Thursday, August 13, 2009

الاسكندرانية غاضبون من زوار الصيف

الخميس 13 اغسطس 2009

عبدالرحمن مصطفى
هل الإسكندرية مدينة للسكندريين فقط؟
قد يبدو سؤالا ساذجا لا يتواءم مع ضخامة مدينة مليونية مثل مدينة الإسكندرية، تضم أكثر من 4.5 مليون نسمة ويدخلها يوميا فى فترة الصيف حوالى مليون مواطن أغلبهم من أصحاب زيارة اليوم الواحد.

لكن هذا السؤال ما هو إلا نافذة نطل منها على إحساس شريحة من السكندريين بالغربة داخل مدينتهم فى أشهر الصيف مع ازدياد أعداد زوار المدينة بشكل واضح.
خالد الجويدى كان هو من طرح نص السؤال السابق بين زملائه الشباب من خلال مجموعة إلكترونية تحمل اسم «للشباب والبنات المقيمين فى إسكندرية فقط» على شبكة فيس بوك الاجتماعية، حيث اجتمع أكثر من 1000 شاب تتراوح أعمارهم حسب شروط المجموعة بين 16 و22 سنة.

جاءت ردود الأفعال على سؤاله محملة بمظاهر الغيرة على الإسكندرية، فبعضهم عاب على السلوكيات الفجة لبعض المصطافين وزوار المدينة، والبعض الآخر انحصر فى سرد آلام سكان الإسكندرية فى فترة الصيف. وهو ما تتفق معه أحلام عبدالباقى مدرسة فى إحدى المدارس الخاصة ــ إذ تصور ازدحام المدينة صيفا كألم يومى يعيشه كثير من السكندريين.
تقول: ازدحام المدينة بشكل جنونى ليلا وامتلاء الشواطئ طوال فترة الصيف بمصطافين لديهم ثقافة مختلفة وليس لديهم الاهتمام أو الحرص على نظافة المكان، يمثل عبئا على المواطن السكندرى العادى الذى لا يستمتع بمدينته إلا بعد مرور أشهر الصيف.
تذكر أحلام أنها اتجهت هذا الصيف على عكس المتوقع إلى القاهرة لزيارة الأماكن الترفيهية بها، إلى جانب رحلة أخرى سريعة إلى مرسى مطروح بعيدا عن شواطئ الإسكندرية.

اختلاف ثقافة زوار المدينة عن أهل الإسكندرية قد يصنع أحيانا مواقف طريفة أو مفارقات كالتى يرويها أيمن سائق تاكسى عن راكب استقل التاكسى من منطقة الرمل حتى محطة القطار فى سيدى جابر، ثم أعطاه مقابل هذا المشوار جنيها واحدا، ويقول أيمن «لا أعرف إن كان بالفعل لا يستطيع تقدير أجرة التاكسى أم أنه كان كما قال دفع المبلغ تلقائيا مثلما اعتاد فى مدينته الصغيرة بمحافظة البحيرة، حيث لا يدفع فى التوك توك أكثر من جنيه واحد».

ولا ينكر أيمن أن بعض سائقى التاكسى يستغلون فترة الصيف وكثرة الزوار بالمدينة لرفع قيمة أجرة التاكسى بشكل فج. وما يتحدث عنه أيمن من تغيير طابع الإسكندرية فى الصيف من ناحية الأسعار والأجواء العامة أدى إلى وجود حالة من الضجر لدى السكندريين يشعلها صخب الزوار وزحامهم.
وهو ما دفع بعضهم إلى استخدام كلمات مسيئة فى بعض الأحيان تجاه زوار المدينة. فعودة سريعة إلى شبكة الفيس بوك وتحديدا لصفحة مدينة الإسكندرية بالموقع التى تضم أكثر من 16 ألف مشترك حول العالم، نرى لهجة أكثر حدة فى وصف زوار المدينة فى الصيف، وهو ما أوجد محاولات لإيجاد تعليقات متوازنة طالب فيها أحدهم بوضع حد أقصى لأعداد الداخلين إلى المدينة بالتنسيق مع المحافظات الأخرى.

ورغم وجود مثل هذه الروح الغيورة على المدينة والساخطة على السادة الزوار، على الجانب الآخر، فإن العاملين بصورة مباشرة مع المصطافين والزوار ناحية شواطئ الإسكندرية لديهم رؤية مختلفة تماما.
إسلام خليل ــ شاب سكندرى يعمل فى كافتيريا بمنطقة سيدى بشر مقابل أجرة يومية لا تتجاوز 10 جنيهات إلى جوار زميله مجدى الصعيدى القادم من الأقصر للعمل فى فترة الصيف، ومن ناحيته لا يجد حرجا فى إعلان ترحيبه بزوار المدينة سواء من جاءوا بهدف السياحة أو بغرض العمل، بل يعتبر وجودهم «رزقا وفائدة لأهل المدينة»، وبنفس هذه الروح يقف بائع الفريسكا عماد السيد 25 سنة على شاطئ ميامى المجاور دون أى ضغينة لزميله سيد 21 سنة القادم من طهطا بسوهاج للعمل فترة الصيف بالإسكندرية فى بيع لعب الأطفال على الشاطئ.

