Saturday, December 29, 2012

ريف و مدينة: الجماهير بين الصخب الثوري وخدمات الاسلاميين

القبائل العربية تسجل حضورها في دفتر السياسة

كتب – عبد الرحمن مصطفى
"القبائل العربية تساند الشرعية و تؤيد قرارات الرئيس" ، تكرر ظهور مثل هذه العبارات مؤخرا في مسيرات و مؤتمرات داعمة للرئيس محمد مرسي، نقلت إحساسا بأن الرئيس مدعوم من ملايين المواطنين في أرجاء المحافظات المصرية، لكن الواقع مختلف. "لا يستطيع أحد أن يدعي أنه صوت القبائل العربية في مصر، أو أن يزعم أن القبائل تتبنى موقفا سياسيا واحدا". الحديث هنا للشيخ راشد السبع، ‏رئيس ائتلاف القبائل العربية المصرية‏‏ الذي يضم ممثلين عن قبائل سيناء و مطروح و وادي النيل، وهو الائتلاف الذي أعلن موقفه مبكرا من دعم الرئيس محمد مرسي منذ أن كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية. "قد تجد للقبيلة الواحدة فروعا في وادي النيل وسيناء، وقد تجد قبيلة أخرى تنتشر في مطروح والدلتا والصعيد، لكن في النهاية فإن القبائل الممثلة في الاتحاد بشكل خاص هي التي أجمعت على دعم الرئيس مرسي منذ البداية".
بعد الثورة، ظهرت تكتلات قبلية متعددة هدفها ايجاد تمثيل سياسي يعلو فيه صوت القبائل العربية، لكنها على أرض الواقع لم تمثل إلا نفسها. أما ائتلاف القبائل العربية المصرية تحديدا فيروي الشيخ راشد السبع أسباب تأسيسه موضحا : "بعض أبناء القبائل العربية كانوا منتمين إلى التيار السلفي، ووجدوا فرصتهم في ممارسة السياسة بعد تأسيس حزب النور، واستبشرت القبائل خيرا بهذا الحضور السياسي، على أمل أن يتم تمثيل هويتهم وقضاياهم بشكل جيد أمام الرأي العام، لكن الواقع أن هؤلاء الأعضاء تبنوا قضايا أحزابهم الإسلامية، و ذابت قضايانا في زحام الأحداث".
يجمع أغلب أبناء القبائل العربية في مصر ملمح واحد هو أنهم محافظون بطبيعتهم وأقرب إلى التدين الفطري، وهي المساحة التي نجح التيار الاسلامي في استغلالها جيدا ، حسبما يصف الشيخ راشد السبع الذي يتحدث هذه المرة كباحث في أنساب القبائل العربية. و يضرب مثلا بحالة خاصة في محافظة مرسى مطروح بسبب قرب قبائلها من معقل الدعوة السلفية وذراعها السياسي "حزب النور" في مدينة الاسكندرية ، وهو ما أثر على اختياراتها السياسية. إذ تكشف حالة "مطروح" عن أن هناك شبه اجماع على اتجاه واحد يميل ناحية حزب النور .. على سبيل المثال حصد المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح حوالي 70% من أصوات الناخبين في المحافظة بسبب تأييد حزب النور له في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة. و في المرحلة الثانية اكتسح الدكتور محمد مرسي منافسه الفريق أحمد شفيق بنسبة تقدر بـ 80% من أصوات الناخبين، وظلت المؤشرات ثابتة في صالح التيار الاسلامي أثناء انتخابات مجلسي الشعب والشوري التي حصدها حزبي النور والحرية والعدالة، بينما تصدرت مطروح نتائج المحافظات التي قالت "نعم" للدستور بنسبة 92%.
هذه النتائج لا يمكن قراءتها سوى في ضوء العلاقات القوية بين التيار السلفي و القبائل العربية في مطروح، بينما اختلف الأمر لدى قبائل سيناء والصعيد في أثناء فترة الانتخابات الرئاسية. فقد استقبلت بعض القبائل المرشح السابق عمرو موسى بحفاوة، مع الإشارة الدائمة إلى جذوره العربية، وكذلك حين استقبلت زعامات قبائل الأشراف بالصعيد آنذاك الفريق أحمد شفيق، وكأن كل فريق يبحث عن من يمثله، ويعبر عن جزء من هوية لا تجد لها مساحة في السلطة الحاكمة أو في الإعلام.
قد لا يكون الرئيس محمد مرسي منتميا إلى إحدى القبائل العربية الكبرى، لكنه تواصل مبكرا مع أبناء هذه الشريحة لكسب تأييدها منذ أن كان مرشحا رئاسيا، حين أقر بأحقيتهم فى تملك الاراضى التى يقيمون عليها.
