-
ازدياد العنف و ظهور أخلاقيات الاعتصامات
الممتدة يهدد مشاركة المرأة
كتب – عبد الرحمن مصطفى
وسط ركن مظلم ناحية ميدان سيمون
بوليفار قرب ميدان التحرير، تختلط صيحات الشباب، مع دخان الغاز المسيل للدموع، حيث
كانت تقف الناشطة شيماء حمدي، عضو المكتب السياسي لحركة شباب من أجل العدالة والحرية،
تحاول التصوير عدة مرات بكاميرتها، والتواجد قرب زملائها هناك. "ساعات تلاقي
شاب جاي بيقولي ، ابعدي .. انتي بنت !". تتلقى كثيرا هذه العبارة، وتستجيب
أحيانا حرصا منها على عدم التوغل في مشهد مربك، لا تتضح فيه ملامح العدو من
الصديق.
بعض الناشطات خاضوا معركة أعنف داخل ميدان
التحرير كان
الهدف منها استبعاد الفتيات من الميدان. "أؤمن بوجود أيدي للأمن في الدفع بمجموعات للتحرش بالفتيات، هذا
ما كان يحدث في أيام مبارك، والنظام كما هو بنفس عقليته"، رغم ذلك ، تواصل الناشطة شيماء حمدي
تفاؤلها بمشاركة الفتيات قائلة : "لم توقف الاعتداءات كثير من الفتيات أن
يشاركوا في الأحداث، ورغم قلة أعداد المشاركات في أوقات الاشتباك عن أوقات
المسيرات السلمية، فهذا ليس دليلا على الانسحاب". في الأسابيع الأخيرة ازداد
حضور مجموعات مثل الألتراس، واللجان الشعبية لحماية الميدان، والبلاك بلوك، وكلها
مجموعات لا تضم فتيات في داخلها، وكأنه استبعاد غير مباشر للفتيات. "من الخطأ
أن ندين مجموعات مثل البلاك بلوك أو الألتراس أو أن نربطها بالعنف ضد الفتيات
لمجرد أن عضويتهم مقصورة على الشباب فقط، فعلى سبيل المثال بعض الفتيات كن يخرجن
في مسيرات أغلبها من شباب الألتراس وكانت أكثرها أمانا". تعلق داليا
عبد الحميد مسئولة برنامج النوع الاجتماعي وحقوق النساء بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، رافضة الربط بين بروز مجموعات ذكورية في الميدان وبين وقوع اعتداءات
جنسية على الفتيات، أو أن تكون تلك الحالة الذكورية طاردة للحضور النسائي.
تعيد داليا عبدالحميد تدهور وضع الفتيات في بعض
الفعاليات إلى الدولة نفسها، حين انتهكت "السلطات أجساد الفتيات في كشوف
العذرية، وتعريتهن في أثناء الاشتباكات" على حد قولها، بينما تشير دراسات
وتقارير على مدار العامين الماضيين إلى تدهور تمثيل المرأة بصفة عامة في المجالس
النيابية، وفي تمثيل قضاياها داخل الدستور.
"أصبحتُ عارية تماما وتدفعني الكتلة
الملتفة حولي إلي الممر المجاور لمطعم هارديز .. أنا داخل هذه الدائرة المغلقة
بإحكام، وكلما كنت أحاول أن أصرخ، أو أن أدافع عن نفسي واستنجد بمخلص كانوا يزيدون
من عنفهم واغتصابهم". وقعت هذه الحادثة في جمعة "عيون الحرية" يوم 23 نوفمبر 2012 على أطراف ميدان التحرير، و احتفظت الفتاة الناجية من
الاغتصاب بقصتها حتى تكررت الاعتداءات على فتيات أخريات في يوم جمعة 25 يناير 2013
. فقررت نشر شهادتها من خلال موقع مركز "نظرة" للدراسات النسوية على الانترنت. بعض ناشطات
مجموعة عمل "قوة ضد التحرش" لم يسلمن من الاعتداءات الجنسية، وتذكر سلمى
شامل إحدى متطوعات المجموعة في توثيقها للحادث على صفحتها على الفيسبوك ، أنه كان
هناك من المعتصمين من تظاهروا بالدفاع عنها لكنهم كانوا يتحرشون بها.
