عبد الرحمن مصطفى
جميعهم يحفظون القرآن الكريم كطلبة تقليديين في جامعة الأزهر الشريف، وفي الوقت نفسه هم «علمانيون»، و«تقدميون»، متحملين في سبيل ذلك الكثير من الضغوط التي يواجهها علماني في بيئة إسلامية. اختاروا لقاءهم بعيدا عن الجامعة في أحد المقاهي المجاورة للبورصة المصرية، ويشرح مؤمن عبدربه أكبرهم سنا، (21 سنة) الطالب في كلية الهندسة، وجهة نظره: «الثورة غيرت شريحة من شباب جامعة الأزهر، انضم بعضهم إلى حركات مثل 6 إبريل، وحزب الدستور، والتيار الشعبي مؤخرا، لكن سبب اختيارنا الفكر الاشتراكي التقدمي هو أن هذه الأحزاب والحركات لا تتبنى فكرا سياسيا واضحا، وكنا نحتاج إلى فكر سياسي في مواجهة الإسلام السياسي المحاصرون به».
يجلس مؤمن مع رفيقيه محمد السعيد ومحمد عمر، الطالبين بكلية اللغات والترجمة وأعضاء نادى الفكر التقدمى الذى تأسس هذا العام فقط، ويأمل جميعهم أن يكونوا جزءا من تيار ثالث بدأ ينمو فى الجامعات المصرية، ويوضح مؤمن قائلا: «كانت الخريطة منقسمة قبل الثورة بين شباب الحزب الوطنى والاسلاميين، الآن أصبح الوضع فى الجامعة منقسما بين الإخوان المسلمين والسلفيين.. أما نحن كشباب تقدمى فنحن جزء من شريحة أخرى من شباب الأحزاب والحركات السياسية». هذه الفئات التى يتحدث عنها مؤمن ورفاقه لا تمثل جميع الطلبة هناك، ففى داخل جامعة الأزهر وحدها 284 ألف طالب حسب أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عن العام الدراسى الماضى. وتختلف جامعة الأزهر عن بقية الجامعات فى أنها جامعة مركزية تتركز أغلب كلياتها فى القاهرة، ما يجعل نسبة كبيرة من طلابها منتمين إلى محافظات وأقاليم مصر المختلفة، وهو نفس حال هذه المجموعة التى أسست نادى الفكر التقدمى، إذ ينتمون إلى ثلاث محافظات مختلفة. ويدرس الطالب فى جامعة الأزهر مواد شرعية تجعله قريبا من الأفكار الإسلامية، أما بعد الثورة فقد ازدادت الجرعة الإسلامية بعد انهيار الضغط الأمنى ووجود الحزب الوطنى، ما جعلها فرصة لصعود الإسلام السياسى بجناحيه: الإخوان المسلمين، والدعوة السلفية داخل الجامعة.
تكفى نظرة على صفحة أسرة «جيل النصر المنشود» القريبة من جماعة الإخوان المسلمين حتى تتضح معالم الاستقطاب، إذ تصدرت صفحتها فى الفترة الماضية دعوة للتصويت بنعم فى الاستفتاء على الدستور تأييدا للشريعة. ويتشابه اسم الأسرة الطلابية نفسه مع عنوان كتاب للشيخ يوسف القرضاوى، أما إحدى أكبر الأسر الطلابية الأخرى على مستوى الجامعة فهى أسرة «نبض الأزهر» التى تأسست عقب الثورة، وتميل ناحية التيار السلفى، ولا تخفى هدفها فى عبارة واضحة: أسرة تهتم بالأنشطة الطلابية فى ضوء الشريعة الإسلامية.
على المقهى فى منطقة البورصة الشهيرة، يكشف محمد السعيد، الطالب بكلية اللغات والترجمة، عن جانب آخر واجهه حين وفد من قريته إلى الجامعة، إذ تم ترشيحه للسكن فى بنايات استأجرها منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين لاستقبال طلاب الجماعة وغيرهم، وهو ما يسمح لغير المنتمين أن يقتربوا من فكر الإخوان المسلمين، وما رفضه محمد السعيد فى بداية التحاقه بالكلية وظل يبحث عن آخرين «غير اسلاميين» حوله، ويقول: «انضممت إلى حركة 6إبريل فلم أجد فيها فكرا أواجه به تيار الاسلام السياسى، وانضممت إلى الاشتراكيين الثوريين فوجدت فكرا واضحا أبنى عليه موقفا سياسيا، ورغم قراءاتى فى الدين وخلفيتى الأزهرية إلا أننى ورفاقى لا نخفى علمانيتنا».
يرتدى قلادة عليها صورة الثائر تشى جيفارا، ويتحدث بحماس عن قريته فى محافظة الدقهلية، وأن هناك شريحة متنورة هناك تزداد رغم انتشار الأمية. كان محمد قد تعرض للضرب فى مظاهرة داخل الجامعة أقيمت ضد الإعلان الدستورى الأخير، واصفا إياها: «دى المرة الأولى فى تاريخ جامعة الأزهر اللى تقوم فيها مظاهرة ضد تنظيم اسلامى زى جماعة الإخوان».
يضم نادى الفكر التقدمى حوالى 20 شابا وفتاة يميلون ناحية اليسار السياسى، يجمعهم بشباب الحركات والأحزاب السياسية الأخرى حالة من التمرد على مزج الإسلام بالسياسة داخل جامعة ذات هوية إسلامية. يجلس ثالثهم محمد عمر فى هدوء، مبرزا اختلافا ضئيلا يوضحه قائلا: «طوال عدة سنوات داخل الجامعة شعرت بغربة فى نقاشاتى مع زملائى الطلبة، فأحيانا ما أتهم بالضلال بسبب رفضى للتيار الإسلامى السلطوى، لكن كانت كلى ثقة فى أن هناك آخرين يتفقون معى فى الآراء نفسها.. ووجدتهم مصادفة».
يعيش محمد عمر حالة من الغربة كزملائه العلمانيين، يبدو مثقفا بين طلبة الجامعة بحرصه على قراءة الصحف بشكل دءوب، ومناقشة الآخرين. وتتكرر كلمتا «علمانى»، «علمانية» بشكل واضح على ألسنتهم جميعا، رغم ما تثيره من مشاكل لدى أبناء التيار المحافظ فى هذه المرحلة. ويرد مؤمن عبدربه على ذلك قائلا: «أنا مقتنع تماما بأن الإسلام السياسى له مشروع منفصل عن بقية التيارات السياسية، ومن الصعب أن يتحد مع هذه القوى فى ائتلاف، فالإخوان على سبيل المثال يطمحون إلى أستاذية العالم، لذا لن أخجل من إعلان هويتى العلمانية!». هذه النبرة الحادة تقلق زميله محمد عمر الذى ينتمى لأسرة سلفية من محافظة أسوان، ويخشى من الصراع القادم قائلا: «العلمانية التى نريدها لا تقصى الإسلاميين، ولا تتعسف ضدهم أو تعزلهم، مثلما حدث فى فترة حكم جمال عبدالناصر.. نحن نرفض السلطوية وفرض أفكار لا تناسب العصر». أن تكون أزهريا وعلمانيا فى الوقت نفسه، ذلك ليس اختيارا سهلا، فقد يبدو الرفاق الثلاثة مألوفين فى مقهى فى وسط البلد، لكن أفكارهم القائمة على الإيمان بالعلمانية واليسار السياسى تضعهم فى مأزق، مع زملائهم أو عائلاتهم.
No comments:
Post a Comment