Sunday, January 22, 2012

صوت الثورة الصامت .. الجرافيتى


عبد الرحمن مصطفي



فن خدش الحوائط


يعود أصل كلمة جرافيتى إلى كلمة جرافيتو الايطالية التى تعنى الخدش، ويعيد كثير من المهتمين بهذا الفن جذوره إلى الممارسات الأولى للحضارة الإنسانية قبل آلاف السنين فى محاولاتها التعبير عن الأفكار بخدوش على الجدران، لكن انتقال الجرافيتى إلى داخل إطار ما عرف بفن الشارع قد ظهر بقوة فى نهاية الستينيات، وبرز مع ثورة الشباب فى فرنسا عام 1968 كأداة لانتقاد السلطة والتعبير عن الذات، كما ظهر بشكل أكثر خصوصية فى الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطا بثقافة الهيب هوب التى تنعكس على الأزياء والموسيقى، وكان الهدف الأساسى من استخدام الجرافيتى فى أمريكا لمقاومة طاقة العنف داخل مجتمعات السود بالفن. وهناك وسائل مختلفة للكتابة على الجدران أشهرها (الاستنسل) أى الرسوم التفريغية والدهان حولها كى يظهر الرسم فى وقت سريع، أما أهم الأدوات المستخدمة فهى الكاتر (القاطع)، الألوان أو السبراى، برنامج الفوتو شوب للتعامل مع الصور، وألواح ورقية.
أول ظهور للجرافيتى فى فترة ما قبل الثورة بمصر يرجعه المهتمون إلى مجموعة ظهرت فى حى مصر الجديدة بالقاهرة، أنتجت رسومات أحدها يحاكى الرسم التقليدى «حافظ على نظافة مدينتك»، لكن تم استبدال صورة الرجل الذى يلقى القمامة فى السلة بإلقائه أذنا كبيرة، وجوارها عبارة «عيب ترمى ودن». هذه التجربة سجلها المخرج أحمد عبدالله حين شارك فيها عام 2007، ولم يكن الجرافيتى فى مصر قبلها بهذه الاحترافية الفنية مقارنة بالعبارات التقليدية المكتوبة فى شوارع المدن أو فى رسوم الحج. ثم ظهرت مجموعات فى مدينة الإسكندرية إلى جانب ظهور فنانين آخرين بالقاهرة وتوالى الاهتمام بالظاهرة من خلال المراكز الثقافية، أما الحادث الفارق فى التعبير عن الوضع السياسى فكان مع ثورة 25 يناير، التى اجتذبت العديدين إلى التجربة، خاصة مع تشجيع بعض المجموعات السياسية على إنتاج جرافيتى فى شوارع المدن. ولم تكن رحلة فنانى الشارع سهلة بعد الثورة، إذ تعرض بعضهم للتضييق الأمنى والحبس، ومن أشهر تلك الحوادث اعتقال على الحلبى رسام الجرافيتى والناشط فى حركة 6 إبريل، إذ لم يجد زملاؤه من الفنانين وسيلة للتضامن معه أقوى من تخصيص يوم كامل للرسم على الجدران تضامنا معه. أما أشرس ما يواجهه رسامى الشارع فهو إزالة السلطات لأعمالهم، وهو ما حدث مؤخرا مع رسومات شارع محمد محمود التى يعود بعضها إلى فترة ما بعد التنحى مباشرة، إذ إن جدارا واحدا من تلك الجدران كان يحمل جرافيتى ضد مبارك وأحمد شفيق والمجلس العسكرى، تم رسمها على فترات متتالية. وفى منطقة الزمالك حيث تكثر رسومات الجرافيتى تعرضت بعض الجدران للطلاء وإزالة الرسومات، لكن ذلك لم يمنع عودة كثير من الرسامين إلى تلك الحوائط مرة أخرى، وهو ما تنتظره قريبا شوارع ميدان التحرير ضمن عمليات التحضير ليوم 25 يناير القادم.
