لا وقت للتجويد
الذوق يتجه للخليجى السريع ومدرسة التلاوة المصرية تتراجع
أمام جامع النور بالعباسية تلاوة قرآنية تنطلق من جهاز كاسيت قديم لا يتوقف عن تكرار تلاوة للقارئ السعودى عبدالرحمن السديس، يتلوها من مقام موسيقى واحد لا يتغير، وحوله مجموعة من شرائط القرآن والأدعية من نفس النمط، عدا مجموعة قليلة من شرائط التجويد ذات الإيقاع الأبطأ والتنوع فى المقامات الموسيقية لشيوخ مثل محمد الطبلاوى وأحمد نعينع وغيرهما.
وعلى الرغم من أن سعر بيع الشريط الواحد من هذه الفئة الأخيرة لا يتجاوز الجنيهات الثلاثة ونصف الجنيه إلا أن الإقبال الأكبر يظل على شرائط الترتيل خصوصا من مقرئى الخليج. وهى الحالة التى لم يجد لها سيد صاحب الفرشة تفسيرا سوى فى عبارة حاسمة «لا يشترى شرائط المصحف المجود إلا السميعة». ويكاد يكون الحال أوضح بجوار مساجد أخرى ذات طابع سلفى، ليكشف هذا التنافس عن صراع بين طريقتين فى التلاوة: الأولى هى تلاوة التجويد التى يفضلها «السميعة» وتلاوة الترتيل الشبيهة بتلاوة القرآن فى أثناء الصلاة.
ازدادت سخونة هذه المعركة الهادئة مع بزوغ نجم الشيخين عبدالرحمن السديس وسعود الشريم فى الحرم المكى، والشيخ على الحذيفى فى المسجد النبوى، حين اندفعت شرائطهم بقوة فى عقد التسعينيات إلى السوق المصرى فى الوقت الذى انكمشت فيه جلسات «سميعة» القرآن فى مجالسهم الطبيعية فى مصر، حيث الليالى الدينية والمناسبات الخاصة. وبدأ الترتيل الشبيه بتلاوة القرآن فى أثناء الصلاة يأخذ مساحة أكبر فى كاسيتات محبى القرآن، وظهرت إصدارات خاصة للرقية الشرعية تركز على تكرار آيات بعينها، كما ظهرت استخدامات جديدة لتلاوة القرآن فى حفلات افتتاح المحال حيث يبدأ «الدى جيه» ذو السماعات الصاخبة بالقرآن وأسماء الله الحسنى ثم ينتقل إلى الأغانى الراقصة. كل تلك العوامل صبت فى مصلحة التلاوة ذات الإيقاع السريع وصنعت رواجا لشرائط قراء الخليج إلى جانب القراء المصريين الذين ركزوا على إصدار المصحف المرتل.
أما التنافس بين شرائط المصحف المرتل التى تم تسجيل أغلبها فى أثناء صلاة التراويح فى رمضان وتلاوة المصحف المجود الأبطأ إيقاعا، فهو فى واقع الأمر ليس تنافسا جديدا، فمنذ القرون الأولى للإسلام، هناك صراع بين من يدعو إلى قراءة رصينة جافة ضد التطريب بالقرآن خوفا من أن يقع تحريف أو مد زائد على ضوء حديث نبوى وضع غناء القرآن ضمن علامات الساعة. وعلى الجانب الآخر هناك فريق يدافع عن نفسه مستندا إلى الحديث النبوى «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، وتأتى لحظة التوفيق بينهما فى رأى يفضل التغنى بالقرآن فى حلاوة الصوت مع الالتزام بأحكام التلاوة.
ومنذ قرون طويلة تعرض القراء المصريون للنقد لنفس السبب وكان أشهر من سدد كلمات النقد الإمام القرطبى فى تفسيره الشهير «الجامع لأحكام القرآن» حين انتقد بعض القراء المصريين فى عصره الذين مالوا إلى اللحن على حساب النطق السليم ووصفهم قائلا: الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز؛ ضل سعيهم وخاب وهو ما يوضح أن مجالس المستمعين فى رحاب موسيقى التلاوة كانت مستهدفة من الغيورين أمثال القرطبى الذى هاجر من الأندلس إلى مصر وتوفى بأسيوط فى القرن الثالث عشر الميلادى. وبعد القرطبى بقرون لاتزال جلسات التلاوة المصرية عرضة للهجوم على الرغم من احترافية المقرئين المصريين على مستوى العالم. ففى فتوى صدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فى السعودية وُصفت بعض الحركات التى يمارسها الشيوخ من وضع اليدين على الآذان والتمايل عند القراءة بأنها من البدع وهى الحركات التى تكون مرتبطة بجلسات تجويد القرآن بين القراء المصريين. فقد ارتبط بعضها مثل وضع اليد على الأذن فى أثناء التلاوة بعادات قديمة لدى المصرين سجلتها الآثار المصرية القديمة لمغنين مصريين قبل آلاف السنين. وفى العام 2002 توجه أحدهم بسؤال إلى مركز الفتوى لموقع إسلام ويب السعودى «ما حكم التغنى بالقرآن.. وإتباعه بكلمة (الله) كما هو الشأن فى بعض أشرطة عبدالباسط عبدالصمد». وجاء الرد من لجنة الفتوى منكرا لذكر كلمة «الله» الدالة على الاستحسان فى أثناء الاستماع إلى التلاوة وقالت الفتوى:«أما بالنسبة لقول الناس بعد المقرئ (الله) فإنه ليس من هدى السلف، بل فيه عدم تعظيم للقرآن».
