Thursday, August 28, 2014

مبادرات ضد اليأس

شباب قاوموا الإحباط على مدار العام الماضى، دون أن ينتظروا الانخراط فى تجارب جاهزة، وبدأوا تدشين مبادراتهم بسعى شخصى، طامحين فى نجاح صغير، يشعرهم بالإنجاز والتحقق. لا يدّعون قدرتهم على تغيير المجتمع، بل يعملون فى الظل بأقل الإمكانيات المتاحة، وأمام أعينهم أهداف يسعون إلى تحقيقها فى المستقبل.. بين حملة فردية للتوعية الصحية، ومن يشجع المصريين على التخلص من السمنة، ومن يستغل خبراته فى مشروع لتحفيز الموهوبين.


توعية صحية بالبالطو الأبيض
- حسام شاش: نجحت فى استهداف مئات المواطنين.. وأحلم بمشروع قومى للتوعية

فى تمام العاشرة صباحا، يخرج الطبيب حسام شاش من عيادة الفم والأسنان فى مستشفى أم المصريين بالجيزة، ليواجه المرضى وذويهم الذين جلسوا فى الاستراحة، يضع حقيبته بينهم، ثم يوجه إليهم حديثه قائلا: «يا جماعة أنا فى الشارع من 2011، ولقيت الحل إنى ماضيعش وقتى فى الزعيق أو الغضب، وهحاول أستغل العلم اللى عندى فى حملة توعية عشان تستفادوا منها، وتنقلوا الاستفادة لناس تانية».
يختم الطبيب الثلاثينى جملته، ثم يستكمل الحديث مع جمهور أغلبه من النساء، بينما يتراوح عدد الحاضرين بين 15 إلى 20 مريضا مع ذويهم.
بدأت القصة فى العام الماضى، حين اتخذ الطبيب الشاب قراره بتدشين مبادرة شخصية فى نهاية أغسطس من العام 2013، ويصف ذلك: «بمجرد أن فكرت فى تدشين حملة توعية صحية بشكل فردى، فى الوقت بدأت الأجواء فى الانغلاق مع فرض حظر التجوال فى البلاد، بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة».
لم يكن دافعه إلى التوعية، سوى بديل عن سنوات قضاها فى العمل العام دون أن يحقق مكسبا واضحا، بقدر ما تحمل تكلفة مادية. فمنذ أن شارك فى أحداث ثورة 25 يناير، بمشاركة زملائه الأطباء، وقد بدأ فى الانخراط بشكل كامل فى العمل العام. ومع الوقت، سجل عضويته فى حزب الدستور بعد تأسيسه فى العام 2012، بل كان أحد المساهمين فى تأسيس أمانة كاملة فى حى المنيل. «كنت أبحث عن التغيير من خلال بوابة الحزب، لكن المشاكل الداخلية والصراعات الشخصية أجهدتنى بشدة، ووصلت فى النهاية إلى طريق مسدود».
يتحدث بمرارة عن تجربته فى مجال السياسة، لكن ذلك لم يمنع طموحه الذى يراوده كل حين، بأن يتولى مقعد مجلس الشعب فى يوم من الأيام، لكن الخبرة السياسية التى تكونت فى الفترة القصيرة الماضية، جعلته يعترف بأن هناك خطوات أهم لإفادة المجتمع. «يمكن للإنسان أن يفيد المجتمع بتخصصه على سبيل المثال»، على حد قوله.

لم يضع حسام شاش، إخصائى جراحة الفم والأسنان بمستشفى أم المصريين، خطة معقدة لحملة التوعية، استغل زحام المرضى أمام باب العيادة، وأعد نقاطا هامة حول سلامة الفم والأسنان، وخرج إلى الناس فى أول مرة بجلسة توعية لا تتعدى نصف الساعة، وهو ما ظل يفعله بعد ذلك عشرات المرات، سواء فى داخل المستشفى أو خارجه.
«إنتى بتغسلى سنانك كام مرة فى اليوم ؟» يسأل فتاة صغيرة بصحبة والدتها فى استراحة عيادة الفم والأسنان، ويستوقف المارة ليجذبهم إلى المشاركة والاستماع إلى محاضرته، ولا يخلو الأمر من جملة استخفاف من شباب صغير السن، يقابلها عبارات الاهتمام والأسئلة من المارة الذين استوقفهم المشهد.
«حين حاولت فى العام الماضى العمل داخل المدارس تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، كان انتمائى الحزبى عائقا فى ذلك الوقت، وهو ما أثار قلق بعض المسئولين، وهو ما دفعنى إلى استكمال المهمة وحدى تماما، وبشكل مستقل.. خاصة أنى كنت قد تركت الحياة الحزبية فى ذلك الوقت».

