Wednesday, July 15, 2015

رسالة من محاربة للسرطان: لا نطلب الشفقة وادعمونا بالتفاؤل


كتب - عبدالرحمن مصطفى
فى الطابق الخامس من المعهد القومى للأورام تقف سمر سيد التى أصيبت قبل عام بمرض السرطان وهى تحاول ألا تبرز إرهاقها فى ذلك اليوم، فهى لم تأت من أجل تلقى العلاج، بل جاءت مع أصدقائها لتنظيم حفل ترفيهى للأطفال الخاضعين للعلاج فى المعهد، تتحرك فى أرجاء المكان المخصص للحفل، وتغير الأغانى على أمل مشاركة الأطفال المنهكين من العلاج. وتقول: «لا يعلم كل الناس أن هناك أطفالا يعالجون فى هذا المكان، ولهذا جئنا إليهم». تجلس سمر الفتاة التى أتمت الثلاثين سنة هذا العام، لتلتقط أنفاسها بعد شهورها بالاجهاد من ضغوط اليوم وتأثير جرعات العلاج الكيميائى التى تتلقاها على مدى عدة أشهر، ثم تستكمل: «رسالتى أن أرفع معنويات مرضى السرطان كلما استطعت».
فى بداية شهر رمضان الحالى طرحت صفحة «الجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان» على فيسبوك سؤالا يقول: إيه رأيكم فى الاعلانات الخاصة بمستشفيات السرطان فى رمضان ٢٠١٥؟. وجاءت بعض الإجابات من مرضى السرطان، كان إحداها لأم مصابة بالمرض وتسبب إعلان لإحدى مستشفيات السرطان فى إصابة ابنها بالذعر، وكانت سمر محاربة السرطان ضمن المرضى الذين سجلوا إجاباتهم على السؤال وأبدوا استياءهم.
تقول إسراء الشربينى المدير التنفيذى للجمعية المصرية لدعم مرضى السرطان، إن الجمعية قد جمعت عددا من شهادات المرضى، وتوجهت بها إلى إدارة مستشفى السرطان التى تسبب إعلانها فى ضيق عدد من المرضى، وتضيف: «موقفنا محايد من هذه الإعلانات، لكننا سعينا إلى توصيل جميع الأطراف ببعضها.. لكننا لم نتلق رد فعل على مبادرتنا ».
بالعودة إلى حفل المعهد القومى للأورام، فقد كانت سمر سيد محاربة السرطان ـ كما تصف نفسها ــ تتحرك بين الأطفال المرضى، فى محاولة لتحفيزهم على الرقص والمرح، وتستكمل حديثها بعد انتهاء الحفل بدقائق فتقول: «الأطباء لا يشرحون لمريض الأورام حقيقة الأعراض الجانبية للعلاج، كما أن هناك صورة سلبية يروجها التليفزيون عن مرض السرطان، وهى أمور تؤثر على نفسية المريض، لذا أدعو المرضى ألا يتأثروا بكل تلك الضغوط». قبل عام علمت سمر سيد أنها مصابة بورم سرطانى، وتعرضت بعدها للعديد من المواقف التى تستلزم شجاعة وقدرة على إدارة الموقف، منها ما تذكره عن تغير معاملة بعض الناس معها، وتقول: «فى الوقت الذى تخسر فيه معارف لك بعد أزمتك، تكتشف أهمية بعض الشخصيات الأخرى فى حياتك». وعلى صفحات فيسبوك مازال بعض مرضى السرطان يفعلون مثل سمر، ويدونون رغبتهم فى تغيير الصورة السلبية عنهم، وبث القوة فى نفوس بقية المرضى.

Friday, July 10, 2015

سنة أولى رمضان خارج بيت الأهل

كتب - عبدالرحمن مصطفى
انتقل أحمد رفعت إلى مدينة الشروق فى ديسمبر الماضى بعد زواجه مباشرة، مودعا حى العباسية الذى عاش فيه قرابة 30 سنة، ليقضى أول رمضان فى مدينة جديدة وأجواء مختلفة تماما عن الحى الذى نشأ فيه. يصف ذلك قائلا: «كل شارع فى العباسية يضاء فى رمضان بأنوار وزينة تشعرك باختلاف، أما المساجد والمحلات فهى قريبة يمكنك السير إليها، بينما يختلف الأمر هنا فى مدينة الشروق».
وتبعد مدينة الشروق مسافة 37 كيلومترا عن العاصمة، بحيث يقضى أحمد رفعت عشرات الكيلومترات يوميا فى الذهاب إلى مقر عمله فى المركز القومى للبحوث، ولاحظ فى بداية سكنه فى مدينة الشروق أن العلاقات إلى حد كبير محدودة بين السكان، وتكاد تكون مقتصرة على أبناء العمارة الواحدة، ويضيف: «اضطررت إلى العودة إلى بيت العائلة مع زوجتى، وقضيت أغلب أيام رمضان هناك لاستعادة الأجواء المفقودة».
تلك الأزمة أصابت عددا من السكان الذين انتقلوا من أحياء تقليدية فى العاصمة إلى مدن جديدة ذات طابع هادئ، ومع مرور السنوات حاولت مجموعة من السكان المدينة التى لا يزيد عمرها على 20 سنة أن يتجمعوا فى كيان تحت اسم «رابطة ملاك الشروق»، وحاولوا استعادة أجواء رمضان التى افتقدوها فى مناطقهم الأصلية التى جاءوا منها. فقبل عدة أيام أقامت مجموعة من سكان المدينة إفطارا رمضانيا لكسر أجواء العزلة التى تضرب العلاقات بين الجيران.أحمد عبدالرحمن هو أحد سكان الشروق الذى انتقل من حى عين شمس قبل خمس سنوات، وهو منظم الافطار الرمضانى الأخير، يعتقد أن مثل تلك الفعاليات قد تجذب السكان إلى مزيد من التفاعل سويا، وتدفعهم إلى ابتكار طرق جديدة للتواصل معا. يقول: «تلك الفعاليات تتجاوز أحداث شهر رمضان، فقد أقمنا قبل ذلك حفلات شواء بين السكان، وحفلات ترفيهية للأطفال». وبينما يبدو أحمد عبدالرحمن أكثر تفاؤلا. فإن ساكنا جديدا فى مدينة الشروق مثل الباحث الشاب أحمد رفعت لم يحضر تلك الفعاليات حتى الآن.
«أنشطتنا لا تتوقف على شهر رمضان فقط، لكنها تبدو مهمة فى هذا الشهر، لأنها تكسر حالة الجمود التى تصيب بعض من انتقلوا حديثا إلى مدينة الشروق». تتحدث منى نور إحدى عضوات رابطة ملاك الشروق التى انتقلت قبل سنة إلى المدينة، واختارت دعوة السكان إلى المشاركة فى الأعمال الخيرية، وكان شهر رمضان فرصة لتجد من يلبى دعوتها. وتشرح قائلة: «أقمنا فعاليات لدعم الأطفال المصابين بالتوحد، وزيارة دور المسنين فى الشهر الكريم والتخفيف من وحشتهم، إلى جانب إعداد حقائب الخير الرمضانية». وترى مريم فى مثل هذه الأنشطة استعادة لروح رمضان بممارسة الأنشطة الخيرية.

 PDF

Thursday, July 2, 2015

قواعد جديدة لمشاهدة التليفزيون.. وحنين إلى «لمة العيلة»

 
• البعض يلجأ إلى الإنترنت هروبـًا من كثافة الإعلانات
• صفوت العالم: لم يحدث تغير فارق فى عادات المشاهدة
•  داليا الشيمى: على الإعلام أن يراعى نفسية المشاهدين

فى الوقت الذى يتابع فيه الزوجان المُسنان مسلسلا رمضانيا فى الصالة الرئيسية، كان الابن يجلس فى غرفته أمام شاشة الكمبيوتر متابعا حلقات مسلسل أمريكى شهير، وبينما يبدو هذا المشهد غير متوائم مع أجواء رمضان الذى تجتمع فيه الأسرة حول التليفزيون، لكنه نموذج لبعض التغييرات التى جرت على عادات مشاهدة التليفزيون عند الأسرة المصرية.
«لم يعد رمضان مرادفا للمة العائلة حول التليفزيون، لقد أصبح الشباب أكثر انشغالا بهواتفهم الذكية والانترنت». تتحدث ربة الأسرة آمال عبدالله، المحاسبة بالمعاش (61 سنة) أنها اعتادت قبل أكثر من سنة أن تشاهد المسلسلات بعد تحميلها من الانترنت، أما ابنها إسلام فهو من دلها على تلك الوسيلة لمتابعة ما يفوتها من حلقات أو مسلسلات، بينما يتجه الابن لاستخدام موقع يوتيوب لمشاهدة الدراما على الانترنت.
كان هذا المنزل يعيش أجواء رمضانية مختلفة قبل 25 سنة حين كان إسلام طفلا مع أخوين آخرين يجتمعان حول التليفزيون باهتمام لمتابعة مسلسلات بعينها، وما زالت الأم تتذكر الروتين اليومى فى الجلسات العائلية بعد الإفطار، من متابعة مسلسل الأطفال أثناء الافطار، ثم حلقات الكوميديا مع مشروبات بعد الإفطار، ثم حلقات ألف ليلة وليلة التى تتزامن مع فقرة الحلويات والاستعداد لصلاة التراويح، واختلفت هذه الأجواء بعد مرور ربع قرن، وازدياد عدد الفضائيات وكثافة عروض الدراما والبرامج الرمضانية.
يقول محمد أمين رب الأسرة الذى جاوز الرابعة والستين، إنه اعتاد مع زوجته بعد طلوعهما على المعاش أن يقضيا أغلب أوقاتهما أمام شاشة التليفزيون، مكتفيان بالبرامج السياسية وقنوات الأفلام، حتى تبين لهما إمكانية تحميل الأعمال الدرامية عبر الانترنت ثم مشاهدتها عبر شاشة التليفزيون العملاقة فى المنزل. يستكمل المهندس الستينى: «اشتريت جهاز ريسيفر جديدا يسمح لى بعرض فيديوهات على التليفزيون بعد تحميلها على ذاكرة الكترونية ». وتقل هذه العادة تدريجيا فى شهر رمضان حسب آمال عبدالله ربة الأسرة التى تقول: «قمت فى الأسبوع الأول من رمضان بتحميل ثلاث حلقات من مسلسل لم أكن أتابعه جيدا، لمشاهدتها مرة واحدة دون الإعلانات التى تقطع المشاهدة على الفضائيات». ويسند الزوج الستينى إلى زوجته مهمة البحث على الانترنت عن المسلسلات وتحميل الحلقات سواء فى رمضان أو فى غيره.
يرى صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة والاعلان فى كلية الاعلام بجامعة القاهرة أن كثافة المادة الإعلانية وما قد تصنعه من تشتيت عن المحتوى الدرامى فى رمضان، لن تدفع بالضرورة إلى المشاهدة عبر الانترنت هروبا من التليفزيون، ويقول: «متابعة وتحميل المسلسلات الدرامية عبر الانترنت لا يلائم جميع الأعمار ولا كل المستويات الاقتصادية حتى نستطيع أن نصفه بتغير فى عادات المشاهدة». وكان بعض مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر قد عبروا عن ضيقهم بكثافة المحتوى الاعلانى على الشاشات، بينما يستدرك أستاذ الإعلام قائلا: «فى الأيام الأولى من شهر رمضان تظهر حالة من الفضول والاهتمام من المشاهدين لمتابعة إعلانات رمضان، وأحيانا ما يعوض غياب بعض النجوم عن الدراما أنهم يحضرون فى الاعلانات». ويضيف صفوت العالم أن كثافة الإعلانات الخيرية فى النصف الثانى من الشهر تفسد حالة المشاهدة لما تعرضه من ألم ومعاناة .
انسحاب شريحة من المشاهدين لمتابعة الدراما الرمضانية عبر الانترنت لم يخضع لدراسة ترصد تأثير ذلك على نسبة المشاهدة عبر شاشات التليفزيون، لكن بعض الأرقام الأولية عن عدد مشاهدات الحلقة الأولى فى عدد من المسلسلات الرمضانية على موقع يوتيوب للفيديو يتجاوز 250 ألف مشاهدة فى بعض الأحيان. أى أن ظاهرة متابعة الأعمال الرمضانية عبر الانترنت قد أصبحت تستقطب آلاف المشاهدين، رغم أن هذه الشريحة نفسها تواجه الفواصل الاعلانية أيضا على موقع يوتيوب. فى الوقت الذى أعلن فيه الموقع الأشهر فى عرض لقطات الفيديو عن نيته بث خدمة خالية من الاعلانات تماما فى مقابل اشتراك.
«فتحت شاشة الكمبيوتر أمامى فوجدت عالما واسعا شاهدت من خلاله أفلاما من روائع السينما الأمريكية أنقلها من أصدقائى أو أحملها عبر الانترنت». الحديث لإسلام الشاب العشرينى الذى كان مشغولا مع بداية شهر رمضان الحالى بمتابعة حلقات مسلسل Game Of Thrones الأمريكى التى فاتته مشاهدتها، وخصص لها وقتا قبيل السحور، بينما لا يبدى اهتماما بزحام المسلسلات العربية.
«انسحاب بعض المشاهدين إلى متابعة الدراما عبر الانترنت هو ابتعاد عن إحساسهم بأنهم مجبرون على المشاهدة وفقا لخطة المعلنين، لذا تعزز المشاهدة عبر الانترنت إحساسهم بأنهم من يتحكم فى قواعد المشاهدة، وعلينا أن نتذكر أن إلحاح المعلنين يصاحبه أيضا برامج للمقالب ودراما تحض على العنف، وهو ما يستنفر العدوانية لدى المشاهدين ويهدد ارتباط المشاهدين بالدراما من الأساس». تتحدث داليا الشيمى الخبيرة النفسية عن أن التليفزيون قد دخل فى تحد مع التكنولوجيا واندماج كثيرين فى مواقع التواصل الاجتماعى، وأن المواد التى تستدعى نفور المشاهدين فى فترة رمضان قد تؤثر على ولائهم لشاشة التليفزيون.
«أمام التليفزيون تحديات مثل انشغال الناس بالتكنولوجيا والانترنت وانشغالهم الدينى فى رمضان بصلاة التراويح وقراءة القرآن، وهى أمور يجب على القائمين على الإعلام مراعاتها فى التعامل مع نفسية المشاهدين». تختم الخبيرة النفسية بهذه العبارة.
أما الأسر المصرية التى يتشابه بعضها مع أسرة محمد أمين المهندس بالمعاش، فمازال فى ذهنها كيف كان التليفزيون يجمع الأسرة فى توقيتات محددة فى رمضان ويتحكم فى روتين يومهم، وكيف تطورت علاقة الأسر المصرية مع هذه الشاشة إلى حالة من الجفاء فى أوقات أخرى.