و في جانب آخر اتخذ بعض أبناء القبائل موقفا محايدا تجاه الرئيس مرسي وقراراته طوال الشهور الماضية، مثال على ذلك الشيخ على فريج راشد- رئيس جمعية القبائل العربية بسيناء- الذي طمح بعد تأسيسه للحزب العربي للعدل والمساواة في أن يجتذب أبناء القبائل من المحافظات المختلفة في كيان واحد، غير أن هذه التجربة لم تحقق الكثير، ويقول: "أبناء القبائل العربية المنتمون إلى التيار الإسلامي في سيناء ملؤا فراغا تركه الحزب الوطني ولم تملأه أحزاب جديدة، واستغلوا انهيار جهاز أمن الدولة في التقرب من الأهالي والتواجد بينهم بعد التضييق الذي مورس عليهم، وكان المزاج المحافظ هو العامل المشترك الذي قرب أبناء القبائل من المرشحين الاسلاميين". وكان الشيخ على فريج راشد قد اختير مؤخرا ضمن أعضاء مجلس الشوري المعينين من الرئيس محمد مرسي، وهو القرار الذي اعترض عليه ناشطون بسبب انتمائه إلى الحزب الوطني السابق كعضو مجلس محلي لمدة 18 سنة عن شمال سيناء.

العاطفة مفتاح الفرج
يسجل الدكتور محمد علي- الأستاذ المساعد بقسم الاجتماع في كلية الأداب بجامعة سوهاج- أن هناك أدوات للضبط الاجتماعي تستخدمها القبائل العربية في إدارة علاقتها الداخلية، منها الأخلاق والقيم الدينية، و تقدير قيمة الكبير الذي بيده السلطة، وهو ما يؤثر في الاختيار السياسي لكثير من أبناء القبائل العربية، وكيف يرون رئيس الجمهورية، ويضيف معلقا  : "هناك أمر آخر أكبر من اختيارات القبائل العربية ، و هو متعلق باختيارات المصريين السياسية بشكل عام، إذ تقوم الاختيارات على أساس عاطفي .. وهذا هو مفتاح الوصول إلى الناخبين".
في المادة 16 من الدستور نص يؤكد على أن "تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية، و تعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية"، و يذكر الشيخ على فريج أن البعض روّج لهذه المادة في سيناء وكأنها نصر مبين، دون الالتفات إلى بقية مواد الدستور.
تختلف طبيعة القضايا المطروحة من القبائل القاطنة بالبوادي والمناطق الحدودية عن القبائل الأكثر استقرارا في وادي النيل، خاصة في صعيد مصر .. وهو ما يؤكد عليه إبراهيم البرسي، المنسق العام لائتلاف القبائل العربية بأسوان، إذ يقول: "الوضع معقد جدا هنا، ولا أعتقد أن نتائج الاستفتاء أو الانتخابات قبلها معبرة بشكل كامل عن اختيارات القبائل العربية والأشراف بالصعيد، على الأقل فأنا أعرف من كانوا ينتمون إلى الحزب الوطني السابق وصوتوا بنعم في الاستفتاء الأخير، و لم يكن موقفهم من باب التأييد لمرسي ". وعلى عكس ائتلافات أخرى فإن ائتلاف القبائل العربية في أسوان تعود نشأته إلى بدايات ثورة 25 يناير حين تحالفت القبائل العربية من أجل سد الفراغ الأمني ، واستمر عمل هذا التحالف حتى وقت قريب في مهام اجتماعية مثل الصلح بين العائلات المتنازعة، ونقل مشاكل أبناء المحافظة إلى السلطة، وكان الاتفاق منذ البداية على إبعاد السياسة عن الائتلاف. يعلق إبراهيم البرسي قائلا: "ببساطة، فإن المنتمين إلى التيار الاسلامي، لديهم تواجد بين قبائلهم، وقد قلتها من قبل لعمرو موسى ولحمدين صباحي: التيار المدني نفسَه قصير مقارنة بالأحزاب الدينية الأكثر دأبا وعملا". أما قضايا القبائل في الصعيد فهي جزء من قضايا المجتمع الجنوبي بشكل عام، فقضية النوبيين تهم القبائل العربية المجاورة، والبحث عن الاستثمار في الصعيد هو جزء من مشكلة الجنوب. ويقول إبراهيم البرسي بعين خبيرة في قبائل الصعيد التي يمتد نسبها إلى آل البيت وشبه الجزيرة العربية: "أعتقد أن كلمة الاستقرار التي جاءت بنعم هي هدنة، تتضح بعدها الرؤية، وقد بدأت الرهانات على من سيملك القرار في المستقبل وتحقيق مصالح أبناء القبائل وأهالي الصعيد.. فهل سيكون التيار السياسي الحاكم الآن في قوة الحزب الحاكم السابق؟ لقد بدأ البعض بالفعل في ترتيب أوراقه للتقارب مع المنتمين إلى التيار الاسلامي، وامتداداته في الصعيد".
 
مسيرة في قرية .. مظاهرة في مركز، و الإسلاميون في الخدمة دائما !
كتب – عبد الرحمن مصطفى
في قريته التابعة لمركز "منية النصر" بمحافظة الدقهلية، اختارت الصناديق "نعم" للدستور، وطوال الفترة الماضية كان الحشد واضحا بشدة، وكأحد أبناء القرية يتوقع مدحت صالح- الطالب بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- أن يتكرر المشهد قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.
أما في الأسابيع الماضية ، فلم يجد مهربا من تلك الأجواء سوى بالانخراط في مسيرة قريبة من قريته تشبه المسيرات التي تجوب شوارع القاهرة والاسكندرية بهتافات مثل "يسقط يسقط حكم المرشد"، و "لا..لا.. للدستور". ويصفها قائلا: " هذه المسيرات هي حدث خاص في الأماكن ذات الطابع الريفي، وتمثل لهم مفاجأة، على عكس القاهرة والاسكندرية التي اعتادت على هذه المشاهد".
