بين ركوب الدراجات وجلسات التأمل وتمارين الزومبا.. أنشطة تضم مشاركين يهربون من صخب الحياة واستنزافها إلى مجموعات تتبنى الترفيه والمرح والسعى إلى التغيير، بعضهم تبدلت حياته بعد ممارسة هذه الأنشطة، وآخرون اكتفوا بالمشاركة والحصول على هدنة، ترتاح فيها عقولهم من التوتر والقلق.
..
«جمعة الدراجات» الأسبوعية.. هواية وترفيه ومرح
فى تمام الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الجمعة، فى شارع قريب من ميدان الساعة فى حى مدينة نصر، تتراص الدراجات فى انتظار اكتمال عدد المشاركين فى جولة بين مدينة نصر وباب الفتوح فى منطقة الجمالية، يلتقط بعض الواقفين دراجات لتجربتها فى الوقت الذى ينشغل فيه مؤسسو فريق (يلا عجلة) بتنظيم ترتيبات الفعالية.
«نتطلع إلى تحقيق نجاح فى نشر ثقافة ركوب الدراجات، وأن ننجح كفريق فى جذب رعاة لنشاطنا، وأن نتوسّع بشكل أكبر ويزداد عدد المشاركين، فما زلنا فى بداياتنا الأولى». يتحدث محمود مصطفى المهندس الشاب بإحدى شركات البترول عن تجربته التى خاضها مع زميليه معتز هشام ومحمد صلاح، حين أسسوا فريق (يلا عجلة) الذى بدأ نشاطه مع بداية شهرمايو. فى ذلك اليوم كان الاختيار أن تكون مدينة نصر هى نقطة انطلاقهم بسبب سعة شوارعها، وإمكانية الانتقال إلى العديد من الأماكن الأخرى المجاورة ذات الشوارع الفسيحة.
هناك أسلوبان للمشاركة فى فاعليات الفريق، الأول أن يأتى المشارك بدراجته الشخصية، أما الثانى فأن يؤجر المشارك دراجة فى مقابل 25 جنيها.
«القيمة منخفضة نسبيا عن فرق أخرى، ولا نحصل إلا على ما يغطى نفقات الرحلة الواحدة، مع هامش ربح بسيط يغطى ثمن دراجات الفريق على المدى البعيد». مازال الحديث لمحمود مصطفى الذى بدا مشغولا مع زملائه فى توضيح بعض النقاط للمشاركين، أهمها أن الرحلة ليست سباقا، وأن على كل فرد أن يظل ملتزما بالتحرك خلف زميله دون الانحراف إلى منتصف الشارع.
فى يوم الجمعة من كل أسبوع تنشط عدة مجموعات لقيادة الدراجات صباحا، حيث تنتشر فى مناطق مثل التجمع الخامس، ومصر الجديدة، والزمالك، والمعادى، وغيرها. ففى صباح اليوم نفسه الذى خاض فيه فريق (يلا عجلة) فعاليته، كان أعضاء فريق (فوربايك) قد اجتمعوا من الساعة السابعة صباحا فى حى الزمالك للانطلاق فى جولتهم بين شوارع الحى الهادئ صباحا. وكانت البدايات الأولى لظهور مجموعات ركوب الدراجات مع العام 2008 بين القاهرة والاسكندرية، كان أبرزها مجموعة (سايكل إيجيبت) ومجموعات أخرى ظهرت فى منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، حتى توالى ظهور المجموعات المشابهة فى السنوات الأربع الأخيرة. ومع توالى ظهور تلك المجموعات كان محمد سليمان أحد من تابعوا تطورها على مدى تلك السنوات، واختار أن يؤسس فريق (فور بايك) فى العام 2012 للمهتمين بعالم الدراجات، حيث لم يقتصر نشاط الفريق على منطقة محددة، بل انتقل بين المحافظات وخارج القاهرة.
«ما رأيته خلال سنوات قضيتها فى هذا المجال، أن هناك من يتعاملون مع الأمر على أنه وسيلة ترفيه يحتاجها بصورة أسبوعية، وآخرون يعتبرونه نشاطا ينطلقون من خلاله فى شوارع القاهرة بحرية وأمان، هذا بعيدا عن كون قيادة الدراجات وسيلة انتقال نموذجية». هكذا تحدث مؤسس فريق (فور بايك) عن شخصيات شاركت معه على مدى سنوات، خاضوا فيها حب الانطلاق بين أماكن متنوعة، مستكملا حديثه قائلا: «يشارك معنا شخصيات ذات مناصب ومسؤوليات عالية، لكنهم وجدوا فى قيادة الدراجات فرصة للانطلاق والهروب من الضغوط اليومية».
