Thursday, June 27, 2013

فى عالم الإنترنت: ادعم ناشطًا اليوم.. تجد من يدعمك غدًا

 قبل 30 يونيو.. شبكات ودوائر تتسع فى أوقات الأزمة
 
كتب - عبدالرحمن مصطفى
حين علمت أن معارضا سياسيا من طاجكستان تم القبض عليه فى دبى، تمهيدا لإعادته إلى بلاده بدلا من محل إقامته فى روسيا، بدأت على الفور فى توجيه رسائل عبر موقع تويتر، وبحثت فى دائرة معارفى فى دبى عمن يمكنه المساعدة، وكل ذلك تم عبر الانترنت، حتى انتقلت القضية إلى عدد من المؤسسات الدولية.. قد يتساءل شخص لماذا أفعل ذلك؟ فأجيب ببساطة أن القاعدة تقول: «ادعم ناشطا اليوم، ستجد من يدعمك غدا».
يتحدث أحمد حجاب، مطور برامج تدريبية فى مجال الإعلام، عن واقعة حدثت له قبل عدة أشهر حين طلب منه ناشط روسى كان قد التقاه فى أحد المؤتمرات الدولية أن يبحث معه عن داعمين للمعارض الطاجكستانى، هنا تحرك الناشط الروسى فى دائرة علاقاته داخل منطقة الشرق الأوسط، فأبلغ أحمد حجاب، وتحرك الأخير فى دائرة علاقاته لمعرفة تفاصيل عن كيفية دعم المعارض السياسى المحتجز، ومن شخص إلى آخر، نجحوا فى الوصول إلى تفاصيل عن مصير ذلك المعارض فى وقتها. هذه العملية بأكملها تعرف باسم «التشبيك»، وتقوم الفكرة على استغلال العلاقات فى خدمة قضية أو هدف.

ومع صعود ثقافة الانترنت فى السنوات الماضية، صعدت معها فكرة التشبيك بين النشطاء ومستخدمى الانترنت من أجل خدمة قضايا يؤمنون بها، ومن آخر تلك النماذج، كان التشبيك قبل فاعليات يوم 30 يونيو القادم، بين نشطاء فى مصر وتونس وتركيا، ورغم إنكار عدد من النشطاء المصريين لوجود هذا التشبيك بشكل عميق، إلا أن ذلك لا يمنع وجود تنسيق بين نشطاء الدول الثلاثة حتى لو لم يكن على المستوى المتوقع، مثل إصدار بيان قبل أيام عن عدد من النشطاء المصريين والتونسيين والأتراك يخاطب العالم الغربى، ويدعو إلى التضامن معهم فى يوم 30 يونيو القادم بعدة وسائل، منها التظاهر أمام سفارات الدول الثلاثة فى الخارج، أو بمخاطبة الوسائل الاعلامية الغربية والجهات الحكومية طلبا لرفع دعمها للنظم الحاكمة فى مصر وتونس وتركيا.

ومن أجل أن تصنع تلك الحالة من التشبيك بين نشطاء وتدعو آخرين لتبنيها، فإنك فى الغالب تستند إلى علاقات قد تكونت من قبل فى مناسبات سابقة حسبما يصف أحمد حجاب مرة أخرى قائلا: «بحكم اهتمامى بمجال الانترنت، زرت العديد من المؤتمرات والفاعليات حول العالم، وفى كل مرة تتسع دائرة العلاقات والمعارف، وتتكون دوائر جديدة حسب نوعية الفاعلية التى أحضرها، وفى لحظة ما تنشط تلك العلاقات من أجل هدف أو من أجل دعم قضية أو شخص.. بشكل عام فإن أغلب الفاعليات من ورش تدريبية أو مؤتمرات أو غيرها تهدف إلى التشبيك بين الحاضرين». وبعيدا عن عالم المؤتمرات والفاعليات المختلفة يوضح أحمد حجاب نقطة أخرى عن طبيعة الانترنت نفسها التى تقوم على فكرة الشبكات، فالقضية هنا تكمن فى كيفية توسيع دائرة معارفك ودعوتهم لتبنى قضيتك. «هذا ما يحدث على سبيل المثال فى موقع تويتر حين يضرب أحد المستخدمين عنوانا الكترونيا بعد رمز ويبدأ الجميع فى تكرار الأمر، فيمكن حصر المعلومات المتعلقة بقضية واحدة تحت عنوان واحد». فى المثال الذى طرحه أحمد عن المعارض السياسى الطاجكستانى، حدث تواصل عبر الانترنت مع شخصيات مؤثرة فى دبى من مستخدمى موقع تويتر للتدوين القصير، كذلك تم إبلاغ مسئولين فى الاتحاد الأوروبى ومؤسسات حقوقية دولية، وتم كل ذلك فى أقل من ثلاث ساعات لدعم الناشط المحتجز، وكانت الفكرة واضحة: عليك أن تصل إلى شخص مفيد، كى يوصلك إلى شخص أكثر إفادة.