خرجت المسيرة احتجاجا على الدستور وشارك فيها شباب من حزب الدستور والتيار الشعبي والألتراس. و يعتقد زميله البدراوي ثروت- الناشط بحزب الدستور- أن هذه المسيرات التي أقيمت مؤخرا قرب القرى الريفية في منية النصر لم يضع أثرها هباء، و يوضح: "كانت النتائج جيدة في أغلب قرى مركز منية النصر حيث قمنا بالمسيرات وتوزيع دعايتنا، عدا إحدى القرى التي ينشط فيها الإخوان المسلمون، هي التي أجمعت على نعم للدستور". سبقت هذه المسيرة حملات توعية و وقفات احتجاجية منها وقفة بعد حادث قطار أسيوط الذي أسفر عن مصرع أكثر من 50 طفلا.
و في داخل المسيرة انطلقت الشماريخ وتشابهت الهتافات مع هتافات ميدان التحرير. أما القوى الإسلامية فتتبع طرقا أخرى أبسط، حين تنطلق السيارات بميكروفونات في القرية، و يدعو أحد كوادر الإخوان المسلمين أهل قريته إلى تبنى موقفا محددا أو انتخاب أحد المرشحين، و لا يخلو الأمر من ابتكارات أخرى مثل مسيرة بالدراجات البخارية من أجل الدعاية، وحسب البدراوي فإن أنشطة التيار الإسلامي "تفتقد الصخب والجاذبية وكأنها تحصيل حاصل !" . هؤلاء الشباب الذين يديرون العمل الاحتجاجي خارج القاهرة يعتمدون على شبكة علاقات "ثورية" تكونت على مدار العامين الماضيين، جمعتهم فيها الكثير من المناسبات والمصاعب سواء في أحداث بالقاهرة أو خارجها، رغم اختلاف انتماءاتهم الحزبية الآن.
هناك من يرى في هذا النهج الذي يعتمد على نقل الأسلوب الثوري في الدعاية السياسية والاحتجاج إلى الريف أمرا غير ذي جدوى ، فيقول الدكتور عبده البردويل- الأمين العام لحزب الحرية والعدالة بدمياط: "الشارع أصبح لا يحتمل كل هذا، والتواجد بين الناس وخدمتهم هو الفيصل في كسب أصوات الجماهير". و على هذا تنقل صفحات حزب الحرية والعدالة أرشيفا مصورا لما يقدمه الحزب من معارض خدمية وقوافل طبية ومؤتمرات حاشدة في المناسبات المختلفة.
بعيدا عن الدلتا .. يختلف الوضع قليلا في الصعيد، حيث تكون الأمور أكثر صعوبة، حسبما يصف الناشط السياسي أحمد خنفور من محافظة أسيوط: "نحن ما زلنا في معركة البحث عن شرعية الاحتجاج والتظاهر في بيئة محافظة بطبعها، أنا أجد من يدعون لي بالتوفيق في مسيراتنا، لكنهم لا يشاركون.. ما زلنا نبحث عن موضع قدم لحرية المعارضة والدعاية الصاخبة في الشارع الأسيوطي".
و يدرك أحمد خنفور وغيره من الشباب أن أزمتهم الحقيقية هي في التواجد بأنشطة دائمة خدمية، وهي تكلفة قد لا يتحملونها بأنفسهم، وفي الجانب المقابل فإن أعضاء حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" لا يتحركون في مسيرات صاخبة، عدا في المظاهرات الحاشدة في القاهرة والاسكندرية كالتي أقيمت أمام جامعة القاهرة في سبت الشرعية والشريعة في أول ديسمبر 2012 لاستعراض القوى أمام مسيرات ومظاهرات القوى الثورية والمعارضة.
يصف الدكتور محمود ابراهيم المتحدث الاعلامي لحزب النور في مدينة السويس ذلك قائلا: "كان الاعلام أكثر تركيزا على المظاهرات المعادية للرئيس، لذا لجأنا للتظاهر في حشد هائل في العاصمة وهو ما نفعله في أضيق الحدود، لمواجهة حملات العداء للرئيس وإسقاط الدولة ".
يبقى المشهد خارج العاصمة والمدن الكبرى وخاصة داخل الريف المصري منقسم بين أبناء تيار الإسلام السياسي المعتمدين على التواجد الدائم بأنشطة خدمية، وعلى الجانب الآخر نشطاء أغلبهم من الشباب يحاولون نقل روح الثورة والتغيير إلى من لم يرونها بعد في القرى والمراكز الريفية !

Thursday, December 20, 2012

نادي الفكر التقدمي.. نقطة علمانية في بحر إسلامي

عبد الرحمن مصطفى
جميعهم يحفظون القرآن الكريم كطلبة تقليديين في جامعة الأزهر الشريف، وفي الوقت نفسه هم «علمانيون»، و«تقدميون»، متحملين في سبيل ذلك الكثير من الضغوط التي يواجهها علماني في بيئة إسلامية. اختاروا لقاءهم بعيدا عن الجامعة في أحد المقاهي المجاورة للبورصة المصرية، ويشرح مؤمن عبدربه أكبرهم سنا، (21 سنة) الطالب في كلية الهندسة، وجهة نظره: «الثورة غيرت شريحة من شباب جامعة الأزهر، انضم بعضهم إلى حركات مثل 6 إبريل، وحزب الدستور، والتيار الشعبي مؤخرا، لكن سبب اختيارنا الفكر الاشتراكي التقدمي هو أن هذه الأحزاب والحركات لا تتبنى فكرا سياسيا واضحا، وكنا نحتاج إلى فكر سياسي في مواجهة الإسلام السياسي المحاصرون به».