بالعودة إلى ميدان الساعة فى مدينة نصر وفريق (يلا عجلة)، فإن المشاركين قد بدأوا فى الاستعداد للانطلاق بدءا من الساعة الثامنة صباحا. ياسر حلمى وإسراء أحمد طالبة الفنون الجميلة، كانا ضمن المشاركين مع أصدقائهما، وبينما يتذكر ياسر بعض المواقف التى تعرض فيها لسخرية من المارة، وهو ما حدث بشكل سريع أمام بوابة الفتوح فى ذلك اليوم، حين تلقوا عبارات مازحة من المارة، إلا أن زميلته إسراء تتذكر مواقف إيجابية مثل دعم المارة لها كفتاة تنطلق بدراجاتها فى فعاليات سابقة. وفى فعاليات أخرى يعود بعض المشاركين إلى منازلهم ليدونوا انطباعاتهم على صفحة الفريق فى شبكة فيسبوك الاجتماعية، ويقدموا عبارات من نوعية «لازم أشكركم بجد إنتم شقلبتم يومى كله.. عمر ما كان هيكون كده الا بيكوا. أنا فخووور بيكوووا جدا جدا» هذا ما ذكره أحدهم فى إحدى الفعاليات الأخيرة.
بدأت رحلة فريق (يلا عجلة) فى شارع صلاح سالم، بمشاركة فريق آخر هو (كايرو سبورت)، وهو فريق لا يتخصص فقط فى ركوب الدراجات، بل يهدف إلى تشجيع الرياضات والترفيه بشكل عام، ينظم مباريات فى البولنيج والمشى والتنس وغيرها، وفى ذلك اليوم كانت هناك شراكة بين المجموعتين فى الانطلاق سويا إلى القاهرة الفاطمية، حيث لم يقتصرالأمر على مجرد التحرك بالدراجات، بل أعقبه جولة فى شارع المعز وإفطار جماعى.
تسعى فرق قيادة الدراجات إلى تقديم خدمات أفضل وتحقيق سمعة جيدة لدى المشاركين، ليجنى أكثرها نشاطا فرصة كسب رعاة لفعالياته والحصول على دعم من جهات مهتمة بهذا النشاط.
«ندعم قيادة الدراجات لما يمكنها أن تقدم من حلول لمشاكل التلوث البيئى وتجاوز مشكلة الزحام، لذا نتواصل مع فرق قيادة الدراجات المختلفة، وندعم رسم خطوط أرضية تحدد مسارات الدراجات فى طرق مدينتى شبين الكوم والفيوم». تتحدث ندى طنطاوى الاستشارى الإعلامى لمشروع استدامة النقل فى مصر، الذى ينفذه جهاز شئون البيئة بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومرفق البيئة العالمية. وترى المستشارة الإعلامية أن على الدولة أن تقدم خدمات تدعم هذا التوجه، بتحديد طرق ومسارات تساعد فى انتشار الفكرة، طامحة أن تتاح الفرصة للمتطوعين بأن يتحركوا لطلاء مسارات فى الطرق للدراجات، وتقول: «انتشار الفرق التى تشجع على قيادة الدراجات هى بداية قبول قيادة الدراجات فى الشارع». ويخصص «مشروع استدامة النقل فى مصر» أماكن قرب الجامعات ومحطات النقل لتخزين الدراجات، على أمل تسهيل الضغوط التى تواجه قائد الدراجة فى الشارع المصرى، على حد قول ندى طنطاوى. أما الهدف الأبعد ذو الطابع الدولى، فهو تخفيض الانبعاثات ودرجة التلوث باللجوء إلى وسائل نقل آلية كالدراجات.
..
«ينشغل عقلنا بتفاصيل الحياة اليومية وأعبائها، لذا نسعى هنا إلى تنشيط العقل الباطن، وأن نعط استراحة لعقلنا من الاستهلاك اليومى». يتحدث مصطفى جاد مؤسس مبادرة سلام الدولية ومدرب التأمل، وهو يجلس فى صالة جانبية من مكتبة البلد فى منطقة وسط البلد القاهرية، حيث يبدأ فى تجهيز المكان لجلسة التأمل الأسبوعية التى تحمل عنوان «التخيل الذهنى على الطريقة الصوفية». يوقد الشموع ويشعل أعواد البخور، وفى خلفية حديثه موسيقى معـَدة خصيصا لجلسات التأمل، ألّفها موسيقيون متخصصون بهدف التحكم فى مزاج الحاضرين بنغمات الموسيقى. يستكمل مصطفى جاد حديثه قائلا: «هناك أنواع عديدة من التأمل، واخترنا التأمل التجاوزى فى هذه الجلسة، حيث نتجاوز التفكير الظاهر بتفكير آخر باطنى، ونفتح مساحات للتخيل والاسترخاء من أجل راحة العقل».
