صفحة تسعى إلى المواطنين بعيدا عن الشارع
كتب – عبد الرحمن مصطفى
يتلقى أعضاء صفحة
الشرطة المصرية بين الحين والآخر عبارات من نوعية : "أنا محبط !"،
يكتبها مدير الصفحة على الفيسبوك ملخصا ما واجهه على مدار عامين من محاولات
التقريب بين عالم وزارة الداخلية، و أعضاء شبكة فيسبوك الاجتماعية. "ما زال
البعض يرى في ضابط الشرطة أنه متعالي، ومتعجرف ، وكان ضروريا بعد الثورة أن تقترب
المسافات، و أن يرى المواطن العادي الحقيقة كما هي دون تزييف أو تجميل". يشرح
هنا مدير الصفحة الأسباب التي دفعته في هذا الاتجاه ، ويعمل معه عدد من الضباط
والأصدقاء في مهام يومية يتلقون فيها كما لا بأس به من الانتقادات والتعليقات
الحادة .. كأن يكتب أحد المعلقين على سبيل المثال : "نضفوا نفسكوا الأول، والكلام للظباط والقيادات اللى
شايفيين نفسهم على الشعب، ولو نسيتوا، الشعب المصرى كارهكوا طول ماانتوا بتتعالوا عليه، و 25 يناير
تشهد بكدة".
هذا إلى جانب مئات التعليقات الأخرى الأكثر حدة، التي توجه سبا وقذفا إلى ضباط
الداخلية، وتزداد تلك الحدة في فترات الاشتباكات بين الأمن و المتظاهرين، و تصبح
المهمة أكثر صعوبة في مطاردة التعليقات الخارجة حين يصل عدد الأعضاء إلى حوالي 142
ألف عضو.
يخفي مؤسس الصفحة
هويته ويرفض التعريف ببياناته الشخصية في هذه المرحلة لأن ذلك مخالف لقواعد عمله
كضابط في وزارة الداخلية المصرية، وكان قد بدأ تأسيس الصفحة في فبراير 2011 ، ثم
دعا أصدقاءه الضباط على مدار أسابيع بعدها إلى مشاركته في هذه التجربة الجديدة،
حتى أصبح معه الآن خمس مديرين أساسيين للصفحة، تحت مظلة واحدة تهدف إلى أن يديروا "صفحة
مجتمعية" تختلف في أدائها عن الصفحات الرسمية التي دشنتها الأجهزة الحكومية بعد
الثورة، ومنها الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية. لكنه يؤكد في الوقت نفسه
أن صفحته انتقلت في مرحلة تالية لتصبح تحت رعاية
وزارة الداخلية، بعد أن لفتت أنظار القيادات ، وازداد عدد أعضائها.
يشرح مدير الصفحة الذي أصر على عدم ذكر اسمه
قائلا: "تواصلت مع إدارة الإعلام والعلاقات العامة بالوزارة، و أصبحنا ننشر
بيانات الوزارة، ونتأكد من بعض المعلومات بشكل مباشر من إدارة الإعلام كي ننشرها
بشكل عاجل على الصفحة، لكننا طوال الوقت كنا حريصين على ألا نتحول إلى نسخة من
صفحة الوزارة، إذ ما زالت لدينا مساحة للانتقاد، والتعبير عن أنفسنا وآرائنا،
والاشتباك أحيانا مع الوزارة بشكل مقبول".
المتابع لصفحة الشرطة
المصرية يجد نبرة معارضة تظهر في بعض المواقف، ينقل فيها "الأدمن"
المتاعب التي يواجهها الضابط في عمله أو في علاقاته بقياداته، كما يعتمد على نشر
أخبار وصور شهداء الشرطة في العمليات الأمنية بشكل سريع لنقل ملامح حياة العاملين
في وزارة الداخلية، المهم "ألا ننشر غسيلنا القذر أمام الناس"، حسب
تعبير مؤسس الصفحة الذي يستكمل حديثه قائلا: "كان طموحنا أكبر من هذا، إذ كان
كلي إصرار على أن انتزع مساحة خاصة بتلقي الشكاوي وتوصيلها إلى الوزارة، سواء كانت
الشكوى من مواطن أو من أحد العاملين في الداخلية، وما زلت أتابع مع الوزارة من أجل
هذه الخدمة ، حتى تكون بادرة خير لدى المواطنين والضباط تشعرهم بأن هناك تغيير بعد
الثورة".