Friday, June 12, 2015

عم حمادة .. 30 سنة في بيع الجيلاتي

كتب - عبدالرحمن مصطفى
فى حارة ضيقة وسط منطقة «المُليحة» بحى حدائق القبة، تمر عربة «الجيلاتى» يقودها عم أحمد محمد عبدالعال «٤٩ سنة» الذى تنحدر جذوره من مركز المراغة فى محافظة سوهاج، مر عليه أكثر من 30 عاما قضاها بين حوارى الحى نفسه يبيع الجيلاتى لأطفال المنطقة، بعضهم أصبح رجالا ونساء يشترى أبناؤهم منه الآن.
«تبدل سكنى فى القاهرة بين عدة مناطق مجاورة حتى استقريت فى منطقة الزاوية الحمراء، فى منتصف المسافة بين مصنع الجيلاتى الذى أعمل لحسابه والمنطقة التى أبيع فيها». يستكمل البيع لأطفال ينادونه بـ«عم حمادة»، ويتحمل شقاوتهم حين يقفزون فوق العربة أو يرشون طريقه بالمياه. يستكمل حديثه: «يبدأ يوم العمل فى السادسة صباحا، أما البيع فيكون بعد الواحدة ظهرا، خاصة فى فترة العطلة الدراسية وإغلاق المدارس، وأظل أعمل حتى الليل وإنهاء الكمية التى معى». يوزع أكواب الجيلاتى التى لا تتجاوز سعرها جنيها واحدا على الزبائن الصغار، ويبدو متحفظا فى حديثه عن ثلاثة أمور، الأمر الأول هو قيمة ما يجنيه يوميا من عمله فى هذه المهنة الموسمية، والأمر الثانى هو قلقه من التناول الإعلامى لعمله، والثالث محاولته التأكيد على نظافة المنتج الذى يقدمه، حتى أنه قدم لى كوبا من الجيلاتى على سبيل التجربة، مؤكدا على أن أى ضرر يصيب طفلا من أطفال الحى قد «يقطع عيشه» من المكان إلى الأبد.
كان الدكتور خالد حنفى وزير التموين والتجارة الداخلية، قد أطلق تحذيرا من شراء السلع الغذائية وغير الغذائية من الباعة الجائلين، خشية عدم مطابقتها المواصفات القياسية أو إضرارها بصحة المواطنين، ويعلم «عم حمادة» عن تلك التصريحات، وهو ما يدفعه إلى مزيد من الدفاع عن موقفه فيقول: «اشترى اللبن من فلاحين يفدون على المنطقة مبكرا، كما اشترى فاكهة رخيصة بالجملة من سوق العبور يستخدمها المصنع فى عمل الجيلاتى ثم يضيف صاحب المصنع ثمنها إلى أجرى اليومى». ويعمل بائع الجيلاتى لحساب مصنع فى منطقة الشرابية تنطلق منه نحو ٤٠ عربة إلى المناطق المجاورة.
«ليس من المفترض أن تحرض الدولة مواطنيها على الامتناع عن التعامل مع الباعة الجائلين، بقدر ما يجب عليها أن تقوم بدورها الرقابى والتأكد من مصدر الأغذية وكيفية إنتاجها، سواء كانت أيس كريم أو غيرها، بل عليها التأكد من صلاحية العبوات المغلقة والمميكنة أيضا.. فما بالك بالمصنوعة يدويا!». يتحدث حسين منصور رئيس وحدة إنشاء جهاز سلامة الغذاء عن مسئولية الرقابة على المواد الغذائية التى تتوزع بين جهات كثيرة ولا تقتصر على جهة واحدة.
يعمل بائعو الجيلاتى فى فترة تمتد بين شهرى مارس ونوفمبر من كل عام، تجمعهم الأساليب نفسها فى الحفاظ على الجيلاتى من حرارة الجو، بوضعه فى طبق كبير من الاستنليس داخل العربة الخشبية حوله ثلج مخلوط بالملح حتى لا يذوب هو الآخر. ولكل واحد منهم منطقة يتحرك فيها بعيدا عن منافسه، وهكذا يفعل «عم حمادة» فى منطقة «المليحة»، أما بقية شهور السنة فيعمل فى مهن أخرى تعتمد على القوة البدنية، تاركا أمله معلقا بأبنائه الذى يحرص على تعليمهم كى يعملوا فى مهن أفضل من بيع الجيلاتى.
PDF