يتحدث حسام شاش بفخر عن إنجازه الصغير فى فتح القاعة الرئيسية بالمستشفى أمام المرضى كى يقدم إليهم محاضرة عن صحة الفم والأسنان، وذلك فى بدايات تدشين مبادرته، وكيف عقد اتفاقا مع إحدى شركات الأدوية الشهيرة، لتوزيع منتجاتها مجانا على المرضى، بعد أخذ الموافقات اللازمة من إدارة المستشفى، وفى مرحلة سابقة اتجه إلى خارج المستشفى متطوعا بالعمل مع جمعيات تنموية تعمل فى مناطق مهمشة مثل منطقة بطن البقرة. ويمر فى حديثه على العوائق التى واجهته بشكل سريع، باحثا عن نتائج وأهداف يحققها، إذ يقدر مجموع من استفادوا من حملات التوعية بحوالى 1500 شخص، عبر حوالى 50 حملة توعية، وقد حاول قياس نتائج مبادرته من خلال المترددين على عيادة الفم والأسنان فى مستشفى أم المصريين، إذ ذكر أن نسبة التحسن فى حالة أسنانهم زادت على 20% على مدار الشهور الماضية منذ بداية العام الحالى.
«كل هدفى هو أن تنتشر الفكرة، وألا تنتهى روح المبادرة بين من شاركوا فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فبعد عدة محاولات، ستنجح محاولة فى تحقيق هدفها». هكذا يختم حسام شاش حديثه عن حلمه الذى يطمح أن ينتشر بين ربوع مصر من خلال حملة أكثر تنظيما، لتحقق نتائج أعلى على مدار السنوات القادمة.


