Sunday, August 25, 2013

حقوق الإنسان.. مهنة.. وتهمة.. و واجب

  • حملات تهكم وتخوين ضد الحقوقيين والنشطاء
فى أسابيع قليلة تحولت «أسماء محمد» -تم تغيير الاسم بناء على رغبة المصدر- من العمل على قضايا مجتمعية تخص الصحة والسكن والبيئة إلى الاشتباك الكامل مع الأحداث، ضمن فريق من زملائها داخل المؤسسة الحقوقية التى تعمل بها، وذلك بعد تصاعد حدة الاشتباكات بين مؤيدى الرئيس السابق محمد مرسى وقوات الأمن منذ شهر يوليو الماضى.
«تقوم وظيفتى على التنسيق بين العمل الميدانى والباحثين بالمؤسسة من أجل خدمة قضايا بعينها، لكننا انتقلنا سريعا إلى قضية المصابين والجرحى نتيجة الاشتباكات المتتالية، فمن الصعب تماما العمل على قضايا السكن أو الصحة فى الوقت الذى يخشى المواطن العادى على حياته وسلامته الجسدية». قد يتطلب الأمر منها التوجه إلى أماكن الاشتباكات لجمع الشهادات، وهو ما فعلته عقب أحداث الحرس الجمهورى التى أسفرت عن مقتل عشرات المواطنين، وكان الهدف من وجودها هو مساندة المحامين بالمؤسسة فى عملهم، ومساندة أهالى الضحايا.
وفى أثناء الفترة المشحونة بالاستقطاب بين من يرفضون استخدام العنف ضد المعتصمين فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة ومن يرى ضرورة الضرب بقبضة حديدية، كانت هناك شريحة من الحقوقيين يرفضون اللجوء إلى العنف، ما عرضهم لانتقادات عنيفة والتشكيك فى وطنيتهم. وكانت تلك الانتقادات الحادة بارزة فى عالم الإنترنت، ثم انتقلت سريعا إلى الإعلام التقليدى.
وهنا بدأت كلمتا «حقوقيين» و«نشطاء»، تتحول سريعا إلى «حكوكيين» و«نوشتاء»، وذلك على سبيل السخرية من موقف تلك الشريحة من الحقوقيين التى أدانت سقوط مئات القتلى فى الأسابيع الماضية، كما اتهمت تلك الشريحة بالجبن والخيانة والانسحاب من الحرب على الإرهاب.. وبمتابعة هذا العالم قد يعتاد زائر الإنترنت على مشهد الشاعر الشاب الذى يبدأ يومه على موقع تويتر بسب أحد النشطاء الحقوقيين بشكل مباشر، أو أن تجد آخر قد طرح قائمة تدين أسماء بعينها من العاملين فى مجال حقوق الانسان، خاصة من أعلنوا آراءهم الشخصية على صفحاتهم من خلال شبكة فيس بوك الاجتماعية وعلى موقع تويتر.
ولم يعد يخفى بعض الحقوقيين ضيقهم من هذه الانتقادات الحادة، مثلما وصف حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قائلا فى حسابه على تويتر: «توثيق العنف الطائفى بيجيب شتيمة الإسلاميين، وتوثيق قتل الإسلاميين بيجيب شتيمة التانيين. ولو وثقت وأدنت الجريمتين برضو هتتشتم عشان محايد». ضمن من تعرضوا لهذا العنف اللفظى الدكتورة عايدة سيف الدولة، أحد مؤسسى مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسى لضحايا العنف، ورغم ذلك تعلق قائلة: «أعمل منذ أكثر من 20 سنة على الأهداف نفسها ولم يطرأ جديد فى أسلوب عملنا كى نتلقى الشتائم وتهم الخيانة، إذ نعمل على رصد الانتهاكات التى يتعرض لها المواطنون على يد السلطات، ومساعدة أهالى الضحايا فى الوصول إلى ذويهم وغيرها من مهام إعادة التأهيل، لكننا لم نمر بمثل هذه الأزمة من قبل».
