Wednesday, July 14, 2004

مولانا أمير المؤمنين

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
في تلك الأثناء, كان الجميع مهتما بآخر أخبار صحة الرئيس مبارك, و كان الحديث يدور حول التغيير الوزاري المرتقب, و ما حدث قبل ذلك من (نقل) صفوت الشريف إلى منصب رئيس مجلس الشورى, وإلى جانب ذلك كله كان هنالك اهتمام بمتابعة ما ستسفر عنه تصفيات كأس الأمم الأوروبية. لذلك, كان الناس في غفلة من أمرهم, فلم يدروا بأمر خروج ذلك الرجل من بين ظهرانيهم, لقد كان ذلك الرجل هو أمير المؤمنين, الذي لم يظهر لا في دمشق ولا في بغداد ولا في القاهرة, ولكنه ظهر في الجنوب.. في اليمن.

القصة أن حسين بدر الدين الحوثي أحد أتباع المذهب الزيدي ـ أقرب المذاهب الشيعية للمذهب السني ـ قد اجتمع حوله العديد من الأنصار, و بدأت أنشطته ترهب الحكومة اليمنية هناك, ذلك أن الحوثي هذا هو نجل احد كبار مراجع الطائفة الشيعية الزيدية, وفي نفس الوقت عضو برلماني سابق. وذكرت المصادر الحكومية اليمنية أن هذا الرجل يتزعم مجموعة شيعية متطرفة تطلق على نفسها "الشباب المؤمن" قامت بمهاجمة المساجد, وإثارة الجماهير ضد أمريكا والهتاف ضدها, وأضافت وزارة الداخلية اليمنية أن الحوثي ادعي الإمامة, ونصب نفسه أميرا للمؤمنين, وانزل علم البلاد ورفع بدلا منه علم دولة أخري ـ في إشارة إلى علم حزب الله الشيعي ـ وسانده بعض يهود اليمن في حركته, ومن ثم كان التعامل العسكري وإدخال الجيش في مواجهة ضد " الحوثيين" على حد تعبير الرئيس اليمني.
ولما أصبحت المعركة أشبه بحرب يخوضها الجيش على أرضه, ومع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين من أهل القرى المجاورة لتلك المعارك, تم تكوين لجنة للوساطة من علماء الزيدية للتفاوض مع الحوثي وفتيانه. وبدأت المفاوضات, واتضح للجنة الوساطة أن الكثير من الشائعات قد ألصقت زورا بالحوثي الذي أنكر فيما بعد خروجه على النظام, وانكر تلقيه أي دعم من الخارج, في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة اليمنية أنها ضبطت لدي أنصار الحوثي كتبا شيعية مطبوعة في بيروت.
وأخيرا فشلت المفاوضات مع الحوثي, و تم عرض مكافأة 54 ألف دولار للقبض عليه بعد نحو ثلاثة أسابيع من القتال, ولازال القتلى يتساقطون بالعشرات في أماكن القتال حتى الآن.

- إذا تأملنا تلك القصة المحيرة, لوجدنا أن ظهور الحوثي بتلك القوة, لا يمكن أن يكون قد أتى فجأة, بل هو امتداد للعبة حكومية يمنية تم استغلال الرجل فيها بإرادته, حيث أن من يتابع تصريحات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, يجدها في أغلب الأوقات حادة, أو كما وصفها الرئيس مبارك منذ عدة سنوات أنها "عنترية", وذلك عندما دعا الرئيس اليمني لحرب إسرائيل. فنجد الرئيس اليمني يذكر في خطابه الأخير: "كنت ادعم الحوثي اعتقاداً مني بأنه يدرس العلم ويكرس الاعتدال والوسطية ويناهض الغلو وإذا به عكس ذلك تماماً" ومن الصعب الاعتقاد بأن الرئيس اليمني بهذه السذاجة, ولكن الحقيقة أن ترك الحوثي و أمثاله من قِبل الحكومة اليمنية, إنما يمثل نوعا من الضغط على أمريكا, وكأن أمثال الحوثي و جماعته هم من يمثل الرأي العام اليمني, ولكن على ما يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر.
- وعموما فالمجتمع اليمني يعاني العديد من المشاكل, منها توافر السلاح لدى العديد من القبائل اليمنية, مع ضعف الإمكانيات والدعم الحكومي, مما الجأ بعض القبائل اليمنية في فترات سابقة إلى خطف الأجانب لانتزاع حقوقها الطبيعية لدى الحكومة, فكان نتاج كل تلك الأمور ظهور رجل مثل حسين بدر الدين الحوثي وأعوانه.
- أما في مصرنا العزيزة, فلا يخفى على أحد قدرة العائلات الريفية (وخصوصا في الصعيد) على تسليح أبنائها, ولعل أحداث النخيلة الأخيرة, خير دليل على ذلك. إذن فالسلاح من السهل توافره. كذلك, إن تشجيع الحكومة المصرية (بصورة غير مباشرة) للمصريين على التظاهر في بعض الأوقات التي ترغبها هي ـ على أن يكون ذلك مقصورا على القضايا الخارجية فقط ـ سواء في الجامعات أو في الجامع الأزهر, لربما ينقلب على الحكومة في يوم من الأيام. لأن المتظاهرين إذا خرجوا اليوم مطالبين بالكف عن الباطل الموجود في خارج بلادهم, لكان الأجدر بهم أن يخرجوا غدا مطالبين بالكف عن الباطل الذي يسري بينهم. وعلينا هنا أن نتذكر أيضا خروج الناس من حين إلى آخر لقطع الطريق الزراعي, بعد أن يلقى أحد الريفيين حتفه تحت عجلات السيارات, فيما تسميه الصحافة الحكومية "بأعمال الشغب", وكيف أن غضب هؤلاء المكلومين في أبنائهم ـ بالإضافة إلى حنقهم على الحكومة نظرا لظروفهم المعيشية مع عدم الاهتمام الحكومي ـ يجعلهم يعتدون على سيارات الشرطة, بل وعلى السيارات الخاصة أيضا.

إذن فعلى الحكومة الجديدة أن تقلق من كل تلك المؤشرات, وعليها ألا تنظر إلى تظاهرات المصريين على أنها أمر تستطيع إيقافه في أي وقت عن طريق قوات الأمن المركزي, حتى لا تجد الحكومة نفسها في يوم من الأيام في مواجهة مع أحدهم, وقد خرج عليها, وأصبح هو نفسه بديلا عن الحكومة لدى الناس, وحينئذ لن ينفع قانون الطوارىء في شيء.

No comments:

Post a Comment