Sunday, September 27, 2009

دنيا الألعاب

فى أحياء القاهرة الشعبية، كانت تنتشر أساليب ترفيه تقليدية، أصبحت فى طريقها إلى الزوال مثل السيجا والبلى، فهذه الألعاب ذات الأصول الفرعونية تجاور أخرى أكثر حداثة مثل البلياردو، وتشكل جميعا طرقا مثلى للهروب من الواقع، أو على الأقل تساعد على مواجهته وأحيانا احتماله.

على رصيف لا يخلو من التراب جلس الحاج محمد أبومرزوق ــ القادم من أشمون فى محافظة المنوفية ــ أمام زميله الحاج رزق ذى الأصل الصعيدى، حيث اتخذ كل منهما موقعه على أرض مغطاة بالرمال، وما أن استقر الحال حتى بدأ الحاج رزق فى رسم 25 مربعا فى التراب، رص فوقها نوعين من الأحجار باللونين الأبيض والأحمر، وبدآ سويا فى إحياء أمجاد لعبة السيجا المصرية دون صخب. وعلى بعد خطوات من مجلسهما فى شارع أحمد حلمى ناحية مساكن فيكتوريا الشعبية يستقبل المكان الكثير من الزوار المسنين الذين جاءوا فقط للجلوس والحديث سويا، ولا يخلو الأمر من نظرات تعال إلى أولئك الجالسين على الأرض للعب السيجا والتندر على ملابسهم المتواضعة وفرحتهم الساذجة.
من ناحيتهم لا يهتم لاعبو السيجا بهذه النظرات المتعالية، بل يصرون على استعادة أمجاد هذه البقعة من الشارع حين كانت تستضيف أعدادا أكبر من الهواة، يقول الحاج محمد أبومرزوق: «كنا نلتقى هنا منذ سنوات بأعداد أكبر ويجتمع يوميا ما بين 10 و15 شخصا».

الحديث والتواصل مع اللاعبين المسنين ليس بهذه البساطة، فما أن تبدأ المباراة يصبح على الجميع أن يلتزم الصمت والإنصات فقط إلى عبارات المنافسة بين اللاعبين، يصف الحاج محمد أبومرزوق ذلك: «نأتى هنا لقضاء وقت مسل فى لعبة لا تضر، نضيع فيها وقتنا هروبا من همومنا اليومية، ولا نفكر سوى فى السيجا، كما أنها أرخص بكثير من الجلوس على المقهى أو لعب القمار..!». بعد فوزه على منافسه سدد الحاج محمد أبومرزوق عبارات تهكمية إلى خصمه المهزوم وطالبه بتعويض 10 آلاف جنيه بسبب تضييع وقته فى مباراة مع خصم ضعيف مثله.. هذه العبارات التهكمية المريرة تخفى وراءها أحوالا اقتصادية متردية وحياة تعيسة للرجلين.. فالحاج رزق المهزوم انتقل قبل خمسين عاما إلى القاهرة من مركز صدفة فى محافظة أسيوط، وعمل لفترة جاوزت النصف قرن فى بيع الأسماك داخل سوق فيكتوريا المجاور لمقر هوايته المفضلة، لكنه يعيش الآن عامه الخامس والسبعين دون معاش حقيقى أو عمل يقضى فيه وقته، ويزيد من انكساره أنه مضطر إلى أداء واجبه تجاه أسرته فى أسيوط، وهو ما لم يعد يستطيعه الآن. أما الحاج محمد أبومرزوق الذى جاوز السابعة والستين فهو فلاح قديم من أشمون، يترك بلدته بصورة يومية كى يأتى إلى القاهرة التى عمل فيها فترة من حياته على أمل أن يحصل على فرصة عمل جديدة.

فى هذه الأجواء يجلس الاثنان فى شارع أحمد حلمى بصحبة المتعطلين على أمل أن يطل عليهم «مقاول أنفار» يلتقطهم من الشارع. هذه الفرصة لم تعد متوافرة كما كان الحال سابقا.. ففى نفس هذه البقعة منذ أكثر من عشرين عاما كانت تقام بطولات السيجا بين فرق مكونة من هواة اللعبة، وفى فترات أقدم حين كان حى الشرابية المجاور أقرب إلى الطابع الزراعى الريفى وشارع أحمد حلمى أكثر بساطة، انتقلت لعبة السيجا إلى هذه المنطقة بالذات. أما اليوم فيكفى ما يلاحظه الجالس إلى جوار محمد أبومرزوق وزميله رزق حين يمر بهما الناس ويلقون عليهما عبارات التهكم أثناء لعبهما السيجا. أحد الأطفال الذين يطيرون الطائرات الورقية من حولهما وقف قليلا يشاهد لعب المسنين وذكر أن هذه اللعبة موجودة على جهاز الكمبيوتر الخاص به، فى حين ألقت فتاتان عبارة ساخرة على الشيخين «انتو لسه قاعدين هنا؟؟» وهو ما تفاعل معه جيدا الحاج محمد أبومرزوق بعبارة غزل تهكمية ألقاها فى وجه فتاة فى عمر أحفاده.