مؤخرا التفت العديد من النشطاء إلى حالة ميدان
التحرير، بعد أن ظل مغلقا طوال شهور الاعتصام الأخير من نوفمبر حتى الآن، يعيش داخله
مجموعة فريدة صمدت وسط تهديدات الأمن واشتباكات دائمة مع الباعة الجائلين. هذا ما
لفتت إليه صفحة "كلنا خالد سعيد" مؤخرا حين كتب أدمن الصفحة عن ميدان
التحرير : " لازم منبقاش دافنين راسنا في
الرمال وبنحاول انكار أي جرائم أو أخطاء بتحصل من بعض المجرمين اللي بيلاقوا مناخ
جيد لتواجدهم بعد ما أغلب المعتصمين اصحاب القضية يسيبوا الميدان! ".
تلك الأزمة نفسها ظهرت مع اعتصامات طويلة أقيمت خارج مصر، مثل اعتصام حركة "احتلوا وول ستريت" بالولايات المتحدة
الأمريكية في العام 2011، حين اندس بين المعتصمين من قام باعتداءات جنسية على
فتيات في الاعتصام، مستغلا تسامح المعتصمين مع المنضمين إليهم .
وسط حالة غياب التنظيم
والاحتكاكات العنيفة المستمرة على مدار الأسابيع الماضية داخل الميدان، علت
الأصوات الذكورية للتحكم في تلك المساحة. هذه النتيجة اكتشفها المتظاهرون مع ذكرى
الثورة، حسبما يرى أكرم إسماعيل ،الناشط السياسي في حزب التحالف الشعبي، إذ يقول : "أصبح الميدان أكثر توحشا، مع وجود عصابات
مسلحة به و وقوع حالات اغتصاب على أطرافه، وأصبحت عناك عناصر طاردة للفتيات من
مكان الحدث".
يتحدث أكرم عن أزمة ميدان التحرير الذي غاب عنه
أي تنظيم سياسي ، إذ كانت القوى السياسية تدعو إلى الاعتصام، ثم تنسحب بدون اعلان، ويتعرض من يصرون على البقاء إلى كل أشكال
التحرش والقمع، وفي غياب سلطة الدولة و رحيل القوى السياسية يظهر مجتمع جديد في
الميدان بدون "سلطة" ، أكثر جرأة، وأكثر احباطا وأكثر ميلا للعنف ، وأكثر
كفرا بالمسار السياسي، و ينعكس ذلك على الحضور النسائي في المكان، الذي أصبح غير
مألوف بعد شهور من اعتصام تحولت التعاملات داخله إلى سلوكيات غليظة، وهو ما يشجع
على وقوع حوادث التحرش والاغتصاب، أو استخدام تلك الغلظة مع الفتيات، كما
يسهل إقحام وتجنيد عناصر تابعة للأمن، يتم استغلالها فيما بعد. هذا ما يراه أكرم
اسماعيل الناشط السياسي، الذي يضيف: "
لا يمكن في الحقيقة الآن تبين المجموعات المخترقة أو المأجورة من المجموعات
الثورية العنيفة".
رغم ذلك لا يختفي الأمل الذي تسجله بعض الفتيات
على صفحاتهن على الإنترنت، مثل سارة خورشيد الطالبة التي لم تتجاوز 19 سنة ، كتبت
عن ضبطها متحرش في أثناء اشتباكات قصر النيل، ووجدت من ساندها في طرده من الموقع،
وتسجل ذلك الموقف ناصحة غيرها قائلة: "لم أفكر قبل ضبط "الحيوان" المتحرش
.. أنا مؤمنة أن الثورات ليست فقط ضد نظام ظالم، بل الثورة طريق لبداية جديدة، يجب أن تبدأ بتغيير كل
شيء: النظام ، و أنفسنا ، ومن حولنا".
عولمة الكفاح !
بلاك بلوك.. أناركية.. ألتراس: مظهر واحد وواقع مختلف
كتب – عبد الرحمن مصطفى
ما زال أعضاء شبكة فيسبوك
الاجتماعية يتبادلون صورة أول ظهور لمجموعات بلاك بلوك، قرب ميدان طلعت حرب في وسط
المدينة، حين قرر أفراد منهم إقامة صلاة المغرب ، و لم يخلو الأمر من تندر مجموعات
يسارية لديهم إطلاع أكثر على تكتيك بلاك بلوك حول العالم. وتكشف الأحداث المتتالية
عن أن تكتيك البلاك بلوك أشبه بحلقة في سلسلة من أفكار انتقلت من الغرب إلى مصر ،
نتيجة سهولة التواصل والحصول على معلومات عبر الإنترنت.
في صفحة "احتلوا وول
ستريت Occupy Wall St" الأمريكية على شبكة فيسبوك،
صورة لمتظاهر على وجهه قناع "فانديتا" الشهير أمام مدرسة الليسيه المنهوبة...
