Friday, August 13, 2010

مغلق في رمضان

مع بداية شهر رمضان يقل الإقبال على محال بعينها، البعض ينسحب حفاظا على الأجواء الإيمانية للشهر الكريم، وآخرون ينسحبون انصياعا لتعير المزاج العام
كتب عبدالرحمن مصطفى
تصوير : فيليب شباليك، محمد حسن

موسم انسحاب الكشرى

قبل ساعات من الإفطار تتجه العيون إلى أطعمة ومشروبات تتوزع على جانبى الطريق، بدءا من التمر هندى والعرقسوس حتى أكياس المخلل، فى تلك اللحظات لن يبحث كثيرون عن محال الكشرى المغلقة التى يطلى بعضها واجهته الزجاجية باللون الأبيض إعلانا عن توقف نشاطه، لماذا لا يصمد هذا النشاط بالذات فى رمضان؟ يجيب محمد جابر مدير أحد مطاعم الكشرى فى حى الدقى بأن الأمر ببساطة يتلخص فى أن «فتح المطعم فى رمضان أمر غير مربح بالقدر الكافى»، بعد تجارب سابقة تأكد مالكو المحل أن العمل فى رمضان يكاد يغطى أجور العاملين لكنه لا يكفى لسداد مصاريف استهلاك الكهرباء والغاز، لذا يعيش العاملون فى تلك الفترة فى إجازة مقابل حصولهم على جزء من الراتب، أحمد وهبى الطباخ الرئيسى فى المطعم الذى يعمل فى نفس المكان منذ العام 97 كان قبل بدء شهر رمضان بأيام قليلة يستعد لإجازته السنوية التى يقضيها فى بلدته بمحافظة المنوفية، وذكر أنها عادة سنوية اعتادها للراحة والاستجمام، أما موعد العودة فسيكون قبل انتهاء رمضان بأيام قليلة، يعلق محمد جابر مدير المطعم قائلا: «فى هذه الفترة أجرى عمليات الصيانة والتجديدات، التى أؤجلها سنويا، فى العادة لا يلاحظ المارة ما يتم داخل محال الكشرى، لأن المحل مغلق».
فكرة استمرار العمل فى رمضان غير مطروحة تماما، يؤكد مدير المحل: «هذا الأمر مستبعد تماما خاصة فى حالة مطاعم الكشرى الكبيرة أو التى تقع فى مناطق راقية أو حتى في المناطق ذات الدخل المتوسط، فإلى جانب أن مزاج الطعام فى رمضان يختلف حين يبحث الجميع عن وجبة دسمة على الإفطار، فهناك سبب أهم وهو اعتماد محل مثل محلنا على فئة الموظفين والمارة، وهؤلاء ينهون عملهم مبكرا فى رمضان ويتجهون إلى منازلهم لتناول طعام الإفطار، كما أن خدمة توصيل الطلبات لن تجد من يستخدمها، لكن هذا الوضع يختلف أحيانا مع مطاعم أخرى فى مناطق أكثر ازدحاما».
بعيدا عما يذكره محمد جابر فإن بعض مطاعم الكشرى تفتح أبوابها وتعمل بكامل طاقتها ليلا ونهارا فى رمضان دون حرج، خاصة فى المناطق الشعبية المزدحمة والتجارية مثل العتبة ورمسيس ومنطقة وسط البلد، على أبواب هذه المطاعم ينتظر العاملون الضيف الشارد الذى خرج عن القطيع وقرر تناول وجبة كشرى، سواء كانت الوجبة لمغامر أتى يأكل فى نهار رمضان أو لمن لم يكتف بوجبة الإفطار وجاء ليلا بحثا عن المزيد. ما يحدث لأغلب مطاعم الكشرى من توقف يضرب أنشطة أخرى مثل السينما والمسرح ويؤثر فى مطاعم أخرى مثل مطاعم السمك والفطائر، لكن ذلك كله يأتى فى إطار تبدل مزاج الصائم وتغير عاداته الغذائية فى رمضان، حيث تذكر دراسة نشرت نتائجها العام الماضى عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن المصريين ينفقون ما يوازى 15% من إنفاقهم السنوى على الغذاء فى شهر رمضان، وهو ما يتجسد فى أن يرتفع استهلاكهم من الحلوى بنسبة 66.5% وأن يتزايد استهلاكهم من اللحوم والطيور بنحو 63% والمكسرات بنسبة 25%. كل هذه التطورات فى رمضان تجعل وجبة الكشرى غريبة على المزاج الرمضانى. أما بالنسبة لذوى الدخل البسيط ومن يبحثون عن الوجبات الرخيصة فيجدون ضالتهم فى موائد الرحمن، وهو ما يضرب نشاط محال الكشرى فى مقتل، لكن رغم هذه الأجواء تتجه نسبة ضئيلة من محال الكشرى إلى معاندة هذا المزاج المختلف، يقول أحمد عبدالعزيز مدير فرع سلسلة من محال الكشرى الشهيرة بمنطقة وسط البلد إن هذا الفرع اختار العمل فى رمضان، ربما قد لا يوازى نشاط محال أخرى فى منطقة العتبة الأكثر كثافة، لكنه اعتاد على إجراء سنوى يشرحه قائلا: «فى الأيام الأولى من شهر رمضان أغلق المحل وأقلل نشاطى لكننى أعود فى النصف الثانى من رمضان ونستمر حتى فترة العيد، ويأخذ العاملون مكافأة فى فترة التوقف القصيرة، أما عن سبب الاستمرار فى رمضان فهو الخوف من أن ينتقل العمال إلى عمل آخر خاصة القاهريين منهم، أما الزبائن الذين أنتظرهم فإما عابر سبيل أو سائحون أجانب فى منطقة وسط البلد». حسب حديثه فإن سبب الاستمرارية ليس البحث عن المكسب بقدر ما هو الحفاظ على إيقاع العمل وارتباط العاملين بالمكان، ويؤكد فى حديثه أن العمل فى شهر رمضان يفرض تعاملا حذرا مع مخزون الأرز والمكرونة وغيرهما من مكونات الكشرى، حيث تتجه المطاعم القليلة، التى تصر على فتح أبوابها فى رمضان إلى تقليل الخسائر قدر الإمكان حتى الوصول إلى أيام العيد، التى تتحول إلى فرحة من نوع خاص لمحال الكشرى حيث يعود نشاطها بقوة فى تلك الفترة.

