت اللافتة التى تنوى محافظة السويس رفعها فى أحد الشوارع الرئيسية نظر شاب صغير أو مهاجر حديث وتدفعه إلى تتبع تجربة الكابتن غزالى، لكنها بالقطع لا توازى تجربة من عاشوا وغنوا لولاد الأرض، ومن تعلقوا بأشعاره.
يقول المقاوم الثمانينى: «أنا هنا فى مكانى لن أرحل، وأراهن على أن مصر ستكون أفضل فى المستقبل». ثم يكمل مازحا: «ستأتون بعد أربعين سنة إلىّ هنا وستعلمون أننى كنت على حق».
قد لا يفهم الزائر الجديد طبيعة المكان أثناء الزيارة الأولى، متجر صغير مكدس بالكتب والرسومات، وعنوان كبير على الواجهة «الكابتن غزالى»، الجميع هنا فى هذه الناحية من مدينة السويس يعرف هذا الاسم جيدا.. فى الداخل يجلس الكابتن مطمئن البال، يتلقى التحيات المستمرة من المارة ولا يخلو الأمر من قفشة أو تعليق لرسم ابتسامات وضحكات من حوله، لم يبد انشغالا بتكريمه الأخير من محافظة السويس وقرارها إطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بالمحافظة وإعادة طبع ديوانه الشعرى من هيئة قصور الثقافة، كان مشغولا بمن حوله.
«فى هذا المكان جلس مراسلون عسكريون بعضهم يقود اليوم صحفا كبيرة، ونام على هذه الأريكة الشاعر أمل دنقل أثناء تضامنه معنا فى السويس فى زمن الحرب.. هذا مرسمى القديم، آتى إليه بعد صلاة الظهر وأبقى مع الأصدقاء قليلا ثم أكمل يومى».
يشير الكابتن غزالى ــ أحد أعلام المدينة ورمز من رموز المقاومة الشعبية ــ إلى أرفف الكتب من حوله، موضحا أنه يعير بعضها لمن يحتاج دون حساب، كنوع من الخدمة العامة.. قد تخفى بساطته أحداث 82 سنة عاشها مشتبكا مع هموم السويس، بدءا من مشاكسة قوات الاحتلال البريطانى مع الفدائيين منذ عام 1946، ثم مع المقاومة الشعبية بعد حرب 67 مستخدما الشعر تارة والمواجهة المباشرة مع العدو تارة أخرى.. محافظا على روحه المتمردة حتى اليوم.
بعد ثورة 52 أصبح الكابتن غزالى ضمن تنظيمات الثورة كأمين للشباب، وهى المرحلة التى يصفها: «كنا نقول مصر أم الدنيا ولم نر سوى مصر.. بعد الثورة علمنا بأننا نستطيع أن نواجه الدنيا كلها». بعد هزيمة يونيو 67 كان ضمن قيادات المقاومة الشعبية، وتصدى لطرح فكرة «ولاد الأرض» التى تكونت من المشاركين فى العمل الحربى الميدانى، لنقل أجواء المقاومة وآمال النصر إلى بقية انحاء البلاد، ولم تختلف حياته وحياة رجال المقاومة كثيرا عن حياة مدينتهم السويس التى يولد فيها الأبطال وسط الحروب والمقاومة، مستمدين المدد من ذكرى البطل الأقدم سيدى الغريب صاحب المقام الأشهر فى المدينة الذى هلك غريبا فى حروب الفاطميين ضد القرامطة بعيدا عن بلده الأصلى.
«نشأت جوار الغريب حيث كانت السويس بمثابة عتبة من عتبات الرسول يفد إليها القادمون إلى الحجاز للحج، هناك سمعت فنونا متنوعة من مصريين وعرب وعجم.. وكثيرا ما شغلت نفسى بأصل موسيقانا فى السويس، وبالسر الذى يمكن أحد الأميين من حفظ قصائد فصحى. ولم أجد إجابة سوى أننا أبناء هذا المزيج الفريد».
