Sunday, May 24, 2015

أنشطة للهروب من التوتر والقلق

بين ركوب الدراجات وجلسات التأمل وتمارين الزومبا.. أنشطة تضم مشاركين يهربون من صخب الحياة واستنزافها إلى مجموعات تتبنى الترفيه والمرح والسعى إلى التغيير، بعضهم تبدلت حياته بعد ممارسة هذه الأنشطة، وآخرون اكتفوا بالمشاركة والحصول على هدنة، ترتاح فيها عقولهم من التوتر والقلق.
..
«جمعة الدراجات» الأسبوعية.. هواية وترفيه ومرح
فى تمام الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الجمعة، فى شارع قريب من ميدان الساعة فى حى مدينة نصر، تتراص الدراجات فى انتظار اكتمال عدد المشاركين فى جولة بين مدينة نصر وباب الفتوح فى منطقة الجمالية، يلتقط بعض الواقفين دراجات لتجربتها فى الوقت الذى ينشغل فيه مؤسسو فريق (يلا عجلة) بتنظيم ترتيبات الفعالية.
«نتطلع إلى تحقيق نجاح فى نشر ثقافة ركوب الدراجات، وأن ننجح كفريق فى جذب رعاة لنشاطنا، وأن نتوسّع بشكل أكبر ويزداد عدد المشاركين، فما زلنا فى بداياتنا الأولى». يتحدث محمود مصطفى المهندس الشاب بإحدى شركات البترول عن تجربته التى خاضها مع زميليه معتز هشام ومحمد صلاح، حين أسسوا فريق (يلا عجلة) الذى بدأ نشاطه مع بداية شهرمايو. فى ذلك اليوم كان الاختيار أن تكون مدينة نصر هى نقطة انطلاقهم بسبب سعة شوارعها، وإمكانية الانتقال إلى العديد من الأماكن الأخرى المجاورة ذات الشوارع الفسيحة.
هناك أسلوبان للمشاركة فى فاعليات الفريق، الأول أن يأتى المشارك بدراجته الشخصية، أما الثانى فأن يؤجر المشارك دراجة فى مقابل 25 جنيها.
«القيمة منخفضة نسبيا عن فرق أخرى، ولا نحصل إلا على ما يغطى نفقات الرحلة الواحدة، مع هامش ربح بسيط يغطى ثمن دراجات الفريق على المدى البعيد». مازال الحديث لمحمود مصطفى الذى بدا مشغولا مع زملائه فى توضيح بعض النقاط للمشاركين، أهمها أن الرحلة ليست سباقا، وأن على كل فرد أن يظل ملتزما بالتحرك خلف زميله دون الانحراف إلى منتصف الشارع.
فى يوم الجمعة من كل أسبوع تنشط عدة مجموعات لقيادة الدراجات صباحا، حيث تنتشر فى مناطق مثل التجمع الخامس، ومصر الجديدة، والزمالك، والمعادى، وغيرها. ففى صباح اليوم نفسه الذى خاض فيه فريق (يلا عجلة) فعاليته، كان أعضاء فريق (فوربايك) قد اجتمعوا من الساعة السابعة صباحا فى حى الزمالك للانطلاق فى جولتهم بين شوارع الحى الهادئ صباحا. وكانت البدايات الأولى لظهور مجموعات ركوب الدراجات مع العام 2008 بين القاهرة والاسكندرية، كان أبرزها مجموعة (سايكل إيجيبت) ومجموعات أخرى ظهرت فى منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، حتى توالى ظهور المجموعات المشابهة فى السنوات الأربع الأخيرة. ومع توالى ظهور تلك المجموعات كان محمد سليمان أحد من تابعوا تطورها على مدى تلك السنوات، واختار أن يؤسس فريق (فور بايك) فى العام 2012 للمهتمين بعالم الدراجات، حيث لم يقتصر نشاط الفريق على منطقة محددة، بل انتقل بين المحافظات وخارج القاهرة.
«ما رأيته خلال سنوات قضيتها فى هذا المجال، أن هناك من يتعاملون مع الأمر على أنه وسيلة ترفيه يحتاجها بصورة أسبوعية، وآخرون يعتبرونه نشاطا ينطلقون من خلاله فى شوارع القاهرة بحرية وأمان، هذا بعيدا عن كون قيادة الدراجات وسيلة انتقال نموذجية». هكذا تحدث مؤسس فريق (فور بايك) عن شخصيات شاركت معه على مدى سنوات، خاضوا فيها حب الانطلاق بين أماكن متنوعة، مستكملا حديثه قائلا: «يشارك معنا شخصيات ذات مناصب ومسؤوليات عالية، لكنهم وجدوا فى قيادة الدراجات فرصة للانطلاق والهروب من الضغوط اليومية».
بالعودة إلى ميدان الساعة فى مدينة نصر وفريق (يلا عجلة)، فإن المشاركين قد بدأوا فى الاستعداد للانطلاق بدءا من الساعة الثامنة صباحا. ياسر حلمى وإسراء أحمد طالبة الفنون الجميلة، كانا ضمن المشاركين مع أصدقائهما، وبينما يتذكر ياسر بعض المواقف التى تعرض فيها لسخرية من المارة، وهو ما حدث بشكل سريع أمام بوابة الفتوح فى ذلك اليوم، حين تلقوا عبارات مازحة من المارة، إلا أن زميلته إسراء تتذكر مواقف إيجابية مثل دعم المارة لها كفتاة تنطلق بدراجاتها فى فعاليات سابقة. وفى فعاليات أخرى يعود بعض المشاركين إلى منازلهم ليدونوا انطباعاتهم على صفحة الفريق فى شبكة فيسبوك الاجتماعية، ويقدموا عبارات من نوعية «لازم أشكركم بجد إنتم شقلبتم يومى كله.. عمر ما كان هيكون كده الا بيكوا. أنا فخووور بيكوووا جدا جدا» هذا ما ذكره أحدهم فى إحدى الفعاليات الأخيرة.
بدأت رحلة فريق (يلا عجلة) فى شارع صلاح سالم، بمشاركة فريق آخر هو (كايرو سبورت)، وهو فريق لا يتخصص فقط فى ركوب الدراجات، بل يهدف إلى تشجيع الرياضات والترفيه بشكل عام، ينظم مباريات فى البولنيج والمشى والتنس وغيرها، وفى ذلك اليوم كانت هناك شراكة بين المجموعتين فى الانطلاق سويا إلى القاهرة الفاطمية، حيث لم يقتصرالأمر على مجرد التحرك بالدراجات، بل أعقبه جولة فى شارع المعز وإفطار جماعى.
تسعى فرق قيادة الدراجات إلى تقديم خدمات أفضل وتحقيق سمعة جيدة لدى المشاركين، ليجنى أكثرها نشاطا فرصة كسب رعاة لفعالياته والحصول على دعم من جهات مهتمة بهذا النشاط.
«ندعم قيادة الدراجات لما يمكنها أن تقدم من حلول لمشاكل التلوث البيئى وتجاوز مشكلة الزحام، لذا نتواصل مع فرق قيادة الدراجات المختلفة، وندعم رسم خطوط أرضية تحدد مسارات الدراجات فى طرق مدينتى شبين الكوم والفيوم». تتحدث ندى طنطاوى الاستشارى الإعلامى لمشروع استدامة النقل فى مصر، الذى ينفذه جهاز شئون البيئة بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومرفق البيئة العالمية. وترى المستشارة الإعلامية أن على الدولة أن تقدم خدمات تدعم هذا التوجه، بتحديد طرق ومسارات تساعد فى انتشار الفكرة، طامحة أن تتاح الفرصة للمتطوعين بأن يتحركوا لطلاء مسارات فى الطرق للدراجات، وتقول: «انتشار الفرق التى تشجع على قيادة الدراجات هى بداية قبول قيادة الدراجات فى الشارع». ويخصص «مشروع استدامة النقل فى مصر» أماكن قرب الجامعات ومحطات النقل لتخزين الدراجات، على أمل تسهيل الضغوط التى تواجه قائد الدراجة فى الشارع المصرى، على حد قول ندى طنطاوى. أما الهدف الأبعد ذو الطابع الدولى، فهو تخفيض الانبعاثات ودرجة التلوث باللجوء إلى وسائل نقل آلية كالدراجات.
..
«ينشغل عقلنا بتفاصيل الحياة اليومية وأعبائها، لذا نسعى هنا إلى تنشيط العقل الباطن، وأن نعط استراحة لعقلنا من الاستهلاك اليومى». يتحدث مصطفى جاد مؤسس مبادرة سلام الدولية ومدرب التأمل، وهو يجلس فى صالة جانبية من مكتبة البلد فى منطقة وسط البلد القاهرية، حيث يبدأ فى تجهيز المكان لجلسة التأمل الأسبوعية التى تحمل عنوان «التخيل الذهنى على الطريقة الصوفية». يوقد الشموع ويشعل أعواد البخور، وفى خلفية حديثه موسيقى معـَدة خصيصا لجلسات التأمل، ألّفها موسيقيون متخصصون بهدف التحكم فى مزاج الحاضرين بنغمات الموسيقى. يستكمل مصطفى جاد حديثه قائلا: «هناك أنواع عديدة من التأمل، واخترنا التأمل التجاوزى فى هذه الجلسة، حيث نتجاوز التفكير الظاهر بتفكير آخر باطنى، ونفتح مساحات للتخيل والاسترخاء من أجل راحة العقل».
