الخميس 13 اغسطس 2009
عبدالرحمن مصطفى
هل الإسكندرية مدينة للسكندريين فقط؟
قد يبدو سؤالا ساذجا لا يتواءم مع ضخامة مدينة مليونية مثل مدينة الإسكندرية، تضم أكثر من 4.5 مليون نسمة ويدخلها يوميا فى فترة الصيف حوالى مليون مواطن أغلبهم من أصحاب زيارة اليوم الواحد.
لكن هذا السؤال ما هو إلا نافذة نطل منها على إحساس شريحة من السكندريين بالغربة داخل مدينتهم فى أشهر الصيف مع ازدياد أعداد زوار المدينة بشكل واضح.
خالد الجويدى كان هو من طرح نص السؤال السابق بين زملائه الشباب من خلال مجموعة إلكترونية تحمل اسم «للشباب والبنات المقيمين فى إسكندرية فقط» على شبكة فيس بوك الاجتماعية، حيث اجتمع أكثر من 1000 شاب تتراوح أعمارهم حسب شروط المجموعة بين 16 و22 سنة.
جاءت ردود الأفعال على سؤاله محملة بمظاهر الغيرة على الإسكندرية، فبعضهم عاب على السلوكيات الفجة لبعض المصطافين وزوار المدينة، والبعض الآخر انحصر فى سرد آلام سكان الإسكندرية فى فترة الصيف. وهو ما تتفق معه أحلام عبدالباقى مدرسة فى إحدى المدارس الخاصة ــ إذ تصور ازدحام المدينة صيفا كألم يومى يعيشه كثير من السكندريين.
تقول: ازدحام المدينة بشكل جنونى ليلا وامتلاء الشواطئ طوال فترة الصيف بمصطافين لديهم ثقافة مختلفة وليس لديهم الاهتمام أو الحرص على نظافة المكان، يمثل عبئا على المواطن السكندرى العادى الذى لا يستمتع بمدينته إلا بعد مرور أشهر الصيف.
تذكر أحلام أنها اتجهت هذا الصيف على عكس المتوقع إلى القاهرة لزيارة الأماكن الترفيهية بها، إلى جانب رحلة أخرى سريعة إلى مرسى مطروح بعيدا عن شواطئ الإسكندرية.
اختلاف ثقافة زوار المدينة عن أهل الإسكندرية قد يصنع أحيانا مواقف طريفة أو مفارقات كالتى يرويها أيمن سائق تاكسى عن راكب استقل التاكسى من منطقة الرمل حتى محطة القطار فى سيدى جابر، ثم أعطاه مقابل هذا المشوار جنيها واحدا، ويقول أيمن «لا أعرف إن كان بالفعل لا يستطيع تقدير أجرة التاكسى أم أنه كان كما قال دفع المبلغ تلقائيا مثلما اعتاد فى مدينته الصغيرة بمحافظة البحيرة، حيث لا يدفع فى التوك توك أكثر من جنيه واحد».
ولا ينكر أيمن أن بعض سائقى التاكسى يستغلون فترة الصيف وكثرة الزوار بالمدينة لرفع قيمة أجرة التاكسى بشكل فج. وما يتحدث عنه أيمن من تغيير طابع الإسكندرية فى الصيف من ناحية الأسعار والأجواء العامة أدى إلى وجود حالة من الضجر لدى السكندريين يشعلها صخب الزوار وزحامهم.
وهو ما دفع بعضهم إلى استخدام كلمات مسيئة فى بعض الأحيان تجاه زوار المدينة. فعودة سريعة إلى شبكة الفيس بوك وتحديدا لصفحة مدينة الإسكندرية بالموقع التى تضم أكثر من 16 ألف مشترك حول العالم، نرى لهجة أكثر حدة فى وصف زوار المدينة فى الصيف، وهو ما أوجد محاولات لإيجاد تعليقات متوازنة طالب فيها أحدهم بوضع حد أقصى لأعداد الداخلين إلى المدينة بالتنسيق مع المحافظات الأخرى.
ورغم وجود مثل هذه الروح الغيورة على المدينة والساخطة على السادة الزوار، على الجانب الآخر، فإن العاملين بصورة مباشرة مع المصطافين والزوار ناحية شواطئ الإسكندرية لديهم رؤية مختلفة تماما.
إسلام خليل ــ شاب سكندرى يعمل فى كافتيريا بمنطقة سيدى بشر مقابل أجرة يومية لا تتجاوز 10 جنيهات إلى جوار زميله مجدى الصعيدى القادم من الأقصر للعمل فى فترة الصيف، ومن ناحيته لا يجد حرجا فى إعلان ترحيبه بزوار المدينة سواء من جاءوا بهدف السياحة أو بغرض العمل، بل يعتبر وجودهم «رزقا وفائدة لأهل المدينة»، وبنفس هذه الروح يقف بائع الفريسكا عماد السيد 25 سنة على شاطئ ميامى المجاور دون أى ضغينة لزميله سيد 21 سنة القادم من طهطا بسوهاج للعمل فترة الصيف بالإسكندرية فى بيع لعب الأطفال على الشاطئ.
