Wednesday, August 18, 2010

موسم الفاكهة المباركة

في رمضان من كل عام تنتعش تجارة البلح المرتبط بالعادات الغذائية للصيام، فتتسارع رحلة البلح من أماكن إنتاجه إلى الأسواق. أولئك الذين تعود أصولهم إلى المحافظات المنتجة للبلح مثل أسوان او الواحات، تمثل لهم هذه الرحلة قصة طموح أو مورد رزق موسمي إضافي.
كتب – عبدالرحمن مصطفى
بلح العام الماضي من أسوان

لو لم يكن "حسن محمد" ذا أصول أسوانية لكان المشهد قد اختلف كثيرا عن الصورة الحالية، فأمام العمارة التي يعمل بها حارسا بمنطقة باب اللوق وضع أجولة متراصة من البلح الأسواني الفاخر في مدخل العمارة، يتكرر هذا المشهد كل عام قبل بداية رمضان بأيام قليلة ويستمر حتى نهاية الشهر الكريم، في تلك الفترة تتحول هذه الأجولة إلى مصدر رزق إضافي يعينه على قضاء حياته في القاهرة إلى جانب ما يدخره لأسرته التي تقيم حاليا في مركز دراو بمحافظة أسوان. يقول حسن: "موسم تجارة البلح يزدهر في فترة محددة بدء من شهر شعبان حتى 25 رمضان، بعدها تركد هذه التجارة تماما". رحلة أجولة البلح المتراصة أمامه ليست بالبساطة التي يعتقدها البعض، حيث تبدأ خطة النقل باتفاق يتم بين عدد من أفراد العائلة والأهل العاملين في تجارة البلح ثم يؤجرون شاحنة كبيرة مقابل مبلغ لا يتجاوز 1200 جنيه، وتنتهي رحلة أجولة البلح قرب سور العبور الشهير في القاهرة حيث يستلم حسن نصيبه على أبواب المدينة كي لا يتحمل قيمة الرسوم المضافة إذا ما دخلت الشاحنة سوق العبور. يحاول حسن قدر الإمكان أن يوازن بين عملية البيع وإدارة شئون العمارة، فنجده في نفس الوقت الذي يعطي فيه أحد السكان مفتاح شقته نراه بعدها يلقي تحية على ساكنة أخرى حفاظا على علاقاته اليومية مع الجميع، ثم يأخذ هدنة يقتنصها في بيع البلح لزبون عابر. لكنه على مدار عشر سنوات من الإقامة في القاهرة أصبح لديه زبائنه الذين يقصدونه في كل عام، يعلق على ذلك قائلا : "لديّ زبائن أطباء ومستشارون وآخرون من مستوى راق وهو ما يفرض عليّ اختيار أجود الأنواع حتى لا أخسرهم مهما كانت الظروف، فأي سقطة أقع فيها ستؤثر علىّ العام القادم". يوضح حسن أن الأمر أكثر تعقيدا من مجرد الحفاظ على زبون، فأحيانا ما تبدأ المشاكل في أسوان، يشير إلى أجولة البلح شارحا ذلك بقوله : "هناك ملاحظة مهمة على الجميع أن يعرفها حدثت العام الماضي وستتكرر هذا العام وهي أننا نأكل بلح عام مضي، بمعنى أن موسم جني البلح يأتي في شهر سبتمبر، أي أن البلح المطروح حاليا في السوق قد تم شراؤه قبل