Monday, November 15, 2004

الحس السينمائي : بين الفقيد والعقيد

رحم الله الفقيد/ ياسر عرفات..
سنفتقد بموت هذا الرجل رئيسا عربيا يمتاز بحس سينمائي عال.. ولن يعوض هذا الفراغ إلا الأخ العقيد/ معمر القذافي، فكلاهما كان يتحدث في المقابلات الصحفية، أو حتى في المؤتمرات الدولية وكأنه يصور فيلما سينمائيا. وهانحن الآن نشاهد كلمة النهاية على آخر مشاهد فيلم النجم ياسر عرفات.
لقد كان للفقيد ياسر عرفات العديد من "الإفيهات" التي أضحت ملازمة له.
يا جبل ما يهزك ريح"، "معا و سويا حتى تقام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف"، إلى آخر كل تلك الجمل والعبارات التي لم يمل الرئيس الراحل من تكرارها، مع عدم جدواها، ورغم موت الرئيس الفلسطيني فلا أعتقد أن أحدا من الساسة العرب سيتعظ و يدرك عدم جدوى مثل تلك العبارات الفخمة.
ولعل أخانا العقيد/ معمر القذافي هو أحد هؤلاء المنتمين إلى تلك المدرسة التي تهوى العبارات الرنانة، فهو صاحب تعبير دولة "إسراطين" المعبر عن فكرته في دولة تضم الإسرائيليين و الفلسطينيين، وهو أيضا صاحب فكر "الجماهيرية".. و أعتقد أنه لو كان القذافي قد عرض فكره في هدوء و في أطروحات تقليدية، لكانت رؤيتنا إلى فكره قد اختلفت.
أنا هنا لا أقف لأوزع الاتهامات على القادة العرب وكأن مصر قد سلمت من كل داء، فنحن نعلم جميعا أن قادتنا العظام كان منهم من اتسم بذلك الحس السينمائي، الذي تطور في بعض الأحيان إلى مرحلة من الافتتان بالذات، حتى أن بعض الإخوة العرب يتهمون مصر بأنها من صدَّر (التفيهق)إلى الشعوب العربية، وأن العبارات الرنانة نحن - المصريين - أول من صنعها.
ولكن – في رأيي – أن الأمر ليس بتلك الصورة، خصوصا بعد هزيمة 1967، التي حدَّت قليلا من هذه الروح، و مع ذلك فنحن لا نستطيع نسيان تلك الحالة التي كان عليها عبدالناصر وهو يخطب في الجماهير، كان كأنه يصور فيلما سينمائيا، حتى جاء عام 1967 ليفشل الفيلم فشلا ذريعا.. ثم يأتي السادات من بعده وهو من لم يكترث به الناس، حتى أنهم كانوا يرونه ظلا لعبدالناصر، حتى حقق شيء من الإنجازات، فبدأ أداؤه التمثيلي يزداد تدريجيا حتى أصبح غير مقبولا بعد ذلك، فانتهي فيلمه بمقتل البطل.
والآن.. يبدو لي أن الحس السينمائي التمثيلي لا يرتبط وجوده بفترات السلام والأمان والطمأنينة، أو بفترات الحروب و القلق والخوف. يا ليت هؤلاء الذين انفصلوا عن الواقع وبدأوا في الشعور بأنهم أبطال في فيلم، أن يدركوا أن النهاية قادمة لا محالة، وأن الباقي للناس وللآخرة هو العمل وليس الكاريزما المتصنعة، ولن يفيد أبدا الحس السينمائي بعد أن يكون المرء فقيدا، حتى و لو كان عقيدا.
ــــــــــــــــــــــ

No comments:

Post a Comment