Thursday, May 2, 2013

أحلام في عصر النهضة

**
حلم «1» صعيدي جيكس: تحويل الصعيد إلى وادي السليكون
يضطر محمود أحمد (25 سنة) إلى المجىء من قنا إلى القاهرة أو الاسكندرية لمتابعة أحدث معارض التكنولوجيا والبرمجيات، إذ لا تغامر الشركات بإقامة معارضها فى الصعيد، ما كان يزيد من إحساسه هو وزملائه بالتهميش. «ما زلنا أسرى صورة نمطية عن الصعيد تظلم الكثيرين من المهتمين بالتكنولوجيا والبرمجيات». يعلق محمود الذى لم يستسلم لهذا الاحساس، ولم يفكر فى الانتقال إلى العاصمة هربا من الواقع المفروض عليه. كانت بداية الحل بعد بأسابيع من الثورة، حين دشن مع أخيه وصديقه مبادرة تحت اسم (صعيدى جيكس S3Geeks)، هدفها الأساسى إنشاء مجتمع للرياديين والمطورين والمبرمجين والمصممين لتبادل الافكار والخبرات، تمهيدا لإقامة مشروعاتهم الخاصة فيما بعد، وبدأوا أول فاعلية فى صيف 2011. لكن حلم «صعيدى جيكس» كان أكبر من ذلك، إذ يتلخص فى تهيئة الصعيد لحلم المستقبل حسبما يصف محمود: «الحلم الذى نريد تحقيقه هو أن يتحول الصعيد إلى مكان مثيل بوادى السليكون فى الولايات المتحدة الأمريكية». (وادى السليكون هو منطقة فى ولاية كاليفورنيا بها عدد هائل من شركات التقنية ومطورى البرامج، وهى من أهم المناطق الاقتصادية فى هذا المجال).
وأيا كانت وسائل «صعيدى جيكس» فى تحقيق طموحاتهم، يظل هدفهم الأساسى هو تكوين هذا المجتمع المنشود، واستهداف من لديهم شغف المعرفة بمجال التكنولوجيا والبرمجيات، بما فى ذلك الذين لا يملكون سوى المهارات الأساسية من المعرفة بالكمبيوتر، لذا لم يبتعدوا كثيرا عن العنوان الذى اختاروه منذ البداية، فكلمة Geek الانجليزية تشير إلى المهووسين بالمعرفة والتكنولوجيا والكمبيوتر.
فى مايو الحالى يحتفل شباب صعيدى جيكس بمرور عامين على وجودهم، طافوا فيها محافظات الصعيد، وخاصة عبر مبادرتهم: قطار صعيدى جيكس، من أجل كسب أعضاء جدد وإقامة الورش التدريبية والندوات. يصف محمود الوضع الحالى قائلا: «فريقنا مكون من 13 بنتا وولدا، ولدينا 30 سفيرا فى محافظات الصعيد». عمرو عربى (21 سنة) طالب السنة النهائية فى كلية الحقوق بجامعة أسيوط من مركز المنشأة فى سوهاج، هو أحد أولئك السفراء، قرأ إعلانا سنة 2011 فى كليته عن تلك المبادرة، واستمر معهم حتى أصبح الآن سفيرا لصعيدى جيكس فى محافظة سوهاج، وهو يشرح قائلا: «حين أقامت المبادرة فكرة قطار الصعيد، وجدتهم يعتمدون على أنفسهم بالكامل، وهو ما تغير مؤخرا مع وجود داعمين لنا، فاخترت مساندتهم فى محافظتى، ولم أكتف بذلك بل انطلقت معهم فى رحلة عبرنا فيها مئات الكيلومترات بين محافظات الصعيد المختلفة، وحتى حين يقام نشاط منفرد مثل الذى أقيم فى قنا مؤخرا، أتوجه فورا للمشاركة». هذا ما حدث معه حين أقيمت فعالية «قعدة صعيدى» فى محافظة قنا على مدار ثلاثة أيام متتالية، فقد اختار المبيت هناك كى يرحم نفسه من عناء المواصلات أو قطع الطرق.
والعبارة التى تتردد على ألسنتهم جميعا أننا نتحمل عناء هذه المبادرة من الصفر من أجل الصعيد، «الجنوب به خيرات، ولا أمل فى النهوض به إلا بأيدينا نحن»، حسب قولهم.
