Tuesday, January 24, 2012

الشعار الخفى للثائرين: معا ضد الأبوية


«زي والدك» آخر قشرة تحمى الديكتاتور فى مواجهة «الأبناء الثائرين» .. إن كنت «إخوانيا».. فلا تجادل ولا تناقش .. وإن كنت طالبـًا جامعيـًا «لا تغضب من أستاذك حين يستعيلك».. وحين تكون فى الكنيسة «لا تهتف ضد العسكرى»

فى مساء 10 فبراير من عام 2011 ألقى مبارك خطابه الأخير، مفتتحا عباراته بقوله: «أتوجه إليكم جميعا بحديث من القلب، حديث الأب لأبنائه وبناته». ورغم أنه تنحى عن الحكم فى اليوم التالى إلا أن تلك النبرة الأبوية مازالت أصداؤها مستمرة على مدى عام كامل فى الإعلام والسياسة، فبعد أن اختفى مبارك ظهر إعلاميون وسياسيون تحدثوا بنبرة أبوية غليظة وصفت الشباب المتظاهر بسوء التربية وقلة الأدب، وفى مواضع أخرى استخدموا النبرة الأبوية نفسها بشكل مختلف ليصبح الشباب هم الجيل الذى شرفنا. «هذه الحالة ليست جديدة.. فكل من يبحث عن الهيمنة وعن تدعيم سلطته يمارس دور الأب، لتبرير تجاوزاته وقمع أى محاولة تضعه فى إطاره الصحيح»، هذا التفسير من الدكتور أحمد زايد ــ أستاذ علم الاجتماعى السياسى بجامعة القاهرةــ يدعمه بأمثلة أخرى، منها لغة الرئيس الراحل السادات الذى أصر على استخدام ألفاظ مثل «العيب»، و«العائلة»، و«أولادى»، وكلها تحوله من رئيس إلى أب يهذب ويربى بعيدا عن تقييم إدارته لمؤسسات الدولة.
هذه الحالة الأبوية التى استمرت بعد الثورة واجهت مقاومة شبابية فى العديد من المؤسسات، وعلى رأسها مؤسسة الجامعة. «كل ما كنا نطلبه هو أن يكون لدينا صوت وتقدير لدى الإدارة، وألا يتم الاستهانة بنا فى أى وقت «، هكذا عبرت مى عزت، الطالبة بكلية الإعلام فى جامعة القاهرة، والتى انضمت لمجموعة من الطلبة فى مارس الماضى، للتعبير عن رافضهم لعميد كليتهم الذى أهان شباب الثورة قبيل التنحى، مشيرة إلى «خلفيته المنتمية إلى الحزب الوطنى المنحل».. كلها أمور دفعتهم إلى مطالبته بالرحيل مستعيرين النموذج الأكبر فى رحيل مبارك.
تقول مى: «كان يأتى بعض زملائنا ليتساءلوا: إنتوا عايزين إيه منه؟.. ده برضو راجل كبير ومحترم.. ما ينفعش تهتفوا ضده، وكنت أشعر أننا فى الموقف نفسه مع مبارك، وبعد أن جرت انتخابات العمادة فى الكلية وأتت بعميد جديد، احترمنا نتائجها.. كل ما نطلبه أن يتحقق التغيير لتدار البلد بشكل مؤسسى نزيه، وألا يتم تهميشنا فنحن من يتعلم هنا!».
مظاهر الأبوية فى الجامعة لا تتوقف على مواجهات بين الطلبة والإدارة فى ظرف سياسى، بل لها مظاهر أخرى فى العلاقة اليومية، كأن يطلب أستاذ من طلبته الحضور إلى إحدى الفاعليات التى يديرها خارج الجامعة ويلومهم بأسلوب أبوى إذا ما تهربوا من الحضور، لكن الثورة غيرت ملامح الجامعة فى العامين الدراسيين الأخيرين مع ازدياد النبرة الاحتجاجية الحقوقية بين الطلبة.. تعلق مى عزت طالبة الإعلام قائلة: «كل ما حدث لم يذهب هباء، فمجموعة الاعتصام الأولى تطورت إلى جبهة جديدة هدفها إرساء مناخ ديمقراطى بين الطلاب والأساتذة».
فى مجال التعليم يبرز الخطاب الأبوى فى ألفاظ واضحة مثل «تعالى يلا»، أو فى عبارات الشكوى من الطالب كثير الأسئلة، والهدف هو هيمنة الأستاذ وإعطاؤه سلطة مطلقة بعيدا عن المهنية، وذلك حسبما يرى الدكتور أحمد زايد ــ أستاذ علم الاجتماع السياسى ــ إذ يرى أيضا أن ضعف المؤسسات أوجد علاقة «التابع والمتبوع» داخل المؤسسات بعيدا عن اللوائح والقواعد».