يبدو مثال المعارض السياسى الطاجكستانى بعيدا، لكن فكرة «التشبيك» بين نشطاء على الانترنت، وتبادل الدعم مع آخرين قد تكون عنوان المرحلة القادمة مع ازدياد الضغوط السياسية فى مصر.
كما أن تلك الفكرة لا تقتصر على تيار بعينه، فقد مارسها أبناء التيار الإسلامى من قبل، أحد تلك النماذج كانت فى صفحة شهيرة على فيسبوك تضم أكثر من 300 ألف عضو، عنوانها: «هل تؤيد الوحدة بين الإخوان والسلفيين؟». ويمكن ملاحظة هذا النوع من التشبيك مع مجموعات أخرى إسلامية، مثل حركة «أحرار» الإسلامية التى ترجمت هذا التشبيك إلى مواقف عملية فى فاعليات تقام فى الشارع المصرى مع حركات أخرى إسلامية وغير إسلامية، وهو ما جعل بعض الاسلاميين ينتقدونها فى مواقف نسقت فيها الحركة مع حركات مدنية أخرى لا ترفع الشعارات الدينية.

ممنوع من السفر

هناك ثمن يدفعه من يتبنى هذا النوع من الأنشطة مثل مناصرة نشطاء فى بلدان أخرى على الانترنت، فعلى سبيل المثال تم منع بعض النشطاء العرب من دخول مصر بسبب مواقف سياسية تضامنية، أحد هؤلاء هو اللبنانى عماد بـَـزى الذى منع من دخول مصر بسبب زيارته للمدون مايكل نبيل أثناء قضائه فترة السجن بتهمة إهانة القوات المسلحة فى العام 2011.

«عادة ما يلجأ النشطاء إلى التواصل وتبادل الخبرات ومساندة بعضهم البعض لتكوين شبكات قوية، وهذا الأمر غالبا ما يزعج الأمن فى كل البلدان تقريبا وبشكل خاص فى الدول العربية». الحديث هنا لعماد بزى الذى كان قد انتقل قبل عامين إلى العمل الحقوقى فى تونس، ورصد مؤخرا نوعا من التشبيك بين حركات شبابية فى تونس مع مثيلاتها فى مصر من أجل يوم 30 يونيو القادم فى البلدين، وتوجيه ضربة سياسية لحكم الإخوان المسلمين فى البلدين.
«هناك تكتيكات واضحة تضمن لك الفوز والإقناع، أثناء مناصرتك لقضية، وعلى رأسها الاستعمال السليم لطرق مخاطبة الجمهور والإعلام، مرورا بالتشبيك مع من نسميهم Community Mobilizers أو المحركين الاجتماعيين، وهى شخصيات ذات قدرة على التأثير على شرائح كبيرة من الجمهور فيخدمون قضيتنا المستهدفة»، هكذا يستكمل الناشط اللبنانى عماد بـَـزى حديثه بصفته مدربا فى مجالات الدعم الحقوقى وأحد أوائل المدونين العرب منذ العام 1998.

المستخدم العادى

وسط كل هذه التفاصيل ما الذى يمكن أن يستفاده الفرد العادى من القيام بالتشبيك بين آخرين لدعم قضية ما؟ يعود أحمد حجاب المهتم بشئون الاعلام الاجتماعى، ليجيب: «إيمانك بقضية هو الذى يدفعك للقيام بهذا الدور». ثم يستطرد ضاربا المثال بحالة تكشف أهمية هذه الخطوة: «مؤخرا تم حجب مئات المواقع فى الأردن، هنا يكون دور مستخدم الانترنت فى اتخاذ موقف مضاد من هذا السلوك، حتى لا تنتقل العدوى إلى مصر فيما بعد، خاصة وأن الجميع يترقب ما سيسفر عنه يوم 30 يونيو القادم، لذا على المدونين والنشطاء المصريين أن يعملوا طوال الوقت على رفع الوعى بأهمية حرية التعبير والمعلومات، والتنويه عن حالة التضييق التى جرت فى الأردن، لإدخال آخرين فى دائرة المهتمين بمثل هذه القضايا ورفع الوعى بخطورتها حتى لا تتكرر فى مصر».

