Thursday, February 2, 2012

الألتراس السياسى.. مجموعات تستحضر روح المشجع الرياضى


البرادعاوية ينشدون: حلمنا بالتغيير يعم بلدنا .. ومعاك اتحققت كل أحلامنا
والإسلاميون يهتفون: إحنا الإخوان بنجيب أجوان .. وبره الملعب بنجاهد كمان

عبد الرحمن مصطفى
بين ألتراس برادعاوى وألتراس عمرو موسى وألتراس الإخوان وألتراس إسلاميين اختلافات فى الهدف والشكل، لكن يجمعها جميعا أنها استحضرت روح الألتراس فى أنشطتها المختلفة. فبعد عام من الثورة لم تعد صورة الألتراس هى مجرد مجموعات رياضية للتشجيع الكروى، بل تطورت كى تبرز دورها المؤثر فى مجرى الأحداث، هذا الوضع الجديد دفع البعض إلى التشبه بالألتراس وتكوين مجموعات ذات أهداف سياسية تحت اسم الألتراس، ويعلق محمد ناظم ــ مؤسس ألتراس برادعاوى قائلا: «مثلما هنالك مجموعات ألتراس تؤيد فرقا كروية، فليس هناك حرج فى تكوين رابطة ألتراس حول زعيم سياسى أو مرشح رئاسى أو غير ذلك».
فكرة ربط اسم الألتراس بمجموعات تتبنى تيارا سياسيا مرفوضة من البعض، إذ يرى هؤلاء أن «كل ما تفعله هذه المجموعات ليس له أصل، وما يحدث داخلها ليس له صلة حقيقية بالألتراس الرياضى أو الكروى، إذ إن الألتراس الرياضى هو الأصل ولا يوجد غيره»، فالألتراس فى الأصل هو مجموعات تشجيع رياضية محسوبة على أندية مثل الأهلى والزمالك والإسماعيلى وغيرها، وتعود نشأتها فى مصر إلى العام 2007، مؤكدة أنها مجموعات رياضية فقط، وتعطى لأعضائها حرية الاختيار السياسى خارج المجموعة. فكلمة «ألتراس» هى كلمة لاتينية مشتقة من ULTRA والتى تأتى بمعنى الفائق أو فوق الطبيعى فى إشارة لانتماء مجموعات الألتراس وحبها لأنديتها الفائق للعادة. لكن كيف بدأت المجموعات السياسية فى التشبه بنمط الألتراس؟ يعود محمد ناظم ــ مؤسس ألتراس برادعاوى ــ ليصف النشأة الأولى للفكرة فى مجموعة على شبكة فيس بوك الاجتماعية عقب تنحى مبارك بأسابيع قليلة. مع الوقت نمت المجموعة، وتم التنسيق مع حملة دعم البرادعى لتتكون مجموعات أخرى فى المحافظات، كما أن هناك شريحة أساسية من أعضاء «برادعاوى» ينتمون فى الأصل إلى رابطات ألتراس رياضية وجمعهم الإيمان بالدكتور محمد البرادعى وطريقة تفكيره، وهو ما يحاولون نقله إلى الجماهير بطرق مختلفة يشرحها محمد ناظم قائلا: «بعضنا يتواجد حول الدكتور البرادعى فى جولاته الميدانية، وهدفنا أن نكون واجهة لفكره أمام الجماهير، ورد الاتهامات الموجهة إليه، حتى ولو بتأليف الأناشيد وغنائها، أو صناعة فيديوهات تكشف الحقيقة على الانترنت».
فى أحد الفيديوهات على موقع يوتيوب لألتراس برادعاوى، نشيد يقول: «البرادعى قالها قوية، مصر عايزة ديمقراطية، وحلمنا بالتغيير يعم بلدنا، ومعاك اتحققت كل أحلامنا».. هذا النشيد كان إهداء من ألتراس البرادعى فى بورسعيد، وحسب محمد ناظم فهناك حالة من اللامركزية فى بث الأفكار داخل المجموعات المختلفة بالتنسيق مع الحملة، أى أن لهذه المجموعات ملامح قد تشبه الألتراس الكروى فى الهتافات أو فى رسم الجرافيتى على الجدران، لكن هناك أيضا أنشطة لا تختلف كثيرا عن الأنشطة التقليدية مثل :التبرع بالدم، أو التواجد فى الفعاليات والمظاهرات. ويقول محمد ناظم: «هذه الأنشطة تكون فى فترة توقف الفعاليات والمظاهرات التى غالبا ما نكون متواجدين فيها أيضا».
يقدم أعضاء ألتراس برادعاوى أنفسهم على أنهم «أول ألتراس سياسى فى مصر». لكن الوصف نفسه استخدمته مجموعة أطلقت على نفسها «ألتراس الإخوان المسلمين»، أما أعضاء ألتراس عمرو موسى فيؤكدون أنهم الأقدم تواجدا فى مدرجات الجماهير الكروية منذ مباراة الأهلى والزمالك الشهيرة فى يونيو الماضى، لكن تاريخ تأسيس تلك المجموعات على شبكة فيس بوك الاجتماعية يجعل الأسبقية لألتراس برادعاوى ثم ألتراس الإخوان.

