Saturday, December 29, 2012

ريف و مدينة: الجماهير بين الصخب الثوري وخدمات الاسلاميين

القبائل العربية تسجل حضورها في دفتر السياسة

كتب – عبد الرحمن مصطفى
"القبائل العربية تساند الشرعية و تؤيد قرارات الرئيس" ، تكرر ظهور مثل هذه العبارات مؤخرا في مسيرات و مؤتمرات داعمة للرئيس محمد مرسي، نقلت إحساسا بأن الرئيس مدعوم من ملايين المواطنين في أرجاء المحافظات المصرية، لكن الواقع مختلف. "لا يستطيع أحد أن يدعي أنه صوت القبائل العربية في مصر، أو أن يزعم أن القبائل تتبنى موقفا سياسيا واحدا". الحديث هنا للشيخ راشد السبع، ‏رئيس ائتلاف القبائل العربية المصرية‏‏ الذي يضم ممثلين عن قبائل سيناء و مطروح و وادي النيل، وهو الائتلاف الذي أعلن موقفه مبكرا من دعم الرئيس محمد مرسي منذ أن كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية. "قد تجد للقبيلة الواحدة فروعا في وادي النيل وسيناء، وقد تجد قبيلة أخرى تنتشر في مطروح والدلتا والصعيد، لكن في النهاية فإن القبائل الممثلة في الاتحاد بشكل خاص هي التي أجمعت على دعم الرئيس مرسي منذ البداية".
بعد الثورة، ظهرت تكتلات قبلية متعددة هدفها ايجاد تمثيل سياسي يعلو فيه صوت القبائل العربية، لكنها على أرض الواقع لم تمثل إلا نفسها. أما ائتلاف القبائل العربية المصرية تحديدا فيروي الشيخ راشد السبع أسباب تأسيسه موضحا : "بعض أبناء القبائل العربية كانوا منتمين إلى التيار السلفي، ووجدوا فرصتهم في ممارسة السياسة بعد تأسيس حزب النور، واستبشرت القبائل خيرا بهذا الحضور السياسي، على أمل أن يتم تمثيل هويتهم وقضاياهم بشكل جيد أمام الرأي العام، لكن الواقع أن هؤلاء الأعضاء تبنوا قضايا أحزابهم الإسلامية، و ذابت قضايانا في زحام الأحداث".
يجمع أغلب أبناء القبائل العربية في مصر ملمح واحد هو أنهم محافظون بطبيعتهم وأقرب إلى التدين الفطري، وهي المساحة التي نجح التيار الاسلامي في استغلالها جيدا ، حسبما يصف الشيخ راشد السبع الذي يتحدث هذه المرة كباحث في أنساب القبائل العربية. و يضرب مثلا بحالة خاصة في محافظة مرسى مطروح بسبب قرب قبائلها من معقل الدعوة السلفية وذراعها السياسي "حزب النور" في مدينة الاسكندرية ، وهو ما أثر على اختياراتها السياسية. إذ تكشف حالة "مطروح" عن أن هناك شبه اجماع على اتجاه واحد يميل ناحية حزب النور .. على سبيل المثال حصد المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح حوالي 70% من أصوات الناخبين في المحافظة بسبب تأييد حزب النور له في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة. و في المرحلة الثانية اكتسح الدكتور محمد مرسي منافسه الفريق أحمد شفيق بنسبة تقدر بـ 80% من أصوات الناخبين، وظلت المؤشرات ثابتة في صالح التيار الاسلامي أثناء انتخابات مجلسي الشعب والشوري التي حصدها حزبي النور والحرية والعدالة، بينما تصدرت مطروح نتائج المحافظات التي قالت "نعم" للدستور بنسبة 92%.
هذه النتائج لا يمكن قراءتها سوى في ضوء العلاقات القوية بين التيار السلفي و القبائل العربية في مطروح، بينما اختلف الأمر لدى قبائل سيناء والصعيد في أثناء فترة الانتخابات الرئاسية. فقد استقبلت بعض القبائل المرشح السابق عمرو موسى بحفاوة، مع الإشارة الدائمة إلى جذوره العربية، وكذلك حين استقبلت زعامات قبائل الأشراف بالصعيد آنذاك الفريق أحمد شفيق، وكأن كل فريق يبحث عن من يمثله، ويعبر عن جزء من هوية لا تجد لها مساحة في السلطة الحاكمة أو في الإعلام.
قد لا يكون الرئيس محمد مرسي منتميا إلى إحدى القبائل العربية الكبرى، لكنه تواصل مبكرا مع أبناء هذه الشريحة لكسب تأييدها منذ أن كان مرشحا رئاسيا، حين أقر بأحقيتهم فى تملك الاراضى التى يقيمون عليها.
و في جانب آخر اتخذ بعض أبناء القبائل موقفا محايدا تجاه الرئيس مرسي وقراراته طوال الشهور الماضية، مثال على ذلك الشيخ على فريج راشد- رئيس جمعية القبائل العربية بسيناء- الذي طمح بعد تأسيسه للحزب العربي للعدل والمساواة في أن يجتذب أبناء القبائل من المحافظات المختلفة في كيان واحد، غير أن هذه التجربة لم تحقق الكثير، ويقول: "أبناء القبائل العربية المنتمون إلى التيار الإسلامي في سيناء ملؤا فراغا تركه الحزب الوطني ولم تملأه أحزاب جديدة، واستغلوا انهيار جهاز أمن الدولة في التقرب من الأهالي والتواجد بينهم بعد التضييق الذي مورس عليهم، وكان المزاج المحافظ هو العامل المشترك الذي قرب أبناء القبائل من المرشحين الاسلاميين". وكان الشيخ على فريج راشد قد اختير مؤخرا ضمن أعضاء مجلس الشوري المعينين من الرئيس محمد مرسي، وهو القرار الذي اعترض عليه ناشطون بسبب انتمائه إلى الحزب الوطني السابق كعضو مجلس محلي لمدة 18 سنة عن شمال سيناء.