**
عمار أبو بكر: من الجامعة إلى الشارع والعكس

«لا أحتاج إلى إخفاء هويتى فى الأقصر أو فى القاهرة أثناء الرسم فى الشارع.. ولدى أسبابى فى كلتا المدينتين». يعمل عمار أبو بكر معيدا فى كلية الفنون الجميلة بجامعة جنوب الوادى، وهو من أصحاب رسومات الجرافيتى على جدران شوارع القاهرة والأقصر، والفارق بينه وبين أغلب رسامى الجرافيتى هو خلفيته الأكاديمية، وانغماسه فى عالم الفن التشكيلى طوال السنوات الماضية، يقول عن ذلك: «كنت أشعر أن مجتمع الفنانين التشكيليين يعيش حالة غربة مع الشارع، وليست هناك طريقة للوصول إلى الجماهير، لأن اللوحة الفنية تظل أسيرة نخبة محدودة مهتمة بالفن التشكيلى». لا يوقع عمار أبو بكر على أعماله بإمضاء خاص، ولايتخفى أثناء عمله معللا ذلك بأسباب أخرى منها أن نمط حياة رسامى الشارع فى الغرب يفرض قواعد معينة متعلقة بالتجريم القانونى لعملهم، أما بالنسبة إليه فإن وجوده فى مجتمع مدينة الأقصر لأكثر من عشر سنوات يجعل محاولة إخفاء هويته أمرا لا فائدة منه، أما عن عمله فى شوارع القاهرة فيقول: «الرسم فى شوارع مثل محمد محمود أو حول ميدان التحرير ليس بطولة تتطلب التخفى، خاصة إذا تذكرنا أن هناك من استشهدوا أو فقدوا أعينهم فى تلك الأماكن.. فما معنى التخفى وهناك من يواجهون الرصاص بصدورهم»؟.
ينقل أبو بكر الكثير من الأحداث إلى الجدران، ويرى فى ذلك وسيلة بديلة لعرض الحقيقة فى مواجهة اعلام لا ينقل الحقائق على حد قوله. وبين رسم الشيخ عماد رفعت ذى الوجه السمح فى مواجهة سلطة وجوه أخرى أكثر تشددا وعداء للثورة، أو رسم فتاة تعرت قسرا أثناء أحداث مجلس الوزراء، تصل الرسالة التى يسعى إليها، والهدف هو إبقاء الحدث أطول وقت ممكن فى أذهان المارة من أمام سور كلية الفنون الجميلة فى مدينة الأقصر أو فى غيرها من الأماكن. وفى السنوات الماضية كان بالإمكان ملاحظة تأثر عمار أبوبكر كفنان تشكيلى بالبيئة الجنوبية حيث يقيم فى الأقصر بحكم العمل، لكن هناك هاجسا آخر ظل يلاحقه حتى اليوم، ويقول شارحا: «فى العام 2005 أسسنا جمعية المحروسة لرعاية التراث والفنون المعاصرة، وكنا نهدف وقتها إلى تسجيل ما حولنا فى مجتمع الجنوب بكل وسيلة نجيدها، وفى الأقصر الأجواء مختلفة تماما عن الحالة الفنية فى القاهرة، حيث النزعة التجارية، والمحصلة أننا لا نصل للجمهور». بهذا الوعى فى التفاعل مع المجتمع، التحم عمار أبو بكر مع أجواء الثورة، وحسب عبارته فهو «ليس ناشطا سياسيا». لكن ذلك لم يمنعه من التواجد فى يومى 25، 26 يناير الماضيين مع بدء أحداث الثورة، وبعدها عاد إلى الأقصر، حيث يعمل، ويكمل قائلا: «كانت اللجان الشعبية فى الأقصر تقوم بدورها فى حماية المنشآت والآثار، لكن الشائعات كانت تنتشر بقوة، ولم تكن هناك أى وسيلة سوى الجرافيتى، وفى فترة حكم المحافظ سمير فرج كانت تتم ازالة الرسومات بشكل متتال، وبعد أن أنهكت قواى عدت إلى القاهرة بعد موقعة الجمل بيومين».