تحدى ال 100 يوم للتخلص من السمنة

- أمانى فرج: بدأت بنفسى.. وأطالب البدناء بأن يدعمونى ويدعموا أنفسهم

فى 12 يونيو الماضى، نشرت أمانى فرج فيديو على الانترنت تحت عنوان «اليوم الأول.. تحدى ال 100 يوم». وتحدثت فيه قائلة: «مشكلة حياتى إنى تخينة، وفى يوم من الأيام وصل وزنى لـ 170 كيلو.. أنا كنت أتخن واحدة فى الفصل، وفى المدرسة، وأتخن بنت فى العيلة، ولما أمى كانت بتزعق لى وبتبعد عنى الأكل، كنت بتفنن فى الوصول للأكل اللى باحبه».
تتحدث أمانى فرج التى تبلغ من العام 29 سنة، دون أن تخفى الكثير من المعلومات عن حياتها كشخص بدين، وتبدو معالم الاكتئاب واضحة على ملامحها فى هذا الفيديو، إذ بلغ وزنها 160 كيلوجراما، فهى إنسانة مكتئبة، ترتدى حذاء خاصا بسبب تورم قدميها نتيجة السمنة المفرطة، وكانت تتحدث فى الفيديو وقد تلاشت نبرة الثقة فى النفس من حديثها. حتى إنها قالت فى الفيديو نفسه: «هذا التسجيل هو ميثاق بينى وبينكم حتى أنجح فى تخفيض وزنى على مدار 100 يوم». تعمل أمانى فرج فى مجال التنمية البشرية، وكانت فى مرحلة سابقة مساعدة للراحل إبراهيم الفقى، أهم رواد مجال التنمية البشرية فى العالم العربى، ورغم نجاحها فى عملها، إلا أن بدانتها كانت نقطة الضعف التى طاردتها طول الوقت. «جربت كل محاولات التخسيس الممكنة على مدار أكثر من 16 سنة مضت، وفى العام 2012 نجحت فى أن أفقد 40 كيلوجراما فى ثلاثة أشهر، حتى وصل وزنى إلى 130 كيلوجراما، لكنى انتكست تماما الآن، وبلغ وزنى 160 كيلو مرة أخرى». تتحدث أمانى فرج فى مكتبها بمركز حياة للاستشارات والتدريب، حيث تعمل منذ سنوات، وتدين بالفضل لزملائها الذين يدعمونها نفسيا فى مبادرتها الحالية. وفى حديثها الذى اختلف تماما عن نبرة الاحباط التى بدت فى الفيديو الأول من مبادرة المائة يوم، بدت أكثر حماسا، وأكثر تصالحا مع نفسها، فهى لا تطمح إلى أن تصبح نحيفة، بقدر ما تطمح إلى مظهر مقبول، ومعيشة صحية. وعلى صفحتها فى شبكة فيسبوك الاجتماعية (امانى فرج وتحدى ال 100 يوم)، نجحت فى اجتذاب أكثر من 6000 مشارك، ما يجعلها تدخل أحيانا فى سجالات مع أعضاء الصفحة، إلى جانب من يعلقون على فيديوهاتها فى موقع يوتيوب. وتقول عن ذلك: «أتحدث معهم فى حدود معلوماتى، لكن فيما يخص المعلومات الطبية المتخصصة، فأوجههم إلى الاستعانة بطبيب». هذه هى قناعتها التى لم تخرج عنها طوال فترة تقديمها الفيديوهات أو أثناء تسجيل عبارات التحفيز على صفحتها فى الفيسبوك.
«لقد تحدثت عن نفسى فى الفيديوهات بشكل ربما لا تجرؤ عليه بعض الفتيات السمينات حرصا على صورتهن، أما أنا فتحدثت عن أضرار السمنة التى أعانى منها فى سن الشباب، مثل تناول أقراص الضغط، وآلام الركبتين، فليس لدى استعداد لتجميل صورتى، فى لحظة أعانى منها صحيا وأنا أعرف أن ذلك ما يتعرض له الكثير من البدناء». ولا تخفى أمانى أثناء حديثها فى مكتبها الكائن بحى مدينة نصر، أنها كثيرا ما كانت تصاب