رغم ذلك لا يخفى فى حديثه مزاجه الصعيدى الذى ورثه عن «أبنود» المدينة التى ولد بها عام 1928 بمحافظة قنا، وهو المزاج نفسه الذى انتقل إلى مدينة السويس عبر المهاجرين الجنوبيين الذين يمثلون نسبة غير هينة من السكان.. لتجربة السويسية مر بها أيضا الكابتن غزالى بصورة شخصية، فبعد حرب 67 كان يجتمع حوله الفدائيون، يغنون ويقترحون أفكارا يعبر عنها بالشعر، أما الألحان فهى مزيج من ثقافات هؤلاء الذين جمعتهم السويس.
يقول: «اخترنا اسم ولاد الأرض لهذه الفرقة الوليدة لترسيخ الحميمة التى جمعتنا». كانت تلك هى لحظات تأسيس أغانى المقاومة التى تحولت اليوم إلى جزء من تراث المدينة، أو حسب تعبيره «تحول ولاد الأرض إلى قصة لا تختلف عن قصة بهية ويس وسيرة أدهم الشرقاوى». اليوم تصدح فرقة بالاسم نفسه فى السويس يرعاها بعض ولاد الأرض القدامى من رفاق الكابتن غزالى.
«عين على الشباب»
فى مقره الحالى يلتقى الزائرون، أمامه شاب عشرينى يدعى عبد الرحمن، يعرض على الكابتن قصصا قصيرة يكتبها ويوجهه الكابتن دون مجاملة، يأتيه عامل المقهى المجاور مستأذنا فى استعارة كتاب يقرأه.. بعدها يدخل الكابتن فى جدال مع عبد الحميد يونس ــ أحد قدامى أعضاء حزب الوفد.. هذه الحياة المزدحمة تجعله يتقبل أى تكريم رسمى بهدوء وثقة، حتى إن كان التكريم بإطلاق اسمه على شارع رئيسى، يقول: «تهمنى العلاقة مع الناس والاحساس الحقيقى بالامتنان، أحيانا ما ألبى دعوة تكريم على بعد مئات الكيلومترات، فقط لأنها صادقة».
منذ الخمسينيات وهو يعمل فى مجال التثقيف السياسى للشباب، ولم يفقد هذا الحس حتى الآن «أثناء الحرب اتجهت إلى التعبير عن واقعنا كمقاومين وسوايسة بالغناء، وذلك لمحاولة إذابة العلاقة بينى وبين من حولى فى المعسكرات، وتلقى أفكارهم ومناقشتها وتحويلها إلى جملة موسيقية نتغنى بها».
بعيدا عن مهاراته المتعددة فى الشعر والرسم والخط العربى والموسيقى كان لقب كابتن هو ما يصاحبه حتى اليوم، حسب وصفه «كان للرياضيين تميزا فى المجتمع السويسى». وحتى الآن يفخر بهذا اللقب منذ أن حقق بطولة المملكة المصرية فى المصارعة قبل الثورة. يشير: «حين انظر اليوم إلى الشباب أحزن.. فرغم أنهم أكثر تعليما وأفضل صلة بالعالم عبر الانترنت إلى ما غير ذلك، بدأت ممارسة الرياضة فى الشارع وعيناى على الأندية الأجنبية التى احتكرت الرياضة فى مدينتنا، لم يكن لدى ملابس تدريب مثل التى تملأ مخازن الأندية الآن، وحين انتقلت إلى مجال التدريب فى الأندية المصرية التى أنشئت فيما بعد كان هؤلاء الأبطال الرياضيون هم نخبة المقاومة.. اليوم نفتقد الشخصية القيادية التى تحفز الشباب». أحد هؤلاء الشباب الذين يصفهم الكابتن غزالى سجل سؤالا: «من أفضل قيادى فى السويس؟» وذلك من خلال مجموعة على الفيس بوك بعنوان «السويس فقط Only Suez»، وأجاب غالبية الشباب بأن هذه الشخصية غائبة تماما اليوم!