 يجلس مؤمن مع رفيقيه محمد السعيد ومحمد عمر، الطالبين بكلية اللغات والترجمة وأعضاء نادى الفكر التقدمى الذى تأسس هذا العام فقط، ويأمل جميعهم أن يكونوا جزءا من تيار ثالث بدأ ينمو فى الجامعات المصرية، ويوضح مؤمن قائلا: «كانت الخريطة منقسمة قبل الثورة بين شباب الحزب الوطنى والاسلاميين، الآن أصبح الوضع فى الجامعة منقسما بين الإخوان المسلمين والسلفيين.. أما نحن كشباب تقدمى فنحن جزء من شريحة أخرى من شباب الأحزاب والحركات السياسية». هذه الفئات التى يتحدث عنها مؤمن ورفاقه لا تمثل جميع الطلبة هناك، ففى داخل جامعة الأزهر وحدها 284 ألف طالب حسب أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عن العام الدراسى الماضى. وتختلف جامعة الأزهر عن بقية الجامعات فى أنها جامعة مركزية تتركز أغلب كلياتها فى القاهرة، ما يجعل نسبة كبيرة من طلابها منتمين إلى محافظات وأقاليم مصر المختلفة، وهو نفس حال هذه المجموعة التى أسست نادى الفكر التقدمى، إذ ينتمون إلى ثلاث محافظات مختلفة. ويدرس الطالب فى جامعة الأزهر مواد شرعية تجعله قريبا من الأفكار الإسلامية، أما بعد الثورة فقد ازدادت الجرعة الإسلامية بعد انهيار الضغط الأمنى ووجود الحزب الوطنى، ما جعلها فرصة لصعود الإسلام السياسى بجناحيه: الإخوان المسلمين، والدعوة السلفية داخل الجامعة.
 تكفى نظرة على صفحة أسرة «جيل النصر المنشود» القريبة من جماعة الإخوان المسلمين حتى تتضح معالم الاستقطاب، إذ تصدرت صفحتها فى الفترة الماضية دعوة للتصويت بنعم فى الاستفتاء على الدستور تأييدا للشريعة. ويتشابه اسم الأسرة الطلابية نفسه مع عنوان كتاب للشيخ يوسف القرضاوى، أما إحدى أكبر الأسر الطلابية الأخرى على مستوى الجامعة فهى أسرة «نبض الأزهر» التى تأسست عقب الثورة، وتميل ناحية التيار السلفى، ولا تخفى هدفها فى عبارة واضحة: أسرة تهتم بالأنشطة الطلابية فى ضوء الشريعة الإسلامية.
 على المقهى فى منطقة البورصة الشهيرة، يكشف محمد السعيد، الطالب بكلية اللغات والترجمة، عن جانب آخر واجهه حين وفد من قريته إلى الجامعة، إذ تم ترشيحه للسكن فى بنايات استأجرها منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين لاستقبال طلاب الجماعة وغيرهم، وهو ما يسمح لغير المنتمين أن يقتربوا من فكر الإخوان المسلمين، وما رفضه محمد السعيد فى بداية التحاقه بالكلية وظل يبحث عن آخرين «غير اسلاميين» حوله، ويقول: «انضممت إلى حركة 6إبريل فلم أجد فيها فكرا أواجه به تيار الاسلام السياسى، وانضممت إلى الاشتراكيين الثوريين فوجدت فكرا واضحا أبنى عليه موقفا سياسيا، ورغم قراءاتى فى الدين وخلفيتى الأزهرية إلا أننى ورفاقى لا نخفى علمانيتنا».
 يرتدى قلادة عليها صورة الثائر تشى جيفارا، ويتحدث بحماس عن قريته فى محافظة الدقهلية، وأن هناك شريحة متنورة هناك تزداد رغم انتشار الأمية. كان محمد قد تعرض للضرب فى مظاهرة داخل الجامعة أقيمت ضد الإعلان الدستورى الأخير، واصفا إياها: «دى المرة الأولى فى تاريخ جامعة الأزهر اللى تقوم فيها مظاهرة ضد تنظيم اسلامى زى جماعة الإخوان».
 يضم نادى الفكر التقدمى حوالى 20 شابا وفتاة يميلون ناحية اليسار السياسى، يجمعهم بشباب الحركات والأحزاب السياسية الأخرى حالة من التمرد على مزج الإسلام بالسياسة داخل جامعة ذات هوية إسلامية. يجلس ثالثهم محمد عمر فى هدوء، مبرزا اختلافا ضئيلا يوضحه قائلا: «طوال عدة سنوات داخل الجامعة شعرت بغربة فى نقاشاتى مع زملائى الطلبة، فأحيانا ما أتهم بالضلال بسبب رفضى للتيار الإسلامى السلطوى، لكن كانت كلى ثقة فى أن هناك آخرين يتفقون معى فى الآراء نفسها.. ووجدتهم مصادفة».