Sunday, May 24, 2015

أنشطة للهروب من التوتر والقلق

بين ركوب الدراجات وجلسات التأمل وتمارين الزومبا.. أنشطة تضم مشاركين يهربون من صخب الحياة واستنزافها إلى مجموعات تتبنى الترفيه والمرح والسعى إلى التغيير، بعضهم تبدلت حياته بعد ممارسة هذه الأنشطة، وآخرون اكتفوا بالمشاركة والحصول على هدنة، ترتاح فيها عقولهم من التوتر والقلق.
..
«جمعة الدراجات» الأسبوعية.. هواية وترفيه ومرح
فى تمام الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الجمعة، فى شارع قريب من ميدان الساعة فى حى مدينة نصر، تتراص الدراجات فى انتظار اكتمال عدد المشاركين فى جولة بين مدينة نصر وباب الفتوح فى منطقة الجمالية، يلتقط بعض الواقفين دراجات لتجربتها فى الوقت الذى ينشغل فيه مؤسسو فريق (يلا عجلة) بتنظيم ترتيبات الفعالية.
«نتطلع إلى تحقيق نجاح فى نشر ثقافة ركوب الدراجات، وأن ننجح كفريق فى جذب رعاة لنشاطنا، وأن نتوسّع بشكل أكبر ويزداد عدد المشاركين، فما زلنا فى بداياتنا الأولى». يتحدث محمود مصطفى المهندس الشاب بإحدى شركات البترول عن تجربته التى خاضها مع زميليه معتز هشام ومحمد صلاح، حين أسسوا فريق (يلا عجلة) الذى بدأ نشاطه مع بداية شهرمايو. فى ذلك اليوم كان الاختيار أن تكون مدينة نصر هى نقطة انطلاقهم بسبب سعة شوارعها، وإمكانية الانتقال إلى العديد من الأماكن الأخرى المجاورة ذات الشوارع الفسيحة.
هناك أسلوبان للمشاركة فى فاعليات الفريق، الأول أن يأتى المشارك بدراجته الشخصية، أما الثانى فأن يؤجر المشارك دراجة فى مقابل 25 جنيها.
«القيمة منخفضة نسبيا عن فرق أخرى، ولا نحصل إلا على ما يغطى نفقات الرحلة الواحدة، مع هامش ربح بسيط يغطى ثمن دراجات الفريق على المدى البعيد». مازال الحديث لمحمود مصطفى الذى بدا مشغولا مع زملائه فى توضيح بعض النقاط للمشاركين، أهمها أن الرحلة ليست سباقا، وأن على كل فرد أن يظل ملتزما بالتحرك خلف زميله دون الانحراف إلى منتصف الشارع.
فى يوم الجمعة من كل أسبوع تنشط عدة مجموعات لقيادة الدراجات صباحا، حيث تنتشر فى مناطق مثل التجمع الخامس، ومصر الجديدة، والزمالك، والمعادى، وغيرها. ففى صباح اليوم نفسه الذى خاض فيه فريق (يلا عجلة) فعاليته، كان أعضاء فريق (فوربايك) قد اجتمعوا من الساعة السابعة صباحا فى حى الزمالك للانطلاق فى جولتهم بين شوارع الحى الهادئ صباحا. وكانت البدايات الأولى لظهور مجموعات ركوب الدراجات مع العام 2008 بين القاهرة والاسكندرية، كان أبرزها مجموعة (سايكل إيجيبت) ومجموعات أخرى ظهرت فى منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، حتى توالى ظهور المجموعات المشابهة فى السنوات الأربع الأخيرة. ومع توالى ظهور تلك المجموعات كان محمد سليمان أحد من تابعوا تطورها على مدى تلك السنوات، واختار أن يؤسس فريق (فور بايك) فى العام 2012 للمهتمين بعالم الدراجات، حيث لم يقتصر نشاط الفريق على منطقة محددة، بل انتقل بين المحافظات وخارج القاهرة.
«ما رأيته خلال سنوات قضيتها فى هذا المجال، أن هناك من يتعاملون مع الأمر على أنه وسيلة ترفيه يحتاجها بصورة أسبوعية، وآخرون يعتبرونه نشاطا ينطلقون من خلاله فى شوارع القاهرة بحرية وأمان، هذا بعيدا عن كون قيادة الدراجات وسيلة انتقال نموذجية». هكذا تحدث مؤسس فريق (فور بايك) عن شخصيات شاركت معه على مدى سنوات، خاضوا فيها حب الانطلاق بين أماكن متنوعة، مستكملا حديثه قائلا: «يشارك معنا شخصيات ذات مناصب ومسؤوليات عالية، لكنهم وجدوا فى قيادة الدراجات فرصة للانطلاق والهروب من الضغوط اليومية».
بالعودة إلى ميدان الساعة فى مدينة نصر وفريق (يلا عجلة)، فإن المشاركين قد بدأوا فى الاستعداد للانطلاق بدءا من الساعة الثامنة صباحا. ياسر حلمى وإسراء أحمد طالبة الفنون الجميلة، كانا ضمن المشاركين مع أصدقائهما، وبينما يتذكر ياسر بعض المواقف التى تعرض فيها لسخرية من المارة، وهو ما حدث بشكل سريع أمام بوابة الفتوح فى ذلك اليوم، حين تلقوا عبارات مازحة من المارة، إلا أن زميلته إسراء تتذكر مواقف إيجابية مثل دعم المارة لها كفتاة تنطلق بدراجاتها فى فعاليات سابقة. وفى فعاليات أخرى يعود بعض المشاركين إلى منازلهم ليدونوا انطباعاتهم على صفحة الفريق فى شبكة فيسبوك الاجتماعية، ويقدموا عبارات من نوعية «لازم أشكركم بجد إنتم شقلبتم يومى كله.. عمر ما كان هيكون كده الا بيكوا. أنا فخووور بيكوووا جدا جدا» هذا ما ذكره أحدهم فى إحدى الفعاليات الأخيرة.
بدأت رحلة فريق (يلا عجلة) فى شارع صلاح سالم، بمشاركة فريق آخر هو (كايرو سبورت)، وهو فريق لا يتخصص فقط فى ركوب الدراجات، بل يهدف إلى تشجيع الرياضات والترفيه بشكل عام، ينظم مباريات فى البولنيج والمشى والتنس وغيرها، وفى ذلك اليوم كانت هناك شراكة بين المجموعتين فى الانطلاق سويا إلى القاهرة الفاطمية، حيث لم يقتصرالأمر على مجرد التحرك بالدراجات، بل أعقبه جولة فى شارع المعز وإفطار جماعى.
تسعى فرق قيادة الدراجات إلى تقديم خدمات أفضل وتحقيق سمعة جيدة لدى المشاركين، ليجنى أكثرها نشاطا فرصة كسب رعاة لفعالياته والحصول على دعم من جهات مهتمة بهذا النشاط.
«ندعم قيادة الدراجات لما يمكنها أن تقدم من حلول لمشاكل التلوث البيئى وتجاوز مشكلة الزحام، لذا نتواصل مع فرق قيادة الدراجات المختلفة، وندعم رسم خطوط أرضية تحدد مسارات الدراجات فى طرق مدينتى شبين الكوم والفيوم». تتحدث ندى طنطاوى الاستشارى الإعلامى لمشروع استدامة النقل فى مصر، الذى ينفذه جهاز شئون البيئة بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومرفق البيئة العالمية. وترى المستشارة الإعلامية أن على الدولة أن تقدم خدمات تدعم هذا التوجه، بتحديد طرق ومسارات تساعد فى انتشار الفكرة، طامحة أن تتاح الفرصة للمتطوعين بأن يتحركوا لطلاء مسارات فى الطرق للدراجات، وتقول: «انتشار الفرق التى تشجع على قيادة الدراجات هى بداية قبول قيادة الدراجات فى الشارع». ويخصص «مشروع استدامة النقل فى مصر» أماكن قرب الجامعات ومحطات النقل لتخزين الدراجات، على أمل تسهيل الضغوط التى تواجه قائد الدراجة فى الشارع المصرى، على حد قول ندى طنطاوى. أما الهدف الأبعد ذو الطابع الدولى، فهو تخفيض الانبعاثات ودرجة التلوث باللجوء إلى وسائل نقل آلية كالدراجات.
..
«ينشغل عقلنا بتفاصيل الحياة اليومية وأعبائها، لذا نسعى هنا إلى تنشيط العقل الباطن، وأن نعط استراحة لعقلنا من الاستهلاك اليومى». يتحدث مصطفى جاد مؤسس مبادرة سلام الدولية ومدرب التأمل، وهو يجلس فى صالة جانبية من مكتبة البلد فى منطقة وسط البلد القاهرية، حيث يبدأ فى تجهيز المكان لجلسة التأمل الأسبوعية التى تحمل عنوان «التخيل الذهنى على الطريقة الصوفية». يوقد الشموع ويشعل أعواد البخور، وفى خلفية حديثه موسيقى معـَدة خصيصا لجلسات التأمل، ألّفها موسيقيون متخصصون بهدف التحكم فى مزاج الحاضرين بنغمات الموسيقى. يستكمل مصطفى جاد حديثه قائلا: «هناك أنواع عديدة من التأمل، واخترنا التأمل التجاوزى فى هذه الجلسة، حيث نتجاوز التفكير الظاهر بتفكير آخر باطنى، ونفتح مساحات للتخيل والاسترخاء من أجل راحة العقل».
تدرب مصطفى جاد على يد متخصصين عرب وأجانب فى مجال التأمل، مضيفا لمساته على جلسات التأمل التى ينظمها مع الالتزام بالقواعد العامة المتفق عليها فى هذا النوع من الجلسات. وأسس مصطفى جاد فى العام 2013 مبادرة سلام التى تعمل فى العديد من المجالات الفنية، منها الفن الروحانى كالتأمل واليوجا، كما يتم توجيه الحاضرين فى بعض الجلسات إلى الرسم أو العزف أثناء الجلسة.
تبدأ الجلسة وسط رائحة البخور حين يدخل أعضاء الجلسة الذين التقوا لأول مرة إلى الصالة، ويطلب المدرب أن يجلس كل شخص بعيدا عن أصدقائه أو أقربائه حتى يشعر بحرية أكبر فى أثناء الجزء الخاص بالتخيل دون تأثير خارجى، يجلس الجميع فى دائرة تحيط بها رائحة البخور من كل جانب، ويشرح المدرب الأقسام الثلاثة للجلسة، ثم يبدأ الجزء الأول بمجرد إطفاء الأنوار والإبقاء على ضوء الشموع، مع نور بسيط يتسلل أسفل ستارة سوداء فى واجهة الصالة.
من بين نحو 20 فردا جمعتهم الرغبة فى التأمل والسكون فى مكتبة البلد، كان أحمد عز الذى يعمل فى إحدى شركات البترول قد حضر جلسة سابقة، ثم أعاد التجربة مرة أخرى قائلا: «أنا أفكر فى عدة أشياء فى الوقت نفسه، سواء مشاكل شخصية أو مهنية، وأجرى عدة لقاءات فى اليوم الواحد، لذا أبحث عن تجربة أصفى بها ذهنى وأقلل من التوتر». يخوض أحمد عز تلك التجربة، طامحا أن يستمر فى ممارسة التأمل، حتى إن كان ذلك بشكل فردى فى منزله أو فى مكان مفتوح، خاصة أن المدرب قد وعد فى الجلسة بإعطاء إرشادات تساعد الحاضرين فى ممارسة التأمل بشكل حر.
فى الجزء الأول من الجلسة، يؤهل المدرب الحاضرين بطلب الجلوس فى جلسة مريحة، حيث يحركون أصابعهم بشكل دائرى وهم مغمضو الأعين، يستمعون إلى الموسيقى ويميلون رءوسهم فى حركات دائرية لمدة ربع ساعة. بعدها يطمئن المدرب على الجميع، ثم يبدأ الجزء الثانى مع مقطوعة موسيقية ذات طابع صوفى، مطالبا إياهم بإطلاق خيالهم لصنع تصورات عن الموسيقى وإبداع مشاهد أثناء تأملهم الصامت. بعد انتهاء الموسيقى يسأل المدرب عن المشاهد التى تخيلوها، ثم ينتقل الجميع إلى الجزء الثالث مع إنشاد دينى للشيخ نصر الدين طوبار، وفى جلسات أخرى تقوم هذه الجلسة على إبداع الحاضرين فى الرسم أو العزف الموسيقى، والهدف من هذا الجزء هو التأمل الحر والتخلى عن الأفكار التى ينشغل بها العقل الواعى.
كانت ممارسة التأمل أحد الموضوعات التى اهتمت بها الدراسات الطبية فى عدد من الجامعات العالمية، منها ما نشرته مجلة الجمعية الأمريكية لأطباء القلب، إذ توصلت دراسة تعود إلى العام 2012 إلى أن ممارسة التأمل تقلل من احتمالات الوفاة بالسكتة القلبية بنسبة 48% مقارنة بالذين لا يمارسون التأمل. بينما قالت دراسة حديثة صادرة عن جامعة بليموث البريطانية أن ممارسة التأمل يمكنها أن تكون بديلا عن العقاقير الكيميائية المضادة للاكتئاب.
«زيادة القدرة على التركيز هى الهدف الرئيسى من جلسة التأمل، وما نقدمه هنا هو مستوى للمبتدئين، فهناك مستويات أعلى فى جلسات التأمل تقام فى أماكن مفتوحة، كالتى أقمناها فى حديقة الأزهر أخيرا». يوضح المدرب مصطفى جاد أن الهدف الرئيسى من هذا النشاط أن يبتعد المشارك عن ضغوط الحياة والقلق والتوتر.
تنتهى الجلسة بعد أقل من ساعة، بسؤال من المدرب إلى الحاضرين عن تأثير التجربة عليهم، بينما يتوجه الجميع بعد الإجابة إلى الخارج، حيث يواجهون حياتهم بذهن أهدأ.
حين بدأت يمنى محمد الفتاة العشرينية ممارسة تمارين «الزومبا» قبل سنتين، كانت تمر بحالة من السخط بسبب ضغوط الحياة والضيق من دراستها لطب الأسنان، ورغم ممارستها الرياضة فى سنوات سابقة، فإنها اختارت قبل سنتين أن تحضر دروس الزومبا، على أمل أن يعدل ذلك من مزاجها.
«أستطيع القول بأن حياتى قد تغيرت بعد الانتظام فى هذه التمارين، فهى تستهلك الطاقة السلبية التى نتحرك معها على مدى اليوم، وأصبح اليوم الذى أبتعد فيه عن التمرين يوما ناقصا». تتحدث يمنى محمد عن تجربتها التى أثرت فى مجرى حياتها إلى حد كبير.
«الزومبا» برنامج لرفع مستوى اللياقة البدنية، تأسس على يد مدرب كولومبى اسمه بيتو بيريز فى التسعينيات، قائم على مزج الرقص اللاتينى مع حركات الأيروبكس الرياضية، وانتشرت الزومبا بين أكثر من 180 دولة، ويمارسها 15 مليون شخص، وذلك حسب موقع zumba.com، الذى يقدم معلومات عن هذا النشاط، ويسجل المدربين المعتمدين حول العالم.
كما تشير نتائج دراسات منشورة إلى تأثير الزومبا على تنظيم ضربات القلب ومقاومة الاكتئاب وحرق السعرات الحرارية.
أما الطبيبة الشابة يمنى محمد فقد اتخذت قرارا بعد سنة قضتها مع تمارين الزومبا، وحولت إحساسها بالنشاط إلى طاقة دفعتها إلى أن تصبح مدربة معتمدة فى هذا المجال، وأصبح ذلك عملاً إضافياً لا يبعدها عن تخصصها الأصلى فى طب الأسنان.
فى داخل صالات التدريب تبرز ظاهرة تمثيل الفتيات بنسبة أكبر عن الشباب، وهو ما تعلق عليه سالى سلامة المدربة المعتمدة قائلة: «ازدياد اقبال الفتيات عن الرجال هى ظاهرة عالمية، كذلك فإن طبيعة المجتمع تفصل أحيانا بين الرجال والنساء أثناء ممارسة هذه التمرينات». وتوضح المدربة التى تصدرت بعض الفعاليات أخيرا أنها وجدت حين بدأت التدريب فى العام 2007 أن ممارسة هذه التمارين مقتصرة على ثلاثة مراكز رياضية، بينما تلاحظ الآن أن عدد المتقدمين للحصول على تدريب معتمد فى هذا المجال يزيد على 200 متقدم كل شهرين.
خرجت ممارسة تمارين الزومبا أخيرا إلى مساحات أخرى فى الأماكن المفتوحة ضمن فعاليات عامة، مثل استغلالها فى حملة ضد التحرش قبل عام، ورعاية المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدى لفعالية أخيرا استغلت الأجواء المرحة للزومبا فى التعبير عن دعم مرضى السرطان. وحسبما تشرح سالى سلامة فإن ممارسة هذا النشاط يزيد من وعى الفرد بجسده، وإحساسه بالقدرة على التحكم، ما يزيد الثقة بالنفس.
وفى الوقت الذى يتكلف فيه الفرد ما يوازى 300 دولار كى يصبح مدربا معتمدا لتمارين الزومبا، فإن العاملين فى هذا المجال ينفون أن يكون هذا النشاط مقتصرا على فئة ميسورى الحال، إذ تقول سالى سلامة إن إحدى الفعاليات لم تكلف الفرد أكثر من 50 جنيها، وأن تلك التمارين قد أصبحت جزءا أساسيا فى العديد من الصالات الرياضية، كما أن هناك مدربين معتمدين خارج القاهرة.
أما الطبيبة الشابة يمنى محمد التى احترفت التدريب على الزومبا قبل سنة، فترى أن أجواء النشاط والمرح والحرية المرتبطة بهذه التمارين، لابد أن يصاحبها مدرب ذو مزاج منفتح، لا تفارقه الابتسامة طول الوقت، لديه اهتمام بالمتدربين، حتى إن اقتصر هدف بعضهم على التخسيس.