العاطفة مفتاح الفرج
يسجل الدكتور محمد علي- الأستاذ المساعد بقسم الاجتماع في كلية الأداب بجامعة سوهاج- أن هناك أدوات للضبط الاجتماعي تستخدمها القبائل العربية في إدارة علاقتها الداخلية، منها الأخلاق والقيم الدينية، و تقدير قيمة الكبير الذي بيده السلطة، وهو ما يؤثر في الاختيار السياسي لكثير من أبناء القبائل العربية، وكيف يرون رئيس الجمهورية، ويضيف معلقا  : "هناك أمر آخر أكبر من اختيارات القبائل العربية ، و هو متعلق باختيارات المصريين السياسية بشكل عام، إذ تقوم الاختيارات على أساس عاطفي .. وهذا هو مفتاح الوصول إلى الناخبين".
في المادة 16 من الدستور نص يؤكد على أن "تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية، و تعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية"، و يذكر الشيخ على فريج أن البعض روّج لهذه المادة في سيناء وكأنها نصر مبين، دون الالتفات إلى بقية مواد الدستور.
تختلف طبيعة القضايا المطروحة من القبائل القاطنة بالبوادي والمناطق الحدودية عن القبائل الأكثر استقرارا في وادي النيل، خاصة في صعيد مصر .. وهو ما يؤكد عليه إبراهيم البرسي، المنسق العام لائتلاف القبائل العربية بأسوان، إذ يقول: "الوضع معقد جدا هنا، ولا أعتقد أن نتائج الاستفتاء أو الانتخابات قبلها معبرة بشكل كامل عن اختيارات القبائل العربية والأشراف بالصعيد، على الأقل فأنا أعرف من كانوا ينتمون إلى الحزب الوطني السابق وصوتوا بنعم في الاستفتاء الأخير، و لم يكن موقفهم من باب التأييد لمرسي ". وعلى عكس ائتلافات أخرى فإن ائتلاف القبائل العربية في أسوان تعود نشأته إلى بدايات ثورة 25 يناير حين تحالفت القبائل العربية من أجل سد الفراغ الأمني ، واستمر عمل هذا التحالف حتى وقت قريب في مهام اجتماعية مثل الصلح بين العائلات المتنازعة، ونقل مشاكل أبناء المحافظة إلى السلطة، وكان الاتفاق منذ البداية على إبعاد السياسة عن الائتلاف. يعلق إبراهيم البرسي قائلا: "ببساطة، فإن المنتمين إلى التيار الاسلامي، لديهم تواجد بين قبائلهم، وقد قلتها من قبل لعمرو موسى ولحمدين صباحي: التيار المدني نفسَه قصير مقارنة بالأحزاب الدينية الأكثر دأبا وعملا". أما قضايا القبائل في الصعيد فهي جزء من قضايا المجتمع الجنوبي بشكل عام، فقضية النوبيين تهم القبائل العربية المجاورة، والبحث عن الاستثمار في الصعيد هو جزء من مشكلة الجنوب. ويقول إبراهيم البرسي بعين خبيرة في قبائل الصعيد التي يمتد نسبها إلى آل البيت وشبه الجزيرة العربية: "أعتقد أن كلمة الاستقرار التي جاءت بنعم هي هدنة، تتضح بعدها الرؤية، وقد بدأت الرهانات على من سيملك القرار في المستقبل وتحقيق مصالح أبناء القبائل وأهالي الصعيد.. فهل سيكون التيار السياسي الحاكم الآن في قوة الحزب الحاكم السابق؟ لقد بدأ البعض بالفعل في ترتيب أوراقه للتقارب مع المنتمين إلى التيار الاسلامي، وامتداداته في الصعيد".
 