 يعيش محمد عمر حالة من الغربة كزملائه العلمانيين، يبدو مثقفا بين طلبة الجامعة بحرصه على قراءة الصحف بشكل دءوب، ومناقشة الآخرين. وتتكرر كلمتا «علمانى»، «علمانية» بشكل واضح على ألسنتهم جميعا، رغم ما تثيره من مشاكل لدى أبناء التيار المحافظ فى هذه المرحلة. ويرد مؤمن عبدربه على ذلك قائلا: «أنا مقتنع تماما بأن الإسلام السياسى له مشروع منفصل عن بقية التيارات السياسية، ومن الصعب أن يتحد مع هذه القوى فى ائتلاف، فالإخوان على سبيل المثال يطمحون إلى أستاذية العالم، لذا لن أخجل من إعلان هويتى العلمانية!». هذه النبرة الحادة تقلق زميله محمد عمر الذى ينتمى لأسرة سلفية من محافظة أسوان، ويخشى من الصراع القادم قائلا: «العلمانية التى نريدها لا تقصى الإسلاميين، ولا تتعسف ضدهم أو تعزلهم، مثلما حدث فى فترة حكم جمال عبدالناصر.. نحن نرفض السلطوية وفرض أفكار لا تناسب العصر». أن تكون أزهريا وعلمانيا فى الوقت نفسه، ذلك ليس اختيارا سهلا، فقد يبدو الرفاق الثلاثة مألوفين فى مقهى فى وسط البلد، لكن أفكارهم القائمة على الإيمان بالعلمانية واليسار السياسى تضعهم فى مأزق، مع زملائهم أو عائلاتهم.

Sunday, December 2, 2012

قبل أيام الصدام .. تختلف الانتماءات ، والطريق واحد

كتب – عبد الرحمن مصطفى
اشتراكي ، علماني ، إخواني ، برادعاوي ، كلهم شباب جمعهم ميدان التحرير يوما ما ، يتحركون في محيط الأحداث الأخيرة دون أن يكونوا على صلات مباشرة ببعضهم البعض . يحمل كل منهم أفكاره ، وصورة عن الآخرين . و لا يرغب أحد منهم في أن تقع لحظة الانفجار مع تصاعد الأحداث يوميا .
جلسوا يتحدثون دون أن يمثلوا تياراتهم التي ينتمون إليها ، بقدر ما يروون تجاربهم ، ويعرضون ما قد يفرقهم ، وما قد يجمعهم ، و وسط حديثهم ، تتشابه الجمل والعبارات ، وتتشابك في مواضع أخرى . وليس أمامهم سوى سؤال واحد ..  ماذا بعد ؟ 
  • إخواني
- أحمد أبو الحظ
- 26 سنة
- مهندس حاسبات

في الطريق إلى أحد المقاهي المجاورة للبورصة المصرية ، يمر أحمد أبو الحظ على عدد من الأصدقاء ، وينتقل بهم الحديث من الحياة الشخصية إلى السياسة ، وتبدأ محاولات التهكم على المواقف الحكومية و على تأييد شباب الجماعة لهذه السياسات، يتقبل أحمد مثل هذه المواقف بصبر و ثقة ، محاولا الحفاظ على علاقاته المستمرة مع شباب من خارج جماعة الإخوان التي ينتمي إليها .
مثل هذه المناوشات الخفيفة بين المعارف و الأصدقاء تكون أعنف في العالم الافتراضي على الانترنت، حيث ازداد كم الصفحات على شبكة اجتماعية مثل فيسبوك تستهدف فقط التهكم على جماعة الإخوان المسلمين ومواقفها وفي هذه الأجواء التحريضية ، قد تخسر أحد أصدقاءك في نقاش. بدأت تلك الموجة في الصعود منذ أحداث محمد محمود الأولى في نوفمبر 2011 ، لاحظ بعدها أحمد - عضو جماعة الإخوان المسلمين- ازدياد حدة النقاش، وكان ذلك في خلفية تمسك التيارات الاسلامية بالترشح لانتخابات مجلس الشعب، رغم الاشتباكات العنيفة بين الأمن والمتظاهرين آنذاك .
يتحدث أحمد نافيا الصورة المرسومة لشباب الإخوان عن أنهم مجرد تابعين لقادتهم، ويقول: "الفكرة هي أن هناك اختلاف بين شريحة من شباب الإخوان و آخرين في أنني على سبيل المثال أرى الثورة وسيلة وليست هدفا ، كذلك فإن شباب الجماعة منذ شهور يعملون لصالح حرب التطهير على الفساد ، في مجهودات قد لا يراها الكثيرون .. مثل مراقبة تهريب الوقود في بعض المحطات ، وتكوين لجان تعمل على كشف الفساد داخل مؤسسات من منتمين إلى جماعة الإخوان وآخرين .. كل هذا يضيع الفرصة أن نرد على اتهام شباب الإخوان بأنهم قطيع".