تدرب مصطفى جاد على يد متخصصين عرب وأجانب فى مجال التأمل، مضيفا لمساته على جلسات التأمل التى ينظمها مع الالتزام بالقواعد العامة المتفق عليها فى هذا النوع من الجلسات. وأسس مصطفى جاد فى العام 2013 مبادرة سلام التى تعمل فى العديد من المجالات الفنية، منها الفن الروحانى كالتأمل واليوجا، كما يتم توجيه الحاضرين فى بعض الجلسات إلى الرسم أو العزف أثناء الجلسة.
تبدأ الجلسة وسط رائحة البخور حين يدخل أعضاء الجلسة الذين التقوا لأول مرة إلى الصالة، ويطلب المدرب أن يجلس كل شخص بعيدا عن أصدقائه أو أقربائه حتى يشعر بحرية أكبر فى أثناء الجزء الخاص بالتخيل دون تأثير خارجى، يجلس الجميع فى دائرة تحيط بها رائحة البخور من كل جانب، ويشرح المدرب الأقسام الثلاثة للجلسة، ثم يبدأ الجزء الأول بمجرد إطفاء الأنوار والإبقاء على ضوء الشموع، مع نور بسيط يتسلل أسفل ستارة سوداء فى واجهة الصالة.
من بين نحو 20 فردا جمعتهم الرغبة فى التأمل والسكون فى مكتبة البلد، كان أحمد عز الذى يعمل فى إحدى شركات البترول قد حضر جلسة سابقة، ثم أعاد التجربة مرة أخرى قائلا: «أنا أفكر فى عدة أشياء فى الوقت نفسه، سواء مشاكل شخصية أو مهنية، وأجرى عدة لقاءات فى اليوم الواحد، لذا أبحث عن تجربة أصفى بها ذهنى وأقلل من التوتر». يخوض أحمد عز تلك التجربة، طامحا أن يستمر فى ممارسة التأمل، حتى إن كان ذلك بشكل فردى فى منزله أو فى مكان مفتوح، خاصة أن المدرب قد وعد فى الجلسة بإعطاء إرشادات تساعد الحاضرين فى ممارسة التأمل بشكل حر.
فى الجزء الأول من الجلسة، يؤهل المدرب الحاضرين بطلب الجلوس فى جلسة مريحة، حيث يحركون أصابعهم بشكل دائرى وهم مغمضو الأعين، يستمعون إلى الموسيقى ويميلون رءوسهم فى حركات دائرية لمدة ربع ساعة. بعدها يطمئن المدرب على الجميع، ثم يبدأ الجزء الثانى مع مقطوعة موسيقية ذات طابع صوفى، مطالبا إياهم بإطلاق خيالهم لصنع تصورات عن الموسيقى وإبداع مشاهد أثناء تأملهم الصامت. بعد انتهاء الموسيقى يسأل المدرب عن المشاهد التى تخيلوها، ثم ينتقل الجميع إلى الجزء الثالث مع إنشاد دينى للشيخ نصر الدين طوبار، وفى جلسات أخرى تقوم هذه الجلسة على إبداع الحاضرين فى الرسم أو العزف الموسيقى، والهدف من هذا الجزء هو التأمل الحر والتخلى عن الأفكار التى ينشغل بها العقل الواعى.
كانت ممارسة التأمل أحد الموضوعات التى اهتمت بها الدراسات الطبية فى عدد من الجامعات العالمية، منها ما نشرته مجلة الجمعية الأمريكية لأطباء القلب، إذ توصلت دراسة تعود إلى العام 2012 إلى أن ممارسة التأمل تقلل من احتمالات الوفاة بالسكتة القلبية بنسبة 48% مقارنة بالذين لا يمارسون التأمل. بينما قالت دراسة حديثة صادرة عن جامعة بليموث البريطانية أن ممارسة التأمل يمكنها أن تكون بديلا عن العقاقير الكيميائية المضادة للاكتئاب.
«زيادة القدرة على التركيز هى الهدف الرئيسى من جلسة التأمل، وما نقدمه هنا هو مستوى للمبتدئين، فهناك مستويات أعلى فى جلسات التأمل تقام فى أماكن مفتوحة، كالتى أقمناها فى حديقة الأزهر أخيرا». يوضح المدرب مصطفى جاد أن الهدف الرئيسى من هذا النشاط أن يبتعد المشارك عن ضغوط الحياة والقلق والتوتر.