Wednesday, May 20, 2015

الدين الذى يسعى إليه المصريون

 التدين الشعبى والتصوف.. التحليق بعيدًا عن صراعات السياسة

يتصدر الشأن الدينى واجهة المشهد السياسى، لارتباط الفكر الدينى المتطرف بأحداث العنف والإرهاب فى مصر، وفى الوقت الذى تتبنى فيه الدولة سياسات جديدة فى مؤسساتها لإحكام القبضة على ملامح الخطاب الدينى، والابتعاد عن التطرف، مازالت شريحة من المصريين تمارس التدين الشعبى عيدا عن الحلول الرسمية
- شحاتة صيام أستاذ علم الاجتماع: الصوفية هى الحاضنة الوحيدة للتدين الشعبى
- منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية: لا نسعى إلى سلطة أو مكسب سياسي
- الشيخ عادل نصر : المصريون معتدلون دينيا أما انحرافات الموالد فليست من الشرع
- خالد عبده الباحث في شؤون التصوف: الصوفية تركت أثرا عميقا في شخصية المصريين
يتواجد الاثنان فى المكان نفسه دون أن يلتقيا، الأول محمد فتحى الموظف بالمعاش الذى جاوز الستين بعامين، والثانى مصطفى رمضان الشاب الذى يبلغ الحادية والعشرين من عمره، كلاهما من أبناء حى السيدة زينب، يحرصان على الوجود وسط أبناء الطرق الصوفية وزوار«السيدة»، ليتحولا إلى جزء من مشهد روحانى يغطى محيط مسجد السيدة زينب.
«مولد السيدة زينب هو فرصة أنضم فيها إلى أبناء الطرق الصوفية، أشاركهم الذكر والانشاد، ثم أعود مطمئنا إلى منزلى.. هذا ما اعتدت عليه منذ سنوات عديدة».
تحدث الحاج محمد فتحى فى أثناء حضوره مولد السيدة زينب الذى أقيم أخيرا، بينما كان الشاب مصطفى رمضان فى سرادق تقيمه عائلته، حيث يوزع الطعام على الفقراء وزوار المسجد. لا يعتبر أى منهما نفسه صوفيا، لكنهما يندمجان بين أبناء الطرق الصوفية الذين تواجدوا فى السرادقات، ويصف مصطفى الشاب سبب مشاركته قائلا: «الهدف من وجودى هو تقديم الخير.. لا شىءآ خر».
فى كتاب (الدين الشعبى فى مصر) للكاتب شحاتة صيام أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم، يضع تعريفا للدين الشعبى بأنه «إسلام الطبقات الشعبية الضعيفة، التى تبتعد عن الإطار الرسمى وعن الحياة اليومية، وتنغمس فى الحياة الروحية». قد لا ينطبق هذا القول بشكل كامل على نموذج مثل موظف المعاش المحب لحلقات الذكر، ولا على الشاب الذى يقدم الطعام فى المولد كتقليدى عائلى، بقدر ما ينطبق على عدد غفير من المهمشين المحلقين حول مقامات العارفين بالله، والمؤمنين ببركة الأضرحة وقدرات المشايخ وكراماتهم، أو على حد قول شحاتة صيام فى حديثه لـ«الشروق» : «لنبحث خارج الحضر، ونتعمق فى الريف، ومجتمعات المهمشين سنرى تلك النماذج ما زالت متمسكة بتدينها الشعبى». ويبدأ فى شرح المزيد عن التدين الشعبى فى مصر، واصفا إياه بأنه «تدين خارج إطار المؤسسات، متحرر من أى وصاية، هو منتج شعبى يهدف إلى مقاومة كل سلطة دينية».
بعض المشاهد فى الموالد الصوفية تقدم هذا المعنى، كأن ترقص امرأة على نغمات الذكر الصوفى، أو أن يمر رجل ذى عمامة خضراء يدخن سيجارة فى حلقة للذكر، كلها مشاهد تقوم على التحرر من الشكل الرسمى للتدين أو الالتزام الحرفى بالتعاليم الدينية، وهو مستوى يختلف عن مستوى نماذج مثل محمد فتحى الموظف بالمعاش الذى يحضر دروس وحلقات ذكر صوفية باحثا عن الرضا والأمل، بينما يبدو الأمر أكثر وضوحا مع مصطفى رمضان الشاب الذى يوزع مع أفراد عائلته الطعام فى مولد السيدة زينب كل عام، إذ يروا أن ما يفعلونه ليس تقديم«نفحة» صوفية حتى إن ظن البعض ذلك، بل هو عمل خيرى.
«هناك قيم قدمها التصوف إلى المجتمع المصرى، وأزعم أن المصريين من أشد الناس تأثرا بالتصوف ومحبة آل البيت، لكن هذا لا يمنع من وجود ثغرات ينفذ منها من ينتقدون التصوف». يتحدث مصطفى زايد، منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية، عن الفاصل بين التدين الشعبى المتوغل فى سلوكيات المصريين، والقلق على صورة الصوفى المتدين من بعض السلوكيات «الشعبية». لذا يضيف أن «التصوف منهج حياة وليس مجرد انضمام إلى طريقة صوفية، بل هناك من المتصوفة من أصبحوا يبتعدون عن الصخب والأجواء الاحتفالية».
البديل الصوفى
كان هناك رهان لدى بعض الباحثين والكتاب فى العام الماضى على إمكانية أن تحل الصوفية محل تيار الإسلام السياسى الذى انسحب من المشهد، وحسب حديث منسق الائتلاف العام للطرق الصوفية فإن الأمر ليس بهذه البساطة، بسبب انكباب قيادات الطرق الصوفية على مشكلاتهم الداخلية دون انفتاح على المجتمع، إلى جانب أمر آخر أهم من وجهة نظره، أنه من الصعب أن تحدث منافسة فى وقت من الأوقات بين التيارات الإسلامية والصوفية، إذ يقوم التصوف على تقديم الخير والدعم والتعبد دون النظر إلى المكسب السياسى، ولا تهدف الصوفية إلى زيادة عدد الأتباع بقدر أهمية تأثيرها على من حولها، أيا كان عدد المريدين.
فى جانب آخر يوضح شحاتة صيام أن نمو التيارات السلفية فى المجتمع المصرى، ليس دليلا على أنها تمثل «تدينا شعبيا»، إذ يؤكد على أن التدين الشعبى قائم على التحرر من السلطة الدينية وسطوة النصوص، وهو الأمر الذى لا تقدمه السلفية أو تيار الاسلام السياسى الذى يسعى إلى فرض سلطة على المجتمع، على عكس الصوفية.
فى هذا الزحام تقع مظاهر التدين الشعبى التى تحتضنها الصوفية فى مرمى النيران لأسباب متنوعة، على سبيل المثال فقد دار جدل فى العام 2009 حول كسوة ضريح مسجد الإمام الحسين التى وضعت باللون الأسود بعد تجديدات جرت فى المسجد، وتم توجيه اتهامات بأن ذلك إشارة على نفوذ الشيعة فى مصر، وتم تغيير لون الكسوة إلى اللون الأخضر بتأييد من بعض مشايخ الصوفية على اعتبار أن اللون الأخضر هو لونهم المفضل. لكن هذه التفاصيل الصغيرة أحيانا ما تطفو مرة أخرى، إذ ما زالت بعض المنتديات السلفية على الإنترنت، تحتفظ بأسئلة عن حكم استخدام الإضاءة باللون الأخضر فى بعض المساجد، وهو ما أزعج بعضهم واعتبره بدعة. تلك الاشتباكات البسيطة تطورت فى الأعوام التالية لثورة 25 يناير إلى تهديدات بمنع الموالد وهدم الأضرحة الصوفية، حتى انسحب تيار الإسلام السياسى من المشهد.
«المصريون فى تدينهم أقرب إلى الاعتدال والوسطية، إما أن نربط بين تدينهم ومظاهر انحرافات عن المنهج الشرعى كالتى تظهر فى الموالد وغيرها، فمن الظلم أن نقول أن هذا هو تدين المصريين، بل هو قلة علم وضعف فى الوعى الدينى لدى البعض».
يرى الشيخ عادل نصر، المتحدث الرسمى للدعوة السلفية، أن هناك مرجعية واحدة شرعية لكل المسلمين، وأن انسحاب تيار الاسلام السياسى من المشهد لا يؤثر على حضور أبناء الدعوة السلفية، ومن الصعب أن يصنع الموقف الراهن منافسا «صوفيا» يكسب مساحات تركوها، وحتى مع سؤاله عن تأثير وجود قيادات دينية مهمة فى الدولة لها خلفية صوفية، فلا يرى ذلك سببا فى صراع، لأن المرجعية الشرعية واحدة، بينما يتعامل مع فكرة «التدين الشعبى» بمبدأ أنه من الواجب أن تتم مراجعة العادات والتقاليد ومقارنتها بالشريعة، ثم تقويم تلك العادات إن احتاج الأمر.
فى دراسة منشورة من العام الماضى لناجح إبراهيم الباحث الإسلامى والخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، طرح سؤالا تحت عنوان «هل يرث التصوف السنى الإسلام السياسى المصرى؟!»، لافتا إلى قيادات دينية تتصدر المشهد الإعلامى والدينى من ذوى الخلفية الصوفية، لكنه يطرح عائقا داخل نفس الدراسة أمام التقدم الصوفى حول «انصراف بعض أتباع التصوف للتدين الشعبى الذى تغذيه خطابات الموالد المختلفة، دونما اهتمام بتحصيل العلوم الشرعية، فأكثر الصوفية يتلقون عن مشايخهم العهد وليس العلم، باستثناء حالات محدودة» على حد قوله. وهنا يعود الحديث عن «التصوف العلمى» كنمط تدين بديل، واعتبار «التدين الشعبى» عبئا على تقدم الصوفية.
«الأمر الآن يتوقف إلى حد كبير على موقف الدولة، فنمط التدين الشعبى يمكن أن تتحكم الدولة فى مظاهره، أو أن تسمح به انصياعا لمبدأ حرية الاختيار.. الأمر كله يتوقف على ما يجرى الآن تجاه قضية الدين فى المجتمع». يتحدث خالد محمد عبده الباحث فى الفلسفة الإسلامية والتصوف عن مساحات التغيير الممكنة فى نمط التدين المصرى، ثم ينتقل إلى الجذور الثابتة التى تركها التصوف فى نمط التدين المصرى، قائلا: «يقدم التصوف مساحة من الحرية دون إكراه، نجدها فى المساجد الكبرى مثل السيدة زينب والحسين، وقد تركت الصوفية موروثا يدعم المستضعفين والفقراء، وهو ما زال راسخا لدى المصريين، وتلك الأمور ستظل متواجدة، لكن يظل فوقها حركة الدولة تجاه الدين».
حسبما يتحدث الباحث فى شئون التصوف، فإنه يطرح أن تقدم الدولة دعما لخطاب دينى راق، أيا كان من يتبناه، وهو ما سيرسخ ممارسة أفضل فى نمط التدين الحالى للمصريين.

الدين الرسمى للدولة

 - عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن: التجديد الدينى لا يتم إلا بواسطة العلماء

- إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة: عملية التجديد لابد أن تتم بعد مناقشات مفتوحة
قبل عام تقريبا، ظهر المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى فى أول حوار تليفزيونى يجريه فى أثناء حملته الانتخابية، وقال إن الخطاب الدينى فى العالم الإسلامى أفقد الإسلام إنسانيته أمام الآخرين، وأبدى اهتماما واضحا بقضية الدين وموقعه فى حياة المواطنين، وذكر أنه اجتمع بالعديد من القيادات الدينية والسياسية فى أثناء فترة عمله فى المخابرات العسكرية، وأبلغهم أن خطابهم الدينى لا يصلح لقيادة الدولة. وعلى مدى عام بعد هذه التصريحات وتوليه رئاسة الجمهورية، تكرر المعنى عدة مرات فى مناسبات مختلفة، منها ما ذكره فى كلمته أمام رجال الأزهر وعلماء الدين قائلا: «والله سأحاججكم أمام الله يوم القيامة» مطالبا بثورة دينية لتجديد الخطاب الدينى.
تلك التصريحات تزامن معها استجابة مباشرة من المؤسسات المعنية مثل وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر ودار الإفتاء، بما يرسم صورة عن موقف رسمى من قضية الدين فى هذه المرحلة.
«يحمل الفقه الإسلامى وسائل تجديده، فهو فقه متجدد بطبعه لكن بقدرات من يتولون تعليمه وتدريسه، أما الذين يبعدون عن التخصص الدقيق، فليس بوسعهم أن يدركوا حقيقة ما يتم فى عملية التجديد». يتحدث عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون فى جامعة الأزهر، عن أن عملية التجديد الدينى يجب أن تتم على أيدى المتخصصين من أبناء الأزهر الشريف.
ويتوافق ذلك مع المادة (7) التى نص عليها الدستور المصرى لعام 2014 فى أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم».
وفقا لهذه الرؤية جرت عدة إجراءات كان أشهرها ما تم أخيرا تجاه الباحث إسلام البحيرى، حين أصدر الأزهر بيانا فى الشهر الماضى قال فيه: «إنه فى إطار قيام الأزهر بالحفاظ على الدين الإسلامى من التشكيك والتشويه وعدم السماح بأن ينال أحدهم من صورة الإسلام، أو أن يعبث بعقول الشباب، فقد تقدم الأزهر الشريف بشكوى إلى المنطقة الحرة الإعلامية بالهيئة العامة للاستثمار ضد البرنامج المذكور، لما يمثله من خطورة فى تعمده تشكيك الناس فيما هو معلوم من الدين بالضرورة». كما تقدم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بدعوى قضائية يطالب فيها بوقف بث برنامج الإعلامى إسلام بحيرى على قناة القاهرة والناس. ذكر فيها أن «جميع النصوص التشريعية أكدت أن الأزهر الشريف وشيخه هو صاحب الحق الأصيل والثابت فى الحفاظ على الثوابت الدينية، والتراث الإسلامى». هكذا كانت حركة الأزهر تستند إلى مرجعية الدستور المصرى فى حماية دوره القانونى.
أما وزارة الأوقاف الأكثر اتصالا بإنتاج الخطاب الدينى بحكم إشرافها على إدارة المساجد، فقد أدركت هذا الدور مبكرا، بأن حاولت اتخاذ عدة إجراءات للسيطرة على المنابر، مثل منع غير الأزهريين من الخطابة، وإعلان الوزارة تدشين غرفة عمليات لمراقبة مخالفات الخطباء فى المساجد المختلفة، ومنع الصلاة فى الزوايا الصغيرة. وبعد مسيرة شهور فى هذا الطريق تلقت وزارة الأوقاف فى ديسمبر الماضى رسالة شكر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، على دور غرفة عمليات الوزارة «فى ضبط الخطاب الدعوى بالمساجد»، ما أعطى انطباعا بأن الوزارة على الطريق السليم.
وتشير دراسة أعدها عمرو عزت الباحث فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تحت عنوان «لمن المنابر اليوم؟» إلى نتيجة مفادها أن احتكار الدولة قانونيا لإدارة النشاط الدينى الإسلامى حصريا، ومراقبتها لحدود النشاط الدينى، يقول إن الدولة تتخذ مكانة (الإمام)، وأنها تسعى إلى الحفاظ على مكانتها كممثل لجماعة المسلمين الموحدة، حيث لا ينازعها إمام آخر.
وأخيرا صدر حكما من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية يؤيد قرار وزير الأوقاف بالامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح لأحد المنتمين إلى التيارات الدينية المتشددة بمحافظة البحيرة، وأوضح بيان صادر عن مكتب الوزير أن الحكم بالنسبة إلى الوزارة بمثابة تأكيد على«اختصاص وزارة الأوقاف بالقيام بالنشاط الدعوى الدينى فى مصر والعالم العربى والإسلامى لتبيان صحيح الدين».
أما بعيدا عن الطريق الذى سلكته مؤسستى الأزهر والأوقاف فى تشكيل التدين الرسمى لهذه المرحلة، فإن مؤسسات أخرى قد استجابت بدورها، ومنها وزارة التربية والتعليم، وهو ما بدا واضحا فى خطتها استبعاد النصوص والموضوعات التى تحض على العنف أو الكراهية من المناهج الدراسية.
«كان هناك بالفعل أجزاء من نصوص يمكن أن تستخدم فى الحض على الكراهية أو تغذية العنف، فتمت مراجعتها من لجنة متخصصة والاستعانة بأكاديميين، تمهيدا لمراجعة شاملة لجميع المناهج الدراسية من لجنة عليا فى وزارة التربية والتعليم». تشرح ثناء جمعة، مديرة مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم، آليات العمل لتطهير المناهج من أى مواد تحض على الكراهية أو التطرف، كما تذكر أن مناهج التربية الدينية، تراجعها مؤسستى الأزهر والكنيسة.
ذلك الموقف الذى تتخذه الدولة من قضية الدين، ومحاولة مؤسساتها تشكيل نمط تدين رسمى يبتعد عن التحريض على العنف والكراهية، ينبئ عن سياسة عامة انخرطت فيها عدد من مؤسسات الدولة فى الشهور الماضية، ويبرز دور الأزهر واضحا مع ما منحه الدستور من سلطات، إلى جانب تأكيدات الرئاسة المصرية الدائمة على أهمية مشايخ الأزهر.
«هناك أزمة فى أن تطلب من مؤسسة محافظة أن تثور على ما حافظت عليه لسنوات، وأقصد أن مؤسسة الأزهر تهتم بقضية الحفاظ على ميراث الدين، فمن الصعب أن نطلب من المؤسسة نفسها أن تثور على جزء من هذا الميراث». الحديث لإبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الذى يرى أن عملية التجديد من وجهة نظره تعتمد بالأساس على مناقشات حرة ومفتوحة، قد يكون للأحزاب السياسية مشاركة فيها بحكم أن الدين فى النهاية هو شأن عام.