هل ما يقوم به نشطاء الانترنت من تشبيك، هو دور المؤسسات الحقوقية فى الأصل؟ يرى حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أنه لا يمكن إنكار دور الأفراد فى دعم الكثير من القضايا، غير أنه يرى أن ذلك يجب أن يكون خطوة تالية لدور المؤسسات، ويقول: «تصدر المؤسسات المعنية ذات المصداقية تقارير عن قضايا وأحداث، لابد أن تكون مرجعا يستند إليه الفرد قبل أن يبادر إلى التشبيك مع آخرين حول قضية، فعليك أن تتأكد عمن وماذا تدافع، وأن تستخدم بيانات سليمة!». ويشير أبو سعدة إلى قضية أخرى قد تكون من الأعراض السلبية لعمليات التشبيك العابر للحدود بين أفراد فى الداخل والخارج، قائلا: «فى أسوأ الأحوال قد يتعرض الفرد لاتهامات جاهزة من الجهات الأمنية، إذا ما كانت القضية ضد رغبات السلطة السياسية، هذا أمر وارد». لكن هذا الواقع لا يوقف نشأة دوائر وشبكات جديدة طوال الوقت.
**
أصول التشبيك
برز مفهوم التشبيك منذ تسعينيات القرن الماضى مع ازدياد دور المجتمع المدنى، وتقوم فكرة التشبيك على دعم مؤسسات المجتمع المدنى بعضها البعض من أجل قضية بعينها. ويرجع متخصصون بداية ظهور فكرة «الشبكات» بشكل عام إلى النصف الثانى من السبعينيات حين تكونت شبكات تضم منظمات غير حكومية فى عدد من الدول النامية للقضاء على الأمية فى العام 1976 بواسطة المجلس الدولى لتعليم الكبار، كما تكررت نماذج أخرى فى بداية الثمانينيات مثل «شبكة العمل الصحى فى آسيا»، حتى أصبحت فكرة الشبكة تقليدا أساسيا فى هذا المجال، ويدعم هذا الاتجاه طوال الوقت المؤتمرات والفاعليات المختلفة لخدمة القضية المستهدفة أيا كانت، حيث تتكون العلاقات التى تنشط فى وقت الحاجة. وتتكرر الفكرة مرة أخرى فى مجالات أخرى مثل، مجال الأعمال، حيث توفر بعض المؤسسات فرصا للشباب وتقوم بتشبيكها مع الحكومة أو مع الجهات الداعمة، كما يلعب التشبيك دورا آخر فى عالم النشطاء السياسيين والحقوقيين، وخاصة مع ازدياد الورش التدريبية أو المؤتمرات وغيرها. ومع صعود مواقع التواصل الاجتماعى على الانترنت، أصبح هناك حضور أكبر لفكرة التشبيك، إذ تحولت إلى طقس يومى، حين يدخل المستخدم إلى شبكة اجتماعية مثل فيسبوك أو تويتر على الانترنت، ويبدأ فى متابعة من لديه فى دائرة معارفه الشبيهة بالشبكة. وهنا تتجلى فكرة التشبيك فى إعادة نشر ما كتبه آخرون، وتشبيكهم مع غيرهم لديهم الاهتمام نفسه، كما نجحت الفكرة بشدة فى عالم التسويق الالكترونى.
**
«تمرد» عدوى ثورية عابرة للحدود