يرى أحمد كغيره من الشباب الأكثر اختلاطا بالتيارات الأخرى داخل الجماعة أن الاتهام الموجه إليهم بالتبعية وعدم القدرة على المعارضة، هو نتيجة عدم فهم الكثيرين لنظام الحياة الذي ينشأ عليه الفرد الإخواني .. عند أحمد الأمر أكثر وضوحا حين يشبه شكل العلاقات بالمؤسسة ، ويحدد ذلك قائلا : "قد تكون داخل كيان عملاق له رؤية عظيمة ، لكن علينا أن نتأكد أن الوعي بهذه الرؤية يختلف من موظف لآخر، وكذلك الحال داخل الجماعة". أما ما يزيد من حالة الحدة أحيانا في النقاشات والسجالات بين شاب إخواني و شاب آخر، هو هذه الصورة المسبقة عن الإخوان، كما أن الشاب الإخواني في الأغلب لن يحمل انتقاداته واعتراضاته على قادته و المسؤولين عنه داخل الجماعة ، ويبدأ في الحديث عنها على الفيسبوك ، أو على المقاهي أو الندوات .. لذا فمساحة الأخذ والرد تقل إلى حد كبير مع الآخرين.
يعلق أحمد أبو الحظ قائلا : "فكرة السمع والطاعة التي تتردد كثيرا عن الشاب الإخواني ، يتحدث عنها الآخرون كوصم على الإخوان ، لكنهم لم يفكروا في أن العمل أقرب للشكل المؤسسي ، وهناك نشأة تربى عليها الشاب الإخواني ، تجعله متفهما لفكر قياداته ، وقادرا على الاعتراض بشكل لائق".
أحد المشاكل التي يتناقلها بعض شباب الإخوان في هذه الفترة هي نفس المشكلة التي ظهرت في أعقاب الثورة مباشرة، وأحرجت بعض شباب الإخوان أمام شباب الثورة ، وهي غياب الكوادر الشبابية عن المشهد الاعلامي، وسيادة لغة وخطاب قادة الجماعة من جيل شباب الستينات والسبعينات.
ما يحدث مع شاب إخواني في جلسة مع تيارات أخرى غير إسلامية هو أن يجد نفسه يحمل أوزار إسلاميين آخرين أساؤوا لبعض قضايا العمل الاسلامي، وهنا يتوجه إتهام آخر للشاب الإخواني و هو المراوغة. يرى أحمد بشكل شخصي أن قضية مثل تطبيق الشريعة في حاجة إلى جلسات ونقاشات للتعرف على مخاوف الآخرين. و يرى أيضا أننا نفتقد فقها مصريا حديثا يرفع عنا ما نحن فيه من اختلاف واستعارة نماذج أخرى. ويردد بعض شباب الإخوان المسلمين أن الشاب الإخواني -بحكم وجود الإخوان المسلمين في السلطة الآن - أصبح يحمل أوزار السلفيين والجهادين وتصريحاتهم ومواقفهم المختلفة .
هذا ما حدث مع أحمد أبو الحظ حين قيل له بشكل مباشر من أحد زملائه: "أنا أتعامل مع المسيحي ، هو أقرب لي من أن أتعامل مع إخواني ".
في تلك اللحظات العصيبة لا يرى حلا سوى في العمل المشترك، و يقول موضحا : "الحل في مشروعات ومبادرات تجمع كل الأطياف، وتقوم على المصارحة والمصالحة .. وأن يتذكر الجميع أن الإخواني في النهاية مصري مثلهم".
  • علماني
-         هيرماس فوزي
-         29 سنة
-         مهندس تكنولوجيا معلومات
لا يخفي إعجابه بصراحة الشيخ وجدي غنيم حين يهاجم الليبراليين والمسيحيين بشكل صدامي ، و يقول: "الشيخ وجدي غنيم واضح و أستطيع أن أتفهمه، لكن هناك من يتحدثون عن تطبيق الشريعة وأنها لن تقف ضد الحريات ، وحين أدخل معهم في نقاشات أرى صورة ضبابية". يجلس في مقهي بوسط البلد على بعد مسافة غير بعيدة عن شارع محمد محمود و ميدان التحرير حيث تعرض لإصابات سابقة أثناء المظاهرات المتجددة . يوضح : "الدولة التي أنتظرها بعد الثورة هي دولة مدنية ، لا تقحم الدين و تفرضه على الناس ، و لا تجعل الدين في مرمى النيران".
في محاولة لفهم الآخر ، لم يبتعد عن المسيرات و المظاهرات المتتالية ، حتى التي نادت بتطبيق الشريعة للتعرف على الطرف البعيد عن أفكاره، و لم يجد تفسيرات لكثير من أسئلته ، حول وضعية المسيحي في تصور المجتمع بعد تطبيق الشريعة ، خاصة بعد تبادل البعض آراء عن عدم قبول شهادة غير المسلم في القضاء . كل ذلك كان يدفع نحو محاولات متجددة للفهم : "في اعتصام وزارة الدفاع في إبريل الماضي ، قابلت سلفيين و حدثتهم عن الدولة من وجهة نظرهم ، وقيل لي أنهم يقبلون القوانين ، لكن التي لا تخالف الشريعة ، وحين سألت عن أمثلة، لم أجد إجابة .. ".
وصل هيرماس وغيره من الذين يتبنون فكرة علمانية الدولة إلى قناعة بأن يكون التشريع خاضعا لاحتياجات المجتمع ومطالبه ، و ألا يكون الدين وسيلة لتمرير قوانين لصالح فئات معينة ، أو على حساب آخرين ، و يوضح: "الأمر لا يتعلق فقط بالاسلام ، بل بقضية مثل الزواج والطلاق عبر الكنيسة للمسيحيين ، هناك من يرون أنه حق من حقوق الدولة و عليها أن تقوم وحدها بهذه المهمة دون شريك باسم الدين".