ى دراسة له تحت عنوان «التدين الشعبى لفقراء الحضر فى مصر« يضع الباحث عبدالله شلبى أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية التربية فى جامعة عين شمس ثلاثة تصنيفات لأنماط التدين المتداولة فى مصر:
ــ التدين الرسمى:
ويمثل هذا التدين اختيار الدولة لشكل التدين الذى تسعى لتحقيقه، مستخدمة فى ذلك جميع مؤسساتها الرسمية، ويتم استخدام الخطاب الدينى الرسمى كوسيلة للضبط والسيطرة وإضفاء الشرعية على سياساتها، استنادا إلى احتكار النص الدينى واحتكار تأويله. ويوضح الباحث أن الخطاب الدينى للدولة فى هذا النمط، يعتمد على التأكيد والتشديد على نصوص دينية بعينها، أو إهمال نصوص أخرى حتى يبسط نفوذه بإحكام.
ــ التدين السياسى المعارض:
فى هذا النمط يميّز الباحث بين فريقين، الأول يمثل الجزء المعارض من داخل التدين الرسمى، وهم من ينتمون إلى مؤسسات الدولة ويروجون آراء مخالفة لما تتبناه الدولة، أما النمط الثانى فهو نمط التدين الخارج على التدين الرسمى وعلى مؤسسات الدولة، وأكثر من يعبرون عنه أصحاب النزعة الجهادية والانفصالية، حيث تجمعهم تنظيمات تعبر عن قناعاتهم ويتبنون إجراءات لتطبيق تلك القناعات.
ــ التدين الشعبى:
يمثل هذا التدين هروبا من مواجهة واقع اجتماعى شديد القسوة، ومواجهة الظلم الاجتماعى والاستبداد والقهر السياسى، وينشأ هذا النوع من التدين بعيدا عن التعامل التقليدى مع الدين ونصوصه، بل هو قائم على وعى الناس بالماضى القديم الأسطورى وتراكم الطقوس القديمة فى المجتمع.
ويرى الباحث أن التدين الشعبى المصرى، لا يفرق فى جوهره بين المسيحية والإسلام لأنه قائم على بنية اجتماعية وثقافية واحدة، وظروفا تاريخية متشابهة. ويضيف بعض العناصر الجوهرية فى هذا النمط من التدين، منها: الإيمان بالله وبعالم الغيب، والقضاء والقدر، والقسمة والنصيب، والمقدر والمكتوب، والرزق المحدود والمكفول، واليوم الآخر، والبعث والنشور، والحساب والعقاب، والجنة والنار، وتوقير الموتى واحترامهم وزيارة قبورهم.

Thursday, May 7, 2015

كاميرات المراقبة.. عين السلطة والمواطن

 ــ «الكاميرا العطلانة» أزمة تعيق استخدام التسجيلات لضبط الجناة
ــ مدير الأمن الإدارى فى جامعة عين شمس: العدسات ترصد الجميع ولا تستهدف الطلبة
ــ العميد أيمن حلمى: هناك دول تفوقت علينا فى استخدام كاميرات المراقبة
ــ اللواء رفعت عبدالحميد: ما تسجله الكاميرا مجرد قرينة مفيدة وليس دليلا دامغا
ــ الدكتور محمود كبيش: لا خوف على الخصوصية ما دامت الكاميرات فى أماكنها الصحيحة
ــ المتحدث باسم محافظة القاهرة: مشروع الكاميرات سيبدأ عمله فى مايو الحالي
 
فى نهاية العام الماضى، خرج المتحدث الإعلامى السابق لوزارة الداخلية على شاشة إحدى الفضائيات، مؤكدا نية الوزارة تعميم استخدام كاميرات المراقبة للحد من الجرائم فى المجتمع المصرى، وأن العام 2015 سيشهد توسعا فى تركيب كاميرات المراقبة على مستوى مصر بأكملها. لم يكن هذا التصريح بعيدا عن إجراءات اتخذتها العديد من الجهات والمؤسسات لتركيب كاميرات مراقبة لديها، وهو ما انعكس على تكرار استعانة النيابة بتسجيلات تلك الكاميرات فى عدد من القضايا المهمة على مدى الشهور الأخيرة، مثل تفجير دار القضاء العالى واغتيال ضابط الأمن الوطنى محمد مبروك وقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ. تلك الحالة تكشف عن توجه رسمى حكومى نحو التوسع فى المراقبة بواسطة الكاميرات.
«تتبنى وزارة الداخلية موقفا داعما لهذا التوجه حرصا منها على المصلحة العامة، وهناك بعض الدول قد جاوزتنا فى استخدام كاميرات المراقبة التى تساعد بقوة فى ضبط الجناة». يتحدث العميد أيمن حلمى مدير إدارة الإعلام فى وزارة الداخلية عن أهمية التوسع فى استخدام كاميرات المراقبة، موضحا أن إلزام المنشآت والمحال لا يتم عن طريق وزارة الداخلية، بل عن طريق جهات أخرى مثل المحليات والمحافظات، بينما تفرض الداخلية سلطاتها بشكل واضح على كاميرات مراقبة المرور التى تديرها عبر غرف عمليات خاصة بهذا الغرض، وكل ما تسعى إليه الوزارة هو «الحث والدعم» على حد قوله.
الصورة تبدو مختلفة لدى بعض أصحاب المحال التجارية، فحسب مدير محل مواجه لمبنى دار القضاء العالى فى منطقة وسط البلد، فإنه قد تلقى طلبات واضحة من حى عابدين ومن ضباط فى قسم شرطة قصر النيل، بأن يضع كاميرات مراقبة فى أعقاب التفجير الذى أصاب تلك المنطقة فى شهر أكتوبر الماضى، وحين تكرر الحادث مرة أخرى فى شهر مارس الماضى، استعانت أجهزة الأمن بتسجيلات كاميرات هذا المحل وغيره من الكاميرات التى رصدت الحادث .
وهنا لا يقتصر دعم مشروع تثبيت كاميرات المراقبة فى الشوارع والميادين العامة على وزارة الداخلية وحدها، إذ كان محافظ القاهرة قد أعلن قبل عام عن مشروع تبنته محافظة القاهرة لمراقبة الشوارع والميادين المهمة فى العاصمة، ويعتمد المشروع على تثبيت كاميرات فى 250 نقطة داخل المدينة للمراقبة الأمنية ومتابعة حركة المرور.
ما استلزم تنسيقا مع الأجهزة الأمنية المعنية، وتم إسناد تنفيذ المشروع إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة. من المتوقع أن تعلن نهاية المشروع فى شهر مايو الحالى حسب تصريح خالد مصطفى المتحدث الإعلامى باسم محافظة القاهرة لـ «الشروق»، إذ يقول «تتيح هذه المنظومة الجديدة أن يتم الاحتفاظ بتسجيلات الكاميرات لمدة 90 يوما، ما يجعل هناك إمكانية للاستفادة منها فى ضبط الجناة والمخالفين والاستعانة بها فى تحقيقات النيابة حسب الاجراءات القانونية المتبعة».
لم يكن موقف وزارة الداخلية أو محافظة القاهرة من المواقف المنفردة ضمن هذا التوجه الرسمى، بل كشف تصريح وزير الداخلية السابق أثناء زيارته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فى يناير الماضى، عن نية الدولة تطبيق قانون يلزم أصحاب المحال التجارية بتركيب كاميرات للمراقبة، وألا يتم تجديد رخصة أى محل تجارى إلا بعد التأكد من عمل هذه الكاميرات.
فى هذا السياق، اتخذت مؤسسات وجهات حكومية قرارات فى الفترة الماضية لنشر كاميرات المراقبة، ومنها القرار الذى أصدره وزير السياحة بإلزام جميع الشركات السياحية وشركات النقل السياحى بتركيب كاميرات مراقبة فى حافلاتها، وأن يكون ذلك أحد شروط الترخيص، كما أعلن عدد من المستشفيات الحكومية الانتهاء من تركيب كاميرات مراقبة فى مبانيها، بينما تظل مؤسسات التعليم الجامعى من أبرز الجهات التى استجابت لهذا التوجه الرسمى من الدولة، بعد إعلان عدد من الجامعات خلال العام الماضى انتهائه من تركيب كاميرات للمراقبة لدعم المنظومة الأمنية التى تؤمن الجامعة، كما تكررت الاستعانة بتسجيلاتها فى بعض قضايا التفجيرات والعنف الطلابى.
«لا يجرى تفريغ محتوى تسجيلات كاميرات الجامعة وتقديمه لأى جهة أمنية إلا بعد إجراءات قانونية، ولا يتم ذلك إلا بموافقة رئيس الجامعة نفسه». يتحدث الدكتور سيد على مدير الأمن الإدارى فى جامعة عين شمس عن إجراءات التعامل مع تسجيلات كاميرات الجامعة، إذ يعتبرها بمثابة دليل على أى خرق للقانون يتم داخل الجامعة، ويعقبها ملاحقة المخالفين بواسطة عناصر الأمن الإدارى، وعلى حد قوله فإن الكاميرات ليست موجهة ضد الطلبة تحديدا.
بل هى جزء من منظومة أمنية تغطى جميع المتواجدين داخل المؤسسة، يضيف قائلا: «المحاسبة ليست إجراء موجها ضد الطلبة فقط، فإذا تم ضبط مخالفة قام بها أحد أفراد الأمن على سبيل المثال، وتقدم أحد الطلبة ضده بشكوى قانونية، قد تكون الكاميرات سندا لهذه الشكوى». ويوضح مدير الأمن الإدارى فى جامعة عين شمس، أن كاميرات المراقبة ليست إلا جزءا بسيطا من منظومة أمنية أوسع، تشمل وجود بوابات الكترونية، ونظام عمل لأفراد الأمن، وأجهزة للكشف عن المفرقعات.
 
أهمية الكاميرات
يتجه الحديث مع من يتصل عملهم بقضية استخدام كاميرات المراقبة، إلى نقطة أخرى حول مدى تأثير انتشار كاميرات المراقبة على خصوصية المواطنين، إذ قلّل أحد المصادر السابقة من تأثير الكاميرات على خصوصية المواطنين، استنادا إلى أن أغلب هذه الكاميرات يتم تركيبها فى أماكن عامة، بينما نبـّه مصدر آخر إلى أن استخدام تسجيلات الكاميرات لا يتم إلا فى إطار قانونى، كما أن التسجيلات تحفظها الأجهزة لفترة محدودة.
وينص الدستور المصرى فى المادة 57 على أن «للحياة الخاصة حـُرمة، وهى مصونة لا تمس»، فهل يمكن للكاميرات أن تنتهك خصوصية المواطنين؟ يحدد محمود كبيش أستاذ القانون الجنائى فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة مساحات الخصوصية فى أنها الأماكن التى لا يصرّح للجمهور التواجد فيها، أو على حد تعبيره فهى الأماكن التى تعد «مستودعا للسر». ويشرح ذلك قائلا: «القانون لا يحدد الأماكن التى تعد مستودعا للسر، ومن يحدد ذلك هو القضاء، كما أن تركيب الكاميرات بشكل عام لا يخترق قواعد الخصوصية ما دام فى أماكن يمر بها أناس مختلفون ولا تنتهك الكاميرات سِتر أحد من المتواجدين».
ومع محاولات تعزيز فكرة المراقبة بالكاميرات داخل المجتمع المصرى على مدى الفترة الماضية، يبرز سؤال حول فعالية الكاميرات فى ضبط الجناة واستخدام تسجيلاتها قانونيا، إذ تبرز بعض العوائق التى كشفت عنها تحقيقات بعض القضايا الأخيرة، مثل تحقيقات حادث التفجير الذى وقع فى مارس الماضى أمام جامعة القاهرة، حين تبين عدم التقاط الكاميرات صورا للتفجير، كذلك تكرر الأمر بصورة مختلفة فى الحادث الذى وقع قبل أسابيع فى مدينة كفر الشيخ وأدى إلى استشهاد 3 من طلاب الكلية الحربية وإصابة آخرين، فقد أثار تعطل كاميرات نادى كفرالشيخ الرياضى ــ الملاصق لموقع الحادث ــ جدلا حول وجود كاميرات للمراقبة لا تعمل فى بعض الأماكن، وهو ما نفته إدارة النادى فيما بعد، ودافعت بأن كاميرات النادى الرياضى ما زالت تحت التجربة ولم يتم تفعيلها بشكل نهائى، وأن مداها فى التصوير لم يكن ليغطى موقع الحادث فى حالة عملها.
مثل تلك المواقف ليست جديدة فى التعامل مع مشاكل استخدام كاميرات المراقبة، إذ إن حادثة شهيرة قد وقعت فى العام 2010 جرى فيها سرقة لوحة الخشخاش لفان جوخ من متحف محمود خليل بالجيزة، قد حدث فيها أمر مشابه، حين صرح النائب العام ــ فى ذلك الوقت ــ بأن معاينة النيابة قد كشفت عن أن سبع كاميرات فقط هى التى كانت صالحة للعمل من أصل 43 كاميرا للمراقبة موجودة فى المتحف.
«إن استخدام كاميرات المراقبة لتحقيق مسار العدالة قد يكون محمودا، إذ تساعد التسجيلات بنسبة كبيرة فى تسهيل مهمة الأمن، لكن علينا أن نتذكر أن تسجيلات الفيديو والصوت والصور تستخدم كقرينة، وليست دليلا دامغا أمام القضاء». يتحدث اللواء رفعت عبدالحميد ــ الخبير فى العلوم الجنائية ومسرح الجريمة ــ عن استخدام تسجيلات كاميرات المراقبة فى العملية القضائية، إذ ترجع السلطة التقديرية فى النهاية إلى القاضى الذى يقدر وزن وأهمية التسجيلات التى بين يديه، إذ يوصف القاضى بأنه الخبير الأعلى فى كل ما يستدعى خبرة فنية.
ومع وضوح التوجه الرسمى يوما بعد يوم نحو الاعتماد على كاميرات المراقبة بشكل واسع، تظل هناك بعض التحديات التى تواجه هذه النية، منها أن يتحول تركيب الكاميرات إلى إجراء شكلى يتخذه البعض انصياعا للتوجه الحكومى دون اهتمام بالمواصفات أو بالصيانة، إلى جانب تحد آخر فى كيفية الاستفادة القانونية من تسجيلات كاميرات المراقبة أكبر استفادة ممكنة.
 