تدرب مصطفى جاد على يد متخصصين عرب وأجانب فى مجال التأمل، مضيفا لمساته على جلسات التأمل التى ينظمها مع الالتزام بالقواعد العامة المتفق عليها فى هذا النوع من الجلسات. وأسس مصطفى جاد فى العام 2013 مبادرة سلام التى تعمل فى العديد من المجالات الفنية، منها الفن الروحانى كالتأمل واليوجا، كما يتم توجيه الحاضرين فى بعض الجلسات إلى الرسم أو العزف أثناء الجلسة.
تبدأ الجلسة وسط رائحة البخور حين يدخل أعضاء الجلسة الذين التقوا لأول مرة إلى الصالة، ويطلب المدرب أن يجلس كل شخص بعيدا عن أصدقائه أو أقربائه حتى يشعر بحرية أكبر فى أثناء الجزء الخاص بالتخيل دون تأثير خارجى، يجلس الجميع فى دائرة تحيط بها رائحة البخور من كل جانب، ويشرح المدرب الأقسام الثلاثة للجلسة، ثم يبدأ الجزء الأول بمجرد إطفاء الأنوار والإبقاء على ضوء الشموع، مع نور بسيط يتسلل أسفل ستارة سوداء فى واجهة الصالة.
من بين نحو 20 فردا جمعتهم الرغبة فى التأمل والسكون فى مكتبة البلد، كان أحمد عز الذى يعمل فى إحدى شركات البترول قد حضر جلسة سابقة، ثم أعاد التجربة مرة أخرى قائلا: «أنا أفكر فى عدة أشياء فى الوقت نفسه، سواء مشاكل شخصية أو مهنية، وأجرى عدة لقاءات فى اليوم الواحد، لذا أبحث عن تجربة أصفى بها ذهنى وأقلل من التوتر». يخوض أحمد عز تلك التجربة، طامحا أن يستمر فى ممارسة التأمل، حتى إن كان ذلك بشكل فردى فى منزله أو فى مكان مفتوح، خاصة أن المدرب قد وعد فى الجلسة بإعطاء إرشادات تساعد الحاضرين فى ممارسة التأمل بشكل حر.
فى الجزء الأول من الجلسة، يؤهل المدرب الحاضرين بطلب الجلوس فى جلسة مريحة، حيث يحركون أصابعهم بشكل دائرى وهم مغمضو الأعين، يستمعون إلى الموسيقى ويميلون رءوسهم فى حركات دائرية لمدة ربع ساعة. بعدها يطمئن المدرب على الجميع، ثم يبدأ الجزء الثانى مع مقطوعة موسيقية ذات طابع صوفى، مطالبا إياهم بإطلاق خيالهم لصنع تصورات عن الموسيقى وإبداع مشاهد أثناء تأملهم الصامت. بعد انتهاء الموسيقى يسأل المدرب عن المشاهد التى تخيلوها، ثم ينتقل الجميع إلى الجزء الثالث مع إنشاد دينى للشيخ نصر الدين طوبار، وفى جلسات أخرى تقوم هذه الجلسة على إبداع الحاضرين فى الرسم أو العزف الموسيقى، والهدف من هذا الجزء هو التأمل الحر والتخلى عن الأفكار التى ينشغل بها العقل الواعى.
كانت ممارسة التأمل أحد الموضوعات التى اهتمت بها الدراسات الطبية فى عدد من الجامعات العالمية، منها ما نشرته مجلة الجمعية الأمريكية لأطباء القلب، إذ توصلت دراسة تعود إلى العام 2012 إلى أن ممارسة التأمل تقلل من احتمالات الوفاة بالسكتة القلبية بنسبة 48% مقارنة بالذين لا يمارسون التأمل. بينما قالت دراسة حديثة صادرة عن جامعة بليموث البريطانية أن ممارسة التأمل يمكنها أن تكون بديلا عن العقاقير الكيميائية المضادة للاكتئاب.
«زيادة القدرة على التركيز هى الهدف الرئيسى من جلسة التأمل، وما نقدمه هنا هو مستوى للمبتدئين، فهناك مستويات أعلى فى جلسات التأمل تقام فى أماكن مفتوحة، كالتى أقمناها فى حديقة الأزهر أخيرا». يوضح المدرب مصطفى جاد أن الهدف الرئيسى من هذا النشاط أن يبتعد المشارك عن ضغوط الحياة والقلق والتوتر.
تنتهى الجلسة بعد أقل من ساعة، بسؤال من المدرب إلى الحاضرين عن تأثير التجربة عليهم، بينما يتوجه الجميع بعد الإجابة إلى الخارج، حيث يواجهون حياتهم بذهن أهدأ.
حين بدأت يمنى محمد الفتاة العشرينية ممارسة تمارين «الزومبا» قبل سنتين، كانت تمر بحالة من السخط بسبب ضغوط الحياة والضيق من دراستها لطب الأسنان، ورغم ممارستها الرياضة فى سنوات سابقة، فإنها اختارت قبل سنتين أن تحضر دروس الزومبا، على أمل أن يعدل ذلك من مزاجها.
«أستطيع القول بأن حياتى قد تغيرت بعد الانتظام فى هذه التمارين، فهى تستهلك الطاقة السلبية التى نتحرك معها على مدى اليوم، وأصبح اليوم الذى أبتعد فيه عن التمرين يوما ناقصا». تتحدث يمنى محمد عن تجربتها التى أثرت فى مجرى حياتها إلى حد كبير.
«الزومبا» برنامج لرفع مستوى اللياقة البدنية، تأسس على يد مدرب كولومبى اسمه بيتو بيريز فى التسعينيات، قائم على مزج الرقص اللاتينى مع حركات الأيروبكس الرياضية، وانتشرت الزومبا بين أكثر من 180 دولة، ويمارسها 15 مليون شخص، وذلك حسب موقع zumba.com، الذى يقدم معلومات عن هذا النشاط، ويسجل المدربين المعتمدين حول العالم.
كما تشير نتائج دراسات منشورة إلى تأثير الزومبا على تنظيم ضربات القلب ومقاومة الاكتئاب وحرق السعرات الحرارية.
أما الطبيبة الشابة يمنى محمد فقد اتخذت قرارا بعد سنة قضتها مع تمارين الزومبا، وحولت إحساسها بالنشاط إلى طاقة دفعتها إلى أن تصبح مدربة معتمدة فى هذا المجال، وأصبح ذلك عملاً إضافياً لا يبعدها عن تخصصها الأصلى فى طب الأسنان.
فى داخل صالات التدريب تبرز ظاهرة تمثيل الفتيات بنسبة أكبر عن الشباب، وهو ما تعلق عليه سالى سلامة المدربة المعتمدة قائلة: «ازدياد اقبال الفتيات عن الرجال هى ظاهرة عالمية، كذلك فإن طبيعة المجتمع تفصل أحيانا بين الرجال والنساء أثناء ممارسة هذه التمرينات». وتوضح المدربة التى تصدرت بعض الفعاليات أخيرا أنها وجدت حين بدأت التدريب فى العام 2007 أن ممارسة هذه التمارين مقتصرة على ثلاثة مراكز رياضية، بينما تلاحظ الآن أن عدد المتقدمين للحصول على تدريب معتمد فى هذا المجال يزيد على 200 متقدم كل شهرين.
خرجت ممارسة تمارين الزومبا أخيرا إلى مساحات أخرى فى الأماكن المفتوحة ضمن فعاليات عامة، مثل استغلالها فى حملة ضد التحرش قبل عام، ورعاية المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدى لفعالية أخيرا استغلت الأجواء المرحة للزومبا فى التعبير عن دعم مرضى السرطان. وحسبما تشرح سالى سلامة فإن ممارسة هذا النشاط يزيد من وعى الفرد بجسده، وإحساسه بالقدرة على التحكم، ما يزيد الثقة بالنفس.
وفى الوقت الذى يتكلف فيه الفرد ما يوازى 300 دولار كى يصبح مدربا معتمدا لتمارين الزومبا، فإن العاملين فى هذا المجال ينفون أن يكون هذا النشاط مقتصرا على فئة ميسورى الحال، إذ تقول سالى سلامة إن إحدى الفعاليات لم تكلف الفرد أكثر من 50 جنيها، وأن تلك التمارين قد أصبحت جزءا أساسيا فى العديد من الصالات الرياضية، كما أن هناك مدربين معتمدين خارج القاهرة.
أما الطبيبة الشابة يمنى محمد التى احترفت التدريب على الزومبا قبل سنة، فترى أن أجواء النشاط والمرح والحرية المرتبطة بهذه التمارين، لابد أن يصاحبها مدرب ذو مزاج منفتح، لا تفارقه الابتسامة طول الوقت، لديه اهتمام بالمتدربين، حتى إن اقتصر هدف بعضهم على التخسيس.