على مدار 24 ساعة يتم
تحديث الصفحة بواسطة مجموعة من الزملاء والأصدقاء ، سواء من المنزل أو جهاز اللابتوب
الشخصي أو من الهاتف المحمول، لنقل التحديثات على مدار الساعة، محاولين ابتكار
مساحة لاجتذاب جمهور الانترنت للتعاون مع الشرطة. كان آخر تلك المحاولات هو اقتراح
من الصفحة بتقديم نشرة مرورية يساهم في إعدادها أعضاء الصفحة أنفسهم ببث
معلومات عن الأماكن المتواجدين فيها وحالتها المرورية من الساعة 7 الصبح حتى
الساعة 3 العصر. ما مدى قدرة هذا النوع من الصفحات على الانتقال إلى مستوى آخر
يعتمد فيه العمل على العلاقات المباشرة و التواصل مع صفحات أخرى؟ يشرح مدير الصفحة
أن حالة العداء ضد وزارة الداخلية ما زالت تدير عقول الكثير من مديري الصفحات
الشهيرة الأخرى على الفيسبوك، وتعيق محاولات التواصل معهم، ويقول: "حين نشر زميلنا
ماجد مشاركة ضد تجار الدين، اتهمنا البعض بأننا معادون للإسلاميين، وفي أحداث
القائد إبراهيم بالإسكندرية اتهمونا بأننا ضد المتظاهرين لصالح الإسلاميين .. في
هذه الأجواء يصعب التواصل أو التعاون مع مديري الصفحات الشهيرة التي تروج لهذا
الكلام !".
الأمر الآخر الذي تعرض له مدير الصفحة شخصيا هو تجربة سيئة حين نشر
أحدهم صورة من حديث خاص بينهما عبر الرسائل الخاصة، وقدمها لزوار الانترنت على أمل
الإساءة إلى صفحة الشرطة المصرية .
بعيدا عن الصراعات اليومية داخل الصفحة ، تظهر مبادرات على استحياء
تحاول الخروج من عباءة الانترنت، منها إعادة طرح فكرة
تداولتها صفحات من قبل عن تأسيس مجموعة الكترونية تجمع 1000 ضابط
بشكل مبدئي بعد التأكد من هويتهم الحقيقية، وفي حالة سقوط شهيد من الشرطة في
العمليات الأمنية يتم تجميع مبلغ 100 جنيه من كل فرد وتوصيلها مبلغ 100 ألف جنيه
إلى أسرة المتوفي. وما زالت مثل هذه المبادرات قيد الدراسة، لكن الواقع اليومي هو
ما يواجهه مديرو الصفحة يوميا ، ما يدفعهم كل حين إلى توجيه السؤال نفسه إلى أعضاء
صفحتهم : ما رأيكم في الصفحة ؟ فيتلقون إجابات داعمة لهم ، وأخرى تحمل انتقادات و
ضغينة تجاه ضباط الشرطة بشكل عام.
**
**
قبل أقل من أسبوعين
كتب النقيب شريف على صفحته في الفيسبوك الآتي : "اكتشفت سرقة الحساب
الشخصي الخاص بي من حوالي أسبوعين وفوجئت بأن السيد مفتش الداخلية استدعاني من
حوالي أربعة أيام للتحقيق معي في مقال منسوب لي علي الصفحة، وحينما سألت بعض أصدقائي
عن الحل، قيل لي: ريح دماغك وماتدخلش علي الفيس بوك تاني أو أدخل بس حط صور دباديب
وقلوب وأكتب قصايد شعر عن الحب والكلام اللي بالك فيه ده ..."، هذه الكلمات
نقلتها صفحة "ضباط شرطة مصر يتحدثون" على شبكة فيسبوك الاجتماعية، و
تغامر بنشر اقتباسات لضباط شرطة تكشف عن جانب آخر من حياتهم، حيث آراء وشهادات وتجارب
من الصعب نشرها في أماكن أخرى.
