Saturday, April 18, 2015

المصريون في مواجهة "العبوات الناسفة" .. من تعرضوا للقنابل لايخشون اللقاء الثاني

 
-عامل النظافة محمد عبدالمنعم : اكتشفت القنبلة مصادفة ولا أخشى مواجهتها مرة أخرى
- مقهى السد العالي بعد تدمير واجهته يرفع لافتة تحذيرية من ترك متعلقات أو حقائب
- العميد خالد عكاشة : كثافة التفجيرات في الفترات الهامة أفقدها قدرتها على التأثير
- صفوت العالم : على الإعلام ألا يقدم مواد "انفعالية" في مثل تلك الأوقات
 
كتب – عبدالرحمن مصطفى
مع كل حركة يخطوها محمد عبدالمنعم أثناء كنس الشوارع في حي المطرية، يراجع نفسه عدة مرات، خشية وجود قنبلة وسط أكوام القمامة التي يقابلها، فبحكم وظيفته كعامل نظافة في هيئة تجميل ونظافة القاهرة، عليه أن ينتقل بين عدد من الشوارع في اليوم الواحد.
"أنا عامل نظافة ضمن مجموعة تطوف شوارع المطرية لمساندة زملائهم حين يواجهون ضغطا في العمل، وفي أثناء عملي في يناير الماضي، اكتشفت قنبلة في كيس بلاستيكي، فقمت بالإبلاغ عنها .. كان من الممكن أن تنفجر في جسدي لو لم أكن منتبها في ذلك اليوم".
يتحدث محمد عبدالمنعم عامل النظافة الذي تم تكريمه بعد واقعة اكتشاف قنبلة في شارع عمر المختار في حي المطرية، وحصوله على مبلغ 1000 جنيه مكافأة عن ذلك الموقف. يعلق مازحا: "هذه المكافأة تساوي قيمة مرتبي تقريبا، إذ يبلغ مرتبي 1150 جنيه شهريا". لا يبدي محمد عبدالمنعم قلقا من تلك الأجواء الجديدة، فهو ليس عامل النظافة الوحيد الذي واجه قنبلة وجها لوجه أثناء عمله، بل تكرر ذلك الموقف مع عمال آخرين.
أمام مقر حي المطرية حيث يقع مكتب هيئة تجميل ونظافة القاهرة، يسير عامل النظافة المميز وسط زملائه برفقة علاء أبو طالب مدير فرع هيئة تجميل ونظافة القاهرة بالمطرية، الذي تحدث عن ظروف عمل جديدة نشأت بعد ثورة 30 يونيو، إذ أصبح معتادا أن يصادف أحد عمال النظافة جسما غريبا أثناء عمله ويبلغ عنه فورا، يوضح ذلك : "قبل عدة أسابيع واجه عمال النظافة أثناء عملهم ليلا قنبلتين في محيط حي المطرية، وقاموا بإبلاغي وطمأنتي بأن قوات الحماية المدنية قد بدأت عملها". وبينما لم يقض عامل النظافة محمد عبدالمنعم سوى عامين في عمله، فإن علاء أبو طالب -مدير فرع الهيئة في المطرية- يعمل منذ العام 1997، وأصبح عليه أن يكون يقظا لعماله، وأن يكون على علاقة قوية برجال الشرطة للتعامل في مثل تلك المواقف.
نفس الحذر الذي يسيطر على عمال النظافة أثناء عملهم، يواجهه حسن عوض مدير مقهى السد العالي في وسط القاهرة، بعد أن عاش تجربة انفجار قنبلة على الرصيف المواجه له، قرب دار القضاء العالي بالقاهرة. لم تكن تلك هي المرة الأولى، إذ وقع تفجير في شهر أكتوبر الماضي أمام دار القضاء العالي أيضا، ثم تكرر المشهد نفسه في بداية شهر مارس الماضي، وفي الحادثين تلقت قهوة السد العالي نصيبها من الذعر وتكسير الواجهات الزجاجية.