الحلم الأقرب الآن لمجموعة صعيدى جيكس هو تدشين مؤسسة لها مقر ثابت فى قنا مسقط رأس المؤسسين، لتكون نواة مشروع يغطى الصعيد بأكمله.. وعلى مدار عامين استهدفت صعيدى جيكس طلاب مدارس وشباب لا علاقة لهم بالكمبيوتر سوى الألعاب والدردشة، كما ضمت جلساتهم شباب آخرين على درجة جيدة من المعرفة بالكمبيوتر، ولكل منهم تعامل خاص، كذلك فإن طريقة إدارة الجلسات كثيرا ما تراعى ذلك بأن يسأل المنظمون عن مستوى الحضور، وما يرغبون فى التعرف عليه فى البداية، لكن تلك المبادرة ما زالت تواجه بعض المتاعب. «لم نجد دعما من أحد سوى بعض الشركات المتحمسة ومؤسسات المجتمع المدنى، أما كافة الأماكن الحكومية فاعتذرت عن التعامل معنا حين طلبنا توفير أماكن للورش التدريبية، بسبب أننا لسنا جمعية أهلية، عدا حالات قليلة مثل محافظة المنيا التى وفرت لنا قاعة نقيم فيها نشاطنا».
ورغم ضآلة العدد وضعف الامكانيات، إلا أن محمود أحمد أحد مؤسسى صعيدى جيكس يتحدث بثقة عن خطة 2014 قائلا: «إذا وفقنا فى تأسيس مقر وأخذنا التصريحات اللازمة فى خلال الشهور القادمة، سيكون العام القادم، بداية لتبنى برامج تستهدف حل مشاكل المجتمع الصعيدى، ولن نقتصر على أمور البرمجة والتقنية، وأرى أننا حققنا جزءا بسيطا من ذلك، فالتكنولوجيا نفسها تساهم فى تغيير سلوكيات المجتمع، يكفى مثلا أن مجموعتنا تضم فتيات فاعلات ضمن هذه المبادرة، وهذا أمر غير معتاد فى الصعيد».
فى أثناء حديثه يتلو محمود معلومات لا تسقط من ذهنه أبدا، محاولا إثبات وجهة نظره فى أن الصعيد أحق بالتنمية من العاصمة التى تضخمت بما فيها، من تلك المعلومات أن 40% من سكان مصر متمركزين فى الصعيد، وأن نسبة التعليم الجامعى قد ارتفعت بعد ازدياد عدد الجامعات هناك فى السنوات الأخيرة، ويختم قائلا: «إحنا مش شايفين أى نهضة، الكلمة دى أصبحت سيئة السمعة، كل اللى عايزينه فرصة للشباب يصنعوا نهضتهم بنفسهم».
**
حلم «2» مشروع بناء إنسان: تثقيف 10% من الشعب
هذه ليست ورشة دينية. هذه ورشة عملية تماما.. نبحث فيها عن النجاح فى الحياة من خلال إعادة الصلة بيننا وبين القرآن». هذا التنويه مكتوب على دعوة فى شبكة فيسبوك الاجتماعية، لورشة تدريبية تحت عنوان: مهارات النجاح فى عالم متغير. وهى فعالية فى مشروع أكبر ترعاه اللجنة الثقافية فى نقابة الأطباء اتخذ عنوانا ملفتا: مشروع بناء الإنسان. لكن هذا المشروع نفسه مهدد بالتعطل وهو ما نقله الأستاذ الدكتور خالد عمارة، مقرر اللجنة الثقافية والاجتماعية بنقابة الأطباء، حين كتب إلى أعضاء صفحة المشروع على فيسبوك قائلا: «تحدثت مع أمين عام النقابة، د.جمال عبدالسلام، واتفقنا على أن القاعات التى نفتحها كل يوم جمعة، والموظفين الذين يأخذون بدلات عن حضورهم لهذه النشاطات، هى تكلفة على النقابة يجب إيقافها طالما ليس لها المردود المتوقع ولا الحضور الكافى». وتم الاتفاق على إيقاف الندوات العامة التى تستضيف شخصيات عامة على أن تستمر ورش العمل التى ينظمها المشروع لفتره شهرين.