الفارق بين كل منهما أن عماد يعمل بتراخيص من المحافظة بصفته من أبناء المدينة والأكثر قربا لفهم تفاصيل العمل بها، بينما يمارس سيد عمله بصورة غير شرعية ويواجه البلدية يوميا سواء داخل الشاطئ أو خارجه، ويقول عماد السكندرى بلهجة واثقة «ليس لدى مشكلات تجاه أى شخص قادم من محافظة أخرى للعمل هنا إلى جوارى، المسألة أنه سيتعرض لمشكلات مع المحافظة بسبب عدم وجود ترخيص» أما سيد القادم من طهطا فى سوهاج فيبرر حالة السلام هذه بتفسير آخر.
ويقول «أنشطتنا متنوعة هنا على الشاطئ، فأنا أبيع لعب الأطفال بينما عماد يبيع الفريسكا، والفارق الجوهرى بيننا هو أننى أعمل هنا دون ترخيص ومعرض للخطر طوال الوقت». وإلى جانب ما ذكره كل منهما فهناك سبب آخر يرسخ حالة السلام بين الوافدين والعمالة المحلية فى الإسكندرية وهى النقطة التى أوضحها عماد بائع الفريسكا بقوله «كلانا يعمل فقط فى فترة الصيف.. عملنا هنا مؤقت»، ويعمل عماد بقية العام فى مقهى بلدى فى مدينة الإسكندرية، فى الوقت الذى أكد فيه زميله سيد السوهاجى بفخر أنه طالب بكلية الزراعة بجامعة المنيا ولا يعمل فى وقت الدراسة.
هذه الصورة السلمية لدى العاملين فى الشارع تبدو متناقضة مع غيرة السكندريين الأكثر استقرارا الذين اختار بعضهم تدشين مجموعات على شبكة فيس بوك للتعبير عن منطق الغيرة الشديدة على المدينة.
إحدى هذه المجموعات كانت تحت عنوان «لكل الراغبين فى الاستقلال بالإسكندرية لتصبح جمهورية الإسكندرية العربية» وينضم تحت لوائها أكثر من ألفى عضو أغلبهم من مدينة الإسكندرية، هدفهم الحقيقى هو إظهار الانتماء السكندرى وبعض السخط تجاه سلوكيات زوار الصيف. وهو ما يرسخ الاعتقاد بأن غيرة السكندريين أحيانا ما تتلاشى لدى الفئات الأكثر احتكاكا مع زوار الصيف حين تتحول زياراتهم إلى قوت يومى.
عبدالرحمن مصطفى
هل الإسكندرية مدينة للسكندريين فقط؟
قد يبدو سؤالا ساذجا لا يتواءم مع ضخامة مدينة مليونية مثل مدينة الإسكندرية، تضم أكثر من 4.5 مليون نسمة ويدخلها يوميا فى فترة الصيف حوالى مليون مواطن أغلبهم من أصحاب زيارة اليوم الواحد.
لكن هذا السؤال ما هو إلا نافذة نطل منها على إحساس شريحة من السكندريين بالغربة داخل مدينتهم فى أشهر الصيف مع ازدياد أعداد زوار المدينة بشكل واضح.
خالد الجويدى كان هو من طرح نص السؤال السابق بين زملائه الشباب من خلال مجموعة إلكترونية تحمل اسم «للشباب والبنات المقيمين فى إسكندرية فقط» على شبكة فيس بوك الاجتماعية، حيث اجتمع أكثر من 1000 شاب تتراوح أعمارهم حسب شروط المجموعة بين 16 و22 سنة.
جاءت ردود الأفعال على سؤاله محملة بمظاهر الغيرة على الإسكندرية، فبعضهم عاب على السلوكيات الفجة لبعض المصطافين وزوار المدينة، والبعض الآخر انحصر فى سرد آلام سكان الإسكندرية فى فترة الصيف. وهو ما تتفق معه أحلام عبدالباقى مدرسة فى إحدى المدارس الخاصة ــ إذ تصور ازدحام المدينة صيفا كألم يومى يعيشه كثير من السكندريين.
تقول: ازدحام المدينة بشكل جنونى ليلا وامتلاء الشواطئ طوال فترة الصيف بمصطافين لديهم ثقافة مختلفة وليس لديهم الاهتمام أو الحرص على نظافة المكان، يمثل عبئا على المواطن السكندرى العادى الذى لا يستمتع بمدينته إلا بعد مرور أشهر الصيف.
تذكر أحلام أنها اتجهت هذا الصيف على عكس المتوقع إلى القاهرة لزيارة الأماكن الترفيهية بها، إلى جانب رحلة أخرى سريعة إلى مرسى مطروح بعيدا عن شواطئ الإسكندرية.
