Friday, March 24, 2006

إنصافا لعمرو خالد

إذا ما وقع صدام بين طرفين.. فأيهما أفضل، الانغلاق على الذات والبحث عن الانتقام من الطرف الآخر، أم مصارحته والتحاور معه حول المشكلات القائمة بين الطرفين..؟؟ إن خيار البعد عن الحوار قد يفضي إلى قطيعة قد تدوم لسنين طويلة يترسخ خلالها الشعور بالكراهية حين تستمر أسباب الغضب كما هي دون علاج أو مناقشة.. ويتجه البعض في مثل تلك المواقف إلى البحث عن الانتقام من الطرف الآخر بأي وسيلة كانت، ويعتبر هذا الانتقام نصرا أوشيئا من التفوق، علما بأن القوة دائما ما كانت تتجلى في قوة المنطق و استخدام الحجة عند الإقناع.. فهكذا كانت عظمة الأنبياء والقادة والزعماء حين تكمن قوتهم في قدرتهم على إدارة المواقف الصعبة ومواجهة الآخرين، لابصب اللعنات ومحاولات الثأر.
قد يرى بعض المسلمين أن الإساءة الدنماركية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم – التي قام بها أفراد قليلون- هي متعمدة ومقصودة ومَرْضِـي عنها من الشعوب الغربية.. ولعل أصحاب وجهة النظر تلك يُسقطون من حساباتهم عامل اختلاف الثقافات وتضارب الرؤى بين الجانبين الإسلامي والغربي بشأن تقدير الأديان والأنبياء، وقد بدت السعادة واضحة على بعض الأوساط الإسلامية بسبب حالة الغضب التي عمَّت أرجاء البلدان الإسلامية كالتظاهرات وحملات المقاطعة، حتى وصف البعض حالة الغضب تلك بتعبير "الصحوة"، مما جعل مبادرة الداعية عمرو خالد ومن معه من علماء المسلمين في اختراق أرض الآخر وعرض ما بداخل نفوس المسلمين من غضب وصدمة أمام الطرف الآخر سببا في اتهامه بالانتهازية، ومخالفة المجموع، وفي السخط عليه، حتى وصف البعض مبادرته بالفشل..!
ودعونا ننظر الآن ماذا فعل عمرو خالد... لقد أخذ بأيدي مجموعة من الشباب إلى الغرب كي يُعَـبروا عما بداخلهم من غضب ويواجهوا (الآخر) بحقيقة مشاعرهم تجاهه في رمزية تعبر عن دعوة شباب الأمة إلى الاتجاه إلى فكر جديد يمارس الفعل، ولا يكتفي برد الفعل... وذلك في الوقت الذي نجد فيه بعض الشخصيات في المجتمع الإسلامي تصر على "استثمار حالة الغضب الإسلامي" وتأجيجها، طارحين تعبيرات "الصحوة" و"الوحدة الإسلامية" في وصف حالة الجماهير الغاضبة، حتى وإن صاحب هذا الغضب بعض التهور... وكأن مثل تلك الممارسات قد حلت الأزمة أو أعطت ضمانات لعدم تكرار الإساءة مرة أخرى، إن مثل تلك الوضعية الأخيرة التي تعتمد على تحفيز غضب الجماهير من المؤكد أنها ستصنع شبابا ليس لديه القدرة على التحاور أو التعبير عن آلامه ومشاكله للآخرين.. وستصنع شبابا أكبر أمانيه أن ينتظر إشارة الاحتشاد بأمر آخرين رافعا صوته لمن يزيده حماسا، فيترك مهمة الحوار إلى الاحتفاليات الثقافية الحكومية الشكلية. وإنصافا للداعية الشاب عمرو خالد ومن سانده في مثل تلك المبادرة الأخيرة، فقد طرح الرجل فكرة إمكانية النقاش على طاولة واحدة بين أطراف – غير رسمية- بغرض التعرف على خلفيات كل طرف، والتحسب لأثر الاختلافات بين الطرفين على المستقبل، مع ترك الأمور الإجرائية للحكومات والجهات الرسمية، وهذا الاتجاه جاء كبديل عما يمارسه البعض من تلاعب بحالة الجماهير المزاجية، وتحفيز غضبهم وتصوير مظاهر غضبهم على أنها مظاهر نصر وقوة.

إن فكرة الحوار هي فكرة جديرة بالاحترام و تستحق التطبيق على الصعيد الداخلي في داخل المجتمعات الإسلامية، حيث بؤر الفتن والتجمعات المنغلقة التي لاتقبل التنوع في داخل الأمة الواحدة، سواء بين أبناء الدين الواحد (الإسلام) أو بين المسلمين وغير المسلمين. ولعلنا نتساءل الآن.. ماذا لو كان رسام الكاريكاتيرات المسيئة للنبي الكريم من العرب غير المسلمين.. كيف كانت ستدار الأمور..؟!وماذا لو وقعت حالات إثارة للفتنة بين السنة والشيعة.. هل سيكون "استثمار حالة الغضب والحفاظ على ثباته" مفيد للطرفين..؟! وهل سنظل على نهج حشد الجماهير الغاضبة في مواكب استعراضية، والسعي لتركيع الآخر، بدلا من مصارحته بخطئه، وتقديم مطالبنا أمامه..؟؟