بالإحباط بسبب انطباعات الآخرين عن سمنتها، خاصة أن مهنتها تقوم على مواجهة الجمهور، وإلقاء المحاضرات، أو تدريب صغار السن فى المدارس على مهارات الحياة. كانت خطتها منذ البداية أن تشارك آخرين فى همها وأن يشاركوها همومهم، وذلك بديل عن تكوين مجموعة دعم نفسية، كالتى يؤسسها آخرون فى دول أخرى، إذ تقوم فكرة مجموعة الدعم Support Group على اجتماع أصحاب المشكلة الواحدة مثل: الإدمان، أو الاكتئاب، أو السمنة، فى جلسات يتبادلون فى دعم بعضهم البعض، وهو ما كان يصعب تكوينه هنا فى مصر، لغياب هذه الثقافة وقلة عدد مجموعات الدعم فى المجتمعات العربية. «اتجهت إلى البديل، وهو أن أستخدم الانترنت، وتصوير فيديوهات لتكوين ذلك المجتمع المهموم بنفس القضية، فندعم بعضنا سويا». هكذا تصف أمانى فرج ما بدأته قبل شهور، وبدأت فى حصاد ثماره قبل أسابيع، فقد قامت خطتها على الرياضة ونظام التغذية الصحى على مدار 100 يوم، ولم تكن تعلم أن هناك من يتابعونها باهتمام، وهو ما حدث مع الشاب مصطفى الذى أرسل إليها صورته فى يوليو الماضى دون سابق معرفة، وعرض صورتين له قبل تخفيض وزنه بمقدار 11 كيلوجراما وصورة بعدها، وكتب لها قائلا: «الحمد لله بفضل ربنا، وتشجيعك خسيت 11 كيلو.. بس النهارده جالى لحظة كسل كده وروحت أدور على تشجيع لاقيتك محبطة شوية.. انتى اللى خلتينا نبدأ ومش هينفع تقعى مننا فى النص». ولم تكن تلك الرسالة الوحيدة، إذ تلقت العديد من كلمات التشجيع على حسابها فى فيسبوك، وعلى فيديوهاتها فى موقع يوتيوب.
«كلما أصبت بالإحباط أو الكسل، تذكرت موقفا قديما، حين عنفنى أحد الأطباء فى مرة، بسبب أنى ظللت لأسابيع أمارس تدريبات رياضية ليس لها صلة بالتخسيس، وذلك عن طريق الخطأ، فما كان منه إلا وأن ألقى بورقة الكشف فى وجهى، ولم أزره مرة أخرى.. لا أريد تكرار هذه المواقف مرة أخرى فى حياتى». تتحدث أمانى فرج عن هذه القصة دون أن يبدو عليها الاحباط، فقد بدأت تشعر بإنجازها البسيط مع الوقت، وبدأت تخرج من حالة الاكتئاب تماما، إذ انطلقت بعدها لتروى قصة جعلتها فخورة بنفسها، حين خرجت مع أصدقائها إلى أحد المطاعم الشهيرة، حيث الطعام الشهى المميز، وهناك تمسكت بنظامها الغذائى، رغم إلحاح من حولها بأن تتخلى عن «الريجيم» فى ذلك اليوم. تستكمل ضاحكة: «ترافقنى دائما علبة بلاستيكية فيها تفاحة وبعض الأطعمة الخفيفة، وأذكر فى ذلك اليوم أنى كنت على وشك التخلى عن الريجيم، فكنت أسمع صوت اللحم الناضج، الذى خرج لتوه من تحت الشواية، وصوت المياه الغازية والبطاطس المقلية، لكنى تخليت عن كل ذلك تماما». فى 19 سبتمبر القادم تنتهى مبادرة تحدى ال 100 يوم، دون أن ينتهى مشروع أمانى فرج فى دعم من أصيبوا بالسمنة ومشاركتهم فى أحلامهم بتغيير نمط حياتهم إلى الأفضل، لكن أمامها مهمة أكبر فى أن تطبق هذا على نفسها فى البداية، أى أن تصل إلى وزن 130 كيلوجراما بعد المائة يوم، ثم تستكمل طريقها بعد ذلك بشكل أسهل.