يخفي أدمن الصفحة وزملاؤه هويتهم
تماما ، نتيجة ما تثيره الصفحة من جدل، وهدفهم الرئيسي هو توصيل هذه الأصوات
المكتومة لضباط الشرطة إلى أكبر شريحة ممكنة، وهو ما يوضحه مؤسس الصفحة قائلا:
"بادرت بتأسيس الصفحة حتى لا يموت صوت الضباط، وكي يتشجعوا على الكلام
وعدم السكوت أو التوقف عن المطالبة بحقوقهم المهدرة.
لذا دأبت على نقل مشاركات الضباط وكتاباتهم ومشاكلهم و نشرها، سواء من
يريد أن يشكر الوزارة أو من يريد انتقادها، على أمل خلق أجواء تضامن من أجل حقوق
الضباط وحريتهم".
تأسست الصفحة في مارس من العام 2012، وقبل تأسيسها عرض مؤسس الصفحة
فكرته على إحدى الصفحات التي يديرها ضباط شرطة آخرون، لكنها لم تلق قبولا لديهم،
بدعوى أن كلام الضباط ومشاكلهم ليست بذات أهمية ليتم التحدث فيها أو نشرها .. ويوضح : " مع كثرة صفحات ومجموعات
الضباط فوجئنا بأن الوزارة بدأت في استمالة بعض من يديرونها لأن يكونوا تابعين
لتوجيهاتها". يحمل محتوى الصفحة أحيانا شهادات لضباط من موقع الحدث، وينقلون
مشاكل يعيشونها يوميا في عملهم. على سبيل المثال نقلت مؤخرا شكوى ضابط من تعسف بعض
مديري المباحث في السماح بالإجازات لمن يعملون معه من الضباط، ويقول شاكيا :
"
يا
بهوات الاجازات مش حق الظباط بس ده حق اسرته واهله افهموا كفايه ايلى بنشوفه من
الناس كفايه قرفتونا يا بهوات الاجازات مش حق الضباط بس .. ده حق أسرته
وأهله ، افهموا كفاية اللى بنشوفه من الناس .. كفاية قرفتونا ". وأحيانا ما
يتطور الأمر في بث الشكوى إلى عبارات عنيفة مثل : " هى الوزارة مش عايز تكبر
وتعقل، ومش ناوية القيادات تحترم نفسها وتحترم اللى إحنا بنشوفه و بنعانيه ".
يبحث مديرو الصفحة عن مثل تلك الأصوات كي يتيحوا لها المجال أن تتحدث في ظل الضغوط
التي يتعرض لها ضابط الشرطة الآن، أما وسائل الوصول إلى هذه الاقتباسات فتتلخص في
أربع طرق : إما النقل عن طريق مجموعات الشرطة المعلنة أو السرية على الفيسبوك، و
نقل ما يكتبه الضباط في حساباتهم الشخصية، و أخيرا ما يرسله الضباط للصفحة في
رسائل مباشرة .
لم ينسق مديرو الصفحة على مدار الأشهر الماضية مع وزارة الداخلية أثناء
عملهم، ويحرصون على أن يعملوا بعيدا عن أي قيود، وهو ما يشرحه مؤسس الصفحة قائلا:
" نحن على علم بأن جميع ما يتم كتابته على الصفحة يتم تصويره و إرساله لوزير
الداخلية خصيصا ليتم قراءة أفكار ومشاكل وتوجيهات الضباط. ونريد أن نوضح هنا أن
الكثير من المشاكل التي تم نشرها جرى التحقيق فيها ونال الضباط حقوقهم، ونشكر
الوزارة على ذلك، لكن هذا لم يحدث مع الجميع".
تتبنى الصفحة
موقفا واحدا تلخصه في واجهة الصفحة في عبارات "نحن ضباط شرطة مصر نتحدث عن مشاكلنا
.. فهي مشاكل تؤثر في جميع المصريين ... الآن تستمعون إليهم وتعرفون مشاكلهم".