هذا التطور الأخير بعد أربعة أشهر من البدء فى المشروع، لم يمنع الدكتور خالد عمارة من أن يتحدث بنبرة متفائلة. فى داخل عيادته لجراحة العظام، يتحدث عن التغيير الذى أصابه بعد الثورة مثل كثيرين اختاروا أن يكونوا من المبادرين، وأن يجرب أفكارا جديدة، ولم تمنعه قلة الحضور إلى فعاليات مشروع «إنسان» من طرح حلمه كما هو قائلا: «هدفى تكوين مجتمع صغير لديه ثقافة عالية ومتنوعة، وباستطاعته أن ينقل ما لديه من معرفة إلى آخرين.. حلمى هو أن نصل بعد سنوات بعيدة إلى 10% من الشعب المصرى، وأن تكون دار الحكمة -حيث مقر نقابة الأطباء ــ هى البداية». مشروع «بناء الإنسان» يلخص طموح مجموعة من المتطوعين بعضهم من خارج مجال الطب، لكنهم على قناعة أن صورة الطبيب هى صورة الحكيم القديم الذى لا ينغلق على تخصصه فقط، ومن هنا كان لقاؤهم فى دار الحكمة، واختاروا فى سبيل ذلك إدارة مجموعة من الورش التدريبية والندوات بهدف تكوين شريحة مرتبطة بدار الحكمة فى نقابة الأطباء. ويستعيد الدكتور خالد عمارة ذكرى تأسيس دار الحكمة وموقف على باشا ابراهيم، أول نقيب لأطباء مصر، إذ كان يرى فى هذا المكان أكبر من مجرد نقابة. غير أن مشكلة أخرى كانت تلاحق مثل هذه الأحلام، على رأسها أن سمعة نقابة الأطباء مرتبطة بحضور جماعة الإخوان المسلمين داخل النقابة لسنوات، وهذه السمعة تسببت فى إعاقة استضافة بعض الشخصيات داخل ندوات المشروع. تعلق على ذلك الدكتورة منار عادل من المشرفين على المشروع قائلة: «البعض كان يظن أنه مشروع تابع لنشاط جماعة الإخوان المسلمين داخل النقابة، واحتجنا إلى بعض الوقت حتى تتضح الصورة».
رغم ذلك، إلا أن نظرة على البرامج الشهرية منذ أن بدأت فى يناير الماضى، قد تكشف عن هذا الالتباس، لأن محتوى بعض الورش قريب من فعاليات المجموعات الاسلامية التى تركز على الجوانب التربوية، كما أن بعض الورش قد استعار فيها المحاضرون نماذج من الحضارة الإسلامية والنصوص القرآنية.
«أنا أرفض أن يتم تنميطى وتصنيفى تحت عنوان: إسلامى، نحن نحارب التنميط، وضد هذه الطريقة فى التفكير». أعطت الخلفية الثقافية للقائمين على المشروع وبعض المدربين ذلك الانطباع، فبعضهم دارس للعلوم الشرعية، ومهتم بالحضارة الاسلامية. ويعلق الدكتور خالد عمارة قائلا: «أقيمت محاضرات عن الحضارة الصينية، وجلسات سماع للموسيقى الكلاسيكية». يصمت قليلا ثم يستكمل حديثه: «ربما نكون قد تحركنا فى محيطنا فى بداية المشروع، وبعضنا يحمل اهتمامات بالشأن الاسلامى». أحد أسباب تدشين مشروع بناء إنسان أنه امتداد لمشروع آخر كان يستهدف الأطباء هو «مشروع إعداد طبيب حكيم»، وذلك بعد أن لاحظ الدكتور عمارة أن هناك أخطاء يقع فيها الأطباء لها صلة بالجوانب السلوكية والأخلاقية، كما لاحظ انخراط الأطباء فى مجال تخصصهم دون إدراك لأى من مجالات الثقافة المتعددة، أما مشروع «بناء إنسان» فهو لمن هم خارج النقابة بشكل عام.
مازال المتطوعون فى مشروع «بناء إنسان» يطمحون فى تحقيق حلمهم بأن تتحول دار الحكمة إلى إسم على مسمى، حتى إن اضطروا إلى إقامة بعض الفعاليات خارج قاعات النقابة. يختم الدكتور خالد عمارة معلقا: «النشاط لا يتبع أى تيار بعينه، والتحدى والاختبار الحقيقى فى مشاركة الآخرين والاقتراحات، على أن يكون ذلك فى مجالى الثقافة والعلم».
