ناشطة، ورجل أعمال، وفنانة، لم تجمعهم المهنة، وجمعتهم هوية واحدة:
الجنسية السورية، ومقر واحد: القاهرة. «لم أكن أتصور أن تتبدل حياتى بهذا الشكل،
ولا أن يزداد فخرى بأنى سورية هكذا بعد بدء الثورة فى بلادى». توضح سلمى جزايرلى
الناشطة المقيمة فى القاهرة قبل 12 سنة أنها لم تكن جزءا من الجالية السورية طوال
هذه السنوات وتحولت إلى أخت كبرى لكثيرين بعد بدء الربيع العربى. «اليوم أعمل فى
عدة مجالات متعددة دعما للقضية، بعد أن كنت مكتفية بالعمل فى هندسة الديكور فقط..».
تعطى أمثلة على ذلك، منها خدمة اللاجئين الوافدين على مصر وتوفير محل إقامة لمن ليس
له قدرة على ذلك، إضافة إلى التواصل مع ناشطين سوريين فى عواصم عربية أخرى بهدف
التنسيق، بعض تلك الأنشطة تتعلق بمتابعة نساء اغتصبوا وتعرضوا للعنف على يد النظام
السورى، ومن خلال تواجدها فى القاهرة أصبحت أكثر اهتماما بالتواصل الكثيف مع
الناشطين الداعمين من رجال أعمال لتوفير إعاشة مناسبة للمتضررين. فجأة تجد نفسها فى
قلب المعمعة، حين تركض ناحية الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى قبيل كلمته فى جامعة
الدول العربية مؤخرا، وتشير له من بعيد طلبا للدعم، هذه الروح كانت مخفية طوال
سنوات عمرها بحكم انتمائها إلى أسرة مغضوب عليها من النظام السورى، إذ اضطر والدها
الضابط السابق أن يبتعد عن البلاد لعقود فى دولة الكويت، ولم يكن هناك أى مجال
للممارسة المعارضة، بسبب القبضة الأمنية العتيدة لهذا النظام.
فى كتاب «ملفات المعارضة السورية، مكتبة مدبولى، 1994» يوجز الكاتب تمام البرازى
الحالة العامة للمعارضة السورية بعد وصول الرئيس السابق حافظ الأسد إلى السلطة فى
عام 1970، إذ لم تكن المعارضة السورية واحدة فى رأيه، بل كانت «معارضات متباينة،
وأحيانا مختلفة مع بعضها بعضا، وإن كانت تشترك بهدف واحد هو إسقاط النظام القائم
وإقامة نظام بديل». أما النقطة الأهم التى يتعرض لها أيضا فهى أن بعض من هاجروا من
المعارضين لنظام الأسد، «دفعوا ثمنا غاليا لتعلقهم بالمبادئ والحرية، هو حياتهم..».
هذه الحالة هى التى دفعت كثيرين من رموز المجتمع السورى حاليا فى الداخل أن يصمتوا
حتى حين، أو أن يلحقوا بقطار المعارضة متأخرين على عكس من اتخذوا تلك المغامرة
مبكرا، ومنهم فنانون لم تشغلهم حسابات المستقبل كثيرا. «أنا شخصية متطرفة فى دعم
الثورة، ليس لدى استعداد أن أتعامل مع فنان أو رجل أعمال لم يعلن دعمه للثورة
السورية.. فالواقع تحول إلى قتل ودماء، ولم يعد هناك مجال للصمت».
تعلن الممثلة
السورية الشابة لويز عبدالكريم موقفها بوضوح غير نادمة على اختياراتها، بل تزيد على
ذلك: «أسعى بكل وسيلة ممكنة للوصول إلى الإعلام.. فهو نجدتنا الآن!». توضح عبارتها
شارحة أن هناك حالة من الضبابية لدى الكثيرين حول الثورة السورية، تكمل: «بعض
المثقفين المصريين يقارن بين الـ18 يوما الأولى من الثورة المصرية، وما يحدث الآن
فى سوريا، وهذه مشكلة سببها أن صوتنا لا يصل إلى الجميع، وبالتالى تغيب الصورة
الصحيحة عن الواقع السورى..». حسب حديثها، ليس لديها من وسائل الدعم سوى الحشد
الاعلامى، إلى جانب الاستمرار فيما كانت تنشط فيه من مجموعات ثورية على الانترنت،
وعلى رأسها (أمارجى ــ حملة الدولة المدنية السلمية) التى بثت ضمنها فيديوهات
تضامنية على الإنترنت، ومرة تتصدر لويز عرضا مسرحيا «مونودرامى» تمثل فيه وحدها تحت
عنوان: المندسة، أقامته فى قطر وتنتظر عرضه فى مصر الشهر المقبل. «المسئوليات أكبر
منى ومن إمكانياتى، أنا ممثلة من الصف الثانى، لست مغنية فأقيم حفلا غنائيا لدعم
القضية، ولست فى شهرة النجوم الذين ما زالوا صامتين عن دعم القضية، فى النهاية كل
مبادراتى لها حدود». وفدت لويز عبدالكريم إلى القاهرة قبل 8 أشهر فقط، إلا أنها
تتفق مع الناشطة سلمى جزايرلى فى أن أجواء الثورة المصرية وما تبعها من مسيرات
وفاعليات أكسبتها روحا ثورية جديدة، كما اتفقتا على أن حضورهما فى الإعلام على رأس
أولوياتهما إذا ما توافرت الفرصة من أجل دعم القضية، وذلك لهدف لا يخفيانه هو
«إظهار الوجه المدنى للثورة»، ونفى ما يروجه النظام السورى عن الثورة من أنها
انشقاقات لمتطرفين دينيين.