"تأسس المقهى في العام 1963، ولم يحدث أن تعرضت المنطقة لتفجيرات من قبل، سوى في الفترة الأخيرة، لكن ذلك لن يؤثر على عملنا بأي شكل". يتحدث حسن عوض مدير المقهى، وهو يتابع الزبائن الجالسين أمامه. وفي مدخل المقهى، لافتة تقول: برجاء عدم ترك أي متعلقات شخصية داخل المقهى، مع أرقام الجهات الأمنية الواجب التواصل معها في حالة وجود مشكلات من هذا النوع.
تبدو حالة التواؤم مع أجواء التفجيرات واضحة في حديث من مروا بتجربة المواجهة مع القنابل، وهو ما يفسره العميد خالد عكاشة مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية، بأن توقيتات العمليات التفجيرية، أصبحت واضحة للمواطنين العاديين، إذ زادت كثافة التفجيرات قبيل المؤتمر الاقتصادي العالمي، متوقعا أن تقل حدة التفجيرات بعد انتهاء المؤتمر. ويضيف قائلا: "لا تعمل الجماعات الإرهابية سوى بخطة تصعيد، وبعد الحصول على تمويل، أما التوقيتات فهدفها إطفاء وهج الفعاليات والأحداث الإيجابية والتشويش عليها". ويضرب عكاشة مثلا بكثافة التفجيرات في توقيتات مثل ذكرى ثورة يناير الماضية، والمؤتمر الاقتصادي. ويراهن عميد الشرطة السابق على أن المصريين قد أصبح لديهم من الوعي أن يدركوا مغزى تلك المحاولات، خاصة مع تكرار إخفاق الجماعات الإرهابية في تحريض المواطنين.
أما ما يحتاجه عامل نظافة مثل محمد عبدالمنعم في مواجهة احتمالات التعرض لقنبلة أثناء عمله اليومي، فهو تعليمات في كيفية التعامل مع مثل تلك المواقف، يقول حافظ السعيد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، أن هناك تعليمات متكررة لعمال النظافة ومن يتحركون معهم أثناء العمل الميداني، أن يتخذوا احتياطهم في التعامل مع الأجسام الغريبة، ويضيف قائلا: "هناك أزمات أكبر كانت تواجه أبناء هذه الفئة في تعرضهم لحوادث تصادم بالسيارات أثناء عملهم، لذا يستخدمون سترات فوسفورية، ويتم اتخاذ اجراءات في تحركاتهم لحمايتهم من الدهس". تلك المواقف يزيد عليها "عدم تعاون الناس" على حد قول عدد من هؤلاء العمال.
في تلك الأجواء التي تتزايد فيها كثافة العمليات التفجيرية في بعض الفترات، يظهر دور على الإعلام في مساندة المواطنين حسبما يصف صفوت العالم أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة قائلا: "في الأوقات التي تزداد فيها تلك الحوادث، يجب على الإعلام أن يبتعد عن تقديم مواد انفعالية، واتاحة الفرصة للمواطن أن يفكر في الحدث دون تحريض أو توجيه ".