تنتهى الجلسة بعد أقل من ساعة، بسؤال من المدرب إلى الحاضرين عن تأثير التجربة عليهم، بينما يتوجه الجميع بعد الإجابة إلى الخارج، حيث يواجهون حياتهم بذهن أهدأ.
حين بدأت يمنى محمد الفتاة العشرينية ممارسة تمارين «الزومبا» قبل سنتين، كانت تمر بحالة من السخط بسبب ضغوط الحياة والضيق من دراستها لطب الأسنان، ورغم ممارستها الرياضة فى سنوات سابقة، فإنها اختارت قبل سنتين أن تحضر دروس الزومبا، على أمل أن يعدل ذلك من مزاجها.
«أستطيع القول بأن حياتى قد تغيرت بعد الانتظام فى هذه التمارين، فهى تستهلك الطاقة السلبية التى نتحرك معها على مدى اليوم، وأصبح اليوم الذى أبتعد فيه عن التمرين يوما ناقصا». تتحدث يمنى محمد عن تجربتها التى أثرت فى مجرى حياتها إلى حد كبير.
«الزومبا» برنامج لرفع مستوى اللياقة البدنية، تأسس على يد مدرب كولومبى اسمه بيتو بيريز فى التسعينيات، قائم على مزج الرقص اللاتينى مع حركات الأيروبكس الرياضية، وانتشرت الزومبا بين أكثر من 180 دولة، ويمارسها 15 مليون شخص، وذلك حسب موقع zumba.com، الذى يقدم معلومات عن هذا النشاط، ويسجل المدربين المعتمدين حول العالم.
كما تشير نتائج دراسات منشورة إلى تأثير الزومبا على تنظيم ضربات القلب ومقاومة الاكتئاب وحرق السعرات الحرارية.
أما الطبيبة الشابة يمنى محمد فقد اتخذت قرارا بعد سنة قضتها مع تمارين الزومبا، وحولت إحساسها بالنشاط إلى طاقة دفعتها إلى أن تصبح مدربة معتمدة فى هذا المجال، وأصبح ذلك عملاً إضافياً لا يبعدها عن تخصصها الأصلى فى طب الأسنان.
فى داخل صالات التدريب تبرز ظاهرة تمثيل الفتيات بنسبة أكبر عن الشباب، وهو ما تعلق عليه سالى سلامة المدربة المعتمدة قائلة: «ازدياد اقبال الفتيات عن الرجال هى ظاهرة عالمية، كذلك فإن طبيعة المجتمع تفصل أحيانا بين الرجال والنساء أثناء ممارسة هذه التمرينات». وتوضح المدربة التى تصدرت بعض الفعاليات أخيرا أنها وجدت حين بدأت التدريب فى العام 2007 أن ممارسة هذه التمارين مقتصرة على ثلاثة مراكز رياضية، بينما تلاحظ الآن أن عدد المتقدمين للحصول على تدريب معتمد فى هذا المجال يزيد على 200 متقدم كل شهرين.
خرجت ممارسة تمارين الزومبا أخيرا إلى مساحات أخرى فى الأماكن المفتوحة ضمن فعاليات عامة، مثل استغلالها فى حملة ضد التحرش قبل عام، ورعاية المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدى لفعالية أخيرا استغلت الأجواء المرحة للزومبا فى التعبير عن دعم مرضى السرطان. وحسبما تشرح سالى سلامة فإن ممارسة هذا النشاط يزيد من وعى الفرد بجسده، وإحساسه بالقدرة على التحكم، ما يزيد الثقة بالنفس.
وفى الوقت الذى يتكلف فيه الفرد ما يوازى 300 دولار كى يصبح مدربا معتمدا لتمارين الزومبا، فإن العاملين فى هذا المجال ينفون أن يكون هذا النشاط مقتصرا على فئة ميسورى الحال، إذ تقول سالى سلامة إن إحدى الفعاليات لم تكلف الفرد أكثر من 50 جنيها، وأن تلك التمارين قد أصبحت جزءا أساسيا فى العديد من الصالات الرياضية، كما أن هناك مدربين معتمدين خارج القاهرة.
أما الطبيبة الشابة يمنى محمد التى احترفت التدريب على الزومبا قبل سنة، فترى أن أجواء النشاط والمرح والحرية المرتبطة بهذه التمارين، لابد أن يصاحبها مدرب ذو مزاج منفتح، لا تفارقه الابتسامة طول الوقت، لديه اهتمام بالمتدربين، حتى إن اقتصر هدف بعضهم على التخسيس.
No comments:
Post a Comment