الفارق بين كل منهما أن عماد يعمل بتراخيص من المحافظة بصفته من أبناء المدينة والأكثر قربا لفهم تفاصيل العمل بها، بينما يمارس سيد عمله بصورة غير شرعية ويواجه البلدية يوميا سواء داخل الشاطئ أو خارجه، ويقول عماد السكندرى بلهجة واثقة «ليس لدى مشكلات تجاه أى شخص قادم من محافظة أخرى للعمل هنا إلى جوارى، المسألة أنه سيتعرض لمشكلات مع المحافظة بسبب عدم وجود ترخيص» أما سيد القادم من طهطا فى سوهاج فيبرر حالة السلام هذه بتفسير آخر.
ويقول «أنشطتنا متنوعة هنا على الشاطئ، فأنا أبيع لعب الأطفال بينما عماد يبيع الفريسكا، والفارق الجوهرى بيننا هو أننى أعمل هنا دون ترخيص ومعرض للخطر طوال الوقت». وإلى جانب ما ذكره كل منهما فهناك سبب آخر يرسخ حالة السلام بين الوافدين والعمالة المحلية فى الإسكندرية وهى النقطة التى أوضحها عماد بائع الفريسكا بقوله «كلانا يعمل فقط فى فترة الصيف.. عملنا هنا مؤقت»، ويعمل عماد بقية العام فى مقهى بلدى فى مدينة الإسكندرية، فى الوقت الذى أكد فيه زميله سيد السوهاجى بفخر أنه طالب بكلية الزراعة بجامعة المنيا ولا يعمل فى وقت الدراسة.

هذه الصورة السلمية لدى العاملين فى الشارع تبدو متناقضة مع غيرة السكندريين الأكثر استقرارا الذين اختار بعضهم تدشين مجموعات على شبكة فيس بوك للتعبير عن منطق الغيرة الشديدة على المدينة.
إحدى هذه المجموعات كانت تحت عنوان «لكل الراغبين فى الاستقلال بالإسكندرية لتصبح جمهورية الإسكندرية العربية» وينضم تحت لوائها أكثر من ألفى عضو أغلبهم من مدينة الإسكندرية، هدفهم الحقيقى هو إظهار الانتماء السكندرى وبعض السخط تجاه سلوكيات زوار الصيف. وهو ما يرسخ الاعتقاد بأن غيرة السكندريين أحيانا ما تتلاشى لدى الفئات الأكثر احتكاكا مع زوار الصيف حين تتحول زياراتهم إلى قوت يومى.

Wednesday, August 12, 2009

زنقة الستات.. سوق لا يشغله زحام الصيف

الاربعاء 12 اغسطس 2009
عبدالرحمن مصطفى
تصوير ــ أحمد عبداللطيف
فى ممرات تفتقد زحام الزبائن، وقف الشباب العاملون فى سوق زنقة الستات على أبواب متاجرهم فى انتظار زبائنهم، بينما جلس الشيوخ على كراسيهم يتذكرون وقت كانت السوق أكثر نشاطا عن ذى قبل. فى سوق الخيط الملاصق «للزنقة» حيث تباع الأقمشة ولوازم الحياكة والتطريز اعتبر الحاج أحمد البيلى ذو اللحية البيضاء والخبرة الطويلة أن اتساع المدينة وظهور المولات الحديثة وتغير ملامح العصر سحبت الكثير من الزبائن التقليديين لمنطقة زنقة الستات، إحدى أهم المناطق التجارية فى مدينة الإسكندرية ويوضح: «قديما كان الناس أكثر ارتباطا بالأسواق الشهيرة فى المدينة، أما الآن فربما تجد من لا يعرف أين يقع سوق الخيط أو موقعه فى منطقة المنشية!».