فى الفترة التى انتفضت فيها المعارضة التركية قبل أسابيع فى ميدان تقسيم باسطنبول، ظهرت موجة من صفحات الفيسبوك، تدعو إلى التنسيق بين ثلاث دول هى مصر وتونس وتركيا للتمرد على حكم الأحزاب الاسلامية فى 30 يونيو القادم، أغلب تلك الصفحات لم تكمل عملها، عدا مجموعات من الشباب التونسى، يعملون على تكرار تجربة «تمرد» على طريقتهم.
وليد المرداسى أحد الشباب التونسيين الذين بدأوا فى فترة مبكرة تدشين صفحات على فيسبوك للحشد من أجل «تمرد» التونسية، يقول: «أنا مثل بقية الشباب، أطلقت دعوة للقيام بالحملة، واتسعت الفكرة، وثمة شباب ناشط جدا نظموها، وكانت صفحتى دعوة فقط أكثر منها تنظيما». وعلى مدار الأسابيع الماضية كان التحضير يدور من أجل هذه الخطوة، وبدأت تتوزع مهام المتطوعين لتوقيع وجمع الاستمارات. وحسب تصريحات هيثم العونى، الناطق الرسمى باسم الحملة فى تونس، فإن تنسيقا قد حدث بين مجموعة تونس وشباب الناشطين من حملة تمرد فى مصر. لكن هل كان هناك تشبيك واضح المعالم بين نشطاء مصريين وتونسيين؟ تجيب مى وهبة المتحدث الاعلامى لحملة تمرد فى مصر: «الحقيقة.. أننا لم نقم بتنسيق مباشر مع أحد خارج الحدود المصرية لنقل فكرة تمرد، الأمر لا يتجاوز نقاشات بين نشطاء عرب فى البلدين، وكل يكمل الطريق بنفسه».


«أنونيموس».. رفيقك فى الكفاح
«الرسالة إلى جماعة الإخوان المسلمين.. موعدكم 30 يونيو القادم، نحن الأنونيموس ندعم حملة تمرد، وشعارنا: الشعب يختار». تلك الرسالة تضمنها فيديو نشر قبل أسابيع على عادة مجموعة أنونيموس (المجهولين) التى تضم آلافا من محترفى اختراق المواقع الالكترونية بهدف نصرة القضايا العادلة، وتم نشر هذا الفيديو على خلفية الاعتداءات التى تعرضت لها حملة «تمرد» فى مصر. تظهر فيديوهات «أنونيموس» باللغة الانجليزية، وبصوت آلى لا يكشف عن بصمة الصوت. «هناك تنظيم عالمى للمجموعة كان مسئولا عن عدد كبير من العمليات، آخرها وأكثرها شهرة العملية التى جرت ضد آلاف المواقع الالكترونية فى إسرائيل». يشرح أحد أعضاء مجموعة anonymideast كيف دخل إلى هذا العالم، إذ كان قد التقى مع أفراد مجموعته الحالية قبل سنوات فى منتديات الكترونية لتعليم فنون القرصنة واختراق المواقع الالكترونية. وبعد تكوين المجموعة شاركوا فى عمليات ذات طابع عالمى أعلنت عنها مجموعة «أنونيموس» العالمية، من أهمها العملية التى جرت فى إبريل الماضى ضد المواقع الاسرائيلية، عدا ذلك فقد شاركت المجموعة التى ينتمى إليها فى عمليات أخرى منها: اختراق الموقع الالكترونى للمهندس خيرت الشاطر القيادى بجماعة الإخوان المسلمين، ومواقع الحرية والعدالة، بما فى ذلك حساباتهما على موقع تويتر وشبكة فيسبوك، واختراق العديد من المواقع الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين. تعد مجموعة أنونيموس