Friday, February 11, 2011

جدل حول الثورة في الشارع المصري

كتب – عبدالرحمن مصطفى
قد لا يلتقي هاني مصطفى – مصمم مواقع الكترونية – مع سيد عبدالله سائق التاكسي في يوم من الأيام وجها لوجه، لكنهما إن التقيا في لقاء عابر سيحمل كل منهما وجهة نظر متعارضة مع الأخرى حول استمرار اعتصام ميدان التحرير، فبينما يلخص هاني الشاب الثلاثيني موقفه قائلا: "هذا يكفي.. و ليعد المعتصمون إلى منازلهم". على النقيض يرى سيد السائق الخمسيني أن "الاعتصام يجب أن يستمر لتغيير النظام بأكمله، لأن هذا الجيل حقق ما لم تحققه الأجيال السابقة، ويجب أن ينجز الشباب مهمتهم تماما". هذين الرأيين ليسا حكرا على هاني مصطفى وسيد عبدالله بل هي حالة تسيطر على الشارع بين مؤيد ورافض لاستمرار الاحتجاجات، وهي الحالة التي بدأت تظهر مؤخرا داخل ميدان التحرير نفسه على يد المارة حين يحاول بعضهم دخول الاعتصام ومجادلة المعتصمين حول جدوى الاعتصام حتى رحيل الرئيس مبارك. اتخذ هاني مصطفى موقفه النهائي بعد حيرة على مدار الأسابيع الماضية، يشرح قائلا: "حتى الآن أشعر بالقلق، لا أعرف من يقود البلد فعلا، ولا أشعر بالأمان، يكفي أن الفترة الماضية كانت جحيما بعد انفلات الأمن، وكنا نقضي ليالي في حراسة الشوارع دون نوم، وكلها أمور لم أعتدها في حياتي.. هذه المواقف جعلتني أشعر بأن من يجلسون في ميدان التحرير لا يشعرون ببقية الناس في مصر. أنا على سبيل المثال لا أعرف إن كانت الشركة التي أعمل فيها ستتأثر في الفترة القادمة أم لا". لا ينكر هاني المكاسب التي حققها المتظاهرون في الفترة الماضية وأنه لولا تضحيتهم لما تغير المناخ العام إلى حد كبير، لكنه لا يخفي عبارات مثل: "أخشى من الانقسام والفتنة في المستقبل، والعمليات الانتقامية". نفس هذه العبارات كانت تدور في رأس سيد عبدالله سائق التاكسي الذي عاش قلقا مضاعفا بعد 25 يناير حين اضطر إلى أن يتوقف عن العمل لعدة أيام ثم العودة في ظل حظر التجوال، يضيف قائلا: "يوم الجمعة الأولى في المظاهرات كانت قنابل الغاز المسيل للدموع تمر من فوق التاكسي، وهو مشهد لم أره منذ السبعينات، في البداية لم انشغل، لكن مع ما لمسته من صبر المعتصمين هناك، وما تعرض بعضهم له من قتل وترويع، كنت أشعر بالخزي حين أسمع دعوات ترحيلهم من الميدان، وأغلب من حولي يرفضون وجهة نظري في ان هؤلاء الباب عليهم أن ينهوا مهمتهم في تغيير هذا النظام". ما ينقله سيد عبدالله من وجهة نظر هي التي جعلته يتسامح مع نجله الطالب الجامعي في الحضور إلى ميدان التحرير رغم إصراره على أن يعود الابن قبل حظر التجوال. وهي التي جعلته ينفعل في شارعه على أحد العاملين في وزارة الداخلية حين توعد المعتصمين بأن نهايتهم سوداء. حسب عبارة سيد عبدالله: "هناك نماذج في حياتنا يجب أن تختفي، ولا أمل في التعيير إلا عبر هذه الثورة". بعيدا عن تفاصيل الشارع وتحديدا في شبكة الانترنت استمر الجدل والحوار بين المؤيدين والمعارضين حول استمرار الحركة الاحتجاجية في مشهد شبيه بما يحدث داخل المواصلات العامة في المدن المصرية، وتكاد تتلخص حجة أنصار اعتصام التحرير في عبارة عبر عنها أحدهم على صفحته في فيسبوك قائلا: "لولا استمرار الاعتصام في التحرير لما أفرجوا عن وائل غنيم ولما حصلنا على بعض حقوقنا، لذا علينا أن نستمر حتى نحصل على جميع حقوقنا". يرى الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة أن ما يحدث الآن من استمرار الاعتصام في ميدان التحرير هو "حركة غضب لا نهائية، لا بد أن يتبعها التدبر العقلي والتفكير العملي حتى لا يتأثر الصالح العام". وكان الدكتور زايد في دراسة سابقة عن الثورات المصرية قد استنتج أن أغلب الثورات المصرية منذ الثورة العرابية مرورا بثورة 1919 انتهاء بثورة 52 كانت هناك فئة من المجتمع تقود الثورة نيابة عن الشعب، أما في الأحداث الأخيرة فيعلق قائلا: "عيب هذه الأحداث الأخيرة أنها بلا قيادة أو رؤية بديلة ما جعل روحها تتأثر بالفيسبوك حيث ما أسميه بالحرية السيبرية، حيث لا قيود، كذلك فهي ليست ثورة ضد احتلال أجنبي مثل الثورات السابقة، لذا ففكرة التغيير الجذري السريع أراها غير عملية، يجب أن يكون هناك تغيير تدريجي.. ومراعاة الصالح العام والفئات الأخرى من المجتمع التي قد تتضرر اقتصاديا". هذا الرأي يختلف قليلا الدكتور شريف يونس مدرس التاريخ بجامعة حلوان إذ يرى أن "انضمام فئات من العاطلين والذين على الحياد الآن قد يمارس ضغطا أكبر على السلطة، لأن هذه الثورة إذا أخمدت ستعود المؤسسات التقليدية إلى مشاكل الماضي. أما قد تسفر عنه الأيام القادمة إذا استمرت الاحتجاجات فهو إضفاء طابع ديمقراطي على المؤسسات التقليدية". ويضيف الدكتور شريف يونس أن تعامل النظام الحاكم مع الشعب هو الذي يدفع إلى مزيد من الاحتجاج، ويقول: "النظام احتقر الشعب بعدم تلبية طلب رحيل مبارك، وبما قدمه على شاشاته من تلفيق للتشنيع على الجماهير، رغم القمع فقد علم الناس من المتحضر ومن البربري في أحداث العدوان الأخيرة على المعتصمين في التحرير".
رغم اختلاف موقفهما من استمرار اعتصام التحرير إلا أن الدكتور أحمد زايد يرى أن خطورة المرحلة القادمة على المجتمع في أن ينشأ صراع النخب السياسية وتنتقل العدوى إلى الشعب وينتهي بنا الحال إلى نموذج لبنان، بينما يعبر شريف يونس عن قلقه من تمر هذه المرحلة لتغييرات شكلية ودون تحقيق مطلب المعتصمين كدليل على الديمقراطية.
وبعيدا عن جدل الشارع تستمر حملات دعم الاحتجاجات على موقع فيسبوك مثل محاكمة المسئولين عن تنظيم مسيرة تأييد مبارك البربرية للهجوم على متظاهري التحرير: ، وعلى الجانب الآخر تظهر مجموعات أصغر مثل: الشعب يريد إخلاء الميدان ليستمر الجدل حول مستقبل الاحتجاجات في المرحلة القادمة.