فى تحركاته لا ينسى الكابتن غزالى دوره القديم وقلقه على مدينته، أحيانا يميل على بعض شباب الحى ويسألهم «لماذا تقفون هكذا على النواصى دون فائدة؟» وتأتيه الإجابة كالتالى: «شوف لنا شغل يا كابتن». يشعر بالغيرة تجاه أبناء بلده ويتذكر حين كان البحار يجد عملا بشهادة الابتدائية القديمة ويسافر بها إلى أنحاء العالم على ظهر سفينة.. لم يكن يعكر تلك الأيام سوى الاحتلال وسيطرة الأجانب على كل شىء. تقدر نسبة البطالة فى محافظة السويس بـ8.11% حسب تقرير التنمية البشرية الذى أعدته وزارة التنمية المحلية بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى عام 2008، كما يقع 10% من سكان المحافظة تحت خط الفقر. يضيف الكابتن غزالى: «فى الماضى لم يجلس على المقاهى وقت النهار سوى الغرباء، لكن الحال تغير، فى ظل هذه الحالة ليس فى سلطتى أن أنصح شابا سوى فى أمور مثل ترك السيجارة من يده، بحكم سنى». لفترة دامت سنوات بعد حرب 73 حوصر الكابتن غزالى فى مدينته، لم يتعامل مع الصحافة، ولم يشارك بفاعلية فى العمل العام نتيجة مواقفه المتعارضة مع سياسة عصر السادات خاصة بعد قرار فض تشكيلات المقاومة فى مارس 1973، وحين رفض تم إبعاده عن المدينة إلى بنها. بعدها اتخذ عمله طريقا آخر عبر لقاءات حرة مع محبيه، ومشاركات فى إعداد برنامج عن فنون القناة. ويذكر معلقا على فترة ما بعد الحرب: «المقاوم والفدائى لا يلقى بنفسه تحت عجلات الدبابة، بل يناور حتى يظل محافظا على نفسه». أشعاره لم تقتصر على الدعم المعنوى للجبهة الداخلية أو تقوية عزم المصريين، بل تعرضت لبعض الظواهر فى مصر، فرد على فيلم «خلى بالك من زوزو» الذى رأى فيه «ولاد الأرض» إلهاء عن المعركة، وكتب: «خلى بالك من زوزو.. واحكى حكاية مرمر، واللى يجيب سيرة الخلاص.. على بوزه يتجرجر»، وانتقد فى إحدى قصائده ظهور «شارع شواربى» وانتشار البضائع المهربة رغم سياسات التقشف قبل الحرب. ورغم مرور عقود طويلة على تلك الفترة لكنه ما زال يقاوم ما لا يوافق قناعاته. لم يكن الكابتن يعرف بماذا يجيب رفاقه حين يسألونه عن مستقبلهم بعد الحرب، تذكر ما قاله فى رثاء صديقه ــ مصطفى أبو هاشم ــ الذى ناضل ضد الانجليز وكان بطلا فى رياضة كمال الأجسام واختير عضوا فى منظمة سيناء العربية التى نفذت العديد من العمليات الفدائية خلف خطوط العدو فى سيناء، يقول الكابتن غزالى مجيبا بالشعر: «وكان لما يحكى لى أحلامه.. أو اللى شافه فى منامه، أضحك أنا.. وأقول إن شاء الله بعد النصر، يا هل ترى حتكونى فاكرانا يا مصر؟».