من بين الاتهامات المتداولة ضد الفرد الحقوقى أنه يتدخل فى الشأن السياسى، وأن ما تقدمه المراكز من بيانات وشهادات قد تستخدم ضد مصلحة البلاد، كما تشرح عايدة سيف الدولة: «التسييس يأتى من جانب المتحيزين، وفى تفسيراتهم الخاصة، لأننا فى مركز النديم على سبيل المثال لم نقدم بيانات فى أى وقت إلى حكومات خارجية، بل أحيانا ما نقدمها إلى الحكومة المصرية بهدف الإصلاح، ولعل موقف كثير من الحقوقيين فى المطالبة بمحاكمة عادلة للرئيس السابق مبارك، والمطالبة بمساءلة المشير طنطاوى والرئيس السابق مرسى عما ارتكب فى عهدهم من انتهاكات يوضح أن الهدف هو حقوق الضحايا أيا كانوا وهو نفس الموقف من السلطة الحالية». تتوقف سيف الدولة قليلا ثم تستطرد: «هناك مراسلون أجانب كانوا شهودا على الكثير من الأحداث التى أسفرت عن قتلى، فكيف يخشى البعض من الحقوقيين فى زمن تنتقل فيه المعلومات فى نفس اللحظة؟».

مشاكل شخصية
مثل تلك الضغوط أحيانا ما يصاحبها تجارب أشد قسوة حين يفاجئ الحقوقى المستقل أو التابع لإحدى المؤسسات بأنه قد فقد أحد المقربين إليه وسط الاشتباكات. تكرر المشهد نفسه، فى الأسابيع الماضية، على صفحات بعض النشطاء والحقوقيين، حين يفاجئ أصدقاءه بمقتل أحد أقربائه داخل الاشتباكات.. بعضهم يعلن ذلك، وآخرون يخفون، ومن ضمن ذلك الفريق الأخير كانت «أسماء» التى لم تنزل إلى موقع الاشتباكات فى أحداث المنصة للقيام بمهمتها المعتادة لجمع شهادات وغير ذلك، بل اتجهت إلى هناك وقتها للبحث عن أحد أقربائها الذى تعرض لطلق نارى أثناء قيامه بإسعاف المصابين فى أثناء الأحداث، وتوفى هناك.
تلك الضغوط كثيرا ما تنعكس على الحياة الشخصية، اكتئاب، عصبية، إحباط، حسبما تصف أسماء ذلك: «تتدخل الأسرة أحيانا وتطالبنى بترك هذا المجال، لكنها قناعاتى الشخصية التى تجعلنى أكمل، بل بدأت تتسع لدى مساحة القلق من أن تكون المرحلة الراهنة بداية لقتل مساحات المقاومة والمبادرة بشكل عام». كانت أسماء، خريجة الهندسة، مشاركة على مدى الفترة الماضية بعد الثورة فى مبادرات تطوعية كاملة لخدمة وتنمية المناطق العشوائية، واليوم تخشى أن الهجمة الحالية على العمل الحقوقى، قد تتجاوز الأمر ويبدأ المجتمع فى الوقوف ضد المبادرات الفردية والجماعية وتخوينها.


متطوعون من أجل المفقودين
استكمالا لمبادرات شبيهة كانت قد ظهرت فى العامين الماضيين بعد أحداث ثورة 25 يناير، والهدف: تتبع المفقودين فى الأحداث والاشتباكات المتتالية. ربط البعض توقيت ظهور الموقع بأن يكون مؤسسوه على صلة باعتصام رابعة العدوية، إلا أن مصطفى ــ أحد مؤسسى الموقع- ينكر ذلك بقوله: «نحن خمسة شباب قمنا بتأسيس الموقع والصفحة على فيس بوك، وليس لنا أى انتماء سياسى، ومن يراجع قائمة المسجلين من المفقودين أو المصابين فى الموقع سيلاحظ أيضا أنهم لا ينتمون إلى تيار بعينه، هم مصريون فى النهاية، ولا يهمنا أن نعرف إلى أى طرف ينتمون».
يضم الموقع الإلكترونى قائمة لأكثر من 500 مواطن، ويتواجد فى أغلب فترات اليوم من 100 إلى 200 زائر بسبب الحالة الراهنة وازدياد الاشتباكات وفرض حظر التجول. وفى أسفل الصفحة الرئيسة بالموقع يخلى المؤسسون مسئوليتهم بعبارة: «الموقع عمل تطوعى مبنى على المشاركة من المستخدمين ونحن غير مسئولين عن المعلومات التى بداخله»، إذ ليس لديهم من وسيلة للتأكد من البيانات سوى مراجعة التقارير والبيانات الحقوقية، وكذلك بما يقدمه مستخدمو الموقع من بيانات الاتصال.