فى المتجر نفسه يتدخل أحد العاملين فى الحديث مضيفا على كلام الحاج البيلى: «منطقة زنقة الستات وتحديدا سوق الخيط أصبح اسمها أكثر ارتباطا فى الإعلام والتليفزيون بشخصيتى ريا وسكينة وجرائمهما القديمة، وذلك قبل اهتمام الناس بها باعتبارها منطقة تجارية». على الجانب الآخر يعترف بعض التجار بفضل تلك السمعة التاريخية فى استمرار وفود الزبائن إليهم، غير أن سمعة سوق «زنقة الستات» تظل هى الأشهر حيث يتفرع منها سوق الخيط. وفى داخل «الزنقة» لم تختلف الأجواء كثيرا عن خارجها، الجميع ينتظر مرور النهار وزوال الحر وعودة المصيفين من الشواطئ كى تبدأ حركة التجارة. الحاج على إبراهيم ــ أحد أقدم تجار الزنقة ــ يرى أن حركة الزبائن لا تختلف كثيرا بين الصيف والشتاء، لكنه استعاد من ذاكرته أيام «عز» السوق وقت أن كانت هناك ملامح أكثر تنوعا بين التجار والبضائع على السواء، ويقول: «قديما كانت الغلبة فى أسواق هذه المنطقة للتجار اليهود والمغاربة، وتركز نشاطهم قديما فى استيراد المنتجات المختلفة التى يحتاجها السوق، أما الآن اختلف الحال وأصبحت البضائع المصرية هى الأساس كباقى الأسواق، إلى جانب غزو البضائع الصينية».
يعمل الحاج على إبراهيم فى تجارة الأقمشة تماما مثل أحمد البيلى التاجر السابق فى سوق الخيط الأكثر تخصصا، والذى اعتبر أن اختلاف العصر عن الماضى ساهم فى سحب البساط من أسواق حى المنشية عموما، مؤكدا «المدينة اتسعت جدا عن الماضى، وأصبح هناك من سكان الإسكندرية أنفسهم من لم يزر سوق الخيط ولا يهتم بمعرفة مكانه».

هذه الصورة التى برر بها البيلى قلة الزبائن لم تقلل من جودة سمعة منطقة سوق «زنقة الستات» وما حولها، وهو ما جعلها ضيفة على بعض الأعمال الدرامية والأدبية الشهيرة. أما الحاج محمد عوض أحد كبار تجار الزنقة فقد تخصص متجره منذ عقود طويلة فى بيع الصبغة، ولديه تفسير آخر للمفارقة بين حالة السوق بسمعته القديمة وحالته الآن، يقول «كان أغلب تجار السوق من المغاربة واليهود، تعتمد حياتهم على المغامرة، لكن بعد الثورة هجر هؤلاء متاجرهم، وباعوها أو تركوها لمساعديهم المصريين، الذين لم يكن أغلبهم على نفس الوعى التجارى العالى، لذا لم تزدهر الزنقة أو تتطور».

يطرح الحاج محمد عوض نظرية ورثها عمن قبله حاولوا بها التأريخ لنشأة السوق، وتقول نظريته إن أصل المكان نشأ نتيجة بيع جزء من أملاك الخديوى إسماعيل إلى التجار اليهود والمغاربة، ويعتقد الحاج محمد عوض حتى الآن أن متجره هو جزء من اصطبلات خيل كانت ضمن أملاك الخديوى إسماعيل. لكن هذه القصة لا تجد ما يؤكدها فى المصادر التاريخية، إلا أن كتاب الخطط التوفيقية لعلى باشا مبارك الذى تم إعداده فى القرن قبل الماضى يرصد عددا من أسواق المنشية بجوار مسجد الشيخ ابراهيم باشا وميدان محمد على فى تلك الفترة. كما تعود أقدميه بعض أسواق المنطقة إلى العصر العثمانى حين كانت هناك سوق موسمية فى منطقة المنشية قبل أن تتخذ اسمها الحالى، يرتادها العرب لبيع منتجاتهم البسيطة والغنم، وازدهرت المدينة على عهد الخديوى إسماعيل وأصبحت هذه المنطقة تعج بالأجانب الذين تم تخصيص أراض لهم من اليونانيين والفرنسيين وغيرهم. إلا أن أعدادهم انخفضت بعد الحرب العالمية الثانية، حين كان الأجانب فى الإسكندرية يمثلون 7% من سكان مصر، لكن الهجرة الحقيقية برزت بعد قيام الثورة وبزوغ سياساتها تجاه الأجانب فى مصر.