أثناء حديثه يتوقف ثم يجرى اتصالا بعبد المنعم قناوى ــ بطل قديم فى رياضتى الدراجات والرماية وأحد فدائيى منظمة سيناء العربية. يعمل الأخير منذ سنوات كسائق ميكروباص.. الواقع تغير تماما بعد أن عاد الجميع إلى قواعده، ولم يعد للأهالى ذلك الدور الذى مارسوه من قبل فى إدارة شئون المدينة والدفاع عن أرضهم تحت رعاية الدولة، واندمج المقاومون فى حياة تقليدية لا يميزها سوى طبيعتهم الخاصة التى لم يتنازلوا عنها. يقول كابتن غزالى: «الحديث عن الماضى ليس حنينا، بل أظن أن أبناء السويس القدامى تجمعهم رابطة واحدة وأظن أنهم أكثر حساسية لشأن مدينتهم عن غيرهم». لا تكفى زيارة واحدة لمعرفة ما شهده الكابتن غزالى من أحداث، ولا يكفى تكريم لتخليد ذاكرته، قد تلفت اللافتة التى تنوى محافظة السويس رفعها فى أحد الشوارع الرئيسية نظر شاب صغير أو مهاجر حديث وتدفعه إلى تتبع تجربة الكابتن غزالى، لكنها بالقطع لا توازى تجربة من عاشوا وغنوا لولاد الأرض، ومن تعلقوا بأشعاره.
يقول المقاوم الثمانينى: «أنا هنا فى مكانى لن أرحل، وأراهن على أن مصر ستكون أفضل فى المستقبل». ثم يكمل مازحا: «ستأتون بعد أربعين سنة إلىّ هنا وستعلمون أننى كنت على حق».
شوارع الأبطال.. غرباء في بلد الغريب
إلى جوار السوق الكبير في حي الأربعين بمدينة السويس لم تعرف الشابة ذات اللهجة الريفية اسم الكابتن غزالي، بدت مقطوعة الصلة تماما بهذه بحقبة المقاومة الشعبية أثناء الحرب، تساءلت : "هو لاعب كورة ؟!"، بدت إجابتها مثيرة للإستهجان لأي مواطن سويسي أصيل، لكن مبرر هذه الشابة الوحيد في نقص معلوماتها كان أنها ليست من مواليد السويس إذ انتقلت إليها قبل سنوات مع زوجها. وهي واحدة من سكان حي الأربعين الذي يمثل 50% من عدد سكان المدينة، بينما يقارب عدد سكان محافظة السويس نصف مليون مواطن.
محاولات الحديث معها حول قادة المقاومة الشعبية تبدو مثيرة للحرج، وتدفع إلى إعادة التفكير في جدوى تسمية الشوارع بأسماء الأبطال دون وسيلة تعريف بهم.
المشهد كان مختلفا حول جامع سيدي الغريب الأشهر في السويس، حيث محال تجارية قديمة تخصص أغلبها في بيع مخلفات السفن الراسية وأدوات الصيد، استهجن بعضهم بمرارة ألا يعرف سويسي رجلا مثل الكابتن غزالي، و أمام بوابة المسجد جلس عبدالعال منسي أمام متجره معلقا "فكرة التكريم وإطلاق إسم الكابتن غزالي على شارع فكرة جديرة بالاحترام، خاصة أنها جرت في حياته". كان عبدالعال طفلا حين اضطرت اسرته إلى ترك السويس في ذلك الوقت، لكن جاره الحاج أحمد حلمي بدر الذي شهد فترات الحرب والتهجير كان أحد العاملين الذين بقوا في المدينة لتسيير أمورها، أبدى حماسه قائلا : "كنت موظفا في التوكيلات البحرية ضمن من بقوا لإدارة المدينة، أحيانا كانت تأتي الغارات فنخرج بملابس النوم إلى القطار هروبا من القصف، لم يدعمنا أحد سوى رجال أمثال حافظ سلامة شيخ المقاومة، وغيرهم". يعود جاره عبدالعال ليوضح : "لا يدرك أهمية الكابتن غزالي وفرقة ولاد الأرض سوى من عاش تلك الفترة، حين كانت كلماتهم معبرة عما نريد قوله".
كلاهما اليوم يجلس في استرخاء تام في حي السويس الذي ينتمي إليه الكابتن غزالي، تفهما أن يكون هناك من ليس له صلة بهذه الحقبة من سكان المدينة، يقول الحاج أحمد حلمي بدر وهو يشير إلى مئذنة مسجد الغريب: "السويس لم تسمى بمدينة الغريب نسبة إلى سيدي الغريب فقط، بل لأنها مدينة الغرباء التي تحتضن القادمين وراء ارزاقهم".
