Tuesday, October 11, 2005

لا تكفروا بالعروبة

بين الحين والحين يخرج علينا من يزعم أن هوية مصر الفرعونية هي الهوية الوحيدة الواجب على كل مصري أن يعتنقها بعيدا عن هويته العربية, و هذا الرأي لا يعتنقه إلا شريحة قد لا تمثل نقطة في بحر إذا ما قورنت بعدد سكان مصر الذي تجاوز السبعين مليونا.. وعموما فدعاوى إنكار العروبة قديمة ومتجددة وأصابت الكثير من دولنا العربية أيضا.
في البداية..علينا أن نعترف أن صدمة قوية قد أصابت المجتمع المصري عقب هزيمة يونيو 1967, فتحولت معها مصر من دولة داعمة إلى دولة مدعومة, ليكتشف الكثير من أبناء مصر أن ما كان يُتلى عليهم ليل نهار من حديث عن العروبة ودعم حركات التحرر في العالم, لم يفدهم في شيء وقت سقوط بلادهم مهزومة ذليلة. فكانت الهزيمة وما تبعها من سياسات ساداتية سببا في جعل علاقات مصر العربية في حالة من الترهل بعد أن سقطت مصر في بحر الوحدة والإذلال, وكأنها تورطت في الأمر وحدها, فأوجد ذلك مرارة لدى العرب والمصريين معا, فجاءت العودة إلى العرب بعد ذلك في شكل علاقات لا بد منها.. ولعل الكثير من الدول العربية قد مرت بمثل هذا الموقف وأخذت تعيد حساباتها مع العروبة. كل تلك العوامل كانت دافعا لظهور تيار ساخط في مصر يذهب إلى التفكير في البعد عن العرب وقضاياهم, على أساس أن الأذى لن يأتي إلا من القريب, وأن مصر قد تحملت الكثير, ويكفيها ما قد حدث لها. ولما كانت مصر مرتبطة ثقافيا مع العرب, فكان منطقيا أن تعود الدعوة الفرعونية إلى الظهور مرة أخرى كي تطالب بفك هذا الارتباط الثقافي وإنكار البعد العرقي فيه, امتدادا لمجموعة من الآراء التي حاولت من قبل إظهار التاريخ المصري على أنه فترة إذلال وقهر, سواء كان رومانيا أو عربيا آو مملوكيا أو عثمانيا... وكأننا بانسلاخنا عن ارتباطاتنا الثقافية السابقة, سنسقط ما حدث وجرى في تاريخنا القديم أو الحديث.
وهنا.. لابد أن ندون بعض الأسئلة أولا. هل عروبتنا مساوية لرومانيتنا أو عثمانيتنا؟ هل انتهت صلاحية العروبة وثبت فشلها..؟ هل كان العصر المصري القديم, وعهد حكم الفراعنة هو الحقبة المثالية في تاريخنا ..؟
قد لا يعلم البعض أن علاقات مصر مع الدول المجاورة لها الممثلة للوطن العربي الحالي أقدم من الإسلام والمسيحية.. فعلاقات مصر القديمة مع الشام أو العراق أو السودان أو الجزيرة العربية قد تضمنت اختلاطا عرقيا وثقافيا قديما, فعلى سبيل المثال نجد قبل أكثر من 3000 عام و تحديدا في عهد الأسرة 19, أن نحو 10في المئة - في بعض التقديرات- من سكان مصر كانوا من الأجانب.. خصوصا من الآسيويين الساميين.
ونجد استرابون المؤرخ الإغريقي الذي ولد قبل ميلاد المسيح بعشرات السنين, يصف لنا مدينة قفط في صعيد مصر بأنها مدينة "نصف عربية"... هذا قبل الإسلام و نزوح القبائل العربية إلى مصر, تلك القبائل التي ذكر عنها المقريزي فيما بعد أن من قبائلها اليمنية الكبيرة ما قد انصهر تماما في مصر وأضحى من نسيج شعبها. وكذلك كان الأمر مع بعض القبائل البربرية المغربية التي وفدت على مصر في العصر الفاطمي, و التي ما زالت شوارع حي الدرب الأحمر بالقاهرة تحمل بعض أسمائها, كقبيلة زويلة التي سكنت بجوار البوابة الشهيرة التي مازالت تحمل اسمها حتى الآن, و قبيلة كتامة التي مازالت هناك حارة باسمها حتى الآن قرب باب الوزير بجوار قلعة الجبل بالقاهرة.
تلك هي مصر... وإذا كنا سنستنكر ما قد حدث للمصريين من ظلم في عهود الرومان أو العرب أو الترك و غيرهم, فعلينا أن ندرس الشخصية المصرية التي لم تتفاعل جيدا مع الأحداث و لم تسهم في تحريكها.
ففي عهد ملوك الفراعنة الوطنيين أيضا قد حدثت تجاوزات في حق الشعب المصري مثلما قد يحدث الآن, إذا فعلينا التعرض للشخصية المصرية بدراسة سلوكياتها للنهوض بها, لا لنفيها عن انتماءاتها الثقافية والعرقية التي أصبحت جزءا منها. فبُعدنا عن العروبة تحت دعوى أن مصر كانت (مصرية) وقت حكم الفراعنة قد يأخذنا إلى طريق مسدود, فقد جاءت العروبة بمفهومها الحديث لترسخ ما قد كان موجودا بالفعل.. ولعل البعض من إخواننا العرب قد يفهم مثل تلك الدعاوى المنكرة للعروبة على أنها تعال على العرب, وذلك في الوقت الذي نجد فيه للأسف تواجدا لمثل تلك الدعوات داخل بعض أقطارنا العربية الأخرى.. وكأن كل فريق له فرعونيته الخاصة به..!
ليكن المصريون أكثر فهما لمن حولهم من الشعوب العربية, وليعلموا أن هنالك هيبة ما تجاه مصر.. تلك الهيبة التي قد يشعر بها المواطن المصري نفسه تجاه بلده فيسعد بمصريته فيفهمها البعض على أنها فخر, وهي الهيبة التي قد تدفع بالمواطن العربي إلى الهجوم أو التفاخر بهويته الوطنية فقط لإثبات وجوده وكيانه, وكأنه يريد إثبات أنه ليس مضطرا لمجاملة تلك الدولة المهابة, لذا فعلى دعاة هذا الفكر المتجني على العروبة ألا يزيدوا الأمور سوءا.
في النهاية نتمنى أن يصل للعرب أن مصر لنا ولهم, بل سنزعم أن اهتمام العرب بمصر قد يكون أكثر من اهتمامهم بالمصريين, لذا فلا مبرر لدعوات لاحتكار مصر وإسقاط عروبتها وكأننا في عصر الكفر بالعروبة, فمصر كانت وما زالت وستظل عربية إلى الأبد.
ــــــــــــــــــــــــ

No comments:

Post a Comment