لا تجادل ولا تناقش
على مدى العام الماضى أتيح المجال بشكل أكبر لتأسيس أحزاب سياسية، لكن داخل كثير من تلك الأحزاب الجديدة كان هناك هاجس من تكرار ظهور «أقطاب»، و«رموز» ينفردون بالقرار والمشهد، أحد تلك الأحزاب هو حزب «التيار المصرى» الذى صاحب تأسيسه صخبا وعناوين من نوعية: «شباب الإخوان يخالفون قرار المرشد ويؤسسون حزب التيار المصرى». وكانت الصورة وقتها عن محاولة للهروب من أبوية قيادات الجماعة إلى كيان مؤسسى يدار بشكل مختلف بين مجموعات من الشباب. «الحزب فى مجمله يضم شبابا متآلفين مع خط الثورة والتغيير، القصة بدأت فقط بمجموعة أغلبها من شباب الإخوان. لكن على أرض الواقع فأغلب أعضاء الحزب من الشباب ولأنهم مع الثورة فهم بالضرورة ضد التسلط الأبوى الذى نواجهه فى السياسة، الأمر ليس له علاقة بالإخوان فقط!»، هذا ما يراه أحد الأعضاء المؤسسين فى حزب «التيار المصرى»، أما عن التجارب الحزبية الأخرى الناشئة فرغم وجود أسماء لامعة داخلها فإن الحالة العامة مع غياب «القائد، الأب، الرئيس» قد انعكست على الأحزاب وعلى السياسة.
وفى تجارب قريبة من نموذج «التيار المصرى»، يأبى أعضاء الحزب من الشباب تقديم مشروعهم عن طريق رموز أو مشاهير. وحسب المصدر نفسه من حزب «التيار المصرى» فإن هناك هاجسا دائما من أن يحاول البعض ممارسة الدور الأبوى فى الوصاية وقمع الآراء نتيجة نشأته فى بيئة تمارس هذه السلوكيات، ويعلق على ذلك قائلا: «ليس أمامنا من حلول سوى الالتزام بفكر الحزب القريب من تطبيق الديمقراطية التشاركية ولائحة الحزب، كما أننا مستفيدون من التشبيك عبر (فيس بوك) للتواصل بين كل الأعضاء، والأهم من هذا أننا نمارس رقابة على أنفسنا، فنحن قد رأينا ما كان فى عالم السياسة قبل الثورة، ولا نريد رؤيته مرة أخرى، كذلك استوعبنا درس الانتخابات التى أثبتت لشباب الثورة أن السياسة لها قواعد أخرى بعيدا عن شهرة الشخص أو إخلاصه فقط لقضيته..».
الأمر أكثر اختلافا داخل كيانات أخرى ذات بنية مختلفة مثل جماعة الإخوان المسلمين، إذ تزايدت رهانات فى كتابات وتحليلات المعلقين على تزايد حالات انسحاب الشباب هروبا من الحس الأبوى داخل الجماعة، إذ تستمد القيادات سلطتها من تاريخها النضالى على الأصغر سنا. بعض المجموعات من شباب الجماعة دخلت فى هذا الصراع مع الأبوية وانتهى الأمر إما إلى الانسحاب أو محاولة الإصلاح من الداخل، أشهر تلك الحالات نجدها على (فيس بوك) فى مجموعة «لا تجادل ولا تناقش.. أنت إخوانجى»، يصفون أنفسهم قائلين: نحن مجموعة من شباب الإخوان المسلمين «الحاليين والسابقين» من جميع المستويات داخل الجماعة، نستهدف التغيير والإصلاح من داخل الجماعة. وفى صدر صفحتهم كتبوا: «ينبغى أن يكون الأخ بين يدى مرشده أو نقيبه أو مسئوله كالميت بين يدى من يغسله يقلبه كيف يشاء»، وهذا فى سخرية من سطوة العلاقات داخل الجماعة التى يرغب البعض فى أن تقوم على السمع والطاعة.
يرى الكاتب الصحفى عبدالجليل الشرنوبى ــ العضو السابق بجماعة الإخوان المسلمين ــ أن أزمة الأبوية قادمة من داخل تنظيم الجماعة نفسه، إذ كانت تلك السلطة الأبوية مقبولة حين كان التنظيم ملاحقا أمنيا، فكانت إطاعة الأوامر مهمة للحفاظ على تماسك الجماعة وعلى أسرارها، ويقول: «بعض شباب الإخوان يبحث عن مساحة يطور فيها فكره، لكن الأمل فى الإصلاح من الداخل، إذ نرغب فى يوم ما أن نرى نقيب الأسرة فى الإخوان عنصرا فاعلا فى مجتمعه وليس وصيا على أحد».

فى قداس عيد الميلاد
إحدى المؤسسات التى واجهت صعودا لتيار شبابى مناهض لفكر الأبوية داخلها هى الكنيسة القبطية، إذ كان أبرز آخر تلك المشاهد هو صوت بيشوى تمرى وهو يهتف «يسقط حكم العسكر» داخل الكاتدرائية خلال احتفالات عيد الميلاد المجيد الأخيرة، وذلك فى خلفية احتجاجات على دعوة أعضاء من المجلس العسكرى للحضور دون مراعاة مشاعر الحزن على شهداء ماسبيرو وأغلبهم من الأقباط.
بيشوى تمرى هو عضو المكتب السياسى لاتحاد شباب ماسبيرو، فهل الاتحاد أحد مظاهر الخروج على النزعة الأبوية لسلطة الكنيسة؟ يجيب: «أحد أهم أهداف الاتحاد هو إيجاد مجال حركة للأقباط للتعبير عن احتجاجاتهم ومطالبهم بعيدا عن السلبية، ولم يأت هذا إلا بعد الثورة التى أعطت المصريين فرصة للتعبير والتضحية من أجل هدف»، ويضيف قائلا: «هناك متضامنون مع أفكارنا من رجال الدين، هم ليسوا أعضاء فى الاتحاد بقدر ما هم مستشارون، لكن لا مجال لوصاية أو أبوية من أحد منهم.. لأنهم ببساطة أيضا فارون من هذه الأبوية». تلك المحاولات لا تهدف إلى الصدام مع السلطة الروحية للكنيسة، بل إلى رفض احتكار الكنيسة للمشهد القبطى.

No comments:

Post a Comment