تلك الفترة عاشها الحاج على إبراهيم الذى جاوز الثمانين عاما ورأى بعينه مرحلة تمصير السوق بعد الثورة، وأشار بيده إلى متجرين جواره موضحا «هنا كان يقطن تاجران تونسيان ، وقديما كان يمر من هنا التجار القادمون من المغرب العربى قبل ذهابهم إلى الحج، ويبيعون ما لديهم من منتجات، لكن أغلب التجار المغاربة عادوا إلى بلدانهم بعد الاستقلال عن فرنسا».
وبعد الثورة بسنوات اتخذ مجلس قيادة الثورة قرارا بتطوير المكان وتغيير معالمه حسبما ذكر الحاج على الذى عاش عودة الماضى مرة أخرى فى عودة بعض التجار اليهود لزيارة الزنقة بعد توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل، ويضيف «بعد الثورة أنهى التجار اليهود أعمالهم، وادعى بعضهم أنهم متجهون إلى فرنسا، لكنهم فى واقع الأمر كانوا متجهين إلى إسرائيل، وعاد بعضهم لزيارة المكان فيما بعد اتفاقية السلام، ولم تكن تلك هى الحالة الوحيدة التى أرى فيها أحد تجار الزنقة القدامى، فقد تسببت مصادفة أخرى منذ سنوات فى أن ألتقى فى أثناء زيارة عمل إلى ليبيا أحد تجار الزنقة القدامى من أصل تونسى».

ما يحمله كبار تجار سوق زنقة الستات من ذكريات عن المكان يعبر فى حقيقة الأمر عن تميز حقيقى هو ما يراهنون عليه لجذب الزبائن، التى تأتى إلى المكان بسب السمعة قبل البحث عن البضاعة.

Friday, August 7, 2009

تربية أسماك الزينة.. هواية فى طريقها للانقراض

الجمعة 7 اغسطس 2009
عبدالرحمن مصطفى
الملامح الجادة والبنية القريبة من هيئة أبطال الألعاب القتالية كانتا خير خادم لياسر عبدالقوى أثناء شرحه المقنع لأسباب إطلاق مبادرة إنشاء جمعية مربى أسماك الزينة فى مصر. فطوال سنوات من الخبرة فى التعامل مع الأسماك أصبح لديه الوعى الكافى لفهم أهمية هذه الهواية على المستوى الإنسانى والبيئى، ولم يعد حوضى أسماك الزينة فى منزله بحى محرم بك بالإسكندرية مجرد جسمين زجاجيين فى غرفة المكتب، بل أصبحا ــ على حد تعبيره ــ فرصة لمشاهدة «جزء من حياة النهر» ومراقبة بيئة جديدة بعيدة عن حياة الكتل الخرسانية فى المدن الكبرى. أسماك الزينة فى منزله هى أفراد من سكان المنزل، ينحنى أمامها بصورة شبه يومية انحناءة مهذبة أقرب إلى التحية كى يراقب أحوال سكانه الصغار، ومؤخرا حاول مع أصدقائه المنتمين إلى نفس الهواية الخروج من سجن الفردية الشديدة إلى العمل الجماعى، بمبادرة أطلقها عبر المواقع والمنتديات المهتمة بتربية الحيوانات فى تجربة جديدة ما زالت قيد التنفيذ.

«حالة تربية أسماك الزينة فى مصر كما هى منذ أكثر من خمسين عاما، فغالبا ما تشترى الأسرة حوضا زجاجيا وتأتى بالأسماك دون تخطيط ، وبعد فترة قصيرة تقع الأخطاء المتكررة إما بوضع أسماك غير متجانسة معا أو عدم التعامل الجيد مع نظافة الحوض، وينتهى الأمر بموت الأسماك وتخزين الحوض أو بيعه، وتخسر الهواية آلاف الهواة بهذه الطريقة نتيجة عدم وجود كيان يقدم الخبرات والمعلومات اللازمة».

نقص المعلومات عن الهواية كان الدافع الرئيسى الذى حرك ياسر عبدالقوى نحو الانترنت بحثا عن المعلومات، وهناك طرح مبادرته داخل المنتديات المهتمة بأسماك الزينة، لكن عوامل الإحباط كانت بارزة بدءا من اكتفاء بعض المنتديات بموضوعات علمية بحتة قد لا تفيد القارئ العادى أو استقبال بعض المشرفين لمبادرته استقبالا سيئا. يقول بمرارة «هناك مشكلة فى العمل الجماعى فى مصر، البعض ينتظر الفائدة المباشرة الملموسة، ولا يفضل التعامل مع كيان مدنى غير هادف للربح مثل جمعية أهلية تقدم خبراتها إلى الهواة وتمثلهم». عند هذه النقطة استعاد ياسر عبدالقوى ـ الفنان التشكيلى والشاعر ـ تجارب قديمة مر بها فى العمل العام داخل حركات سياسية ومجموعات أدبية كونت لديه بعض القناعات من أهمها أن هناك نسبة غير هينة من الناس لا تقبل الأفكار الجديدة والمبادرات إلا التى تتبناها «رموز» أو شخصيات مشهورة، وتصبح الشخصية أهم من الموضوع، وهو ما أوجد داخله تحدٍ، خاصة أنه يؤمن بأن هدفه أعمق من مجرد تجميع الهواة. يضيف: «فى اجتماعنا التأسيسى كنا حوالى 20 هاويا تعرفنا على بعضنا من خلال الانترنت، وجئنا من محافظات مختلفة، فى الوقت الذى اعتذر البعض عن المشاركة واكتفى بشخصيته الافتراضية على المنتدى.