عام بعد انتهاء رمضان الماضي مباشرة وتم تخزينه كي يتم بيعه الآن، وهذا الموقف سيتكرر هذا العام أيضا، فنحن في انتظار جني البلح فوق النخل، ثم شراؤه، وبعدها تخزينه". طوال العام الماضي تعرض البلح لمخاطر الأمطار والسيول التي ضربت جنوب البلاد، وحسب تقديره فإن نسبة كبيرة من كميات البلح التي احتفظ بها التجار قد تعرضت للأمطار والسيول وهو ما اضطرهم إلى التعامل معها بحساسية شديدة طوال العام، ولم تسلم إلا نسبة ضئيلة قدرها حسن بـ 20 %.
حسن الذي لم يجاوز الأربعين عاما بدا أثناء حديثه متورطا بشدة في تجارة البلح كاشفا عن حياة مختلفة تعيشها الكثير من عائلات الجنوب في أسوان التي تنشط في زراعة النخيل وتجارة البلح الأسواني، وتكفي جولة في شوارع مجاورة للعمارة التي يحرسها عم حسن كي تكشف عن وجود عدد آخر من حراس عمارات وسط البلد الذين ينتمون أيضا إلى أصول أسوانية ويعملون في تجارة البلح إلى جانب عملهم التقليدي كحراس عقارات. أما ما يميز بلح الجنوب تحديدا فهو عملية تجفيفه التي تسهل استخدامه في أطباق الخشاف وغير ذلك. يقول حسن معلقا على ذلك : "البيئة التي نشأت فيها ربطتني بتجارة البلح، حتى قبل استقراري في القاهرة، لأن هذا هو المحصول الأهم لدى كثير من العائلات التي تزرع النخيل، فكنت أعمل في بيع ما لدينا من محصول إلى جانب عمليات الشراء والبيع التي كنت أقوم بها مع التجار الآخرين، وكنت آت إلى القاهرة وتحديدا في ساحل روض الفرج لتفريغ شحنة البلح في شونة كبيرة حتى يتم بيعها". قبل عملية البيع هناك مراحل أهم في التخزين أصبح حسن الآن بعيدا عنها لكنه حاول شرحها موضحا أهمية رص البلح على هيئة أبراج بحيث يمر الهواء بين أكوام البلح، أما اليوم فتكفيه مهمة البيع التي أحيانا ما يسانده فيها أخيه الأصغر الذي تخلف عنه هذا العام فاضطر أن يعتمد على نفسه تماما.. على بعد أمتار منه محلات بيع تسالي ومقلة رصت أمامها هي الأخرى ياميش رمضان وأنواعا مختلفة من البلح، وفي الناحية الأخرى محلات فعلت نفس الشيء، لكن قرار حسن كان واضحا منذ البداية : "أنا لا أتعامل مع محلات، أتاجر بنفسي وبشكل مباشر مع زبائني، وكلما فرغت الأجولة أرسل لأهلي كي يرسلوا كمية أخرى أيا كان حجمها سواء كانت 20 كيلوا أو أقل". يراهن حسن على الزبائن الذين ارتبطوا به في كل عام لشراء البلح الأسواني المميز، لكن رهانه الأكبر كان على تأثير جذوره الأسوانية على المشترين إذ يأتيه الزبون وهو يراهن على انه سيشتري البضاعة الأجود من معقل تجارة البلح في أسوان.

