Sunday, July 11, 2004

الخوف من القراءة

بقلم : عبد الرحمن مصطفى حسن ـ مصر
قد يتعجب البعض من أن مجتمعنا المصري الذي أنجب العديد من الأدباء و المثقفين، قد أصبح اليوم بعيدا عن القراءة, بالرغم من وجود مشروعات ثقافية تدعم القراءة. وقد يذكر البعض أن الإسلام قد جاء في أول آيات قرآنه بالدعوة صراحة إلى القراءة, ومن قبل ذلك كان المسيح ( المعلم ) داعية للمعرفة, ولكن لنتساءل الآن, لماذا هذا الشعب غير مكترث بالقراءة ؟ ربما تكون الإجابة البديهية على هذا التساؤل هي أن هذا الشعب قد قاربت الأمية أن تلتهم أكثر من ثلث سكانه. ولكن, ماذا عن الأغلبية التي تجيد القراءة ؟
ما الذي يجعل الإنسان يهاب الكتاب و ينفر منه ؟ أعتقد أن علينا أن نواجه أنفسنا بأسباب ابتعادنا عن القراءة.
لربما يكون السبب هو ضيق أوقاتنا, وانشغالنا بأمور حياتنا, أو أن يكون السبب هو رؤية البعض أنه لا فائدة حقيقية للقراءة, وأن ما يجنيه الفرد منها, إنما هو مجموعة من المعلومات يستطيع الانتفاع بها فقط في مجال الاستعراض على الآخرين, وقد يذهب البعض إلى تلك الفكرة نظرا لما قد يقع أمامه من نماذج لمثقفين استعراضيين, من أولئك الذين يتعمدون استخدام الألفاظ الغريبة و التخصصية بغرض الإبهار, مما قد ينفر الناس من صورة المثقف, و بالتالي ينعكس ذلك الأمر على مسألة الإقبال على القراءة.
وقد يتجنب البعض القراءة بدعوى عدم وجود المتعة , خصوصا عندما يواجه بآخرين من محبي القراءة الذين يروجون لها زاعمين أن بها متعة خاصة, ولكن الأمر لمن لا يمارس القراءة ليس به أي متعة, بل مشقة و تعب, اللهم إلا في ما يجده في بعض المجلات من أخبار تافهة مسلية, ذات العناوين الجاذبة الكاذبة, وهنا يجد المرء نفسه يعود إلى الفكرة السابقة, القائلة بأنه لا فائدة من القراءة.
خصوصا, و أنه قد يجد الفرد في بعض الأحيان أن من يقدم له المعرفة سواء في الصحف أو المجلات أو حتى من خلال بعض الكتب, أفراد غير مقنعين له, و قد يمتد ذلك الأمر إلى الإعلام المرئي أيضا, فيجد المرء نفسه وقد دبت النرجسية إلي نفسه, و ظن في نفسه أنه يستطيع أن يأتي برأي أفضل من ذلك المحلل السياسي, أو ذاك الصحفي, أو هذا الداعية, لذلك نجد في بلادنا أن المواطن يقدم التحليلات السياسية, وحتى التحليلات الكروية, بل قد يصل الأمر إلى الفتاوى الدينية, فلماذا إذن القراءة و باستطاعة الفرد أن يبني آراؤه عن جهل؟!! خصوصا, مع اختلاط الحابل بالنابل, وتدخل الآراء الشخصية في الدين و الفن والسياسة والرياضة, من أناس يفترض فيهم التخصصية.
رأيي الشخصي, أن أهم أسباب ابتعاد البعض عن القراءة, هو الخوف !! الخوف من التغير مع عدم القدرة على التغيير.
بمعنى.. أن الفرد الذي سيجني المعرفة من الكتاب, لابد و أن تطرأ على شخصيته تغييرات جذرية, وربما يؤثر ذلك في علاقاته بأصدقائه, وخصوصا في وسط المراهقين و الشباب, فيبدأ الفرد القارىء بالاتجاه إلى الانزواء عن أولئك الصاخبين المرحين البعيدين عن المعرفة, إلا عن تلك المعرفة التي لا تفيد مستقبليا و تفيد مظهريا, كالحديث عن أحدث أنواع المحمول, أو السيارات, أو الأزياء, أو الأغاني, الخ.. ومن هنا يفكر المرء في أن يظل مثل أقرانه, غير مخالف لهم.
- و الآن, لنكن أكثر صراحة, أليست المعرفة تجلب شيء من الهم و الكآبة, وخصوصا في مجتمعنا هذا ؟! وقد يعترض البعض على هذا الرأي, ولكنه الواقع. فهب أنك ابتعدت عن أي مصدر للمعرفة و المعلومة لمدة أسبوع, ألن تكون أهدأ بالا, وأفضل حالا من أن تعلم وتناقش من حولك, ثم تصل إلى نتائج, ثم..ثم تجد نفسك عاجزا عن تنفيذ أي شيء مما فكرت فيه؟
ابتعاد البعض عن القراءة, هو ابتعاد عن أحد أهم مصادر المعرفة, فالمعرفة ستدفع للتفكير, وستقدم المعرفة أيضا الطرق و الوسائل لممارسة الحياة بصورة أفضل. ولكن تأت المشكلة عند التنفيذ, فيجد الفرد نفسه مقهورا أمام المجتمع, أي أمام أغلبية اختارت أن تعيش الحياة بصورة أخري, بعيدا عن تحصيل المعرفة, سواء في الجانب الثقافي, أو حتى في الجانب التخصصي, في داخل مجتمع عدو للتغيير, وعدو للمغيرين, وحتى إن وجد أولئك المغيرين, نجدهم وقد تعصب بعضهم إما لمذهب أو نظرية, أو ما إلى ذلك.
إذن فالخوف من القراءة, هو خوف من أن يلقى المرء مصير أولئك الذين تدفعهم القراءة لمواجهة الواقع, والاصطدام به, فيكون المصير إما اغتراب, أو الانضمام إلى التجمعات الثقافية المنغلقة على ذاتها, أو العزلة التامة. و هكذا فإذا كنا ندعو إلى عادة القراءة, تلك العادة المحمودة, فعلينا أن نرسخ أيضا لاحترام و قبول التغيير المبني على أساس علمي, ذلك الأساس الذي توجده دائما القراءة.
وأن يكون احترام فكرة التغيير حقيقي, بالصورة التي تدفعنا لقبول التغيير حتى في داخل علاقاتنا ببعضنا البعض, قبل أن نتطلع فقط إلى تغيير الأنظمة.
حينئذ فقط, سنجد أنفسنا وقد سلمنا دفة القيادة إلى المستنيرين المتعلمين المثقفين, بدلا من أصحاب العقول الفارغة, وحينئذ يصبح للقراءة فائدة, وللكتب أثرا في المجتمع, ويصبح قادتنا هم أكثرنا علما ومعرفة, وحينئذ أيضا يصبح ما في داخل الكتب محل تنفيذ.

No comments:

Post a Comment