اجتذبت الصورة أحد المعلقين الأمريكيين وكتب قائلا: "على الأقل أصبح لدى المصريين
القدرة على الفعل وعدم الاكتفاء بالشكوى خلف شاشات الكمبيوتر مثل الأمريكيين".
تلك المشاهد والصور يدركها الغربيون بشكل مختلف عن المصريين، على سبيل المثال: تعرضت
السينما الأمريكية لبعض الأفكار المعادية للرأسمالية وانتهاكها لآدمية البشر، بل والثورة
على السلطة، مثل فيلم V for
Vendetta الذي يحرض على الوقوف ضد النظام والثورة عليه. لكن
تلك النماذج أصبحت في مصر مجرد واجهة لعمل ثوري، بينما لم تحقق الغرض نفسه في الغرب.
أغلب الدول الأوربية و كذلك أمريكا
تدين استخدام تكتيك البلاك بلوك، خاصة أن بعض المجموعات الأناركية (اللاسلطوية)
تتبنى هذا النهج في التعبير عن مطالبها ، ومن ضمن ما تتبناه مفهوم "العمل
الدعائي" الذي يستخدم أساليب عنيفة للوصول إلى أغراضهم، لذا ليست مفاجأة أن
تكون بداية الدعاية لتكتيك البلاك بلوك في مصر على يد مجموعات تنتهج الأناركية، من
ذلك مجموعة (المشاغبين) التي أعلنت قبل أشهر عن عمليات إحراق سيارات أمن مركزي
وأهداف أخرى. هذا التكتيك حين تواجد في مظاهرات حركة "احتلوا وول ستريت"
العالمية، وصفه أحد نشطائها البارزين بأنه "سرطان"، وأنه "منافي
لسياسات الحركة بسبب اخفاء هوية النشطاء، واللجوء للعنف في بعض الحالات". و
ترى حركة "احتلوا وول ستريت" في الربيع العربي مصدر إلهام لها رغم
اختلاف أهدافها المعادية لاختلاط المال بالسلطة وسطوة الشركات العملاقة في
الولايات المتحدة، عن أهداف الاحتجاج في مصر، ما جعلها تستقطب نشطاء مصريين
وتونسيين لزيارة اعتصامهم.
هذا التوجه
العالمي في استخدام تكتيكات البلاك بلوك في أوقات التظاهر، يتخذ مسارا آخر في مصر،
على سبيل المثال : نشرت صفحة حركة "الكتلة السوداء المصرية 2
"على شبكة فيسبوك نتائج اجتماع حركات
ثورية كانت معتصمة في ميدان التحرير قبل 25 يناير الماضي، وتوزع أفرادها داخل
مجموعات، على اختلاف توجهاتهم. ومع انتشار الفكرة تكونت مجموعات أخرى اختلفت
انتماءات أصحابها، إذ قد يجد المتابع لأحداث ميدان التحرير وأماكن الاشتباك
في الأيام الماضية أنه قد تتجاور مجموعتين ترتدي الأقنعة السوداء ، و يظهر بين
المجموعتين خلاف على موقف خاص بتأمين ميدان التحرير أو القبض على أحد المندسين
داخل المظاهرات، ورغم المظهر الواحد والاتفاق على أن ظهور الأقنعة السوداء هو رد
فعل على الميليشيات الاسلامية ، لكن يبرز الاختلاف بين مجموعات اختارت العمل على
تأمين المظاهرات ومنع الاندساس داخلها، ومجموعات أخرى لديها استعداد للاشتباك
العنيف. وتظهر انتماءات الأفراد في مواقف عفوية ، مثل استخدام آيات قرآنية في
صفحات البعض، ومجموعات أخرى يظهر انتماء أفرادها إلى مجموعات الألتراس ، تستخدم
شعار النادي فوق أقنعتهم.
هذه الحالة تعيد إلى الأذهان قصة دخول الألتراس إلى مصر في العام 2007، حين
كانت فكرة بين مجموعة صغيرة، وجدت حالة خانقة في أوساط التشجيع الرياضي، وكان الإنترنت
هي الأرض التي نمت فيها بذرة الألتراس ، ثم ظهرت الخصوصية المصرية قبيل ثورة 25
يناير 2011، حين قرر الشباب التواجد بأسلوبهم وسط المتظاهرين. ومن وقت إلى آخر
تظهر دلائل وجود صلات بين الحركات المصرية و مثيلاتها حول العالم، ربما على سبيل
التضامن أو رغبة في اظهار وجه التشابه بينها و الحس العالمي، فيقرر مثلا عدد من
مجموعات الألتراس حول العالم التضامن والعزاء لألتراس أهلاوي بعد حادث استاد
بورسعيد في العام الماضي .
No comments:
Post a Comment