تسمية مضللة

وفى فيديو آخر على الانترنت بعنوان «ألتراس عمرو موسى» يعود إلى شهر سبتمبر الماضى، نجد شبابا يقدمون هتافات على طريقة هتافات مشجعى الكرة باسم المرشح الرئاسى المحتمل. هؤلاء هم جزء من الحملة الانتخابية، وحسبما يصف محمد موسى المنسق الإعلامى للحملة، فهناك قطاع داخل الحملة باسم «الألتراس» ويقوده بعض الرياضيين السابقين فى المحافظات من الداعمين لعمرو موسى. وداخل هذه المجموعات شباب ينتمون إلى الألتراس الكروى التقليدى الذى عرفته المدرجات المصرية.
بعض المنتمين إلى الألتراس الرياضى والذين لا يحملون خلفيات سياسية يرون هذه المجموعات بشكل مختلف، إذ يقول عضو فى مجموعة من مجموعات الألتراس المصرية ــ رفض ذكر اسمه ــ إن الألتراس السياسى فى مصر مجرد «رابطات سياسية بها أعضاء ألتراس ينقلون بعض ملامحهم وحماسهم إليها، لكن التسمية مضللة ولا يمكن مقارنتها بالألتراس الكروى الذى عرفته مصر قبل الثورة بسنوات، وما أصبح يسمى بالألتراس السياسى هو ذو طابع دعائى فى النهاية له صلة بالانتخابات والتواجد السياسى». لكن هل يمكن أن تنمو ظاهرة الألتراس السياسى وتؤدى إلى اشتباكات فى يوم من الأيام سواء إذا ما تواجد أعضاؤها داخل المدرجات أو فى الشوارع والفعاليات المختلفة؟ يقول محمد موسى المنسق الإعلامى لحملة عمرو موسى: «لا أتوقع أن يحدث أى صدام بين مجموعات الالتراس السياسية فى يوم من الأيام بسبب حماسهم الزائد، فعلى الأقل أنا أضمن من معنا من الشباب».
لكن بعيدا حتى عن السياسة فإن نمط حياة الألتراس الرياضى قد نال تحفظات من قبل بعض الشباب الملتزم الذى أبدى اعتراضه على احتواء الهتافات على عبارات سب وشتم، ولذلك كانت فكرة ظهور ألتراس الإخوان بمثابة صدمة لكثيرين، ونالت كما لا بأس به من التعليقات. فمنذ مايو الماضى فوجئ جمهور الانترنت بفكرة قد تداولها الإعلام عن تكوين ناد رياضى لجماعة الإخوان المسلمين ثم ظهرت مجموعات وصفت نفسها بألتراس الإخوان المسلمين، ومنذ البداية كان المجال فسيحا للنوادر والنكات من زوار المنتديات والشبكات الاجتماعية، كأن يكتب أحدهم معلقا: «ألتراس الإخوان هيولعوا بخور فى المدرجات بدل الشماريخ !!». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل انتشرت عدة صفحات على الفيس بوك لألتراس الإخوان، وتوافد المشككون من المنتمين إلى الجماعة على هذه الصفحات متهمين إياها بأن هدفها النيل من الإخوان المسلمين ونقل هذه الجمل الساخرة على صفحاتهم.