سائق التاكسي الشاب الذي بدأ رحلته من أمام مسجد الغريب متوجها إلى أطراف حي السويس، لم يعرف اسم "الشهيد مصطفى أبو هاشم" أحد شهداء المقاومة الشعبية، تساءل : "من هو؟! هل تبحث عن أهله؟"، المفارقة انه أطلق مؤخرا اسم هذا الشهيد على شارع البرج المتفرع من شارع الجيش الرئيسي في المدينة. العاملون في مبان مجاورة للشارع لم يعرفوا تلك المعلومة، ولم يعرفوا هوية صاحب الشارع، وآخرون خلطوا بينه وبين أخيه عضو المجلس المحلي السابق إبراهيم أبو هاشم. و حتى اليوم يستخدم الاسم القديم للشارع "شارع البرج".
داخل أحد محلات الفيديوجيم في الشارع لم يعرف مدير المحل الشاب من هو صاحب الشارع، قال : "ليس لدي فكرة عن قصة مصطفى أبوهاشم، ربما يعرفه أحد كبار الحي". أشار إلى الحاج رضا العطيفي في محل مجاور لبيع الهدايا.. رجل أنهكه المرض رغم نجاته من شظايا دانات الاسرائيليين أثناء سنوات الحرب.
يقول الحاج العطيفي : "الشباب مشغولون عن تلك الشخصيات، وليس من سمع كمن رآى"، كان الحديث معه عن تجربة ولاد الأرض وذكرى شهداء المقاومة دافعا لأن يردد بعض أشعار الكابتن غزالي التي كانت شائعة وقتها بين من بقوا في السويس، واستمر في سرد تفاصيل سير الشهداء و عمليات يوم 24 أكتوبر حين اقتحمت القوات الاسرائيلية المدينة ونجحت المقاومة مع الأهالي في إفشال مخططهم. يجلس الحاج العطيفي اليوم في متجره الصغير لقضاء وقته مستمتعا بتاريخ عائلته القديم في المدينة إلى جوار جاره الجديد "الشهيد مصطفى أبو هاشم" الذي زين اسمه لافتة على جدران عمارة مجاورة، حيث يمر العابرون فلا يرفعون أعينهم لتأمل الإسم أو البحث عن سيرة صاحبه.
حسب مصادر في محافظة السويس فإن المدينة تتميز بنشاط لجنة تسمية الشوارع التي تراعي تخليد أسماء شهداء الشرطة والجيش وشهداء المقاومة الشعبية وغيرهم من الشخصيات الوطنية الهامة إلى جانب أن المحافظة تنظم جولات لأبطال المقاومة الباقين بين المدارس أثناء احتفالات المدينة.
إلى جوار السوق الكبير في حي الأربعين بمدينة السويس لم تعرف الشابة ذات اللهجة الريفية اسم الكابتن غزالي، بدت مقطوعة الصلة تماما بهذه بحقبة المقاومة الشعبية أثناء الحرب، تساءلت : "هو لاعب كورة ؟!"، بدت إجابتها مثيرة للإستهجان لأي مواطن سويسي أصيل، لكن مبرر هذه الشابة الوحيد في نقص معلوماتها كان أنها ليست من مواليد السويس إذ انتقلت إليها قبل سنوات مع زوجها. وهي واحدة من سكان حي الأربعين الذي يمثل 50% من عدد سكان المدينة، بينما يقارب عدد سكان محافظة السويس نصف مليون مواطن.
محاولات الحديث معها حول قادة المقاومة الشعبية تبدو مثيرة للحرج، وتدفع إلى إعادة التفكير في جدوى تسمية الشوارع بأسماء الأبطال دون وسيلة تعريف بهم.