Wednesday, May 20, 2015

الدين الذى يسعى إليه المصريون

 التدين الشعبى والتصوف.. التحليق بعيدًا عن صراعات السياسة

يتصدر الشأن الدينى واجهة المشهد السياسى، لارتباط الفكر الدينى المتطرف بأحداث العنف والإرهاب فى مصر، وفى الوقت الذى تتبنى فيه الدولة سياسات جديدة فى مؤسساتها لإحكام القبضة على ملامح الخطاب الدينى، والابتعاد عن التطرف، مازالت شريحة من المصريين تمارس التدين الشعبى عيدا عن الحلول الرسمية
- شحاتة صيام أستاذ علم الاجتماع: الصوفية هى الحاضنة الوحيدة للتدين الشعبى
- منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية: لا نسعى إلى سلطة أو مكسب سياسي
- الشيخ عادل نصر : المصريون معتدلون دينيا أما انحرافات الموالد فليست من الشرع
- خالد عبده الباحث في شؤون التصوف: الصوفية تركت أثرا عميقا في شخصية المصريين
يتواجد الاثنان فى المكان نفسه دون أن يلتقيا، الأول محمد فتحى الموظف بالمعاش الذى جاوز الستين بعامين، والثانى مصطفى رمضان الشاب الذى يبلغ الحادية والعشرين من عمره، كلاهما من أبناء حى السيدة زينب، يحرصان على الوجود وسط أبناء الطرق الصوفية وزوار«السيدة»، ليتحولا إلى جزء من مشهد روحانى يغطى محيط مسجد السيدة زينب.
«مولد السيدة زينب هو فرصة أنضم فيها إلى أبناء الطرق الصوفية، أشاركهم الذكر والانشاد، ثم أعود مطمئنا إلى منزلى.. هذا ما اعتدت عليه منذ سنوات عديدة».
تحدث الحاج محمد فتحى فى أثناء حضوره مولد السيدة زينب الذى أقيم أخيرا، بينما كان الشاب مصطفى رمضان فى سرادق تقيمه عائلته، حيث يوزع الطعام على الفقراء وزوار المسجد. لا يعتبر أى منهما نفسه صوفيا، لكنهما يندمجان بين أبناء الطرق الصوفية الذين تواجدوا فى السرادقات، ويصف مصطفى الشاب سبب مشاركته قائلا: «الهدف من وجودى هو تقديم الخير.. لا شىءآ خر».
فى كتاب (الدين الشعبى فى مصر) للكاتب شحاتة صيام أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم، يضع تعريفا للدين الشعبى بأنه «إسلام الطبقات الشعبية الضعيفة، التى تبتعد عن الإطار الرسمى وعن الحياة اليومية، وتنغمس فى الحياة الروحية». قد لا ينطبق هذا القول بشكل كامل على نموذج مثل موظف المعاش المحب لحلقات الذكر، ولا على الشاب الذى يقدم الطعام فى المولد كتقليدى عائلى، بقدر ما ينطبق على عدد غفير من المهمشين المحلقين حول مقامات العارفين بالله، والمؤمنين ببركة الأضرحة وقدرات المشايخ وكراماتهم، أو على حد قول شحاتة صيام فى حديثه لـ«الشروق» : «لنبحث خارج الحضر، ونتعمق فى الريف، ومجتمعات المهمشين سنرى تلك النماذج ما زالت متمسكة بتدينها الشعبى». ويبدأ فى شرح المزيد عن التدين الشعبى فى مصر، واصفا إياه بأنه «تدين خارج إطار المؤسسات، متحرر من أى وصاية، هو منتج شعبى يهدف إلى مقاومة كل سلطة دينية».
بعض المشاهد فى الموالد الصوفية تقدم هذا المعنى، كأن ترقص امرأة على نغمات الذكر الصوفى، أو أن يمر رجل ذى عمامة خضراء يدخن سيجارة فى حلقة للذكر، كلها مشاهد تقوم على التحرر من الشكل الرسمى للتدين أو الالتزام الحرفى بالتعاليم الدينية، وهو مستوى يختلف عن مستوى نماذج مثل محمد فتحى الموظف بالمعاش الذى يحضر دروس وحلقات ذكر صوفية باحثا عن الرضا والأمل، بينما يبدو الأمر أكثر وضوحا مع مصطفى رمضان الشاب الذى يوزع مع أفراد عائلته الطعام فى مولد السيدة زينب كل عام، إذ يروا أن ما يفعلونه ليس تقديم«نفحة» صوفية حتى إن ظن البعض ذلك، بل هو عمل خيرى.
«هناك قيم قدمها التصوف إلى المجتمع المصرى، وأزعم أن المصريين من أشد الناس تأثرا بالتصوف ومحبة آل البيت، لكن هذا لا يمنع من وجود ثغرات ينفذ منها من ينتقدون التصوف». يتحدث مصطفى زايد، منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية، عن الفاصل بين التدين الشعبى المتوغل فى سلوكيات المصريين، والقلق على صورة الصوفى المتدين من بعض السلوكيات «الشعبية». لذا يضيف أن «التصوف منهج حياة وليس مجرد انضمام إلى طريقة صوفية، بل هناك من المتصوفة من أصبحوا يبتعدون عن الصخب والأجواء الاحتفالية».
البديل الصوفى
كان هناك رهان لدى بعض الباحثين والكتاب فى العام الماضى على إمكانية أن تحل الصوفية محل تيار الإسلام السياسى الذى انسحب من المشهد، وحسب حديث منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية فإن الأمر ليس بهذه البساطة، بسبب انكباب قيادات الطرق الصوفية على مشكلاتهم الداخلية دون انفتاح على المجتمع، إلى جانب أمر آخر أهم من وجهة نظره، أنه من الصعب أن تحدث منافسة فى وقت من الأوقات بين التيارات الإسلامية والصوفية، إذ يقوم التصوف على تقديم الخير والدعم والتعبد دون النظر إلى المكسب السياسى، ولا تهدف الصوفية إلى زيادة عدد الأتباع بقدر أهمية تأثيرها على من حولها، أيا كان عدد المريدين.
فى جانب آخر يوضح شحاتة صيام أن نمو التيارات السلفية فى المجتمع المصرى، ليس دليلا على أنها تمثل «تدينا شعبيا»، إذ يؤكد على أن التدين الشعبى قائم على التحرر من السلطة الدينية وسطوة النصوص، وهو الأمر الذى لا تقدمه السلفية أو تيار الاسلام السياسى الذى يسعى إلى فرض سلطة على المجتمع، على عكس الصوفية.
فى هذا الزحام تقع مظاهر التدين الشعبى التى تحتضنها الصوفية فى مرمى النيران لأسباب متنوعة، على سبيل المثال فقد دار جدل فى العام 2009 حول كسوة ضريح مسجد الإمام الحسين التى وضعت باللون الأسود بعد تجديدات جرت فى المسجد، وتم توجيه اتهامات بأن ذلك إشارة على نفوذ الشيعة فى مصر، وتم تغيير لون الكسوة إلى اللون الأخضر بتأييد من بعض مشايخ الصوفية على اعتبار أن اللون الأخضر هو لونهم المفضل. لكن هذه التفاصيل الصغيرة أحيانا ما تطفو مرة أخرى، إذ ما زالت بعض المنتديات السلفية على الإنترنت، تحتفظ بأسئلة عن حكم استخدام الإضاءة باللون الأخضر فى بعض المساجد، وهو ما أزعج بعضهم واعتبره بدعة. تلك الاشتباكات البسيطة تطورت فى الأعوام التالية لثورة 25 يناير إلى تهديدات بمنع الموالد وهدم الأضرحة الصوفية، حتى انسحب تيار الإسلام السياسى من المشهد.
«المصريون فى تدينهم أقرب إلى الاعتدال والوسطية، إما أن نربط بين تدينهم ومظاهر انحرافات عن المنهج الشرعى كالتى تظهر فى الموالد وغيرها، فمن الظلم أن نقول أن هذا هو تدين المصريين، بل هو قلة علم وضعف فى الوعى الدينى لدى البعض».
يرى الشيخ عادل نصر، المتحدث الرسمى للدعوة السلفية، أن هناك مرجعية واحدة شرعية لكل المسلمين، وأن انسحاب تيار الاسلام السياسى من المشهد لا يؤثر على حضور أبناء الدعوة السلفية، ومن الصعب أن يصنع الموقف الراهن منافسا «صوفيا» يكسب مساحات تركوها، وحتى مع سؤاله عن تأثير وجود قيادات دينية مهمة فى الدولة لها خلفية صوفية، فلا يرى ذلك سببا فى صراع، لأن المرجعية الشرعية واحدة، بينما يتعامل مع فكرة «التدين الشعبى» بمبدأ أنه من الواجب أن تتم مراجعة العادات والتقاليد ومقارنتها بالشريعة، ثم تقويم تلك العادات إن احتاج الأمر.
فى دراسة منشورة من العام الماضى لناجح إبراهيم الباحث الإسلامى والخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، طرح سؤالا تحت عنوان «هل يرث التصوف السنى الإسلام السياسى المصرى؟!»، لافتا إلى قيادات دينية تتصدر المشهد الإعلامى والدينى من ذوى الخلفية الصوفية، لكنه يطرح عائقا داخل نفس الدراسة أمام التقدم الصوفى حول «انصراف بعض أتباع التصوف للتدين الشعبى الذى تغذيه خطابات الموالد المختلفة، دونما اهتمام بتحصيل العلوم الشرعية، فأكثر الصوفية يتلقون عن مشايخهم العهد وليس العلم، باستثناء حالات محدودة» على حد قوله. وهنا يعود الحديث عن «التصوف العلمى» كنمط تدين بديل، واعتبار «التدين الشعبى» عبئا على تقدم الصوفية.
«الأمر الآن يتوقف إلى حد كبير على موقف الدولة، فنمط التدين الشعبى يمكن أن تتحكم الدولة فى مظاهره، أو أن تسمح به انصياعا لمبدأ حرية الاختيار.. الأمر كله يتوقف على ما يجرى الآن تجاه قضية الدين فى المجتمع». يتحدث خالد محمد عبده الباحث فى الفلسفة الإسلامية والتصوف عن مساحات التغيير الممكنة فى نمط التدين المصرى، ثم ينتقل إلى الجذور الثابتة التى تركها التصوف فى نمط التدين المصرى، قائلا: «يقدم التصوف مساحة من الحرية دون إكراه، نجدها فى المساجد الكبرى مثل السيدة زينب والحسين، وقد تركت الصوفية موروثا يدعم المستضعفين والفقراء، وهو ما زال راسخا لدى المصريين، وتلك الأمور ستظل متواجدة، لكن يظل فوقها حركة الدولة تجاه الدين».
حسبما يتحدث الباحث فى شئون التصوف، فإنه يطرح أن تقدم الدولة دعما لخطاب دينى راق، أيا كان من يتبناه، وهو ما سيرسخ ممارسة أفضل فى نمط التدين الحالى للمصريين.

الدين الرسمى للدولة

 - عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن: التجديد الدينى لا يتم إلا بواسطة العلماء

- إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة: عملية التجديد لابد أن تتم بعد مناقشات مفتوحة
قبل عام تقريبا، ظهر المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى فى أول حوار تليفزيونى يجريه فى أثناء حملته الانتخابية، وقال إن الخطاب الدينى فى العالم الإسلامى أفقد الإسلام إنسانيته أمام الآخرين، وأبدى اهتماما واضحا بقضية الدين وموقعه فى حياة المواطنين، وذكر أنه اجتمع بالعديد من القيادات الدينية والسياسية فى أثناء فترة عمله فى المخابرات العسكرية، وأبلغهم أن خطابهم الدينى لا يصلح لقيادة الدولة. وعلى مدى عام بعد هذه التصريحات وتوليه رئاسة الجمهورية، تكرر المعنى عدة مرات فى مناسبات مختلفة، منها ما ذكره فى كلمته أمام رجال الأزهر وعلماء الدين قائلا: «والله سأحاججكم أمام الله يوم القيامة» مطالبا بثورة دينية لتجديد الخطاب الدينى.
تلك التصريحات تزامن معها استجابة مباشرة من المؤسسات المعنية مثل وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء، بما يرسم صورة عن موقف رسمى من قضية الدين فى هذه المرحلة.
«يحمل الفقه الإسلامى وسائل تجديده، فهو فقه متجدد بطبعه لكن بقدرات من يتولون تعليمه وتدريسه، أما الذين يبعدون عن التخصص الدقيق، فليس بوسعهم أن يدركوا حقيقة ما يتم فى عملية التجديد». يتحدث عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون فى جامعة الأزهر، عن أن عملية التجديد الدينى يجب أن تتم على أيدى المتخصصين من أبناء الأزهر الشريف.
ويتوافق ذلك مع المادة (7) التى نص عليها الدستور المصرى لعام 2014 فى أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم».
وفقا لهذه الرؤية جرت عدة إجراءات كان أشهرها ما تم أخيرا تجاه الباحث إسلام البحيرى، حين أصدر الأزهر بيانا فى الشهر الماضى قال فيه: «إنه فى إطار قيام الأزهر بالحفاظ على الدين الإسلامى من التشكيك والتشويه وعدم السماح بأن ينال أحدهم من صورة الإسلام، أو أن يعبث بعقول الشباب، فقد تقدم الأزهر الشريف بشكوى إلى المنطقة الحرة الإعلامية بالهيئة العامة للاستثمار ضد البرنامج المذكور، لما يمثله من خطورة فى تعمده تشكيك الناس فيما هو معلوم من الدين بالضرورة». كما تقدم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بدعوى قضائية يطالب فيها بوقف بث برنامج الإعلامى إسلام بحيرى على قناة القاهرة والناس. ذكر فيها أن «جميع النصوص التشريعية أكدت أن الأزهر الشريف وشيخه هو صاحب الحق الأصيل والثابت فى الحفاظ على الثوابت الدينية، والتراث الإسلامى». هكذا كانت حركة الأزهر تستند إلى مرجعية الدستور المصرى فى حماية دوره القانونى.
أما وزارة الأوقاف الأكثر اتصالا بإنتاج الخطاب الدينى بحكم إشرافها على إدارة المساجد، فقد أدركت هذا الدور مبكرا، بأن حاولت اتخاذ عدة إجراءات للسيطرة على المنابر، مثل منع غير الأزهريين من الخطابة، وإعلان الوزارة تدشين غرفة عمليات لمراقبة مخالفات الخطباء فى المساجد المختلفة، ومنع الصلاة فى الزوايا الصغيرة. وبعد مسيرة شهور فى هذا الطريق تلقت وزارة الأوقاف فى ديسمبر الماضى رسالة شكر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، على دور غرفة عمليات الوزارة «فى ضبط الخطاب الدعوى بالمساجد»، ما أعطى انطباعا بأن الوزارة على الطريق السليم.
وتشير دراسة أعدها عمرو عزت الباحث فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تحت عنوان «لمن المنابر اليوم؟» إلى نتيجة مفادها أن احتكار الدولة قانونيا لإدارة النشاط الدينى الإسلامى حصريا، ومراقبتها لحدود النشاط الدينى، يقول إن الدولة تتخذ مكانة (الإمام)، وأنها تسعى إلى الحفاظ على مكانتها كممثل لجماعة المسلمين الموحدة، حيث لا ينازعها إمام آخر.
وأخيرا صدر حكما من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية يؤيد قرار وزير الأوقاف بالامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح لأحد المنتمين إلى التيارات الدينية المتشددة بمحافظة البحيرة، وأوضح بيان صادر عن مكتب الوزير أن الحكم بالنسبة إلى الوزارة بمثابة تأكيد على«اختصاص وزارة الأوقاف بالقيام بالنشاط الدعوى الدينى فى مصر والعالم العربى والإسلامى لتبيان صحيح الدين».
أما بعيدا عن الطريق الذى سلكته مؤسستى الأزهر والأوقاف فى تشكيل التدين الرسمى لهذه المرحلة، فإن مؤسسات أخرى قد استجابت بدورها، ومنها وزارة التربية والتعليم، وهو ما بدا واضحا فى خطتها استبعاد النصوص والموضوعات التى تحض على العنف أو الكراهية من المناهج الدراسية.
«كان هناك بالفعل أجزاء من نصوص يمكن أن تستخدم فى الحض على الكراهية أو تغذية العنف، فتمت مراجعتها من لجنة متخصصة والاستعانة بأكاديميين، تمهيدا لمراجعة شاملة لجميع المناهج الدراسية من لجنة عليا فى وزارة التربية والتعليم». تشرح ثناء جمعة، مديرة مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم، آليات العمل لتطهير المناهج من أى مواد تحض على الكراهية أو التطرف، كما تذكر أن مناهج التربية الدينية، تراجعها مؤسستى الأزهر والكنيسة.
ذلك الموقف الذى تتخذه الدولة من قضية الدين، ومحاولة مؤسساتها تشكيل نمط تدين رسمى يبتعد عن التحريض على العنف والكراهية، ينبئ عن سياسة عامة انخرطت فيها عدد من مؤسسات الدولة فى الشهور الماضية، ويبرز دور الأزهر واضحا مع ما منحه الدستور من سلطات، إلى جانب تأكيدات الرئاسة المصرية الدائمة على أهمية مشايخ الأزهر.
«هناك أزمة فى أن تطلب من مؤسسة محافظة أن تثور على ما حافظت عليه لسنوات، وأقصد أن مؤسسة الأزهر تهتم بقضية الحفاظ على ميراث الدين، فمن الصعب أن نطلب من المؤسسة نفسها أن تثور على جزء من هذا الميراث». الحديث لإبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الذى يرى أن عملية التجديد من وجهة نظره تعتمد بالأساس على مناقشات حرة ومفتوحة، قد يكون للأحزاب السياسية مشاركة فيها بحكم أن الدين فى النهاية هو شأن عام.

ى دراسة له تحت عنوان «التدين الشعبى لفقراء الحضر فى مصر« يضع الباحث عبدالله شلبى أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية التربية فى جامعة عين شمس ثلاثة تصنيفات لأنماط التدين المتداولة فى مصر:
ــ التدين الرسمى:
ويمثل هذا التدين اختيار الدولة لشكل التدين الذى تسعى لتحقيقه، مستخدمة فى ذلك جميع مؤسساتها الرسمية، ويتم استخدام الخطاب الدينى الرسمى كوسيلة للضبط والسيطرة وإضفاء الشرعية على سياساتها، استنادا إلى احتكار النص الدينى واحتكار تأويله. ويوضح الباحث أن الخطاب الدينى للدولة فى هذا النمط، يعتمد على التأكيد والتشديد على نصوص دينية بعينها، أو إهمال نصوص أخرى حتى يبسط نفوذه بإحكام.
ــ التدين السياسى المعارض:
فى هذا النمط يميّز الباحث بين فريقين، الأول يمثل الجزء المعارض من داخل التدين الرسمى، وهم من ينتمون إلى مؤسسات الدولة ويروجون آراء مخالفة لما تتبناه الدولة، أما النمط الثانى فهو نمط التدين الخارج على التدين الرسمى وعلى مؤسسات الدولة، وأكثر من يعبرون عنه أصحاب النزعة الجهادية والانفصالية، حيث تجمعهم تنظيمات تعبر عن قناعاتهم ويتبنون إجراءات لتطبيق تلك القناعات.
ــ التدين الشعبى:
يمثل هذا التدين هروبا من مواجهة واقع اجتماعى شديد القسوة، ومواجهة الظلم الاجتماعى والاستبداد والقهر السياسى، وينشأ هذا النوع من التدين بعيدا عن التعامل التقليدى مع الدين ونصوصه، بل هو قائم على وعى الناس بالماضى القديم الأسطورى وتراكم الطقوس القديمة فى المجتمع.
ويرى الباحث أن التدين الشعبى المصرى، لا يفرق فى جوهره بين المسيحية والإسلام لأنه قائم على بنية اجتماعية وثقافية واحدة، وظروفا تاريخية متشابهة. ويضيف بعض العناصر الجوهرية فى هذا النمط من التدين، منها: الإيمان بالله وبعالم الغيب، والقضاء والقدر، والقسمة والنصيب، والمقدر والمكتوب، والرزق المحدود والمكفول، واليوم الآخر، والبعث والنشور، والحساب والعقاب، والجنة والنار، وتوقير الموتى واحترامهم وزيارة قبورهم.