Friday, April 10, 2015

الصالون الثقافى.. تجربة تتحدى الزمن

صالون علاء الأسوانى يحقق معادلة الاستمرار والحفاظ على الجمهور
- أسامة البر: الإدارة الديمقراطية وشخصية صاحب الصالون هما الضمان الوحيد للبقاء
- فاطمة ناعوت: أدعو مفكرى مصر إلى العودة إلى جمهورهم وألا يخذلوا من طلبهم
- العاملون فى النشاط الثقافى يفضلون الأنشطة التفاعلية على الندوات التقليدية

قبل دقائق من بدء فعاليات صالونه الأسبوعى، جلس الكاتب علاء الأسوانى وسط مجموعة من الأصدقاء الذين واظبوا على حضور صالونه الثقافى منذ سنوات، إذ كانت البداية الأولى فى عام 1998 فى مقهى «ستراند» فى منطقة باب اللوق وبوسط القاهرة، حيث كانت النواة الأولى لصالون الأسوانى، ثم تنقل بعدها بين عدد من المقاهى والمؤسسات الثقافية على مدى 17 سنة، حتى استقر أخيرا فى فيللا الدكتور ممدوح حمزة، المهندس والناشط السياسى المعروف.
«على مدى تلك السنوات، كان هناك منتج لهذا الصالون، قدمنا عددا من الأسماء الشابة فى الأدب والفن، وناقشنا العديد من القضايا السياسية المهمة فى مراحل زمنية مختلفة». هذا ما يشير إليه الكاتب علاء الأسوانى أثناء حديثه عن تجربة الصالون الثقافى الذى تعرض للتضييق فى فترات مختلفة. أما أولئك الذين واظبوا على الحضور منذ سنوات، فقد شهدوا جانبا من تطورات هذا الصالون. هذا ما ينقله الكاتب والأكاديمى جلال الشايب المواظب دائما على حضور الصالون منذ عام 2007، يلخص تلك التجربة أثناء حديثه، قائلاً: «تطور المشهد داخل الصالون يشبه الحالة السياسية المصرية نفسها، فقبل ثورة 25 يناير كان يحدث تضييق أمنى على الصالون، فانتقلنا إلى مقر حزب الكرامة كبديل عن التنقل بين المقاهى، ومع البروز الإعلامى لعلاء الأسوانى بعد الثورة، انتقل الصالون إلى دار الأوبرا ثم معهد إعداد القادة، لكن الوضع تغير أخيرا مع تغير الحالة العامة». هذا المشهد الذى يلخصه أحد رواد صالون الأسوانى ليس من السهل تعميمه على تجارب الصالونات الثقافية الأخرى، إذ امتازت ندوة الأسوانى الأسبوعية بمناقشة الشأن العام بشكل مفتوح، على عكس صالونات أخرى تتحرك فى مساحات أدبية وفكرية محددة.
وتمتد فكرة الصالون الأدبى بشكلها التقليدى إلى تجارب أوروبية قديمة، كان أشهرها فى إيطاليا وفرنسا بين الأسر الأرستقراطية والملوك المهتمين بالفن والأدب، ويعيد بعض الباحثين جذور تلك الصالونات إلى تجارب أقدم فى الحضارة العربية الإسلامية، حين كان الأمراء والخلفاء يديرون مجالس العلم والأدب فى حضرتهم. بينما قدمت التجربة الفرنسية نموذجا أبرز فى تحويل المقاهى إلى تجمعات للفنانين، والمفكرين والسياسيين، وظهر دورها إبان الثورة الفرنسية عام 1789.
أما فى مصر فقد ظهر نمطين من الصالونات الثقافية، نمط احتضنته بيوت المفكرين والأدباء والنبلاء، من أشهرها صالون الشاعرة مى زيادة الذى ازدهر فى فترة العشرينيات، وصالون العقاد الذى برز نشاطه فى أربعينيات القرن الماضى، بينما كان هناك نمط آخر من الصالونات احتضنته المقاهى، بدأ مع صالون جمال الدين الأفغانى فى مقهى متاتيا الذى ضم إليه شخصيات تحولت إلى رموز فى العمل الوطنى فيما بعد، مثل عبدالله النديم، وسعد زغلول، كما كان من أشهر صالونات المقاهى صالون نجيب محفوظ الذى تبدل بين عدة مقاهٍ، أشهرها مقهى ريش فى منطقة وسط البلد القاهرية.