البار فى إجازة إجبارية

لم يعد هناك مجال الآن لأن يمر أحدهم من أمام البارات الموجودة فى وسط البلد ويلقى عبارة من نوعية «حسبى الله ونعم الوكيل»، تلك العبارات يتلقاها أحيانا بعض العاملين فى مجال تقديم الخمور على مدى العام من الرافضين لفكرة تقديم الخمور فى كافتيريات أو بارات مخصصة، في شهر رمضان يتوقف تقديم الخمور وتغلق فيه أغلب البارات أبوابها تماما. بالنسبة لموريس مكارى مدير كافتيريا عرابى السياحى فالأمر بمثابة إجازة سنوية يبتعد فيها عن الضغوط اليومية التى كان يتعرض لها فى غير شهر رمضان، يقول موريس: «لا يوجد قرار رسمى بإيقاف خدمة تقديم الخمور، لكنه أصبح عرفا أن أغلق فى الأعياد الدينية مثل المولد النبوى ورأس السنة الهجرية وفى شهر رمضان». يستطيع موريس أن يتقبل فكرة إغلاق الكافتيريا التى تعتمد على تقديم الخمور منعا لأى حساسية قد تصيب البعض فى هذه الفترة، فقد شهد المحل الذى افتتح فى عام 60 تطورات عديدة حتى ظل باقيا إلى الآن، لكن ما لا يقتنع به موريس هو مشكلة أخرى يذكرها قائلا: «الضرائب تحاسبنى على أساس أنى أعمل طوال أيام السنة بما فيها شهر رمضان الذى أتوقف فيه عن العمل، وأدفع أجور العاملين، وهذه المشكلة ليست إلا جزءا بسيطا مما نتعرض له على مدى العام من زيارات لرجال شرطة الآداب بحثا عن ضبطية إلى جانب غيرها من زيارات موظفى الحى واعتراضاتهم على رفع أى إعلان عن الخمور.. كلها مشاكل نعيشها طوال العام، ونرتاح منها فى شهر رمضان». يعتقد موريس أن جميع مقدمى الخمور يمتنعون تماما فى رمضان سواء فى البارات أو الكافتيريات أو المطاعم، لكن على أرض الواقع فالوضع يبدو مختلفا، حيث يعرض موقع على الانترنت تحت عنوان (baladibar.com البار البلدى) حصرا وخريطة لجميع البارات والأماكن التى تقدم الخمور على مدى العام، لكن لم يفت مؤسسو الموقع أن يضعوا علامة مميزة على الأماكن، التى تقدم الخمور فى رمضان دون مشاكل، وحددت أربعة أماكن، اثنان منها أندية لجاليات أجنبية والمكانان الآخران يقعان داخل مطاعم ملحقة بفنادق، وتعتمد إمكانية تقديم الخمور للزائر المصرى أثناء رمضان على مدى علاقته بالمكان فى الأساس، خاصة الأماكن التى يرتادها الأجانب، بالعودة إلى موريس وغيره من البارات فلديهم مشكلة، وهى انحصار نشاطهم فى فكرة «البار» وتقديم الخمور، على عكس أماكن أخرى مثل مقهى الحرية ذى الطابع التاريخى فى منطقة وسط البلد، حيث يقدم المقهى الخمور بتصريح رسمى، لكنه يتوقف تماما عن تقديمها فى رمضان، وحتى فى ساعات النهار يحرص على نفس الإجراء التى تحرص عليه بعض المقاهى فى مداراة زبائنها من أعين الصائمين، يقول محب نيقولا مدير مقهى الحرية: «أحاول فى بداية رمضان أن أغلق أبوابى على سبيل الراحة وتقليل النشاط، والعمل كمقهى تقليدى بقية الشهر». يذكر عدد من العاملين فى البارات أن نسبة الخسارة ليست بالحجم الضخم، لكن الجميع يتعامل معها على أنها إجازة سنوية، يقول وجدى الكردانى رئيس غرفة المنشآت السياحية إنه لا توجد توصيات أو قرارات مصاحبة لعمل البارات تفرض حجب نشاطها فى رمضان، ويضيف: «هذا الإجراء تتخذه المحال من نفسها تماشيا مع الروح العامة لرمضان، فحتى الملاهى الليلية تغلق أبوابها، وبعض المطاعم السياحية تغير فقراتها كى تقدم رقصات فلكلورية، لكن على جانب آخر، فالأمر غير محظور لمراعاة احتمالية وجود مجموعات سياحية فى هذه المطاعم أو الفنادق». أحد العاملين فى بار وسط البلد الشهيرة ذكر قبل بدء شهر رمضان بأيام أنها فرصة سنوية للهدوء والتأمل بعيدا عن الصخب، خاصة أن زبائن بارات وسط البلد لا يتغيرون كثيرا، هم نفس الزبائن يتنقلون بين عدد من البارات، لكن فى شهر رمضان ينقطعون غالبا.

PDF

No comments:

Post a Comment