هذه الجلسة المريرة تحت أشعة الشمس العنيفة والأحوال الاقتصادية السيئة لا يتجاوز المعاش الشهرى فيها مائة جنيه أوجدت وظيفة جديدة للسيجا، حين تحولت إلى مهرب من الحياة وضغوطها وإسقاط الغضب على المنافسين. لكن هذه الوظيفة الجديدة لم تقلل من مكانتها لدى أى منهما، فالحاج رزق الأسيوطى يعى أنه يمارس لعبة قديمة قدم الحياة العربية، وأسهب فى وصف القدرات الذهنية الفذة لذوى الأصول العربية وأدائهم القوى فى السيجا السباعية التى تتكون من 49 مربعا. لكن واقع الأمر أن لعبة السيجا المصرية تعود إلى أصول أقدم.. حيث ما زالت جدران معبد سيتى الأول فى منطقة القرنة الأثرية دليلا على وجود هذه اللعبة العتيقة وانتشارها آنذاك. ويدرك هواة السيجا الباقون أنها تلعب بعدة طرق إما فى شكلها المبسط الثلاثى أو أن تتسع إلى الخماسية بعد أن تتحول إلى خمسة صفوف وخمسة أعمدة مكونة من 25 مربعا، أو سبعة صفوف وسبعة أعمدة بمجموع 49 مربعا، فيطلق عليها السباعية، أما الأكثر انتشارا فهى الخماسية التى تحتفظ الأرض أحيانا بتخطيطاتها فى نفس الموقع بشارع أحمد حلمى بشبرا.

الطريقة التقليدية فى لعب كل هذه الأنواع هى وضع جميع القطع من النوعين فى المربعات مع ترك مربع وحيد فى الوسط، هو الذى يبدأ منه اللعب، وكلما حاصرت قطعتان قطعة أخرى للمنافس يتم إزالتها، أما الفائز فهو من يزيل قطع منافسه من اللعبة. وقد أوجد قدم اللعبة مفارقة طريفة، حيث كانت قطع اللعب على عهد المصريين القدماء تتخذ شكل الكلاب والذئاب، واليوم يستخدم هواة السيجا كلمة «الكلبة» فى وصف قطعة اللعب. وحتى وقتنا هذا كانت المحاولة التى جرت فى عام 1962 هى الأجرأ فى التشجيع على هذه اللعبة حين أقرت لجنة التربية الاجتماعية فى المجلس الأعلى لرعاية الشباب تنظيم البطولات فى السيجا على مستوى الأندية والمراكز.

أما عن ثنائى السيجا القادمين من الصعيد والدلتا القابعين فى منطقة فيكتوريا بشبرا فيكادا أن يكونا ضمن فئة قليلة ما زالت متمسكة بلعبة موروثة عن الأجداد وعن نمط الحياة الريفية. ويكاد أيضا أن ينطبق عليهم بشكل واضح قول الشاعر والمسرحى الألمانى شيللر «الإنسان يصبح إنسانا حين يلعب»، ففى تفاصيل أدائهم وفى مكان وجودهم تعبير صادق عن تفاصيل حياتهم التى حولت لعبة مصرية تقليدية من رياضة ذهنية إلى مهرب من الواقع.

يتعمد مصطفى سعيد (12 سنة) أن يبرز مهاراته بصورة شبه يومية بين أقرانه حول طاولة البلياردو المستقرة فى إحدى حارات حى شبرا القاهرى، ليس مضطرا إلى الوجود فى صالة بلياردو فخمة أو الاشتراك فى ناد راق لممارسة لعبته المفضلة.. يكفيه الاستقرار وسط أصدقائه أمام إحدى طاولات البلياردو المنتشرة حول شارع شيبان بشبرا لتحقيق رغبته فى التنافس. «منذ أن كنت فى الصف الأول الابتدائى وأنا أمارس نفس اللعبة على نفس الطاولات». قال عبارته بفخر متناسيا طول عصا البلياردو الذى أبرز قصر قامته وصغر سنه. وفى الوقت الذى استعرض فيه مصطفى مهاراته أمام أقرانه كانت إحدى السيدات تراقبه من شباك الدور الأول وتستلم النصف جنيه قيمة المباراة أو «الجيم» كلما بدأ. وبكل إصرار امتنعت عن الحديث عن طاولة البلياردو التى تملكها مفصحة عن مخاوفها من لفت أنظار البلدية تجاه طاولتها الوحيدة. «رغم قلة الربح من هذا المشروع إلا أننى أحرص بكل الطرق على استمراره، فامتنع عن استضافة نوعية الشباب الذين قد يثيرون مشكلات مع الجيران أو إزعاجهم». ورغم هذه المشقة اليومية، فإنها تؤمن بعبارة أوضحت هدفها من استمرار هذه الطاولة: «القرش اللى ييجى أحسن من مفيش». أما مصطفى فلديه بدائل أخرى غير هذه الطاولة.. فعلى الجانب الآخر من الشارع، يمكنه أن يلعب مباراة أو «جيم» بنفس القيمة الزهيدة وفى نفس محيط سكنه.