استعادة المفكرين

تلك الأجواء المزدهرة بالتجمعات الثقافية أخذت فى الانحسار تدريجيا، وهو ما دفع البعض إلى محاولة إحيائها مرة أخرى، وتذكر الكاتبة فاطمة ناعوت أنها سعت لدى الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى كى يقيم صالونا فى مقهى ريش، وأقيم الصالون الشهرى بالفعل فى يناير الماضى، لكنه توقف فجأة. ترجع الكاتبة أسباب ذلك إلى قلة الحضور، والاضطرابات الأمنية التى أصابت البلاد فى تلك الفترة، تستطرد، قائلة: «أيا كانت الأعذار فأنا ألوم أستاذى أحمد عبدالمعطى حجازى على عدم استكمال الصالون، وأعتقد أنه فرض على رموز هذا الجيل العظيم أن يجلسوا بيننا، وينقلوا إلينا رؤيتهم، وأنا أعاتبهم جميعا على غيابهم». تبدى فاطمة ناعوت اهتماما بفكرة الصالونات الثقافية فى عدد من المقالات المنشورة لها، لكنها فى الوقت نفسه تتحدث عن أزمة حالية تواجه فكرة الصالون الثقافى بسبب فقدان قيمة الثقافة لدى الشباب، مع وجود مغريات مثل الإنترنت والمقاهى، وهى أهم أسباب توقف مشروع صالونها الثقافى، الذى لم تتحمس للاستمرار فيه مقارنة بحماسها أن تكون معاونة فى تدشين صالون أحمد عبدالمعطى حجازى.
يرى بعض العاملين فى مجال الأنشطة الثقافية أن فكرة الصالون الثقافى قد تجاوزها الزمن إلى نماذج أخرى من الأنشطة الثقافية، وأن الصالونات الباقية حاليا مرتبطة بقيمة أصحابها وسعة ثقافتهم وتأثيرهم، على سبيل المثال أقامت مكتبة (أ) صالونا ثقافيا يستضيف ضيفا شهريا، لكن مع مرور الوقت اتجه القائمون على النشاط الثقافى إلى أنشطة أخرى أكثر فاعلية، هذا ما يوضحه عماد العدل، المستشار الثقافى لمجموعة مكتبات (أ)، إذ يقول: «الشكل التقليدى للصالون بطابعه الذى يعود إلى القرن الماضى سيندثر مع الوقت، ولن تستمر سوى الصالونات التى تتمحور حول شخصية مؤثرة، خاصة أن بعض الصالونات منغلقة على مجموعات بعينها، وهى روح لا يقبلها الزمن الآن». يتحدث عماد العدل من خلال خبرته السابقة فى إدارة صالون ثقافى للمكتبة، وكيف وجد لاحقا أن الأنشطة الثقافية التفاعلية هى الأكثر جذبا للزوار، على رأسها حفلات توقيع ومناقشة الكتب، فحسب رأيه أنها توفر مساحة لمن قرأ كتابا أن يناقش المؤلف، ويوقع نسخته وأن يلتقط صورا للذكرى، وهو ما يصنع خبرات وتفاعل بين الشخصية محور الحفل والجمهور.