Thursday, May 7, 2015

كاميرات المراقبة.. عين السلطة والمواطن

 ــ «الكاميرا العطلانة» أزمة تعيق استخدام التسجيلات لضبط الجناة
ــ مدير الأمن الإدارى فى جامعة عين شمس: العدسات ترصد الجميع ولا تستهدف الطلبة
ــ العميد أيمن حلمى: هناك دول تفوقت علينا فى استخدام كاميرات المراقبة
ــ اللواء رفعت عبدالحميد: ما تسجله الكاميرا مجرد قرينة مفيدة وليس دليلا دامغا
ــ الدكتور محمود كبيش: لا خوف على الخصوصية ما دامت الكاميرات فى أماكنها الصحيحة
ــ المتحدث باسم محافظة القاهرة: مشروع الكاميرات سيبدأ عمله فى مايو الحالي
 
فى نهاية العام الماضى، خرج المتحدث الإعلامى السابق لوزارة الداخلية على شاشة إحدى الفضائيات، مؤكدا نية الوزارة تعميم استخدام كاميرات المراقبة للحد من الجرائم فى المجتمع المصرى، وأن العام 2015 سيشهد توسعا فى تركيب كاميرات المراقبة على مستوى مصر بأكملها. لم يكن هذا التصريح بعيدا عن إجراءات اتخذتها العديد من الجهات والمؤسسات لتركيب كاميرات مراقبة لديها، وهو ما انعكس على تكرار استعانة النيابة بتسجيلات تلك الكاميرات فى عدد من القضايا المهمة على مدى الشهور الأخيرة، مثل تفجير دار القضاء العالى واغتيال ضابط الأمن الوطنى محمد مبروك وقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ. تلك الحالة تكشف عن توجه رسمى حكومى نحو التوسع فى المراقبة بواسطة الكاميرات.
«تتبنى وزارة الداخلية موقفا داعما لهذا التوجه حرصا منها على المصلحة العامة، وهناك بعض الدول قد جاوزتنا فى استخدام كاميرات المراقبة التى تساعد بقوة فى ضبط الجناة». يتحدث العميد أيمن حلمى مدير إدارة الإعلام فى وزارة الداخلية عن أهمية التوسع فى استخدام كاميرات المراقبة، موضحا أن إلزام المنشآت والمحال لا يتم عن طريق وزارة الداخلية، بل عن طريق جهات أخرى مثل المحليات والمحافظات، بينما تفرض الداخلية سلطاتها بشكل واضح على كاميرات مراقبة المرور التى تديرها عبر غرف عمليات خاصة بهذا الغرض، وكل ما تسعى إليه الوزارة هو «الحث والدعم» على حد قوله.
الصورة تبدو مختلفة لدى بعض أصحاب المحال التجارية، فحسب مدير محل مواجه لمبنى دار القضاء العالى فى منطقة وسط البلد، فإنه قد تلقى طلبات واضحة من حى عابدين ومن ضباط فى قسم شرطة قصر النيل، بأن يضع كاميرات مراقبة فى أعقاب التفجير الذى أصاب تلك المنطقة فى شهر أكتوبر الماضى، وحين تكرر الحادث مرة أخرى فى شهر مارس الماضى، استعانت أجهزة الأمن بتسجيلات كاميرات هذا المحل وغيره من الكاميرات التى رصدت الحادث .
وهنا لا يقتصر دعم مشروع تثبيت كاميرات المراقبة فى الشوارع والميادين العامة على وزارة الداخلية وحدها، إذ كان محافظ القاهرة قد أعلن قبل عام عن مشروع تبنته محافظة القاهرة لمراقبة الشوارع والميادين المهمة فى العاصمة، ويعتمد المشروع على تثبيت كاميرات فى 250 نقطة داخل المدينة للمراقبة الأمنية ومتابعة حركة المرور.
ما استلزم تنسيقا مع الأجهزة الأمنية المعنية، وتم إسناد تنفيذ المشروع إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة. من المتوقع أن تعلن نهاية المشروع فى شهر مايو الحالى حسب تصريح خالد مصطفى المتحدث الإعلامى باسم محافظة القاهرة لـ «الشروق»، إذ يقول «تتيح هذه المنظومة الجديدة أن يتم الاحتفاظ بتسجيلات الكاميرات لمدة 90 يوما، ما يجعل هناك إمكانية للاستفادة منها فى ضبط الجناة والمخالفين والاستعانة بها فى تحقيقات النيابة حسب الاجراءات القانونية المتبعة».
لم يكن موقف وزارة الداخلية أو محافظة القاهرة من المواقف المنفردة ضمن هذا التوجه الرسمى، بل كشف تصريح وزير الداخلية السابق أثناء زيارته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فى يناير الماضى، عن نية الدولة تطبيق قانون يلزم أصحاب المحال التجارية بتركيب كاميرات للمراقبة، وألا يتم تجديد رخصة أى محل تجارى إلا بعد التأكد من عمل هذه الكاميرات.
فى هذا السياق، اتخذت مؤسسات وجهات حكومية قرارات فى الفترة الماضية لنشر كاميرات المراقبة، ومنها القرار الذى أصدره وزير السياحة بإلزام جميع الشركات السياحية وشركات النقل السياحى بتركيب كاميرات مراقبة فى حافلاتها، وأن يكون ذلك أحد شروط الترخيص، كما أعلن عدد من المستشفيات الحكومية الانتهاء من تركيب كاميرات مراقبة فى مبانيها، بينما تظل مؤسسات التعليم الجامعى من أبرز الجهات التى استجابت لهذا التوجه الرسمى من الدولة، بعد إعلان عدد من الجامعات خلال العام الماضى انتهائه من تركيب كاميرات للمراقبة لدعم المنظومة الأمنية التى تؤمن الجامعة، كما تكررت الاستعانة بتسجيلاتها فى بعض قضايا التفجيرات والعنف الطلابى.
«لا يجرى تفريغ محتوى تسجيلات كاميرات الجامعة وتقديمه لأى جهة أمنية إلا بعد إجراءات قانونية، ولا يتم ذلك إلا بموافقة رئيس الجامعة نفسه». يتحدث الدكتور سيد على مدير الأمن الإدارى فى جامعة عين شمس عن إجراءات التعامل مع تسجيلات كاميرات الجامعة، إذ يعتبرها بمثابة دليل على أى خرق للقانون يتم داخل الجامعة، ويعقبها ملاحقة المخالفين بواسطة عناصر الأمن الإدارى، وعلى حد قوله فإن الكاميرات ليست موجهة ضد الطلبة تحديدا.
بل هى جزء من منظومة أمنية تغطى جميع المتواجدين داخل المؤسسة، يضيف قائلا: «المحاسبة ليست إجراء موجها ضد الطلبة فقط، فإذا تم ضبط مخالفة قام بها أحد أفراد الأمن على سبيل المثال، وتقدم أحد الطلبة ضده بشكوى قانونية، قد تكون الكاميرات سندا لهذه الشكوى». ويوضح مدير الأمن الإدارى فى جامعة عين شمس، أن كاميرات المراقبة ليست إلا جزءا بسيطا من منظومة أمنية أوسع، تشمل وجود بوابات الكترونية، ونظام عمل لأفراد الأمن، وأجهزة للكشف عن المفرقعات.
 