قبل إطلاق مبادرة ياسر وأصدقائه كانت هناك تجربة مشابهة انطلقت منذ أسابيع لإنشاء الجمعية المصرية لطيور الزينة تحت التأسيس التى نشر أعضاؤها بكل فخر صور لقاءاتهم برفقة حيواناتهم، وصور الأوراق المطلوبة لإشهار جمعية وكيف تحول العمل الافتراضى داخل المنتديات إلى عمل واقعى مفيد. وهو ما حفز ياسر لاتخاذ هذه الخطوة على أمل أن تكون الخطوات بنفس السهولة، لكن قلة عدد من تجاوبوا مع مبادرة أسماك الزينة واقتصارها على من تحمس من رواد المنتديات التى ارتادها ياسر أصابته ومن معه ببعض الإحباط، لكنها لم تقتل داخله كم الطموحات التى يحملها لهذه الهواية، خاصة بعد ما رآه طوال الفترة الماضية من عمل جاد فى المواقع والمنتديات والجمعيات الغربية المشابهة يقول «لا يمكن مقارنة حال تربية أسماك الزينة فى مصر بدولة مثل الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال شاهدت بعينى فى أحد المنتديات الأمريكية موضوعا لأحد المشرفين عرض فيه أحواضه وأسماكه بشفافية دون قلق على عكس ما يحدث من تحفظ فى المنتديات العربية، التى يتخفى بعضها وراء الشخصيات الافتراضية، ورأيت هواة فى المنتديات الأمريكية أحواضهم أقرب إلى متحف مائى، وأعترف أننى أدين بأغلب معلوماتى الحالية عن الأسماك وأنواعها إلى الانترنت والمواقع الأجنبية».

يشرح ياسر عبدالقوى أنه من خلال الانترنت أيضا اكتشف معلومات أثارت حنقه على الواقع، حين وجد أسماكا تحمل أسماء مصرية مثل البشير المصرى، وEgyptian Mouthbrooder تكون بيئتها الأصلية فى مصر، لكن يتم استيرادها من هونج كونج وغيرها، واكتشف أنه رغم توافر بيئات مائية متنوعة فى مصر فإن السوق لا يتواجد بقوة وسط الأسواق العالمية. وتساءل «أين اهتمام الهواة المصريين بالأنواع الموجودة فى بيئتهم التى لاحظها بنفسه فى أماكن تقليدية مثل أسفل كوبرى قصر النيل فى القاهرة، أو فى بحيرة مريوط بالإسكندرية» وكانت إجابته عن نفس السؤال هو ما ذكره أن «مجتمع مربى أسماك الزينة إلى حد ما مفكك».

يتذكر فى فترة الثمانينيات والتسعينيات حين كانت منطقة محرم بك تضم أكثر من خمسة محال لأسماك الزينة انخفض عددها الآن إلى اثنين، حين كانت تربية الحيوانات والأسماك أمرا مألوفا، وهو ما جربه بنفسه بدءا من تربية القطط حتى تربية الصقور، وكأى صاحب هواية رأى فى هوايته قدرة على تعديل نمط حياة الإنسان. فى أثناء حديثه توقف قليلا للتأكد من أن دخان السجائر فى الغرفة لن يصل إلى الأحواض، واستغل هذا الموقف كمدخل للحديث عن قدرة هذه الهواية على تنمية الإحساس بالمسئولية، يقول «أمنيتى أن يكون ضمن مشروعات الجمعية القادمة مشروع تقديم محاضرات فى المدارس وإهداء أحواض أسماك إلى المدارس كى يدخل ضمن أنشطة المدرسة من أجل تعويد الشباب والأطفال على الإحساس بالمسئولية والالتزام، سواء فى تنظيف الأحواض، أو متابعة حالة الأسماك بصورة شبه يومية. وبشكل عام أرى أن تربية الحيوانات والأسماك بشكل خاص تعلم الإنسان القدرة على الالتزام، كما أنه من خلال التعامل مع هذه المخلوقات تنمو بداخل الهاوى القدرة على اكتساب المعرفة والملاحظة، وتنمو أكثر حين يجد الفرصة فى نقاش مع هواة آخرين، وهى أمور قلّت كثيرا فى وقتنا الحالى بعد أن انسحب أغلب الأطفال والشباب إلى شاشات الكمبيوتر بعيدا عن الطبيعة من حولهم».