المشهد كان مختلفا حول جامع سيدي الغريب الأشهر في السويس، حيث محال تجارية قديمة تخصص أغلبها في بيع مخلفات السفن الراسية وأدوات الصيد، استهجن بعضهم بمرارة ألا يعرف سويسي رجلا مثل الكابتن غزالي، و أمام بوابة المسجد جلس عبدالعال منسي أمام متجره معلقا "فكرة التكريم وإطلاق إسم الكابتن غزالي على شارع فكرة جديرة بالاحترام، خاصة أنها جرت في حياته". كان عبدالعال طفلا حين اضطرت اسرته إلى ترك السويس في ذلك الوقت، لكن جاره الحاج أحمد حلمي بدر الذي شهد فترات الحرب والتهجير كان أحد العاملين الذين بقوا في المدينة لتسيير أمورها، أبدى حماسه قائلا : "كنت موظفا في التوكيلات البحرية ضمن من بقوا لإدارة المدينة، أحيانا كانت تأتي الغارات فنخرج بملابس النوم إلى القطار هروبا من القصف، لم يدعمنا أحد سوى رجال أمثال حافظ سلامة شيخ المقاومة، وغيرهم". يعود جاره عبدالعال ليوضح : "لا يدرك أهمية الكابتن غزالي وفرقة ولاد الأرض سوى من عاش تلك الفترة، حين كانت كلماتهم معبرة عما نريد قوله".
كلاهما اليوم يجلس في استرخاء تام في حي السويس الذي ينتمي إليه الكابتن غزالي، تفهما أن يكون هناك من ليس له صلة بهذه الحقبة من سكان المدينة، يقول الحاج أحمد حلمي بدر وهو يشير إلى مئذنة مسجد الغريب: "السويس لم تسمى بمدينة الغريب نسبة إلى سيدي الغريب فقط، بل لأنها مدينة الغرباء التي تحتضن القادمين وراء ارزاقهم".
سائق التاكسي الشاب الذي بدأ رحلته من أمام مسجد الغريب متوجها إلى أطراف حي السويس، لم يعرف اسم "الشهيد مصطفى أبو هاشم" أحد شهداء المقاومة الشعبية، تساءل : "من هو؟! هل تبحث عن أهله؟"، المفارقة انه أطلق مؤخرا اسم هذا الشهيد على شارع البرج المتفرع من شارع الجيش الرئيسي في المدينة. العاملون في مبان مجاورة للشارع لم يعرفوا تلك المعلومة، ولم يعرفوا هوية صاحب الشارع، وآخرون خلطوا بينه وبين أخيه عضو المجلس المحلي السابق إبراهيم أبو هاشم. و حتى اليوم يستخدم الاسم القديم للشارع "شارع البرج".
داخل أحد محلات الفيديوجيم في الشارع لم يعرف مدير المحل الشاب من هو صاحب الشارع، قال : "ليس لدي فكرة عن قصة مصطفى أبوهاشم، ربما يعرفه أحد كبار الحي". أشار إلى الحاج رضا العطيفي في محل مجاور لبيع الهدايا.. رجل أنهكه المرض رغم نجاته من شظايا دانات الاسرائيليين أثناء سنوات الحرب.
يقول الحاج العطيفي : "الشباب مشغولون عن تلك الشخصيات، وليس من سمع كمن رآى"، كان الحديث معه عن تجربة ولاد الأرض وذكرى شهداء المقاومة دافعا لأن يردد بعض أشعار الكابتن غزالي التي كانت شائعة وقتها بين من بقوا في السويس، واستمر في سرد تفاصيل سير الشهداء و عمليات يوم 24 أكتوبر حين اقتحمت القوات الاسرائيلية المدينة ونجحت المقاومة مع الأهالي في إفشال مخططهم. يجلس الحاج العطيفي اليوم في متجره الصغير لقضاء وقته مستمتعا بتاريخ عائلته القديم في المدينة إلى جوار جاره الجديد "الشهيد مصطفى أبو هاشم" الذي زين اسمه لافتة على جدران عمارة مجاورة، حيث يمر العابرون فلا يرفعون أعينهم لتأمل الإسم أو البحث عن سيرة صاحبه.