اختلاف ثقافة زوار المدينة عن أهل الإسكندرية قد يصنع أحيانا مواقف طريفة أو مفارقات كالتى يرويها أيمن سائق تاكسى عن راكب استقل التاكسى من منطقة الرمل حتى محطة القطار فى سيدى جابر، ثم أعطاه مقابل هذا المشوار جنيها واحدا، ويقول أيمن «لا أعرف إن كان بالفعل لا يستطيع تقدير أجرة التاكسى أم أنه كان كما قال دفع المبلغ تلقائيا مثلما اعتاد فى مدينته الصغيرة بمحافظة البحيرة، حيث لا يدفع فى التوك توك أكثر من جنيه واحد».
ولا ينكر أيمن أن بعض سائقى التاكسى يستغلون فترة الصيف وكثرة الزوار بالمدينة لرفع قيمة أجرة التاكسى بشكل فج. وما يتحدث عنه أيمن من تغيير طابع الإسكندرية فى الصيف من ناحية الأسعار والأجواء العامة أدى إلى وجود حالة من الضجر لدى السكندريين يشعلها صخب الزوار وزحامهم.
وهو ما دفع بعضهم إلى استخدام كلمات مسيئة فى بعض الأحيان تجاه زوار المدينة. فعودة سريعة إلى شبكة الفيس بوك وتحديدا لصفحة مدينة الإسكندرية بالموقع التى تضم أكثر من 16 ألف مشترك حول العالم، نرى لهجة أكثر حدة فى وصف زوار المدينة فى الصيف، وهو ما أوجد محاولات لإيجاد تعليقات متوازنة طالب فيها أحدهم بوضع حد أقصى لأعداد الداخلين إلى المدينة بالتنسيق مع المحافظات الأخرى.
ورغم وجود مثل هذه الروح الغيورة على المدينة والساخطة على السادة الزوار، على الجانب الآخر، فإن العاملين بصورة مباشرة مع المصطافين والزوار ناحية شواطئ الإسكندرية لديهم رؤية مختلفة تماما.
إسلام خليل ــ شاب سكندرى يعمل فى كافتيريا بمنطقة سيدى بشر مقابل أجرة يومية لا تتجاوز 10 جنيهات إلى جوار زميله مجدى الصعيدى القادم من الأقصر للعمل فى فترة الصيف، ومن ناحيته لا يجد حرجا فى إعلان ترحيبه بزوار المدينة سواء من جاءوا بهدف السياحة أو بغرض العمل، بل يعتبر وجودهم «رزقا وفائدة لأهل المدينة»، وبنفس هذه الروح يقف بائع الفريسكا عماد السيد 25 سنة على شاطئ ميامى المجاور دون أى ضغينة لزميله سيد 21 سنة القادم من طهطا بسوهاج للعمل فترة الصيف بالإسكندرية فى بيع لعب الأطفال على الشاطئ.
الفارق بين كل منهما أن عماد يعمل بتراخيص من المحافظة بصفته من أبناء المدينة والأكثر قربا لفهم تفاصيل العمل بها، بينما يمارس سيد عمله بصورة غير شرعية ويواجه البلدية يوميا سواء داخل الشاطئ أو خارجه، ويقول عماد السكندرى بلهجة واثقة «ليس لدى مشكلات تجاه أى شخص قادم من محافظة أخرى للعمل هنا إلى جوارى، المسألة أنه سيتعرض لمشكلات مع المحافظة بسبب عدم وجود ترخيص» أما سيد القادم من طهطا فى سوهاج فيبرر حالة السلام هذه بتفسير آخر.
ويقول «أنشطتنا متنوعة هنا على الشاطئ، فأنا أبيع لعب الأطفال بينما عماد يبيع الفريسكا، والفارق الجوهرى بيننا هو أننى أعمل هنا دون ترخيص ومعرض للخطر طوال الوقت». وإلى جانب ما ذكره كل منهما فهناك سبب آخر يرسخ حالة السلام بين الوافدين والعمالة المحلية فى الإسكندرية وهى النقطة التى أوضحها عماد بائع الفريسكا بقوله «كلانا يعمل فقط فى فترة الصيف.. عملنا هنا مؤقت»، ويعمل عماد بقية العام فى مقهى بلدى فى مدينة الإسكندرية، فى الوقت الذى أكد فيه زميله سيد السوهاجى بفخر أنه طالب بكلية الزراعة بجامعة المنيا ولا يعمل فى وقت الدراسة.
هذه الصورة السلمية لدى العاملين فى الشارع تبدو متناقضة مع غيرة السكندريين الأكثر استقرارا الذين اختار بعضهم تدشين مجموعات على شبكة فيس بوك للتعبير عن منطق الغيرة الشديدة على المدينة.
إحدى هذه المجموعات كانت تحت عنوان «لكل الراغبين فى الاستقلال بالإسكندرية لتصبح جمهورية الإسكندرية العربية» وينضم تحت لوائها أكثر من ألفى عضو أغلبهم من مدينة الإسكندرية، هدفهم الحقيقى هو إظهار الانتماء السكندرى وبعض السخط تجاه سلوكيات زوار الصيف. وهو ما يرسخ الاعتقاد بأن غيرة السكندريين أحيانا ما تتلاشى لدى الفئات الأكثر احتكاكا مع زوار الصيف حين تتحول زياراتهم إلى قوت يومى.
No comments:
Post a Comment