منذ تلك التجربة أصبحت رسوماته على الجدران أكثر ارتباطا بالحدث وأكثر قربا إلى الجماهير خارج صالات العرض، وفى حالات كثيرة كان الهدف هو تشجيع الناس على المشاركة، أشهرها جرافيتى: «انزل الشارع». وفى 28 أكتوبر الماضى كانت هناك فرصة أكبر للتعاون مع فنانين آخرين فى فعالية يوم الجرافيتى والرسم على الجدران تضامنا مع على الحلبى ناشط 6 أبريل.
تختلف نظرة عمار أبو بكر إلى طريقة توصيل رسالته باختلاف الجمهور المستهدف، ويوضح ذلك قائلا: «حين رسمت أمام مجلس الوزراء فى الاعتصام الأخير، كنت أعلم أن رسالتى مزدوجة، إذ كانت الرسالة الأولى إلى المعتصمين فى مشاهدتهم لرسم الطبيب أحمد حرارة الذى فقد بصره فى أحداث الثورة، واخترت أن ألبسه قناعا للغاز فى إشارة إلى أنه عائد مرة أخرى إلى مكانه، وكأنها رسالة طمأنة للثوار، أما الرسالة الثانية فكانت إلى جنود الأمن وكاميرات المراقبة هناك، إذ تكفيهم رؤية جرافيتى: عايزين عينك يا مشير، حتى تصلهم الرسالة. أما فى الصعيد فيتبع أبو بكر وسائل أخرى لإيصال رسالته، كأن ينقل أشعار الأبنودى فى قصيدة «لسه النظام ماسقطش» متوقعا انعكاساتها على المارة، يعلق قائلا: «رجل له حضور مثل الأبنودى من المؤكد أن كلماته سيكون لها مصداقية أكبر.. وهذا هو الهدف أن تصل معانى الثورة».
فى زحام الشوارع لم يفقد أبو بكر حس المحاضر الأكاديمى الذى استغله فى ورشة تدريبية على رسم الجرافيتى تبناها حزب التحالف الشعبى بالقاهرة، ونزل مع الدارسين فى الورشة كى يرسموا معا فى الشارع. ولم تكن محاضراته مقتصرة على تقنيات فن الشارع فقط، بل عرض جذورا أبعد من ذلك يشرحها قائلا: «كلمة جرافيتى لها أصل لاتينى بمعنى الخدش، أى أننا أمام فنون نتجت من التعامل مع الجدران، وهو ما عشت معه فترة طويلة فى فنون مصر القديمة على الجدران».
فى أعمال المصرى القديم ظهرت مظاهر التمرد فى فترات انتقالية ظهرت فيها خفة ظل الفنان وخروجه على التقاليد، وفى الفن التلقائى المتصل برسوم الحج حديثا لاحظ أبوبكر هذا الحس فى رسم راقصة على جدار يحمل صورة الكعبة فى كسر لكل التقاليد أو القيود، ويعلق قائلا: «فن الرسم على الجدران أقدم من كونه ظاهرة جديدة فى حياتنا ظهرت قبل سنوات».
**
كايزر KEIZER: كن فخورًا بما ترسم

بنطلون ملطخ بالألوان، وسويت شيرت يخفى به شعره الكثيف، ولحية قصيرة، كحاله أثناء عمله على رسوماته فى شوارع القاهرة، يتلو رسام الجرافيتى كايزر ــ حسبما اختار أن يعرف نفسه ــ القانون الأول والأخير فى عالم فن الشارع: «القانون الأول أنه مفيش قوانين، ومفيش خط أحمر، وطول ما أنا حر يبقى انا فى الطريق الصح». اختار كايزر عدم ذكر اسمه الحقيقى، كما اختار إخفاء هويته عن متابعيه عمدا، مقتنعا بأن إمضاء اسمه KEIZER فى أسفل رسوماته كاف.. فالأهم بالنسبة إليه هو العمل ورسالته.