من أكثر النماذج التى تعبر عن فكرة التشبيك بين مجموعات مختلفة حول العالم، «هذا التنظيم صعب جدا الوصول إلى القائمين عليه وتتم اجتماعاتهم بسرية شديدة»، هكذا يوضح عضو مجموعة anonymideast التى تعمل بالمنهج نفسه، أما المعتاد والمتعارف عليه لدى مجموعات «أنونيموس» حول العالم أن يتم التواصل بينهم عبر برامج معينة للشات، وفى مساحات مخفية من شبكة الانترنت تعرف باسم «الانترنت العميق» (deep web)، حيث يصعب تتبعهم أو تحديد مواقعهم فى هذه المساحات المخفية من عالم الانترنت، والتى لا يزورها بطبيعة الحال المستخدم العادى للشبكة العنكبوتية.
ويطارد الهاجس الأمنى العديد من الذين اختاروا أن يكونوا «أنونيموس»، لذا تحاورنا معهم عبر حساباتهم المؤقتة على فيسبوك. نشأت النواة الأولى لمجموعة أنونيموس العالمية قبل حوالى عشر سنوات فى منتديات تعلم فنون القرصنة الالكترونية، ويشير لفظ «أنونيموس» فى عالم الانترنت إلى المستخدم المجهول، وهو اللقب الذى اتخذه عدد من القراصنة فى ذلك الوقت، حتى كانت بداياتهم كحركة عالمية فى العام 2008، اتضح خلالها العمل الجماعى المنظم حين قاموا ببعض العمليات الداعمة لموقع تسريب الوثائق السرية «ويكيليكس»، فاخترقوا عددا من المواقع الالكترونية الخاصة بشركات تسديد الأموال عبر الانترنت بعد أن فرضت حظرا اقتصاديا على دعم موقع ويكيليكس. وتحولت «أنونيموس» منذ ذلك الوقت إلى الانتماء لأفكار ومواقف، خاصة بعد أن اتخذت المجموعة مواقف مساندة لثورات الربيع العربى، وكذلك ضد المؤسسات التى تهدد حرية تداول المعلومات، وضد الأنظمة الاستبدادية حول العالم. تلك الرسالة الأخيرة التى وجهتها «أنونيموس» العالمية إلى النظام الحاكم فى مصر، ليست الأولى من نوعها، إذ أن المجموعة العالمية لديها أعضاء مؤسسون فى المنطقة العربية، يطلعونهم على حقيقة الموقف، حتى لا تتبنى المجموعة العالمية عمليات فى غير موضعها، أحدهم اختار أن يتواصل معنا تحت اسمه الحركى «Cyber-Terrorist»، هو مؤسس ومنسق لمجموعة أنونيموس فى الوطن العربى، وكان أحد من حددوا المكان الذى رفع منه الفيديو الخاص بالجنود المصريين أثناء اختطافهم فى شمال سيناء، إذ أن لدى المجموعة من الوسائل ما يمكنها من تحديد الموقع، بل وإرسال البيانات التى توصلوا إليها إلى الجهات المسئولة. لا يفوت «Cyber-Terrorist» أن يختم موضحا قواعد تعامل الأنونيموس قائلا: «نحن على استعداد لمساعدة السلطات فى تتبع أى شخص فى العالم، لكننا لا نقبل التمويل أو المساعدات المالية من أحد، ولا يستخدمنا أحد كأدوات عقاب أو تصفيات شخصية». ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عمليات جديدة ضد مواقع الكترونية، تخص جماعة الاخوان المسلمين ووزارة الداخلية المصرية، فى حالة وقوفها ضد رغبات المتظاهرين فى 30 يونيو المقبل.