إن فكرة السيطرة على الجماهير وتوجيه غضبها في أمور شكلية دون مواجهة أسباب الغضب هي إحدى مشاكل مجتمعاتنا التي تنقل غضبها دوما إلى أمور أخرى دون مواجهة أصل المشكلة، مما يزيد من مشكلات مجتمعاتنا، ويسهم في تأخرها.
ـــــــــــــــــــــــــــ

Saturday, March 4, 2006

هل نقل الإساءة إساءة؟

سؤال أثارته الأزمة الدنماركية

وسط حالة الغليان التي أصابت الشارع العربي بسبب الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية المسيئة للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- قامت بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية بإعادة نشر تلك الكاريكاتيرات المسيئة ضمن مادة صحفية أو إخبارية، فأدى هذا في بعض تلك الحالات إلى حبس وإقالة عدد من الصحفيين والإعلاميين المسئولين عن النشر، وتم إيقاف عدد من المطبوعات في حالات أخرى... ومازال هذا الموقف قابل للتكرار في الفترة المقبلة.

ـــ إقالات وحبس

لعل جهاد المؤمني رئيس تحرير صحيفة "شيحان" الأردنية من أوائل ضحايا تلك المجزرة عندما تم إيقافه عن العمل من قبل الشركة مالكة الصحيفة بعد نشر الكاريكاتيرات المسيئة، وقد تم اعتقاله بتهمة "إهانة الشعور الديني" رغم قوله بأن النشر كان بغرض تعريف الجماهير بتلك الصور، ولم يكن المؤمني الصحفي الأردني الوحيد الذي تم التنكيل به لهذا السبب، بل كان معه زميله الصحفي هاشم الخالدي رئيس تحرير "المحور" الذي تم حبسه مع المؤمني بتهمة جديدة وهي "إطالة اللسان على أرباب الشرائع من الأنبياء" بعد أن تم توبيخه من قبل نقابة الصحفيين الأردنية.
وفي اليمن تم حبس ثلاثة رؤساء تحرير يمنيين قاموا بإعادة نشر الكاريكاتيرات الدنماركية المسيئة بصحفهم "يمن أوبزرفر"، و"الرأي العام"، و"الحرية"، وقامت وزارة الإعلام اليمنية بإلغاء تراخيص تلك الصحف رغم تأكيد الصحفيين الثلاثة على أن النشر قد جاء كضرورة صحفية، و جاء في بيان صادر عن جريدة "يمن أوبزرفر" أن النشر قد جاء بطريقة لا توضح معالم الصور بأن وضعت علامة (إكس) كبيرة عليها تعبيرا عن موقف الجريدة من تلك الصور.
وتكررت مشاهد الحبس لرؤساء تحرير في الجزائر.. فأقيل رئيسي تحرير جريدتي "إقرأ" و"الرسالة" الصحفيان كاحل بوسعد و بركان بودربالة اللذان أكدا على أن النشر كان بغرض التوضيح للقراء.. في الوقت الذي لم تسلم فيه بعض القيادات الإعلامية في التلفاز الجزائري من الإقالة، فقد أقيل مدير "قناة الجزائر" الحكومية الناطقة بالفرنسية والموجهة إلى أوروبا و معه بعض العاملين بعد عرض الصور المسيئة ضمن نشرة الأخبار.
ومازال هذا المسلسل دائرا بين الأقطار العربية حتى وصل إلى السعودية فأصاب جريدة "شمس" السعودية التي تم إيقافها لأجل غير مسمى بسبب إعادة نشر نفس الكاريكاتيرات رغم استنادها في ذلك لفتاوى دينية ترفع عنها هذا الحرج.

ـــ نظرة سياسية

إن النظرة إلى إعادة نشر الصور المسيئة للأنبياء على أنها تكرار للإساءة هي نظرة سياسية بحتة، والدليل على ذلك أن مصر التي تعرض فيها رئيس تحرير جريدة الأخبار اليومية محمد بركات للتوبيخ من قبل مسئولين في الدولة ونواب برلمانيين بسبب إعادته نشر تلك الكاريكاتيرات المسيئة، لم نر فيها تلك الإجراءات عندما نشرت نفس تلك الرسوم الكاريكاتيرية في جريدة الفجر الأسبوعية في فترة مبكرة من الأزمة وقبل توهج مشاعر المسلمين. بل إن جريدة الأهرام المصرية قد نشرت منذ مدة هي ومعها صحف عربية أخرى صورا ورسوما مسيئة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والسيدة مريم العذراء والتي قام بها مستوطنون إسرائيليون ولم يحدث اعتراض وقتها على نشر تلك الصور، ولم يحدث أن تدخل الأمن لجمع أعداد الجريدة مثلما حدث مع يومية الأخبار السابق ذكرها والتي رجحت بعض المصادر أن رئيس تحريرها قد يتعرض للعقاب عما قريب.. خصوصا وأن قطاع الصحافة في مصر خاضع بطريقة ما لسلطان الحكومة المصرية والتي تتحكم في اختيار قياداته.