ينزل وحده ليلا مستهدفا أحد الجدران التى درسها قبل ذلك بفترة، دون الاهتمام بإظهار نفسه أو لفت الأنظار، يقول: «لا أعمل ضمن مجموعة أو شلة، وأخفى هويتى تحسبا لأى ضرر قد يقع لى عند تنقلى من مكان لآخر، خاصة أنى لا أركز رسوماتى فى منطقة واحدة، وأنصح بعدم التباهى فى هذه الفترة التى نعيشها لأننا لا نعلم ما قد يواجهه فنانو الشارع مستقبلا». لم يتعرض كايزر لمشاكل حادة أثناء عمله، فهو فى نظر المارة «فنان مغامر مفتون بالرسم»، لكنه قبل أشهر مضت استضافته سيارة شرطة وطافت به قليلا قبل أن يتوعده الضابط، مع ركلة تبرع بها المعاون دون سبب واضح.
اختار كايزر خطا مختلفا يعبر عن قناعاته حول فن الشارع، فى مرة نرى وجه أم كلثوم فى رسم على الحائط، ومرة أخرى جملة بالانجليزية مثل: Who Watches The Watchers؟ أو من يراقب المراقبين؟ وفى مرة ثالثة صورة لميكى الشخصية الكارتونية الشهيرة، دون الاهتمام بتوجيه رسائل مباشرة، يعلق على ذلك قائلا: «الباب مفتوح لتفسير كل رسم حسبما يراه المار، قد يكون تفسيرا سياسيا أو اجتماعيا أو شخصيا، وهناك مدارس فى الفن التشكيلى تحذو هذا الحذو.. الأمر ليس جديدا». تنتقل المناقشة إلى رسم شهير لوجه الفنان النوبى أحمد منيب وجواره عبارات من أغنية فى دايرة الرحلة تقول: «رحلة يا رحلة.. يا صعبة يا سهلة.. رحالة خطْوتنا»، ثم أعلى كل هذا جملة تقول: أصلى يا منيب. فى نقاشه لا يحاول ترجمة عمله بقدر ما يضع هذا الرسم نموذجا يمكن تفسيره حسب ثقافة كل شخص، إذ يمكن اسقاط المضمون على أمور سياسية أو اجتماعية أو شخصية، يضيف متحمسا: «الرسالة لابد أن تكون مقروءة فى كل وقت، ويمكن نقلها إلى أماكن عديدة حول العالم.. كأن ترسم وجه فتاة محجبة، هذا أمر لا يتعلق بمصر فقط، بل هو وجه يمكن رؤيته فى أى مكان فى العالم، والمضمون المعادى للقهر أيضا ذى محتوى إنسانى».
بدأ كايزر علاقته بفن الشارع من خلال التواصل مع فنانين خارج مصر، وكان بداخله قرار البدء لكنه تأجل كثيرا، وطوال سنوات مضت دار سؤال برأسه: «هل نعيش من أجل جنى الأموال دون العمل من أجل رسالة أو قيم بداخلنا؟». ومع بدء الثورة تفرغ لفن الشارع وودع مجال الدعاية والاعلان الذى احترفه لسنوات، ومع بدء أحداث الثورة انتفض داخله الحس الثورى ضد مجالات كثيرة مثل معاداة النزعة الاستهلاكية وتسلط المؤسسات العملاقة، وكذلك الظرف السياسى الحالى، وطوال هذا العام لم يعمل كايزر فى وظيفة تقليدية تدر عليه مرتبا ثابتا. وقبل عدة أشهر كان كايزر ضمن عدد من الفنانين فى معرض فنى تحت عنوان «ده مش جرافيتى»، وفى ديسمبر الماضى شارك فى معرض آخر تحت عنوان «صمود».