«فى الحقيقة لا نسجل الحالات التى يصل فيها أحد الأهالى إلى قتيل أو مفقود عن طريق الموقع، بل أضفنا خاصية حذف المفقودين، على سبيل تحديث البيانات»، هذا ما يوضحه مصطفى ــ أحد مؤسسى الموقع ــ خاصة أن البعض لم يختفِ فى أثناء اشتباكات، بل فى مواقف أخرى مثل «العودة من كورس للغة الإنجليزية»، «أو زيارة أحد الأصدقاء»، لذا تطمح هذه المجموعة الشابة التى يدرس أعضاؤها الحاسب الآلى بكلية الهندسة أن يستمر الموقع فى نشاطه حتى بعد هدوء الأحداث.
تزيد فى هذه التجربة مساحة العمل العفوى والتطوعى، وهناك نوع آخر من المبادرات أكثر عفوية، إذ يقوم على الجهد الفردى بشكل كامل، هذا ما يوضحه محمد منصور (29 سنة) الذى تطوع قبل عامين بجمع قوائم للمفقودين فى أحداث ثورة 25 يناير وما بعدها من اشتباكات. ثم كرر الأمر نفسه مؤخرا معتمدا على مصادر متنوعة مثل صفحات فيس بوك والبيانات التى توفرها المراكز الحقوقية على الإنترنت، دون تواصل مباشر معها. وفى ذات الوقت لم يكن على صلة باعتصام رابعة العدوية أو النهضة، بل كان على حد تعبيره له موقف معادى من وجود جماعة الإخوان فى السلطة، «لكن هذا لا يمنع من المساعدة فى هذه الأزمة التى أصابت مصر».
فى عام 2011 أصدر مجلس الوزراء تقريرا وصل فيه عدد المفقودين حتى مارس 2011 إلى 1200 شخص. وفى ظل ضعف الأداء الحكومى فى متابعة هذا الملف ظهرت أشهر مبادرة من نوعها عام 2012 تحت اسم «هنلاقيهم»، على يد مجموعة من المتطوعين. وبعد شهور من العمل توصلت المبادرة إلى أن أغلب المفقودين الذين مازالوا على قيد الحياة كانوا محتجزين بشكل قسرى فى سجون الدولة.
«بعد الأحداث الأخيرة عملنا من جديد على القضية نفسها، نجمع البيانات من المنظمات والمستشفيات والمشرحة، ونتلقى على أرقام الهواتف المعلنة أو عبر الإنترنت بلاغات ونطابق البيانات مع بعضها حتى نصل إلى الحالة المفقودة». تشرح شيماء ياسين ــ أحد مؤسسى المبادرة ــ إنهم أحيانا ما يتعرضون لمواقف تزيد من ضيقهم، مثلما حدث مؤخرا حين توصلوا إلى أحد المواطنين الذين تم الإبلاغ عنهم، وبعد التواصل مع أهله وإبلاغهم أنه محتجز لدى الأمن، تعرض للقتل فى حادث مصرع 38 من أنصار الرئيس السابق داخل سيارة ترحيلات.
«مش كل مفقود توفى»، حسبما تؤكد شيماء، لذا فهم يلاحقون الأمل الذى لا ينفذ لدى الأهالى فى الوصول إلى المفقودين. ومؤخرا حاول أفراد المجموعة إشراك متطوعين جدد معهم بسبب كثافة الأحداث والاشتباكات، لكن تظل الأوضاع الأمنية أكثر تضييقا عليهم، خاصة بعد فرض حظر التجول.
PDF  

Thursday, August 8, 2013

شبح السياسة يحاصر العمل الخيرى

 

غياب ملحوظ للمتطوعين الإسلاميين.. والجمعيات الإخوانية الأكثر تضررًا


لم يكن هو المشهد الرمضانى المعتاد أمام ساحة جمعية رسالة للأعمال الخيرية بمدينة نصر، فكثير من الشباب المتطوعين فى نشاط تعبئة الشنط الغذائية يدركون أن عددهم أقل من العام الماضى. «كان عدد المتطوعين فى رمضان الماضى ضعف هذا العدد المشارك الآن، وذلك بسبب الأحداث السياسية والاشتباكات المتلاحقة، التى لم تنقطع عن حى مدينة نصر». هنا لا يخفى هشام مجدى ــ قائد فريق الفرسان للعمل التطوعى ــ ضيقه من تأثير الأحداث السياسية على العمل الخيرى، ورغم أن فريق الفرسان يعمل بشكل مستقل عن جمعية رسالة منذ سنوات، إلا أنهم يحرصون فى كل رمضان على أن يشاركوا كمتطوعين فى تعبئة الشنط الغذائية. وفى العام الحالى بالذات قد أدركوا أهمية حضورهم، «هناك شباب يقطنون فى العباسية، وفى الناحية الأخرى من مدينة نصر، أصبح من الصعب ان نجدهم معنا، بسبب صعوبة المواصلات عليهم، وقلق أسرهم من مشاركتهم»، حسبما يصف أحد المتطوعين.