ـــ كبش فداء

كان عدد من الصحف الغربية قد أعاد نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم تضامنا مع الجريدة الدنماركية بدعوى مساندة حرية الرأي الأمر الذي زاد من استفزاز مشاعر المسلمين، وكانت التظاهرات تزداد سخونة في العالم العربي والإسلامي في الوقت الذي لم تستطع فيه الحكومات العربية اتخاذ أي إجراء ضد تلك الصحف الغربية، مما جعل إعادة نشر تلك الصور في المطبوعات العربية يمثل مثيرا شرطيا للعجز العربي، لذا كان الإجراء الوحيد الذي من الممكن أن يتخذ يقتصر فقط على الصعيد الداخلي.. ورغم أن كل من تعرضوا للحبس أو الإقالة من الصحفيين أو الإعلاميين العرب كانوا قد أكدوا أن النشر جاء ضمن مادة صحفية لا أكثر، بل إن بعض تلك الصحف عملت ضمن حملة التنديد بالرسوم الكاريكاتيرية و(نصرة الرسول).. إلا أن هذا لم يشفع لها، بل وجدنا على سبيل المثال أن الديوان الملكي الأردني يصف إعادة النشر بأنها " إفساد في الأرض لا يمكن قبوله"، ووزارة الإعلام اليمنية تسارع في إلغاء تصاريح ثلاث صحف، والأمن المصري يتدخل لسحب أعداد من جريدة احتوت على تلك الرسوم المسيئة.. مما يوضح أن كل تلك الإجراءات كانت خشية انتشار الصور بين الناس وزيادة انفعالهم وأن ينعكس ذلك على الأوضاع الأمنية الداخلية في توقيت اتضحت فيه عدم قدرة الحكومات على مواجهة الاستفزازات الإعلامية الخارجية.
لكن مثل تلك الإجراءات ضد الصحفيين العرب قد أثارت المدافعين عن حرية الصحافة فقد طالبت منظمة هيومان رايتس ووتش حكومات كل من الأردن واليمن والجزائر أن تسقط فوراً التهم الجنائية الموجّهة إلى المحررين والصحفيين اللذين أعادوا نشر الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد في صحفهم.. إلا أن مثل تلك الدعاوى والمطالبات قد خفت صوتها وسط صخب التظاهرات وموجات الغضب الشعبية.

ـــ رأي الدين

ومما يجعل من تلك القضية قضية مثيرة للجدل أن بعض رجال الدين الـثـقاة قد ذهبوا إلى أن إعادة نشر تلك الصور بغرض التوضيح فقط لا يُحمِّـل من يعيد نشرها أي ذنب، بل والأكثر من هذا أن بعض القنوات الفضائية ذات الطابع الدعوي مثل قناة المجد الفضائية قد عرضت تلك الصور المسيئة للجماهير ضمن أحد برامجها، هذا إلى جانب إعادة نشرها في عدد من القنوات التلفزيونية ضمن برامج تلفزيونية شهيرة تناولت قضية الرسوم الدنماركية ومرت الأمور بسلام. وحتى الآن لم تظهر فتاوى بارزة لمناهضة إعادة نشر تلك الكاريكاتيرات سوى فتوى نــُسبت للشيخ عبدالرحمن السحيم الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية و الأوقاف السعودية وعضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض قال فيها بعدم جواز تكرار نشر تلك الصور حتى لو كان الأمر بغرض التعريف، واستدل الشيخ على ذلك بأن ضرب مثلا بأنه لا يجوز تحذير الناس من الزنا بعرض صور إباحية (!).. وعموما فالرؤية الدينية للقضية لم تكن سببا وراء ما جرى من حبس أو إقالات لعدد من الصحفيين والإعلاميين العرب.
فعلى جانب آخر أكثر أهمية نجد أن السيرة النبوية قد ضمت نصوصها بعض أقوال مناهضي الدعوة المحمدية وفيها إساءة للرسول محمد - صل الله عليه وسلم - وحوتها لنا الكتب إلى يومنا هذا، بل وعرض القرآن الكريم وجهات نظر مناهضي النبي بما تحوي من افتراءات وإساءات له، كقوله تعالى : وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) الصافات، أو كقوله أيضا : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) الفرقان.. وكل تلك الآيات تنقل إساءات تعرّض لها الرسول، فكانت الآيات ناقلة لأقوال مناهضي الرسول بغرض التوضيح وليس الإساءة.
إن ما حدث طوال الفترة الماضية – وما قد يحدث لاحقا – من تضييق على الصحافة وإسقاط لمشاكل داخلية على بعض الصحفيين والإعلاميين ممن تم حبسهم أو إقالتهم لم يستند إلى مرجعية دينية أو حتى أخلاقية بقدر ما كان ممارسات سياسية نتمنى ألا تتكرر وأن يتم رفع الظلم عمن ظلموا ضمن تلك "المجزرة الدنماركية" للصحافة العربية
ــــــــــــــــــــــــــــ