PDF

Wednesday, June 12, 2013

حكايات الشباب داخل الأحزاب

يقاومون التهميش في عالم السياسة
عبدالرحمن مصطفى
"فى نيتى أنا وعدد من الشباب أن نؤسس كيانا حزبيا جديدا، على أمل أن تكون لنا تجربتنا التى تحكمها عقلية الشباب الثورى، بعيدا عن الشكل التقليدى للأحزاب». لم يختلف حال أحمد الجناينى (36 سنة) هو وزملاؤه عن كثير من الشباب الذين لم يعرفوا طريق السياسة إلا بعد الثورة، ويتبدل حديثه إلى السعادة والفخر حين يتلو سجل مشاركاته فى عشرات الفعاليات التى خرج منها بإصابات واعتقال سابق، حتى توصل مؤخرا إلى قناعة ملخصها أن الشباب الذين اندمجوا داخل الأحزاب لم ينجحوا فى فرض أفكارهم وأسلوبهم على الواقع السياسى الحالى.
لم تكن نسبة الشباب الذى يبدى اهتماما قويا بالسياسة تتعدى 6% فى العام 2010 حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة تحت عنوان «شباب مصر بناة المستقبل»، أما فى 2013 فقد تكونت شريحة اندمجت فى العمل الحركى بما فيه من فعاليات واشتباكات متتالية مع السلطة، وانتقلوا إلى العمل داخل أحزاب نشأت بعد الثورة، «فى أحداث شارع محمد محمود 2011 كان واضحا أن الشباب المشارك فى الفعاليات والاشتباكات المتتالية قد أنتج مجتمعا صغيرا، قرر أن يجرب طريق الحزبية»، ينقل أحمد الجناينى فى حديثه تلك الحالة من الزهو التى كانت مسيطرة على الشباب آنذاك، تجلت فى هتافات من نوعية «ياللى بتسأل إحنا مين.. إحنا شباب خمسة وعشرين». لكن تلك الحالة واجهت واقعا جديدا داخل الأحزاب ما زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم.
بعد انضمامه إلى حملة دعم البرادعى، ثم حركة «حقنا» التى تكونت بعد انسحاب البرادعى من سباق الرئاسة، كان طوق النجاة بالنسبة إليه هو و زملائه فى حزب الدستور برئاسة الدكتور محمد البرادعى. وعلى مدى أكثر من عام كانت الفجوة قد بدأت تتضح بين تلك الشريحة من الشباب الثورى، وشريحة أخرى من السياسيين الأكثر اعتيادا على أجواء العمل الحزبى، «فى الحقيقة لم تظهر داخل الحزب قيادات جديدة من الذين قذفت بهم الثورة إلى العمل السياسى، وظلت نفس النخبة ذات الصلة بالإعلام والعلاقات القديمة بالسياسة فى الواجهة، وهو ما لم يتحمله البعض».
حسبما يكمل أحمد الجناينى العضو السابق فى حزب الدستور، فإن تلك الحالة أقلقت بعض الشباب من أن تكتمل الصورة بدونهم، وأن يظلوا «حطبا» للعمل الحركى والجماهيرى دون تقدير لدورهم فى صنع الحدث، أما الجانب الأوضح فى الصورة فهو أن هذه الشريحة من الشباب ذات الطابع الثورى كانت أكثر تمردا على الطابع التقليدى للمؤسسات الحزبية، هذا ما يتفق معه شاب مثل أحمد الجناينى، الذى لم يعد يحمل مرارة لتركه تجربة حزبية شارك فى بنائها، إذ يختم قائلا: «يارب يكون حزب الدستور أحسن حزب فى العالم، بس أنا عايز أدور دلوقت عن تجربتى الخاصة، وفيه ناس اختاروا معايا نفس الطريق».
فى انتخابات حزب الدستور الأخيرة التى أقيمت فى 31 مايو الماضى، طالب الدكتور محمد البرادعى، رئيس الحزب، الشباب بنبذ الخلاف والبدء فى العمل الاجتماعى والسياسى من خلال الحزب. ووسط تلك الأجواء كان سيد إبراهيم (31 سنة)، عضو أمانة العباسية والظاهر وباب الشعرية، ما زال متمسكا بانتمائه للحزب محاولا تجاوز تلك المرحلة معلقا: «مشكلتنا أننا أسرع من أبناء الجيل السابق الذى احترف العمل الحزبى والسياسى لسنوات، ورؤيتنا أوضح». يضرب سيد مثلا بجمعة كشف الحساب فى أكتوبر من العام الماضى، حين بدأت اشتباكات بين أبناء التيار الإسلامى والتيارات المدنية، إذ يوضح سيد إبراهيم: «كانت تأتينا مكالمات من الحزب أن ننسحب خشية تصاعد الموقف، وكانت القيادات حساباتها سياسية، بينما كانت حساباتنا نحن وشباب القوى الأخرى المتضامنة معنا ثورية تماما».
هذه المساحة التى تتحرك فيها هذه الشريحة من الشباب تجعلهم أحيانا على خلاف مع شباب من أحزاب أخرى إذا لم يعبروا عن مواقفهم الثورية بوضوح، على سبيل المثال فإن سيد إبراهيم نفسه كان عضوا فى حملة دعم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح لرئاسة الجمهورية، ورغم ذلك لم ينضم بعدها إلى حزب مصر القوية، ويقول: «حتى الآن يدعوننى بعض الأصدقاء فى حزب مصر القوية للانضمام إليهم، وربما يكون هذا الحزب أفضل من ناحية الهيكلة وتمثيل الشباب فى مراكز القيادة، لكن هناك تذبذبا فى مواقفه الثورية والجذرية».