بعد الثورة، غاب لفظ "علمانية" لحساب تعبيرات جديدة مثل مدنية ، وليبرالية ، ومع سخونة الصراعات بين التيارات الدينية وغيرها عاد وصف "علماني" إلى الأضواء مرة أخرى، بما يحمله من وصم ، خاصة داخل التجمعات المغلقة على الانترنت. يقول  هيرماس عن ذلك : "ليس كل العلمانيين شيئا واحدا، و ليس كل الاسلاميين شيئا واحدا ، لكن هناك من الطرفين من انحط في الطعن على الآخر، فتجد العلماني الذي يرى في الاسلاميين من يريدون تزويج الفتيات في سن التاسعة ، و إسلامي يرى في العلمانيين رمزا للانحلال والعهر وأنهم معادون للأديان .. هذا ليس حقيقيا". و وسط الأحداث المتتالية والاشتباكات مع الأمن التي كان شاهدا عليها،  يغيب الجدل حول القضايا التي قامت من اجلها تلك الاشتباكات  .
كأي شاب يعتنق تلك الأفكار يؤمن هرماس بأن "لكل مقام مقال" ، فلا يفصح عن الكثير من أفكاره لكل من حوله، فتلك الأفكار سرعان ما تضع الشخص "العلماني" في تصنيف آخر كشخص معادي للاسلام .
  • برادعاوي
-         محمود علي
-         25 سنة
-         كيميائي بوزارة الصحة
يحمل محمود حقيبته مبرزا شعار حزب الدستور ، وقبلها كانت صورة الدكتور محمد البرادعي متصدرة الحقيبة إلى جوار شعار الحزب ، وطوال تلك الفترة كان يقابل بأسئلة في طريقه إلى العمل، حول صورة البرادعي ، وعن شعار الحزب ، "أحيانا ما كنت أتلقى هذا السؤال : هو البرادعي لسه في مصر ولا مسافر؟ ، وذلك بغرض التهكم". كانت فرصة له للاشتباك مع الواقع ، و فتح أبواب التواصل مع الآخرين، بل واجتذاب أعضاء جدد للحزب ، إذ يعمل محمود منسقا للعمل الجماهيري في مناطق العباسية و الظاهر وباب الشعرية بحزب الدستور، ومن هنا نضجت قناعته حول كيف يرى الآخرين، وخاصة غير المسيسين، وكذلك كيف يرونه. يقول محمود عن ذلك : "حين تنزل لعمل سلسلة بشرية ضد قرار غلق المحلات قبل الثانية صباحا، ستجد من يساندونك، لكن حين تهبط عليهم بمظاهرة أو وقفة احتجاجية ضد اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور، فقد يشتبكوا معك بعنف". هذه القناعة لم تأت من فراغ، فطوال الفترة الماضية بعد الثورة، واجه محمود اتهامات واضحة وعبارات من نوعية "انت 6 إبريل !!"، "انتو عايزين تسقطوا الدولة !". وحين كان داعما للبرادعي في فترة ما قبل الثورة وبعدها كان ذلك بمثابة اتهام آخر . وحسبما يشرح الآن فإن تلك الصورة بدأت في التغير بعد أن بدأ العمل الحزبي، إذ كانت فكرة الحركة السياسية أو الثورية غير مفهومة لكثيرين، رغم أنها كانت إحدى نقاط القوى في أحزاب تأسست بعد الثورة .
مؤخرا، ومع تصاعد الموقف بعد ذكرى أحداث محمد محمود، عاد الاشتباك إلى ساحات الانترنت بين شباب التيار الديني وشباب التيار المدني. بدأ كل واحد يرسم صورة للآخر، ويروجها عبر صفحات الانترنت ، وأصبحت توجه اتهامات مباشرة إلى أنصار البرادعي وحمدين بالتفاهة ، والبعد عن قضايا الأمة... هنا لا ينقذ شاب "برادعاوي" مثل محمود سوى سيرته الشخصية، وثقة الآخرين به. ومثلما يتعرض "البرادعوية" للوصم، على الجانب الآخر تسدد الاتهامات إلى أبناء جماعة الإخوان بأنهم تابعين لقياداتهم ، و يرى محمود أن لكل شيء جذوره ، يعلق على ما يخص جماعة الاخوان المسلمين تحديدا : "التعامل مع أفراد جماعة الإخوان في عمل مشترك ، بدأ تدريجيا في إعطاء صورة سلبية ضخمها البعض ، فقد تعرضت أنا وأصدقائي لموقف محرج حين اعتمدنا على زملاء ينتمون إلى الإخوان المسلمين في تنظيم مسيرة بحي العباسية ضد نزول توفيق عكاشة هناك، وقبل الموعد بيوم واحد ، اعتذر الشباب الإخوان .. ونحن نعرف أن ذلك كان بسبب رفض القيادات .. هذه المواقف هي التي تدفع إلى رسم صورة سيئة".
حسب حديثه فإن كل تلك الصور التي نأخذها عن الآخرين ، ستنهار حين نتعامل سويا بفردية: "طوال فترة بعد الثورة كان الناس يتعاملون معي أنا وزملائي في العمل الجماهيري بثقة فينا، لو تعاملنا بشكل أكثر تحررا من تبعيتنا لشخص أو جماعة ، ستقترب المسافات بيننا بشكل أكبر". 