فى أحد الشوارع الخلفية لشارع عباس العقاد، تقع جمعية «رسالة» فى مدينة نصر، وهناك اجتمع عشرات الشباب وسط مئات الأجولة والمواد الغذائية، ليفرغوا محتوياتها فى أكياس بلاستيكية، وذلك على مسافة غير بعيدة من اعتصام رابعة العدوية، حيث جرت العديد من الاشتباكات والفعاليات والمسيرات على مدار شهر رمضان الحالى.
تلك الأزمة لا تخص المتطوعين العاملين فى حى مدينة نصر وحدهم، حسبما يصف هشام مجدى ــ قائد فريق الفرسان ــ قائلا: «على سبيل المثال فإن فريقنا يعمل منذ سنوات على فئة متحدى الاعاقة، وبسبب الأحداث المتتالية كنا نؤجل بعض الفعاليات خارج القاهرة، بسبب حالة القلق التى كانت تصيب بعض المتطوعين من السفر فى ظروف غير آمنة أو اشتباكات داخل المحافظات». فى المسافة بين مبنى الجمعية والساحة المقابلة لها يتحدث هشام مجدى واصفا موقف لم يكن ليتعرض له من قبل: «رفض والد أحد المتطوعين مشاركة نجله معنا، ظنا منه أننا سنوجه مساعداتنا لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما اتهمنا به أيضا بعض المارة أثناء عبورهم من أمام ساحة تعبئة الشنط الرمضانية، وهو أمر جديد علينا، لم نقابله فى السنوات الماضية».
أصدرت «رسالة» فى نهاية العام الماضى بيانا تنفى فيه انتماءها لأى حزب أو تيار سياسى، وذلك ردا على اتهامات بأنها جمعية داعمة لجماعة الإخوان المسلمين، وتجددت الشائعات مرة أخرى بكثافة بعد 30 يونيو، ما اضطر الجمعية إلى مواجهة الأمر بحملة دعائية. وأقام شباب الجمعية سلاسل بشرية للتأكيد على أنهم لا ينتمون إلى التيار الاسلامى، وفى هذه الأجواء، لم يقتصر الأمر على جمعية رسالة للأعمال الخيرية وحدها، بل امتدت إلى مؤسسات أخرى مثل بنك الطعام وجمعية الأورمان.
ويكشف أرشيف الموقع الالكترونى لجمعية رسالة عن عدد من الأخبار توضح وجود تعاون بين فروع جمعية «رسالة» وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. كما تكشف بعض الفعاليات التى أقامتها الجمعية عن تنسيق بين الحرية والعدالة والجمعية فى فعاليات خيرية أو تنموية، تلك الأنشطة لا تعبر بشكل كامل عن وجود انحياز ناحية جماعة الإخوان المسلمين أو التيار الاسلامى، إذ نسقت الجمعية نفسها فعاليات مع كيانات أخرى ليس لها صلة بالتيار الاسلامى، على سبيل المثال فقد تعاونت «رسالة» فى إبريل الماضى مع حزب الدستور لإقامة «كرنفال الدقى ليوم اليتيم»، وحضره فى ذلك الوقت الدكتور محمد البرادعى.
أما فى ساحة تعبئة الشنط الرمضانية، فيعمل الجميع على كسر تلك الأجواء، كأن تقوم متطوعة بمتابعة المجموعات المشاركة، وتقييمهم على لوحة بيضاء، ويتم تكريم المجموعة الأكثر نشاطا، حتى ينسى الجميع من كان يداوم على زيارة اعتصام رابعة العدوية، أو كان من زوار ميدان التحرير.