مواجهة الكلاسيكية

على عكس الشائع فى ضرورة أن يكون الصالون الثقافى مرتبط بشخصية محورية، فإن بعض التجارب الشبابية الأخيرة قد حولت فكرة الصالون إلى ما يشبه «أندية القراءة» أو «عروض الأفلام» أو حتى «المجموعات الأدبية». وقد مرت تلك النماذج بأحمد رجائى، أحد مؤسسى مركز «بيت الرصيف» الثقافى، بسبب إتاحة المركز مساحات لأى تجربة أو مبادرة واعدة، وكان ضمن تلك المبادرات صالونا ثقافيا لم يكتمل نشاطه، وذلك للأسباب التى يذكرها رجائى، قائلاً: «لقد توقف نشاطنا فى بيت الرصيف لفترة، وهو ما أثـّر على المبادرات التى كانت تعمل معنا، كذلك تكمن مشكلة الصالونات الثقافية فى اعتمادها على جهود شخص واحد وهو ما يهدد مستقبلها».
يضع بيت الرصيف كغيره من المراكز الثقافية والمكتبات قواعد عامة لممارسة الأنشطة، على رأسها الابتعاد عن العنصرية، وتجنب الخلافات السياسية، بينما يضيف أحمد رجائى المسئول الإعلامى لبيت الرصيف أنه أحيانا ما يجرى يقترح أفكارا على بعض المجموعات الشبابية لتطوير أدائها، ويشرح ذلك بمثال: «دشن بعض الشباب فى مساحة لدينا ما يشبه الصالون الأدبى، وكانت الأجواء شديدة الكلاسيكية، ما جعلنا نقترح عليهم بشكل ودى أن يضيفوا أجواء تفاعلية، بتنظيم مسابقات أو حتى أن يطلقوا على هذا النشاط تعبير قعدة شعر، وكانت اقتراحات غير إجبارية». تلك هى وجهة النظر التى يتبناها بعض العاملين فى إدارة الأنشطة الثقافية، مع تأكيدهم على أن الأجواء الكلاسيكية التى يحتفظ بها نموذج «الصالون الثقافى» لن يدعمها سوى اسم وقيمة الشخصية المحورية للصالون.
«الصالون الثقافى الناجح لابد أن يكون لشخص واسع الاطلاع ولديه أسلوب لبق فى الإدارة وكسب الجمهور». هذه المعايير هى التى يضعها الكاتب أسامة البحر الذى شارك فى إدارة صالون علاء الأسوانى لسنوات، بعد أن تم انتخابه من رواد الصالون قبل أكثر من 10 سنوات لتولى تلك المهمة. لم يكن سهلاً على صالون له طابع سياسى أن يستمر دون مشكلات، فيذكر قائلا: «تلقيت اتصالات فى بعض الفترات من أشخاص لا أعرفهم يشتبكون معى فى الهاتف، لأنهم مختلفون سياسيا مع علاء الأسوانى، لكنى كنت أتقبل ذلك بصدر رحب». وبعيدا عما تقدمه الصالونات الثقافية من دعم معنوى للمواهب الجديدة، فإنها أيضا تؤسس روابط قوية بين زوارها، كأن يعود أحد زوار الصالون بعد سنوات كاتبا لمناقشة أعماله، أو أن تنشأ روابط أعمق على المستوى الإنسانى تدوم لسنوات. وتبقى المهمة الأعظم لإدارة أى صالون فى احتواء الجميع، والإدارة الديمقراطية وتعويد الجمهور على هذه الروح. على حد قول الكاتب أسامة البحر مدير صالون الأسوانى.