 • تاريخ المراقبة حول العالم
تكررت محاولات استخدام التصوير فى المتابعة والمراقبة فى أربعينيات القرن الماضى، وكانت البدايات فى ألمانيا عام 1942 مع التجارب الأولى لصنع دائرة تربط مجموعة من الكاميرات بشاشات وأجهزة للتسجيل، وهى التجربة التى استفادت منها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء متابعة تجربة التفجير النووى فى منتصف الأربعينيات، بينما تسجل الكتابات التوثيقية لهذا المجال أن العام 1951 قد شهد تطورا بتصوير أول تسجيل فيديو بواسطة كاميرات تليفزيونية فى الولايات المتحدة الأمريكية، أما فى العام 1960 فتم استخدام كاميرات المراقبة لأهداف أمنية فى المملكة المتحدة تزامنا مع زيارة العائلة المالكة التايلاندية، وتم تركيب كاميرات فى ميدان الطرف الأغر (ترافالجار) الشهير بمدينة لندن البريطانية.
وتعد المملكة المتحدة إحدى الدول الأكثر اهتماما بعملية الرقابة عبر الكاميرات، وهو ما جعلها تخوض عدة تجارب فى فترة الستينات لتركيب كاميرات مراقبة فى الميادين العامة ومحطات القطار، بينما كانت السبعينات بداية لانتشار فكرة المراقبة بالكاميرات فى الحياة العامة وظهور تطور جديد بابتكار كاميرات تعمل برقاقة صغيرة، ومع مرور الوقت ظهرت كاميرات المراقبة فى التسعينيات فوق ماكينات (الصراف الآلى) فى عدد من العواصم ضمن استخدام جديد يهدف إلى تسجيل هوية المستخدمين، وظهر فى الولايات المتحدة الأمريكية ابتكار كاميرا المراقبة المنزلية المعروفة باسم (NannyــCam).
ومع البدء فى استخدام الإنترنت انطلقت الكاميرات إلى فضاء أوسع حين تم ابتكار كاميرا متصلة بالإنترنت للمراقبة ونقل الصورة عن بعد، فى الوقت الذى اتسع فيه سوق كاميرات المراقبة بشكل أوسع فى نهاية التسعينيات.
ارتبط انتشار كاميرات المراقبة مع موجات الإرهاب التى تضرب البلدان المختلفة، على سبيل المثال، فقد دعا جون ميجور رئيس الوزراء البريطانى الأسبق لتعميم المراقبة بالكاميرات فى المناطق الهامة بعد تعرض العاصمة البريطانية لهجمات الجيش الجمهورى الإيرلندى، وتكرر الأمر نفسه مع الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر من العام 2001 وإعلان «الحرب على الإرهاب»، وهو الحادث الذى فرض توسعا فى استخدام كاميرات المراقبة فى الحياة الأمريكية.
وحسب تقديرات مؤسسة IMS لدراسات السوق، فإن الفترة بين العام 2001 و2011 قد شهدت بيع نحو 30 مليون كاميرا مراقبة داخل الولايات المتحدة الأمريكية على مدى السنوات العشر التالية لأحداث تفجير برجى التجارة العالمى، أما بريطانيا التى تعد من أهم الدول المهتمة باستخدام كاميرات المراقبة فى الحياة العامة، فهناك تقديرات نشرتها وسائل إعلام غربية عن أن 20% من كاميرات المراقبة فى العالم موجودة فى بريطانيا، وأن هناك كاميرا لكل 14 مواطنا يعيش فى بريطانيا.
لم يخلُ الأمر من انتقادات متتالية داخل الدول الغربية لاستخدام كاميرات المراقبة، إذ ظهرت تلك الانتقادات فى دول مثل ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، حول مدى جدواها، وإن كانت بعض التسجيلات تخترق خصوصية المواطنين، أو أن يكون هناك استهداف لطوائف ومجموعات بعينها فى المجتمع بحيث يتم تسليط الكاميرات عليهم بشكل مكثف، وهو ما جرى فى بريطانيا عام 2010 بعد إعلان الحكومة هناك نيتها نشر أكثر من 200 كاميرا فى أحياء ذات أغلبية مسلمة.
أما فى الدول العربية فقط فازداد الإقبال على استخدام كاميرات المراقبة فى السنوات الأخيرة، وبدأت الحكومات العربية فى تبنى سياسات وقوانين داعمة لهذا التوجه، فعلى سبيل المثال تنتظر دولة الكويت إصدار قانون لتنظيم تركيب الكاميرات وأجهزة المراقبة فى المنشآت، وتحديد المواصفات الفنية والضوابط التى ينبغى أن تتوافر فى هذه الأجهزة وأماكن تركيبها، وإلزامها بعمل الصيانة الدورية لها واستمرارية مطابقتها للمواصفات الفنية.
ويتعرض مشروع القانون لجانب حماية الخصوصية الشخصية للمواطنين، بفرضه حظرا على تركيب كاميرات وأجهزة المراقبة الأمنية فى غرف النوم وغرف العلاج الطبيعى ودورات المياه وغرف تغيير الملابس، ووجوب الإشارة إلى وجود كاميرات وأجهزة مراقبة فى المنشآت والأماكن العامة، بلوحة واضحة.
وفى تونس برز اهتمام الدولة بهذا المجال فى أعقاب تفجير إرهابى بمنطقة سياحية فى ولاية سوسة التونسية، وأعلنت وزارة السياحة التونسية «موازنة خاصة» لتجهيز كامل فنادق البلاد بكاميرات مراقبة، ويخضع استعمال وسائل المراقبة البصرية إلى الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، ويعاقب بالسجن وبغرامة مالية كل من يخالف فصول القانون المنظم بحماية المعطيات الشخصية التونسى.
أما فى الإمارات العربية المتحدة، فتبدو أكثر تقدما فى مجال استخدام كاميرات المراقبة، إذ أعلن مسئولون حكوميون فى إمارة دبى أن الكاميرات تغطى غالبية أنحاء الإمارة، بينما تدعم بقية الإمارات نشر كاميرات المراقبة فى الشوارع والميادين أو فى المتاجر.
• قضايا وكاميرات
• مقتل سوزان تميم
تعود القضية إلى العام 2008 حين اكتشفت السلطات فى إمارة دبى مصرع الفنانة الراحلة، وحامت الشبهات حول رجل ظهر فى تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالبرج السكنى الذى كانت تقيم فيه المجنى عليها، وارتدى المشتبه به حذاء رياضيا وكابا فوق رأسه، وبعد إجراء تحريات عن بطاقة الائتمان المستخدمة فى شراء السكين الذى ارتكبت فى الجريمة، اتضح أن المتهم هو ضابط الشرطة السابق محسن السكرى، وتمت مطابقة ملامحه مع ملامح الرجل الذى ظهر فى التسجيلات.

• اغتيال محمود المبحوح
تعرض القيادى الفلسطينى فى «كتائب عز الدين القسام» التابعة لحركة حماس، لعملية اغتيال فى أحد فنادق دبى عام 2010، إذ اقتحم مجهولون غرفته، وقتلوه فى غرفته، وكان ظن السلطات فى البداية أن الوفاة طبيعية نتيجة جلطةٍ دماغية، حسب تقرير المستشفى الأولى، بسبب احترافية عملية القتل، وحين تم الاعلان عن اغتيال القيادى الحمساوى، تم فتح التحقيقات والاستعانة بكاميرات المراقبة، التى صورت الحادث، وتم تحديد المتهمين فى وقت لاحق.

• حادث الطفل السورى
شهدت العاصمة التركية حادث اعتداء على طفل سورى فى يناير الماضى، أثار جدلاً فى وسائل الاعلام وبعض الأوساط السياسية التركية، إذ بدأت القصة حين حاول الطفل تناول ما تبقى من أحد زبائن مطعم «برجر كينج»، فانفعل مدير الفرع وبدأ فى الاعتداء عليه بعنف، وهو ما سجلته كاميرات المراقبة فى المطعم، وتم طرد مدير الفرع من عمله، وأثارت تلك اللقطات موجة من السخط تجاه المطعم الذى يملكه أحد السياسيين الأتراك، كما فتحت ملف أحوال اللاجئين السوريين فى تركيا.
 
• خبرة سنوات بين الكاميرات
«كان عملى فى بداية فترة انتشار كاميرات المراقبة فى مصر يتوجه ناحية من يطلبون تثبيت كاميرات فى منازلهم، أما اليوم فأغلب الزبائن هم الذين يعملون فى الأنشطة التجارية». يتحدث المهندس محمد جابر الذى قضى نحو 9 سنوات من العمل فى تركيب كاميرات للمراقبة فى مناطق وأحياء مختلفة، وأصبح يميز بين صاحب المنزل القلق بسبب حادث سابق، وبين صاحب المصنع الذى يسعى لمتابعة العاملين لديه.
يتراوح متوسط أسعار الكاميرات فى السوق المصرية بين 250 جنيها إلى 4 آلاف جنيه، أما متوسط أسعار تركيب الكاميرات فى فيللا فقد يصل إلى 3500 جنيه تشمل تركيب 4 كاميرات بمستلزماتها، وقد ينخفض السعر إلى 2800 جنيه إذا ما اقتصر الأمر على كاميرتين فى محل تجارى.
ورغم اتساع سوق بيع كاميرات المراقبة حسب تأكيدات خليل حسن خليل رئيس الشعبة العامة للحاسبات الآلية والبرمجيات بالاتحاد العام للغرف التجارية، إلا أنه لا يوجد حصر دقيق لحركة هذا السوق، بينما تعمل بعض شركات توظيف الأمن فى تركيب أنظمة أمنية بالتعاقد مع أفراد من الخارج لتركيب الكاميرات ضمن الأنظمة الأمنية، كى ترفع عن نفسها أعباء الصيانة الدورية، لتتركها إلى آخرين.
«أحيانا ما أتجه إلى عميل لتركيب كاميرات المراقبة، وأكتشف أخطاء ارتكبها من سبقونى فى محاولاتهم تركيب الكاميرات نفسها، فالمجال حاليا به انتعاش، لكن ليس به انضباط». وبحكم عمله السابق فى المجال نفسه فى دولة الامارات العربية المتحدة، اكتشف محمد جابر أن هناك معايير لابد من الالتزام بها فى تركيب الكاميرات، على رأسها زاوية التركيب وأماكنها ومدى قدرة الأجهزة على تخزين التسجيلات، وهى المواصفات التى وضعتها السلطات الإماراتية.
عمل محمد جابر لعدة سنوات ضمن شركة متخصصة فى هذا المجال فى مصر، حتى تمت سرقة مقر الشركة فى أثناء الانفلات الأمنى المصاحب لثورة 25 يناير، وهو ما اضطره إلى العمل بشكل حر مع زبائن متنوعين. وأصبح فى كل مرة يدخل مصنعا كبيرا لعمل نظام مراقبة عال الجودة، ومرة أخرى يثبت كاميرتين فى «ميزان بسكول» لمراقبة وزن الشاحنات، وعلى موقعه الشخصى يضع بعض الوصايا لمن يرغبون فى تركيب كاميرات المراقبة، وكيفية اختيار أفضل المعدات المناسبة لكل عميل.