الهواية حسبما يصفها ياسر عبدالقوى تعتبر متوسطة التكلفة، فحوض السمك إذا ما تم تصنيعه لدى محل منتجات زجاجية يمكن أن يكلف صاحبه 140 جنيها، ولا تتجاوز أغلى سمكة لديه 35 جنيها رغم أن ثمنها الآن بـ100جنيه، وتبدأ الأسماك صغيرة بطول 4 سنتيمترات وتصل إلى 25 سنتيمترا ولا تتجاوز قيمتها 15 جنيها.

يطمح ياسر عبدالقوى أن يحقق مشروع جمعية هواة تربية أسماك الزينة القدرة على اجتذاب الهواة وإيجاد فرص لتبادل الأسماك والبيع، وعمل أحواض أقرب إلى متحف طبيعى داخل الجمعية، وإعادة اكتشاف ما لدينا من أنواع داخل مصر، وأن يكون الأعضاء بالآلاف مثلما رأيت فى جمعيات شبيهة بأمريكا. لكن حتى الآن ما زالت محاولات إنشاء الجمعية مقتصرة على ياسر وأصدقائه الذين تباينت أعمارهم، لكنه أكد فى النهاية «ليس هدفى حيازة أى منصب فى هذه الجمعية، لدينا العدد الكافى الآن لإنشاء جمعية، لكن همى أن أرى أهدافها متحققة، فليس همنا مجرد إنشاء جمعية بعدد محدود من الأفراد، بل أن ينشأ مجتمع حقيقى بين هواة تربية الأسماك وأن ينمو وعينا بالطبيعة من حولنا، وحتى إن لم تنشأ هذه الجمعية الآن سأظل أنادى بها فى كل مكان حتى يتحقق هذا المشروع».

Thursday, August 6, 2009

الحياة موعدها صيفاً

الخميس 6 اغسطس 2009

عبدالرحمن مصطفى
فى الوقت الذى يستمتع فيه المصطافون بشواطئ الإسكندرية على طول ساحل المدينة، يجلس السيد محمد رزيقة (57 سنة) وسط زملائه الصيادين على رصيف متواضع فى منطقة بحرى، حيث مدخل قلعة قايتباى ورصيف الصيادين وأحد مراكز الصيد بمدينة الإسكندرية. تدور أغلب الحوارات حول تفاصيل العمل وحالة الرزق، كان الريس أحمد إبراهيم يشكو لزملائه من إجراءات تراخيص اللنشات والمراكب وكم الإجراءات، التى يراها غير مبررة فى منطقة الميناء البعيدة عنه.
وهى المناقشات التى تمثل أعراض عودة الصيادين إلى مراكبهم، التى بدأت منذ أسابيع بعد فترة التوقف، التى تبدأ منذ أول شهر مايو حتى منتصف يونيو حسب قرار حظر الصيد، الذى صدر منذ أربع سنوات، وفى الشهرين التاليين لهذا القرار يحاول الصيادون تعويض ما فقدوه خلال فترة التعطل، خاصة أن بعض أنواع الأسماك مثل السردين المهاجر والمياس لا تظهر إلا فى هذا التوقيت.

الريس رزيقة، الذى قضى أكثر من نصف قرن فى البحر منذ أن كان طفلا حين بدأ بحارا ثم سكوند (مساعد الريس) ثم ريس، يوضح أن حالة الصيادين تدهورت مؤخرا خاصة بعد قرار الحظر: «طوال فترة عملى لم نتعرض لفترة تعطل مثل هذه الفترة، وليس أمامنا إلا بقية أشهر الصيف لتعويض ما فاتنا من الصيد، خاصة أن الشتاء ونواته وعواصفه لن تساعد كثيرا على العمل».

فى خلال سنوات عملهم لاحظ الريس السيد رزيقة وزملاؤه أن الأسماك بدأت تقل فى البحر بسبب وجود دخلاء يستهدفون «الزريعة» من الأسماك الصغيرة، التى تنتج بعد فترات التزاوج وتمثل ثروة البحر من الأسماك فيما بعد، وذلك لبيعها إلى أصحاب المزارع السمكية الخاصة، وهو ما يدفع بالصيادين أحيانا إلى التهور والمغامرة بمراكبهم إلى خارج المياه الإقليمية الفقيرة، وتنشأ مآسى الصيادين المصريين المتكررة خارج الحدود المصرية.

فى تلك الأجواء المشحونة تزداد قوة الروابط بين الصيادين، هكذا بدت نبرة الحديث واضحة فى توادهم وتراحمهم أثناء جلوسهم على رصيف الصيادين، فالريس رزيقة يخرج على مركب صيد يضم غالبا ما بين 12 و14 رجلا، وتتراوح رحلاته ما بين 8 أيام و15 يوما أو أكثر، قد تكون إلى السلوم غربا أو إلى بورسعيد شرقا، والهدف واضح أمامهم جميعا، وهو ألا يعودوا بمركب خاوية من الأسماك، وإن كان هذا يحدث أحيانا.