طردت من مسكنها بسبب اعتصامها في التحرير
لم تكن هالة غريب تدرك أنها ستواجه الطرد من شقتها إلى الشارع بسبب اعتصامها في ميدان التحرير، تقول هالة : "منذ بداية يوم 25 يناير وأنا في الميدان دون قلق حتى يوم الأربعاء 2 فبراير حين حدث تحول في الموقف وظهر أنصار مبارك في منطقة وسط البلد.. هنا تبدل الموقف تماما". تقطن هالة في إحدى العمارات التاريخية في منطقة وسط البلد حيث تعمل وتدرس هناك بعيدا عن عائلتها الموجودة خارج مصر، وفي بداية الأحداث لم تواجه أي مشاكل حتى بعد أن نبهها حارس العقار إلى أن صورتها قد ظهرت على صفحات إحدى الصحف المستقلة من داخل الاعتصام، وحسب عبارتها فإنه "كان متفهما لموقفها في البداية ومتقبلا لزيارة زميلاتها في المنزل". لكنها واجهت في اليوم التالي مباشرة مجموعة من أصحاب المحلات المجاورة وأعضاء لجان الحماية الشعبية يطالبونها بعدم الصعود إلى شقتها المؤجرة وتم تخوينها هي وزملائها واتهامهم بالعمالة، تشرح ذلك قائلة: "لم يكتفي المتجمهرين بالتهديد بل اعتدى أحدهم عليَّ وبدأوا جميعا في التشنيع علي أخلاقياتي رغم أنني طوال الفترة الماضية لم أكن مثار شك أبدا أثناء مشاركتي إيجار الشقة مع فتاتان أجنبيتان رحلتا مؤخرا إلى بلديهما". وأثناء اتخاذ إجراءات طرد هالة من الشقة المؤجرة ادعى بعض المتجمهرين حولها أنهم من الشرطة وحاولوا التحفظ على جهاز الكمبيوتر الشخصي (لابتوب) مدعين أنها تملك أجهزة تشويش وشككوا في مصريتها. تقول هالة: "منذ ذلك اليوم وأنا أقضي الوقت بين ميدان التحرير ومنازل صديقاتي مع أهلهن خاصة مع عجزي عن التصرف في أجواء نقص الموارد المالية وحظر التجوال". تركت هالة الأجهزة الكهربائية التي اشترتها في الفترة الماضية لمالك الشقة الذي تحفظ على ممتلكاتها وأعاد إليها مبلغ شهر التأمين ناقصا. ولم تجد وسيلة للانتقام من مالك الشقة على تصرفه سوى بالدخول إلى مجموعة شهيرة على شبكة فيسبوك تعلن عن شقق الإيجار للأجانب في مصر وأبلغت عن تصرف مالك الشقة المؤجرة معها، وبعيدا عن هذا تعلق قائلة: "الشيء الوحيد الذي أنساني كل ما أنا فيه هو أجواء الأمل الموجودة في ميدان التحرير التي أنستني وجود مثل هذه النماذج البغيضة التي طردتني من مسكني".
PDF

No comments:

Post a Comment