فى هذه المعارض لن يجد الزائر كايزر واقفا جوار إحدى رسوماته، ويعلق على ذلك ساخرا: «لست بصدد إصدار ألبوم غنائى أو فيلم جديد حتى يصبح وجهى إحدى وسائل إيصال رسالة العمل».. وينفى أن يكون هناك أهداف تجارية تقليدية من هذه المشاركات، يضيف قائلا: «فنانو الشارع فى الغرب يربحون أموالا طائلة بسبب سمعتهم ونجاح أفكارهم فى الوصول إلى الجماهير، وأنا آمل أن ينتقل هذا إلى مصر بعيدا عن الفكر التجارى التقليدى، ما أطمح إليه شخصيا أن أجد رسما لى على منتج مختلف يعبر عن روح التمرد.. لكنى لن أكون أبدا تحت سلطة مؤسسة تقليدية تمتهننى، هذا الأمر لا يشغلنى الآن، على سبيل المثال فى المعرض الأخير، قدمت العمل على جدار، ولم أقدمه على لوحة تباع، ولم أندم على ذلك».. على موقعه على الانترنت العديد من الصور لرسومات منتشرة فى شوارع القاهرة، بعضها استعار فيها خبرته السابقة بفن الخط، إذ كتب فى إحداها: «الكلام خسارة فى حكومة غدارة». أجواء السخرية التى تبدو فى كثير من رسوماته لا تتضح فى نبرته الجادة والمثالية أغلب الوقت. وفى صفحة التواصل مع زوار الموقع كتب: I Don’t Exist! بمعنى: أنا لست موجودا، ورغم هذه الحالة التى قد تبدو على الموقع إلا أن نشاطه المكثف دفعه إلى البحث عن جدران جديدة على أطراف مناطق شعبية مثل الكيت كات وأرض اللوا وميت عقبة، مع احتمالات أكبر للتعرض لمزيد من أسئلة المارة، فهل ينتقل ما يقدمه على أطراف هذه المناطق إلى داخلها بواسطة أبنائها حين يجيدون فن الشارع؟ يجيب: «لن يحدث هذا إلا بالتجربة، وأن يضحى الشاب بجزء من وقته لعرض فكرة تلح على رأسه». يصمت قليلا ثم يستطرد: «يكفى فخرا لصاحب رسم الجرافيتى بأن تصل فكرته برسم دون أن يتبقى من شخصيته الحقيقة سوى توقيع أسفل الرسم».
موقع كايزر على الإنترنت:
www.wix.com/keizerstreetart/cairo

**
نيمو NEMO فى المنصورة: ارسم واجرى

قبل كل مرة يتجه فيها أحمد نيمو ــ حسبما يناديه رفاقه ــ لرسم جرافيتى فى أحد شوارع مدينة المنصورة، يختار المكان جيدا، والمواصفات المطلوبة هى: مكان يلفت نظر المارة على طريق للمواصلات العامة، وأن تكون المساحة مناسبة بحيث لا تضيق عليه عمله أو على حد تعبيره «ببقى عايز أنا اللى اتحكم فى الرسالة اللى عايز أوجهها مش العكس». أما لحظة الرسم نفسها فلا يحتاج نيمو إلى وقت طويل، يشرح ذلك قائلا: «لازم أخلص فى أسرع وقت، يعنى تقريبا بارسم واجرى!». ولا تعبر تلك العبارة عن حبه للتسرع، إذ إنه يقضى ساعات فى التحضير لهذه اللحظة، لكن السبب الرئيسى هو قلقه من ردود أفعال المارة غير المتوقعة، لذا تبدأ رحلته فى كل مرة بعد منتصف الليل، وفى كل مرة تكون هناك صحبة من الأصدقاء، أحدهم يراقب الأجواء، وآخر يستأذن من الأهالى إذا ما تطلب الأمر ذلك. ويعلق على ذلك بقوله: «فى القاهرة أصبح هناك وجود كثيف لرسامى الشارع، حتى إن كثيرا منهم لم يعد يخشى الرسم فى وضح النهار، والنقاش مع المارة، خاصة فى أماكن مثل ميدان التحرير إذ اعتدنا مشاهدة الجرافيتى هناك، أما فى المنصورة فما زال الأمر حديثا وغريبا.. أستطيع أن أؤكد أننى إذا ما حاولت الرسم قبل منتصف الليل أننى سأواجه مشاكل».