الإخوان المسلمون.. جماعة رياضية

حسام البدرى أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين هو مدير الصفحة الأهم التى تضم أكثر من 16 ألف عضو تحت اسم ألتراس إخوان UBH، ويقول عنها: «الموضوع بدأ كفكرة، تزامنا مع فكرة تأسيس ناد للإخوان المسلمين، لذا بدأنا هذه المبادرة مبكرا وفى بالنا أن تكون نواة الرابطة الكروية، على أن تكون لها هتافاتها المقبولة، وأن تمارس التشجيع دون تعصب أو عنف، وتكون نموذجا فى التشجيع بديلا عما يحدث فى الملاعب الآن». ثم يذكر حسام البدرى فى حديثه بأن جماعة الإخوان المسلمين فى إحدى صفاتها هى جماعة رياضية وهناك «ورد رياضى» يقال قبل التدريبات، لكن لماذا كان اختيار اسم ألتراس ما دام الأمر مجرد مبادرة تأسيس رابطة للتشجيع؟ يعود حسام ليقول: «أنا أتحدث عن رابطة مشجعين من الإخوان فى المستقبل، وستجد الكثير من المبادرات التى تأثرت بروح الألتراس وأرادت التشبه بها، لكن على طريقتنا».
أحد أشهر الفيديوهات المنسوبة لألتراس الإخوان يعود إلى أغسطس الماضى، ويضم هتافات لمجموعة من الشباب ينشدون: «إحنا الإخوان.. بنجيب أجوان.. وبرة الملعب بنجاهد كمان». كل تلك المحاولات لم تسفر عن نموذج واضح بعد، بل شباب يحاكون ملامح الألتراس، وينطبق ذلك أيضا على نموذج مجموعة ألتراس الحرية والعدالة الإخوانى الذى شوهد فى الإسكندرية وبنى سويف أثناء انتخابات مجلس الشعب الماضية. «كلها كانت مبادرات لم تسفر عن كيان واحد يتبع الجماعة أو الحزب، بل مجرد أفكار تأثرت بروح الألتراس، وبعضها ظهر واختفى»، بحسب وجهة نظر حسام البدرى، نائب مدير شبكة نبض الإخوان.
وفى المسافة التى بدأت من ألتراس البرادعى وصولا بألتراس الإخوان يضاف إلى يمين هذه المجموعات ألتراس الإسلاميين، وهو ليس مجموعة رياضية بقدر ما هو فكرة حسبما يروى شريف عاطف (أبوحمزة) الذى يقول: «بدأ الأمر بمبادرة تجمع شباب إسلاميين من تيارات مختلفة ينتمون إلى الإخوان والسلفية والتبليغ والدعوة والأزهر، وكوّنوا فريقا إعلاميا كان أحد منتجاته فيديو ألتراس الإسلاميين الذى لفت الانتباه بشدة». ورغم أن أبو حمزة كان مشجعا مخلصا فى مدرجات النادى الأهلى إلا أنه لم ينضم لا هو ولا أصدقاؤه من قبل إلى مجموعة ألتراس حقيقية، فالكليب السالف ذكره هو ضمن أعمال فريق من الشباب الإسلامى تحت اسم «ودن واحدة» وشعارهم: «ودن واحدة مش كفاية.. نسمع بعض.. نسمع صح» الذى تحول إلى برنامج على قناة الحكمة الفضائية الآن. وبالتالى هم ليسوا مجموعة ألتراس كروية، ولا هم ألتراس سياسى، بقدر ما يحاولون استعارة روح الألتراس. ويوضح شريف أبو حمزة قائلا: «فى ميدان التحرير وأثناء أحداث الثورة على مدار عام مضى التقينا المسيحيين والليبراليين وكذلك اختلطنا بشباب الألتراس، وهدف الفيديو التأكيد أنه ليس من المستبعد على شاب إسلامى أن يحاكى شكل الألتراس». ورغم أنها كانت تجربة أشبه ببالون اختبار فقد نال الفريق تعليقات محافظة تلوم عليهم محاكاتهم الألتراس، وأنه لا يصح على شاب ملتزم أن يهتف على طريقة مشجعى الكرة، والغريب أن الفيديو كانت به هتافات للإسلاميين والأقصى وغير ذلك. لكنك «لن ترضى كل الناس»، على حد قول شريف.