أهمية الكاميرات
يتجه الحديث مع من يتصل عملهم بقضية استخدام كاميرات المراقبة، إلى نقطة أخرى حول مدى تأثير انتشار كاميرات المراقبة على خصوصية المواطنين، إذ قلّل أحد المصادر السابقة من تأثير الكاميرات على خصوصية المواطنين، استنادا إلى أن أغلب هذه الكاميرات يتم تركيبها فى أماكن عامة، بينما نبـّه مصدر آخر إلى أن استخدام تسجيلات الكاميرات لا يتم إلا فى إطار قانونى، كما أن التسجيلات تحفظها الأجهزة لفترة محدودة.
وينص الدستور المصرى فى المادة 57 على أن «للحياة الخاصة حـُرمة، وهى مصونة لا تمس»، فهل يمكن للكاميرات أن تنتهك خصوصية المواطنين؟ يحدد محمود كبيش أستاذ القانون الجنائى فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة مساحات الخصوصية فى أنها الأماكن التى لا يصرّح للجمهور التواجد فيها، أو على حد تعبيره فهى الأماكن التى تعد «مستودعا للسر». ويشرح ذلك قائلا: «القانون لا يحدد الأماكن التى تعد مستودعا للسر، ومن يحدد ذلك هو القضاء، كما أن تركيب الكاميرات بشكل عام لا يخترق قواعد الخصوصية ما دام فى أماكن يمر بها أناس مختلفون ولا تنتهك الكاميرات سِتر أحد من المتواجدين».
ومع محاولات تعزيز فكرة المراقبة بالكاميرات داخل المجتمع المصرى على مدى الفترة الماضية، يبرز سؤال حول فعالية الكاميرات فى ضبط الجناة واستخدام تسجيلاتها قانونيا، إذ تبرز بعض العوائق التى كشفت عنها تحقيقات بعض القضايا الأخيرة، مثل تحقيقات حادث التفجير الذى وقع فى مارس الماضى أمام جامعة القاهرة، حين تبين عدم التقاط الكاميرات صورا للتفجير، كذلك تكرر الأمر بصورة مختلفة فى الحادث الذى وقع قبل أسابيع فى مدينة كفر الشيخ وأدى إلى استشهاد 3 من طلاب الكلية الحربية وإصابة آخرين، فقد أثار تعطل كاميرات نادى كفرالشيخ الرياضى ــ الملاصق لموقع الحادث ــ جدلا حول وجود كاميرات للمراقبة لا تعمل فى بعض الأماكن، وهو ما نفته إدارة النادى فيما بعد، ودافعت بأن كاميرات النادى الرياضى ما زالت تحت التجربة ولم يتم تفعيلها بشكل نهائى، وأن مداها فى التصوير لم يكن ليغطى موقع الحادث فى حالة عملها.
مثل تلك المواقف ليست جديدة فى التعامل مع مشاكل استخدام كاميرات المراقبة، إذ إن حادثة شهيرة قد وقعت فى العام 2010 جرى فيها سرقة لوحة الخشخاش لفان جوخ من متحف محمود خليل بالجيزة، قد حدث فيها أمر مشابه، حين صرح النائب العام ــ فى ذلك الوقت ــ بأن معاينة النيابة قد كشفت عن أن سبع كاميرات فقط هى التى كانت صالحة للعمل من أصل 43 كاميرا للمراقبة موجودة فى المتحف.
«إن استخدام كاميرات المراقبة لتحقيق مسار العدالة قد يكون محمودا، إذ تساعد التسجيلات بنسبة كبيرة فى تسهيل مهمة الأمن، لكن علينا أن نتذكر أن تسجيلات الفيديو والصوت والصور تستخدم كقرينة، وليست دليلا دامغا أمام القضاء». يتحدث اللواء رفعت عبدالحميد ــ الخبير فى العلوم الجنائية ومسرح الجريمة ــ عن استخدام تسجيلات كاميرات المراقبة فى العملية القضائية، إذ ترجع السلطة التقديرية فى النهاية إلى القاضى الذى يقدر وزن وأهمية التسجيلات التى بين يديه، إذ يوصف القاضى بأنه الخبير الأعلى فى كل ما يستدعى خبرة فنية.
ومع وضوح التوجه الرسمى يوما بعد يوم نحو الاعتماد على كاميرات المراقبة بشكل واسع، تظل هناك بعض التحديات التى تواجه هذه النية، منها أن يتحول تركيب الكاميرات إلى إجراء شكلى يتخذه البعض انصياعا للتوجه الحكومى دون اهتمام بالمواصفات أو بالصيانة، إلى جانب تحد آخر فى كيفية الاستفادة القانونية من تسجيلات كاميرات المراقبة أكبر استفادة ممكنة.
 
 • تاريخ المراقبة حول العالم
تكررت محاولات استخدام التصوير فى المتابعة والمراقبة فى أربعينيات القرن الماضى، وكانت البدايات فى ألمانيا عام 1942 مع التجارب الأولى لصنع دائرة تربط مجموعة من الكاميرات بشاشات وأجهزة للتسجيل، وهى التجربة التى استفادت منها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء متابعة تجربة التفجير النووى فى منتصف الأربعينيات، بينما تسجل الكتابات التوثيقية لهذا المجال أن العام 1951 قد شهد تطورا بتصوير أول تسجيل فيديو بواسطة كاميرات تليفزيونية فى الولايات المتحدة الأمريكية، أما فى العام 1960 فتم استخدام كاميرات المراقبة لأهداف أمنية فى المملكة المتحدة تزامنا مع زيارة العائلة المالكة التايلاندية، وتم تركيب كاميرات فى ميدان الطرف الأغر (ترافالجار) الشهير بمدينة لندن البريطانية.