تلك الصورة بين تيارين يتعاملان بشكل متعارض مع تلاوة القرآن لا تنفى علاقات واضحة بين المقرئين فى الخليج، فمازالت جملة منسوبة إلى الملك السعودى الراحل خالد بن عبدالعزيز تتردد كل فترة حاملة معها الثناء على المقرئين المصريين نقلها عنه الشيخ القارئ محمد الطبلاوى تقول: «القرآن الكريم نزل فى الجزيرة، وطبع فى إسطنبول، وقرئ فى مصر». وتحمل سير بعض القراء فى الخليج إشارات إلى أن بعض مشاهيرهم قد أجيزوا فى القراءة على يد شيوخ مصريين منهم الشيخ على الحذيفى إمام الحرم النبوى السابق، وكذلك القارئ الكويتى مشارى راشد العفاسى الذى سجل فى مناسبات عديدة حبه للمدرسة المصرية فى التلاوة. ورغم اعتماده فى تلاوته ومحطته الفضائية على التنوع فى المقامات الموسيقية أثناء الترتيل فإنه تجنب طريقة التجويد التى أصبحت أكثر ارتباطا بالمقرئين المصريين.
أمام جامع النور بالعباسية تلاوة قرآنية تنطلق من جهاز كاسيت قديم لا يتوقف عن تكرار تلاوة للقارئ السعودى عبدالرحمن السديس، يتلوها من مقام موسيقى واحد لا يتغير، وحوله مجموعة من شرائط القرآن والأدعية من نفس النمط، عدا مجموعة قليلة من شرائط التجويد ذات الإيقاع الأبطأ والتنوع فى المقامات الموسيقية لشيوخ مثل محمد الطبلاوى وأحمد نعينع وغيرهما.
وعلى الرغم من أن سعر بيع الشريط الواحد من هذه الفئة الأخيرة لا يتجاوز الجنيهات الثلاثة ونصف الجنيه إلا أن الإقبال الأكبر يظل على شرائط الترتيل خصوصا من مقرئى الخليج. وهى الحالة التى لم يجد لها سيد صاحب الفرشة تفسيرا سوى فى عبارة حاسمة «لا يشترى شرائط المصحف المجود إلا السميعة». ويكاد يكون الحال أوضح بجوار مساجد أخرى ذات طابع سلفى، ليكشف هذا التنافس عن صراع بين طريقتين فى التلاوة: الأولى هى تلاوة التجويد التى يفضلها «السميعة» وتلاوة الترتيل الشبيهة بتلاوة القرآن فى أثناء الصلاة.
ازدادت سخونة هذه المعركة الهادئة مع بزوغ نجم الشيخين عبدالرحمن السديس وسعود الشريم فى الحرم المكى، والشيخ على الحذيفى فى المسجد النبوى، حين اندفعت شرائطهم بقوة فى عقد التسعينيات إلى السوق المصرى فى الوقت الذى انكمشت فيه جلسات «سميعة» القرآن فى مجالسهم الطبيعية فى مصر، حيث الليالى الدينية والمناسبات الخاصة. وبدأ الترتيل الشبيه بتلاوة القرآن فى أثناء الصلاة يأخذ مساحة أكبر فى كاسيتات محبى القرآن، وظهرت إصدارات خاصة للرقية الشرعية تركز على تكرار آيات بعينها، كما ظهرت استخدامات جديدة لتلاوة القرآن فى حفلات افتتاح المحال حيث يبدأ «الدى جيه» ذو السماعات الصاخبة بالقرآن وأسماء الله الحسنى ثم ينتقل إلى الأغانى الراقصة. كل تلك العوامل صبت فى مصلحة التلاوة ذات الإيقاع السريع وصنعت رواجا لشرائط قراء الخليج إلى جانب القراء المصريين الذين ركزوا على إصدار المصحف المرتل.