 
  • اشتراكي ثوري
-         حازم شريف
-21 سنة
- طالب بالجامعة الألمانية

 "الاشتراكية انتهت ..جربناها أيام عبد الناصر وفشلت ، وسقط الاتحاد السوفيتي.. الشيوعية كفر وإلحاد ولا تصلح أفكارها لمجتمعنا"، هذه الاتهامات اعتاد حازم شريف أن يتلقاها و أن يتعامل معها جيدا في خطوات يحددها كالآتي: "أبدأ بالحوار و أوضح في حديثي أن الاشتراكية لا تتدخل في العقائد الدينية ، وأن الاشتراكي الثوري هو شخص له موقف واضح في دعم الطبقة العاملة، لأنه مؤمن بأن هذه الطبقة هي من تحرك التغيير في المجتمع". تلك الصورة المرسومة عن الاشتراكيين والشيوعيين تستند أحيانا إلى وجود زعماء في العالم من أبناء هذا الفكر السياسي كانوا ملحدين أو لا دينيين ، لكن ما يحاول حازم عمله في مثل هذه المواجهات أن يوضح أن الاشتراكية هي موقف سياسي مبني على أفكار ، و ليست موقف من الدين بشكل مباشر. و يقول : "أنا في بلد يحترم الدين ويعطيه دورا هاما في الحياة العامة، فكيف أدخل معركة خاسرة ، و أعزل نفسي عن مجتمعي ؟ ".
وسط ميدان التحرير، في جوار شوارع وسط البلد التي تجمعه ببعض الرفاق، يتشابه حديثه مع حديث الشباب المنخرطين في العمل السياسي ، ولا يختلف عنهم سوى حين يستخدم بعض المصطلحات"العلمية" في السياسة. وأثناء حديثه قرب مجمع التحرير، يراجع ما مر به من خبرات مع شباب التيارات الأخرى .. كيف يراهم ، و كيف يروه ؟
عند التعامل مع أبناء التيار الاسلامي، سواء في العمل الطلابي أو في أنشطة سياسية أخرى ، تزداد مساحة التوتر قليلا ، بسبب اختلاف القناعات ، لكن ذلك لا يمنع أن يتعاون الفريقان في نشاط مشترك مثل فعالية في أحداث غزة الأخيرة ، لكن يظل لكل منهما مشروعه و صورة للدولة التي يرغب بها. وبعد وصول الإخوان المسلمين إلى مراكز قيادية في السلطة، انتقل التوتر إلى الشريحة الطلابية، هذا ما حدث في ندوة القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي، في جامعة حلوان قبل أسابيع، حين انتهت بحدة متبادلة بين الطرفين، و صدامات أخرى وقعت في مناسبات أخرى متفرقة. اختار حازم طريق الاشتراكية الثورية بعد قراءات اطلع عليها قبل سنوات ، و لا يخفي انتقاده لكثير من أبناء التيار الاسلامي، عن عدم قدرتهم على نقد أدبياتهم ، و هو ما يثير نقاشا وجدلا أحيانا مع زملائه الاسلاميين الذين يوفرون له مساحة النقاش. "أنا حين أطلع على نقد متجدد للأفكار الاشتراكية ، أجد أن الزمان لم يتوقف عند كارل ماركس ، وهو ما لا أراه بشكل واضح لدي شريحة كبيرة من الاسلاميين ، في نقدهم لأدبياتهم".
هناك وجهة نظر أخرى يعرضها حازم تجمع الأحزاب الاسلامية والليبرالية في صورة واحدة، هذا ما يوضحه قائلا : "الأحزاب الليبرالية أكثر اهتماما بالطبقة الوسطى التقليدية - البرجوازية-ويبرز فيها دور رجال الأعمال وسطوتهم على السياسة ، هنا لا يوجد فرق بين حزب يجمع الاسلاميين ، وحزب ليبرالي ، هؤلاء جميعا ، يقفون في ناحية أخرى من القضية التي نناضل من أجلها ، وهي قضايا الطبقة العاملة ، وصنع حراك ، ثم وعي ، وبعدها الثورة، يعملون بطابع المؤسسات التجارية".
لا تمثل الاشتباكات التي تحدث الآن بين القوى السياسية المدنية والاسلامية ضغطا كبيرا على شاب مثل حازم، بل إن الصراع الذي دار خلال الأسابيع الماضية حول المادة الثانية من الدستور ، يصفه قائلا : "أرى شبابا كثرا ينخرطون في السياسة ، و ظهرت مجموعات هدفها فقط مواجهة الإخوان ، و يبدأون في العمل السياسي دون أفكار سياسية أو توجهات يتبناها ، ما أعتقده هنا أنه يجب أن يكون هناك فكر ومنطق ومنهج، يصنعها توجها دائما في العمل السياسي ، و ألا أستمد وجودي من مواقف طارئة".
ومن أجل أن يصل الفكر الاشتراكي إلى الآخرين ، أصبحت هناك قواعد على شاب مثل حازم أن يبديها ويعتنقها في أثناء العمل السياسي ، وعلى رأسها ألا يصطدم بقناعات المجتمع الراسخة ، وأن يدرك أن لكل مجتمع ظروفه الخاصة التي تنتج حلولا ووسائل مختلفة .