سنة أولى صالون

بشير عياد: الموسيقى والنغم هى نقطة القوة فى تجربتنا

سلوى علوان: علينا استغلال تعطش المصريين للأنشطة الثقافية والفنية
«فى هذا الشهر سيكون قد مر عام كامل على بدء فعاليات هذا الصالون». يتحدث الشاعر بشير عياد بفخر عن تجربة صالونه الثقافى الذى يحمل اسمه، مستعيدا كيف كانت البداية الأولى قبل عام. يقول: «هدفى الأساسى تهذيب الذوق، وتنقيته فى جميع مناحى الفن والإبداع».
يجلس الشاعر بشير عياد فى مكتبة بورصة الكتب حيث يقام صالونه يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وقد اختار هذا اليوم تحديدا، وفاء لأستاذه محسن الخياط الشاعر والصحفى فى جريدة الجمهورية، الذى كان يقيم صالونا فى اليوم نفسه، وقدم من خلاله عددا من المواهب، ويصف عياد نفسه قائلاً: «أنا كوكتيل من دعم الصالونات الثقافية والتبنى من رموز أدبية وفنية».
يتفق عياد مع آراء بعض المواظبين على الحضور كل ثلاثاء، أن هناك نقاط قوة أسهمت فى استمرار التجربة، ومنها أسلوب الإدارة الذى يصفه بشير عياد بعبارة حاسمة: «ليس هناك مكان للاستعراضيين، أو لمن يتسببون فى إفساد أجواء هذا المجلس.. فالمكان يتحول إلى ما يشبه الحضرة الصوفية بين العلم والنغم». تكمن نقطة القوة الأخرى فى جلسات الإستماع وتحليل النص الشعرى لأغانى أم كلثوم تحديدا، ويتكفل الكاتب الصحفى هيثم أبوزيد فيها بالجانب الفنى فى تحليل المقامات الموسيقية.
كان هذا الصالون مجرد فكرة تعود إلى العام 2012 أجهضتها ظروف مرض الشاعر بشير عياد، حتى عاد فى العام الماضى بجلسات النغم، وإقامة تكريمات للمساهمين فى الحقل الأدبى، وظل المحتوى الموسيقى فى الصالون هو ما يراهن عليه قائلاً: «رأيت فى عيون من حضروا عصر أم كلثوم، كيف استعادوها حين عرفوا معلومات جديدة مرتبطة بالأغنية، وتحليلها موسيقيا.. كذلك أسعدنى تواصل الشباب مع الصالون بعد مرور عام من العمل».
تجارب جديدة
ظهرت على مدى العام الماضى صالونات ثقافية جديدة دشنها أصحابها بعد انخراطهم السابق فى عالم الثقافة والإبداع، منها صالون أركان الثقافى فى مدينة الإسكندرية، الذى تديره الشاعرة والصحفية جيهان حسين منذ تم تدشينه فى شهر أكتوبر الماضى، تصف ذلك قائلة: «اقتربت من صالونات ثقافية متميزة فى الأسكندرية، منها صالون التذوق الثقافى لأميرة مجاهد، وصالون زمرة الثقافى فى مركز الجيزويت، ففكرت فى إقامة صالون ثقافى شهرى». تلك التجارب دفعتها إلى المحاولة، واتخذت من مركز أركان للإبداع بكاتدرائية القديس مرقس الأسقفية مقرا لها، حيث كانت تعمل بالتدريب الصحفى فى نفس المركز من قبل.
«لا أخفى سرا أننى أحاول شحذ طاقتى باستمرار حتى لا أفقد حماسى من الظروف التى قد لا تكون مواتية، مثل ضعف الحضور فى بعض الأحيان، فأنا مازلت فى البدايات ولا أمتلك اسما رنانا بعد فى دنيا الأدب، لكنى أسير بخطوات ثابتة «. تستكمل الشاعرة جيهان حسين حديثها محاولة تجاوز ما قد تواجهه من عوائق، باستغلال مواقع التواصل الاجتماعى للتعريف بالصالون والوصول إلى الشريحة المستهدفة، أما أسلوب الإدارة فتلخصه فى جملة واحدة: «أهم نقطة هى مذاكرة موضوع الجلسة الشهرية وضيف الصالون مذاكرة جيدة قبل اللقاء».
فى الجمعة الأخيرة من الشهر الماضى، خاضت الكاتبة الصحفية سلوى علوان التجربة نفسها، حين دشنت صالونها بمكتبة البلد فى وسط القاهرة، مراهنة على تعطش الكثيرين للأدب والثقافة على حد تعبيرها، أما الهدف الذى تسعى إلى تحقيقه فهو أن يكون صالونها وسيطا بين ثقافة النخبة وغير المتخصصين. «فوجئت بعدد الحضور الكبير فى حفل تدشين الصالون، الذى جاوز المساحة المخصصة لنا فى مكتبة البلد، وتلقيت عروض استضافة فى أماكن أخرى، ما جعلنى اتفاءل باستمرار التجربة». تستكمل سلوى علوان حديثها عن المشكلات التى تصاحب تأسيس صالون ثقافى فى مصر، على رأسها تكريس حالة النخبوية بين صاحب الصالون وزواره، ما يصنع فجوة مع الزوار الجدد.
لا يُخفى أصحاب هذه التجارب السابقة فى إدارة صالونات ثقافية حرصهم على أن تظهر تلك التجارب بشكل لائق، حتى لايضر ذلك بسمعتهم فى المستقبل، ما جعلهم يوضحون فى حديثهم أنهم لم يدشنوا تلك التجارب سوى بعد تفكير، وبعد التأكد من كيفية إدارتها، مع نسبة معقولة من المغامرة، على سبيل المثال توضح الكاتبة سلوى علوان ذلك بقولها: «كانت هناك إشارات تدفعنى إلى تجربة تدشين الصالون، كأن أجد إخلاصا من جمهور ندوتى فى معرض القاهرة للكتاب الأخير، والتى تزامنت مع زيارة بوتين إلى القاهرة وازدحام الشوارع بشكل غير مسبوق، وفى هذا الظرف وجدت إخلاصا من الحضور الذين انتظرونى رغم ارتباك مواعيد الندوات فى ذلك اليوم». وقد أعطاها هذا الموقف إشارة إلى إمكانية أن تخطو خطوة أكبر تختبر فيها قدرتها على جذب آخرين حول عمل ثقافى، وهو ما تخوضه فى تجربة صالونها الناشئ.

