يحمل تاريخ مدرسة النقراشى الإعدادية «بنين» بحى حدائق القبة قصة عن
نجيب باشا شكور الذى تبرع بقصره لتأسيس المدرسة فى العام 1947، أما اليوم فلن يجد
طلاب المدرسة أثرا لهذا القصر بعد هدمه وإقامة مبنى ضخم قبل سنوات. ليست تلك هى
الحالة الوحيدة، إذ تحولت بعض القصور إلى مبان فى مدارس مثل مدرسة أسماء فهمى
بالجيزة التى استغلت أحد قصور العائلة المالكة، وكذلك قصر الأمير سعيد حليم الذى
تحول فى فترة سابقة إلى المدرسة الناصرية. أما حول مدرسة النقراشى الاعدادية فما
زالت هناك بقايا فيللات ومبان ذات طراز معمارى متميز، وفى داخل إحداها يروى إبراهيم
ظريف أحد قدامى سكان المنطقة قصة قصر منصور نجيب شكور فى عبارة مختصرة: «حاول الورثة
استرداد القصر من وزارة التربية والتعليم، ولم يفلحوا، وتم هدمه بعدها لتوسعة
المدرسة». لم يتبق من سيرة نجيب باشا شكور أحد مؤسسى حى حدائق القبة فى بداية القرن
الماضى سوى اسم شارع فى هذه المنطقة، بينما يظل عدد من الفيللات والقصور الأخرى فى
حيازة أصحابها دون قدرتهم على هدمها، إذ يحظر قانون 144 لسنة 2006 «الترخيص بالهدم
أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز أو المرتبطة بالتاريخ
القومى أو بشخصية تاريخية»، ولا يعيق هذا القانون تأجير أو بيع
المبنى.
أما الدكتورة سهير حواس، رئيسة الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات
بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى، فترى أنه لا توجد أزمة فى إعادة استخدام القصور
التاريخية أو المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، بل تحبذ ذلك قائلة: «يجب أن يتم
استغلال تلك المبانى بطريقة علمية، إذ إن ذلك موجود فى الغرب حيث نجد مبانى أثرية
تستغل كفنادق سياحية، المهم هنا هو التعامل الجيد مع المبنى، وقد كان لدينا نموذج
جيد فى القصور الملكية التى تحولت إلى قصور رئاسية فى العهد السابق، وكذلك فى
القصور التى استخدمت كسفارات، فهذه النماذج نجحت فى إحياء تلك المبانى، لأن المسألة
ليست فقط فى الصيانة، لكن فى أمر آخر هو أن استغلال المبنى هو جزء من الحفاظ عليه
وذلك من الناحية الهندسية». أحد الشروط التى تؤكد عليها الدكتورة سهير حواس فى
استغلال القصور والمبانى ذات الطراز المتميز هو ألا يبتعد الاستخدام عن خلفية
المبنى التاريخية فحتى إن كان هناك قصر داخل محيط مدرسة، فيمكن استخدامه فى تعريف
الطلبة بجمال العمارة وتعويدهم عليها. وتضرب مثلا آخر بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقى
الذى تم استغلال منزله «كرمة ابن هانئ» مع الحفاظ على تفاصيله القديمة، واستغلاله
فى إقامة أنشطة ثقافية ملائمة لماضى أمير الشعراء، وهناك نماذج أخرى استغلت فيها
القصور بناء على قرار جمهورى، وهو ما حدث عند إنشاء مكتبة مصر العامة «مبارك
سابقا»، إذ تم استغلال قصر الطحاوى على النيل فى الجيزة بعد صدور قرار جمهورى فى
ديسمبر 1992. بعض تلك القصور دخلت إلى تبعية المجلس الأعلى للآثار بعد أن بدأت
بالفعل نشاطها مثل قصر الأميرة سميحة ابنة السلطان حسين كامل (حاكم مصر من 1914 إلى
1917)، إذ كانت الأميرة سميحة مهتمة بالفن والثقافة، وتجيد الرسم والنحت، وظلت
بقصرها حتى وفاتها فى الثمانينيات. وذكر المهندس محمد مصطفى صالح استشارى المشروع
فى مجلة عالم البناء (العدد 132 ـ يونيو 1992) أن تاريخ المبنى يعود إلى العام
1900، واختارت الأميرة بنفسها زخارف ذلك القصر الذى تحول إلى مكتبة القاهرة الكبرى
فى العام 1992، وتم تسجيله كأثر فى العام 2001.
فى قائمة سجلات جهاز التنسيق الحضارى العديد من المبانى ذات الطابع المعمارى
المتميز بعضها مهجور وآخر مأهول بالسكان، وهناك مبان تم استغلالها فى أغراض تجارية
كأن تقوم بعض البنوك بتأجيرها وتحويلها إلى فروع لها. وحسب قانون التنسيق الحضارى
لسنة 2008 «فإن من مهام جهاز التنسيق الحضارى إعداد أسس وضوابط الحفاظ على المناطق
والمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، كما يجوز للجهاز اقتراح نزع ملكية
بعض العقارات من أجل المنفعة العامة». ورغم تلك الصلاحيات فإن الواقع يسير بشكل آخر
تماما، إذ تظل سلطة إصدار تراخيص الهدم والبناء بيد مهندسى المحليات، وليس لدى جهاز
التنسيق الحضارى أى سلطة لمنع الهدم أو محاسبة المخالفين فعليا. ويرى الدكتور محمود
عباس أحمد ـ رئيس الإدارة المركزية لآثار العصر الحديث بالمجلس الأعلى للآثار ـ أنه
لا بد من إنشاء هيئة لإدارة القصور الملكية على وجه الخصوص، وكذلك بعض القصور
والمبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، ويكمل شارحا: «مثل هذه الهيئة ستنزع القيود
التى قد تمنعنا من التصرف فى هذه المبانى واستغلالها». بعض القصور التاريخية ما
زالت تحت تصرف وزارات من أشهرها قصر الزعفران التاريخى الذى ما زال يعمل كمبنى
لإدارة جامعة عين شمس، ويوضح الدكتور محمود عباس: «البعض يعتقد أن تسجيل القصور
والمبانى ضمن الآثار لابد أن يكون بعد مائة سنة على تأسيسه، لكن الأمر له أبعاد
أخرى لها صلة بتاريخ المبنى وشخصيته، إضافة إلى جماليات زخارفه وقيمته المعمارية،
وعلينا فى البداية أن نبدأ بالقصور الملكية».
No comments:
Post a Comment