حزب «بلادى»

كل هذه (الألتراسات) المختلفة لا تعبر عن المعنى الحقيقى للكلمة، حسبما يرى رامى صلاح عضو ألتراس أهلاوى الكروى الذى يعلق: «ما حدث فى هذه المجموعات مهما كان حجمها هو تقليد لنمط الألتراس فى التنظيم والهتافات والحماس الشديد، لكن الأصل هو روابط التشجيع الكروى التى نعرفها فى مصر منذ سنوات.. مع الأخذ فى الاعتبار أن داخل كل مجموعة ألتراس كروى هناك من يحملون انتماءات سياسية، لكن الرياضة تذيب كل هذا فى لحظة التشجيع». رامى صلاح هو أيضا عضو لجنة التواصل فى حزب «بلادى»، أحد الأحزاب الحديثة بعد الثورة. كان الحزب قد تصدر وسائل الإعلام قبل أسابيع بعناوين متشابهة عن أن : شباب الألتراس يؤسسون حزبا سياسيا لهم. ولا يخفى رامى صلاح أن هذه الصورة أحدثت جدلا بين أعضاء الحزب الذى ينتمون إلى الألتراس وبين قادة الألتراس الرياضى، إذ خشى بعض أعضاء الرياضى من أن تبدو مبادرة الحزب وكأنها محاولة للتشويش على عمل تلك المجموعات الرياضية الأصيلة، لذا قرر أعضاء الحزب مؤخرا ألا يتم تصعيد الأعضاء المنتمين للألتراس إلى رئاسة لجان الحزب حتى يتفرغوا إلى دورهم فى مجموعاتهم الرياضية الأصلية. الأمر الذى ارتضاه رامى صلاح، الذى وضع قدما فى السياسة وقدما أخرى فى التشجيع الكروى، مؤكدا أن روح الألتراس تركت أثرا كبيرا لدى قطاع كبير من الشباب، مما أدى إلى محاولات لاستنساخها. وينفى رامى أن يكون الحزب امتدادا لمجموعات الألتراس بأى حال، موضحا أن الحزب يعتمد فى غالبيته على شريحة الشباب مثل العديد من أحزاب ما بعد الثورة، لكن تواجد بعض الكوادر الأساسية ذات خلفية التشجيع الكروى يعطى حماسا أكبر ومجالا للحركة. ويضيف رامى صلاح: «أكبر ميزة فى روح الألتراس هى الحماس، وهو ما نريده أن ينتقل إلى روح الحزب، وطوال الفترة الماضية ــ بعد الثورة ــ كنا نحاول أن ننمى أنفسنا فى مجال العمل السياسى، وأن نقيم مبادرات خدمية أيضا، بدلا من تركها للإسلاميين فقط، فبفضل تواجدنا فى الشارع من الآن فصاعدا سيتذكرنا الناس ويتأكدون من مصداقيتنا».


ثلاثة تصنيفات عالمية


فى كتاب «الألتراس» ( دار دون، 2011) يذكر محمد جمال بشير، أحد مؤسسى رابطة «الوايت نايتس» المحسوبة على نادى الزمالك، أنه من المعروف دوليا أن هناك ثلاثة تصنيفات للألتراس والسياسة فى العالم، مجموعات اليسار أو ما يطلق عليهم «أنتيفا» وهى مجموعات تأسست على خلفيات سياسية يسارية لأفرادها، ومجموعات اليمين التى هى فى العادة مجموعات عنصرية شديدة التطرف، ومجموعات أخرى غير مسيسة نتيجة عدم توافق أفرادها على اتجاه سياسى محدد، وهو ذلك النوع الذى تنتمى إليه أغلب مجموعات الألتراس المصرية. هنا يتوقف محمد جمال بشير نافيا الصفة السياسية عن مجموعات الألتراس الكروية فى مصر.
لكن بعيدا عن ذلك فإن تلك المجموعات الكروية فى أوروبا على وجه التحديد يتبنى بعضها مواقف فاشية ونازية متطرفة فى ناحية اليمين السياسى، وعلى الجانب الآخر هناك مجموعات من الألتراس أكثر عددا اختارت التيار اليسارى، وهم الأغلبية، لكن يظل الألتراس ظاهرة كروية تأتى السياسة على هامش أنشطتها، وفى مصر تحديدا تصر مجموعات مشجعى الألتراس الكروية على عدم تبنى مواقف سياسية تاركين مساحة للأعضاء فى خارج المجموعات الأصلية.
PDF

No comments:

Post a Comment