أهل الثورة وأهل الخبرة
نال حزب «مصر القوية» عددا من الانتقادات التى يمكن ملاحظتها بسهولة على حسابات النشطاء فى فيس بوك وتويتر، إذ تكفى جولة بسيطة على الإنترنت حتى نرى تلك الألقاب الساخرة التى نالها الحزب، وأشهرها تلقيبه بـ«مصر الطرية» كبديل عن «مصر القوية»، أو أن تظهر بعض «القفشات» كتلك التى ذكرت أن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح سيعلن عن تدشين حملة «تردد»، كبديل عن حملتى «تمرد» و«تجرد»، فى إشارة إلى الموقف الوسطى الدائم الذى يتبناه الحزب.
«فيه حالة استقطاب سياسى حادة فى مصر، على طريقة إما معى أو ضدى، والناس مش بتقدر قرارات الحزب إلا بعد وقت». التعليق للمهندس محمد هيكل ــ الأمين العام المساعد فى حزب مصر القوية، الذى يرى أن الحزب يعبر عن قناعاته وليس عن تحالفات وقتية قصيرة المدى، مضيفا أن النقطة الأهم فهى أن ملامح السيرة الذاتية للكثير من قيادات الحزب تكشف عن خلفية مشتركة، إذ مارس كثيرون منهم العمل التطوعى أو الخيرى قبل سنوات وهناك من لهم خلفية تنظيمية سابقة فى جماعة الإخوان المسلمين، فهل أعطى ذلك طابعا جعلهم أكثر اندماجا مع روح العمل المؤسسى داخل الحزب، بما يتبع ذلك من انصياع لنتائج التصويتات أو القرارات الجماعية؟ المهندس محمد هيكل نفسه كان عضوا سابقا فى جماعة الإخوان المسلمين، كما عمل لعامين مع «صناع الحياة»، وانضم إلى الحملة الشعبية لدعم البرادعى، ما يجعله يقول معلقا: «هناك ملامح مشتركة لأعضاء الأمانة العامة فى الحزب، فهناك بالفعل من كانت لهم خبرات فى عمل مؤسسى ذى طابع تنموى أو خدمى، ما أكسبهم أداء أكثر احترافا.
تبدو تلك الحالة من التجانس بين أعضاء حزب «مصر القوية» قريبة من نموذج آخر هو حزب «التحالف الشعبى الاشتراكى»، الذى لا يخلو من صراعات داخلية دون أن تصل إلى حد الاشتباك بين الشباب الثورى والجيل التقليدى الأكبر سنا، لكن ذلك لم يمنع وجود بعض المنغصات التى يواجهها الشباب داخل الحزب، هذا ما ظهر بشكل مستتر بعد انتخابات المكتب السياسى لحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، حين لم يجد بعض شباب الحزب متنفسا للتعبير عن قلقهم سوى موقعى فيس بوك وتويتر، حيث اختصر البعض مرارته من نتائج الانتخابات فى أن «التجمعيين المنشقين عن حزب التجمع قد ربحوا فى انتخابات المكتب السياسى لحزب التحالف الشعبى الاشتراكى»، بينما كتب شباب آخر دعوة للتفاؤل مستدلين بالفارق البسيط (5 أصوات) الذى كسب به طلعت فهمى ــ صاحب الخبرة السياسية فى حزب التجمع سابقا ــ منصب الأمين العام، أمام الناشطة الشابة إلهام عيداروس.
«ما من شك أن هناك ضيقا يعيشه بعض الشباب من استمرار تعبيرات من نوعية: القيادة التاريخية، والحنكة السياسية، وهو ما يمثل أمرا محبطا لشباب قضوا أوقات كثيرة فى العمل الجماهيرى، وكلهم رغبة فى جنى حصاد تعبهم، وفرض قواعد جديدة للعمل الحزبى». العبارة للمهندس محمد سند، عضو المؤتمر العام لحزب التحالف الشعبى الاشتراكى الذى انتقل قبل عامين فقط إلى العمل الحزبى، دون خلفية تنظيمية أو سياسية قبل عام 2011، مثله فى ذلك كمثل شريحة واسعة من شباب الحزب الذين اجتذبهم الفكر الاشتراكى.
«ما يحدث حاليا أن الأجيال الأكبر أكثر احترافا فى عالم الانتخابات داخل الأحزاب، لأنهم يجيدون فن التعامل مع الصناديق الانتخابية والتربيطات السياسية طوال الوقت، على عكس الأداء العفوى لأغلب الشباب، وهذا ليس خطأ الشباب، فسيأتى وقت ويفرض الجيل الشاب قواعده فى العمل السياسى والحزبى».
لماذا لا ينفجر الموقف بين الشريحة الأكبر سنا القادمة من حزب التجمع (الأكثر تقليدية) فى مواجهة الجيل الشاب الأكثر ثورية؟ يجيب محمد سند، قائلا: «ببساطة لأننا كلنا اشتراكيون، وهذا ما يوحدنا داخل الحزب ويقلل من روح العداء، إذ إن المرجعية السياسية الواحدة تنظم علاقاتنا داخل الحزب». وتحت ضغوط العمل الحزبى الجديد على شباب أدمنوا الثورة، يظل الخيار مطروحا بين استكمال المسيرة حتى يفرض الشباب أسلوبهم على العمل الحزبى، أو الاكتفاء بنوع آخر من العمل الحركى والجماهيرى فى الشارع.