Saturday, April 18, 2015

المصريون في مواجهة "العبوات الناسفة" .. من تعرضوا للقنابل لايخشون اللقاء الثاني

 
-عامل النظافة محمد عبدالمنعم : اكتشفت القنبلة مصادفة ولا أخشى مواجهتها مرة أخرى
- مقهى السد العالي بعد تدمير واجهته يرفع لافتة تحذيرية من ترك متعلقات أو حقائب
- العميد خالد عكاشة : كثافة التفجيرات في الفترات الهامة أفقدها قدرتها على التأثير
- صفوت العالم : على الإعلام ألا يقدم مواد "انفعالية" في مثل تلك الأوقات
 
كتب – عبدالرحمن مصطفى
مع كل حركة يخطوها محمد عبدالمنعم أثناء كنس الشوارع في حي المطرية، يراجع نفسه عدة مرات، خشية وجود قنبلة وسط أكوام القمامة التي يقابلها، فبحكم وظيفته كعامل نظافة في هيئة تجميل ونظافة القاهرة، عليه أن ينتقل بين عدد من الشوارع في اليوم الواحد.
"أنا عامل نظافة ضمن مجموعة تطوف شوارع المطرية لمساندة زملائهم حين يواجهون ضغطا في العمل، وفي أثناء عملي في يناير الماضي، اكتشفت قنبلة في كيس بلاستيكي، فقمت بالإبلاغ عنها .. كان من الممكن أن تنفجر في جسدي لو لم أكن منتبها في ذلك اليوم".
يتحدث محمد عبدالمنعم عامل النظافة الذي تم تكريمه بعد واقعة اكتشاف قنبلة في شارع عمر المختار في حي المطرية، وحصوله على مبلغ 1000 جنيه مكافأة عن ذلك الموقف. يعلق مازحا: "هذه المكافأة تساوي قيمة مرتبي تقريبا، إذ يبلغ مرتبي 1150 جنيه شهريا". لا يبدي محمد عبدالمنعم قلقا من تلك الأجواء الجديدة، فهو ليس عامل النظافة الوحيد الذي واجه قنبلة وجها لوجه أثناء عمله، بل تكرر ذلك الموقف مع عمال آخرين.
أمام مقر حي المطرية حيث يقع مكتب هيئة تجميل ونظافة القاهرة، يسير عامل النظافة المميز وسط زملائه برفقة علاء أبو طالب مدير فرع هيئة تجميل ونظافة القاهرة بالمطرية، الذي تحدث عن ظروف عمل جديدة نشأت بعد ثورة 30 يونيو، إذ أصبح معتادا أن يصادف أحد عمال النظافة جسما غريبا أثناء عمله ويبلغ عنه فورا، يوضح ذلك : "قبل عدة أسابيع واجه عمال النظافة أثناء عملهم ليلا قنبلتين في محيط حي المطرية، وقاموا بإبلاغي وطمأنتي بأن قوات الحماية المدنية قد بدأت عملها". وبينما لم يقض عامل النظافة محمد عبدالمنعم سوى عامين في عمله، فإن علاء أبو طالب -مدير فرع الهيئة في المطرية- يعمل منذ العام 1997، وأصبح عليه أن يكون يقظا لعماله، وأن يكون على علاقة قوية برجال الشرطة للتعامل في مثل تلك المواقف.
نفس الحذر الذي يسيطر على عمال النظافة أثناء عملهم، يواجهه حسن عوض مدير مقهى السد العالي في وسط القاهرة، بعد أن عاش تجربة انفجار قنبلة على الرصيف المواجه له، قرب دار القضاء العالي بالقاهرة. لم تكن تلك هي المرة الأولى، إذ وقع تفجير في شهر أكتوبر الماضي أمام دار القضاء العالي أيضا، ثم تكرر المشهد نفسه في بداية شهر مارس الماضي، وفي الحادثين تلقت قهوة السد العالي نصيبها من الذعر وتكسير الواجهات الزجاجية.
"تأسس المقهى في العام 1963، ولم يحدث أن تعرضت المنطقة لتفجيرات من قبل، سوى في الفترة الأخيرة، لكن ذلك لن يؤثر على عملنا بأي شكل". يتحدث حسن عوض مدير المقهى، وهو يتابع الزبائن الجالسين أمامه. وفي مدخل المقهى، لافتة تقول: برجاء عدم ترك أي متعلقات شخصية داخل المقهى، مع أرقام الجهات الأمنية الواجب التواصل معها في حالة وجود مشكلات من هذا النوع.
تبدو حالة التواؤم مع أجواء التفجيرات واضحة في حديث من مروا بتجربة المواجهة مع القنابل، وهو ما يفسره العميد خالد عكاشة مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية، بأن توقيتات العمليات التفجيرية، أصبحت واضحة للمواطنين العاديين، إذ زادت كثافة التفجيرات قبيل المؤتمر الاقتصادي العالمي، متوقعا أن تقل حدة التفجيرات بعد انتهاء المؤتمر. ويضيف قائلا: "لا تعمل الجماعات الإرهابية سوى بخطة تصعيد، وبعد الحصول على تمويل، أما التوقيتات فهدفها إطفاء وهج الفعاليات والأحداث الإيجابية والتشويش عليها". ويضرب عكاشة مثلا بكثافة التفجيرات في توقيتات مثل ذكرى ثورة يناير الماضية، والمؤتمر الاقتصادي. ويراهن عميد الشرطة السابق على أن المصريين قد أصبح لديهم من الوعي أن يدركوا مغزى تلك المحاولات، خاصة مع تكرار إخفاق الجماعات الإرهابية في تحريض المواطنين.
أما ما يحتاجه عامل نظافة مثل محمد عبدالمنعم في مواجهة احتمالات التعرض لقنبلة أثناء عمله اليومي، فهو تعليمات في كيفية التعامل مع مثل تلك المواقف، يقول حافظ السعيد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، أن هناك تعليمات متكررة لعمال النظافة ومن يتحركون معهم أثناء العمل الميداني، أن يتخذوا احتياطهم في التعامل مع الأجسام الغريبة، ويضيف قائلا: "هناك أزمات أكبر كانت تواجه أبناء هذه الفئة في تعرضهم لحوادث تصادم بالسيارات أثناء عملهم، لذا يستخدمون سترات فوسفورية، ويتم اتخاذ اجراءات في تحركاتهم لحمايتهم من الدهس". تلك المواقف يزيد عليها "عدم تعاون الناس" على حد قول عدد من هؤلاء العمال.
في تلك الأجواء التي تتزايد فيها كثافة العمليات التفجيرية في بعض الفترات، يظهر دور على الإعلام في مساندة المواطنين حسبما يصف صفوت العالم أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة قائلا: "في الأوقات التي تزداد فيها تلك الحوادث، يجب على الإعلام أن يبتعد عن تقديم مواد انفعالية، واتاحة الفرصة للمواطن أن يفكر في الحدث دون تحريض أو توجيه ".

Friday, April 10, 2015

الصالون الثقافى.. تجربة تتحدى الزمن

صالون علاء الأسوانى يحقق معادلة الاستمرار والحفاظ على الجمهور
- أسامة البر: الإدارة الديمقراطية وشخصية صاحب الصالون هما الضمان الوحيد للبقاء
- فاطمة ناعوت: أدعو مفكرى مصر إلى العودة إلى جمهورهم وألا يخذلوا من طلبهم
- العاملون فى النشاط الثقافى يفضلون الأنشطة التفاعلية على الندوات التقليدية

قبل دقائق من بدء فعاليات صالونه الأسبوعى، جلس الكاتب علاء الأسوانى وسط مجموعة من الأصدقاء الذين واظبوا على حضور صالونه الثقافى منذ سنوات، إذ كانت البداية الأولى فى عام 1998 فى مقهى «ستراند» فى منطقة باب اللوق وبوسط القاهرة، حيث كانت النواة الأولى لصالون الأسوانى، ثم تنقل بعدها بين عدد من المقاهى والمؤسسات الثقافية على مدى 17 سنة، حتى استقر أخيرا فى فيللا الدكتور ممدوح حمزة، المهندس والناشط السياسى المعروف.
«على مدى تلك السنوات، كان هناك منتج لهذا الصالون، قدمنا عددا من الأسماء الشابة فى الأدب والفن، وناقشنا العديد من القضايا السياسية المهمة فى مراحل زمنية مختلفة». هذا ما يشير إليه الكاتب علاء الأسوانى أثناء حديثه عن تجربة الصالون الثقافى الذى تعرض للتضييق فى فترات مختلفة. أما أولئك الذين واظبوا على الحضور منذ سنوات، فقد شهدوا جانبا من تطورات هذا الصالون. هذا ما ينقله الكاتب والأكاديمى جلال الشايب المواظب دائما على حضور الصالون منذ عام 2007، يلخص تلك التجربة أثناء حديثه، قائلاً: «تطور المشهد داخل الصالون يشبه الحالة السياسية المصرية نفسها، فقبل ثورة 25 يناير كان يحدث تضييق أمنى على الصالون، فانتقلنا إلى مقر حزب الكرامة كبديل عن التنقل بين المقاهى، ومع البروز الإعلامى لعلاء الأسوانى بعد الثورة، انتقل الصالون إلى دار الأوبرا ثم معهد إعداد القادة، لكن الوضع تغير أخيرا مع تغير الحالة العامة». هذا المشهد الذى يلخصه أحد رواد صالون الأسوانى ليس من السهل تعميمه على تجارب الصالونات الثقافية الأخرى، إذ امتازت ندوة الأسوانى الأسبوعية بمناقشة الشأن العام بشكل مفتوح، على عكس صالونات أخرى تتحرك فى مساحات أدبية وفكرية محددة.
وتمتد فكرة الصالون الأدبى بشكلها التقليدى إلى تجارب أوروبية قديمة، كان أشهرها فى إيطاليا وفرنسا بين الأسر الأرستقراطية والملوك المهتمين بالفن والأدب، ويعيد بعض الباحثين جذور تلك الصالونات إلى تجارب أقدم فى الحضارة العربية الإسلامية، حين كان الأمراء والخلفاء يديرون مجالس العلم والأدب فى حضرتهم. بينما قدمت التجربة الفرنسية نموذجا أبرز فى تحويل المقاهى إلى تجمعات للفنانين، والمفكرين والسياسيين، وظهر دورها إبان الثورة الفرنسية عام 1789.
أما فى مصر فقد ظهر نمطين من الصالونات الثقافية، نمط احتضنته بيوت المفكرين والأدباء والنبلاء، من أشهرها صالون الشاعرة مى زيادة الذى ازدهر فى فترة العشرينيات، وصالون العقاد الذى برز نشاطه فى أربعينيات القرن الماضى، بينما كان هناك نمط آخر من الصالونات احتضنته المقاهى، بدأ مع صالون جمال الدين الأفغانى فى مقهى متاتيا الذى ضم إليه شخصيات تحولت إلى رموز فى العمل الوطنى فيما بعد، مثل عبدالله النديم، وسعد زغلول، كما كان من أشهر صالونات المقاهى صالون نجيب محفوظ الذى تبدل بين عدة مقاهٍ، أشهرها مقهى ريش فى منطقة وسط البلد القاهرية.

استعادة المفكرين

تلك الأجواء المزدهرة بالتجمعات الثقافية أخذت فى الانحسار تدريجيا، وهو ما دفع البعض إلى محاولة إحيائها مرة أخرى، وتذكر الكاتبة فاطمة ناعوت أنها سعت لدى الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى كى يقيم صالونا فى مقهى ريش، وأقيم الصالون الشهرى بالفعل فى يناير الماضى، لكنه توقف فجأة. ترجع الكاتبة أسباب ذلك إلى قلة الحضور، والاضطرابات الأمنية التى أصابت البلاد فى تلك الفترة، تستطرد، قائلة: «أيا كانت الأعذار فأنا ألوم أستاذى أحمد عبدالمعطى حجازى على عدم استكمال الصالون، وأعتقد أنه فرض على رموز هذا الجيل العظيم أن يجلسوا بيننا، وينقلوا إلينا رؤيتهم، وأنا أعاتبهم جميعا على غيابهم». تبدى فاطمة ناعوت اهتماما بفكرة الصالونات الثقافية فى عدد من المقالات المنشورة لها، لكنها فى الوقت نفسه تتحدث عن أزمة حالية تواجه فكرة الصالون الثقافى بسبب فقدان قيمة الثقافة لدى الشباب، مع وجود مغريات مثل الإنترنت والمقاهى، وهى أهم أسباب توقف مشروع صالونها الثقافى، الذى لم تتحمس للاستمرار فيه مقارنة بحماسها أن تكون معاونة فى تدشين صالون أحمد عبدالمعطى حجازى.
يرى بعض العاملين فى مجال الأنشطة الثقافية أن فكرة الصالون الثقافى قد تجاوزها الزمن إلى نماذج أخرى من الأنشطة الثقافية، وأن الصالونات الباقية حاليا مرتبطة بقيمة أصحابها وسعة ثقافتهم وتأثيرهم، على سبيل المثال أقامت مكتبة (أ) صالونا ثقافيا يستضيف ضيفا شهريا، لكن مع مرور الوقت اتجه القائمون على النشاط الثقافى إلى أنشطة أخرى أكثر فاعلية، هذا ما يوضحه عماد العدل، المستشار الثقافى لمجموعة مكتبات (أ)، إذ يقول: «الشكل التقليدى للصالون بطابعه الذى يعود إلى القرن الماضى سيندثر مع الوقت، ولن تستمر سوى الصالونات التى تتمحور حول شخصية مؤثرة، خاصة أن بعض الصالونات منغلقة على مجموعات بعينها، وهى روح لا يقبلها الزمن الآن». يتحدث عماد العدل من خلال خبرته السابقة فى إدارة صالون ثقافى للمكتبة، وكيف وجد لاحقا أن الأنشطة الثقافية التفاعلية هى الأكثر جذبا للزوار، على رأسها حفلات توقيع ومناقشة الكتب، فحسب رأيه أنها توفر مساحة لمن قرأ كتابا أن يناقش المؤلف، ويوقع نسخته وأن يلتقط صورا للذكرى، وهو ما يصنع خبرات وتفاعل بين الشخصية محور الحفل والجمهور.