خالد بسيونى (35سنة) الذى يعمل فى محل الجزارة المجاور هو مالك هذه الطاولة، وكان أكثر جرأة فى الحديث عن مشروعه الذى بدأه منذ أكثر من 12 سنة. بدأ بطاولة بينج بونج ثم اشترى قبل ثمانية أعوام طاولة بلياردو ثمنها 1600 جنيه، ليضفى على نشاطه فى الشارع مزيدا من الأناقة ويواكب هوس البلياردو الذى ضرب مصر فى النصف الثانى من التسعينيات واستمر سنوات بعدها حين بدأ خالد نشاطه مع البلياردو. يقول: «فى تلك الفترة كان سعر الجيم الواحد جنيه، ومع انتشار الطاولات فى المنطقة انخفضت القيمة إلى نصف جنيه». ويضيف: «ليس لدى مواسم عمل بشكل واضح، لكن أثناء فترة المدارس يكون الحال أكثر رواجا».
يمتد عمل طاولة خالد بسيونى حتى منتصف الليل تقريبا، ويضىء المكان عن طريق وصلة كهرباء إلى كشاف إنارة كبير فوق الطاولة يمكنه أن يحافظ على زوار الليل، عدا هذا فعليه واجب نظافة الطاولة بصورة شبه يومية. ويقول: «بعد كل هذه الفترة توصلت إلى أسلوب تعامل ابتعد به عن المشكلات المتوقعة بزرع الثقة لدى السكان، والتعامل الحاسم مع الشباب حول الطاولة». حول خالد بسيونى العديد من الطاولات فى الشوارع والحوارى الجانبية، كلهم اجتمعوا على تكرار تجارب نجاح سابقة حين ظهرت أولى الطاولات فى نفس المنطقة قبل 15 سنة فى منطقة فيكتوريا بشبرا. فى تلك الفترة نزلت لعبة البلياردو إلى الشارع بعد أن كانت لعبة يمارسها ذوو الدخل المرتفع مستمدة رقيها من أصلها النبيل، إذ تبناها الملك لويس السادس عشر فى منتصف القرن السابع عشر.

اللعب بفلوس

وبعيدا عن طاولات البلياردو المكشوفة وانتقال اللعبة إلى الشوارع والحوارى فهناك عالم آخر فى دنيا البلياردو داخل المحال المتخصصة.. وعلى بعد عشرات الأمتار من منطقة الطاولات المكشوفة والانتقال إلى شارع المتنزه ناحية شارع شبرا، هناك نمط آخر من طاولات البلياردو داخل المحال المغلقة. فى أحد هذه المحال يقف فادى ــ طالب الصف الأول الثانوى ــ فى محل مستقل عمره 8 أشهر فقط. هناك حيث البعد تماما عن الطاولات المكشوفة يبدأ فادى فى تكوين صداقاته مع زبائنه الشباب. لكن فى حقيقة الأمر فإن والدته السيدة إيمان هى المدير الحقيقى للمكان بما لها من خبرة سابقة فى إدارة كافتيريا سابقة فى شبرا. وتكشف إيمان عن وجه آخر لعالم محال البلياردو الذى أوضحت أنها تقف خارجه تماما، موضحة: «بعض الشباب يلعب الجيم المباراة بمنطق القمار، بمعنى أن يضع كل شاب من المتنافسين مبلغا ما والفائز تذهب إليه النقود مع نسبة إلى صاحب المحل، وهو ما لا أستطيع التنافس فيه». ليس هذا فقط، فبعض المحال تسمح بالتدخين واستخدام الألفاظ الحادة فى أجواء الموسيقى الصاخبة، ويستمر العمل حتى الصباح الباكر دون توقف.

تواجه إيمان مشكلات من نوعية أخرى مع السكان، فرغم حرصها على خلو المكان من السب والتدخين فإن أحد الآباء تقدم ضدها بشكوى بعد أن رأى ابنه وهو يدخن بجوار المحل، ولم تفلح محاولاتها فى نفى التهمة عن المكان حتى اضطرت إلى وضع لافتة ورقية مطبوعة بالكمبيوتر تحمل عنوان «ممنوع التدخين».
وتضيف: «مشكلاتى أحيانا تتجاوز ما يحدث حول (البولة) طاولة اللعب فمن زوارى أيضا المصنفات الفنية التى احتجت فى مرة على وجود أجهزة البلايستيشن جوار طاولة البلياردو، وهو ما قلل جزءا من نشاطى، خاصة حين تتعامل السلطات مع المحل على أنه مكان ترفيهى».

تصف إيمان الأشهر الماضية من عمل المحل بأنها أشبه بسنوات طويلة. ولا تخفى ابتسامتها الساخرة وهى تشرح الحل الأخير الذى توصلت إليه للبعد عن المشكلات : «فى بعض الأحيان يبدو المحل كأنه دار حضانة، حين تمر إحدى الأمهات لترك ابنها لدينا إلى جوار زبائننا الأطفال الأقل إثارة للمشكلات».
يكاد يجمع هواة اللعبة القدامى وأصحاب أندية البلياردو على أن اللعبة شهدت صعودا كبيرا فى فترة التسعينيات حتى أصبحت فى وقت من الأوقات الهواية الأشهر بين الشباب وتحولت أندية البلياردو إلى ملتقيات تجمعهم، لكن هذه الصحوة لم تستمر طويلا رغم انتشار اللعبة حتى الآن داخل الشوارع والحوارى.
يقول محمد القماح، رئيس الاتحاد المصرى لألعاب البلياردو: «بعد ازدهار اللعبة حدث هبوط مفاجىء فى شعبيتها نتيجة عدم تفهم الجهات الرسمية وقتها للانتشار المخيف لأندية البلياردو، وكان عدم وجود شكل شرعى للكثير من الأنشطة سببا فى انهيار هذه الموجة».
ورغم هذا الانسحاب فإنه يؤكد أن اللعبة متاحة من خلال الأندية ومراكز الشباب المجتمعة تحت لواء الاتحاد، ويقدر عدد المشاركين فى هذه التجمعات بعشرين مليون مصرى. أما عن عضوية الاتحاد فلا تتجاوز 1500 عضو فى ألعاب البلياردو المختلفة مثل السنوكر والبول والكاروم.
.