أحد الدوافع التي
تحرك مؤسس الصفحة وكثير من الضباط في دعم هذه الموجة من الفضفضة على الإنترنت هو
أنها قوبلت بالقمع والرفض في بداية ظهورها عبر الفيسبوك، ويشرح ذلك قائلا:
"كانت قصص محاربة قيادات الوزارة لجميع الضباط الذين يحاولون الكتابة أو
يبدون آراءهم دائما في بالنا، إذ كان مصير البعض هو التحقيق عن طريق مفتش الداخلية،
وهناك من استبعد من عمله لهذا السبب، حتى قيادات الوزارة التي حاولت استغلال
الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في التعبير عن نفسها وعن أفكارها ، أحيل بعضهم
إلى المعاش المبكر".
هذه الظروف لم
تعيق طموح مديرو الصفحة من أن يفكروا في مستقبل تهدأ فيه الأحداث المتتالية
والاشتباكات، وأن تتحول الصفحة في المستقبل إلى
مجلة لضباط الشرطة، تعرض كتاباتهم ومشاكلهم وأفكارهم، لكنهم جميعا متأكدون من أن ذلك لن يحدث
الآن بالتأكيد.
**
في الداخلية .. معارضون و مؤيدون
**
اختلفت اتجاهات صفحات ضباط الشرطة على
الشبكات الاجتماعية، كل حسب موقفه من وزارة الداخلية، فبعيدا عن الصفحات الرسمية
للوزارة على الفيسبوك تظهر اتجاهات أخرى تتحرك فيها صفحات الضباط .. الاتجاه الأول
يمثل الصفحات التي ظهرت لتعبر عن ائتلافات وحركات احتجاجية، ومن أشهر هذه النماذج
صفحة ضباط لكن شرفاء التي تعبر عن ائتلاف بالاسم نفسه ضم ضباط شرطة ومواطنين يرفعون شعارات مثل : "تطهير
الشرطة من قتلة الشهداء، ومن ملفقي القضايا ومعذبي معتقلي الرأي"، وهي شعارات
تبناها ميدان التحرير منذ الأسابيع الأولى في الفترة الانتقالية. وتضم هذه الصفحة حاليا
أكثر من 152 ألف عضو. و نتيجة تدفق الأحداث ظهرت قضايا جديدة مثل قضية الضباط
الملتحين المطالبين بأن يمارسوا عملهم دون حلق لحيتهم، فتأسست صفحة للدفاع عن
قضيتهم تحت عنوان "أنا ضابط شرطة ملتحي"، تضم حوالي 84 ألف عضو، وتحظي
هذه الصفحة بدعم من كثير من الصفحات الاسلامية الشهيرة، إذ تظهر كصفحة داعمة
لهؤلاء الضباط، وأغلب أعضائها من المدنيين، حسبما توضح التعليقات.
في الجانب
المقابل تماما لهذه الصفحات المعارضة لوزارة الداخلية، كان ضعف الأداء الأمني في
الفترة الانتقالية بعد الثورة سببا في ظهور صفحات داعمة للشرطة، على أمل عودة
الأمن، فظهرت عناوين صفحات مثل : "معا لعودة الشرطة" ، "الجيش
والشرطة والشعب إيد واحدة"، ومن هذه الصفحات عنوان مميز باللغة الانجليزية هو
We Can't Live Without Police التي تأسست في يوم 2 فبراير 2011 . و قد تبدو هذه الصفحات الآن
أقل حدة تجاه المتظاهرين على عكس فترات سابقة، حين كانت تثير حفيظة كثيرين اعتبروا
ما تنشره هذه الصفحات إساءة للثوار، حين كانت تلك الصفحات تناضل من أجل استعادة
هيبة الشرطة.
وبين الاتجاهين
السابقين ظهرت موجة ثالثة تعبر عن صوت الضباط الذي لا يصل بسبب صخب الأحداث،
معتمدة على نقل مشاهد من الحياة اليومية لحياتهم إلى مستخدمي الانترنت، ويقف مديرو
هذه الصفحات في مساحة وسط و لا يجدون أنفسهم في مساحة المعارضة الكاملة، ودون أن يحولوا
عملهم إلى صفحات دعائية لوزارة الداخلية.
No comments:
Post a Comment