لم يمت الطفل فى اشتباكات داخل الأراضى السورية، بل مات فى الطريق من مساكن عثمان قرب طريق الواحات إلى مدينة 6 أكتوبر جنوب القاهرة، حين لم يجد الأب وسيلة مواصلات تنقله فى ذلك الوقت المتأخر من الليل، فأخفق فى إنقاذ نجله المريض. «لمثل تلك الحالات أسسنا مركز عيادات النخبة التخصصية لرعاية أبناء الجالية السورية فى مدينة 6 أكتوبر». الحديث هنا لـ (ب. أ) المدير الطبى للمركز الذى تعمد إخفاء هويته خشية إلحاق الضرر بأسرته فى سوريا. يقع المركز على بعد 10 دقائق بالسيارة من ميدان الحصرى الشهير بمدينة 6 أكتوبر، وتكاد تقتصر المواصلات فى تلك الناحية على سيارات النقل والتوك توك، حيث تقع مشقة أكبر على المريض، الذى لا يجد بديلا سوى المستشفيات ذات التكلفة العالية.
«ثمن تذكرة الزيارة 10 جنيهات فقط، وهو أجر رمزى إذا ما قورن بتكلفة الكشف فى أى مستشفى آخر، أما الهدف الأساسى من المركز فهو إبعاد شبح الإفلاس عن الأسرة السورية التى ترعى مرضى يتكلفون مئات الجنيهات شهريا»، مازال الحديث للمدير الطبى للمركز .
تكثر أعداد الأسر السورية فى مدينة 6 أكتوبر عن بقية المدن المصرية، لذا تبرز بينهم شرائح فقيرة من اللاجئين لا تستطيع الإنفاق على علاج أفرادها المرضى، ويدير مركز النخبة الطبى مجموعة من الأطباء السوريين الذين يعانون هم أيضا من تدنى أجورهم مقارنة بما كانوا عليه فى بلدهم، إذ قارب دخل الطبيب السورى قبل الثورة السورية حوالى 2000 دولار شهريا، فى حين يتقاضى الطبيب هنا فى المركز حوالى 1500 جنيه مصرى تقدمها (الرابطة الطبية للمغتربين السوريين) الراعية للمركز . تلك النقلة الاقتصادية شعر بها كل الأطباء السوريين المقيمىن فى مصر، ما دفع بعضهم إلى الانتقال إلى دول أخرى مثل موريتانيا أو السودان أو ليبيا بحثا عن وضع اقتصادى مقبول. يعلق المدير الطبى للمركز قائلا: :«هربت من سوريا ولم أستطع خدمة أهلى هناك، لذا أتشبث بموقعى هنا بحثا عن خدمة إخوانى .. أما الأهم فهو أن مصر أكثر أمنا عن غيرها من الدول».
فى بلدته الواقعة جنوب سوريا تعرض للتضييق أثناء عمله كطبيب، حتى وصل الأمر إلى تصفية الكوادر الطبية من زملائه لأسباب طائفية بين الجبهات المتناحرة .
يخرج ورقة من أمام مكتبه فى حضور المدير الإدارى وبدأ كل منهما فى سرد احتياجات المركز، من أجهزة ومستلزمات طبية . «عرضت على أحدهم أن يشترى جهازا لمعمل التحليل على أن يسترده حين نعود جميعا إلى سوريا، وما زلنا فى الانتظار». الحديث للمدير الإدارى للمركز.
بدأت قصة المكان حين قررت الدكتورة المصرية فاتن حسن تأسيس المركز ثم قدمته بإيجار زهيد لمجلس الإدارة الحالى بهدف خدمة الجالية السورية، تتحدث عن ذلك قائلة: «كنت على صلة بإحدى الجمعيات الخيرية، وعلمت بالفكرة من هناك، واتخذت قرارى بالمشاركة». تعمل الدكتورة فاتن الآن كطبيبة طوارئ داخل المركز فى ساعات محددة بشكل يومى لاستقبال الحالات العاجلة، أما أهم ما وفرته الطبيبة المصرية لزملائها السوريين فهو أن المركز يحمل تصريحا حكوميا، ما سهل عليهم اجراءات البدء.
تنفق الرابطة الطبية للمغتربين السوريين على المشروع، وقد تأسست بهدف خدمة اللاجئين السوريين فى المخيمات وتطبيب متضررى العمليات فى الداخل السورى، وتضم الرابطة أطباء سوريين متخذة مقرها الرئيسى فى المملكة العربية السعودية، وترخيصا من فرنسا.
يعلق منسق الرابطة الطبية للمغتربين السوريين فى القاهرة ــ متحفظا على ذكر اسمه أيضا ــ قائلا: «كان وجود كوادر طبية ومهنية عالية فى مصر عاملا مساعدا فى تأسيس المركز، وكل طموحنا الآن أن يكون المركز أكثر تطورا، وأن يكون همزة وصل بين لجنة الإغاثة فى نقابة الأطباء المصريين وأصحاب الحالات الحرجة فى الجالية السورية».
يخفى الجميع هويته أثناء الحديث، خاصة بعد ما راج داخل مجتمع الجالية السورية فى مدينة 6 أكتوبر، عن وجود مندسين تابعين للنظام السورى داخل العمل الإغاثى، ما يصنع أزمة عند التوسع فى الدعاية للمركز، وخشية لدى العاملين وأهلهم من أن يكونوا أهدافا لشبيحة بشار الأسد .
يختم المدير الطبى لمركز عيادات النخبة التخصصية : «أستقبل حوالى من 50 إلى 70 مريضا بصورة يومية .. بعضهم من غير السوريين، لكن ما زلنا نعمل بالحد الأدنى، ونحتاج المزيد من الأجهزة، وهذا ما نسعى إليه فى القريب العاجل».
No comments:
Post a Comment