الوقوف فى وضع الاستعداد مع ميل خفيف إلى الأمام ثم إطلاق قذيفة قوية نحو الهدف مباشرة، ليست بوادر حرب أو معركة حقيقية، بل محاولة من أحد أطفال الحى تسديد «بلية» صغيرة نحو زميلتها على أمل إسقاطها فى حفرة غير عميقة. تلك اللعبة التى ما زال يلعبها بعض أطفال الأحياء الشعبية والقرى الريفية فى مصر لا يعرف أغلبهم أنها ذات أصول مصرية ملوكية ترجع إلى آلاف السنين، حين كانت لعبة فى يد أطفال مصر القديمة وأداة تسلية محببة لدى الفرعون الصغير توت عنخ آمون. ورغم هذا التاريخ فإنها آخذة فى الانسحاب من الشوارع المصرية على عكس ما كانت عليه منذ عقود قليلة.
«لم يعد هناك اهتمام بشراء البلى من أجل بيعه للصغار، فالأطفال أصبحوا أكثر انشغالا بألعاب الكمبيوتر»، هذه الجملة كانت محاولة من الحاج عصام التاجر بحارة اليهود فى منطقة الموسكى لتوضيح مدى الإقبال على شراء البلى الزجاجى من متجره المتواضع حيث يفد عليه الزوار للاستفسار عن أشياء مثل ثمن حصان بلاستيكى أو جودة مجموعة من الولاعات، لكن أسفل هذه المنتجات يتوارى كيس شبكى مملوء بالبلى الزجاجى ما زال ينتظر زبونه النادر.
الحاج عصام ما زال هو الآخر متمسكا ببيع البلى من منطلق التخصص الذى فرضه عليه وجوده فى حارة اليهود حيث محال بيع الألعاب والأدوات المنزلية، ويوضح قائلا: «قديما كانت نفس اللعبة تلعب بأغطية المياه الغازية ونواة البلح، بعض الزبائن يشترون البلى الزجاجى لأغراض أخرى مثل زينة أحواض السمك وغيرها».

الكيس الشبكى الذى يحتوى على 100 بلية زجاجية كان يباع لدى تجار حارة اليهود قبل عشرين سنة مقابل 60 قرشا، بينما سعره الحالى هو جنيهان فقط، أما لدى باعة الخردوات خارج الموسكى فتباع البلية الواحدة بخمسة وعشرين قرشا، أى ما يعادل أكثر من عشرة أضعاف سعرها الأصلى.

قد لا يهتم الأطفال بقصة حياة البلية التى تدور بين أيديهم وتصطدم بأسفلت الشارع وترابه، خاصة أن بعض طرق لعب «البلى» يحصل فيها الفائز على ما لدى الخاسر من بلى، حيث يرص البلى فى شكل مثلث أو دائرة على أرضية محددة الأطراف بشكل واضح، ثم يضربها أحدهم ببلية كبيرة، وكل بلية تخرج خارج الإطار المرسوم هى من نصيب صاحب الضربة الموفقة، وهى طريقة تقترب فى فكرتها من لعبة البولينج. وأغلب «البلى» الذى يباع فى السوق المصرية من صنع الصين حسبما ذكر تجار حارة اليهود، فيستورده التجار الكبار ثم يتم توزيعه فى كميات بسيطة على أصحاب المتاجر من نوعية الحاج عصام. وبجولة على مواقع شركات صناعة «البلى الزجاجى» الصينية الكبرى على الإنترنت نفاجأ بأنها صناعة ضخمة ذات تجارة مزدهرة حول العالم. أحد أكبر مصانع الزجاج والرخام فى الصين أعلن على موقعه أن البلى الزجاجى من أهم منتجاته، بينما تختلف شروط المصدرين فى البيع كأن تكون طلبية فى حدود 2 طن أو أن يكون الحد الأدنى للطلبية هو 45 ألف كيس يتسلمها المستورد خلال ثلاثين يوما.

وهناك نظرة متدنية لهذه اللعبة نظرا لاعتمادها على المراهنات واقتصارها على الشارع وارتباطها بالأطفال دون البالغين، إلى جانب مشاركة الحرفيين الصغار فى ممارستها، وهو ما أوجد التسمية الأشهر «بلية» على مساعدى أصحاب الورش من الصغار. حيث يتوافر «البلى النيكل» فى ورش الميكانيكا التى تتعامل مع «رولمان البلى» فى صيانة السيارات، وهو نوع البلى الذى طالما طمح فى حيازته الأطفال لتميز شكله.

قد لا تكون لعبة البلى أو «الترونجيلة» حسبما كانت تعرف قديما فى مصر ضمن أولويات الكثيرين على عكس ما حدث فى مواقع أخرى من العالم، «فالبلى» الذى كان يصنع من الطين والحجارة والزجاج دخل مجال الصناعة الحديثة فى بدايات القرن العشرين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتحديدا فى ولاية أوهايو الأمريكية. ومنذ العام 2005 أصبح هناك ما يعرف ببطولة العالم فى «ألعاب البلى» تقام فى دولة التشيك برعاية اتحاد البلى العالمى World Marbles Federation الذى تأسس من المتحمسين لهذا النوع من الألعاب، وعلى موقع glassmarbles.com يعرض تاريخ ألعاب البلى وأنواعها. ومن أغرب ما يقدمه الموقع هو عرض دعاية عن الكتب المتخصصة فى لعب البلى وعلى رأسها كتاب تحت عنوان 101 طريقة للعب البلى..!
.

يصنف عدد من الباحثين الألعاب الشعبية المصرية إلى عدد من التصنيفات أشهرها تصنيف اللعبة على أساس وظيفتها فى المجتمع حين تتحول إلى ما هو أقرب إلى التدريبات أو محاكاة الواقع، ومن ضمن المحاولات التى جرت لرصد الألعاب الشعبية فى مصر محاولة للباحث ماهر صالح فى دراسته «ألعاب الأطفال وأغانيهم» المنشورة عام 1967 فى مجلة الفنون الشعبية، حين رصد 76 لعبة شعبية تنوعت أساليبها وطرق أدائها، وكان على رأس هذه الألعاب لعبة السيجا.