**
حلم «3» رحاب الدليل: نشر الطاقة الإيجابية بالصورة
أحلم أن أرى صور البسطاء والمهمشين فى لوحات دعائية بارزة، تدعم وجودهم وتحترم دورهم فى المجتمع».تتحدث مدربة التصوير رحاب الدليل (24 سنة) عن حلمها البعيد فى أن تنجح الصورة فى الانتصار لمجموعات مهمشة، وأن تنشر طاقة إيجابية بين المصريين.
فى مركز درب 1718 للفنون المعاصرة بمنطقة مصر القديمة تعمل داخل ورششة تدريبية أقامتها تحت عنوان (ورشة التصوير الفوتوجرافى الهادف)، يبدو العنوان غريبا حتى لمحترفى التصوير، لكن رحاب تشرح ذلك بقولها: «كثير من الحملات التى تدافع عن قضايا بعينها تستخدم الصورة، لكن ما وجدته فى تجارب عديدة أنه أحيانا ما تخفق الصورة فى التعبير عن القضية». داخل الورشة، توجه ملاحظتها للمتدربين وتذكرهم بنقاط أساسية قد يغفلها البعض، مثل الهدف من المشروع، القضية المطلوب دعمها، وكيف سنوصل الرسالة المطلوبة. لكن هذا التدريب ليس إلا وسيلة تستخدمها رحاب لتوصيل فكرة أخرى تحاول العمل عليها، وهى نشر الطاقة الإيجابية من خلال الصورة، وتوضح ذلك بمثال من خلال مشروع تصوير أنجزته بدعم من منظمة UNWOMWN، إذ تقول: «كانت الفكرة حول العنف ضد المرأة، اخترت العنوان: نحن جميعا فراشات، وحاولت العمل على الفكرة دون أن أورط نفسى فى نشر طاقة سلبية أو إصابة المشاهدين بالكآبة والغم.. أعتقد أن مصر الآن فى حاجة إلى بث الأمل فى النفوس، وأرجو أن يكون للصورة دور فى هذا الأمر». عملت رحاب الدليل فى مجالات التصوير التجارى لفترة ،لكنها تعمل الآن على مشروع شخصى بعنوان (أنا موجود).
ينقسم هذا المشروع إلى قسمين، الأول هو (كلمة حلوة) ويعتمد على استخدام صور لمواطنين يحملون لافتة صغيرة مكتوب فيها عبارة متفائلة أو نكتة أو نصيحة تلائم وظيفتهم، أما القسم الثانى من المشروع فهو (أنت مهم) وهدفه الانتصار لأصحاب المهن المتواضعة والمهمشين، وتصويرهم على أمل أن تتبنى إحدى المؤسسات فكرتها. يتم تزيين الشوارع التى يعمل بها هؤلاء بصورهم على لوحات دعائية كبيرة، وتبرز أهميتهم سواء كانت المهنة، صاحب كشك، عسكرى مرور، أو غيرها من المهن. «عشان نحقق الهدف ده، يبقى الموضوع أكبر من مجرد صورة، لازم الصورة تحقق الهدف بشكل فنى، وده اللى باحاول أنقله للمتدربين فى الورشة»، هكذا تشرح هدفها موضحة أن أحد شروط الورشة أن يشاركوا فى مشروعها (أنت مهم) على أمل تحقيق حلمها فى المستقبل.
«أؤمن بالحديث الشريف القائل: أنا عند ظن عبدى بى، لذا سأظل مرابطة على فكرة توصيل الرسائل عبر صور تبث الطاقة الإيجابية والتفاؤل فى عيون المشاهدين، حتى لو اختلف معى كثير من المصورين، فلو اخترت تصوير مجموعة من أطفال الشوارع لا أعتقد أن الرسالة الأهم إبراز قبح ملابسهم، فأنا أركز على الهدف، وعلى الأمل.. يكفينا ما حولنا من سواد».
فى داخل الورشة يعرض المتدربون صورهم واحدا تلو الآخر، وتسجل رحاب ملاحظتها الفنية، وتعمل على إعادتهم طول الوقت إلى الهدف والرسالة. أما الحلم الأكبر فهو نشر هذه الفكرة عبر مدرسة للتصوير تسعى رحاب لإنهاء إجراءاتها فى أقرب وقت.

No comments:

Post a Comment