حركة «تمرد».. طوق النجاة للحركات الثورية
عبدالرحمن مصطفى
لا يخفى سامح حسن زهده فى الانضمام لأحزاب سياسية قائلا: «تهدف الأحزاب إلى الوصول إلى السلطة ودخول البرلمان، أما أنا فليس لدىّ طموح سياسى، لذا اخترت البقاء فى العمل الحركى، بحيث أدير أى فعالية أو أشارك فى أى حملة وأنا حر من أى قيود». هذا الاختيار الذى ذكره سامح، عضو «جبهة ثوار حدائق القبة»، له ضريبة يدفعها من لا يملك شرعية الأحزاب أو توافر المقر الدائم، فحسبما يصف سامح حسن (34 سنة)، فإن ضعف الإمكانات وغياب المقر، دفعا أعضاء جبهة ثوار حدائق القبة فى بداية عملهم إلى الاجتماع فى الحديقة العامة أمام القصر الجمهورى بالقبة.
وعلى مدى أكثر من عامين ماضيين، كانت المهمة تتنوع، بدءا من المشاركة فى حملة توعية «امسك فلول» التى تكشف عن أعضاء الحزب الوطنى السابقين لمنعهم من المشاركة السياسية، وحملات «عسكر كاذبون»، والتنسيق بين المسيرات وتأمينها، ورسم الجرافيتى داخل نطاق الحى، حتى تطور الأمر مع أبناء الحركة أن شاركوا فى التنسيق لجمعة «كش ملك» التى أقيمت فى فبراير الماضى أمام القصر الجمهورى بكوبرى القبة، وسط عشرات الحركات الثورية. يوضح سامح حسن: «اندماجك فى العمل الحركى على فترات متباعدة، يعرضك لمشاكل وإحساس بالعجز أحيانا، حين يتكرر معك نفس السيناريو دون جدوى، فتجد أحدهم يبدأ بإلقاء المولوتوف، ثم تبدأ الاشتباكات العنيفة مع الأمن، لذا فقد كانت حملة تمرد بطابعها السلمى طوق نجاة لكثير من الحركات الثورية التى عاشت ركودا فى الأسابيع الماضية».
هناك بين زملاء سامح حسن فى جبهة ثوار حدائق القبة، أعضاء فى أحزاب، منهم شريف حفنى أحد المؤسسين وعضو حزب الدستور، ورغم أن فكرة جمع توقيعات رافضة لوجود الرئيس محمد مرسى تعود إلى أحد القيادات الشابة بحزب الدستور، والتى تحولت إلى حملة «تمرد» فى وقت لاحق، فإن تنفيذها كان بالدرجة الأولى معتمدا على الحركات الثورية والمستقلين الذين عملوا فى مناطقهم الجغرافية. ويعلق شريف حفنى، العضو المؤسس فى جبهة ثوار حدائق القبة، قائلا: «حين نتحرك كحركة ثورية، فبإمكاننا أن نمر بين الحارات لجمع التوقيعات، بل وطرق أبواب المنازل إذا أردنا.
ولأن مثل تلك المجموعات تواجه ضعفا فى تمويلها وانتظام اجتماعاتها، إلى جانب غياب التفرغ، فلا سبيل لها سوى فى التحالف مع حركات شبيهة، على سبيل المثال فإن أقرب الحركات جغرافيا لجبهة ثوار الحدائق هى حركة «العباسية مش تكية»، ومؤخرا كوّن عدد من الشباب مجموعة «درع الزاوية» فى منطقة الزاوية الحمراء المجاورة. وتكفى زيارة إلى صفحتهم على فيس بوك للكشف عن تفاصيل وصراعات داخل نطاق جغرافى ضيق يواجهونها فى مواجهة أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بسبب توزيع استمارات «تمرد» فى الحى. هذه البساطة والعفوية نفسها هى ما يميز حملة «تمرد بصفة عامة، فهى لا تهتم بالكيانات الكبرى، كما يقول إسلام همام، عضو اللجنة المركزية لحملة «تمرد»: «نتعامل منذ بداية الحملة مع المتعاونين معنا على أنهم كيانات، أيا كان الاسم، لأننا نستهدف جميع المصريين كمتعاونين سواء كانوا أفرادا أو حركات ثورية أو أحزابا سياسية». تلك الروح تظهر فى استمارة «تمرد» نفسها، إذ يتعهد الموقع بالتمسك بأهداف الثورة والعمل على تحقيقها.
PDF