ضحايا الأزمة
وفى الوقت الذى كانت تذيع فيه جمعية رسالة إعلانات تنفى صلتها بأى تيار أو فصيل سياسى، كانت هناك جمعيات ومؤسسات أخرى تبث إعلاناتها على نفس النمط الرمضانى فى كل عام، دون أن تقع فى دائرة أى اتهامات، فهل تأثرت هذه الجمعيات بالأزمة السياسية الحالية؟ تجيب الدكتورة أنيسة حسونة المدير التنفيذى لمؤسسة مجدى يعقوب للقلب بأسوان، بأنها لا تستطيع أن تقيم مدى تأثير الحالة السياسية على حجم التبرعات، سوى بعد عملية التقييم التى تجريها الجمعيات الخيرية بعد انتهاء الموسم الرمضانى، وتقول: «لن أفاجأ إن كشفت الأرقام أن العمل الخيرى قد تأثر بسبب الأحداث السياسية، لكننى متأكدة من أن المصريين الذين اعتادوا على العمل الخيرى فى كل عام، لن يوقفهم شىء، وسيقدمون تبرعاتهم بأى وسيلة».
قد لا يكون حجم الضرر الذى تعرضت له الجمعيات الكبرى بحجم الضرر الذى تعرضت له الجمعيات الخيرية الصغيرة والمعتمدة بشكل مباشر على دعم جماعة الإخوان المسلمين، سواء فى إقامة أسواق خيرية أو معارض ملابس أو غيرها من الفعاليات. بعض هذه الجمعيات كانت ترد الجميل للجماعة وحزبها فى ندوات تستضيف أعضاء مجلس الشعب السابق من جماعة الإخوان، كما حاولت التأثير سياسيا على المستفيدين من خدماتها، وكل ذلك مازال محفوظا فى صفحات هذه الجمعيات على الفيسبوك. أما فى حالة التواصل وطلب الاستفسار من قيادات هذه الجمعيات، التى يقتصر عملها فى الغالب على نطاق حى أو قرية، فينتهى الأمر بإجابة واحدة: «نعتذر عن الحديث بسبب الظروف السياسية الراهنة».
 يوضح مثلا عضو مجلس إدارة جمعية خيرية فى حى الزيتون بالقاهرة، أسباب حساسية الحديث عن هذا الموضوع، خاصة أنه قد تعاون سابقا مع حزب الحرية والعدالة، قائلا: «قمت مع زملائى منذ فترة بتعليق أنشطة مثل السوق الخيرى أو معرض الملابس، خشية أن نفاجأ ببلطجية يدمرون عملنا تحت دعوى أننا ننتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وخشية استهداف مقر الجمعية أثناء أى اشتباكات أو خلاف سياسى فى الحى».
لا يخفى عضو مجلس إدارة الجمعية التى تعمل على نطاق ضيق أن أنشطتها تأثرت بشدة بسبب انشغال العاملين بها فى أزمة التيار الاسلامى، إلى جانب تضرر الجمعية من غياب المتطوعين الذين كانت تعتمد عليهم الجمعية، وأغلبهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين انسحبوا من النشاط العام فى الحى.
بين «رسالة» ورابعة
بالعودة إلى جمعية «رسالة» فى مدينة نصر، أمام ساحة تعبئة المواد الغذائية، كان يقف محمود عاشور، طالب الصف الثانوى، وأحد شباب الإخوان المسلمين... يستعد لخطوة جديدة فى العمل مع فريق المتطوعين، بعد أن قضى أغلب وقته فى شهر رمضان، موزعا بين التطوع فى جمعية رسالة وزيارة اعتصام رابعة العدوية. يعلق على ذلك قائلا: «هناك جمعيات خيرية تحت إدارة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، وقد عرض على البعض أن أوجه عملى التطوعى إلى هناك خشية أن أتعرض لمضايقات من المتطوعين فى رسالة، لكنى تشبثت بأن أظل متطوعا ضمن فريق رسالة، وأواجه الموقف دون قلق، وفى النهاية الهدف هو العمل الخيري». وحسبما يذكر محمود فإنه لا يمثل الجمعية بأى شكل داخل الاعتصام، بينما تساهم بعض الجمعيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر فى تقديم الإفطار للمعتصمين عن طريق متبرعين لديهم الرغبة فى «إفطار الصائمين».