وتعد المملكة المتحدة إحدى الدول الأكثر اهتماما بعملية الرقابة عبر الكاميرات، وهو ما جعلها تخوض عدة تجارب فى فترة الستينات لتركيب كاميرات مراقبة فى الميادين العامة ومحطات القطار، بينما كانت السبعينات بداية لانتشار فكرة المراقبة بالكاميرات فى الحياة العامة وظهور تطور جديد بابتكار كاميرات تعمل برقاقة صغيرة، ومع مرور الوقت ظهرت كاميرات المراقبة فى التسعينيات فوق ماكينات (الصراف الآلى) فى عدد من العواصم ضمن استخدام جديد يهدف إلى تسجيل هوية المستخدمين، وظهر فى الولايات المتحدة الأمريكية ابتكار كاميرا المراقبة المنزلية المعروفة باسم (NannyــCam).
ومع البدء فى استخدام الإنترنت انطلقت الكاميرات إلى فضاء أوسع حين تم ابتكار كاميرا متصلة بالإنترنت للمراقبة ونقل الصورة عن بعد، فى الوقت الذى اتسع فيه سوق كاميرات المراقبة بشكل أوسع فى نهاية التسعينيات.
ارتبط انتشار كاميرات المراقبة مع موجات الإرهاب التى تضرب البلدان المختلفة، على سبيل المثال، فقد دعا جون ميجور رئيس الوزراء البريطانى الأسبق لتعميم المراقبة بالكاميرات فى المناطق الهامة بعد تعرض العاصمة البريطانية لهجمات الجيش الجمهورى الإيرلندى، وتكرر الأمر نفسه مع الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر من العام 2001 وإعلان «الحرب على الإرهاب»، وهو الحادث الذى فرض توسعا فى استخدام كاميرات المراقبة فى الحياة الأمريكية.
وحسب تقديرات مؤسسة IMS لدراسات السوق، فإن الفترة بين العام 2001 و2011 قد شهدت بيع نحو 30 مليون كاميرا مراقبة داخل الولايات المتحدة الأمريكية على مدى السنوات العشر التالية لأحداث تفجير برجى التجارة العالمى، أما بريطانيا التى تعد من أهم الدول المهتمة باستخدام كاميرات المراقبة فى الحياة العامة، فهناك تقديرات نشرتها وسائل إعلام غربية عن أن 20% من كاميرات المراقبة فى العالم موجودة فى بريطانيا، وأن هناك كاميرا لكل 14 مواطنا يعيش فى بريطانيا.
لم يخلُ الأمر من انتقادات متتالية داخل الدول الغربية لاستخدام كاميرات المراقبة، إذ ظهرت تلك الانتقادات فى دول مثل ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، حول مدى جدواها، وإن كانت بعض التسجيلات تخترق خصوصية المواطنين، أو أن يكون هناك استهداف لطوائف ومجموعات بعينها فى المجتمع بحيث يتم تسليط الكاميرات عليهم بشكل مكثف، وهو ما جرى فى بريطانيا عام 2010 بعد إعلان الحكومة هناك نيتها نشر أكثر من 200 كاميرا فى أحياء ذات أغلبية مسلمة.
أما فى الدول العربية فقط فازداد الإقبال على استخدام كاميرات المراقبة فى السنوات الأخيرة، وبدأت الحكومات العربية فى تبنى سياسات وقوانين داعمة لهذا التوجه، فعلى سبيل المثال تنتظر دولة الكويت إصدار قانون لتنظيم تركيب الكاميرات وأجهزة المراقبة فى المنشآت، وتحديد المواصفات الفنية والضوابط التى ينبغى أن تتوافر فى هذه الأجهزة وأماكن تركيبها، وإلزامها بعمل الصيانة الدورية لها واستمرارية مطابقتها للمواصفات الفنية.
ويتعرض مشروع القانون لجانب حماية الخصوصية الشخصية للمواطنين، بفرضه حظرا على تركيب كاميرات وأجهزة المراقبة الأمنية فى غرف النوم وغرف العلاج الطبيعى ودورات المياه وغرف تغيير الملابس، ووجوب الإشارة إلى وجود كاميرات وأجهزة مراقبة فى المنشآت والأماكن العامة، بلوحة واضحة.
وفى تونس برز اهتمام الدولة بهذا المجال فى أعقاب تفجير إرهابى بمنطقة سياحية فى ولاية سوسة التونسية، وأعلنت وزارة السياحة التونسية «موازنة خاصة» لتجهيز كامل فنادق البلاد بكاميرات مراقبة، ويخضع استعمال وسائل المراقبة البصرية إلى الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، ويعاقب بالسجن وبغرامة مالية كل من يخالف فصول القانون المنظم بحماية المعطيات الشخصية التونسى.
أما فى الإمارات العربية المتحدة، فتبدو أكثر تقدما فى مجال استخدام كاميرات المراقبة، إذ أعلن مسئولون حكوميون فى إمارة دبى أن الكاميرات تغطى غالبية أنحاء الإمارة، بينما تدعم بقية الإمارات نشر كاميرات المراقبة فى الشوارع والميادين أو فى المتاجر.
• قضايا وكاميرات
• مقتل سوزان تميم
تعود القضية إلى العام 2008 حين اكتشفت السلطات فى إمارة دبى مصرع الفنانة الراحلة، وحامت الشبهات حول رجل ظهر فى تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالبرج السكنى الذى كانت تقيم فيه المجنى عليها، وارتدى المشتبه به حذاء رياضيا وكابا فوق رأسه، وبعد إجراء تحريات عن بطاقة الائتمان المستخدمة فى شراء السكين الذى ارتكبت فى الجريمة، اتضح أن المتهم هو ضابط الشرطة السابق محسن السكرى، وتمت مطابقة ملامحه مع ملامح الرجل الذى ظهر فى التسجيلات.