عصام المغربى الأصغر سنا والجالس إلى جوار زميله المسن قدم نفسه على أنه يؤدى نوعا آخر من فنون مراكب الصيد وهو «شانشلة»، حيث كشف ملمحا آخر عن العمل الموسمى للصياد. فهو يعمل حسب الشهور القمرية، وتحديدا فى الفترة من يوم 20 فى الشهر العربى إلى يوم 10 من الشهر التالى، وذلك لتجنب فترة اكتمال القمر، ويوضح ذلك قائلا: «أضئ أماكن الصيد بالكلوبات الكبيرة حتى يجتمع السمك، ثم أبدأ فى الصيد، لأن العمل تحت إضاءة القمر وقت اكتماله يصبح تقريبا غير مجدٍ».

لا يستطيع أى من الجالسين على الرصيف أن يعطى رقما يعبر به عن متوسط دخل الصياد، حاول أحدهم أن يقيمه بــ 500 إلى 700 جنيه، لكن الباقين رفضوا تماما هذه الفكرة واستخدموا مرادفات من نوعية «السرحة» والرزق وغيرها فى وصف أعمالهم.
مصاريف المركب التى تحدث عنها الريس أحمد إبراهيم فى بداية الحديث كلفة شرائها 15ألف جنيه لمركب طوله 7 أمتار، إلى جانب ثمن المحرك الذى يتجاوز الستة آلاف جنيه. وفى الوقت الذى تؤكد أرقام جمعية الصيادين أن أعدادهم فى تناقص بسبب تلوث بعض أماكن الصيد مثل بحيرة مريوط، فإن الريس السيد رزيقة له رأى آخر «أرى أن الأعداد لم تقل بهذه الصورة، بل دفعت البطالة بكثير من الشباب من أصحاب المؤهلات الجامعية إلى تجريب حظهم فى الصيد البحرى».

أثناء حديث الريس رزيقة قاطعه الريس أحمد إبراهيم، مشيرا إلى زميلهم «مجاهد عبده».. وهو رجل مسن على عكازين، يعد أحد ضحايا المهنة، ولا يعمل الآن لكنه يصر أن يأت إلى نفس الرصيف للجلوس مع زملائه القدامى ويستنشق رائحة البحر متذكرا أمجاده السابقة. وكان مروره من أمام زملائه سببا فى إحساس بالمرارة عبر عنه الريس رزيقة بعين دامعة تأثرا لحال زميله «حين يسقط الصياد لا يوجد من يعينه إلا الله، لا نقابة ولا معاش لائق إلا بعد الخامسة والستين». لكن مهنة الصيد حسب وصفه هى ما صرف أيضا على أولاده الخمسة وخرجت ابنه المهندس البحرى، الذى أخرج الكارت الشخصى الخاص به ليبرهن على نجاحه فى تربية أبنائه. وبعين دامعة على مصير زميله «مجاهد»، الذى استدعى آلام الجالسين وابتسامة نصر لنجاحه فى تخريج أبنائه من الجامعات اختتم السيد محمد رزيقة «نحن ثروة فى هذه البلد لكن لا أحد يهتم بنا، لذا لم أدع أبنائى يعملون فى نفس المجال».

Wednesday, August 5, 2009

بير مسعود

الاربعاء 5 اغسطس 2009
عبدالرحمن مصطفى
على حافة بئر مسعود فى شاطئ سيدى بشر (بالإسكندرية) دار حوار لطيف بين طفلة فى العاشرة وشاب يكبرها بسنوات قليلة حول قدرتها على القفز من أعلى البئر إلى أسفله فى قفزة واحدة. يتكرر هذا المشهد يوميا بين الأطفال والشباب من زوار «بير مسعود» حين يدخلون فى مراهنات يستخدمون فيها عبارات التحدى والاستفزاز التى تنتهى غالبا بقفز أحدهم إلى البئر. فى الجهة المقابلة جلس صالح العقاد (52 سنة ــ فنى تبريد) بابتسامة واثقة يتحدث عن ابنه محمود (9 سنوات) الذى يسبح فى مياه بئر مسعود. فعلى حد تعبيره فإن القفز إلى داخل البئر «يقوى قلب الطفل الصغير ويعلمه الثبات». وهكذا يقدم العم صالح استخداما آخر لـ«بير مسعود» إضافة إلى استخدامه القديم، حيث يمثل المكان شكلا تقليديا لفكرة «بئر الأمنيات»، حين يلقى الطامحون من السيدات على وجه الخصوص بعملة معدنية طالبين من الله بركة صاحب البئر فى أن يحقق أمنيتهم.