تقف مروة زهدى مسئولة الاطعام فى جمعية رسالة بمدينة نصر كى تنظم مجموعات المتطوعين داخل عدد من الميكروباصات، حيث يبدأون نشاط توزيع الطعام على المحتاجين المسجلين لدى الجمعية. وهى تروى أن أحد معتصمى رابعة العدوية قد قدم لفرع رسالة حوالى 600 وجبة فاضت لديه ولم يوزعها داخل الاعتصام، وأراد إنقاذ ما تبقى لديه بأن يرسلها إلى جمعية رسالة، التى يمكنها حفظ تلك الوجبات وإعادة توزيعها بمعرفتها، وتقول مروة: «بعد أن وجدناه يكرر العرض مرة أخرى بتقديم حوالى 2000 وجبة، اعتذرنا له منعا للحرج، حتى لا نكون موضع شبهات أو نحسب على تيار سياسى بعينه».
الصورة ليست قاتمة بأى حال، حسبما ترى الدكتورة إقبال السمالوطى ــ أستاذ ورئيس قسم التخطيط بالمعهد العالى للخدمة الاجتماعية بالقاهرة، وعضو الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية ــ فرغم تأثر النشاط الخيرى بحالة التوتر السياسى فى الشارع المصرى، إلا أن هناك ملامح جديدة قد أضيفت هذا العام إلى العمل الخيرى. وتوضح الدكتورة إقبال السمالوطى: «هناك جمعيات تعمل فى مجال التنمية أخضعت إمكانياتها لتقديم أعمال خيرية فى رمضان لهذا العام، نتيجة ضغوط من أعضائها، خاصة أن بعض الجمعيات الخيرية التابعة للإخوان المسلمين قد تأثر بعضها فى الفترة الماضية، وأعتقد أن هذا يعبر عن روح مبادرة جيدة تؤكد حرص المصريين على العمل الخيرى بشكل عام». فى الوقت الحالى تبدو صورة العمل الخيرى خاضعة لتأثير الظروف السياسية الداخلية، من انشغال أبناء التيار الاسلامى بالسياسة عن نشاطهم التقليدى فى العمل الخيرى، إلى خشية بعض المتطوعين من العمل فى ظل حالة حادة من الاستقطاب والاحتقان السياسى .
**
الدين والخير والسياسة.. علاقات قديمة
منذ فترات مبكرة من عمل الجمعيات الخيرية فى مصر،  امتزج العمل الخيرى بالسياسة والدين فى كثير من الأحيان، فعندما ظهرت الجمعيات الخيرية الدينية فى نهاية القرن 19، كانت البداية بتأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية فى العام 1878، وكان من أهم رجالها الإمام محمد عبده والزعيم مصطفى كامل. ورغم أن هناك أهدافا خدمية وخيرية لهذه الجمعية مثل إنشاء المدارس للفقراء ومساعدة المحتاجين، إلا أنه كان هناك هدف آخر ذو بعد سياسى هو مواجهة الجمعيات الأجنبية والتبشيرية، التى كانت تعمل فى مصر آنذاك. ولم يقتصر الأمر على الجمعيات الإسلامية فقط،  بل إن شخصيات وطنية مثل عبدالله النديم قد دعمت تأسيس جمعيات مسيحية، مثل «جمعية المساعى الخيرية» فى 1881، وذلك لمواجهة الجمعيات الأجنبية والتبشيرية ولتكريس فكرة الوحدة الوطنية.
وكان تأسيس هذه الجمعيات الخيرية متأخرا نسبيا عن تأسيس جمعيات من نوع آخر، مثل الجمعيات الثقافية والعلمية فى مصر، وذلك لسبب يرجعه باحثون إلى اعتماد النشاط الخيرى قبلها على دور المسجد والأوقاف، هذا إلى جانب دور الطرق الصوفية. وبعد تأسيس دستور 1923 أصبح تشكيل الجمعيات الأهلية التطوعية حق يكفله الدستور للمواطنين، وهو ما زاد من عدد الجمعيات الأهلية بشكل عام. ثم برز فى عام 1928 دور جمعية «الإخوان المسلمين»،  التى حملت وجها جديدا يمزج بين العمل الدعوى والدور السياسى، وكانت القضية الفلسطينية بداية مجال حركة لجمعية الإخوان المسلمين آنذاك منذ الثورة الفلسطينية فى الثلاثينيات، ثم مشاركتها فى مجال الإغاثة ورعاية اللاجئين.