التمر من الواحات إلى السوبرماركت

في هذه الفترة من كل عام ينشغل علاء الطحان بمتابعة حجم الطلبات وحركة بيع أنواع البلح المختلفة التي تنتجها شركته، دخل في هذا المجال في سن مبكرة بالعمل في أحد مصانع الوادي الجديد قبل سنوات حتى أصبح اليوم شريكا في مصنع كبير ينتج أنواعا مختلفة من منتجات التمور على مدار العام، يقول : "تعرضنا في بداية مشوارنا لكم كبير من الإخفاقات وعمليات النصب من التجار هنا في القاهرة حين كنا ننقل منتجات أصحاب النخيل في الواحات دون أن ندفع لهم ثم نغلف التمر ونبيعه هنا في القاهرة فيما بعد، وأحيانا ما كنا نتعرض للخسارة". هذا العمل الموسمي تخلى عنه علاء الطحان الذي ينتمي إلى واحة الخارجة في محافظة الوادي الجديد - الأولى في إنتاج التمور بمصر - واختار ان يسير مع زملائه في خطة أكثر طموحا مكنته من أن يدير مصنعا خاصا قادرا على المنافسة، تمثل قصة علاء الطحان وزملائه الشباب تطورا في علاقة أهالي الوادي بتجارة التمر وتصنيعه، وهو ما يعلق عليه قائلا : "نحن 13 شابا أغلبنا من حملة المؤهلات العليا، أنا عن نفسي عملت مدرسا بمقابل 210 جنيه شهريا، كان العمل في تعبئة البلح مجرد مورد دخل إضافي، لكنه تحول إلى حياة كاملة أعيشها مثل كثيرين في محافظة الوادي الجديد.". ينتقل علاء بين الوادي الجديد والقاهرة لمتابعة العمل بين المصنع ومقر الشركة بينما يتوزع زملائه بين المحافظتين، وفي هذه الفترة من كل عام في رمضان يزدهر النشاط بقوة ويعمل الجميع على عرض تمور الوادي بأفضل هيئة حيث يسعى كل سوبر ماركت إلى تزيين أركانه بعلب التمر ذات الأشكال المختلفة في هذه الفترة من العام، أما عن هذا المشروع الضخم الذي يرأسه شاب في الثالثة والثلاثين فقد بدأ قبل العام 2005 بوحدة إنتاجية بسيطة ساهمت محافظة الوادي الجديد في تيسيرها لهؤلاء الشباب، كان كل ما يفعلونه وقتها هو تغليف التمر في كراتين جاهزة وإعادة بيعها من جديد، لكن النقطة الفاصلة كانت حين لفتت منتجات هؤلاء الشباب نظر المسئولين في المعرض الذي أقيم عام 2008 لمنتجات الصعيد، وكان تواجدهم المكثف بعشرات الأنواع من التمر و عسل البلح والحلويات بالبلح دافعا للمسئولين كي يدعموا التجربة، يقول علاء : "أستطيع أن أذكر مثالا على دعم المحافظ شخصيا حين ساعد في إجراء بعض صفقات التصدير عبر إرشادنا إلى الزائرين الأجانب الذين يفدون إلى الوادي الجديد للسياحة". اليوم في داخل المصنع بالوادي الجديد عشرات الشباب والشابات من العاملين أمام خطوط الإنتاج قد لا يمثل لديهم رمضان اختلافا كبير سواء في ضغط العمل، أو في حجم الاستعدادات لموسم جني البلح الذي اقترب، لكن في داخل مقر الشركة في مصر يظهر تأثير رمضان بقوة، حين تتوافد بعض الأسر إلى المقر بحثا عن عبوات التمر تماشيا مع أجواء رمضان ومتطلباته. في تلك الأجواء قد تظهر لهجة واثقة على لسان علاء الطحان أو زملائه تخفي ورائها تجارب إخفاق عديدة كان من الممكن أن تحطم مشروعهم في مهده، يقول علاء : "في البداية كنا نمر على كل سوبر ماركت ونسأل عن سمعته، بل ونسأل مندوبي بيع الشركات الكبرى التي تتعامل معه، وذلك خوفا من وقوعنا في عمليات نصب جديدة تحرجنا أمام أصحاب النخيل الذين أمدونا بالتمر الذي نعيد تغليفه". حسب رأيه فإن ارتفاع مستواهم التعليمي أفاد أيضا في فترة إنشاء المصنع أثناء التواصل مع تجارب أخرى في تونس وسوريا لمعرفة تخطيط المصانع من الداخل والآلات المختلفة التي يحتاجها كي لا يكرر تجارب من سبقوه. اليوم لا يقلق علاء وشركائه الشباب من أن يكون ضمن العاملين معهم في المصنع أو من جيرانهم من يطمح إلى تكرار تجربتهم، وذلك لأن الجميع يعلم أن التمر في النهاية هو المنتج الأهم لدي سكان الوادي الجديد ومصدر رزق الكثير من العائلات هناك.
طري وجاف ونصف جاف
تتعدد مصادر إنتاج البلح باتساع جمهورية مصر العربية، من رشيد شمالا حتى أسوان جنوبا، وتنقسم أنواع البلح إلى ثلاثة فئات هي كالآتي : الأنواع ذات الثمار الطرية، والأنواع النصف جافة، وأخيرا الأنواع الجافة، وتظهر الاختلافات بين التمور المنتجة في محافظة الوادي الجديد ومحافظة أسوان حسب أنواع البلح التي يكثر انتاجها في كل محافظة، فبينما تشتهر الأنواع التي تنتجها محافظة الوادي الجديد بأنها من الأنواع ذات الثمار الطرية والنصف جافة، تشتهر محافظة أسوان بإنتاج الأنواع الجافة. ولا يقتصر إنتاج التمور في مصر على هاتين المحافظتين فقط، بل في محافظات أخرى منها دمياط والشرقية والجيزة والفيوم.

PDF

No comments:

Post a Comment