«قهوة مانو».. أمسيات تتجاوز التقليدية


على مدى ثلاث سنوات يدير محمد جادالله الكاتب والباحث صالونا فى ساقية الصاوى بالزمالك، حيث يقدم أشكالًا متنوعة من طرق التواصل مع الجمهور فى كل أمسية شهرية يقيمها، بدءا من استخدام صيغة المحاضرة التى يستعين فيها بشرائح عرض على شاشة ضخمة، أو أن يعزف للجمهور موسيقى فى فترة استراحة، أو أن يستضيف أحد الضيوف المتصلين بموضوع الأمسية، والهدف النهائى هو الحديث عن الهوية المصرية ومحاولة فهمها مع الجمهور.
«بدأت القصة فى العام 2011 مع تأسيس صفحة تحت اسم صالون ماعت الحضارى على فيسبوك مع مجموعة من الأصدقاء، واخترنا اسم ماعت لأنها رمز العدالة لدى قدماء المصريين، ثم تم تدشين مبادرة صناع الوعى الحضارى التى انتشرت فى المحافظات، بينما ظهرت لدىّ فكرة أخرى أن أقيم أمسيات تناقش القضية نفسها، وهو ما أنتج صالونا له طابع مختلف». يتحدث محمد جادالله عن استغلاله جميع الأدوات التى يجيدها فى التواصل مع الجمهور حول قضية الهوية المصرية، إذ يذكر أنه قد لاحظ فى فترة مبكرة بعد ثورة 25 يناير، ومن خلال النقاشات فى صفحة «صالون ماعت الحضارى» أن هناك بوادر لأزمة مجتمعية بسبب الصراع على فكرة الهوية، فهناك من يرى أن مصر فرعونية، وآخر يراها إسلامية، وغيرها من التصنيفات، بينما يرى هو هوية مصر نتاج كل ذلك.
«فى أمسيات قهوة مانو، أقدم نماذج من الفن المصرى، محاولاً ربطها بجذورها التاريخية، فهدفى أن أظهر الصلة بين الموروث المصرى القديم، وكيفية استمراره فى حياتنا وثقافتنا اليومية». هكذا يتحدث عن تلك الأمسيات مستغلاً فيها خبرته السابقة فى مجال الإرشاد السياحى ومعرفته بالتاريخ المصرى القديم، وكذلك اهتمامه بالعمل
المسرحى والموسيقى، ودراسته لقواعد فض النزاعات المجتمعية فى الخارج، وهى أدوات يستخدمها فى نقاشاته داخل تلك الأمسيات، سواء كان الموضوع عن الفن المصرى، أو كان موضوعا عن القيم الدينية ــ العابرة للعصورــ التى ما زالت فى وجدان الإنسان المصرى المعاصر.
«هنا أحاول كسر شكل الصالون الكلاسيكى القديم، وتقديم عروض تجمع بين الندوة والتدريب والحكى، مستخدما فنون المسرح والموسيقى، من أجل جذب الجمهور حول قضية الهوية المصرية، والتأكيد على أنها غير قابلة للقرصنة أو حصرها فى بعد واحد، بل هى شاملة خبرة آلاف السنوات».
مر محمد جادالله كزائر بصالونات ذات شكل كلاسيكى، ورغم استفادته الشخصية منها، لكنه يرى أنه لابد من تطوير فى أداء الصالونات الثقافية بشكل عام، حتى تستطيع أن تدخل مجال المنافسة مع جاذبية الإعلام والإنترنت الأكثر تسلية وإبهارا، لذا يقول إنه يسعى أن تكون تلك الأمسيات فى صالونه لأن تكون أشبه ببرنامج يحمل جانبا ترفيهيا، حتى يظل محافظا على جمهوره طول الوقت، أما الأهم بالنسبة إليه، فهو إثارة قضيته الأساسية، وهى الهوية المصرية.