Sunday, November 7, 2004

بين التواصي و الوصاية شعرة

بقلم : عبدالرحمن مصطفى حسن ـ مصر
ألم يحدث لك في مرة من المرات أن ألَحَّ عليك صديق في الذهاب معه إلى المسجد..؟! أو أن سألك في مرة من المرات " هل صليت قبل أن تأتي؟ " أو قال لك " هل قلت أذكار كذا و كذا اليوم..؟! " ربما .. و حينئذ تكون إجابتك إما بنعم أو بلا .. فيكون رد فعل صديقك إما الإعلاء من شأنك، أو العتاب عليك.. وهنا أنا أتحدث بخصوص حدود العلاقة بين أفراد المسلمين ، فهل من حق المسلم ، أن يقوم بالإلحاح في سؤال أخيه المسلم عما أداه من عبادات .. حتى و لو كان ذلك بغرض النصح و التذكرة..؟!
أعتقد أن الإجابة المنطقية هي.. لا، ليس من حقه ذلك. ولكنك عندما تَصدِم صديقك بهذه الحقيقة ، ستجده وقد اتخذ منك موقفا عدائيا ، وقد تنتهي العلاقة نتيجة تفسيراته الخاصة. يقول تعالى: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)صدق الله العظيم وكما يتضح من الآية، أن على المسلمين أن يتواصوا في ما بينهم بالحق ، وبالصبر على الشدائد.. و لكن المشكلة أن البعض لا يستطيع تطبيق مفهوم التواصي هذا بصورة مقبولة. أمر آخر نجده في قول الرسول " ‏انصر أخاك ظالما أو مظلوما " يتعلق بشكل التواصي المطلوب بين المسلمين ، وذلك حين يقف المسلم مع أخيه المسلم حين يُظلم على يد الغير ، وكذلك حين يجده قد اتجه إلى ظلم غيره أو ظلم نفسه ، فهنا يظهر دور المسلم لأخيه المسلم فيرده عن ظلمه. ولكننا إذا عدنا إلى هؤلاء الذين يحاولون اختراق خصوصيتك ، والتحري عن علاقتك بربك ، فنجد أن تصرفهم هذا لا ينتج عنه كثيرا من الفائدة، بل أحيانا يسبب جرحا للبعض ممن قصروا في شيء، فيتولد عن هذا رد فعل عكسي كنوع من الدفاع عن النفس.. و إذا تجاوزنا ذلك إلى تساؤل آخر حول ما تنتهي إليه مثل تلك الأسئلة التي ذكرتها في أول المقال..؟! فإنها في بعض الأحيان تنتهي إلى عدة طرق مؤسفة :
الطريق الأول.. أن ُيسأل الشخص .. فيجيب بصراحة.. فيتصيد الطرف الآخر هذه الصراحة .. ويظهره بمظهر المقصر في دينه ..فيكون العند والتكبر و الحدة هم رد الفعل على مثل تلك الأسئلة.
الطريق الثاني .. يكون رد الفعل على مثل تلك الأسئلة هو الرضوخ وطلب النجدة من صاحب السؤال كنوع من التخلص من هذا الموقف ، فيكون التخلص من صاحب السؤال عن طريق الإطراء عليه و إعطاؤه دورا مزعوما في حياة من ُسئل . وغالبا ما يتسم الحوار هنا بعدم الصدق. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد ، بل يترتب على ذلك أن يقوم من سَأل بمتابعة الصديق ـ الذي يراه مقصراـ فيبدأ بفرض وصايته عليه ، و أحيانا يكون ذلك من خلال مجموعة (تقية).
الطريق الثالث.. أما في حالة إذا ما كانت إجابتك على أسئلة السائل بالإيجاب ، فهنا تجد الثناء والمدح على أعمالك التي بيد الله، وهو أمر منهي عنه من الرسول ‏الكريم الذي قال "إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل إني أحسبه كما يريد، أن يقول ولا ‏ ‏أزكيه على الله" .
وهكذا، فالإلحاح على مراجعة الآخرين وعلاقاتهم بالإله ، أمر لا فائدة منه ، بل هو أمر مضر. وإذا كنا نبحث عن وسيلة لتقييم إنسان ، فلا أعتقد أن تلك هي الوسيلة المناسبة. إنما المطلوب هو التذكرة والتنبيه ، إما عن خطأ يمارس أو عن خير فائت ، حتى لا نحول أمر الله بالتواصي إلى محاولة للوصاية

No comments:

Post a Comment