ويرى الدكتور صلاح الراوى ــ أستاذ الأدب الشعبى بأكاديمية الفنون ــ أن ما يجب التحفظ عليه فعلا فى تناول هذا الموضوع هو الإفراط فى استخدام كلمة «شعبية» على كل ظاهرة ترتبط بمستوى اقتصادى معين أو بكثرة عددية فى المجتمع. ويوضح بشكل أكثر تفصيلا: «حين نتحدث على سبيل المثال عن لعبة السيجا فيجب أن نفهم نشأتها ووظيفتها والمواد التى تستخدم فيها وعلاقتها بالبيئة المحيطة وكأنها لعبة تعبر عن موقف شعبى، ومستمدة من نمط حياتهم، على عكس ما يظنه البعض من أن الشعبية ترتبط بكثرة الجمهور المؤيد للعبة».
وينتقل الدكتور الراوى إلى التطبيق على ألعاب أخرى يطلق عليها لفظ «شعبية»: «الأكثر دقة هو استخدام كلمة جماهيرية على لعبة مثل كرة القدم، فهى فى النهاية لعبة لم ينتجها الشعب، وكذلك الحال مع الألعاب التى تبزغ فى فترات معينة وتنتشر فى الشوارع مثل البلياردو أو البينج بونج وغيرهما، فهى ألعاب جماهيرية وليست شعبية».
ويوضح الدكتور الراوى أن الأصل المصرى القديم لبعض الألعاب أو وجودها فى مقابر ملوك قدماء المصريين ليس شرطا فى اعتبارها ألعابا شعبية، فلعبة مثل الشطرنج ارتبطت ببلاط الملوك، لكن وصف اللعبة الشعبية الأجدر به أن يطلق على ما أنتجته بيئة وأسلوب حياة الشعب.