حسب مصادر في محافظة السويس فإن المدينة تتميز بنشاط لجنة تسمية الشوارع التي تراعي تخليد أسماء شهداء الشرطة والجيش وشهداء المقاومة الشعبية وغيرهم من الشخصيات الوطنية الهامة إلى جانب أن المحافظة تنظم جولات لأبطال المقاومة الباقين بين المدارس أثناء احتفالات المدينة.
السمسمية في مساكن السوايسة
وسط مساكن شعبية ذات طراز واحد في حي كوبري القبة بالقاهرة هناك أحد عشر "بلوكا" سكنيا يحملون اسما مميزا عن بقية المساكن هو "مساكن السوايسة"، جاء هذا الاسم نتيجة استضافة هذه المساكن للمهاجرين من مدن قناة السويس فرارا من حرب 67، تلك المساكن ما هي إلا أحد الأماكن التي انتقل إليها المهجّرون مثل أماكن أخرى في شبرا الخيمة وإمبابة ومدينة نصر، وغيرها من المدن المصرية خارج العاصمة. في داخل واحد من هذه المساكن مكتب يحمل اسم "الجهيني للسيارات والعقارات" يديره محمود القط الذي يضع خلفه صورة تتصدر مكتبه وهو يعزف على آلة السمسمية الشهيرة، تبدو الصورة للوهلة الأولى مختلفة عن السياق من حوله، لكن أصل هذه المساكن قد يبرر هذا المشهد. يقول: "بعد الحرب تشتت السوايسة كل حسب اتجاه القطار الذي لحق به وقتها، جئنا إلى هنا قبل أكثر من أربعين سنة، وسكنا تلك المساكن التي لم تكن معدة لاستقبالنا ورفضنا تركها أثناء الحرب لعدم وجود البديل، أما اليوم فلم يتبق من كافة هذه الأسر المهجّرة سوى عدد قليل جدا يعد على أصابع اليدين ارتبطت أرزاقه بالمكان ولم يعودوا إلى السويس وتبدلت المساكن بسكان آخرين".
على بعد أمتار منه "سوبر ماركت أولاد يوسف السويسي" حيث استمر الجيل الثاني من المهاجرين السوايسة في القاهرة متابعا حياته، وفي الناحية الأخرى جمعية خدمات لأبناء مدينة السويس تأسست عام 1973 و تعمل اليوم في أنشطة خدمية مختلفة أهمها تعليم الكبار. في تلك الفترة التي ترك فيها أهالي السويس مدينتهم لم يكن البقاء خيارا مفضلا حتى من جانب الدولة، كانت الخطة الحكومية آنذاك تتجه نحو تهجير أغلب سكان المدينة وإبقاء حوالي 15 ألف مواطن لإدارة شؤونها الأساسية، وفي تلك الأثناء هاجر عشرات الآلاف إلى أماكن متفرقة في محافظات مصر منهم تلك المجموعة التي سكنت في كوبري القبة، يقول محمود الذي قارب اليوم على الخمسين: "حين أراد والدي العودة بعد الحرب إلى عمله السابق في الميناء لم توافق جهة عمله في قسم شرطة حدائق القبة رغم عودة أعمامي وبعض إخوتي وتعمير منازلنا هناك، لكن هذا لم يقطع صلتي بالمدينة".
محمود القط الذي نشأ في القاهرة اختار اليوم أن يجلس في أوقات السمر بين رفاقه وبيده السمسمية، لم يخف تأثره بتجربة "ولاد الأرض" وعشقه للكابتن غزالي وأغاني المقاومة، وفي جلسات خاصة مع الرفاق يحاول أن يحاكي أجواء السويس على أرض القاهرة. ويعلق على هذا : "بعيدا عن عملي أصدرت ألبوما متواضعا منذ فترة شاركت فيه مع مطربين شعبيين بالعزف على السمسمية". وعلى استحياء يشير إلى آلة السمسمية في غرفة مجاورة لمكتبه معتبرا إياها العلامة الوحيدة التي تعبر عن هويته الآن، وسط مساكن لم يعد للسوايسة فيها سوى حضور رمزي.