يدرس أحمد نيمو طب الأسنان فى المنصورة، ولم يقاوم حب الرسم منذ طفولته، وفى بعض الأحيان ما يمر أحدهم على نيمو أثناء الرسم ليلا ويواجه سؤالا تقليديا عن دراسته، ويفاجأ صاحب السؤال بأنه لم يدرس الفن. لكن ما يعزيه هو قناعته بأن «الطب لابد أن يتوافر فى دارسة العلم والموهبة والفن، وإذا ما استطاع الموازنة بينهم سيصبح طبيب أسنان ناجح»، وهذا نقلا عن إحدى المحاضرات التى درسها فى الكلية. لكن هؤلاء المارة الأبرياء الذين يتجاوبون مع ما يقدمه من رسم على الحوائط ليسوا الأغلبية، فقد تعرض واحد من رسوم نيمو الأخيرة للتشويه بعد رسمه بأيام قليلة، وكان عن الصورة الشهيرة للجندى فوق سطح مجلس الشعب وهو يهدد بالتبول على المتظاهرين بالأسفل، ونقل نيمو هذه الصورة إلى جدار أحد شوارع المنصورة العامة كاتبا تحتها «شعبى وأنا حر فيه.. أعمل عليه بى بى».
هذا الرسم تعرض لمحاولة الطمس، وكان تعليق أحمد نيمو: «الناس مش عاوزة تشوف الحقيقة!».
ومنذ سن السابعة عشرة سنة بدأ شغفه بالجرافيتى، واليوم يكاد يكون الأشهر فى مدينة المنصورة دون أن يعرف ملامحه أغلب المارة، بدأ الأمر لديه بالاهتمام بالجرافيتى المرسوم على جدار غزة العازل قبل سنوات، خاصة رسومات الفنان البريطانى (بانكسى) فى تلك الفترة، ومع القراءة حول فن الشارع، والدخول إلى مواقع تشرح طرق متعدد لممارسة الرسم على الجدران، اختار نيمو التجربة والخطأ حتى وصل إلى مستواه الحالى، لكن تظل تجربة الانضمام إلى إحدى مجموعات الألتراس المصرية بمثابة تجربة أخرى أهم بالنسبة إليه، يعلق على ذلك قائلا: «فى وسط مجموعة الألتراس تتعرف على جميع الطوائف والثقافات والاهتمامات، ودرجات متفاوتة فى الموهبة، ونقاش جماعى يدفع إلى الأمام». الأعمال التى شارك فيها نيمو مع الألتراس كانت لها طابع المجموعة، وهو ما يختلف تماما عن عمله بمفرده الذى يعبر عن شخصيته وقناعاته. يضيف قائلا: «الشىء الملفت فى هذه التجربة أنك لن تجد مجموعة ألتراس تحاول إزالة أو تشويه رسم مجموعة أخرى حتى إن كانت مجموعة لفريق منافس».
فى عالمه الصغير داخل المنزل، لا يواجه صعوبات مع الأسرة التى تقدر ما يفعله، حتى إن حجرته تحمل رسما لمغنى البوب الراحل مايكل جاكسون، رسمه فى وقت فراغه، أما الأدوات التى يعمل بها من ألوان وألواح ورقية وكاتر فيراها غير مكلفة بالمرة. كل ما يطمح إليه هو انتشار ذلك الفن فى مدينته المنصورة.
صفحة نيمو على فيس بوك:
www.facebook.com/egynemo



No comments:

Post a Comment