PDF

Thursday, September 17, 2009

صلاة بروح الاعتكاف

في جامع عمرو بن العاص
الخميس 17 سبتمبر 2009 2:36 م

عبد الرحمن مصطفى

براءة الأطفال ولهوهم داخل صحن جامع عمرو بن العاص لم يخفيا الأجواء الرجالية التى برزت داخل المسجد منذ بداية العشر الأواخر من شهر رمضان حيث تحولت جدران المسجد إلى «شماعات» تحمل جلابيب وملابس من أتوا للاعتكاف، وحيث تعلو صيحات الآباء على أبنائهم، لكن يظل البطل الرئيسى هو صلاة التراويح التى جذبت الجميع بلا تمييز. تظهر بوادر التراويح فى فترة مبكرة قبل صلاة المغرب بقليل حين تتزايد أعداد من قرروا المجئ والبقاء فى المسجد حتى بدء الصلاة، وهو الوقت الذى تبدأ فيه «وجبات الخير» فى الظهور علنا والانتشار بين صفوف الجالسين.
فى تلك الأثناء يسند أحمد رأفت المهندس الشاب ظهره إلى أحد أعمدة المسجد، حيث وضع حقائبه وبطانية وإفطار بسيط هو زاد يوم واحد فقط، يعمل أحمد فى شركة لتطوير البرمجيات منحته فرصة الحصول على إجازة حتى نهاية العيد، يقول: «حاولت العام الماضى أن أخوض تجربة الاعتكاف والمبيت فى المسجد هنا ولم أنجح بسبب ظروف العمل، فكنت آتى إلى المسجد بعد انتهاء العمل مباشرة واعتكف حتى وقت صلاة التراويح فقط». يرى أحمد الذى جرب الاعتكاف الكامل منذ سنوات فى مسجد مجاور لمنزله فى حى المعادى أن جامع عمرو بن العاص له طابع خاص يساعد على الاعتكاف بسبب اتساعه. ولم يكن هو وحده من شد رحاله إلى جامع عمرو بن العاص، فهناك من أتى من محافظات مجاورة مثل الجيزة والقليوبية لنفس الهدف، وكأنه «موسم» لابد من اللحاق به خاصة مع سمعة جامع عمرو، التى نالها منذ سنوات مع انتظام حضور الآلاف إلى صلاة التراويح للاستماع إلى تلاوة الشيخ محمد جبريل. وكان التقاء أصحاب اللهجة الريفية والحضور المكثف من سكان حى مصر القديمة المجاور للمسجد إلى جانب من أتوا من أحياء قاهرية سببا فى إيجاد حالة خاصة كانت صلاة التراويح هى السبب فى إيجادها.
بعد صلاة المغرب تمتزج رائحة الأكلات المشوية وأطباق الأرز مع رائحة الطعام البسيط من الطعمية والخضار، الغالبية فى وضع استعداد جيد لتناول إفطار مناسب يؤازرهم أثناء صلاة التراويح، التى تدوم أحيانا لأكثر من ساعتين، أما الفترة بين صلاة المغرب والعشاء فمن السهل على الزائر أن يلاحظ تمدد أجساد المتأملين والباحثين عن الراحة إلى جوار من بدأوا تناول المشروبات بعد الإفطار، بينما انتهز البعض الفرصة لتغيير ملابسه وسط جيرانه الرجال دون حرج، فالحواجز بين مصلى الرجال والنساء منيعة بحيث لا تنفذ نظرات طرف إلى آخر.
تبدأ صلاة التراويح بعد صلاة العشاء بقليل ويسأل البعض أصدقاءهم عن الذين سيكملون الإحدى عشرة ركعة حتى النهاية، ومع بدء التلاوة يجلس بعض المصلين على الأرض أثناء الصلاة من التعب على أمل المواصلة حتى النهاية.
روح الاعتكاف التى غطت على ساحات جامع عمرو بن العاص كانت السمة المميزة لصلاة التراويح هناك، إلا أن تلك الروح قد غابت عن مساجد أخرى، ففى مسجد مصطفى محمود المطل على شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين الذى طالما استضافت ساحته الفسيحة صلوات العيد واستقبال جنائز المشاهير لا تتوافر فرصة الاعتكاف والمبيت بالمسجد وإن كان هذا لم يمنع تزايد أعداد المصلين، يقول الأستاذ الدكتور محمد قاسم المنسى أستاذ الشريعة والفقه بجامعة القاهرة ومدير لجنة الدعوة بمسجد مصطفى محمود: «المسجد لا يسمح بمبيت المعتكفين نظرا لضيق مساحته الداخلية وخشية أن يعيق ذلك أداء الصلاة، وأرى أنه لا ضرورة فى التكلف والتوسع فى الاعتكاف ومراعاة ظروف العصر وتعقيداته خاصة مع انتشار الأوبئة والأمراض واختلاف الظروف الاجتماعية عن الماضى». وحسب الدكتور محمد المنسى فقرار إدارة المسجد لم يكن نتيجة ضغوط أو أسباب أمنية، وأوضح أنه على المساجد أن تنصاع لقرار «ولى الأمر» فى حالة إذا ما حدد مساجد بعينها لممارسة الاعتكاف والمبيت بها. ومثلما أثر غياب الاعتكاف على أجواء المسجد الداخلية كذلك أثر اختلاف نوعية زوار المسجد من سكان حى المهندسين على المشهد العام للمصلين، حيث وقف بينهم من ارتدى الكمامات الواقية خوفا من انتشار عدوى الإنفلونزا أثناء صلاة التراويح على عكس المشهد فى جامع عمرو، الذى لم يجد فيه رجال الإسعاف الموجودون جوار بوابات المسجد من يتواصل معهم للحصول على كمامات الوقاية أو الكشف الطبى.
اختلاف المساجد وثقافة المصلين امتد تأثيرهما إلى تفاصيل صلاة التراويح نفسها، فبينما اختار مسجد محمود أداء 23 ركعة، كان جامع عمرو أكثر حرصا على أدائها فى 11ركعة فقط كأغلب المساجد. إلا أن زيارة إلى مسجد آخر ذى ملمح سلفى مثل مسجد العزيز بالله فى حى الزيتون بالقاهرة تكشف عن تفاصيل جديدة، فبعيدا عن التزام أغلب رواد المسجد بالملمح السلفى من الجلباب القصير واللحية الطويلة، افتقدت صلاة التراويح الدرس الذى يفصل بين كل أربع ركعات من الصلاة، وكذلك الدعاء فى آخر ركعة من صلاة الوتر، وهو ما تعذر معرفة رأى إدارة المسجد حوله لامتناعها عن التواصل الإعلامى. لكن هذه الممارسة تتفق مع آراء دينية ترفض الالتزام «الدائم» بأداء الموعظة بين الصلوات وأداء الدعاء فى الركعة الأخيرة. وكغيره من المساجد الشهيرة اضطر المصلون نتيجة الزحام إلى إكمال صفوفهم خارج المسجد على الرصيف
.

Sunday, September 13, 2009

مدرسة التلاوة المصرية في عصر الهبوط

لا وقت للتجويد
الذوق يتجه للخليجى السريع ومدرسة التلاوة المصرية تتراجع

أمام جامع النور بالعباسية تلاوة قرآنية تنطلق من جهاز كاسيت قديم لا يتوقف عن تكرار تلاوة للقارئ السعودى عبدالرحمن السديس، يتلوها من مقام موسيقى واحد لا يتغير، وحوله مجموعة من شرائط القرآن والأدعية من نفس النمط، عدا مجموعة قليلة من شرائط التجويد ذات الإيقاع الأبطأ والتنوع فى المقامات الموسيقية لشيوخ مثل محمد الطبلاوى وأحمد نعينع وغيرهما.

وعلى الرغم من أن سعر بيع الشريط الواحد من هذه الفئة الأخيرة لا يتجاوز الجنيهات الثلاثة ونصف الجنيه إلا أن الإقبال الأكبر يظل على شرائط الترتيل خصوصا من مقرئى الخليج. وهى الحالة التى لم يجد لها سيد صاحب الفرشة تفسيرا سوى فى عبارة حاسمة «لا يشترى شرائط المصحف المجود إلا السميعة». ويكاد يكون الحال أوضح بجوار مساجد أخرى ذات طابع سلفى، ليكشف هذا التنافس عن صراع بين طريقتين فى التلاوة: الأولى هى تلاوة التجويد التى يفضلها «السميعة» وتلاوة الترتيل الشبيهة بتلاوة القرآن فى أثناء الصلاة.