وسط الشرائح المتباينة من المجتمع السورى تبقى شريحة يراهن عليها كثيرون وهى
الطبقة التجارية السورية العريقة، ودورها وسط الجالية السورية فى القاهرة. «هناك
رجال أعمال اندمجوا فى النظام واستفادوا من فساده، هؤلاء هم من يدافعون عنه
باستماتة، ويدعمون الشبيحة (البلطجية) ضد أى احتجاج، أما الباقون وهم الأكثرية
فمنهم من يخشى الصدام مع نظام غاشم». يصف باسل كويفى رجال الأعمال السورى أوضاع
الطبقة التجارية السورية، ورغم إقامته فى مصر قبل 10 سنوات، إلا أن دوره أصبح أكثر
بروزا فى دعم اللاجئين السوريين بمصر، كغيره من رجال الأعمال المقيمين هنا فى مصر.
وقبل أشهر خرج آلاف المتظاهرين فى عدة مناطق سورية تحت اسم «جمعة تجار وثوار يدا
بيد حتى الانتصار» وذلك فى محاولة لحث الطبقة التجارية ورجال الاعمال فى سوريا على
الانضمام للانتفاضة ضد النظام، وما زال البعض يراهن على دور هذه الطبقة فى حسم
الصراع.
فى دراسة صدرت مؤخرا عن المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، تحت عنوان
«أعيان الشام واستعصاء العلمانية فى سورية»، يشرح الباحث صقر أبوفخر ذلك العقم الذى
أصاب ثلاث شرائح مهمة فى المجتمع السورى منذ بدايات القرن الماضى، وهم ملاك الأراضى
الزراعية، ورجال الدين، والتجار، لذا كانت مهمة حزب البعث الحاكم فى سوريا هى
السيطرة على شرائح المجتمع من خلال المؤسسة التى جاءت به إلى السلطة، وهى المؤسسة
العسكرية. هذه الملامح تفسر المشهد الحالى لدبابات ومدفعية تواجه الثوار فى سوريا.
كان المهندس باسل كويفى فى منصب أمين سر الغرفة التجارية السابق بريف دمشق، لكنه
يرفض أن يعتبره البعض جزءا من النظام، إذ لا يخلو الأمر فى أوساط الناشطين
السياسيين والمعارضين من اتهامات متبادلة فى بعض الأحيان يصفها قائلا: «الغرفة
التجارية ليست جزءا من الحكومة، وقد تعرضت للتهديد أنا وعائلتى فى سوريا كأغلب من
يبرز فى المشهد المعارض خارج الوطن.. مشكلة المعارضة الآن أن البعض يوجه اتهامات
للطرف الآخر دون تقدير اللحظة الحالية، ورغم ذلك فإن الأزمة توحدنا فى النهاية».
يرى باسل كويفى بحكم كونه رجل أعمال أن أهم طريق للمساندة الآن هو توفير المعيشة
لشريحة من اللاجئين السوريين الذين لا يستطيعون مواجهة الحياة هنا، وقد نجح فى هذا
الدعم بمساندة جمعيات خيرية ورجال أعمال من مصر. وفى جانب آخر يتحدث كعضو فى المجلس
الوطنى السورى، قائلا: «كنا قبل الثورة السورية نخطط كمعارضة فى الخارج لتصورات من
أجل نشر الديمقراطية فى الوطن، إلا أن الصحوة التى دبت فى البلدان العربية غيرت
خططنا تماما».
No comments:
Post a Comment