حلم النور.. البحث عن الفنان بأقل الإمكانيات

- مدير برنامج المشروعات ب«التاون هاوس»: لا نحتاج إلى نجوم بل نحتاج إلى فنانين
- عصام فايز: مازال هناك شباب فى حاجة إلى الفن لتطوير مجتمعهم

كانت خطة عصام فايز المخرج ومدرب التمثيل بسيطة منذ أن بدأت الفكرة تدور بينه وبين أصدقائه، إذ قضى أكثر من سبع سنوات مضت فى أعمال تطوعية مع أطفال الشوارع، وفى مشروعات فنية تستهدف الشباب، ما جعله يرى احتياج شريحة عريضة من الشباب لتطوير مهاراتهم الفنية، وممارسة الفن.
«كنت أتابع دائما هؤلاء الشباب الذين لم تتوافر لديهم القدرة على الدخول إلى الأوساط الفنية، خوفا من اضطرارهم إلى تبديل نمط حياتهم كى يلائم نمط حياة الفنان، كل ما أريده هو إدماج هؤلاء الشباب فى الحركة الفنية». يتحدث عصام فايز عن مبادرة صاغها فى شكل مشروع، مستعينا بأصدقائه الذين تضامنوا مع فكرته، وأغلبهم كانت له خبرة فى الأعمال التطوعية من قبل. وفى العام 2012 عقدوا النية على بدء مشروعهم، دون أن يعرفوا من أين سيأتيهم الدعم.
وتمثل تجربة مشروع «حلم النور» خريطة لكيفية إدارة مبادرة مستقلة من الصفر، رغم أنها ما زالت فى طريقها للنمو، وكانت الخطوة الأولى فى طرح الفكرة على الدوائر المهتمة فى محيط ضيق، وهو ما يصفه عصام فايز قائلا: «بدأت فى التحدث مع ناير ناجى قائد فرقة أوركسترا أوبرا القاهرة، الذى أعرفه بشخص شخصى، وقد شجعنى على ذلك، وتحدثت مع سحر الموجى أستاذة الأدب الأمريكى فى كلية الأداب بجامعة القاهرة، وهم من جمعتنى بهم أعمال سابقة، وكان ذلك متزامنا مع حالة من الغليان فى الشارع المصرى احتجاجا على سياسات الاخوان، وقررنا مبدئيا عقد معسكر وورش تدريبية فى سبتمبر 2013، أى قبل عام تقريبا». كان يتحدث عن الفكرة فى مقهى مجاور لدار الأوبرا المصرية، حيث تدخلت زميلته أتينة مكرم إحدى المشاركات فى مبادرة «حلم النور» بقولها: «كان حادث فض اعتصام رابعة عائقا رهيبا أمام استكمال المشروع، وسط فرض حظر التجول على البلاد، ولم يكن فى استطاعتنا تحديد موعد حقيقى لبدء المشروع، فأجلنا التدشين، ولكن لم نستسلم».
وفى مثل هذه المشروعات والمبادرات، تتلخص المشكلة الأكبر فى توفير دعم مالى للفكرة، وقد استغل عصام فايز عمله فى مجال التنمية وتحديدا فى مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات والتنمية، كمدير لقسم الفنون والإعلام كى يطلب منها الدعم المالى غير المستقر، والمساعدة بالإمكانيات قدر الإمكان، لكن تظل مبادرة «حلم النور» بغير ميزانية ثابتة على عكس بقية المشروعات المدعومة، ما دفعه إلى التواصل المباشر مع فنانين فى مجالى الموسيقى والتمثيل، وشخصيات ذات خبرة فى إدارة مثل هذه المبادرات والورش، كى يساهموا بصفتهم شركاء. ياسر جراب مدير برنامج المشروعات بمؤسسة «التاون هاوس»، كان أحد هؤلاء الذين تبنوا دعم المبادرة بخبراتهم، ويشرح ذلك قائلا: «أراهن على أن تكتمل هذه المبادرة وتصبح مشروعا دائما، فأنا أراها كائنا ينمو بشكل طبيعى دون دعم تقليدى، ونطمح أن تصنع فنانين قبل أن تتجه إلى صنع نجوم.. فهذا ليس هدف المرحلة الحالية».
وبحكم خبرة عصام فايز وزملائه فى كيفية إدارة أعمال فنية وتطوعية، فقد حددوا رؤية وأهدافا بشكل احترافى، وضمنوا أن تنتقل المبادرة كى تكون مشروعا ضمن مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات والتنمية، وعلى أن يتطوع الفنانون بجهدهم فى المعسكر التدريبى الأول.
«نريد أن نعيد ما كنا سنبدأه فى العام الماضى، وأوقفته الأحداث الجسيمة التى مرت بمصر». تتحدث أتينة مكرم إحدى منسقات المشروع.
قد تبدو مبادرة عصام فايز وزملائه التى عملوا على تنفيذها على مدار عامين قريبة من بعض المشروعات التنموية التى تعمل على تطوير مهارات الشباب، ويملك عصام فايز خبرة فى العمل على تنمية المواهب فى فعاليات ترعاها الكنيسة المصرية، وهو ما لا يراه عائقا فى عمله. يقول عن ذلك: «لقد اختلطت بحكم عملى بكثير من الشرائح المحافظة فى قرى مصر، لكنى أعمل وأنا أعرف هدفى، فأنا أسعى إلى تنمية مهارات ومواهب شباب جامعيين، فى هذه الأوساط، دون أن أميز بين ديانة أو انتماء». يتوقف عصام قليلا ثم يبدأ فى شرح تلك النقطة بالتفصيل قائلا: «أنا أعرف طبيعة الأوساط الفنية، وما بها من أجواء قد تبدو متحررة للبعض، وهو ما يعزل كثيرين من أصحاب المواهب عن الاندفاع فى حبهم للفن، ولو حتى على سبيل التجربة.. أنا أبحث عن حق من هم خارج المجتمعات الفنية فى ممارسة ما يحبون». ينتهى حديث عصام فايز الذى يتحدث بمزيد من التفاؤل بسبب ما أنجزه فى تحقيق فكرته حتى الآن.