مواجهة الكلاسيكية

على عكس الشائع فى ضرورة أن يكون الصالون الثقافى مرتبط بشخصية محورية، فإن بعض التجارب الشبابية الأخيرة قد حولت فكرة الصالون إلى ما يشبه «أندية القراءة» أو «عروض الأفلام» أو حتى «المجموعات الأدبية». وقد مرت تلك النماذج بأحمد رجائى، أحد مؤسسى مركز «بيت الرصيف» الثقافى، بسبب إتاحة المركز مساحات لأى تجربة أو مبادرة واعدة، وكان ضمن تلك المبادرات صالونا ثقافيا لم يكتمل نشاطه، وذلك للأسباب التى يذكرها رجائى، قائلاً: «لقد توقف نشاطنا فى بيت الرصيف لفترة، وهو ما أثـّر على المبادرات التى كانت تعمل معنا، كذلك تكمن مشكلة الصالونات الثقافية فى اعتمادها على جهود شخص واحد وهو ما يهدد مستقبلها».
يضع بيت الرصيف كغيره من المراكز الثقافية والمكتبات قواعد عامة لممارسة الأنشطة، على رأسها الابتعاد عن العنصرية، وتجنب الخلافات السياسية، بينما يضيف أحمد رجائى المسئول الإعلامى لبيت الرصيف أنه أحيانا ما يجرى يقترح أفكارا على بعض المجموعات الشبابية لتطوير أدائها، ويشرح ذلك بمثال: «دشن بعض الشباب فى مساحة لدينا ما يشبه الصالون الأدبى، وكانت الأجواء شديدة الكلاسيكية، ما جعلنا نقترح عليهم بشكل ودى أن يضيفوا أجواء تفاعلية، بتنظيم مسابقات أو حتى أن يطلقوا على هذا النشاط تعبير قعدة شعر، وكانت اقتراحات غير إجبارية». تلك هى وجهة النظر التى يتبناها بعض العاملين فى إدارة الأنشطة الثقافية، مع تأكيدهم على أن الأجواء الكلاسيكية التى يحتفظ بها نموذج «الصالون الثقافى» لن يدعمها سوى اسم وقيمة الشخصية المحورية للصالون.
«الصالون الثقافى الناجح لابد أن يكون لشخص واسع الاطلاع ولديه أسلوب لبق فى الإدارة وكسب الجمهور». هذه المعايير هى التى يضعها الكاتب أسامة البحر الذى شارك فى إدارة صالون علاء الأسوانى لسنوات، بعد أن تم انتخابه من رواد الصالون قبل أكثر من 10 سنوات لتولى تلك المهمة. لم يكن سهلاً على صالون له طابع سياسى أن يستمر دون مشكلات، فيذكر قائلا: «تلقيت اتصالات فى بعض الفترات من أشخاص لا أعرفهم يشتبكون معى فى الهاتف، لأنهم مختلفون سياسيا مع علاء الأسوانى، لكنى كنت أتقبل ذلك بصدر رحب». وبعيدا عما تقدمه الصالونات الثقافية من دعم معنوى للمواهب الجديدة، فإنها أيضا تؤسس روابط قوية بين زوارها، كأن يعود أحد زوار الصالون بعد سنوات كاتبا لمناقشة أعماله، أو أن تنشأ روابط أعمق على المستوى الإنسانى تدوم لسنوات. وتبقى المهمة الأعظم لإدارة أى صالون فى احتواء الجميع، والإدارة الديمقراطية وتعويد الجمهور على هذه الروح. على حد قول الكاتب أسامة البحر مدير صالون الأسوانى.

سنة أولى صالون

بشير عياد: الموسيقى والنغم هى نقطة القوة فى تجربتنا

سلوى علوان: علينا استغلال تعطش المصريين للأنشطة الثقافية والفنية
«فى هذا الشهر سيكون قد مر عام كامل على بدء فعاليات هذا الصالون». يتحدث الشاعر بشير عياد بفخر عن تجربة صالونه الثقافى الذى يحمل اسمه، مستعيدا كيف كانت البداية الأولى قبل عام. يقول: «هدفى الأساسى تهذيب الذوق، وتنقيته فى جميع مناحى الفن والإبداع».
يجلس الشاعر بشير عياد فى مكتبة بورصة الكتب حيث يقام صالونه يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وقد اختار هذا اليوم تحديدا، وفاء لأستاذه محسن الخياط الشاعر والصحفى فى جريدة الجمهورية، الذى كان يقيم صالونا فى اليوم نفسه، وقدم من خلاله عددا من المواهب، ويصف عياد نفسه قائلاً: «أنا كوكتيل من دعم الصالونات الثقافية والتبنى من رموز أدبية وفنية».
يتفق عياد مع آراء بعض المواظبين على الحضور كل ثلاثاء، أن هناك نقاط قوة أسهمت فى استمرار التجربة، ومنها أسلوب الإدارة الذى يصفه بشير عياد بعبارة حاسمة: «ليس هناك مكان للاستعراضيين، أو لمن يتسببون فى إفساد أجواء هذا المجلس.. فالمكان يتحول إلى ما يشبه الحضرة الصوفية بين العلم والنغم». تكمن نقطة القوة الأخرى فى جلسات الإستماع وتحليل النص الشعرى لأغانى أم كلثوم تحديدا، ويتكفل الكاتب الصحفى هيثم أبوزيد فيها بالجانب الفنى فى تحليل المقامات الموسيقية.
كان هذا الصالون مجرد فكرة تعود إلى العام 2012 أجهضتها ظروف مرض الشاعر بشير عياد، حتى عاد فى العام الماضى بجلسات النغم، وإقامة تكريمات للمساهمين فى الحقل الأدبى، وظل المحتوى الموسيقى فى الصالون هو ما يراهن عليه قائلاً: «رأيت فى عيون من حضروا عصر أم كلثوم، كيف استعادوها حين عرفوا معلومات جديدة مرتبطة بالأغنية، وتحليلها موسيقيا.. كذلك أسعدنى تواصل الشباب مع الصالون بعد مرور عام من العمل».
تجارب جديدة
ظهرت على مدى العام الماضى صالونات ثقافية جديدة دشنها أصحابها بعد انخراطهم السابق فى عالم الثقافة والإبداع، منها صالون أركان الثقافى فى مدينة الإسكندرية، الذى تديره الشاعرة والصحفية جيهان حسين منذ تم تدشينه فى شهر أكتوبر الماضى، تصف ذلك قائلة: «اقتربت من صالونات ثقافية متميزة فى الأسكندرية، منها صالون التذوق الثقافى لأميرة مجاهد، وصالون زمرة الثقافى فى مركز الجيزويت، ففكرت فى إقامة صالون ثقافى شهرى». تلك التجارب دفعتها إلى المحاولة، واتخذت من مركز أركان للإبداع بكاتدرائية القديس مرقس الأسقفية مقرا لها، حيث كانت تعمل بالتدريب الصحفى فى نفس المركز من قبل.
«لا أخفى سرا أننى أحاول شحذ طاقتى باستمرار حتى لا أفقد حماسى من الظروف التى قد لا تكون مواتية، مثل ضعف الحضور فى بعض الأحيان، فأنا مازلت فى البدايات ولا أمتلك اسما رنانا بعد فى دنيا الأدب، لكنى أسير بخطوات ثابتة «. تستكمل الشاعرة جيهان حسين حديثها محاولة تجاوز ما قد تواجهه من عوائق، باستغلال مواقع التواصل الاجتماعى للتعريف بالصالون والوصول إلى الشريحة المستهدفة، أما أسلوب الإدارة فتلخصه فى جملة واحدة: «أهم نقطة هى مذاكرة موضوع الجلسة الشهرية وضيف الصالون مذاكرة جيدة قبل اللقاء».
فى الجمعة الأخيرة من الشهر الماضى، خاضت الكاتبة الصحفية سلوى علوان التجربة نفسها، حين دشنت صالونها بمكتبة البلد فى وسط القاهرة، مراهنة على تعطش الكثيرين للأدب والثقافة على حد تعبيرها، أما الهدف الذى تسعى إلى تحقيقه فهو أن يكون صالونها وسيطا بين ثقافة النخبة وغير المتخصصين. «فوجئت بعدد الحضور الكبير فى حفل تدشين الصالون، الذى جاوز المساحة المخصصة لنا فى مكتبة البلد، وتلقيت عروض استضافة فى أماكن أخرى، ما جعلنى اتفاءل باستمرار التجربة». تستكمل سلوى علوان حديثها عن المشكلات التى تصاحب تأسيس صالون ثقافى فى مصر، على رأسها تكريس حالة النخبوية بين صاحب الصالون وزواره، ما يصنع فجوة مع الزوار الجدد.
لا يُخفى أصحاب هذه التجارب السابقة فى إدارة صالونات ثقافية حرصهم على أن تظهر تلك التجارب بشكل لائق، حتى لايضر ذلك بسمعتهم فى المستقبل، ما جعلهم يوضحون فى حديثهم أنهم لم يدشنوا تلك التجارب سوى بعد تفكير، وبعد التأكد من كيفية إدارتها، مع نسبة معقولة من المغامرة، على سبيل المثال توضح الكاتبة سلوى علوان ذلك بقولها: «كانت هناك إشارات تدفعنى إلى تجربة تدشين الصالون، كأن أجد إخلاصا من جمهور ندوتى فى معرض القاهرة للكتاب الأخير، والتى تزامنت مع زيارة بوتين إلى القاهرة وازدحام الشوارع بشكل غير مسبوق، وفى هذا الظرف وجدت إخلاصا من الحضور الذين انتظرونى رغم ارتباك مواعيد الندوات فى ذلك اليوم». وقد أعطاها هذا الموقف إشارة إلى إمكانية أن تخطو خطوة أكبر تختبر فيها قدرتها على جذب آخرين حول عمل ثقافى، وهو ما تخوضه فى تجربة صالونها الناشئ.

«قهوة مانو».. أمسيات تتجاوز التقليدية


على مدى ثلاث سنوات يدير محمد جادالله الكاتب والباحث صالونا فى ساقية الصاوى بالزمالك، حيث يقدم أشكالًا متنوعة من طرق التواصل مع الجمهور فى كل أمسية شهرية يقيمها، بدءا من استخدام صيغة المحاضرة التى يستعين فيها بشرائح عرض على شاشة ضخمة، أو أن يعزف للجمهور موسيقى فى فترة استراحة، أو أن يستضيف أحد الضيوف المتصلين بموضوع الأمسية، والهدف النهائى هو الحديث عن الهوية المصرية ومحاولة فهمها مع الجمهور.
«بدأت القصة فى العام 2011 مع تأسيس صفحة تحت اسم صالون ماعت الحضارى على فيسبوك مع مجموعة من الأصدقاء، واخترنا اسم ماعت لأنها رمز العدالة لدى قدماء المصريين، ثم تم تدشين مبادرة صناع الوعى الحضارى التى انتشرت فى المحافظات، بينما ظهرت لدىّ فكرة أخرى أن أقيم أمسيات تناقش القضية نفسها، وهو ما أنتج صالونا له طابع مختلف». يتحدث محمد جادالله عن استغلاله جميع الأدوات التى يجيدها فى التواصل مع الجمهور حول قضية الهوية المصرية، إذ يذكر أنه قد لاحظ فى فترة مبكرة بعد ثورة 25 يناير، ومن خلال النقاشات فى صفحة «صالون ماعت الحضارى» أن هناك بوادر لأزمة مجتمعية بسبب الصراع على فكرة الهوية، فهناك من يرى أن مصر فرعونية، وآخر يراها إسلامية، وغيرها من التصنيفات، بينما يرى هو هوية مصر نتاج كل ذلك.
«فى أمسيات قهوة مانو، أقدم نماذج من الفن المصرى، محاولاً ربطها بجذورها التاريخية، فهدفى أن أظهر الصلة بين الموروث المصرى القديم، وكيفية استمراره فى حياتنا وثقافتنا اليومية». هكذا يتحدث عن تلك الأمسيات مستغلاً فيها خبرته السابقة فى مجال الإرشاد السياحى ومعرفته بالتاريخ المصرى القديم، وكذلك اهتمامه بالعمل
المسرحى والموسيقى، ودراسته لقواعد فض النزاعات المجتمعية فى الخارج، وهى أدوات يستخدمها فى نقاشاته داخل تلك الأمسيات، سواء كان الموضوع عن الفن المصرى، أو كان موضوعا عن القيم الدينية ــ العابرة للعصورــ التى ما زالت فى وجدان الإنسان المصرى المعاصر.
«هنا أحاول كسر شكل الصالون الكلاسيكى القديم، وتقديم عروض تجمع بين الندوة والتدريب والحكى، مستخدما فنون المسرح والموسيقى، من أجل جذب الجمهور حول قضية الهوية المصرية، والتأكيد على أنها غير قابلة للقرصنة أو حصرها فى بعد واحد، بل هى شاملة خبرة آلاف السنوات».
مر محمد جادالله كزائر بصالونات ذات شكل كلاسيكى، ورغم استفادته الشخصية منها، لكنه يرى أنه لابد من تطوير فى أداء الصالونات الثقافية بشكل عام، حتى تستطيع أن تدخل مجال المنافسة مع جاذبية الإعلام والإنترنت الأكثر تسلية وإبهارا، لذا يقول إنه يسعى أن تكون تلك الأمسيات فى صالونه لأن تكون أشبه ببرنامج يحمل جانبا ترفيهيا، حتى يظل محافظا على جمهوره طول الوقت، أما الأهم بالنسبة إليه، فهو إثارة قضيته الأساسية، وهى الهوية المصرية.