• اغتيال محمود المبحوح
تعرض القيادى الفلسطينى فى «كتائب عز الدين القسام» التابعة لحركة حماس، لعملية اغتيال فى أحد فنادق دبى عام 2010، إذ اقتحم مجهولون غرفته، وقتلوه فى غرفته، وكان ظن السلطات فى البداية أن الوفاة طبيعية نتيجة جلطةٍ دماغية، حسب تقرير المستشفى الأولى، بسبب احترافية عملية القتل، وحين تم الاعلان عن اغتيال القيادى الحمساوى، تم فتح التحقيقات والاستعانة بكاميرات المراقبة، التى صورت الحادث، وتم تحديد المتهمين فى وقت لاحق.

• حادث الطفل السورى
شهدت العاصمة التركية حادث اعتداء على طفل سورى فى يناير الماضى، أثار جدلاً فى وسائل الاعلام وبعض الأوساط السياسية التركية، إذ بدأت القصة حين حاول الطفل تناول ما تبقى من أحد زبائن مطعم «برجر كينج»، فانفعل مدير الفرع وبدأ فى الاعتداء عليه بعنف، وهو ما سجلته كاميرات المراقبة فى المطعم، وتم طرد مدير الفرع من عمله، وأثارت تلك اللقطات موجة من السخط تجاه المطعم الذى يملكه أحد السياسيين الأتراك، كما فتحت ملف أحوال اللاجئين السوريين فى تركيا.
 
• خبرة سنوات بين الكاميرات
«كان عملى فى بداية فترة انتشار كاميرات المراقبة فى مصر يتوجه ناحية من يطلبون تثبيت كاميرات فى منازلهم، أما اليوم فأغلب الزبائن هم الذين يعملون فى الأنشطة التجارية». يتحدث المهندس محمد جابر الذى قضى نحو 9 سنوات من العمل فى تركيب كاميرات للمراقبة فى مناطق وأحياء مختلفة، وأصبح يميز بين صاحب المنزل القلق بسبب حادث سابق، وبين صاحب المصنع الذى يسعى لمتابعة العاملين لديه.
يتراوح متوسط أسعار الكاميرات فى السوق المصرية بين 250 جنيها إلى 4 آلاف جنيه، أما متوسط أسعار تركيب الكاميرات فى فيللا فقد يصل إلى 3500 جنيه تشمل تركيب 4 كاميرات بمستلزماتها، وقد ينخفض السعر إلى 2800 جنيه إذا ما اقتصر الأمر على كاميرتين فى محل تجارى.
ورغم اتساع سوق بيع كاميرات المراقبة حسب تأكيدات خليل حسن خليل رئيس الشعبة العامة للحاسبات الآلية والبرمجيات بالاتحاد العام للغرف التجارية، إلا أنه لا يوجد حصر دقيق لحركة هذا السوق، بينما تعمل بعض شركات توظيف الأمن فى تركيب أنظمة أمنية بالتعاقد مع أفراد من الخارج لتركيب الكاميرات ضمن الأنظمة الأمنية، كى ترفع عن نفسها أعباء الصيانة الدورية، لتتركها إلى آخرين.
«أحيانا ما أتجه إلى عميل لتركيب كاميرات المراقبة، وأكتشف أخطاء ارتكبها من سبقونى فى محاولاتهم تركيب الكاميرات نفسها، فالمجال حاليا به انتعاش، لكن ليس به انضباط». وبحكم عمله السابق فى المجال نفسه فى دولة الامارات العربية المتحدة، اكتشف محمد جابر أن هناك معايير لابد من الالتزام بها فى تركيب الكاميرات، على رأسها زاوية التركيب وأماكنها ومدى قدرة الأجهزة على تخزين التسجيلات، وهى المواصفات التى وضعتها السلطات الإماراتية.
عمل محمد جابر لعدة سنوات ضمن شركة متخصصة فى هذا المجال فى مصر، حتى تمت سرقة مقر الشركة فى أثناء الانفلات الأمنى المصاحب لثورة 25 يناير، وهو ما اضطره إلى العمل بشكل حر مع زبائن متنوعين. وأصبح فى كل مرة يدخل مصنعا كبيرا لعمل نظام مراقبة عال الجودة، ومرة أخرى يثبت كاميرتين فى «ميزان بسكول» لمراقبة وزن الشاحنات، وعلى موقعه الشخصى يضع بعض الوصايا لمن يرغبون فى تركيب كاميرات المراقبة، وكيفية اختيار أفضل المعدات المناسبة لكل عميل.