Monday, August 18, 2014

الصحافة الإنسانية.. احتراف الكتابة عن الأزمات


 

عبدالرحمن مصطفى

في الوقت الذي تتعقد فيه النزاعات المسلحة داخل المنطقة العربية، وتتفاقم الأزمات الداخلية في عدد من دول المنطقة، قد يرى البعض أن دور الصحافة يجب أن يركز على تقديم تغطيات إخبارية بعقيدة مراسل حربي يعمل وسط مناطق نزاعات وحروب، لكن حقيقة الأمر أن هناك مهمة أخرى لا تقل أهمية، وهي توجيه الاهتمام إلى المستضعفين الذين يغيب صوتهم عن زحام الأخبار، وهي المهمة التي تتصدى لها الصحافة الإنسانية.
ما هي الصحافة الإنسانية وما أبرز ملامحها؟ يظل المعنى الأصيل للصحافة الإنسانية واضحا بشكله الخالص في المساحات الصحفية التي تستخدمها المنظمات العاملة في المجال الإنساني لخدمة قضاياها، مثل القصص الإنسانية القليلة على الموقع الرسمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو كما هو الحال مع شبكة الأنباء الإنسانية “إيرين”، التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إذ تمتاز “إيرين” باستقلالية أتاحت لها تناول موضوعات أكثر تنوعا، كأن ترصد حالة ضحايا العنف في العراق وصعوبة حصولهم على العلاج، أو أن تتعرض لقضية العيش بدون الدولة في الأحياء الفقيرة في القاهرة، إلى جانب ما تقدمه من تغطية إخبارية لمناطق الكوارث والنكبات.
وفي العام 2012 خصصت جائزة الصحافة العربية فئة للصحافة الإنسانية، وذكرت في تعريفها أنها التحقيقات أو التقارير التي تتناول قضايا أو أزمات إنسانية طارئة وملحة، أو تداعيات الكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة والآفات وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو التعريف الذي يغطي أهم مجالات الصحافة الإنسانية. ولم تخفي الجهة الداعمة لمسابقة الصحافة الإنسانية، أن استحداث تلك المسابقة جاء استجابة للظروف التي تمر بها المنطقة العربية من تغيرات وتحولات كبيرة، ما يؤكد على احتياج الصحافة العربية إلى هذا النوع من الموضوعات.
ليست الصورة كما تبدو وكأن “الصحافة الإنسانية” مجرد امتداد لعمل المنظمات الإنسانية، فهناك مهام تفجرها الأزمات، وتستلزم جهدا صحفيا يعتمد على تحليل أسباب الأزمة ونقد مواقف الجهات المقصرة.
ولم تخل المنطقة العربية من حوادث من هذا النوع، بعضها ذا طابع محلي مثل انهيار جزء من صخرة جبلية في القاهرة عام 2008، والمعروف إعلاميا بحادث صخرة الدويقة، حين اضطر صحفيون إلى التنكر والتسلسل إلى موقع الحدث لكسر التعتيم الحكومي على الكارثة الإنسانية هناك، وحاولت الصحافة في ذلك الوقت مواجهة التقصير الحكومي، ومتابعة مصير المتضررين. أما على صعيد الأحداث ذات الأبعاد الإقليمية والدولية فمازالت الصحافة العربية في احتياج إلى المزيد من الموضوعات الإنسانية التي تتناول أزمات مناطق مثل سوريا والعراق وفلسطين.
ومن مهام الصحافة الإنسانية، أن تتناول حياة الفئات المستضعفة، حيث يتحرك الصحفي وسط شريحة من المجتمع تتعايش مع أزماتها دون دعم، وهو ما نراه في هذا التحقيق المدعوم من شبكة اريج، الذي يتعرض لظاهرة الانتحار بالحرق بين نساء كردستان، وهو ما يخفي وراءه أبعادا اجتماعية معقدة. وكذلك الحال مع التحقيق الفائز بجائزة الصحافة العربية ضمن فئة الصحافة الإنسانية عن أحفاد العبيد في المغرب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مهام الصحافة الإنسانية لا ترتبط بقضايا الفقر والكوارث الكبرى فقط، ففي داخل إمارة دبي ذات الحالة الاقتصادية المتيسرة، تناول الصحفي قضية إشكالية ذات طابع إنساني، حول مسألة القتل الرحيم، وهي قضية خارج دائرة السياسة والنزاعات المسلحة.
إذا فهناك عدة قوالب يمكن من خلالها التعبير عن الصحافة الإنسانية، سواء عبر التغطيات والمتابعات الميدانية، أو عبر التحقيقات الاستقصائية، لكن يظل العائق أمام هذا النوع من الموضوعات الصحفية هو الابتذال الذي تعتنقه بعض المؤسسات الإعلامية، حين يكتفي الصحفي باستدعاء “حالات إنسانية” لإثارة تعاطف الجمهور، دون خدمة القضية الأساسية التي يكتب عنها، حتى لو اضطر إلى تقديم تناول سلبي أو مهين للضحايا.
وفي دليل تدريبي أعدته مؤسسة “انترنيوز” عن التغطية في النكبات الإنسانية، تتكرر التحذيرات والتوصيات بشأن كيفية التعامل مع الضحايا والمتضررين إنسانيا، بداية من مراعاة حالة الصدمة التي يعيشها “المصدر”، انتهاء بقواعد الكتابة التي يجب أن ينتهجها الصحفي في مثل تلك الحالات، وأهمها: الدقة، والتعرف على حياة الضحية بشكل عميق، والاستماع للمحيطين به، والتحدث معه بلغة بسيطة ومفهومة، مع مراعاة تجنب نقل مشاهد مثيرة للذعر أثناء التغطية رحمة بالمتضررين الذين سيتابعون ما ينقله الصحفي. مثل تلك القواعد تهدف إلى تجنب زيادة آلام المتضررين أو الضحايا، والحفاظ على كرامتهم دون ابتذال آلامهم، وهو ما تفتقده بعض الأعمال الصحفية والبرامج التلفزيونية التي تعتمد على اجترار آلام المستضعفين.