وسط مساكن شعبية ذات طراز واحد في حي كوبري القبة بالقاهرة هناك أحد عشر "بلوكا" سكنيا يحملون اسما مميزا عن بقية المساكن هو "مساكن السوايسة"، جاء هذا الاسم نتيجة استضافة هذه المساكن للمهاجرين من مدن قناة السويس فرارا من حرب 67، تلك المساكن ما هي إلا أحد الأماكن التي انتقل إليها المهجّرون مثل أماكن أخرى في شبرا الخيمة وإمبابة ومدينة نصر، وغيرها من المدن المصرية خارج العاصمة. في داخل واحد من هذه المساكن مكتب يحمل اسم "الجهيني للسيارات والعقارات" يديره محمود القط الذي يضع خلفه صورة تتصدر مكتبه وهو يعزف على آلة السمسمية الشهيرة، تبدو الصورة للوهلة الأولى مختلفة عن السياق من حوله، لكن أصل هذه المساكن قد يبرر هذا المشهد. يقول: "بعد الحرب تشتت السوايسة كل حسب اتجاه القطار الذي لحق به وقتها، جئنا إلى هنا قبل أكثر من أربعين سنة، وسكنا تلك المساكن التي لم تكن معدة لاستقبالنا ورفضنا تركها أثناء الحرب لعدم وجود البديل، أما اليوم فلم يتبق من كافة هذه الأسر المهجّرة سوى عدد قليل جدا يعد على أصابع اليدين ارتبطت أرزاقه بالمكان ولم يعودوا إلى السويس وتبدلت المساكن بسكان آخرين".
على بعد أمتار منه "سوبر ماركت أولاد يوسف السويسي" حيث استمر الجيل الثاني من المهاجرين السوايسة في القاهرة متابعا حياته، وفي الناحية الأخرى جمعية خدمات لأبناء مدينة السويس تأسست عام 1973 و تعمل اليوم في أنشطة خدمية مختلفة أهمها تعليم الكبار. في تلك الفترة التي ترك فيها أهالي السويس مدينتهم لم يكن البقاء خيارا مفضلا حتى من جانب الدولة، كانت الخطة الحكومية آنذاك تتجه نحو تهجير أغلب سكان المدينة وإبقاء حوالي 15 ألف مواطن لإدارة شؤونها الأساسية، وفي تلك الأثناء هاجر عشرات الآلاف إلى أماكن متفرقة في محافظات مصر منهم تلك المجموعة التي سكنت في كوبري القبة، يقول محمود الذي قارب اليوم على الخمسين: "حين أراد والدي العودة بعد الحرب إلى عمله السابق في الميناء لم توافق جهة عمله في قسم شرطة حدائق القبة رغم عودة أعمامي وبعض إخوتي وتعمير منازلنا هناك، لكن هذا لم يقطع صلتي بالمدينة".
محمود القط الذي نشأ في القاهرة اختار اليوم أن يجلس في أوقات السمر بين رفاقه وبيده السمسمية، لم يخف تأثره بتجربة "ولاد الأرض" وعشقه للكابتن غزالي وأغاني المقاومة، وفي جلسات خاصة مع الرفاق يحاول أن يحاكي أجواء السويس على أرض القاهرة. ويعلق على هذا : "بعيدا عن عملي أصدرت ألبوما متواضعا منذ فترة شاركت فيه مع مطربين شعبيين بالعزف على السمسمية". وعلى استحياء يشير إلى آلة السمسمية في غرفة مجاورة لمكتبه معتبرا إياها العلامة الوحيدة التي تعبر عن هويته الآن، وسط مساكن لم يعد للسوايسة فيها سوى حضور رمزي.
No comments:
Post a Comment