عم صالح الذى يجلس فى هذا المكان بصورة شبه يومية روى فى دهشة ما رآه منذ عدة أسابيع عن امرأة ألقت بقطعة ذهب مع أمنيتها إلى البئر، لكنه لم يتحدث عن الخطوة التالية المتوقعة حين يهبط الأطفال والمراهقون لجمع ما يستطيعونه على أمل أن يجدوا شيئا قيما أسفل البئر، وكل حسب حظه، يضيف: «فى الماضى كنت آتى إلى المكان هنا مع أصدقائى وأجمع العملات الصغيرة فى علبة صفيح، وفى مرة جمعت مبلغا كبيرا دخلنا به إلى السينما».

فى الأماكن المشابهة غالبا ما يمنع نزول الزوار إلى البئر، خاصة أن الفكرة منتشرة فى أنحاء العالم ومنذ أزمان بعيدة. ففى الفولكلور الأوروبى يمثل بئر الأمانى موروثا قديما يعبر عن صلة الإنسان بالآلهة، خاصة أن الأساطير القديمة أضفت الكثير من القداسة على منابع المياه وربطتها بالآلهة الطيبة. وفى الموروث المصرى لا تبتعد الفكرة كثيرا عن فكرة النذور التى يقدمها أصحاب المطالب إلى مقامات الصالحين وأضرحتهم، أما على أرض الواقع فإن بير مسعود فى حقيقة الأمر ليس بئرا حقيقيا، بل مجرد تجويف صخرى فى الساحل طوله حوالى 5 أمتار يمتد أسفله نفق أقرب إلى الكهف يسمح للسابح بأن يتنفس إلى أن يصل إلى فتحة أخرى شبه مهجورة الآن، كما يتصل بير مسعود بالبحر عبر نفس هذا النفق.

أثناء الوقوف وإلقاء عبارات الاستفزاز والمراهنات، ألقى أيضا عدد من الزوار عملات معدنية إلى محمود الذى أسعد والده بقدرته على جمع ما يلقيه الآخرون وعرض ما يلتقطه بفمه.

ولا يعرف أحد على وجه التحديد من هو مسعود صاحب البئر المزعوم، يقول عم صالح: «كان مسعود هذا حسبما سمعنا رجلا صالحا أتى من الصعيد إلى جوار سيدى بشر وارتبط اسمه بالمكان لما كان له من بركات». لكن القصة التى حكاها عم صالح الذى أدمن المجىء إلى هنا يقابلها قصص أخرى غريبة جعلت من مسعود فى مرة من المرات تاجرا للمخدرات قتلته السلطات فى إحدى المطاردات فى أوائل القرن الماضى وتم تخليده هنا فى مقر اختبائه، وتحكى قصة أخرى أن مسعود كان طفلا صغيرا ضاع من أهله ومات فى هذا المكان، وأصبح المكان ملتقى الباحثين عما فقدوه. أما الأغرب فى حديث عم صالح عن البئر أنه روى عن حادثة شاهدها بنفسه منذ عام لواحد ممن ألقوا بأنفسهم فى منافسات القفز داخل البئر واصطدمت رأسه بإحدى الصخور فى جدران البئر، لكن عم صالح يستمر رغم ذلك فى تشجيع ولده محمود على القفز. وبعد أن ذكر هذه القصة فى حضور الزوار علق أحدهم من أهل المدينة بأنه «لا أحد يستطيع القفز فى هذا المكان إلا أهل الإسكندرية». ولعلها إحدى العبارات الاستفزازية التى تقوم عليها المراهنات بين الشباب الواقفين على أداء قفزة الثقة.

وفى خلفية المشهد أعمال ردم ناحية الشاطئ لتطوير المكان سياحيا أمام كافتيريا بير مسعود، وأفصح البعض هناك عن خشيتهم من أن تؤثر هذه التطويرات على استمتاعهم بالجلوس حول حافة البئر كما اعتادوا دائما. يوضح عم محمد ذو الأصول النوبية «منذ أن بدأت هذه التطويرات والمكان تغير عن السابق، فى الماضى كان موج البحر يخترق النفق أسفل الصخور وتشعر بحركته فى مياه بير مسعود، أما الآن فالمياه هادئة إلى درجة الركود».

عم صالح العقاد لم يحاول إلقاء عملة واحدة داخل البئر واكتفى بتشجيع الآخرين على ذلك أثناء مراقبة ابنه محمود، ربما ليس لديه الكثير من الأمنيات أو ربما اكتفى بقدرة محمود على جمع ما يلقيه أصحاب الأمانى فى قلب البئر.