Friday, August 8, 2014

صراع الكلمة والنغم في تلاوة القرآن



 تحدّثت مرة مع شيخ مقرئ معمّم حول تلحين القرآن واستخدام الموسيقى في خلفيّة التلاوة. لم يكن المقرئ سعيدًا بالحديث، وانتهى الأمر إلى رفض الكلام حول الأمر، معللًا ذلك بأن هناك قواعد تضبط الحديث عن القرآن وقواعد تلاوته.

لم يكن موقف الشيخ الأزهري غريبًا في سياق العلاقة القديمة بين الموسيقى والنص القرآني، إذ تقوم العلاقة على صراع تديره مجموعة من آراء الفقهاء، ومجموعة من الأحاديث النبويّة تهدف إلى ضبط قواعد التلاوة، بحيث لا تتحكّم الموسيقى في النص القرآني وطريقة نطقه أو تلاوته.

أما الحل الوسط الذي يقترحه بعض المحافظين، ففي حلاوة الصوت، واعتبار الصوت أداةً لتزيين النص القرآني، بينما تأتي حلاوة النغم في موضع هامشي. يقول الحديث النبوي “الله أشد أُذُنَا إلى قارئ القرآن من صاحب القَينَةِ إلى قَينَتِهِ” والمقصود بالقينة المغنية، وبهذا المنطق تتحول أصوات المقرئين إلى مزامير مثلما يروّج الموروث الإسلامي عن النبي داوود، الذي أوتي من حلاوة الصوت ما يجمع الإنس والجن والطير أثناء تلاوته للنصوص المقدّسة.

يتجاوز الأمر الاكتفاء بالتركيز على جمال الصوت، ويمتد إلى إرهاب من يفكر في الانتصار للألحان والموسيقى ومن يفكر في جعلها أداة تتحكّم في النص القرآني. هنا تبرز أحاديث نبويّة تثير الفزع في نفوس المتجرئين، منها على سبيل المثال قول النبي: “اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكِتابَينِ وأهل الفسق، فإنه سيجيء أقوام يُرجِعونَ بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم”. يستند كثير من أعداء التطريب بالقرآن إلى هذا الحديث، ويرون أن تلاوة القرآن المثاليّة هي تلك التي يعبر عنها شيخ مثل عبدالرحمن السديس إمام الحرم المكي ومن هم على شاكلته، حين يتلون القرآن في صلاة التراويح من مقام واحد. هنا يبرز سؤال: كيف ظهر من يعادون استخدام المقامات الموسيقيّة وإجادتها، في حين أن كبار المقرئين المحترفين تعلموها وتدربوا عليها؟


أذكر هنا أني حضرت تدريبًا صوتيًا على المقامات الموسيقيّة بواسطة أحمد مصطفى كامل أستاذ علوم المقامات وأحد جامعي تراث المقرئ الشيخ مصطفى اسماعيل، وكان ضمن من تدربوا على يديه قرّاء محترفون، منهم ياسر الشرقاوي الذي كان تدريبه عبارة عن تكرار لآية، مرة يقرؤها من القرار، أي الصوت الغليظ، ومرة من الجواب، أي الصوت الأكثر حدّة. في منزله، كان الطرب يغلف الأجواء، وأصبحت قضيّة الطرب أكبر من قضية الاهتمام بقواعد النطق، إذ أنّها قضية مدربين آخرين يدربون على قواعد النطق المتصلة بالتلاوة، مثل كيفية مد بعض الحروف، وإدغام حروف أخرى، وهو ما يعرف بعلم التجويد.

في المقابل يعادي أبناء التيار المحافظ هذه الأجواء، حيث تبرز آراءهم في المنتديات الدينيّة، وفي تعليقات أسفل فيديوهات تعرض حالة الطرب بين جمهور القراء العظاملا يخلو الأمر من نزعة شعوبيّة، حين ينتفض أبناء التيار المحافظ لنماذج من شيوخ سعوديين، يتلون القرآن بالحد الأدنى من الموسيقى، بينما يدافع المصريون عن أنفسهم، مستندين في ذلك إلى أن الكثير من القراء الخليجيين قد أجيزوا على يد شيوخ مصريين، في محاولة منهم لمنع أي مزايدة على إتقان الشيوخ المصريين لقواعد التلاوة.

يبدو أن الأمر أقدم من هذا الجدل الحديث، إذ يذكر الإمام القرطبي (توفي ٦١٧ هجريةفي كتابه “الجامع لأحكام القرآن” قائلًا: “الذين يقرؤون أمام الملوك والجنائز، ويأخذون على ذلك الأجور والجـوائز، ضـل سعيهم، وخاب عملهم”. كان يقصد القراء المصريين تحديدًا.