مسيرة في قرية .. مظاهرة في مركز، و الإسلاميون في الخدمة دائما !
كتب – عبد الرحمن مصطفى
في قريته التابعة لمركز "منية النصر" بمحافظة الدقهلية، اختارت الصناديق "نعم" للدستور، وطوال الفترة الماضية كان الحشد واضحا بشدة، وكأحد أبناء القرية يتوقع مدحت صالح- الطالب بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- أن يتكرر المشهد قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.
أما في الأسابيع الماضية ، فلم يجد مهربا من تلك الأجواء سوى بالانخراط في مسيرة قريبة من قريته تشبه المسيرات التي تجوب شوارع القاهرة والاسكندرية بهتافات مثل "يسقط يسقط حكم المرشد"، و "لا..لا.. للدستور". ويصفها قائلا: " هذه المسيرات هي حدث خاص في الأماكن ذات الطابع الريفي، وتمثل لهم مفاجأة، على عكس القاهرة والاسكندرية التي اعتادت على هذه المشاهد".
خرجت المسيرة احتجاجا على الدستور وشارك فيها شباب من حزب الدستور والتيار الشعبي والألتراس. و يعتقد زميله البدراوي ثروت- الناشط بحزب الدستور- أن هذه المسيرات التي أقيمت مؤخرا قرب القرى الريفية في منية النصر لم يضع أثرها هباء، و يوضح: "كانت النتائج جيدة في أغلب قرى مركز منية النصر حيث قمنا بالمسيرات وتوزيع دعايتنا، عدا إحدى القرى التي ينشط فيها الإخوان المسلمون، هي التي أجمعت على نعم للدستور". سبقت هذه المسيرة حملات توعية و وقفات احتجاجية منها وقفة بعد حادث قطار أسيوط الذي أسفر عن مصرع أكثر من 50 طفلا.
و في داخل المسيرة انطلقت الشماريخ وتشابهت الهتافات مع هتافات ميدان التحرير. أما القوى الإسلامية فتتبع طرقا أخرى أبسط، حين تنطلق السيارات بميكروفونات في القرية، و يدعو أحد كوادر الإخوان المسلمين أهل قريته إلى تبنى موقفا محددا أو انتخاب أحد المرشحين، و لا يخلو الأمر من ابتكارات أخرى مثل مسيرة بالدراجات البخارية من أجل الدعاية، وحسب البدراوي فإن أنشطة التيار الإسلامي "تفتقد الصخب والجاذبية وكأنها تحصيل حاصل !" . هؤلاء الشباب الذين يديرون العمل الاحتجاجي خارج القاهرة يعتمدون على شبكة علاقات "ثورية" تكونت على مدار العامين الماضيين، جمعتهم فيها الكثير من المناسبات والمصاعب سواء في أحداث بالقاهرة أو خارجها، رغم اختلاف انتماءاتهم الحزبية الآن.
هناك من يرى في هذا النهج الذي يعتمد على نقل الأسلوب الثوري في الدعاية السياسية والاحتجاج إلى الريف أمرا غير ذي جدوى ، فيقول الدكتور عبده البردويل- الأمين العام لحزب الحرية والعدالة بدمياط: "الشارع أصبح لا يحتمل كل هذا، والتواجد بين الناس وخدمتهم هو الفيصل في كسب أصوات الجماهير". و على هذا تنقل صفحات حزب الحرية والعدالة أرشيفا مصورا لما يقدمه الحزب من معارض خدمية وقوافل طبية ومؤتمرات حاشدة في المناسبات المختلفة.
بعيدا عن الدلتا .. يختلف الوضع قليلا في الصعيد، حيث تكون الأمور أكثر صعوبة، حسبما يصف الناشط السياسي أحمد خنفور من محافظة أسيوط: "نحن ما زلنا في معركة البحث عن شرعية الاحتجاج والتظاهر في بيئة محافظة بطبعها، أنا أجد من يدعون لي بالتوفيق في مسيراتنا، لكنهم لا يشاركون.. ما زلنا نبحث عن موضع قدم لحرية المعارضة والدعاية الصاخبة في الشارع الأسيوطي".
و يدرك أحمد خنفور وغيره من الشباب أن أزمتهم الحقيقية هي في التواجد بأنشطة دائمة خدمية، وهي تكلفة قد لا يتحملونها بأنفسهم، وفي الجانب المقابل فإن أعضاء حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" لا يتحركون في مسيرات صاخبة، عدا في المظاهرات الحاشدة في القاهرة والاسكندرية كالتي أقيمت أمام جامعة القاهرة في سبت الشرعية والشريعة في أول ديسمبر 2012 لاستعراض القوى أمام مسيرات ومظاهرات القوى الثورية والمعارضة.
يصف الدكتور محمود ابراهيم المتحدث الاعلامي لحزب النور في مدينة السويس ذلك قائلا: "كان الاعلام أكثر تركيزا على المظاهرات المعادية للرئيس، لذا لجأنا للتظاهر في حشد هائل في العاصمة وهو ما نفعله في أضيق الحدود، لمواجهة حملات العداء للرئيس وإسقاط الدولة ".
يبقى المشهد خارج العاصمة والمدن الكبرى وخاصة داخل الريف المصري منقسم بين أبناء تيار الإسلام السياسي المعتمدين على التواجد الدائم بأنشطة خدمية، وعلى الجانب الآخر نشطاء أغلبهم من الشباب يحاولون نقل روح الثورة والتغيير إلى من لم يرونها بعد في القرى والمراكز الريفية !

No comments:

Post a Comment