ازدادت سخونة هذه المعركة الهادئة مع بزوغ نجم الشيخين عبدالرحمن السديس وسعود الشريم فى الحرم المكى، والشيخ على الحذيفى فى المسجد النبوى، حين اندفعت شرائطهم بقوة فى عقد التسعينيات إلى السوق المصرى فى الوقت الذى انكمشت فيه جلسات «سميعة» القرآن فى مجالسهم الطبيعية فى مصر، حيث الليالى الدينية والمناسبات الخاصة. وبدأ الترتيل الشبيه بتلاوة القرآن فى أثناء الصلاة يأخذ مساحة أكبر فى كاسيتات محبى القرآن، وظهرت إصدارات خاصة للرقية الشرعية تركز على تكرار آيات بعينها، كما ظهرت استخدامات جديدة لتلاوة القرآن فى حفلات افتتاح المحال حيث يبدأ «الدى جيه» ذو السماعات الصاخبة بالقرآن وأسماء الله الحسنى ثم ينتقل إلى الأغانى الراقصة. كل تلك العوامل صبت فى مصلحة التلاوة ذات الإيقاع السريع وصنعت رواجا لشرائط قراء الخليج إلى جانب القراء المصريين الذين ركزوا على إصدار المصحف المرتل.

أما التنافس بين شرائط المصحف المرتل التى تم تسجيل أغلبها فى أثناء صلاة التراويح فى رمضان وتلاوة المصحف المجود الأبطأ إيقاعا، فهو فى واقع الأمر ليس تنافسا جديدا، فمنذ القرون الأولى للإسلام، هناك صراع بين من يدعو إلى قراءة رصينة جافة ضد التطريب بالقرآن خوفا من أن يقع تحريف أو مد زائد على ضوء حديث نبوى وضع غناء القرآن ضمن علامات الساعة. وعلى الجانب الآخر هناك فريق يدافع عن نفسه مستندا إلى الحديث النبوى «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، وتأتى لحظة التوفيق بينهما فى رأى يفضل التغنى بالقرآن فى حلاوة الصوت مع الالتزام بأحكام التلاوة.

ومنذ قرون طويلة تعرض القراء المصريون للنقد لنفس السبب وكان أشهر من سدد كلمات النقد الإمام القرطبى فى تفسيره الشهير «الجامع لأحكام القرآن» حين انتقد بعض القراء المصريين فى عصره الذين مالوا إلى اللحن على حساب النطق السليم ووصفهم قائلا: الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز؛ ضل سعيهم وخاب وهو ما يوضح أن مجالس المستمعين فى رحاب موسيقى التلاوة كانت مستهدفة من الغيورين أمثال القرطبى الذى هاجر من الأندلس إلى مصر وتوفى بأسيوط فى القرن الثالث عشر الميلادى. وبعد القرطبى بقرون لاتزال جلسات التلاوة المصرية عرضة للهجوم على الرغم من احترافية المقرئين المصريين على مستوى العالم. ففى فتوى صدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فى السعودية وُصفت بعض الحركات التى يمارسها الشيوخ من وضع اليدين على الآذان والتمايل عند القراءة بأنها من البدع وهى الحركات التى تكون مرتبطة بجلسات تجويد القرآن بين القراء المصريين. فقد ارتبط بعضها مثل وضع اليد على الأذن فى أثناء التلاوة بعادات قديمة لدى المصرين سجلتها الآثار المصرية القديمة لمغنين مصريين قبل آلاف السنين. وفى العام 2002 توجه أحدهم بسؤال إلى مركز الفتوى لموقع إسلام ويب السعودى «ما حكم التغنى بالقرآن.. وإتباعه بكلمة (الله) كما هو الشأن فى بعض أشرطة عبدالباسط عبدالصمد». وجاء الرد من لجنة الفتوى منكرا لذكر كلمة «الله» الدالة على الاستحسان فى أثناء الاستماع إلى التلاوة وقالت الفتوى:«أما بالنسبة لقول الناس بعد المقرئ (الله) فإنه ليس من هدى السلف، بل فيه عدم تعظيم للقرآن».

تلك الصورة بين تيارين يتعاملان بشكل متعارض مع تلاوة القرآن لا تنفى علاقات واضحة بين المقرئين فى الخليج، فمازالت جملة منسوبة إلى الملك السعودى الراحل خالد بن عبدالعزيز تتردد كل فترة حاملة معها الثناء على المقرئين المصريين نقلها عنه الشيخ القارئ محمد الطبلاوى تقول: «القرآن الكريم نزل فى الجزيرة‏،‏ وطبع فى إسطنبول‏،‏ وقرئ فى مصر»‏. وتحمل سير بعض القراء فى الخليج إشارات إلى أن بعض مشاهيرهم قد أجيزوا فى القراءة على يد شيوخ مصريين منهم الشيخ على الحذيفى إمام الحرم النبوى السابق، وكذلك القارئ الكويتى مشارى راشد العفاسى الذى سجل فى مناسبات عديدة حبه للمدرسة المصرية فى التلاوة. ورغم اعتماده فى تلاوته ومحطته الفضائية على التنوع فى المقامات الموسيقية أثناء الترتيل فإنه تجنب طريقة التجويد التى أصبحت أكثر ارتباطا بالمقرئين المصريين.
--
الشيخ أبو العينين شعيشع.. نقيب المقرئين وآخر رموز عصر التلاوة
قرأت القرآن فى قصر فخرى عبد النور .. ومجالس التلاوة أفرزت عشرات المواهب