يمكن إيجاز القضية محل النزاع بين التيار المحافظ والتيار الأكثر تصالحًا مع الموسيقى في أمر هام وجذري، وهو ألا يكون هناك خرق لقواعد النطق والتلاوة أثناء القراءة، بمعنى ألا يكون استخدام مقام موسيقي سببًا في مد حرف مدًا زائدًا، أو في تغيير نطق حرف من الحروف، أو أن يقف المقرئ في مواضع تغير المعنى، كأن يقف على جملة ولا تقربوا الصلاة” من الآية من دون استكمالها، ويغلف كل هذا رؤية أشمل، تعتبر مثل تلك الخروقات، استهتارًا بمضمون النص القرآني المقدس.

نحن هنا أمام أطياف من التعامل مع النص، أغلبها يُجمع بشكل قاطع على رفض فكرة التلحين ذات الطابع الغنائي للقرآن، أو التشبه بالترانيم المسيحيّة التي تخضع النص إلى اللحن بشكل كامل، أو استخدام الأدوات الموسيقيّة.

يحذر أبناء هذا التيار من أداء مشاهير المشايخ مثل مصطفى اسماعيل والطبلاوي وغيرهم، ويعتبر بعضهم أن تعلم المقامات الموسيقية فتنة عن مهمة القارئ الأصليّة، وحجتهم في ذلك أن التنوع في استخدام المقامات الموسيقية يستلزم اتباع أوزان موسيقية ملائمة، في حين أن النص القرآني ليس نصًّا غنائيًّا يتبع أوزان الأشعار والقصائد، وبالتالي فإنهم يفترضون أن الاهتمام الزائد بالموسيقى سيؤدي لا محالة إلى خرق قواعد النطق السليمإذ ينقل عن الإمام السيوطي (توفي ٩١١ هجريةرأياً يرى فيه أن قراءة القرآن بالألحان والأصوات الحسنة تعتبر سنّة حسنة إن لم تخرجه عن هيئته المعتبرة، أما إن أخرجته عنها فذلك حرام فاحش. بينما يتحدث ابن القيم الجوزية (توفي ٧٥١ هجرية) بشكل قاطع عن نفس القضية في كتابه زاد الميعاد قائلًا: “إن القراءة بالتطريب والألحان لا تتضمن زيادة في الحروف، وذلك لأنها لا تخرج الكلام عن وضعه، ولا تحول بين السامع وبين فهمه، ولو كانت متضمنة لزيادة الحروف لأخرجت الكلمة عن موضعها، وحالت بين السامع وبين فهمها، ولم يدر المقصود بها.”


تكشف مثل تلك الآراء عن صراع بين الرغبة في تقديم النص القرآني بأنغام تقرّب الجمهور إلى المعنى، وبين خشية من أن تتحول قضية المقرئ إلى متابعة النغم قبل متابعة المعنى وإجادة النطق، أو أن يصبح “قلب القارئ مصروفًا إلى وزن اللفظ بميزان الغناء لا يتدبره ولا يعقله”. على حد عبارة ابن تيمية (توفي ٧٢٨ هجرية).

هنا يبرز حديث نبوي يمثل معضلة أمام هذا التيار المحافظ، يقول الحديث: “ليس منَّا من لم يتغنَّ بالقرآن”. أمام هذا النص يستخدم أبناء التيار المحافظ حجة أخرى تؤيد وجهة نظرهم، مفادها أن النبي وسلفه لم يتعلموا المقامات الموسيقية، وأنها مسألة دخيلة ظهرت على يد الموالي وأبناء الشعوب الأخرى، وأن الرسول نفسه قد أوصى بقراءة القرآن بلحون العرب.

لكن في جانب آخر يظهر من هم أكثر تسامحها مع تزيين القرآن بالمقامات الموسيقيّة، واعتبار قراءة القرآن فنًّا يحتاج إلى دراسة موسيقيّة. يستند أبناء هذا التيار أيضًا إلى الحديث النبوي نفسه، وحديث نبوي آخر يقول ” زيّنوا القرآن بأصواتكم”. يتحدّث أبناء هذه المدرسة بلغة مطمئنة تحكمها الخلفية الأكاديميّة التي ترى أن علم النغم والمقامات لن يطغى على علم التجويد، فمن لديه العلم، لن يقع في الخطأ أو يتعثر في التلاوة.

موقع معازف