أما التنافس بين شرائط المصحف المرتل التى تم تسجيل أغلبها فى أثناء صلاة التراويح فى رمضان وتلاوة المصحف المجود الأبطأ إيقاعا، فهو فى واقع الأمر ليس تنافسا جديدا، فمنذ القرون الأولى للإسلام، هناك صراع بين من يدعو إلى قراءة رصينة جافة ضد التطريب بالقرآن خوفا من أن يقع تحريف أو مد زائد على ضوء حديث نبوى وضع غناء القرآن ضمن علامات الساعة. وعلى الجانب الآخر هناك فريق يدافع عن نفسه مستندا إلى الحديث النبوى «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، وتأتى لحظة التوفيق بينهما فى رأى يفضل التغنى بالقرآن فى حلاوة الصوت مع الالتزام بأحكام التلاوة.
ومنذ قرون طويلة تعرض القراء المصريون للنقد لنفس السبب وكان أشهر من سدد كلمات النقد الإمام القرطبى فى تفسيره الشهير «الجامع لأحكام القرآن» حين انتقد بعض القراء المصريين فى عصره الذين مالوا إلى اللحن على حساب النطق السليم ووصفهم قائلا: الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز؛ ضل سعيهم وخاب وهو ما يوضح أن مجالس المستمعين فى رحاب موسيقى التلاوة كانت مستهدفة من الغيورين أمثال القرطبى الذى هاجر من الأندلس إلى مصر وتوفى بأسيوط فى القرن الثالث عشر الميلادى. وبعد القرطبى بقرون لاتزال جلسات التلاوة المصرية عرضة للهجوم على الرغم من احترافية المقرئين المصريين على مستوى العالم. ففى فتوى صدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فى السعودية وُصفت بعض الحركات التى يمارسها الشيوخ من وضع اليدين على الآذان والتمايل عند القراءة بأنها من البدع وهى الحركات التى تكون مرتبطة بجلسات تجويد القرآن بين القراء المصريين. فقد ارتبط بعضها مثل وضع اليد على الأذن فى أثناء التلاوة بعادات قديمة لدى المصرين سجلتها الآثار المصرية القديمة لمغنين مصريين قبل آلاف السنين. وفى العام 2002 توجه أحدهم بسؤال إلى مركز الفتوى لموقع إسلام ويب السعودى «ما حكم التغنى بالقرآن.. وإتباعه بكلمة (الله) كما هو الشأن فى بعض أشرطة عبدالباسط عبدالصمد». وجاء الرد من لجنة الفتوى منكرا لذكر كلمة «الله» الدالة على الاستحسان فى أثناء الاستماع إلى التلاوة وقالت الفتوى:«أما بالنسبة لقول الناس بعد المقرئ (الله) فإنه ليس من هدى السلف، بل فيه عدم تعظيم للقرآن».
تلك الصورة بين تيارين يتعاملان بشكل متعارض مع تلاوة القرآن لا تنفى علاقات واضحة بين المقرئين فى الخليج، فمازالت جملة منسوبة إلى الملك السعودى الراحل خالد بن عبدالعزيز تتردد كل فترة حاملة معها الثناء على المقرئين المصريين نقلها عنه الشيخ القارئ محمد الطبلاوى تقول: «القرآن الكريم نزل فى الجزيرة، وطبع فى إسطنبول، وقرئ فى مصر». وتحمل سير بعض القراء فى الخليج إشارات إلى أن بعض مشاهيرهم قد أجيزوا فى القراءة على يد شيوخ مصريين منهم الشيخ على الحذيفى إمام الحرم النبوى السابق، وكذلك القارئ الكويتى مشارى راشد العفاسى الذى سجل فى مناسبات عديدة حبه للمدرسة المصرية فى التلاوة. ورغم اعتماده فى تلاوته ومحطته الفضائية على التنوع فى المقامات الموسيقية أثناء الترتيل فإنه تجنب طريقة التجويد التى أصبحت أكثر ارتباطا بالمقرئين المصريين.
--
الشيخ أبو العينين شعيشع.. نقيب المقرئين وآخر رموز عصر التلاوة
قرأت القرآن فى قصر فخرى عبد النور .. ومجالس التلاوة أفرزت عشرات المواهب
مجلس الذكر والنغم
هكذا استفادت المدرسة المصرية فى التلاوة من المقامات الموسيقية
هكذا استفادت المدرسة المصرية فى التلاوة من المقامات الموسيقية
No comments:
Post a Comment