مجلس الذكر والنغم
هكذا استفادت المدرسة المصرية فى التلاوة من المقامات الموسيقية

Thursday, September 10, 2009

طريقة مبتكرة للتبرع : مزاد الرحمن

الخميس 10 سبتمبر 2009 2:02 م
عبدالرحمن مصطفى

خطوات بسيطة يعرفها الداعية الدكتور أمير صالح تمكنه من جمع آلاف الجنيهات فى جلسة تبرع واحدة، فبمجرد أن يقف وبيده الميكروفون معلنا على رواد المسجد هدف التبرع حتى تتوالى التبرعات بكل بساطة، أطلق على هذه الطريقة اسم «مزاد الرحمن» وتم اختبارها فى عدد من المساجد تلقى خلالها تبرعات لتزويج الفقراء والتبرع من أجل تجهيز المساجد.
يقول: «لابد من أن أؤمن بالهدف الذى أسعى إليه أولا وأن أنقل هذا الإيمان إلى المتبرعين.. والأهم أن يقتصر دورى على تحفيز الناس على التبرع دون مشاركتى فى مجلس إدارة المسجد أو جمع تبرعات». يبدأ الداعية بعرض الحالة وقيمة المبلغ المطلوب عارضا ميراث الصحابة فى عمل الخير مع توجيه العبارات المشجعة على التبرع إلى الجالسين أمامه. ويدير الجلسة كأنه مدير صالة مزادات محترف. فيستخدم عبارة «من يدخل مزادا مع الله؟؟!»، ويكرر عددا من الآيات فى فضل أهل الخير حتى يبدأ الجالسون فى التبرع، ويذكر كل متبرع اسمه وقيمة تبرعه، فيتلقى عبارات الاستحسان من الداعية القابض على الميكروفون. وتتنوع التبرعات بدءا من خمسمائة جنيه حتى 20 ألف جنيه فى المرة الواحدة للمتبرع، كل حسب طاقته. ولا يتوقف الداعية إلا بعد أن يستنفد جميع محاولاته لإثارة حماس رواد المسجد على أمل أن يوفى كل متبرع قيمة تبرعه فيما بعد إلى لجنة الزكاة بالمسجد.

يؤكد الدكتور أمير صالح أنه يحاول قدر الإمكان البعد عن إحراج رواد المسجد، ويقول «نرفع الحرج عن الحضور إذا ما أراد أحدهم أن يخفى مبلغ تبرعه، وعن نفسى لا أتعمد النظر فى عيون الجالسين أو الإلحاح عليهم، يكفى أن أحدد لهم الهدف العام وتوضيح أن المساهمات البسيطة وكثرة عدد المتبرعين ستحقق هذا الهدف، وليس الهدف جمع الأموال أو تخزينها». وإلى جانب عمله فى مجال العلاج الطبيعى يرأس الدكتور أمير صالح الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية، كذلك هو أحد الوجوه المألوفة فى البرامج ذات الطابع الإسلامى، وجاءت فكرة مزاد الرحمن كأحد الأنشطة الخيرية التى يتصدرها. ورغم اعترافه بأن الفكرة موجودة بالفعل فى المجتمعات الغربية وتتم على الهواء مباشرة على الفضائيات مع وجود عداد للتبرع يحكم التبرعات بشفافية، وأنها انتقلت إلى الفضائيات العربية إلا أنه يؤكد أن الفكرة لم تنتشر بعد فى المساجد.

الشيخ رمضان فضل ــ إمام مسجد قباء بحى حدائق القبة ــ كان أحد من استقبلوا هذه «المزادات» حيث نجح من خلال مزاد واحد فى جمع 70 ألف جنيه مساهمة فى قيمة سيارة نقل الموتى التابعة للمسجد، إلا أنه انضم إلى قائمة المتحفظين بعد تكرار «المزاد» وظهور عيوب هذه الطريقة فى التبرع وهو يوضح: «يقع الناس فى حرج حين يجدون أنفسهم فى مواجهة طلب التبرع على الملأ ومراقبة الآخرين لقيمة تبرعاتهم والتزامهم السداد أمام رواد المسجد».
أحد المزادات التى أدارها الدكتور أمير صالح استخدم فيها مقارنات بين رواد المسجد الذى بدأ فيه مزاده ومسجد آخر فى حى ذى مستوى اقتصادى منخفض على أمل تشجيعهم على دخول «المزاد»، وهو ما أثار كبرياء بعض الحضور. يعلق الشيخ رمضان: «أغلب رواد المسجد استحسنوا الفكرة، لكن رأيى الشخصى أنه من الأفضل ألا تتكرر فى نفس المسجد منعا للحرج، وأن تدور بين المساجد الأخرى». ولا يرى الشيخ رمضان فى هذه الممارسة نوعا من التباهى بسبب التبرع العلنى. ويشرح: «لا حرج من التبرع العلنى، وقد كان فى سيرة الرسول والصحابة ما يؤيد ذلك ومن أشهر هذه الحوادث استجابة الخليفة عثمان بن عفان لدعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أجل تجهيز جيش العسرة الذى واجه متاعب كبيرة فى إعداده، والإسلام لا يمنع التبرع العلنى حيث يقول الله تعالى: «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

أما الدكتور أمير صالح فإلى جانب اعتزازه بكونه على إحاطة بعلوم التنمية البشرية والقدرة على التأثير فى الآخرين فقد أرجع فكرة المزاد أيضا إلى أصل إسلامى قديم فى واقعة محددة حين شجع الرسول محمد، (صلى الله عليه وسلم)، الأنصار من أهل المدينة فى المسجد على دعم فقراء المهاجرين حين قال: «من كان عنده فضل مال فليعد به على من لا مال له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان عنده فضل ظهر ــ أى ركوبة ــ فليعد به على من لا ظهر له». بهذا النص اعتمد الداعية أمير صالح طريقته المبتكرة فى الدخول إلى المساجد وبدأ مزاده الذى يجريه على فترات حسب طلب مجالس إدارات المساجد التى يزورها على أمل أن يتحمس الناس لدعوته على اعتباره طرفا محايدا يزور المسجد لهذا الغرض.